العدد 173 السنة 85 الثلاثاء 30 حزيران 2020

 

تصفح بي دي اف

 

 

 

 

ص1
على طريق الشعب ...
حصر السلاح بيد الدولة مهمة متواصلة

في ليلة ٢٥/٢٦ حزيران الجاري قام جهاز مكافحة الإرهاب بعملية استباقية لإحباط عملية استهداف لعدد من المواقع المهمة في بغداد. وإثر ذلك جرى اعتقال عدد من الافراد، الذين اعلن بيان قيادة العمليات المشتركة وما تضمن من معطيات، انهم قاموا او كانوا يخططون للقيام باطلاق صواريخ كاتيوشا على تلك المواقع، وانه تم تسليمهم الى السلطات القضائية.
ولا شك في أهمية احترام رأي القضاء والسلطات القضائية في شأن أي اعتقال او توقيف، وان يكون لها القول الفصل في ذلك، فبعكسه ستسود الفوضى ويصادر القانون .
ووفقا للتصريحات الرسمية، فان ما جرى يأتي في سياق مواقف سبق اعلانها من قبل الحكومات السابقة والحالية، بخصوص ضرورة حصر السلاح والعمليات العسكرية تحديدا، في اطار الدولة ومؤسساتها الرسمية والقائد العام للقوات المسلحة .
من جانب آخر كانت لما حصل ردود فعل واسعة، واصداء خارج البلد ايضا، وجرى الربط بينه وبين مؤسسة الحشد الشعبي، كون الحادث وقع في احد المقرات التابعة له. وذهب البعض الى تحميل العملية التي قام بها جهاز مكافحة الإرهاب ابعادا لم تكن ضمن دوافع القيام بها، كما اعلن اكثر من مصدر رسمي .
ومن الناحية القانونية فان جهاز مكافحة الإرهاب ومؤسسة الحشد الشعبي جهتان تعملان في اطار الدولة، وترتبطان بالقائد العام للقوات المسلحة. ووفقا للسياقات فان عليهما اتباع وتنفيذ ما ترسمه وتخطط له الجهات المعنية. لذا فان هناك حرصا من اطراف عدة، على الا تحصل أية حالة توتر او تصادم بين هاتين المؤسستين، اللتين قدمتا الكثير من التضحيات في مكافحة الإرهاب والتصدي لداعش وتحرير محافظاتنا من قبضته.
ولا بد من الإشارة الى ان إعادة هيبة الدولة وسلطة القانون، التي تقول بها اطراف وجهات سياسية عدة، لا يمكن ان تستقيم مع بقاء السلاح منفلتا بأي شكل من الاشكال، ولا القيام بعمليات عسكرية خارج ما هو مرسوم في اطار السياسة العامة للدولة .
لذلك فان اية خطوة في هذا الاتجاه يجب ان لا تكون موضوعا للتشكيك في نواياها ومقاصدها، وان تؤخذ في نطاق ما اعلن من هدف لها، والا تُحمل اكثر مما تتحمل. فمن شأن الذهاب في هذا الاتجاه ان يدفع البلد الى توترات هو في غنى عنها في الظروف الراهنة.
ومن جانب آخر نؤشر ان ما جرى من توجه نحو ضبط الامن وتحقيق الاستقرار وحصر السلاح ضمن المؤسسات الدستورية والقانونية، ينسجم مع المطالَب الشعبية والبرنامج الحكومي المقر من قبل مجلس النواب
وان هذا النهج الذي يفترض ان تكون خطواته مدروسة جيدا، وان تُختار الأولويات فيها وترتب بدقة وعناية، يجب ان يتسع ليشمل كافة المرافق التي لا توجد سيطرة ورقابة للدولة عليها، والحديث يدور هنا عن الكمارك والمنافذ الحدودية والموانيء والمطارات وحقول النفط وغيرها .
ان ما حصل يؤشر الحاجة الى المزيد من التنسيق والتعاون بين التشكيلات العسكرية والأمنية ومؤسسات المتطوعين النظاميين كافة، لتجنب اية تقاطعات محتملة، وابعاد البلد عن اية تعقيدات مضرة. فيما تبقى مطالب المنتفضين وعامة المواطنين بحصر السلاح بيد الدولة قائمة ومطلوبة، وهي عملية تراكمية متواصلة، ليصار في النهاية الى تحقيق هذا المطلب الجماهيري على ارض الواقع.
*************
لا لإغلاق الإذاعات !

أقدمت هيئة الاعلام والاتصالات على غلق عدد من الإذاعات في بغداد والمحافظات، بعد مطالبتها بتسديد مبالغ خيالية يعجز العديد منها عن دفعها.
ومن الواضح ان القرار وسيلة أخرى للتضييق على مساحة الرأي والتعبير وعلى تعدد مصادر الاخبار والمعلومات ، خاصة وان بعض تلك الاذاعات اعلن انحيازه التام الى مطالب الشعب والمنتفضين، وفضح الممارسات القمعية ضدهم وطالب بايقافها!
وليس واضحا ما اذا كان القرار جديدا، ام اتخذ اصلا زمن الحكومة المستقيلة ، وجرى الآن تفعيله؟ وهل ستستمر الاغلاقات رغم التغييرات التي أجرتها حكومة الكاظمي في هيئة الاعلام والاتصالات ؟
ولم يكن مستغربا ان يتم غلق إذاعات في زمن حكومة قمع الانتفاضة وقتل المحتجين ، ولكن المستغرب ان يستمر هذا ويتواصل في زمن الحكومة الجديدة ، خاصة وان عملية الاغلاق لم تمس اذاعات اخرى تقف خلفها جهات متنفذة .
ان المطلوب الآن هو وضع حد لعمليات الاغلاق، وإدارة الموضوع بروح الحرص على ادامة هذه المنابر الإعلامية، وتقديم الدعم والاسناد لها.
راصد الطريق
************
مليارات الدولارات تذهب الى جيوب العصابات والمتنفذين
تحديات حقيقية امام الحكومة
للسيطرة على إيرادات المنافذ الحدودية
بغداد – علي شغاتي
كثر الحديث مؤخرا، عن المنافذ الحدودية وضرورة تحريرها من سطوة العصابات المسلحة والجهات الخارجة عن القانون. الجهات الإجرامية هذه سيطرت على غالبية الواردات المالية للمنافذ والتي تقدر بمليارات الدولارات وبقيت تحصل عليها طيلة السنوات الماضية دون أي رادع. ولكن ما أعلنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل أيام، أثار تفاعلا واسعا وتأييدا لخطابه، بعدما وعد بالسيطرة على هذه المنافذ وحمايتها من المجرمين.
منحى جديد
بحاجة إلى نتائج ملموسة

الكاظمي وأثناء محاولاته معالجة الأخطاء التي ورثها، وترميم ما خربه الهدر المالي الذي أشرفت عليه الحكومات السابقة، وبحثا في ذات الوقت عن مصادر مالية جديدة، تعين الدولة في أزمتها، تعهد خلال كلمة له مع مجموعة من الإعلاميين والصحفيين، أنه سيطلق حملة تهدف إلى إعادة السيطرة على المنافذ الحدودية. وكشف عن خسائر يتكبدها العراق في كل منفذ تقدر ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار بسبب سطوة المجاميع المسلحة وقطاع الطرق.
الحديث الحكومي هذا الذي جعل المواطنين يتوقعون خيرا من الالتفات إلى هذا الملف المغيب، جاء بعد أن قدمت مؤخرا هيئة المنافذ الحكومية مقترحا إلى رئيس الوزراء لإرسال قوات أمنية معززة لأن المنافذ وحماية ملاكاتها من أي تدخل خارجي تفرضه العصابات، وهذا ما أكده رئيس الهيئة، عمر الوائلي، في تصريحات صحفية.

مظهر فساد جاء وقت إنهائه

الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، يقول أن "أحد مظاهر الفساد المالي والإداري وأبرز سمات ضياع هيبة الدولة، هو ملف المنافذ الحدودية غير المسيطر عليها"، مبينا أن "محاربة العصابات والجهات المسلحة التي تبتز المنافذ، أكثر أهمية حتى من محاربة الإرهاب، لأن الفساد كفيل بالقضاء على إمكانيات الدولة وتنميتها المستدامة".
وبنظر الصوري، فأن "إحدى الجهات الكبرى المتعلقة بالتنمية هي المنافذ الحدودية. كما إن تطبيق قانون التعرفة الكَمركَية فيها يؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، وخلافا لذلك فنحن نكون أمام فوضى"، معتقدا إن "التدخل العسكري مهم لمحاربة الفساد في المنافذ ويجب التعامل معه كإرهاب صريح".
ويضيف الخبير، إن "الشفافية بالنسبة إلى الاستيراد والكمارك غير واضحة، فالتقديرات الحكومية وغيرها تقول أن العراق يستورد سنويا بمقدار 60 – 70 مليار دولار، ولو طبقنا معدل الضريبة عليها والبالغ نسبته 20 في المائة، باستثناء استيراد القطاع الخاص، فيجب أن تدخل إلى خزينة الدولة من هذه العملية 8 مليار دولار، ولكن لم يحدث ذلك، وتحصل خزينة الدولة على 800 أو 850 مليون دولار فقط، كأعلى رقم، أي أن النسبة الأعظم من الواردات تذهب إلى جيوب الفاسدين والعصابات التي تدار بإمرتهم".
ويتابع الخبير "المشكلة ليست في الكمارك وحدها، فهنالك مشاكل في الضرائب والتهرب من دفعها، والحاجة الماسة إلى معالجة السياسة الضريبية والمنافذ الحدودية بشكل عام، وإنفاذ قانون التعرفة الكمركية الذي تم تشريعه وإقراره عام 2010 وإبقائه معطلا إلى الآن"، لافتا إلى إن "الوقت حان لترك الفوضى الاقتصادية التي طبقت لتشويه اقتصاد البلد، والتعطيل للمواد الدستورية وقوانين مجلس النواب والتوجه بشكل وطني يراعي المصلحة العامة".

كل أنواع الفساد في المنافذ

أما عضو مجلس مكافحة الفساد، سعيد ياسين، فيرى إن "المنافذ الحدودية تشهد كل أنواع الفساد التي يمكن للمرء تخيلها، مثل التهرب من الرسوم، وتهريب السلع بلا دفع رسومها، وتغيير جنس البضائع المستوردة لتقليل رسومها أيضا، إضافة إلى أشكال أخرى كثيرة من الفساد".
ياسين يقول أنه "وفق المؤشر الدولي، فأن 80 في المائة من إيرادات الكمارك لا تذهب إلى خزينة الدولة العامة، بينما المؤشر السياسي، ونقلا عن اللجنة المالية النيابية، فيقول أن نسبة 90 في المائة ما يتم نهبه على يد الفساد"، منوها إلى "وجود حرمين في هذه العملية، هما حرم المنافذ الحدودية، وحرم الكمارك، وكلاهما يتضمن عملا ومشاكل كبيرة".
ويضيف قائلا: "الأخبار تتوارد باستمرار بشأن خرق القانون من خلال التلاعب بنوع السلع التي يستوردها العراق، إضافة إلى التهرب الضريبي وعدم استحصال الموافقات وتزويرها وتجارة المواد المخدرة وإدخال الأجهزة والسلع الفاسدة رغم أن المنافذ خاضعة لمؤسسات حكومية كثيرة مثل الزراعة والصناعة والصحة والأمن الوطني وغيرها".

مقترح لإيقاف الفساد

ويدعو عضو مجلس مكافحة الفساد إلى إن "ترجع إدارة المنافذ الحدودية إلى مؤسسة تكون تحت إدارة رئيس مجلس الوزراء، أو إلحاق المنافذ بوزارة الداخلية كما كانت سابقا وتشديد الرقابة عليها. أما الكمارك، فيجب أن تتعرض لمراقبة ومساءلة شديدة لضمان عدم عبور السلع وتهريبها والقيام بإجراءات حسم إيرادات الكمارك".
ويؤكد أن "الأفضل هو أن يتم دفع كمارك السلع المستوردة ورسومها وضريبتها وشهادة جودتها عند عملية التعاقد، حتى تصل هذه السلع إلى الحرم الكمركي وهي مستوفية كافة شروطها، والدولة تكون ضامنة حقوقها كاملة وبعيدا عن يد الفاسدين، فهذا يتلاءم مع معايير منظمة الكمارك العالمية، وهو ذات نتائج ايجابية".

