تشكيل محافظات جديدة.. إجراءات غير ناضجة / الاحد 26 ك2 2014!

في أجواء الاحتقان السياسي وحالة الجفاء بين الكتل والأحزاب، وانعدام الثقة بين الأطراف المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، وتوتر العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، وبينها وبين العديد من الحكومات المحلية ومجالس المحافظات،وتأجيج المشاعر الطائفية وتغذيتها من أطراف متنفذة لدوافع انتخابية دون اكتراث للنتائج، والحرب المفتوحة ضد الإرهاب والقاعدة و"داعش" وتداعيات العمليات المسلحة في الانبار والأوضاع الاستثنائية التي يعيشها أبناء المحافظة، وتعليق العديد من النواب حضورهم جلسات مجلس النواب، وحالة الشلل في الأداء الحكومي، وتلكؤ مجلس النواب في تشريع العديد من القوانين المهمة، وعدم تنفيذ المادة 140، وبقاء أوضاع العديد من المناطق المتنازع عليها معلقة، والأجواء الإقليمية المتوترة وانعكاساتها السلبية على أوضاعنا، وانعدام حالة التوافق الوطني العام، وقرب إجراء انتخابات حاسمة لمجلس النواب في نهاية نيسان 2014، في أجواء كهذه أقدم مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء 21-1- 2014 على اتخاذ قرارات هامة تعيد رسم الخارطة الإدارية لعدد من المحافظات .
فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون استحداث محافظة تلعفر، وإحالته الى مجلس النواب، كما وافق من حيث المبدأ على تحويل أقضية الطوز والفلوجة وسهل نينوى الى محافظات، على ان تعرض على مجلس الوزراء بعد استكمال المتطلبات اللازمة. واقر تشكيل لجنة برئاسة وزير الدولة المختص وعضوية ممثلين عن وزارتي العدل والبلديات والأمانة العامة لمجلس الوزراء، تتولى وضع ضوابط ومعايير معتمدة لتحويل القضاء الى محافظة.
إن إجراءات مجلس الوزراء هذه، ورغم انه ووفقا للدستور من صلاحيته اقتراح مشاريع القوانين (المادة 80/2)، إلا أنها جاءت مفاجئة، وأقرت على عجل، دون ان تستكمل جميع الجوانب القانونية والإدارية، فضلا عن استطلاع آراء المواطنين فيها، والتشاور مع مجالسها المحلية ومجالس المحافظات المعنية، وفتح نقاش عام حول هكذا توجه للحكومة، ومدى الحاجة الفعلية الى ذلك، ومراعاة ظروف البلاد العامة. فكانت متسرعة، لم تستوف ما مطلوب من نقاش وتشاور وتهيئة وإنضاج - مع كامل الاحترام لمواقف تلك الكتل والقوى التي ثبتت كمشاريع حزبية لها في برامجها الانتخابية - فكرة تشكيل بعض المحافظات.
ومما يلفت النظر أن بعض المبررات التي قدمت لتشكيل هذه المحافظات استندت الى تردي الأوضاع الأمنية في الأقضية المعنية واعتبرت تحويلها إلى محافظة وكأنه معالجة لهذه الأوضاع المتردية، ولكن واقع الأمر أن تشكيل وحدات إدارية جديدة ليس بالضرورة حلا خصوصا في هذا الوقت بالذات، بل انه قد يضيف عوامل جديدة تساهم في تأجيج التوترات، ما قد ينعكس سلبا على الأوضاع الأمنية، ويؤدي بها الى مزيد من التدهور. فان عودة الأمان والاستقرار الى هذه المناطق وغيرها لا تتم بهذه الطريقة، وبالتالي لا يمكن حسم مسؤولية الدولة عن توفير امن واستقرار الاقضية المعنية بفصلها عن محافظاتها . فهو هروب الى امام مستحقات واجبة .
