في ذكرى 8 شباط المشؤومة :لنعمل على أن لا تتكرر الكارثة / الخميس 6 شباط 2014

في مثل هذه الأيام، وقبل 51 سنة، وقعت كارثة سوداء خيمت على رؤوس العراقيين، تمثلت بانقلاب دموي نفذه صبيحة الثامن من شباط 1963، جلاوزة "البعث" وحلفاؤهم، مكشرين عن انياب الفاشية، التي نالت من آمال وطموحات شعبنا في بناء عراق يضمن الحياة الكريمة والحرية لأبنائه.
8 شباط.. تاريخ مأساوي مر على العراق، كان الشيوعيون ضحيته الأولى، وضحيته الأكبر سائر جماهير الشعب، المتطلعة إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فقد اغتال الانقلابيون ثورة 14 تموز 1958 الخالدة، وصفّوا قادتها الوطنيين، وارتكبوا أعتى جرائم القتل بحق الشعب العراقي، عبر ممارسة شتى صنوف التعذيب والإعدامات والاعتقال الكيفي وهتك الأعراض وترويع العوائل.
ولم يكن حكم الطاغية المقبور صدام، إلا امتداداً لهذا التاريخ المشؤوم وللنهج العفلقي البائس، الذي أدخل البلاد عقوداً من الزمن في دوامة الألم والمعاناة والحرمان. ولأن السلوك السياسي الشائن، لا يغفره التاريخ، استحق قادة البعث المجرمون أن يكونوا في ذاكرة الازدراء والخزي والعار.
واليوم، عندما نستذكر هذه الذكرى المؤلمة، التي أخذت البلاد إلى اتجاهات مظلمة، فأننا نؤكد ضرورة استيعاب الدروس جيداً، والعمل كشعب وقوى سياسية وحركات اجتماعية على الحؤول دون تكرار المأساة، عبر الوقوف بوجه أية محاولات للتفرد بالسلطة، والسعي الحثيث للتخلص من نهج المحاصصة الطائفية والإثنية؛ هذا النهج المقيت الذي هو مُولد للأزمات، التي جلبت لشعبنا مزيدا من الويلات والمحن طيلة أكثر من عشر سنوات مضت.
ولعل الحاجة تتأكد من جديد الى ضرورة تحشيد القوى الوطنية والديمقراطية للمضي في طريق بناء دولة القانون والمؤسسات؛ الدولة المدنية الديمقراطية المعاصرة، واحترام إرادة الشعب وخياراته الحرة وتمتعه بخيرات بلاده وتحقيق تنمية حقيقية، واحترام الرأي الآخر المختلف وضمان ممارسة المواطنين لحقوقهم، مثلما جاءت في الدستور والمواثيق والأعراف الدولية. ويبقى هاما، في ظروف بلدنا الحالية، التصدي للإرهاب والإرهابيين وإفشال مخططاتهم التي تريد سوءا ببلدنا.
ومن المهم التنبيه، ونحن نسعى إلى بناء تجربتنا الديمقراطية، إلى أن استمرار الأوضاع الراهنة على هذا النحو السيئ الذي هي عليه الآن، وعلى مختلف الصعد، لن يؤدي إلا إلى انتكاس هذه التجربة التي نحرص على نجاحها، فالمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن تلتفت مختلف القوى، لا سيما المتنفذة، إلى عمق الأزمة ونتائجها، وتعمل بصدق دون مماطلة أو تسويف، على إعادة النظر في ممارستها أولاً، وثانياً الى العمل من أجل تخليص العملية السياسية مما لحق بها من مساوئ، ومن العيوب التي اعترتها وشوهت ملامحها وأصبحت عقبة كأداء أمام تطورها.
من جانب آخر، ومع استعادة الذكرى المشؤومة، لا بد من تثمين كل الجهود التي بذلت من أجل إنصاف ضحايا الانقلاب الاسود في 1963 وهم آلاف من المناضلين الوطنيين وأسرهم، الذين اجترعوا مرارة الهجمة الفاشية وعانوا من سلوكياتها وهمجيتها.
إن الإنصاف المتأخر، الذي تم بعد تعديل التشريعات المتعلقة بتعويضات ضحايا البعث المقبور، لن يكتمل دون الإسراع في انجاز معاملات المستفيدين من القانون، وتسهيل آليات تعويضهم دون إبطاء أو تسويف، وشمول جميع ضحايا مجزرة شباط الأسود.
كما أن إنصاف عموم شعبنا، يكون عبر العمل على إشاعة ثقافة مجتمعية سليمة مبنية على أسس مدنية ديمقراطية، ووفق مبدأ المواطنة؛ ثقافة تدين كل أشكال العنف والقهر والهيمنة والتعصب والإقصاء والتضييق على الحريات ومصادرة حرية التعبير تحت عناوين شتى لا تعكس إلا الضيق بالآخر المختلف.
لقد حان الوقت لرد الاعتبار لضحايا 8 شباط الأسود. فمآثرهم المجيدة، وبطولاتهم الفذة ستبقى خالدة في وجدان ابناء شعبنا، نستلهم منها العزم والاصرار على تقديم المزيد في خدمة الشعب ومواصلة العطاء لتحقيق طموحاته وتطلعاته نحو غد افضل يحقق الأمان والسعادة والرفاه.