حتى ننتصر .. دروس لا بد من استيعابها 1 كانون الثاني 2014

اعتبرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في اجتماعها اواسط الشهر الجاري 2014 ، ان ما حصل في الموصل وتمدد تنظيم الدولة الاسلامية داعش الارهابي الى محافظات ومدن اخرى ،حدث فاصل، وأن عراق ما بعد 10 حزيران لا يمكن ان يعود إلى ما كان عليه قبل ذلك ، من دون تغييرات حقيقية في النهج السياسي ونمط التفكير ، وفي ادارة البلاد وفي العلاقات ما بين القوى السياسية المؤثرة في المجتمع ،وفي عملية بناء الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية . ولا من دون احراز تقدم ملموس في محاربة الفساد ، وعلى صعيد اعادة لحمة النسيج الوطني العراقي، بعيدا عن خطاب وممارسات الانفراد بالسلطة والتمييز والاقصاء والتهمش. واشر الاجتماع ايضا حقيقة ان ما حصل لم يكن بدون مقدمات ودوافع واسباب ، تلزم الحاجة التوقف عندها مليا واستخلاص العبر والدروس منها . فالنكسة السياسية - الامنية كانت حصيلة مجموعة من العوامل والمسببات، المركبة والمتداخلة، الداخلية والخارجية. وهي ثمرة لما هو سائد في بلدنا من اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية واعلامية ونفسية، ويكمن جذرها الأساس في نظامنا السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والاثنية، وفي العداء الذي تحمله اطراف وقوى داخلية وخارجية عديدة للعملية السياسية بأفقها الديمقراطي الاتحادي، وفي العمل على اسقاطها.
وقد وجد هذا كله انعكاساته في المؤسسة العسكرية والامنية، التي يقوم بناؤها على المحاصصة الطائفية، والتي افتقدت العقيدة الوطنية الراسخة، وتخلخل تماسكها الداخلي، وغدت شديدة التاثر بالتقلبات السياسية ، وبالتناقضات واجواء الاحتراب. وترك ذلك بصماته على جاهزيتها وانضباطها وكفاءتها وفاعليتها ، وادى بالتالي الى عدم تمكنها من الصمود امام ما حدث. خاصة وهي تعاني ضعف تدريب وتأهيل قواتها، وعدم كفاءة الجهد الاستخباري فيها، واتساع حالات الفساد في صفوفها.
وقد أكدت احداث الموصل وحالات المدن والنواحي والقرى التي اجتاحتها داعش واستحكمت فيها، ان وجود حواضنها من جهة، وغياب العلاقة الايجابية بين المؤسسة العسكرية - الامنية والوسط الذي تعمل فيه، من سلطات محلية ومواطنين، من جهة أخرى، كان عاملاً اساسيا في تمكين قوى الارهاب من الدخول اليها والسيطرةعليها. كذلك لعب ضعف التعاون والتنسيق بين قوات الحكومة الاتحادية وقوات الأقليم دورا كبيرا في اضعاف قدرات القوات العراقية والتسبب في انهيارها.
وكانت ردود فعل الحكومة السابقة إزاء الهزيمة في الموصل بعيدة عن الاتزان ، حيث حاولت التخفيف من وقع تلك الهزيمة والتعتيم على حقيقة ما جرى، خصوصا في شأن تحديد المسؤولية ، وهوية من اصدر أوامر الانسحاب وما تبع ذلك من انهيار. فيما لم تكشف ،حتى هذه اللحظة ،الحقائق المتعلقة بتفاصيل ما حدث ومن يقف وراءه.
وجاءت ردود فعل الناس والكتل والاحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية ، ومنها الحزب الشيوعي ، مختلفة تماما ، حيث دعوا الى بذل الجهد للملمة الصفوف وبدء معركة تحرير الوطن من عصابات داعش ، وتوفير مستلزمات الانتصار في هذه المعركة التي تهم العراقيين جميعا . وكان لهذه المواقف ، وحملة التطوع الواسعة ، والدعم الدولي ، اثرها الواضح في رفع المعنويات واعادة تجميع القوى . كما انها كانت وراء الانتصارات التي حققتها القوات العسكرية والامنية والحشد الشعبي والبيشمركة ومقاتلو العشائر في مناطق ومدن عدة ، وتعزيز الصمود في مواقع اخرى ، وانتعاش روح المقاومة في المناطق التي ابتليت بداء داعش .
ونحن اذ نؤكد ان المواجهة مع داعش ما زالت في بدايتها ، وانها تمتد الى معركة تجفيف منابع الارهاب ودحره ، نرى من الواجب التحذير من ان تقود النجاحات المحرزة الى الرضا عن النفس والخدر وعدم اليقظة . فنحن امام عدو شرس وماكر، وما زال يتوفر على امكانيات غير قليلة لاسباب لا تتتصل بالوضع العراقي فحسب ، بل وبامتداداته الى البعدين الاقليمي والدولي .
ان المعركة ضد داعش تتطلب تعظيم عوامل الانتصار وتكبير فرص النجاح ، وفي المقدمة توفير الغطاء السياسي الداعم والمساند ، ولن ينجز ذلك دون التوجه الجاد الى تحقيق المصالحة الوطنية الحقة واستثمار اجواء الانفراج النسبي والبدء باصلاح العملية السياسية عبر عقد المؤتمر الوطني الشامل المنشود .
ويتوجب من جانب اخر انجاز ما جرى الاتفاق عليه في البرنامج الحكومي والاتفاق السياسي ، وفي مواعيده المحددة . وان اي تراخ او ميل الى التفرد وعدم التشاور الكافي والعودة الى المهاترات والتصريحات غير المسؤولة ، واتخاذ اجراءات غير مدروسة جيدا ، او في غير وقتها ، سوف ينكأ الجراح التي لم تندمل بعد .
فالمطلوب الاقدام على اجراءات تردم الهوة وتزيد من فرص بناء الثقة وتوطيد اللحمة الوطنية وتوظيف كل العناصر الايجابية في معركة الوطن ضد الارهاب ، بما في ذلك الاســتفادة الامثل من قراري مجلس الامــن 2170 و2178.
ان عوامل الانتصار موجودة وستؤتي ثمارها اذا افلحنا في الامساك الواعي بحلقاتها وتفعيلها .