شروط مكملة أخرى

الخبير الأمني، عماد علو، يلفت إلى إن الإجراءات الأمنية وحدها ليست كافية للسيطرة على المنافذ.
ويعتقد علو، إن "الحاجة ماسة إلى تشديد دور الأجهزة الرقابية، وأتمتة عمليات الجباية ودخول البضائع وتنظيم إجازات الاستيراد ومطابقتها مع البضائع الواردة"، داعيا لـ"النظر إلى التجارب العالمية في هذا الموضوع ومواكبة التطور في عمل المنافذ والكمارك".
**********
رائد فهمي لوكالة الانباء الصينية:
يحق للشيوعيين الصينيين وللشعب الصيني ان يفخرو بما تحقق من إنجازات عظيمة
أجاب الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، على أسئلة وكالة الانباء الصينية التي وجهتها له اخيراً.
في ما يلي نص الأسئلة والاجابات:
• ما هو رأيكم في المهمة الأساسية (الأصلية) للشيوعيين الصينيين؟ المهمة الأصلية للحزب الشيوعي الصيني هي السعي إلى تحقيق السعادة للشعب الصيني وإحياء الأمة الصينية والحفاظ على وحدة البلاد.
ما هو تقييمكم للحزب الشيوعي الصيني الذي تخلص من الفقر ويعمل على بناء مجتمع رغيد الحياة؟
- منذ تأسيسه عام 1921، لعب الشيوعيون الصينيون وحزبهم العتيد دورا محوريا ورياديا في نضال الشعب الصيني من أجل التحرر الوطني وتحقيق الاستقلال السياسي ضد قوى الاقطاع والرأسمال البيروقراطية المحلية والقوى الامبريالية والاستعمار الخارجية، واضعين امامهم كهدف أسمى الارتقاء بواقع الشعب الصيني المعاشي ، وجماهيره الكادحة من عمال وفلاحين ومختلف فئات وشرائح الشغيلة، وتأمين شروط العيش السعيد له ، ووضع الصين على طريق التطور والتنمية والتجديد لتستعيد الأمة الصينية مكانتها ودورها كسليلة لحضارة تمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، ولتحقيق وحدة البلاد التي تعرضت للشرخ والتقسيم من قبل القوى الامبريالية. واستطاع الحزب الشيوعي الصيني أن يوحد نضال الشعب الصيني وقيادة ثورته من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي وتحقيق الانتصار الكامل عام 1949 وانبثاق جمهورية الصين الشعبية وذلك بفضل الكفاح المتفاني للشيوعيين وتضحياتهم واخلاصهم اللامحدود لقضية استقلال ووحدة البلاد وتتقدم وسعادة الأمة الصينية.
وبعد مضي ما يقارب على المائة السنة على تأسيس حزبهم وواحد وسبعين عاما على قيام جمهورية الصين الشعبية، يحق للشيوعيين الصينيين، وللشعب الصيني بصورة أعم، الشعور بالفخر والاعتزاز بما تحقق من إنجازات عظيمة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية جعلت من الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وقوة محركة رئيسية لنمو الاقتصاد العالمي، وما تحقق على الصعيد الداخلي من معدلات نمو باهرة ، سواء على الصعيد الاقتصادي أم في مستويات الدخل للمواطن الصيني في الريف وفي المدينة بحيث انخفضت نسبة الفقر الذي كان يشمل أغلبية الشعب الصيني قبل الثورة إلى أقل من 4 % عام 2017.
• كيف تقيمون كفاح الحزب الشيوعي الصيني والخبرة والإنجازات الصينية ضد فيروس كورونا؟
- تمثل جائحة كورونا تحديا عالميا جسيما صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد وضعت العالم وجميع الدول أمام اختبار غير مسبوق لقدرة أنظمتها ومؤسساتها وأنظمة الحوكمة فيها على مواجهة هذا الوباء الفايروسي الجديد والخطير وسريع الأنتشار، وتطويقه وحصره وتقليص الخسائر البشرية والتخفيف الأزمات الشديدة الناجمة عن متطلبات الوقاية منه لحين إيجاد العلاجات الناجعة واللقاحات الفعّالة.
وكانت الصين في الموقع الأول في هذه المواجهة، التي ترتقي إلى مصاف الحرب من حيث حجم التحديات والمخاطر والمتطلبات المادية والبشرية والفنية واللوجستية وما تقتضيه من خطط واستراتيجيات لإدارتها. وقد ضرب هذا الوباء الصين أولا، ولكونه فايروسا مستجدا كانت الكثير من خصائصه مجهولة مما شكل صعوبات إضافية في التصدي له واتخاذ انسب الإجراءات لمنع انتشاره.
ونستطيع الحكم الآن بعد انتشاره عالميا وتجاوز عدد المصابين الثمانية ملايين والوفيات الاربعمائة ألف، بان الإجراءات الاستثنائية والسريعة التي اتخذتها الصين في مواجهة الوباء، والحجم الهائل من الموارد البشرية والمالية والمادية والتقنية والعلمية الذي حشدته قد حقق نجاحات واضحة ومثيرة للإعجاب في الحد من انتشار الوباء والسيطرة عليه وإن لم يتم القضاء عليه بعد. وما كان لهذه النتائج أن تتحقق لولا فاعلية وكفاءة النظام الصحي وتطور البنى التحتية والمستوى العالي للتقنيات المتوفرة، إلى جانب منظومة الحكم والإدارة وسرعة تجاوبها وتفاعلها مع التطورات والمستجدات، يضاف إلى ذلك كله الالتزام العالي للشعب الصيني بتوجيهات وتدابير الوقاية من الأزمة وثقتهم بما يصدر عن الجهات الحكومية المعنية بمواجهة الأزمة.
لا شك أن الخبرة التي تراكمت لدى الصين تعتبر رصيدا كبيرا في رفع قدرة العالم علة محاربة الوباء، وأعلن القادة الصينيون في أكثر من مناسبة لأن يضعوا هذه الخبرات والمعارف تحت تصرف العالم أجمع وأن يتعاونوا وينسقوا الجهود مع مراكز البحث والمختبرات في مختلف بلدان العالم ومع المؤسسات الدولية.
ولا شك ان الصين يمكن أن تقدم مساهمة كبيرة في الجهد الدولي المبذول للتحقيق في ظروف ظهور الفايروس وانتشاره لكي يتم استخلاص الدروس من أجل تحديد مكامن النقص والخلل واستخلاص الدروس المناسبة في مجال مكافحة الأوبئة.
• كيفية تقيمون الدبلوماسية الصينية؟ تلتزم الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتدعم مجتمع المصير المشترك للبشرية. تقدم الصين المساعدة للبلدان المتضررة بشدة من فيروس كورونا وتتبادل الخبرات معها.
- لقد طرحت الصين منذ خمسينيات القرن الماضي مبادئ التعايش السلمي الخمسة المتمثلة بالتعايش السلمي والاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الاعتداء المتبادل، والمساواة والمنفعة المتبادلة، وقد اعتمدت الصين هذه المبادئ في علاقاتها الدولية. وهذه المبادئ المنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة توفر أساسا سليما ومتينا وثابتا لبناء نمط جديد من العلاقات بين الدول يضمن الأمن والسلام الدوليين، وتظل هذه المبادئ تحتفظ بحيويتها وصلاحيتها رغم مرور أكثر من ستة عقود على طرحها.
وتجد هذه المبادئ تعبيرا لها في سياسة الصين الخارجية الراهنة من خلال مبادرات الصين ودعوتها للتعاون الدولي والتعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة السياسية والاقتصادية – الاجتماعية المختلفة وعلى أساس المصالح المشتركة النابعة من التحديات التي تواجه المصير المشترك للبشرية، كصيانة السلم العالمي والحفاظ على البيئة ومواجهة الأخطار المختلفة التي تتعرض لها البشرية، ومكافحة وباء كورونا يقدم مثالا صارخا على ذلك.
وتأتي مبادرة الحزام والطريق والدعم المتعدد الاشكال الذي قدمته الصين للعديد من دول العالم لمكافحة وباء كورونا تجسيداً آخر للمبادئ التي تحكم سياسة الصين الخارجية والتي تضمن المصالح والمنافع المتبادلة للدول والاحترام الصارم للسيادة الوطنية. ولذلك تتسع دائرة الدول الراغبة في تطوير علاقاتها الثنائية مع الصين.

• ما هو تقييمكم للصرامة التي يتعامل معها الحزب الشيوعي الصيني ضد الفساد وكل من يخالف لوائح وتعليمات الحزب التي تنص على الانضباط والحفاظ على مصالح الشعب؟
- يعتبر الحزب الشيوعي الصيني الفساد من أهم المخاطر التي تهدد عمل الحزب ودوره وقدرته على انجاز خططه وبرامجه للارتقاء المستمر بمستوى حياة الشعب الصيني واحياء الدور الحضاري للأمة الصينية. وفي المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني جرى التشديد على اتخاذ عقوبات صارمة بحق الفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم من دون أي تهاون وبغض النظر عن مستوى المسؤولية والمنصب والموقع الذي يحمله الشخص المتورط بالفساد. وما يعزز جدية وشمولية رؤية الحزب لعملية محاربة الفساد، تأكيده أنها عملية مستمرة تستند إلى أرضية قانونية وحقوقية وتشريعات ضد الفساد، كما تشتمل على آليات وأجهزة تعزز الرقابة على صعيد الحزب والدولة، كما اعتبر النزاهة والأمانة في أداء المسؤولية شرطا أساسيا واجب توفره في عضو الحزب.
واطلعنا في الاعلام على العديد من الحالات لإجراءات عقابية شديدة اتخذت بحق قيادات حزبية متقدمة ثبت تورطها بالفساد، ما يؤكد وجود الإرادة الحازمة لدى قيادة الحزب والدولة في تنفيذ التوجهات التي اقرها الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره الأخير.
ونحن في العراق نعتبر أن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب، إن لم يكن أكثر خطورة وضررا منه وبات يعتبر التهديد الأكبر أمام إعادة الاعمار والتنمية وتأمين العيش الكريم لعموم المواطنين.
***********
ص2
بعد هدوء دام 45 يوماً.. العنف يعود إلى منطقة ملتهبة في ديالى

بغداد – طريق الشعب
أكد مصدر محلي في ديالى أمس الاثنين، عودة أعمال العنف إلى ناحية ابي صيدا الساخنة شمال شرقي المحافظة، بعد تسجيل 3 حوادث خلال 72 ساعة راح ضحيتها 8 اشخاص. وقال المصدر لوكالة شفق نيوز، إن "الهدوء دام نحو 45 يوماً فقط في ناحية ابو صيدا شمال شرق ديالى، وذلك بعد عمليات فرض القانون التي نفذها لواء العقرب القادم من بغداد"، مبينا أن "الناحية عادت إلى أعمال عنف تراوحت بين هجمات وحوادث عشائرية ينفذها ارهابيون وخارجون عن القانون". وأشار المصدر إلى أن "الناحية شهدت 3 هجمات مسلحة خلال الـ72 ساعة الماضية، اثنين منهما استهدفت نقاط أمنية للشرطة أودت بحياة 4 عناصر وجرح 3 آخرين تلاه هجوم، اليوم، نفذه مسلح يحمل مسدسا اطلق النار على رجل مسن وأصابه بجروح بليغة في اطراف الناحية". ولفت المصدر إلى "عودة القلق لمواطني الناحية من تجدد مسلسل الصراعات العشائرية والهجمات الإرهابية التي تطال العناصر الامنية"، مشدداً على ضرورة "تعزيز الناحية بقطعات أمنية ثابتة ودائمة تتولى مسك القواطع الساخنة ومصادر التهديد في أطراف ابي صيدا الى جانب تنفيذ حملات فرض قانون وهيبة الدولة في الناحية وتجريد العشائر وبعض الجهات السياسية من الأسلحة غير المرخصة". وتسود ناحية ابي صيدا، (30 كم شمال شرق بعقوبة)، نزاعات واقتتال عشائرية في عدة مناطق وقصبات منذ سنوات عدة، تسبب بنزوح عشرات الاسر ومصرح وجرح مئات المدنيين. وتشهد تعرضات واحداث امنية بين الحين والاخر بسبب وجود ملاذات ومعاقل للارهابيين في القصبات والقرى التي تحوي بساتين كثيفة حولتها عصابات داعش الى مخابئ وملاذات امنة.
*************
كل ثلاثاء ...
الخارجون على القانون

