حكومة وحدة وطنية.. البداية المطلوبة 2 كانون الثاني 2014

من جديد عادت الى الواجهة موضوعة الاليات الواجب السير بموجبها لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية في انتخابات الرئاسات الثلاث؛ الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء. واذا تم الانتهاء من تشكيلة هيئة رئاسة البرلمان التي جاءت ايضا، وكما سبق، على اساس التحاصص وتمثيل المكونات. فمفهوم "الشراكة" ترجم عمليا إلى شراكة "مكونات" طائفية واثنية، ينال ممثلوها "حصة" في الحكومة وفي الدولة. وكشفت التجربة ان "المكون" اختزل إلى بعض الأحزاب والاشخاص الذين احتكروا حق تمثيله، فتحولت الحصص إلى امتيازات تمنح للمكون ظاهرا، ولكنها تذهب واقعا الى الجهات "الممثلة" له، وكما اشار الى ذلك البلاغ الصادر عن اجتماع ايار الماضي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
واثناء الحملة الاتخابية لمجلس النواب وبعدها طرحت مفاهيم وتصورات عن تشكيل الحكومة المقبلة، فظهرت في هذا السياق مصطلحات "حكومة الاغلبية" و" الشراكة الحقيقية" و"شراكة الاقوياء"، والتي قلنا في حينها انها صياغات جديدة للمحاصصة ولا تخرج عن مضمونها وجوهرها، ولا تعالج ما تراكم من ازمات وملفات عالقة عديدة.
وحيث ان تشكيل الحكومة لا زال في طور الاعداد ولم تنجز الكتل السياسية ترشيحاتها على وفق منهج المحاصصة المتبع بعد، وارتباطا، ايضا، بالتطورات الحاصلة بعد الهزيمة السياسية والعسكرية واستباحة داعش الارهابي وحلفائه للعديد من مدننا وارتكابهم المجازر الوحشية ضد ابناء تلك المناطق وغيرها في عراقنا الحبيب، وما يتطلبه ذلك من تحشيد للطاقات الوطنية لدحر داعش وحلفائه، القدامى والجدد، وتحرير مدننا من قبضتهم واعادة الحياة الطبيعية اليها، واعتبار هذه مهمة وطنية لها الاولوية، وانطلاقا من الظروف العامة التي تحيط ببلدنا، وحالات الاستعصاء والجفاء بين الكتل السياسية وغياب الود والوئام بينها، وبين المركز والاقليم،ومع العديد من مناطق البلاد ومحافظاتها، وكذلك حجم التآمر الداخلي والخارجي على التجربة الديمقراطية الوليدة في بلدنا، فان كل هذا يطرح وبالحاح ضرورة المراجعة الجدية للاليات المتبعة واستمراء الكتل المتنفذة المتورطة لذات المنهج والادوات ونمط التفكير الذي قادنا الى ما نحن عليه من سوء الحال.
ان الحزب الشيوعي العراقي وهو يعالج هذا الموضوع الحساس ينطلق من التجربة الملموسة السابقة وما افرزته من مآسي وويلات وأزمات، يعاني منها ولا يزال الوطن والمواطن، والتي تضخمت ارتباطاً باستفحال ظاهرة العداء المستحكم بين المتنفذين، والميل المتزايد الى التفرد والاقصاء والتهميش وتغليب المصالح الشخصية الانانية الضيقة، وإعاقة إقرار القوانين وتنفيذ البرامج الحكومية. كما ان الحزب وهو يضع في المقدمة مصالح البلاد العليا، ويأخذ بعين الاعتبار الطابع الانتقالي للمرحلة والظروف الاستثنائية التي لا تزال تعيشها البلاد والحاجة الى اعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية وبما يساعد على ترسيخ معالم عراق ديمقراطي اتحادي يطمئن كافة اطيافه وابنائه على انه وطن يتسع للجميع.
وانطلاقا من كل ذلك لا بد من بناء الحكومة على نحو جديد مختلف، وبما يجعلها واسعة التمثيل وتتميز بالانسجام وتضم عناصر وطنية نزيهة وكفوءة، ويمكن لها ان تضم الاحزاب والكتل السياسية والطاقات الوطنية المخلصة للبناء الجديد، داخل البرلمان وخارجه؛ حكومة من المطلوب ان يتمثل فيها التنوع القومي والديني والمذهبي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع العراقي. ولا بد ان يكون لهذه الحكومة برنامج متكامل يساهم الجميع في التوصل له والتمسك به وتنفيذه على ارض الواقع، برنامج تشكل مواجهة الإرهاب والتصدي لكل اشكاله واحدة من اهم اولوياته السياسية، بما يقرن الاقوال بالافعال، وان تكون له سقوف زمنية للتطبيق.
ان حكومة من هذا النوع، هي ما نريده، وما تتطلع اليه جمهرة واسعة من ابناء شعبنا، انها حكومة الوحدة الوطنية التي دعونا الى تشكيلها بمنهج جديد ونمط تفكير جديد واليات لا تفرط باية كفاءة وطنية، وقادرة على معالجة ما تراكم من مشاكل ووضع العراق على السكة السليمة، ودحر الارهاب وتحقيق الامن والاستقرار.
وحيث ان مسألة الولاية الثالثة لا تزال تلقي بظلالها على تشكيل الحكومة الجديدة، فقد سبق وان قلنا اننا لا ننظر إلى مسالة الولاية الثالثة بمعزل عن نظرتنا الشاملة إلى الأوضاع وتوازناتها الداخلية والخارجية، وعن مشروعنا الرامي إلى احداث التغيير المطلوب في المنهج، وفي اسلوب وطريقة التفكير والتعامل السياسي مع الحلفاء والشركاء ومع القضايا والمشاكل القائمة، بما يعزز اسلوب الحوار والتوجه نحو تحقيق المشاركة في صنع القرار ونبذ التفرد والإعاقة، والبحث عن حلول للمشاكل العالقة وتجنب التخندقات وكل ما يساهم في انتاج وتأجيج الازمات.
ويعرب الحزب الشيوعي العراقي عن استعداده للتعاون مع من يسعى لتخليص البلاد من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، ومن أجل اعتماد نهج جديد في التعامل بين القوى السياسية وفي ادارة شؤون البلاد، بما يجعله اقرب الى من لم يتورطوا او يشاركوا في خلق الأزمات، وفي التسبب بما حصل في الفترة الماضية.