تدخل مرفوض ومستنكر / الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2015

نتابع، مع ابناء شعبنا، بقلق بالغ أخبار التدخل العسكري التركي الجديد، وهذه المرة في محافظة نينوى، تحت عنوان المساعدة في تدريب قوات تحرير المحافظة والحشد الوطني فيها للخلاص من داعش.
وهذه في الواقع ليست المرة الاولى التي تجتاح فيها القوات التركية اراضينا، او تخرق طائراتها الحربية اجواءنا لتنفيذ مهام تدخل ضمن الاجندة التركية واهدافها. فقد تمادت انقرة كثيرا في استخدام اتفاقها مع النظام الدكتاتوري المقبور، الذي سمح لقواتها بالتوغل داخل الاراضي العراقية الى عمق يصل الى 20 كيلومتراً بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني المصنف من قبلها على انه "منظمة ارهابية".
وقد استمر الوجود التركي العسكري داخل اراضينا في اثناء ما اطلق عليه " اقتتال الاخوة " في اقليم كردستأن، ولم يصحح الامر حتى بعد التغيير سنة 2003، سواء في ظل الاحتلال الامريكي او الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
ان الكشف عن هذا التدخل الجديد والحديث في شأنه علناً قد اماط اللثام وهتك المستور من اصل المشكلة، وفضح الانتهاك المتواصل للقوات التركية لسيادة واستقلال بلدنا، والتدخل السافر في شؤون بلدنا الداخلية، واعطاء تركيا لنفسها الحق في اعلان حمايتها لهذا او ذاك من الاطراف العراقية وبما يثير مشاعر القلق والتوجس والخشية.
ان الظروف الحالية لبلدنا والصعوبات التي يواجهها ومعركته الوطنية المقدسة ضد الارهاب وداعش وحاجته الى الدعم والمساندة، لا يفترض ان تشكل مدخلا للاخلال بسيادة العراق وسيادته ووحدة اراضيه، وللشرعية الدولية.
وفي هذا السياق فان من غير المقبول ان تقرأ قرارات مجلس الامن ضد الارهاب والداعية الى محاربته وتشديد الخناق عليه وتجفيف مصادر تمويله بشريا ومادياً، بشكل تعسفي ووحيد الجانب وبما يتعارض مع تلك القرارات ذاتها، التي تؤكد على نحو لا لبس فيه احترام استقلال وسيادة العراق، كما توجب ان يكون الدعم والاسناد، أياً كان، بطلب من الحكومة العراقية وبالتعاون والتنسيق معها.
ان السلطات التنفيذية والتشريعية ووفقا لمهامها المنبثقة من الدستور هي وليس سواها من اي طرف كان، من يحق له القول الفصل في مسألة تنسيق الدعم والاسناد الخارجي، وتوظيفه على نحو سليم في معركة تحرير اراضينا من داعش الارهابي وعودة النازحين والمهجرين الى مناطقهم. وان على عاتق الحكومة واجهزتها الامنية والعسكرية مسؤولية تأمين حياتهم واموالهم ومساكنهم.
ونحن في الحزب الشيوعي العراقي اذ ندين كل تدخل واخلال بسيادة واستقلال بلدنا من اي جهة جاء، وإذ نطالب بسحب القوات التركية فورا من اراضينا، نطالب الحكومة العراقية باللجوء الى مجلس الامن لمعالجة الموضوع برمته بما يحفظ للعراق حقوقه كدولة ذات سيادة.
وفي سياق معالجة هذا الامر الهام والضروري، والذي له تداعياته على حاضر ومستقبل البلد، تتوجب الاشارة الى ان العديد من القضايا التي تحصل الان، بما فيها هذا الاجتياح التركي الجديد المدان، ما كان ليقع لولا حالة الضعف والهوان الناجمة عن الفرقة والتنابز والصراعات بين الكتل والاطراف المتنفذة ونهج المحاصصة الطائفية المقيتة، وتغليب المصلحة الخاصة لبعض الاطراف على حساب المصلحة الوطنية العليا، والاستقواء بالخارج لفرض حقائق على الارض العراقية. فهذه في كل الاحوال قنابل مؤقتة، لا توفر ضمانات للامن والاستقرار في البلد.
ان هذه الظروف الدقيقة والحرجة تتطلب موقفا واضحا من كل الاطراف، ووعياً لحقيقة المخاطر التي تحدق بالوطن، وعملاً على ترصين الوحدة الوطنية، وعلى المضي في طريق الاصلاح الحقيقي وتصحيح مسار العملية السياسية وتخليصها مما شابها من نواقص وثغرات جدية، وانجاز عملية المصالحة الوطنية، وتمتين عرى النسيج الاجتماعي. كذلك التوظيف السليم لكل العناصر الوطنية والمساعدات الخارجية في معركة الخلاص من داعش والارهاب، وجلب الامن والاستقرار، واطلاق عملية تنمية توفر لابناء العراق جميعا حياة العزة والكرامة.
بهذا وحده نوفر مستلزمات القوة والمنعة، ونؤمن الامكانية الفعلية لجعل وطننا حرا ذا سيادة، يمتلك شعبه زمام قراره ويرسم مستقبله وفقا لارادته الحرة.