الخارجون على القانون طائفة واسعة، تبدأ من الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، وأحزاب سياسية، لا تعرف من السياسة غير نهب المال العام والخاص، وحتى المختلط، كما تشمل "شجعان" الدكَات العشائرية، وممارسي العنف الاسري وغيرهم، وهؤلاء مسؤولون عن 99 في المائة من الدمار والخراب اللذين لحقا بالعراق وشعبه، منذ سبعة عشر عاماً والى أمدٍ غير معلوم.
وتتناسب أعدادهم، والادوار التي يقومون بها طردياً مع ضعف الحكومة، وتخليها عن وظائفها السياسية والاجتماعية والأمنية طوعاً أو كرهاً، دع عنك هيبتها والثقة بها، الأمر الذي يؤدي عملياً الى نشوء ما يعرف بحالة اللادولة، وتشكل مراكز قوى ودويلات عديدة، تأخذ على عاتقها القيام بممارسة السلطة الفعلية في مناطق قوتها، ونفوذها، والتحكم بجزء من المجتمع قد يكون صغيراً أو كبيراً، حسب رؤيتها ومن يقف وراءها داخلياً او خارجياً.
في العراق نمت هذه التشكيلات اللاقانونية والممارسات الاجرامية، وتغوّلت بتشجيع ودعم مباشر، أو غير مباشر من الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة حد القرف، لغاية في نفس أيوب، أو عبعوب، لا فرق بينهما، لان الهدف واحد، والمنبع واحد أيضاً.
وكان "بريمر" حاذقاً حقاً، في وضع أسس تدمير العراق، وإغلاق طريق تقدمه وازدهاره، عبر تسليمه السلطة الى الأدنى كفاءة بل الى عديمي الكفاءة في المجتمع العراقي، والمستعدين دوماً للمساومة ، وتطليق الوطنية بالثلاث، إذا استطاعوا تأمين مصالحهم الشخصية الأنانية والحزبية الضيقة. وقد اكتشفوا برعاية وإشراف "بريمر" أن أفضل وسيلة لتحقيق هذه الاهداف والطموحات المريضة، هي الركوب سوية في قارب المحاصصة الطائفية الأثنية، والإبحار في مستنقع التدمير الذاتي لبلدهم وشعبهم.
لقد نهضوا بهذه المهمة "المشرفة" على خير وجه ليصلوا بالعراق شعباً ووطناً وثقافة الى الأملاق، وجعله خالِ من كل ما يوفر العيش الكريم لأبنائه، كما هو خالٍ من الكرامة، والنزاهة، والصدق والشفافية والسيادة الوطنية التي ينتهكها الجيران والأبعدون على مدار الساعة، نتيجة الضعف المزمن لقادة البلد، وهوايتهم المفضلة في الاستقواء بالأجنبي وتفضيله على شعبهم وأبناء جلدتهم.
إن جلاوزة السلطة التي رفعتهم من العدم الى بحبوحة النعيم، ومتعتهم بمكاسبها وغنائمها، وبالجاه الذي كانوا يفتقرون إليه طيلة حياتهم السابقة، دفعتهم الى التشبث بها تشبث المدمن على المخدرات الذي لا يستطيع منها فكاكا، ووجدوا ضالتهم بتشكيل أذرع عسكرية وميليشيات لا تعترف بدولة ولا بقانون، ولا حتى بأعراف اجتماعية، فكان التخادم المتبادل بينهما، هو سيد الموقف لا سيما وأنه مدعوم من خارج الحدود.
وفي ظل الكوارث التي يعيشها البلد حالياً، من لصوصية قل نظيرها، وفساد لا أول له ولا اخر، وفقر مدقع، وظلم إقتصادي وإجتماعي هائلين، وبطالة فعلية ومقنعة، شملت حتى حملة الشهادات العليا، وقتل المتظاهرين السلميين بدم بارد وضمائر خرساء، وعدم محاسبة الأوباش الذين سفكوا دماءهم الغالية، وقانون إنتخابات جائر، وتشكيل مفوضية لا مستقلة كما جرت العادة في كل مرة، ليأتي بعدها وباء "كورونا" الذي حصد وسيحصد حياة مئات العراقيين إن لم يكن الالاف منهم، والأزمة الاقتصادية والمالية، جراء إنهيار أسعار النفط الخام، وبقاء الأقتصاد ريعياً كما يريده المتنفذون.
وسط هذه الغابة المعتمة، وأغصانها المتشابكة، من مشاكل وماَسي وتحديات كثيرة، يظل طريق الخروج من ظلماتها الى شمس الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية، مرهوناً بتصفية الخارجين على القانون، وحصر السلاح بيد الدولة فعلياً، لا شكلياً، أو إعلامياً فحسب، لأنه الشرط الذي لا غنى عنه، والضروري جداً، لعملية الأصلاح والتغيير المنشودة.
كما يظل الأستناد الى الجماهير الشعبية الغفيرة، وطليعتها الأنتفاضة البطولية، وتلبية مطالب أبنائها البواسل، هو الاخر شرط لا يمكن النجاح بدونه في تحقيق هذا الهدف النبيل، والأنتصار على المعادين له، والمعرقلين لتنفيذه.

مرتضى عبد الحميد
*************
تساؤلات عن دور "الصحة" في مراقبة أسعار العيادات الأهلية
كُلف باهظة للأدوية وأجهزة التنفس
تُرهق المصابين المحجورين في منازلهم
بغداد – طريق الشعب
في الآونة الأخيرة، بدأت أوضاع المؤسسات الصحية تتفاقم بشكل أكبر، بفعل الوباء وإصاباته المتصاعدة. التفاقم والتردي الصحي ليس وليد اللحظة، ولا يرتبط تماما بانتشار "كورونا"، وإنما جاء حصيلة سنوات من الفشل والفساد الذي تلاعب بالملف الصحي ومؤسساته، وجعل المواطنين أمام قلة مخيفة بعدد المستشفيات وترد واضح بواقعها الخدمي وعلاجاتها الشحيحة. وكثرت مؤخرا شكاوى الكوادر الصحية والتمريضية التي تحذر من الانهيار التام، وامتلاء المستشفيات بالمصابين رغم قلة أعدادهم قياسا ببقية الدول، ولجوء أعداد كبيرة منهم إلى الحجر المنزلي وتحملهم أعباء مالية غير معقولة للحفاظ على حياتهم بعد أن عجزت الدولة عن أداء واجبها.
الحجر المنزلي وكلفه الباهظة

مؤشرات الفشل للنظام الصحي كبيرة وشرحتها الجائحة بالتفصيل الممل وحفظها المواطنون عن ظهر قلب. فالمصابون والمواطنون بشكل عام، واجهوا استغلالا بشعا للحصول على الأدوية ومستلزمات الوقاية والعناصر الغذائية الطبية اللازمة لعبور مرحلة الإصابة أو الوقاية منها. كما أن الحجر تحول بفعل ما يجري من فشل، إلى المنازل، بعد أن أخفقت البنى التحتية الصحية بما هو مطلوب منها رغم كل الجهود العظيمة التي تبذلها الكوادر الصحية والطبية والتضحيات التي تقدمها.
وخلال اكتظاظ المستشفيات بأعداد المصابين بفايروس كورونا، وعدم قدرتها على مواكبة الحدث الطارئ الذي لم تحسب وزارة الصحة والجهات المعنية حسابها له، لجأ المواطنون المصابون إلى الحجر المنزلي كوسيلة وحيدة بعدما رأوا أن المستشفيات غير قادرة على احتواء الجميع، ولكنهم تعرضوا إلى أعباء مالية كبيرة لتوفير مستلزمات العلاج والفحص الذي يجروه قبل ذلك للتأكد من الإصابة.
المواطنة هبة الساعدي، وهي من سكنة منطقة شارع فلسطين، تقول لـ"طريق الشعب"، إن "والدي أصيب بالفايروس قبل 4 أيام، وعلم بذلك بعد تشخيص إصابته من خلال فحص المفراس الذي أجراه في أحدى العيادات الأهلية بالعاصمة".
الساعدي تلفت إلى إن "اللجوء إلى العيادة الأهلية وأسعارها الهائلة، جاء بعد مراجعات عدة إلى المستشفيات الحكومية وعدم الحصول منها على (المسحة) التي تؤكد الإصابة رغم استمرار الأعراض لمدة 8 أيام، وبقاء والدي يطارد الأمل للكشف عن حالته دون جدوى"، مبينة أن "أجور المفراس وحدها كلفت 150 ألف دينار، إضافة إلى اسطوانة الأوكسجين التي قارب مبلغ شرائها الـ 300 ألف دينار، فضلا عن مبالغ الأدوية الباهظة التي لا نقدر على تسديدها من الراتب التقاعدي لوالدي الذي يبلغ 490 ألف دينار شهريا ويذهب نصفه إلى تسديد القروض المرهقة ويفترض أن يعيل المتبقي منه عائلة تتكون من 6 أفراد".

أين المفر من الأسعار والفشل؟

من جانبه، يقول المواطن، حسين حمزة، الذي يسكن قضاء الحسينية، شمالي العاصمة، إن "أعراض المرض بدأت بالظهور عليّ خلال الأسبوع الماضي، لذا قمت بمراجعة المستشفى القريبة من القضاء، وأخذت المسحة الخاصة بي، ولكن نتائجها لم تظهر واخبروني بأنهم فقدوها، ما أجبرني على اللجوء إلى فحص المفراس في العيادات الأهلية التي أكدت بالفعل إصابتي".
ويوضح حمزة، خلال حديثه لـ"طريق الشعب"، أنا "أسكن مع شقيقي وعائلته، وبعد أن تأكدت من إصابتي، أخذتهم لأجراء فحوص السلامة، وبعد أن أثبتت النتائج سلامتهم، طلب مني شقيقي عدم البقاء معه في المنزل خوفا من العدوى، وذهبت إلى المستشفى للرقود فيها وتم رفضي بحجة امتلائها بالمصابين، وأصبحت في حيرة لا توصف"، موضحا إن "أسعار فحوص السونار في العيادات الأهلية ضخمة، حيث كلفة الفحص وحده يبلغ ١٠٠ ألف دينار، وبالتالي فأن فحص 7 أفراد من العائلة كلفنا 700 ألف دينار".
ويدعو حمزة وزارة الصحة إلى أن "تتحمل مسؤولياتها في توفير المسحات الخاصة بالمرض ومراقبة أصحاب العيادات الأهلية الذين يبالغون في الأسعار في هذا الوقت العصيب".
مناشدات كثيرة للمحجورين
في المنازل

أما من منطقة البياع، فيوضح المواطن، علي البهادلي لـ"طريق الشعب"، إن "المصابين المحجورين في المنازل يناشدون لتوفير أجهزة التنفس لهم والمواد العلاجية اللازمة لإنقاذهم من الوباء"، مؤكدا "ارتفاع أسعار الأدوية في مراكز البيع والمواطنين لا قدرة مالية لهم على شرائها خصوصا وأن أغلبهم من محدودي الدخل والكادحين"، لافتا إلى "إطلاق مجاميع كبيرة من الشباب حملات لمساعدة المصابين وتوفير أجهزة التنفس لهم فضلا عن بقية متطلبات العلاج التي وزعوها على المحجورين في منازلهم ولكنها تبقى حملات تطوعية لا تسد الحاجة الكبيرة التي تقع على عاتق الدولة".
وينتقد البهادلي "عجز وتقصير وزارة الصحة عن توفير الرعاية للمصابين، والإخفاق المستمر الذي جعل المواطنين يفقدون الثقة بالمستشفيات ويتذمرون من إجراءاتها المهينة"، مستغربا "تفرج القوات الأمنية والحكومة على أصحاب مراكز بيع أجهزة التنفس والمواد الطبية، وقيامها برفع الأسعار بشكل مبالغ فيه واحتكارها دون أي رقابة صارمة".
***********
حَمَلة الشهادة الإعدادية:
ارفعوا التسكين عن رواتبنا

نحن – الموظفين - من حاملي الشهادة الإعدادية، نشكو تسكين رواتبنا في الدرجة الرابعة من السلم الوظيفي، من دون سند دستوري أو نص قانوني يعضد ذلك، سوى رأي واجتهاد من وزارة المالية.
أن هذا الإجراء المجحف شمل هذه الشريحة من موظفي الدولة منذ العام 2009، في حين لم يكن متبعا فترة النظام الدكتاتوري المباد. فقد كان أقراننا في تلك الفترة يصلون حتى إلى الدرجة الأولى من السلم الوظيفي. ولا يزال قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ساري المفعول ويقتضي التطبيق.
لذلك نطالب برفع التسكين عن رواتبنا، وتعديل الوصف الوظيفي لوظائفنا الفنية، كونه الآن مخصصا لخريجي المراكز المهنية والدورات السريعة والمعاهد المعادلة للإعدادية. إذ يبدأ تدرج خريج الإعدادية أو المعهد من الدرجة الثامنة، وبعنوان "فني"، وعند الوصول إلى الدرجة الثالثة لا يتم ذكر شهادة الإعدادية أو ما يعادلها، في وقت لا يوجد فيه سند قانوني لهذا الإجراء، سوى رأي من وزارة المالية، ما حرم الموظفين من خريجي الإعداديات والمعاهد من التدرج إلى الدرجة الثالثة أو الثانية في السلم الوظيفي.
علما ان وزارة المالية ليست جهة معنية ومتخصصة في تحديد الوصف الوظيفي للوظائف الفنية.
نوجه شكوانا هذه إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارتي التخطيط والمالية، مناشدين اتخاذ اللازم من أجل إنصافنا.
محمد علي جاسم الشمري
عن اللجنة المركزية التنسيقية
لرفع غبن التسكين عن الموظفين
من حملة الشهادة الإعدادية
*********
شيوعيو بابل يتضامنون مع الكوادر الصحية
الحلة - طريق الشعب
أعلنت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة بابل، عن تضامنها مع الكوادر الصحية ومساندتها لها، وذلك على خلفية تصريحات محافظ بابل ومدير عام دائرة الصحة في المحافظة، والتي قللت من شأن إصابات منتسبي الصحة بفيروس كورونا، واعتبرتها نتيجة اختلاط مع مصابين خارج المستشفى وليس اثناء الواجب الطبي.
وفي هذا السياق، نظم رفاق من اللجنة المحلية ومعهم عدد من أصدقائهم، الأحد الماضي، وقفة تضامنية مع الكوادر الصحية، أمام مبنى "المستشفى التركي" في مدينة الحلة، فيما رفعوا على أبواب المستشفيات في المدينة وفي قضائي المحاويل والقاسم، لافتات تتضمن شعارات تضامنية.
ووفر شيوعيو بابل، مستلزمات طبية وقائية وزعوها على الكوادر الصحية في المستشفيات، حفاظا على سلامتها، وتقديرا لجهودها الكبيرة التي تبذلها في محاربة فيروس كورونا الخطير، وتقديم الرعاية الصحية للمرضى. ولاقت مبادرات الشيوعيين هذه، استحسان الكواد الصحية ومراجعي المستشفيات والمواطنين الآخرين، الذين انضم قسم منهم إلى الوقفة التضامنية.
من جانب ذي صلة، نظم وفد من اللجنة المحلية، أخيرا، زيارات إلى المستشفيات في مدينة الحلة، وأعلن إلى إداراتها، استعداد الحزب الشيوعي العراقي لتوفير غاز الأوكسجين للمرضى، وفق خطة عمل وفريق اختصاصي.
***********
بعد إغلاق 22 إذاعة بحجة عدم تسديد الديون
مراقبون وصحفيون: حملة "هيئة الإعلام" لإغلاق بعض الإذاعات مزاجية وذات صبغة سياسية
بغداد – سيف زهير
نفذت هيئة الإعلام والاتصالات، مؤخرا، حملة إغلاق طالت 22 إذاعة، مدعية أنها جاءت بناءً على ديون مالية متراكمة لم تُسدد. الإغلاق تم بحسب تأكيدات كثيرة، وفق مزاج سياسي استثنى المؤسسات التابعة للجهات السياسية المتنفذة وركز على البقية.
مخالفة قانونية واستنكار واسع

