نحو مصالحة وطنية حقيقية / 02 كانون1/ديسمبر 2014

أشرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في اجتماعها المنعقد اواسط تشرين الثاني 2014، عدم احراز تقدم ملموس حتى الآن في موضوع المصالحة الوطنية، رغم كل ما عقد من مؤتمرات واجتماعات واقيم من مهرجانات وانفق من اموال، كرست جميعا لكسب مجموعات وافراد وعشائر. وقد تبين لاحقا ان ذلك كله وظف في الواقع لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية ضيقة. وفي الاجواء غير الصحية التي سادت وانعدمت فيها الثقة، وطغى فيها تبادل الاتهامات واطلاق التصريحات غير المسؤولة، وتأجيج المشاعر، الى جانب الادارة السيئة للبلاد، وطغيان نمط التفكير غير الديمقراطي ونزعات التفرد ونهج التهميش والاقصاء، برزت الخلافات، ايضا، في شأن مفهوم المصالحة، ومضامينها، والاجراءات التنفيذية الواجب اتخاذها للوصول اليها.
وفي الظروف الراهنة التي يمر بها البلد، وما اصاب الوحدة الوطنية من تصدعات والنسيج الاجتماعي من شروخ، ومع استمرار التأجيج الداخلي والخارجي، يكتسب موضوع المصالحة الوطنية اهمية متزايدة، لا بل ان له الصدارة بين الاولويات التي تواجه الحكومة الجديدة، والكتل السياسية المشاركة فيها، وعموم قوى الشعب السياسية وجماهيره. فمن شأن احراز تقدم في هذا الملف الحساس ان يدفع البلاد على طريق استعادة الامن والاستقرار والحياة الطبيعية، وانطلاق عملية الاعمار والبناء، والسير بخطوات ثابتة نحو بناء مؤسسات الدولة.
ان السير على طريق تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، واحراز نجاحات في معالجة ما تراكم من سلبيات وردم ما حُفر من اخاديد بين اطياف الشعب، يفرضان على الاحزاب والكتل السياسية، والمتنفذة منها على وجه الخصوص، الادراك العميق لخطورة ما وصلت اليه الامور وما يحيق بالوحدة الوطنية من تهديدات. وان عليها وهي تتعامل مع هذا الملف الحساس ان تتعالى فوق المصالح الانانية الضيقة والمكاسب الوقتية، وتأنف شراء الذمم واغداق الاموال وتوزيع الاسلحة على المناصرين والمريدين، لتستقوي بهم من ثم في حسم القضايا والخلافات السياسية. فمثل هذا السلوك الحق اشد الضرر ببلادنا، وان عواقبه واضحة ماثلة في ما حصل في 10 حزيران الفائت وفي تداعياته المتواصلة.
وفي رأينا ان من التقدير الصائب لاهمية وحساسية موضوع المصالحة ان يتم ادراجه ضمن الاولويات في وثيقة الاتفاق السياسي، وان يجري تأكيد ذلك في المواقف والتصريحات ذات العلاقة لرئيسي الجمهورية والحكومة، وان يعلن عن العزم على المضي قدما في طريق تحقيقه. الامر الذي يتوجب السير فيه حتى نهايته عبر تحضيرات واستعدادات جادة، تؤمّن تفادي تكرار الاخفاقات السابقة، والحيلولة دون اختصار الموضوع بكامله في بضعة اجراءات مبتسرة او بيانات لا تغني ولا تسمن من جوع.
ولا بد كذلك من ادراك حقيقة ان للمصالحة اهميتها وضرورتها ارتباطا بالدور المطلوب من جانب ابناء المناطق المكتوية بنار داعش، والذي يستلزم توجيه رسائل تطمين لهم، ومد الجسورنحوهم، وتشجيع روح المقاومة المتنامية في صفوفهم. كما بات ضروريا تبديد قلق ابناء المناطق التي تتحرر من قبضة داعش ومخاوفهم من الوقوع تحت أي تهديد، أيّا كان مسماه، وضمان سلامتهم مع ممتلكاتهم وبيوتهم.
ان المصالحة ليست مهرجانا يبدأ وينتهي بكلمات معروفة سلفا، وانما هي - قبل كل شيء - نهج ونمط تفكير وطريقة اداء واجواء ثقة، وتخلٍّ عن منطق الخنادق المتقابلة والمتربصة ببعضها، وعن سياسة قضم المواقع، والحرص الاكيد من قبل كل الاطراف على وضع مصالح الشعب والوطن فوق كل اعتبار. وبهذا الفهم تكون حدود المصالحة واضحة، بحيث لا تشمل في اية حال وبالاستناد الى القضاء العادل - من تلطخت اياديهم بدماء العراقيين، ومن يتمسكون بنهج حزب البعث الصدامي، ومن لهم صلة من بعيد او قريب بالارهابيين، في مقابل شمولها جميع من يؤمنون بالعملية السياسية بآفاقها الديمقراطي، وبالعمل السلمي والدستوري.
وفي سياق السعي الى ذلك تأتي دعوة حزبنا الى عقد مؤتمر وطني شامل، تشارك فيه القوى والاحزاب المؤسسة للعملية السياسية والمشاركة فيها، سواء كانت مشاركة في الحكومة اليوم او من خارجها، ويمكن توسيعه ليشمل قوى وشخصيات اخرى. مؤتمر يتوجب التحضير الجيد له، ويوضع في الاعتبار ان لا يقتصر عمله على عقد جلسة واحدة ولمرة واحدة، وان تتمثل مهمته الاساسية في تصحيح مسار العملية السياسية ووضعها على السكة السليمة، بما يفضي الى الخلاص من المحاصصة الطائفية- الاثنية، والتوجه نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
انه مطالب بطرح بدائل تساعد على انقاذ العراق مما هو فيه، واتخاذ قرارات وتوصيات تأخذ طريقها الى السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتبنيها وتحويلها الى اجراءات ملموسة على ارض الواقع.