أزمة الأنبار.. المطلوب معالجة سياسية / 15 كانون الثاني 2014

تابعنا باهتمام وقلق بالغين طيلة الأسابيع الثلاث الماضية، مجريات الأحداث في محافظة الأنبار، وتداعياتها الامنية والسياسية على مجمل الوضع في العراق، التي ما انفكت تتعقد يوماً بعد يوم، ومعها تتفاقم معاناة الآلاف من المدنيين الأبرياء، الذين ذاقوا مرارة الأحداث، وآخرين شردوا من مساكنهم.
فتطورات الأوضاع الميدانية تشير للأسف، إلى أن التنظيمات الإرهابية والمجاميع المتطرفة المسلحة، ما زالت؛ إلى يومنا هذا، فاعلة ونشطة في بعض مناطق المحافظة، على الرغم من الخسائر التي لحقت بها جراء العمليات العسكرية الواسعة التي بادرت إليها قواتنا الأمنية بدعم ومساندة من أطراف الحكومة المحلية وشيوخ عشائر.
إن استفحال المجاميع الإرهابية والإجرامية، وتمكنها من بناء قواعدها البشرية واللوجستية، وبالتالي صعوبة مواجهتها والقضاء عليها، إنما وراءه أسبابٌ عديدة، لعل أبرزها الانشغال عنها بالصراعات السياسية على المصالح والنفوذ والثروة.
يضاف إلى ذلك عدم توخي الحيطة والحذر، من ارتدادات الأزمة السورية وانعكاسات تطوراتها على البلد، على مستويين: الأمني والسياسي؛ عبر عدم إقحام البلد في أزمات الغير، وتحصين الداخل الوطني من التدخلات الخارجية، واتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف احتقان الأزمة السياسية العراقية.
وكنا قد حذرنا غير مرة، من أن التسويف والمماطلة في الاستجابة للمطالب المشروعة للمتظاهرين والمعتصمين، من شأنهما توفير حواضن جديدة للقاعدة، نتيجة تفاقم حالة الاستياء والشعور بالتهميش لدى الناس.
نعم، لقد تمكنت التنظيمات الإرهابية من النمو السريع، مستفيدة من الخلافات والانقسامات السياسية بين فرقاء السلطة، وما رافقها من تصعيد وتأجيج للمشاعر الطائفية والاثنية، بهدف خلق استقطابات سلبية لأغراض وأجندات انتخابية، لا صلة لها بمصالح الشعب وحاجاته الأساسية.
اليوم، ونحن أمام هذا المشهد المتأزم والظرف الحساس، الذي تمر به بلادنا، وبالخصوص ما تشهده محافظة الانبار، من عمليات أمنية وعسكرية طالت مدتها، فأن المنطق السليم، ما زال يتطلب اسناد ودعم كل جهد امني وطني يتصدى لتنظيمات القاعدة و"داعش"، ويسعى إلى القضاء على كل أشكال الارهاب، بهدف وقف جريان الدم العراقي المهدور في جميع أنحاء البلاد.
وإذا كان هذا الموقف الذي نجدد التأكيد عليه اليوم، ينطلق من إيماننا بمشروع بناء الدولة الديمقراطية الحقة؛ دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية، فأنه لا بد لنا أن نذكر بأن الحل الأمني وحده غير كافٍ، ولن يأتي سوى بمزيد من التعقيدات.
والشواهد عديدة بأن هناك أخطاء عسكرية رافقت تلك العمليات، وتسببت بخسائر مختلفة، كان يمكن تداركها لو أحسن التخطيط والتدبير لها، والتعامل بعقلانية مع تطورات الأحداث، بعيداً عن الطابع الاستعراضي والدعائي ذي المقاصد السياسية.
وهنا لا بد من الإشارة، ما زالت العمليات العسكرية مستمرة، الى ضرورة التمييز بين المواطنين والأبرياء والعناصر الإرهابية، واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على ممتلكات الناس.
فإلى جانب الجهد الأمني، تتطلب الأزمة في محافظة الأنبار، جهدا سياسيا حقيقيا وصادقا ترافقه معالجات اقتصادية، اجتماعية وثقافية، والمبادرة إلى حوار متواصل مع الأطراف السياسية والاجتماعية فيها، والاستماع إلى المطالب المشروعة لأهلها وتنفيذها دون إبطاء أو تسويف.
إن إحباط مشاريع الإرهابيين والظلاميين ومن يقف وراءهم، لا يكون إلا عبر فتح باب الحوار بين القوى السياسية على المشتركات الوطنية، والتوصل إلى تفاهمات واضحة وبرامج حقيقية لحل الخلافات، وصولاً إلى بناء صف وطني واسع عابر للطائفة والقومية والانتماءات الثانوية، قادر على مواجهة تحديات المرحلة.
وهذا لن يتحقق، دون التوقف التام عن تأجيج المشاعر الطائفية، والنزول من ظهر العناد، والابتعاد عن التزمت بالمواقف المتصلبة، التي لم تثبت صحتها طيلة السنوات الماضية، والترفع عن الخطابات المتشجنة، والتحلي بالحكمة والمرونة، واستيعاب عمق الأزمة ومخاطرها الجلية، وإشعار الآخرين بذلك من خلال الأفعال لا الأقوال.