حملات الإغلاق التي تنفذها الهيئة لمؤسسات إعلامية بين فترة وأخرى لطالما وصفها مراقبون وصحفيون بأنها مزاجية وتتعامل بصبغة سياسية واضحة تستثني خلالها المؤسسات التابعة للأحزاب المتنفذة. ويؤكدون أن أبرز دليل على ذلك، ما قامت به خلال أحداث الانتفاضة الشعبية بالتضييق على القنوات والإذاعات التي ساندت الاحتجاج السلمي، وعدم محاسبتها مؤسسات إعلامية حرضت على العنف ضد المتظاهرين وأثارت نعرات طائفية وعنصرية هددت السلم الأهلي.
أما الحملة الأخيرة التي أُغلقت الهيئة بموجبها 22 إذاعة بناءً على تأخرها بتسديد الديون التي بذمتها، فقد قوبلت برفض واستهجان كبيرين من قبل مؤسسات صحفية ومنظمات حقوقية اعتبرتها فعلا انتقائيا يخالف القانون وهو ابتزاز سياسي جديد.
ففي بيان صحفي مشترك أكدت النقابة الوطنية للصحفيين ومركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، وجمعية الدفاع عن حرية الصحافة، ومركز نايا للتدريب الإعلامي، أن "هيئة الإعلام والاتصالات عندما أغلقت عددا من الإذاعات في بغداد والمحافظات بحجة عدم تسديدها مبالغ الطيف الترددي الذي بذمتها، ارتكبت مخالفة دستورية وقانونية صريحة، إذ ليس من حقها إغلاق أية مؤسسة إعلامية دون أوامر قضائية".
البيان نقل أيضا "تأكيدات كوادر الإذاعات التي تلقت تبليغات الإغلاق، بالتعامل ألازدواجي للهيئة مع الملف، حيث تلاحق الإذاعات المستقلة، وتترك إذاعات الأحزاب المتنفذة. كما أن المبالغ التي تداعي بها كضرائب عن الطيف الترددي، تصل إلى أكثر من 100 مليون دينار، وهو أمر لا ينسجم بأي حال، مع مداخيل الاذاعات، وخاصة المستقلة منها"، موضحا أن "الحكومة ومجلس النواب، مطالبان باتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة وإيقاف حملة الهيئة".

انتقاء مزاجي واعتبارات سياسية

الهيئة ورغم شرعية حديثها عن استيفاء الأجور من الإذاعات، إلا أن هذه الشرعية تأتي منقوصة لغياب القانون الذي ينظم الأمر ويحدد مبالغ الأجور والحصول عليها من كافة المؤسسات دون تفضيل.
وبنظر رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر، فأن "هيئة الإعلام لم تبادر إلى تنظيم استيفاء الديون وفق قانون واضح تقام بموجبه مخالصة مالية سنوية بينها وبين المؤسسات الإعلامية. كما أنها تغض نظرها عن ديون عشرات الوسائل الإعلامية التابعة للجهات المتنفذة والتي تعمل بعضها دون ترخيص، وتحاسب المؤسسات الأخرى وتبتزها سياسيا لكبح حرية العمل الصحفي".
ناصر أكد أيضا "مخاطبة الجمعية والمعنيين بالحريات الصحفية رئاسة الوزراء للنظر بهذا الأمر، كي تتجه الهيئة إلى تحديد سعر قابل للدفع يفرض على الجميع دون استثناءات". ودعا الحكومة إلى "مراجعة عمل الهيئة بشكل جاد وإجراء تغييرات شاملة في هيئة الأمناء الذين ينتمون إلى أجندات سياسية معروفة بمواقفها المعادية لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي الذي حاربته خلال التظاهرات"، مبينا أن "الأمر صعب لارتباطه بالجهات السياسية المتنفذة، ولكنه ممكن، خصوصا بعد أن وعد رئيس الوزراء بإعادة هيبة الدولة واحترام القانون وحرية التعبير التي أصبحت في أدنى مستوياتها بعد الانتهاكات التي اقترفتها حكومة عبد المهدي السابقة".
وأوضح رئيس الجمعية، أن "المطلوب هو تبديل أعضاء هيئة الأمناء بشخصيات مهنية ونزيهة وإقرار قانون هيئة الإعلام، وتشكيل لجنة تعمل مع الهيئة هذه مكونة من صحفيين ومختصين بحرية العمل الصحفي لمراجعة عقود التمويل المالي التي حصلت عليها الهيئة وبعثرتها بين وسائل أجنبية وحزبية".

تمييز كبير

وفي بغداد، قال مدير أحدى الإذاعات التي تعرضت للإغلاق، إن هيئة الإعلام تطلب مبالغ كبيرة بطريقة تعسفية وتستغل الأمر سياسيا، علما أنها تعمل بلا قانون وتستند إلى الأمر الإداري الذي أصدره الحاكم المدني بول بريمر، رغم إلغاء أوامر تلك المرحلة لمخالفتها القانون والدستور.
مدير الإذاعة الذي لم يكشف عن أسمه، أكد إن "الهيئة تعاني خللا واضحا لأن عددا كبيرا من أعضائها بقوا في سلطتها عشرسنوات. كما أن الهيئة تعاملت بطريقة انتقائية واضحة، فهي تغلق الإذاعات التي تهتم بحقوق المواطنين، وتغض بصرها عن الإذاعات المعروفة ببث السموم الطائفية والأحقاد، علما أنها لا تتابع أيضا إذاعات شبكة الإعلام العراقي التي تمارس الكثير من الأخطاء".
ولفت المدير إلى إن "الهيئة تبرر إغلاقها البرامج والإذاعات وفق ما يسمى بـ(مدونة السلوك المهني) التي تطبقها وفق المزاج السياسي، بعد أن وضعتها بطريقة فردية ولم تشرك بصياغتها ممثلي الإذاعات. ولا بد من الإشارة إلى إن حملة الإغلاق التي تشنها حاليا، هو لرغبة الهيئة منح الترددات إلى إذاعات جديدة تدار بأموال الفساد وسطوة المتنفذين".
***********
ص3
الصحة العالمية: الواقع الصحي في العراق تأزم بشكل غير مسبوق
"الصحة والسلامة الوطنية" تقرر عدم فرض حظر التجوال الشامل
متابعة "طريق الشعب"
قررت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، يوم أمس، عدم فرض حظر التجوال الشامل، فيما حددت ساعات الحظر الجزئي.
فيما قالت منظمة الصحة العالمية، أمس، إن النظام الصحي في العراق وصل إلى ذروته، محذرة من الوصول إلى مرحلة عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى.
لا حظر شاملاً للتجوال

وقالت اللجنة الوطنية للصحة والسلامة، بحسب وكالة الانباء العراقية إنه "تقرر عدم فرض حظر تجوال شامل خلال الايام المقبلة".
وأضافت اللجنة أنه "تم تحديد أوقات حظر التجوال الجزئي من الساعة السابعة مساء الى الساعة السادسة صباحا".
وأعلنت وزارة الصحة، اليوم الاثنين، تسجيل 1749 إصابة جديدة بفايروس كورونا في العراق، و1852 حالة شفاء، و83 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية.
وقال وكيل وزارة الصحة حازم الجميلي، إنه تم “توفير سائل الأوكسجين الطبي في جميع المؤسسات الصحية”، مشيراً إلى أن “ما حصل من نقص في مادة الأوكسجين سببه سوء إدارة، فضلا عن وجود تدخلات خارج إرادة المؤسسات الصحية”.
وأضاف الجميلي أن “تطبيق التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات ومنع التجمعات، المفتاح للوصول إلى بر الأمان”.
الصحة العالمية تحذر

من جانبه، قال ممثل المنظمة في العراق أدهم إسماعيل في تصريح للوكالة الرسمية، إن "المنظمة باشرت بحملات توعوية تحت شعار (صحتك أمانة) ستستهدف ما يقارب 5 ملايين نسمة في جانبي الكرخ والرصافة من بغداد".
وأضاف، أن "الحملات التوعوية شملت المناطق الأكثر وباء في بغداد وهي مناطق مدينة الصدر، والشعب، والزعفرانية، والبلديات وبغداد الجديدة في جانب الرصافة، أما جانب الكرخ فشملت مناطق الحرية والعامرية والدورة والشعلة".
وأشار إلى "مشاركة 250 متطوعا في الحملة وبالتعاون مع المنظمات المدنية غير الحكومية"، مؤكدا أن "نجاح الحملات التوعوية في نشر الوعي الصحي سيمكن من تقليل الإصابات في هذه المناطق التي تشكل 60 % من حجم الإصابات اليومية في بغداد".
وأوضح أن "الواقع الصحي في العراق تأزم بشكل غير مسبوق"، موضحا، "أننا في المرحلة ما قبل الأخيرة بعد ذلك سيصبح مرض فيروس كورونا وباء في البلاد، لذلك يجب أن نتخذ إجراءات شديدة على أرض الواقع للحد من انتشاره".
وأكد "أهمية تضافر الجهود لمكافحة الوباء"، مبينا أن "النظام الصحي وصل إلى ذروته وعدد الحالات اليومية في المستشفيات في تزايد مستمر"، محذراً من "الوصول إلى مرحلة عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى". ولفت إلى "تقديم 6 مقترحات، بداية من إدارة الأزمة ومرورا بكيفية مكافحة الوباء، إضافة إلى السيطرة على الحدود، ثم الشراء السريع للمواد التي نحتاجها مثل الأوكسجين وغيرها من المستلزمات الصحية، فضلا عن التعاون ما بين الوزارات المختلفة مثل وزارة التعليم والصحة بخصوص الاختبارات".
واشار إلى أنه "خلال الأسبوع الجاري سنستورد كميات من الأوكسجين من الإمارات، الأمر الذي سيحل المشاكل في بعض المناطق".

وفيات وإصابات الكوادر الطبية

إلى ذلك، كشفت نقابة الأطباء العراقيين، عن وفاة 13 طبيباً أصيبوا بفيروس كورونا، منذ انتشار الفيروس، وإصابة المئات منهم. وقال نقيب أطباء العراق، عبد الأمير الشمري، في تصريح صحفي إن "13 طبيبا توفوا جراء إصابتهم بكورونا، فيما تم تسجيل إصابة 775 آخرين حتى الآن". وأضاف أن "جميع الأطباء يبذلون قصارى جهدهم لتقديم الخدمات للمرضى بالموارد المتاحة".
وكان نقيب الأطباء، قد دعا، أمس الأول، إلى فرض حظر شامل للتجوال، فيما حذر من انهيار الخدمات وخسائر كبيرة بالأرواح.
صحة الاقليم تحذر من كارثة

