نحو علاقات خارجية متكافئة وفاعلة / 17 كانون1/ديسمبر 2014

تعكس الزيارات العراقية الرسمية إلى الدول العربية ودول الاقليم والعالم في الآونة الأخيرة، رغبة وتوجها لترميم علاقات بلادنا الخارجية، التي شابها عدم الاستقرار والتوتر فترة طويلة من الزمن، وفي مسعى لبعث الحياة فيها ومد جسور متينة وبناء أواصر قوية مع تلك الدول .
ويأتي هذا النشاط الواسع للدبلوماسية العراقية والمسؤولين على مستوى الرئاسات الثلاث، في ظل أوضاع بالغة الخطورة، خصوصا بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية- داعش على مناطق واسعة من البلاد، وبما يشكله هذا التنظيم الإرهابي من تهديد لعموم المنطقة، بل وللعالم باسره.
ورغم التفاؤل الذي حفزته الزيارات الرسمية المتحققة ، إلا أنه يبقى أمام العراق شوط طويل، يتطلب جهوداً متواصلة تتناسب مع عمق ما تراكم من توترات وتنشنجات ، ولوضع العلاقات مع هذه الدول في سياقها السليم ، ومن اجل استعادة العراق دوره ومكانته .
ومن نافل القول أن تفعيل العلاقات الخارجية لا يقتصر على تبادل الزيارات الرسمية، والاشتراك في المحافل والمؤتمرات الدولية، بل يتطلب ، ايضا ، وضع إستراتيجية تتضمن رؤية منهجية لمتطلبات بناء هذه الملف المهم والحساس، وتجاوز أخطاء الماضي والتعثر والانغلاق والتناقضات عبر حوار بناء، ومد جسور للثقة ، واعتماد صدقية في التعامل تستند الى مباديء القانون الدولي والشرعية الدولية ولوائح حقوق الانسان وميثاق الامم المتحدة .
فعلى مدى سنوات مضت، كان ملف العلاقات الخارجية مثقلا بما كان من سوء ادارة للبلد ، وبإرث من التعقيدات والمشكلات والملفات المعقدة. وعانت الدبلوماسية العراقية بمختلف مستوياتها من صعوبات جدية، كان ابرز أسبابها انعكاس الاوضاع العامة للبلد عليها، وهي الناجمة اساسا عن المحاصصة الطائفية - الاثنية المقيتة ، اضافة الى تعدد مراكز القوى الممسكة بهذا الملف وتباين مصادر القرار المؤثرة فيه ، فضلاً عن إطلاق البعض العنان لخطاب انفعالي طائفي غير متوازن .
ولا يفوتنا القول أن بعض القوى السياسية التي تماهت مع الأجندات الخارجية واستمرأت الاعتماد على العامل الخارجي، وفتحت الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية في شؤون العراق الداخلية ، وحولته إلى ساحة للصراع وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، كانت سبباً مهما في إضعاف السياسة الخارجية للدولة وفي عزلة البلد عن محيطه والعالم .
أن سير الحكومة ورئاستي الجمهورية والبرلمان بجلاء وبخط ثابت نحو تعزيز علاقات العراق الخارجية وتطويرها ، يتطلب قبل كل شيء ان يستند هذا التوجه السليم على وحدة وطنية متينة ، ومصالحة وطنية حقيقية. كما يتطلب تصحيح مسار العملية السياسية ووضع معالجات للأزمات المتراكمة، بما يخلق بيئة داخلية قادرة على تحقيق التوافق العام، وتوحيد الخطاب الوطني إزاء القضايا المصيرية التي تواجه بلدنا.
ولا شك أن تعزيز الاقتصاد العراقي وتنويع مصادره ، وبناء دولة مؤسسات قوية مبنية على أسس ديمقراطية وممارسة سليمة لهذه الديمقراطية، تحظى بقبول ودعم واسعين من المواطنين ، سيعطي قوة تأثير كبيرة ودفع للمسعى الدبلوماسي الى بناء علاقات متكافئة مع دول العالم وتحقيق المصالح المشتركة. ففقدان نقاط القوة الداخلية الداعمة للسياسة الخارجية، شكل على الدوام حالة ضعف جدية في جهود تحقيق هذه السياسة لاهدافها ومآربها .
ان مصالح الوطن العليا يتوجب ان تكون المعيار الاساس في بناء علاقات خارجية متوازنة. ومن دون ذلك فإن هذا الملف سيبقى خاضعا إلى الشخصنة ومزاجية هذه القوة أو تلك ، هذا الشخص او ذاك .
ومن رأينا أن التحرك الدبلوماسي يتطلب تعاملاً حذراً وقراءة موضوعية لمجرى الأحداث والمواقف، ومدى اقترابها او ابتعادها عما يخدم مصالح الشعب العراقي ، ومدى انسجامها مع هذه المصالح في اللحظات التاريخية الملموسة .
وتتوجب قبل ذلك إعادة بناء المؤسسة الدبلوماسية وتخليصها من حالة الترهل، واصلاحها عن طريق اعتماد الكفاءة والنزاهة ، لتكون منسجمة مع التوجهات الجديدة في تحقيق التعاون والارتقاء به مع الدول العربية ، ودول البعدين الاقليمي والدولي ، وفي تنسيق الجهد المشترك لمواجهة التحديات التي تحيط بالبلد، وبالأخص على مستوى التصدي للارهاب، وفي الابعاد المتعددة لمتطلبات مكافحته وصولا الى دحره .
ان ما تحقق على صعيد تنشيط علاقات البلد الخارجية حتى الآن ليس سوى خطوات في الاتجاه الصحيح، تحتاج الى رعاية وتنمية ووضوح في الخطاب ووحدة له. مثلما تتطلب تأمين استناده الى انجازات داخلية باتت مطلوبة لاعطاء زخم لسياسة خارجية ديناميكة وفاعلة ، وتوظيف كل ذلك في معركة شعبنا ضد داعش الارهابي واخواته، وتوفير الامن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية، وتهيئة مستلزمات البناء والاعمار والحياة الكريمة اللائقة.