وحدة العمل ضمانة تحقيق الاصلاحات / الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2015

تشهد بغداد والمحافظات، على مدى الاسابيع الاخيرة، حراكا شعبيا واسعا لم تألفه بلادنا منذ عقود عديدة. وقد مهدت لهذا الحراك سلسلة طويلة من الاحتجاجات الشعبية، التي رفعت مطالب مشروعة متنوعة تمس حياة الناس مباشرة، خاصة في مجالات الخدمات ومحاربة الفساد.
وتواصل هذا الحراك ليدخل الجمعة الماضية اسبوعه السادس، مكتسبا زخما متناميا تعكسه مشاركة مئات الألوف من المواطنين من مختلف الانتماءات الاجتماعية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات المهنية ومجاميع التواصل الاجتماعي، في عموم المحافظات.
ولعل السبب الرئيس لاستمرار التظاهرات، ولتنامي الانخراط فيها من جانب جماعات وفئات وشرائح اجتماعية في غاية التنوع، هو الرغبة المشتركة في رؤية وعود الاصلاح التي اطلقها رئيس الوزراء والبرلمان، تنفذ وتتحول إلى واقع فعلي، والرغبة في إدامة المطالبة باجراءات فعلية لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، خصوصا الرؤوس المسؤولين والمتورطين في نهب المال العام. حيث لم يتم حتى الآن اتخاذ اي خطوة او اجراء جاد وملموس بحقهم. وكان ينبغي التعامل مع تطبيق الاصلاحات وفق رؤية واضحة وآليات محكمة، وان تعلن جهارا وبكل شفافية .
ويخرج المتظاهرون مطالبين في الوقت ذاته ان يمتد الاصلاح والتغيير إلى جميع سلطات الدولة ومفاصلها التي تعاني من الفساد وسوء الاداء، وهي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. الامر الذي لم يتحقق هو ايضا حتى الآن.
إن الغاية من الاصلاح ومحاربة الفساد ليست فقط الضرب على ايدي الفاسدين، ووضع حد لسرقة المال العام واستعادة الأموال المنهوبة، واتخاذ بعض الاجراءات الادارية التي تضمنتها حزم الأصلاحات المُـقرة حتى الآن. فهذا كله ضروري ويمثل جزءا من عملية الاصلاح، ولكنه غير كاف لأن المطلوب هو التوصل إلى معالجات جذرية لمشاكل البلاد، وهذه لا تتحقق إلا عبر اصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية، وما يرتبط بذلك من اصلاحات تشريعية وادارية ومالية واقتصادية. كما لابد من إعادة هيكلةٍ وبناءٍ للمنظومة العسكرية والأمني.
فالنظام السياسي القائم على المحاصصة اثبت فشله الكامل على جميع الأصعدة، واصبح منتجا للأزمات والفساد، وزاد من التفاوت الاجتماعي والفوارق الكبيرة في دخول المواطنين، ومن التوترات داخل المجتمع ، وظهر عاجزا عن تقديم الحلول التي يتطلع اليها شعبنا بصبر نافد، وهو من تعبّر عن إرادته الجموع المحتشدة في ساحات التظاهر.
ان الهدف هو، في النهاية، بناء دولة ديمقراطية فاعلة ذات طابع مدني. لكن القوى المتنفذة في سلطة الدولة تعاملت معها وكأنها غنيمة، فراح كل طرف يحاول الاستحواذ على حصة فيها. وعلى هذا فالعراق بشكل ادارته الحالي غير قادر على توفير كامل مستلزمات مواجهة التحديات الأمنية التي تفرضها حربنا ضد الإرهاب ، فيما لا تزال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحاصرنا، مسببة المزيد من الخسائر والتضحيات البشرية والمادية، ومهددة وحدة وتماسك النسيج الوطني، وكيان الدولة وسيادتها الوطنية.
إن دولة تقوم على اقتصاد ريعي، تهمل القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة والخدمات والأنشطة المنتجة الأخرى، وتضيّق الخناق عليها، لا يمكن ان تصمد قوية أمام مثل هذه الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها العراق، وان تؤمّن متطلبات توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لأبناء الشعب. لا سيما في ظل انعدام الرؤية الاقتصادية الوطنية ومشروع التنمية المستدامة، وغياب سياسة نقدية ومالية منسجمة ومترابطة مع الخطط الاقتصادية، فضلا عن تدني اسعار النفط في السوق العالمي.
لقد اصبح الاصلاح ضرورة وليس مجرد خيار، وان التهاون والتردد في الاقدام عليه وانجازه ستكون لهما عواقب وخيمة ومتفاقمة على البلاد وعلى المجتمع، وسترفع من تكلفة الثمن الذي تدفعه العراقيات والعراقيون بالدم والمعاناة الانسانية الشديدة، كما تزيد احتمالات سير البلاد والمجتمع نحو التفكك والتمزق.
وقد تشكلت في الأسابيع الأخيرة ملامح تبلور لاصطفاف او تكتل جبهتين: جبهة دعاة الاصلاح ومناصريه ومكافحة الفساد من جهة، وجبهة المناوئين للاصلاح ومعرقليه ممن تضررت مصالحهم بسببه أو ستتضرر.
ويضم كل من الجبهتين قوى وجماعات وشخصيات عابرة للطوائف والاطياف على اختلافها. وبما أن عملية الاصلاح متعددة المستويات والمجالات، فان القوى المناوئة للاصلاح تعمل ليل نهار لتأمين الوسائل التي تمكنها من الالتفاف على الاصلاحات المعلنة المتعارضة مع مصالحها، والحيلولة دون تنفيذها. وعلى ذلك فالمتوقع ان تشق الاصلاحات طريقها عبر صراع محتدم، يتخذ اشكالا متنوعة ويستغرق زمنا. وهذا يتطلب ان تتعزز وحدة عمل القوى المتنوعة سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا، المجتمعة على المطالبة بالاصلاح.
ان الحراك الجماهيري هو الوسيلة الناجعة وصمام الامان لادامة الضغط الشعبي من جانب كل الشرائح الاجتماعية المطالبة بمحاربة الفساد والقيام بالاصلاح. لذا فمن الواجب ان ترسخ هذه الفئات تعاونها، وأن لا تجعل من التقائها في اطار التظاهرات، الذي انعش الأمل والثقة وعزز الشعور بالهوية الوطنية في اوساط شعبنا، لحظة عابرة تختفي حال انتهاء حدث التظاهر. انما يتوجب السعي من اجل ان تكون منطلقا لعمل موحد اقوى وارسخ واعمق، حتى تحقيق الاصلاح ووضع البلاد على سكة التطور والنماء والأمن والاستقرار، وبما يعزز معركتنا الضروس ضد الارهاب وتنظيم داعش، ويقطع الطريق على القوى المعادية للعملية السياسية برمتها، وعلى محاولاتها التسلل إلى الحراك الجماهيري وحرفه عن أهدافه المشروعة.