وعلى صعيد ذي صلة، أكد المتحدث باسم صحة اقليم كردستان، محمد قادر، أن مستشفيات الاقليم تعاني من نقص كبير في الأجهزة والمعدات المخصصة لمواجهة فيروس كورونا، فيما أشار إلى أن الفيروس ينتشر في السليمانية بشكل متسارع.
وقال محمد قادر، إنه "في الاسابيع الاولى لبداية الازمة الصحية لم تكن لدينا هذه المشكلة بسبب قلة الإصابات، ولكن مع ارتفاع الاعداد وبصورة عالية جدا وزيادة عدد الفحوصات بمعدل أكثر من الفين فحص في اليوم الواحد، بدأنا نعاني من نقص في المسحات والأجهزة والمعدات الطبية".
وأضاف قادر أن "المساعدات التي وصلت لنا من منظمة الصحة العالمية ومن الصين ومن الأمارات ومن الحكومة الاتحادية أيضا خدمتنا كثيرا، لكن تزايد عدد الإصابات يفوق الإمكانيات الطبية".
وقررت غرفة عمليات محافظة أربيل في اجتماعها أمس الاول، فرض حظر تجوال شامل في عموم محافظة أربيل، من الساعة السادسة من صباح يوم الثلاثاء وحتى 12 ليلا من يوم الرابع من تموز.
وللتخفيف عن المواطنين، قررت غرفة عمليات أربيل السماح "بفتح المخابز، ومحلات المواد الغذائية الموجودة داخل الأحياء، ومحلات بيع الفواكه والخضار، والصيدليات الخافرة، وبحركة السيارات التي تنقل المواد الغذائية واللوازم الطبية والأدوية للصيدليات، وسيارات بيع الغاز السائل للبيوت وصهاريج نقل الوقود للمولدات الأهلية، وشركات الاتصالات، وفرق الرقابة التجارية وموظفي سايلو أربيل ومديرية تصنيع الحبوب وسيارات نقل محاصيل الحبوب".
***********
مواساة
• تعزي محلية بابل للحزب الشيوعي العراقي اسرة الناجي برحيل الشخصية الوطنية الدكتور طه ناجي الذي وافته المنية عن عمر ناهز 90 سنة بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلاً، وهو عم الباحث أحمد الناجي.
انغمر الفقيد بالعمل في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ العهد الملكي، وتحمل مكابدات النضال الوطني، وخلال عهد ثورة تموز المجيدة انيطت به مهمة العمل في لجنة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بالإضافة الى عمله الأكاديمي في كلية الزراعة/ جامعة بغداد، وتعرض بعد الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 للاعتقال والتعذيب والفصل الوظيفي، ولما أعيد للوظيفة احيل بعد مدة قصيرة على التقاعد من قبل النظام الديكتاتوري ضمن قائمة شملت عدد من الأكاديميين، وبقي طيلة العقود الماضية لصيقاً بالوطن والحزب. وأصدر كتابا عن ثورة 14 تموز المجيدة. للفقيد الذكر الطيب ولعائلته خالص العزاء.
• تنعى اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الناصرية احد رفاقها القدامى المربي الفاضل حسين رؤوف (ابو الحارث) للفقيد السلام الابدي والذكر الطيب ولعائلته ورفاقه جميل الصبر.
• وتعزي الرفيق عبد الله حمدان بوفاة شقيقه، للفقيد الذكر الطيب ولعائلته الصبر والسلوان.
• تعزي محلية الرصافة الأولى للحزب الشيوعي العراقي صديق حزبنا السيد رضا نور الشرع بوفاة والده السيد نور عبود الشرع بعد مكابدة طويله مع المرض. الذكر الطيب للفقيد الراحل والصبر والسلوان للعائلة الكريمة.
• تنعي منظمة الحزب الشيوعي العراقي في المنصور / محلية الكرخ الأولى الرفيق سالم عباس الموالي (ابو سامي) بعد صراع مرير مع المرض. لقد كان الفقيد من الرفاق الشيوعيين الذين تعرضوا إلى شتى أساليب المطاردة والاضطهاد من قبل ازلام النظام الدكتاتوري السابق وواصل عمله ضمن تنظيمات الحزب في منظمة المنصور بالرغم من الوعكة الصحية التي تعرض لها. الذكر الطيب للفقيد ولعائلته الصبر والسلوان.
• ببالغ الحزن والأسى تنعى المحلية العمالية في الحزب الشيوعي العراقي النقابي سيد تركي عطية (ابو كريم) عضو نقابة النقل، الذكر الطيب للفقيد والصبر والسلوان لعائلته.
• تعزي محلية المثنى للحزب الشيوعي العراقي الرفيق مالك النصراوي (ابو هبه) بوفاة شقيقته، للفقيدة الذكر الطيب ولعائلتها الصبر والسلوان.
********
المركبات "الخصوصي" تزاحمهم على الركّاب
سائقو التاكسي.. الغرامات أثقلتهم وكورونا قطع أرزاقهم
بغداد – ماجد مصطفى عثمان
تجوب يوميا شوارع بغداد، آلاف مركبات الأجرة، منها العامة ذات اللون الأصفر، ومنها "الخصوصي" التي يضع أصحابها لوحة إعلانية تحمل كلمة "تاكسي"، فضلا عن سيارات الأجرة التابعة إلى شركات نقل أهلية، والتي تقدم خدماتها للركّاب عن طريق الاتصال برقم هاتف مخصص للحجز والاستدعاء.
النوعان الأخيران، اللذان زادت أعدادهما خلال السنوات الأخيرة، أصبحا منافسين قويين لأصحاب المهنة الأصليين، الذين يمتلكون سيارات أجرة عامة مخولة لنقل الركاب. وهؤلاء تترتب عليهم ضرائب ورسوم وغرامات مرورية معينة، لا تشمل السيارات "الخصوصي" ومركبات شركات النقل.
ولأن هذه المهنة لا تتطلب خبرات ومهارات كثيرة، بات الكثيرون من العاطلين عن العمل، بمختلف الأعمار، يزاولونها، بالإضافة إلى الموظفين، فالكثيرون منهم يزاولون هذه المهنة بعد انتهاء دوامهم الرسمي، سواء بسيارات أجرة عامة صفراء، أم بسياراتهم الخاصة، فيزاحمون بذلك أصحاب المهنة على الرزق.
وتفرض على سائقي سيارات الأجرة العامة، غرامات مرورية وضرائب، فضلا عن رسوم المهنة التي تجبيها "الشركة العامة لإدارة النقل الخاص"، عن علامة "التاكسي" الضوئية، والتجوال في الشوارع، ما يثقل كاهل السائقين، الذين باتت نسب كبيرة من أرزاقهم تذهب إلى تلك الرسوم والضرائب، فضلا عن الوقود ونفقات تصليح السيارة، في وقت تراجعت فيه أعمالهم، أو انقطعت بشكل تام، جراء قرار الحظر الوقائي الساري.
"طريق الشعب" التقت بالعديد من أصحاب سيارات الأجرة في بغداد. فكشفوا لها عن معاناتهم جراء الغرامات والضرائب ورسوم المهنة التي تفرض عليهم وتثقل كواهلهم، فضلا عن صعوبات العمل هذه الأيام بسبب الحظر الصحي.
السائق أبو عبد الله، يقول أن الغرامات التي تفرض عليهم من قبل مديرية المرور العامة "قصمت ظهورنا"، كونها تتضاعف حتى تصل إلى مبالغ كبيرة جدا لا يمكن سدادها، مضيفا أن "الهيئة العامة للضرائب تفرض علينا هي الأخرى رسوما لا تتناسب مع ما نستحصله من رزق يومي، خاصة خلال الوقت الراهن بعد تفشي وباء كورونا. إذ سُمح لنا بالعمل فقط 4 أيام في الأسبوع، إثناء رفع الحظر جزئيا".
ويؤكد أبو عبد الله أن نسبة كبيرة من المردود المالي الذي يحصل عليه في اليوم الواحد، يذهب إلى البنزين ونفقات السيارة الأخرى، ولا يتبقى منه سوى القليل ينفقه على متطلبات معيشة عائلته.
سامي كاظم، وهو سائق سيارة "كيا" سعة 11 راكبا، يقول أنه وأقرانه الآخرون، توقفت أعمالهم بسبب قرار الحظر الصحي، مشيرا إلى انه، بالرغم من مخاطر كورونا، حاول تسخير جل جهده للحصول على قوت عائلته، إلا أن الغرامات المرورية ومبالغ الجباية والضرائب، أثقلت كاهله وسائقي الـ "كيا" الآخرين.
ويتابع قائلا: "يسجل علينا شرطة المرور، يوميا، غرامة أو غرامتين بسبب توقفنا في الشارع لحمل الركاب. وهذه الغرامات، إذا لم يتم سدادها على وجه السرعة، ستتضاعف بشكل كبير. فقد وصل مبلغ الغرامة المترتبة على سيارتي، مليون دينار".
من جانبه يقول عكاب فرج، وهو سائق تاكسي، أنه وأمثاله يخضعون إلى العديد من الإجراءات المتعلقة بنقل الملكية، كما تترتب عليهم رسوم مهنة تدفع إلى "الشركة العامة لإدارة النقل الخاص"، موضحا انه يدفع سنويا 35 ألف دينار رسم مهنة، و36 ألف دينار عن لوحة "التاكسي" الضوئية، فضلا عن 3 آلاف دينار شهريا عن التجول في الشارع، وهذه تتضاعف في حال تأخر دفعها.
ويلفت فرج إلى أن "السيارات الخصوصي التي تعمل بالأجرة، غير مشمولة بتلك الرسوم، ولا تنطبق عليها أي من تلك الإجراءات، بالرغم من كونها تزاحمنا على الرزق!".
سائق التاكسي سرمد زكي، يتحدث عن الضرائب والرسوم والغرامات المرورية التي تفرض عليهم والتي "أتعبتنا وأرهقتنا كثيرا" – على حد تعبيره، موضحا انه عند شراء سيارة يتم نقل ملكيتها من صاحبها السابق إلى الحائز الجديد، وهذه العملية تتطلب دفع مبلغ قدره 150 ألف دينار، بالإضافة إلى 65 ألف دينار كرسوم لتبليط الطرق والجسور.
ويتابع قائلا أن هناك رسوما أخرى تترتب على سائق السيارة، مثل رسوم تجديد "السنوية" التي تبلغ 50 ألف دينار كل عام، وما يطلق عليه "رسم سبايكر" البالغ 15 ألف دينار، مشيرا إلى أن هذه المبالغ كلها تذهب إلى مديرية المرور العامة، وانها تثقل ميزانية المواطن البسيط.
ويطالب زكي مديرية المرور بخفض مبالغ الرسوم، تماشيا مع الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطن، خاصة هذه الأيام في ظل جائحة كورونا.
إلى ذلك يذكر المواطن أبو محمد، أنه عندما أراد بيع سيارته "الخصوصي" وتحويلها إلى الحائز الجديد، تبين أن هناك غرامات مرورية مسجلة عليها ويتوجب عليه سدادها. وعند مراجعته دائرة المرور اتضح أن تلك الغرامات، التي بلغت 250 ألف دينار، سببها مخالفات مرورية، وهي مسجلة بتاريخ 8 حزيران 2007 في بغداد، لافتا إلى أن هناك "غرابة" في الأمر، كونه اشترى هذه السيارة عام 2012، ووقتها لم تكن مسجلة عليها أية غرامة.
ويضيف أبو محمد أنه اضطر إلى دفع مبلغ الغرامة، التي لا يعرف عنها أي شيء، وليس له يد فيها، مبينا أنه كان من المفترض أن تقوم مديرية المرور العامة بتبليغ أصحاب المركبات عما يترتب عليهم من غرامات أولا بأول، كأن تتصل بهم على أرقام الهواتف المحفوظة لديها.
سائق التاكسي أبو سلمان، يتحدث من جانبه عن بعض أصحاب سيارات الأجرة العامة، الذين لجأوا إلى طريقة جديدة للتخلص من رسوم المهنة والضرائب. فقد قام هؤلاء ببيع سياراتهم وشراء أخرى "خصوصي" بدلا عنها. فهذه المركبات غير مشمولة بتلك الإجراءات.
ويضيف في سياق ذي صلة، أن سيارات شركات النقل الأهلية، صارت تزاحم سيارات الأجرة العامة على الرزق، وأصبحت منافسا قويا لها، في وقت انها غير خاضعة للضرائب والرسوم التي تخضع لها سيارات التاكسي.
************
لا عمل ولا سفر.. قصص مأساوية لعمال آسيويين عالقين في العراق
متابعة "طريق الشعب"
لم يستلم رجيب شيخ راتبه منذ ثلاثة أشهر، وتوقف صاحب العمل العراقي منذ فترة عن توفير وجبات الطعام له، فاضطر هذا البنغالي للمرّة الأولى لطلب المال من أسرته التي هاجر من أجل إعالتها.
حال هذا الطباخ البالغ من العمر 26 عاما والذي وصل قبل سبعة أعوام إلى مدينة البصرة الجنوبية، مثل حال الآلاف من العمال الآتين من آسيا، وعلقوا في بلد لا عمل فيه ولا سبيل لمغادرته بسبب نقص المال وفقاً لتقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.
ويقول الشاب الذي يطلق على نفسه اسم محمد لسهولة حفظه من أرباب عمله "عادة، نحن الذين نرسل الأموال إلى بلادنا". وترك نفيس عباس أيضا عائلته في باكستان. أعاد هذا الخياط (32 عاما) فتح متجر رب عمله قبل أيام قليلة فقط، بعد أن أمضى قرابة أربعة أشهر من دون عمل بسبب الحظر الشامل الذي فرضته السلطات العراقية لاحتواء وباء كوفيد-19. وفيما يشهد العراق أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، بين جائحة كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط، يعتقد عباس أن لا مستقبل له في هذا البلد الذي بات يتحدث لغته بطلاقة.
"لا أملك دينارا واحدا"

ويضيف لفرانس برس أمام ماكينة الخياطة المثبتة أمام مرآة "أرغب بالعودة إلى بلدي، لكني لا أملك فلسا واحدا. تكلفة الرحلة إلى باكستان 700 دولار، ولا أملك دينارا واحدا".
وفقد منجر الإسلام كل شيء أيضا. ومع بلوغه سن الثلاثين أمضى تسعا منها في العراق، لجأ مؤخرا إلى قنصلية بلاده.
ويقول لوكالة فرانس برس: "اتصلت بنا السفارة وعرضت علينا مكانا للنوم وتناول الطعام".
وشهد الدبلوماسي البنغالي محمد رضا الكبير تدهوراً في أوضاع مواطنيه في العراق على مدى الأسابيع الماضية.
ويقول لوكالة فرانس برس إنه من بين 250 ألف عامل بنغالي مسجلين في العراق "فقد أكثر من 20 ألفاً عملهم". هذه الأرقام تقديرية وتستند إلى العمال المسجلين والموظفين بطريقة قانونية، وقد تكون أعلى من ذلك بكثير.
وفي دلالة على تأزم الأوضاع، بدأت شركات النفط والمقاولات التي تعتبر القطاع الأبرز للعمال الآسيويين في العراق، بتقليص القوى العاملة لديهم بشكل كبير.
ويلفت رضا الكبير إلى أنه "تم فصل البعض دون أن يحصلوا على رواتبهم"، مشيراً إلى أنه استقبل في بغداد "أكثر من تسعة آلاف بنغالي فقدوا وظائفهم في شركة نفط".
ويضيف "كلهم يريدون منّا أن نساعدهم في العودة إلى البلاد، ونحن نبذل قصارى جهدنا، لكنه أمر مكلف ويجب تأجير الكثير من الطائرات".
وبحسب منظمة العمل الدولية التي أجرت مؤخراً استطلاعاً شمل عشرات أرباب العمل، أقرّ أربعة من كل عشرة منهم بأنهم سرّحوا موظفين، وقال معظمهم إنهم لا يأملون بعودة العمل إلى مستواه قبل الوباء، حتى لو انتهت موجة تفشي الفيروس الحالية.
ويرى أربعون في المئة منهم أنه سيتعين عليهم إبقاء أبواب شركاتهم مغلقة لفترة من الوقت أو ببساطة، إعلان إفلاسهم.