ومن جانب آخر تنطوي القرارات وتداعياتها، على إشكاليات دستورية، فبعض الأقضية يقع ضمن المناطق المتنازع عليها ومشمول بأحكام المادة 140، فضلا عن ان الإشكاليات التي أوجدتها التغييرات في الحدود الإدارية للمحافظات التي أجريت في عهد النظام الدكتاتوري المقبور، لا تزال قائمة. كما يوجد حاليا عدد من المنازعات على الحدود الإدارية بين المحافظات. ومما لا شك فيه ان هذه القرارات ستضيف مشاكل وتعقيدات جديدة الى ما هو قائم منها .
وكما كان متوقعا، فقد جوبهت هذه القرارات بردود فعل متباينة وبعضها رافض وغاضب كما انها وبالطريقة المتسرعة، غير المدروسة، وغير المبررة والمعايير والأسباب التي اتخذت بموجبها حفزت أقضية أخرى على طرح مطالبات مشابهة وقد تلجأ إلى ممارسة الضغط بأشكال احتجاجية متنوعة، فضلا عن مزايدات البعض في هذا الظرف ولدواع انتخابية بحتة، ما يضفي مزيدا من التشظي والتوتر والإرباك على مجمل اللوحة السياسية في البلاد، ويزيدها تعقيدا على ما هي عليه .
ويحق لنا ولغيرنا التساؤل، أيضاَ، عن مدى انسجام هذا التوجه نحو تقسيم المحافظات مع فلسفة الدستور الداعية الى الفيدرالية، والى تجميع المحافظات في أقاليم، ومع الاتجاهات السائدة في العالم نحو تشكيل الوحدات الإدارية الكبيرة وحتى على الصعيد الإنتاجي؟
ليس بالأمر المستغرب أن يثير مثل هذا القرار المفاجئ ردود فعل مختلفة وأن تظهر وجهات نظر ومواقف متحفظة او ناقدة ومعارضة، فهذا يندرج ضمن الحقوق والحريات التي يقرها، وينص عليها الدستور والقانون، لذا لا يجوز حجب او منع هذا الحق واعتبار ممارسته والتعبير عن رأي مخالف موقفا عدائيا تلصق الاتهامات بأصحابه، فهذا نهج خطر في التعامل مع الرأي الآخر ويحمل في طياته توجهات مقيدة للحريات ومخالفة للدستور. فليس كل من يعترض على إجراء غير ناضج هو معادي لتطلعات فئات من شعبنا ولا كل من ينتقد ممارسات غير سليمة للأجهزة الأمنية والعسكرية مثلا هو مع الإرهاب. فمشاكل بلدنا ليست اسود وابيض، ومع وضد فقط. فقضايا أساسية من هذا النوع يجب أن تأخذ نصيبها من الحوار الجاد والمسؤول، بعيدا عن الاتهامات وسياسة فرض الأمر الواقع .
في بلادنا تجري الان تطورات مثيرة للقلق وتحمل مخاطر جدية تتطلب تكثيف وتركيز الجهود لمعالجتها والعمل على خلق الظروف والأجواء المناسبة لذلك، وعليه لا يحتل هذا الموضوع، اي تشكيل محافظات جديدة، أولوية ولا يمثل مشكلة ملحة، بل ان الاحتمال الأرجح انه سيخلق أزمات جديدة ويزيد القائمة منها تعقيدا. فمثل هذه الإجراءات قابلة للتأجيل وتوقيتها غير موفق .
ولا يعني ما اشرنا له فيما تقدم باي حال، ولا يفترض أن يفهم منه معارضة لتحويل أقضية الى محافظات وإجراء تغييرات إدارية مستحقة وواجبة وناضجة، ولكن ما نراه ضروريا هو أن تأتي في سياقها السليم، وفي الوقت المناسب، وعندما تكون الظروف مهيأة، واستنفاد المستلزمات المطلوبة، وهناك من الدوافع الكافية ما يبرر الإقدام على ذلك، يضاف الى هذا، وهو مهم، اخذ رأي المعنيين.