تأهيل قواتنا المسلحة ..مهمة لا تقبل التأجيل / الإثنين, 22 حزيران/يونيو 2015

الانتكاسة السياسية - الامنية التي حصلت في الـ 10 من حزيران في اعقاب احتلال التنظيم الارهابي داعش لمدينة الموصل وتوسيع سيطرته الى محافظات ومدن اخرى في وطننا العزيز، وما حصل مؤخرا من تمدد لداعش في الانبار، كشفا عن مجموعة مهمة من الوقائع والمعطيات والحقائق، وافرزا دروسا غنية، لابد من التعامل معها بجدية اذا ما توفرت الارادة الوطنية الحقة لهزيمة داعش واحلال الامن والاستقرار في ربوع بلدنا، والسعي الى مراكمة عوامل الانتصار وتجفيف منابع الارهاب والحؤول دون عودة داعش ومثيلاتها باي شكل كان وتحت اي عنوان .
ان عددا من الافكار والمواقف قد جرى التعبير عنه في الاحتفالات التي جرت في مناسبة الذكرى الاولى لتأسيس الحشد الشعبي، فيها الكثير من عدم الدقة، وخلط الاوراق، ولكن أسها واضح في عدم القناعة بدولة المؤسسات، فلا توجد دولة في العالم بغض النظر عن طبيعتها، لا تعنى بركن اساس فيها لأداء مهامها وهو تشكيل وبناء القوات المسلحة القادرة والفاعلة .فاذا توفرت النية الصادقة والتوجه الجاد لبناء دولة المواطنة التي تتسع لكل العراقيين، فلابد من ان تكون الاولوية لعملية تأهيل القوات المسلحة لتأخذ دورها كاملا، من دون ابطاء، في دحر الارهاب، وفي الدفاع عن الوطن وناسه وتحقيق الامن والاستقرار وحماية العملية السياسية والحياة الدستورية، وفي المساعدة على اعادة الهيبة للقانون والدولة ومؤسساتها الشرعية، بما يمكن في نهاية المطاف من التطبيق الفعلي لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة والقضاء على اي تشكيل مليشياوي مهما كان اسمه وعنوانه .
ان من غير المقبول التشكيك ذا المردود السياسي بقدرات القوات المسلحة وترويج عدم الثقة بها وبامكاناتها، فهذا التشكيك يؤثر على المعنويات سلبا، ليس فقط على القوات المسلحة وانما على المتطوعين في الحشد الشعبي ايضا .
ان الحشد الشعبي ظهر ضرورة وحاجة ملحة، سندا وداعما للقوات المسلحة، وليس بديلا او منافسا لها، او متعارضا معها، وهو يبقى في كل الاحوال حاجة مؤقتة، حتى لو اكتسب طابعا رسميا كما اقترح مجلس الوزراء في مشروعه المقدم الى مجلس النواب والقاضي بتأطير الحشد الشعبي والمتطوعين في اطار الحرس الوطني، فهو حاجة مؤقتة تتغير ضرورتها بتغير الظروف والسير بخطوات جادة على طريق بناء القوات المسلحة، والعودة الى الدستور وتشريع قانون خدمة العلم باعتماد الخدمة الالزامية لضمان بناء جيش وطني وبعقيدة وطنية لحماية ارواح وممتلكات الشعب وحدود الوطن، ولترسيخ مبدأ المواطنة .
وعليه يتوجب عدم افتعال اي تناقض بين القوات المسلحة والمتطوعين في الحشد الشعبي، لن ينجم عنها الا ارباك الوضع العام وخدمة اجندات لا صلة لها بمصلحة الوطن، ولا علاقة لها باي توجه جدي لتحقيق انتصار جذري على الارهاب وداعش .
ان من بين تلك الدروس الثرة المشار اليها، ما يخص القوات المسلحة العراقية النظامية (الجيش، الشرطة، التشكيلات الامنية الاخرى) التي تعثرت، للاسف، عملية اعادة بنائها، رغم الضجيج الذي صاحب هذه العملية، والمبالغ الكبيرة التي خصصت لها . ورغم كل ذلك تبقى الحقيقة الساطعة ان بناء القوات المسلحة قام على الاسس الخاطئة ذاتها المعتمدة في الحكم، وفي بناء مؤسسات الدولة الاخرى، اسس المحاصصة الطائفية الاثنية، وشراء الذمم والولاءات، والتفكير البائس في تكوين مراكز للقوى واستخدامها في المعارك الساسية، بعيدا عن مهامها الدستورية المكلفة بها .
واصبح من الواضح ، وخصوصا بعد الـ10 من حزيران، ان الحاجة ماسة الى عناية فائقة بهذه القوات كي تستطيع لململة صفوفها واعادة الثقة بنفسها، ورفع معنوياتها والتخلص من حالة التردد والشعور بالخيبة والاحباط، والتوجه الجاد الى ردم الثغرات الجدية ومعالجة النواقص الفاقعة التي كشفتها الاحداث الاخيرة مرة واحدة ، فلا يمكن تصور امكانية حصول تقدم حقيقي ، وفقا لاستراتيجية وطنية شاملة متكاملة ضد الارهاب وداعش والانتصار في الحرب ضدهما، من دون احراز تقدم جدي في عملية اعادة هيكلة القوات المسلحة وبنائها على اسس سليمة وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية وتخليصها من الفاسدين والمرتشين والفضائيين ، واعدادها عقيدة وتسليحا وتدريبا، ورفع قدراتها القتالية واللوجستية والاستخباراتية، واسناد المسؤولية فيها الى من اثبت جدارته بغض النظر عن قوميته وطائفته ودينه، ومنطلقاته الفكرية والسياسية، اضافة الى حسن ادارتها وتوجيهها بعيدا عن المنطلقات والحسابات الضيقة والانانية والشخصية على حساب المصلحة العامة العليا للشعب .
ان اي تأخير في هذه الاجراءات، او التباطؤ فيها ، وتحويل دورالقوات المسلحة الى تابع او ثانوي او اهمالها، هو لعب خطر بالنار ويلحق الضرر بالوطن ومصالحه، ويعيق ويؤخر ويعرقل عن عمد وقصد تقريب ساعة الانتصار التي لا تحتمل ظروف بلدنا انتظارا طويلا لها، ولا سيما ان النزف يتواصل في البشر والمال والاقتصاد، والبنى التحتية، وفي توقف عملية البناء والإعمار، وفي حالة الانتظار المرهقة وما يرافقها من تداعيات .
ان السير على هذا المنهج المطلوب في بناء القوات المسلحة، يتوجب ان لا يوضع في تقاطع مع دعم واسناد المتطوعين في المعركة ضد داعش، وتقديم العون والاسناد لهم ورعاية عائلات الشهداء منهم، فالمتطوعون يؤدون واجبا وطنيا في لحظة تاريخية حاسمة.
ان دول العالم المتحضرة، والتي تتمتع بقدر من الامان والاستقرار .تسعى الى بناء قواتها وتأهيلها، فمن دون هذه القوات المعدة جيدا، على وفق الرؤى والمنطلقات الوطنية والمواطنة، يصعب الحديث عن دولة تنهض بواجباتها في خدمة المواطن والوطن، وتكون حقا دولة القانون والمؤسسات .