الأسوأ قادم؟

ويقدّر سالم أحمد الذي يدير مطاعم عدة، خسائره بـ"حوالى عشرين ألف دولار شهرياً". ويعرض ذلك موظفيه الثمانين للخطر، وبينهم 12 أجنبياً من بنغلادش أو مصر لا يزال قادراً حتى الآن على دفع رواتبهم، رغم انحسار عمله بطلبات التوصيل فقط جراء كوفيد-19.
ومع انخفاض العائدات النفطية، يقول أحمد "ستطالبنا الدولة بالضرائب في تموز/يوليو، ولم تخطط الحكومة لتوفير أي مساعدة للشركات".
وتوضح رئيسة القسم العراقي في منظمة العمل الدولية مها قطاع لفرانس برس أنه "يجب على السلطات الإفراج عن المساعدات الطارئة للعمال، وخصوصاً أولئك الذين يجدون عملاً غير رسمي".
وبفضل هذا العمل غير الرسمي، تمكنّ محمد فاضل الحق (49 عاماً) من إعالة أسرته في بنغلادش لسنوات. فقد كان يجد كلّ شهر تقريباً متجر بقالة جديد يبحث عن عامل.
لم يكن هناك خوف من الغد حينها. كان العمال الآسيويون الذين يصلون يومياً في طائرات ممتلئة إلى المطارات العراقية، مطلوبين.
ويجمع أرباب العمل على أنهم "قليلو الكلفة، ويعملون أكثر من أبناء البلد".
لكن اليوم، الوضع تغيّر. ويقول فاضل الحق "اليوم كلّ شيء مغلق، مع فيروس كورونا، لم يعد هناك زبائن". وبالتالي لا عمل له وللعمال الآسيويين الآخرين.
وبينما تشير التوقعات إلى انكماش يقارب عشرة في المئة في الاقتصاد العراقي، فقد تكون الأشهر القليلة الماضية مجرد عيّنة عن الأوضاع السيئة القادمة.
************
ص4
اشكالية الإنفاق الحكومي مع أزمة كورونا
ابراهيم المشهداني
يمر العراق في هذا العام ازمة اقتصادية اجتماعية صحية مركبة تشكل في ثلاثيتها سببا ونتيجة، ولكنها بمفهومها الكلي تأتي نتيجة منطقية لمجمل السياسات الاقتصادية والمالية التي وضعتها الحكومات المتتالية خلال الأعوام السبعة عشر الماضية، وضعت العراق على نهايات شديدة الحراجة غير مألوفة منذ أكثر من قرن، حيث كان العراق عرضة لأكثر الامراض انتشار وفتكا بأرواح الناس.
وازاء هذه الازمة الخطيرة، اضطرت الحكومة الراهنة الى وضع العديد من الاجراءات للخروج من هذه الازمة الصحية، ومرر البرلمان مشروع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي الذي عرضته الحكومة، رغم انه اختلف معها في مقدار هذا الاقتراض فخفضه من 43 مليار دولار الى 21 مليار دولار، وحسنا فعل، ومع ذلك فقد وقع في خطا مماثل من حيث النتيجة، فقد تم اقرار الاقتراض الداخلي ليكون 15 مليار دولار والباقي ومقداره 5 مليارات دولار من الخارج، مستندا الى قانون الادارة المالية والدين العام، وكان المفروض ان يقتصر الاقتراض من المصادر الداخلية لسببين اساسيين، الاول يتعلق بتأخر امكانية الحصول على القرض الخارجي ومن اطراف عدة، والثاني خضوع هذا النوع من الاقتراض على شروط سياسية واقتصادية فيها قدر من الضرر على مستقبل الاجيال القادمة.
وإذا اخذنا بعين الاعتبار تصريحات رئيس اللجنة البرلمانية، من ان مجموع ما تحتاجه البلاد خلال هذا العام ما مقداره 59 مليار دولار كنفقات تشغيلية، وأن ايرادات الحكومة المالية للفترة المتبقية ستبلغ 17 مليار دولار، فان العجز والحالة هذه سيكون 42 مليار دولار. فكيف سيتم تسديد هذا العجز واي نفق مظلم سيدخل فيه العراق.
وليس بدون فائدة الرجوع الى الأرقام المتوافرة عن الايرادات المالية الى دخلت الى العراق، لنستقي منها الدرس والعبرة، اذ كان مجموع الايرادات من العملة الاجنبية للفترة من عام 2005 ولغاية عام 2017، 706 مليار دولار، أنفق منها أكثر من 703 مليار دولار، والبقية تم تدويره الى رصيد افتتاحي لحساب وزارة المالية في بداية عام 2018، وكانت نسبة المنفق من الايرادات المالية الاجنبية 99،5 في المائة من حجم الايرادات الكلي، فضلا عن ذلك بلغ حجم التنفيذ المالي للموازنات السنوية 489 مليار دولار، اي ما نسبته 70 في المائة، ناهيك عن المنفق على الاستيرادات الحكومية وعقود التراخيص النفطية والمدفوعات العسكرية وخدمة الديون الاجنبية، هذا الكم الصادم من الإنفاق كل ذلك كان وليد جملة من الاسباب تقف في مقدمتها الزيادة في عرض النقد وسوء الادارة المالية والنقدية والمغالاة في الانفاق الاستهلاكي الحكومي والخاص وقلة الانفاق الاستثماري، ويقف على رأس كل هذه الاسباب عمليات الفساد التي تتسلل بين أوعية عمليات الانفاق الملغمة باللجان الاقتصادية للأحزاب النافذة.
ان الحكومة العراقية مدعوة لإعادة تقييم كافة السياسات السابقة سواء ما يتعلق بالسياسة المالية الانفاقية بما فيها ابواب الهدر والفساد ومصادر التمويل وامكانيات تعظيم الايرادات والدروس المستخلصة منها، مع ما تتطلب من خطط وتشريعات ملزمة وتنسيق كامل بين الاجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية والعمل كفريق واحد للخروج من هذه الازمة القاتلة، ونقترح في هذا المجال ما يلي:
• اعادة النظر في حجم الانفاق الحكومي وتخليصه من ابواب الهدر والى ادنى المستويات، والالتفات الى الانشطة التي تساهم في تنويع الاقتصاد وتوجيه الايرادات النفطية نحو قطاعات الانتاج، والابتعاد ما أمكن عن إنفاق القروض الاجنبية لأغراض الانفاق التشغيلي كي لا يكون عبئا على الاقتصاد الوطني والموازنات السنوية.
• توجيه الموارد الداخلية بما فيها القروض الداخلية نحو الانفاق التشغيلي، وبضمنها مصادر الدخل الاخرى كالمنافذ الحدودية والايرادات الضريبية بكل عناوينها بما فيها شركات الاتصال والضرائب المفروضة على عمليات شراء الدولار من نافذة البنك المركزي وشركات التامين وكافة الاوعية الضريبية الاخرى.
• نؤكد التشديد على تعبئة جهد وطني واسع وحقيقي متعدد الاطراف بما فيها الحركة الجماهيرية، لمكافحة الفساد داخل الجهاز الحكومي والتعبئة الرقابية لإبعاد الفاسدين وتنشيط حركة القضاء لاستعادة الاموال المنهوبة والاستعانة بالجهد الدولي لهذا الغرض.
***********
مفهوم السيادة
بالقانون الدولي العام

جبار محمد مهدي السعدي *
أن اجتماع العناصر الثلاثة الشعب والاقليم والتنظيم السياسي لا يكفي بحد ذاته لقيام الدولة فلابد من وجود معيار قانوني يميز الدولة عن غيرها من الوحدات الادارية والفيدرالية والاقليمية؛ وعلى هذا الاساس ذهب الفقه التقليدي الى أن هذا المعيار هو السيادة، ومن ثم أدخلها الفقيه الفرنسي (جان بودان) كنظرية في الفقه القانوني وعرَّفها بانَّها (السلطة العليا والمطلقة للملك لا يقيدها إلا الله والقانون الطبيعي) في حين يرى الفقيه هوبز أن (صاحب السيادة لا يتقيد حتى بالدين) وظلَّت فكرة السيادة المطلقة متسلطة حتى اوائل القرن العشرين حيث تطور مفهومها لتصبح مقيدة بقواعد القانون الدولي؛ وتتمثل السيادة في مظهرين الاول مظهر داخلي: مبناه حرية الدولة بالتصرف في شؤونها الداخلية وفرض سلطانها على اقليمها؛ والآخر مظهر خارجي مبناه استقلال الدولة بإدارة علاقاتها الخارجية بدون ان تخضع لأية هيمنه؛ وانتقدت نظرية السيادة من جانب الفقه الحديث، وظهرت عدة نظريات لاستبدالها بمعيار آخر كان ابرزها المعيار المستمد من نظرية الاستقلال التي اقترحها الاستاذ (شارل روسو) والتي تفيد بان الدولة تتمتع باختصاص مانع وجامع وحر في اقليمها، وهذا يعني عدم جواز أن تمارس السلطة في إقليم دولة ما إلا دولة واحدة تحصر بذاتها جميع الاختصاصات وتباشرها بكل حرية، وتسمح لها بالتدخل متى ارادت في سائر مظاهر الحياة البشرية ولا يحد من هذا التدخل سوى التزاماتها الدولية وحقوق رعاياها؛ والواقع انَّه على الرغم من مهاجمة التيارات الحديثة لفكرة السيادة فان الاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية لا تزال تجعل من احترام السيادة الوطنية قاعدة اساسية ونص عليها عهد العصبة وميثاق الامم المتحدة الذي قام على اساس وجودها، والمساواة بين جميع الاعضاء في نطاق الهيئة عدا حالات استثنائية وأكدتها محكمة العدل الدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جامعة ديالى – كلية القانون والعلوم السياسية
********
نحن وتداعيات ازمة كورونا المتوقعة
ناصر حسين
في ايام معدودات انتشر الفيروس في اكثر من مائة وثمانين دولة على نطاق الكرة الارضية كلها ليفرض على البشر التزام البيوت وتتحول المدن الزاخرة بالحياة والبشر الى مدينة اشباح. وتضطر بعض الحكومات الى اجراء مناقلات بين ابواب التخصيصات في موازناتها السنوية لتوفير السيولة النقدية التي توضع تحت يد الاجهزة الطبية لتوفير مستلزمات مكافحة الفيروس وجعل الاصابات تقف عند ادنى الحدود بعد ان توقفت معاملها ومصانعها عن العمل وتوقفت او ضعفت التجارة الدولية مما يعني حرمان خزائنها من الرسوم الكمركية ومن رسوم الضرائب والمعاملات في الدوائر الحكومية بحيث اضطرت حكومة الولايات المتحدة الامريكية للجوء الى الصندوق الاتحادي لضخ سيولة نقدية بلغت مليارات الدولارات كي لا تتوقف عجلة الاقتصاد الامريكي عن الدوران بشكل كامل. فكيف بنا نحن في العراق والمورد الاساسي لموازنة البلد هو مبيعات النفط. معاملنا متوقفة، زراعتنا متدهورة وفي ادنى حدودها الانتاجية واقتصاد البلد وحيد الجانب وقد تحول العراق تدريجيا الى دولة ريعية استهلاكية كما انه ما زال مثقلا بالديون وبتعويضات الحروب الكارثية للمقبور صدام حسين، وتبعات سياسته الاقتصادية والاجتماعية..... الخ.
في احد اعوام سبعينيات القرن الماضي فوجئنا بقرار حكومي يقضي برفع سعر مادة السكر ومادة اخرى لست اذكرها الان. فاعترض الرفاق ممثلو الحزب الشيوعي العراقي في سكرتارية اللجنة العليا للجبهة على القرار. كان جواب ممثلي الحزب القائد للسلطة انذاك بان مصلحة المبايعات الحكومية تعاني من خسارة ولمعالجة ذلك جاء هذا القرار. فكان رد رفاقنا بان مصلحة المبايعات الحكومية ليست شركة خاصة تعمل من اجل الحصول على الارباح من خلال عمليات البيع والشراء التي تمارسها بل هي مؤسسة حكومية وليس كل مؤسسة حكومية تدر الارباح الى وزارة المالية والنقص في وارداتها لتسيير امورها تتكفله وزارة المالية وفرضنا عليهم الغاء قرار رفع الاسعار للمواد المذكورة اعلاه.
فعن أي مناقلة يمكن ان يدور الحديث الان بعد ان انخفضت اسعار النفط الخام في السوق الدولية الى إقليمنا ٣٠ دولار للبرميل الواحد لخام برنت وهي في طريقها الى الهبوط الى مستويات ادنى. ومعلوماتي ان ابواب الصرف في موازنة العراق للعام الحالي أي عام 2020 هي استهلاكية وليست انتاجية لا تريد من وزير المالية ان يصرف لها ولا يمكن ان تعطي لخزينة الدولة وللدخل الوطني اية سيولة نقدية؟
قبل ايام من بدء ازمة كورونا كنت استمع الى مقابلة مع السيد عدنان الزرفي وكان حينها يتكلم باعتباره نائباً في البرلمان ولم يصدر له بعد قرار رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل الوزارة العراقية التي تحل محل الحكومة المستقيلة حكومة السيد عادل عبد المهدي وسمعته يعترض على قرار صادر من احد الوزراء بتعيين اكثر من سبعين الف موظف جديد في وزارته ويتساءل من اين ستوفر رواتبهم ان تم تعيينهم.
فكيف ستدبر شؤون العراق وقد فاجأتنا الحياة بمنطقها الموضوعي المستقل عن ارادة البشر وامانيهم فسلطت علينا فيروس كورونا وما سينجم عن ذلك من ضحايا بشرية تخلف ورائها ارامل وايتام الدولة مسؤولة عن توفير عيشهم خصوصاً وان دولتنا ريعية استهلاكية تدبر شؤونها من مبيعات النفط الخام التي انخفضت اسعارها الى الحدود التي اشرت اليها؟
ان فيروس كورونا، وجه لطمة عنيفة للسياسة الاقتصادية للدولة العراقية واثبت عجزها عن تحقيق التقدم الحضاري المنشود للعراق وفي ازمته الحالية نداء لإيجاد منعطف حاد في السياسة الاقتصادية للعراق واخراجها من نفق (الدولة الربعية الاستهلاكية) وجعلها تنطلق الى فضاء ارحب، فضاء توفير المنافذ المتعددة للسيولة النقدية، والمصادر المتعددة للدخل الوطني وجعل الاقتصاد العراقي يقف على ارضية صلبة وهذا يتطلب قبل كل شيء تدوير عجلة صناعاتنا الوطنية المتوقفة حالياً وتوفير مستلزمات تطوير الزراعة العراقية وايصالها بكافة جوانبها الى حد الاكتفاء الذاتي ولا اجد ابداً اية مثلبة في ان تبادر الحكومة العراقية الى الاسراع لإيجاد هذا المنعطف في سياستها الاقتصادية ولنا من تجارب الاخرين خير مساعد ودليل وتجربة روسيا السوفياتية بعد ثورة اكتوبر المجيدة تجربة غنية بهذا الخصوص اذ بعد النصر الذي تحقق على التمرد الرجعي الذي تصدره الجنرالان القيصريان كولتشاك ودنيكين والتدخل الاجنبي بادر لينين –كرئيس للوزراء- الى اصدار قرار بإيقاف مصادرة ما يفيض عن حاجة العائلة الفلاحية الذي اضطروا لاتخاذه من اجل تدبير لقمة العيش للشعب الروسي واستبداله بأخذ الضريبة العينية فقط والسماح للفلاحين بالمتاجرة في السوق بمنتجاتهم الزراعية ولم يجد اية منقصة في ان ينتقد قرارهم السابق ويعتبره قرارا خاطئاً من باب (الاعتراف بالخطأ فضيلة) واتذكر انه قال في احدى خطبه امام كوادر الحزب والدولة وهو يتحدث عن سياسة النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة) ان ما اخذ يدخل خزينة الدولة كضرائب يفوق بكثير ما كان يدخلها من خلال قرار المصادرة فذك القرار ادى الى انعدام الحافز لدى الفلاحين لزيادة الانتاجية واثار غضبهم على الدولة والسلطة السوفياتية بينما جاء القرار الجديد ليعيد الثقة بين الفلاحين والحكومة وهنا اعبر عن قناعتي بوجود ضرورة لإعادة النظر في مفردات الموازنة المقترحة واعداد موازنة جديدة تتماشى مع الظرف الجديد والواقع الجديد الذي دفعنا اليه فيروس كورونا بعيدا عن النهج الذي فرضه علينا المستر بريمر منذ عام 2004.
**************
عشر سنوات من حكم اليمين المتطرف في هنغاريا
حكومة اوربان تزوير للتاريخ وحماية من الاتحاد الأوربي
رشيد غويلب
قبل عشر سنوات وصل اليميني المتطرف فكتور اوربان الى قمة السلطة في هنغاريا، وبهذه المناسبة اجرت جريدة "اليونغه فيلت" اليسارية الصادرة في برلين حوارا مطولا مع الاكاديمي والمؤرخ الماركسي الهنغاري توماس كرواس تناول فيه الطبيعة الاستبدادية للنظام، وتعامل المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوربي حياله، وجوانب فكرية وتاريخية مهمة.في مايلي عرض لاهم ما طرحه كراوس بشأن احد نماذج صعود قوى اليمين المتطرف (النازيون الجدد) في اوربا الشرقية الى السلطة.
طبيعة نظام اوربان

النظام الحاكم في بودابست مثير للاهتمام، لانه يحكم السيطرة، لكنه يسمح بهامش شكلي لبعض الممارسات الديمقراطية، لارضاء مراكز القرار في اوربا الغربية. لهذا السبب ، يُسمح بمعارضة صغيرة من أي نوع، في وقت يدمر فيه صحف المعارضة المؤثرة. ويترك هياكل تعمل على طول حافة النظام. إن السلطوية الجديدة تذكرنا بفترة ما بين الحربين العالميتين، اي نظام الرئيس مكلوس هورثي ، الذي ظل حليفًا لهتلر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبا. وفكتور أوربان يعده رجل دولة عظيم.
هناك برلمان ، وهناك بعض الأحزاب ، ونوع من حرية التعبير ، وبعض حقوق التجمع ، وحق محدود في الإضراب. لكن في الواقع لا شيء من هذا يعمل لأن النظام يبقي كل شيء تحت السيطرة. فالماركسي لايسمح له بالظهور في وسائل الإعلام المركزية مثلا في التلفزيون العام ، حتى الليبرالي ليس لديه هذه الفرصة. كل شيء أحادي الجانب، ولكن ماكنة السلطة فاعلة وتحظى بقبول دولي.
من الصعب على الغرب فهم ما يحدث في هنغاريا ، فليس لديهم شيء للمقارنة ، ولا يعرفون تفاصيل التطور المجتمعي الخاص في أوروبا الشرقية في القرنين التاسع عشر والعشرين. إنهم لا يعرفون أن الليبراليين وعدوا الشعب، وبطريقة شعبوية بعد عام 1989 ، بنظام برجوازي، وسوقوا هذه الرغبة في الغرب. هناك اعتادوا على حقيقة أن نخبة السلطة الهنغارية تتحدثت باستمرار عن الديمقراطية البرجوازية واللحاق بالغرب، واعتمدوا هذه الإشارة، على ان كل شيء يسير بالإتجاه الصحيح. ولكن العكس كان هو الصحيح: كانت هناك تحولات درامية وفوضىى لا تصدق ، وانقسام عميق في المجتمع.
ابان الأزمة الاقتصادية عام 2008، أدرك الجميع أنه لا يمكن الحديث عن اللحاق بالغرب. مع ان الأزمة كشفت فقط عن التوترات الاجتماعية القائمة مرة أخرى. لكن تلك اللحظة كانت مهمة على الصعيد الاجتماعي والتاريخي. أدرك أوربان أنه لا توجد برجوازية ديمقراطية في هذا العالم شديد الأزمات. لا يوجد أحد هنا قادر على تأسيس ثقافة ديمقراطية. وبدلاً من هذه البرجوازية ، هناك نخبة السلطة فقط، فعمل على تشكيلها وربطها بشخصه. وهي تتألف من معارفه وأصدقائه وأقاربه ، وعلى سبيل المثال ، أصبح عامل تركيب الغاز الخاص به أغنى رجل في هنغاريا ، وابنته الشخصية الاهم في صناعة السياحة. أوربان هو سياسي يعي مصالح طبقته، وبفضل سياسته الإسكانية وقروضه الرخيصة ، منح البرجوازية الجديدة والطبقة الوسطى الجديدة مكانة اقتصادية مؤثرة وامتيازات جاذبة.
ومن أجل الحفاظ على نظام الفئات والشرائح المستفيدة والتابعة من ناحية، والتماسك ازاء الاضطرابات الاجتماعية من ناحية أخرى ، هناك حاجة إلى شرعنة إيديولوجية ، فكانت العودة الى قومية الاستبداد لفترة مابين الحربين التي تتناسب بشكل جيد مع هذه الحاجة. وهذا يتعارض ظاهريا مع الرأسمالية العالمية، ولكن هذه الطريقة هي الفاعلة في أوروبا الشرقية. إن الطبقة المتوسطة الصغيرة تقف بحزم خلف السلطة الجديدة. وفي الوقت نفسه ، يمكنها التماسك معً الطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانًا واستغلالًا في الريف. إنهم يتقبلون غسيل المخ هذا، انعكاس لخوف رهيب من الإنزلاق الى بؤس مشابه لبؤس الرومان. بالمناسبة ، يمكننا أن نرى كيف تبدو هذه القومية في الذاكرة الرسمية لمعاهدة تريانون لعام 1920 ،التي تنازلت مملكة المجر بموجبهارسمياً عن ثلثي أراضيها ونصف السكان بعد الحرب العالمية الأولى.
والآن يمكن سماع مشتركات الخطاب القومي، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في سنوات ما بين الحربين: نحن الهنغاريون ملاحقون ومضطهدون ولا أحد يفهم معاناتنا الكبيرة. وليست هناك كلمة واحدة عن حقيقة أن الحكام الهنغاريون كانوا قد اضطهدوا بشكل رهيب الشعوب المجاورة لعدة قرون ، سواء السلوفاك أو الرومانيين أو غيرهم. لقد أعاد أوربان الشعور بتفوق الأمة الهنغارية السابق، لاعادة كتابة التاريخ ، يجري الانفاق بلا حساب، وتم إنشاء جهاز عملاق ، وشبكة من مؤسسات تهتم بالسياسات التاريخية. وتعمل هذه المدرسة الهورثية الجديدة على تزييف التاريخ ، الذي يدخل بعد ذلك الجامعات ، والمتاحف. وتنعكس هذه الشرعنة ألايديولوجية بتاثير محافظ على الواقع الإجتماعي. وتدعي هذه النخبة السلطوية أنها تجسد الأمة. والذين لا يشاركونها رؤيتها ليسوا جزءًا من الأمة. وهذا هو جوهر ما يسمى بـ"نظام التعاون الوطني" الذي أطلقه أوربان في البرلمان في 14 حزيران الحالي. وبموجبه لا يمكن للأمة ان تتجسد الا داخل هذا النظام.

هورثي

يتم اضفاء هالة من القدسية المصطنعة على هورثي، فيقال أنه دافع عن الثقافة المجرية والأمة وأوروبا والمسيحية. ويجري اخفاء مسؤوليته ليس فقط، عن مقتل 600 الف يهودي ، ولكن أيضًا عن 400 الف ضحية هنغارية خلال الحرب. وكذلك عن مشاركة القوات الهنغارية في جرائم الحرب على الاراضي السوفيتية، وبإشراف النازيين الألمان، خلال ثلاث سنوات مورست خلالها سياسة الارض المحروقة وإبادة الشعوب. ان من يقرأ رسائل هورثي الى هتلر يشعر بالغثيان.لقد كان يصفه باستمرار بالصديق الكبير. إنهم يريدون بواسطة التقديس المفتعل التستر على كل ما ذكر. في الوقت الذي يتعين على هنغاريا تحمل مسؤولية دعم ألمانيا النازية كحليف، كان يجب أن يقال إن هورثي هاجم الاتحاد السوفييتي دون "طلب" من ألمانيا النازية ، وشارك قوات الاحتلال النازية في حرب الإبادة الجماعية التي طالت كل المجموعات السكانية.
المعارضة

المعارضة التقليدية تعارض النظام بذات العقلية وتريد ان تأخذ حصتها من الدعاية المرتبطة بمعاهدة تريانون. وتخضع للروح القومية، وتتحدث عن قومية جيدة واخرى محافظة وسيئة . ويمتد ذلك إلى عمدة بودابست الليبرالي ، الذي يتحدث بمناسبة معاهدة تريانون عن المعاناة التي تعرض لها الهنغاريون فقط، وهذا الأمرر عفا عليه الزمن تمامًا. وعندما نتحدث كيسار عن مجتمع في عهد هورثي، نتحدث عن الفقر المدقع، لهذا قيل حينها أن هنغاريا أرض 3 مليون متسول. لقد كان نظام كبار مالكي الأراضي الأرستقراطيين، الذين ورثوا الإمتيازات بالولادة، والذين دمروا هنغاريا التقدمية ممثلة بجمهورية المجالس21 ( اذار - 1 آب 1919).
ما يربط المعارضة الليبرالية بمعسكر الحكومة هو السعي المشترك للحفاظ على نظام سلطة الطغمة. والخلاف بين الفريقين يتمحور حول من هي البرجوازية الجديدة، ومن له الحق في الدخول في دائرتها. والنقطة الأخرى حاجتهم المشتركة إلى التحريض المعادي للشيوعية ، ويتضح هذا الأمر بشكل خاص من خلال الموقف المشترك من التجربة الاشتراكية السابقة، على الرغم من ان النظام الاشتراكي قدم في الحقلين الإقتصادي والإجتماعي افضل كثيرا من الراسمالية التي حكمت البلاد بعد انهيار التجربة الاشتراكية. ولهذا يحتاجون الى ماكنة اديولوجية وتاريخية وجهاز حزبي، ليثبتوا العكس، مدعيين ان نظام هورثي ، ذو الممارسات الفاشية، كان أكثر ديمقراطية من الاشتراكية، لوجود "تعددية" حزبية شكلية. ولكنهم لا يشيرون الى حقيقة ان في ذلك العهد قدم الشعب الهنغاري مليون ضحية. ويتطرفون في دعايتهم لتشويه سنوات الحكم الاشتراكي 1956-1988، بزعامة سكرتير حزب العمال الاشتراكي يانوش كادار. على الرغم من ان نصف السكان ، الذي يمتد حتى إلى ناخبي أوربان ، يعرفون جيدا أن عهد كادار كانت أفضل. ولهذا السبب ، تتكثف الدعاية ويجرم الماضي الاشتراكي.
قضية اخرى هو الموقف المعادي لروسيا، والذي يستند الى تاجيج المشاعر القومية، وتقديم الغرب الذي يحترم قيم المسيحية في مواجهة الشرق البربري، وكأن معظم الروس ليسوا مسيحيين.
مايحسب للمعارضة الليبرالية هو عدم تبني سياسة الحكومة في معاداة السامية والاجانب. والغرباء هنا هم ليس الغجر فقط، الذين يعيشون في البلاد منذ قرون . وعندما يجري الحديث عن الغرباء في اوساط الحكومة، فالمقصود اليهود والأجانب عموما. واذا ارادوا الحديث عن نظام هورثي بغموض، فانهم يشككون في محارق الابادة الجماعية النازية. لقد احيوا التقاليد النازية في سنوات ماقبل 1945 ، فنقاد النظام هم شيوعيون ويهود.
من الواضح ان المعارضة اليسارية في هنغاريا تعاني من مشاكل جدية، وهي تتوزع بين احزاب ومجاميع صغيرة محدودة التاثير. وما تبقى من حزب العمال الاشتراكي الذي قاد التجربة الاشتراكية انقسم الى تيارين الأول يعاني من جمود عقائدي ومشدود للماضي، ويدور في فلك الاحزاب التي تشاركه منهجيته، والثاني هو "حزب العمل الهنغاري 2006 "، الذي يشارك توماس كراوس تحليله، وهو حزب صغير يسعى للتجديد وينشط في اطار حزب اليسار الأوربي.
**************
ص5
افلاطوني كامبردج - سيميولوجيا المراوغة

عن دار الدراويش للطباعة والنشر في السويد، صدر للشاعر والناقد العراقي المغترب كريم ناصر كتابه الجديد (افلاطوني كامبردج - سيميولوجيا المراوغة) وهو دراسة نقدية عن المجموعة القصصية الجديدة للقاص العراقي المغترب عبدالله طاهر.
**************
ليس مجرد كلام ...
لماذا.. ؟!

قبل أيام كنت أتحدث مع الدكتور مزاحم المبارك (طبيب الشعب) عبر الماسنجر ، حول الحظر وكورونا وما يعانيه الناس في كل مكان ، بسبب أزمة وبائية وأزمات أخرى ( اقتصادية ، سكنية ، بطالة وفقر ، وصولاً إلى أزمة الأخلاق التي نعاني منها)، وهي أزمة موت الضمير الإنساني بكل وجوده وأفعاله الحيوية ، وأي عطلٍ في جزء منه أو كلّه عطل في المنظومة الكونية كلها ، لأن موت الضمير هو موت الوجود الإنساني الحقيقي وسيطرة نظام الغاب وشريعة القويّ يأكل الضعيف الذي سيموت قهرا وظلما تحت سطوته وجبروته، ونصبح في حارة (كلمن ايدو الو) حسب تعبير غوّار الطوشة!
أعود إلى حديثي مع الدكتور مزاحم الذي تطرّقنا فيه إلى أمور كثيرة، حيث طلب منّي الدكتور أن أكتب راجياً الإخوة الأطباء أن يقلّلوا من أجور الكشفية (الفحص) في عياداتهم الخاصة، وكذلك اسعار الفحص في المختبرات والدواء في الصيدليات، خصوصاً وهم الآن يمثّلون قمّة البطولة، كونهم المتصدّين والمدافعين بأرواحهم ضد هذا الوباء اللعين!
نعم رجال الصحة العراقية ، ومعهم القوات الأمنية بكلّ صنوفها ، يقفون بشجاعة وبسالة قلَّ نظيرهما ليصدوا ويقللوا من انتشار الجائحة ، بكل ما متوفّر لديهم من إمكانيات بسيطة وقليلة نتيجة الهدر المالي بدون تخطيط ومن باب الفساد وموت الضمائر، الذي أوصل البلد إلى هذه الحالة المزرية منذ سنوات عديدة، ومازالوا يهدرون ويبعثرون أموالاً تبني البلدان وتجعلها قدوة ومنارا للآخرين في التقدم والازدهار. لكنّهم استكثروا الخير والفرح والسعادة على شعب عانى الويلات والحروب ، فسرقوا خيراته بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وموت ضمير ليستوردوا ( نعلاً ) وما شابه ، بدلاً من بناء مستشفيات حديثة مجهّزة بأحدث الأجهزة والمستلزمات الطبية، للأسف!
الآن ونحن نقف جميعا أمام هذا الوباء الذي سرق منا أعزّاء وأحبة، علينا أن نرفع أكفّنا احتجاجاً صارخين:
لماذا سرقتمونا ؟! ولماذا خرّبتم؟ّ! ولماذا أفسدتم ؟! ولماذا ..؟! ولماذا ..؟!
أما كان الأجدر بكم أن تكونوا خيرا لهذا البلد، ومصدر سعادة لهذا الشعب الطيّب الذي عانى ما عانى من جور وطغيان الحكّام المتجبّرين، فمن طاغية متعطّش للحروب والدماء إلى فاسدين ولا مبالين بما يعانيه الناس من أزمات ...!
لماذا لا نقف ونتأمل في التاريخ قليلا، ونقرأ ببصيرة ثاقبة ما حلّ بالطغاة والفاسدين، لأن التأريخ لن يرحم أبداً؟!
والحقّ الذي لابد أن نقوله بملء الفم .. ان علينا جميعا أن نتّعظ ونغيّر كل شيء نحو الأحسن والأصوب والأفضل ، وان نجعل من هذا البلد بستان محبة وأمان وسعادة!

عبد السادة البصري
************
الدكتور كاظم حبيب.. سلامات

حملت أنباء برلين خبرا سارا مفاده ان العملية الجراحية الصعبة التي خضع لها أخيرا الشخصية الوطنية والديمقراطية المعروفة د. كاظم حبيب، تكللت بالنجاح.
تهانينا الحارة للعزيز أبي سامر، وتمنياتنا المخلصة له باستعادة العافية تماما والعودة الى حياته الاعتيادية الضاجّة بالنشاط والحافلة بالإنتاج والعطاء.
*************
ساحات النضال، تأريخ مشرّف
ساحة الخلّاني – بغداد
كمال يلدو
لابد وأن يصاب أيُّ متابع لتظاهرات الاول من تشرين بالعجب لحجم ورود اسم ساحة الخلاني في وسائل الاعلام والمصادمات مع القوات الامنية وحجم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمغيبين الذين قدمتهم الساحة، علماً انها ليست الساحة الرئيسية للتظاهر في بغداد، فيا ترى لماذا ؟
لساحة الخلاني موقع ستراتيجي مهم جدا، على الصعيد التجاري وعلى صعيد الحراك الجماهيري، فهي تتوسط اكبر منطقة تجارية، إذ تحتوي على اسواق متنوعة ودوائر حكومية مهمة ومراكز تجارية في العاصمة، حيث مكاتب المبيدات الزراعية والبذور والدواجن والمناحل والمشاتل، وتضم اكبر مراكز الادوات الاحتياطية للسيارات وكمالياتها، كما وتضم معارض ومحلات الادوات الاحتياطية للاجهزة المنزلية، ومكاتب زيوت السيارات ومعارض أدوات اجهزة التكييف، هذا اضافة الى توسطها لخمسة شوارع مهمة في العاصمة، شارع الجمهورية الواصل بساحة الوثبة والشورجة، شارع الجمهورية الواصل بساحة التحرير، وتفرع الجمهورية الواصل بساحة الطيران، الشارع المؤدي الى جسر الرشيد (جسر السنك ـ بني في منتصف الثمانيات) والذي يربط منطقة السنك في الرصافة بمنطقة الصالحية في الكرخ، وأمتداد ذات الشارع من الجهة الاخرى والواصل الى منطقة باب الشيخ وصولاً الى شارع الشيخ عمر حتى محطة شرق بغداد عبر مقربات ساحة الخلاني، ولإكمال الصورة من جميع جوانبها، فهي تبتعد ٥٠٠ مترا عن ساحة التحرير، و ٦٤٠ مترا عن ساحة الطيران و ٥٦٠ مترا من ساحة الوثبة مما منحها موقعا ستراتيجيا مهما جدا في حماية ظهر وخاصرة ساحة التحرير من هجمات قوات الأمن والعصابات والميلشيات، اضافة الى حماية سوح الطيران والوثبة وجسر السنك حينما كان الثوار مسيطرين على بدايته من جهة الرصافة.
مع ان عمارات ومؤسسات كبيرة تحيط بساحة الخلاني، الا ان الدخول الى ازقتها سيعطيك الصورة الحقيقية للبؤس والفقر الذي تعيشه هذه المناطق الشعبية التي لم تر من الانظمة المختلفة اي اهتمام او تعمير او تطوير، حتى اصبحت الملاذ النهائي والوحيد للفقراء وذوي الدخل المحدود ببيوتها المتهالكة والآيلة للسقوط ، هذا اضافة الى كون الساحة ملاذاً للشباب العاطلين عن العمل من مناطق بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الفقيرة .
اكتسبت الساحة اسمها من جامع الخلاني المطل عليها من جهتها الشمالية الشرقية. وبحسب الشيعة الاثني عشرية فهو يضم مرقد السفير الثاني للامام المهدي ـ محمد بن عثمان العمري ـ والمعروف بالخلاني، وعند أهل السنّة، فإنه يضم مرقد أبي بكر الخلال الحنبلي، علما إن هذا الجامع بني في القرن ١٢ الهجري، وهو يحتوي ايضاً على مكتبة عامرة تأسست عام ١٩٤٥ على يد مجموعة من الشباب بالتعاون مع قيّم الجامع السيد محمد الحيدري وتبرعات العوائل البغدادية حتى أصبحت مكتبة كبيرة يقصدها الطلبة والباحثون بحثا عن المصادر او للاستفادة من الهدوء والاجواء الدراسية، خاصة ايام الامتحانات.
لقد كشفت ساحة الخلاني عن الوجه القبيح للنظام وأجهزته القمعية والعصابات التي يستخدمها لضرب اي حركة جماهيرية مناوئة له ولأطماعه وسياساته المعادية لمصالح الجماهير، فهناك مئات الأفلام والصور والتسجيلات التي توثق تلك اللحظات التي استخدم فيها النظام كل اساليب وأدوات القمع والقتل ضد المتظاهرين السلمين، من القنابل الدخانية والسامة وبنادق الصيد والكواتم والاسلحة البيضاء ناهيك عن الخطف، فما استسلمت هذه الساحة، وفي الساعات القليلة التي كانت قوات السلطة تحتلها، كانت جماهير المنطقة وعوائل الثوار تنزل للشارع ملبية ندائهم في سبيل استرداد الساحة من قوات السلطة. لقد زفّت الساحة شهداء كثر وقدمت شبابا بعمر الورود، ومنهم الجرحى والمعاقون او المسجونون وحتى المغيبون دون ان يعرف عنهم اي شئ، وما يجب ان يعرفه كل العراقيين، بأن هذه المنطقة التجارية المهمة جدا في العاصمة، لم تُسجل اية حادثة من قبل الشباب المتظاهر بعملية كسر او سرقة او تخريب أي من المحال التجارية، لابل انهم كانوا الحراس عليها من جرائم العصابات والميليشيات ,
مجداً مكللا بالغار لشهداء ساحة الخلاني وجرحاها والمصابين والمعاقين والمعتقلين، وعار على نظام العصابات والقتل في جرائمه ضد المتظاهرين السلميين.
************
علي السباعي
يحصد "جائزة ناجي نعمان" الأدبية

بغداد – وكالات
حصد القاص والكاتب العراقي علي السباعي، جائزة ناجي نعمان الأدبية – فرع القصة ٢٠٢٠، وذلك عن مجموعته القصصية الموسومة "الحبّوبيُّ ينظرُ مريديه"، التي تم اختيارها من بين ١٠٣٤ مجموعة قصصية شاركت في المنافسة هذا العام.
السباعي عبّر من جانبه، عن سعادته "البالغة" بالفوز بهذه الجائزة التي تقدمها سنويا "دار نعمان للثقافة" في لبنان، لافتا في حديث صحفي، إلى أنه يشارك للعام الثاني في هذه الجائزة، ويفوز بها.
وقال عن مجموعته القصصية الفائزة: "انها تعنى بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية بالغة وشديدة الأثر والأهمية من حياة الناس. فهي تتضمن قصصا منتقاة من صميم الواقع العراقي الملتبس والمتشابك والملتهب بتفاعلات خطيرة غيرت كثيرًا في حياة العراقيين"، مبينا أن قصص المجموعة "تشبه حياة أهل العراق. فهي عنيفة ودامية في إيقاعاتها المتسارعة والمتصاعدة بشكل غريب وخطير".
وينال الفائزون بهذه الجائزة، عضوية "دار نعمان للثقافة" الفخرية، وهي عضوية مجانية وتستمر لمدى الحياة.
*************
بسعة 55 سريرا
متطوعون من سوق الشيوخ يفتتحون مستشفى عزل
الناصرية – وكالات
افتتح متطوعون في قضاء سوق الشيوخ جنوبي ذي قار، أخيرا، مستشفى عزل خاص بالمصابين بفيروس كورونا، بعد عمل استمر 17 يوماً وبجهود ذاتية وتبرعات من الأهالي.
وقال القائم على المشروع، وهام العبودي، ان الجهات الحكومية وافقت "بسرعة" على فكرة إعادة تأهيل مبنى المجلس البلدي في القضاء، والذي كان قد تضرر جراء حرقه خلال التظاهرات في الأشهر الماضية.
وأضاف العبودي، أن "العمل كان يبدأ من الساعة 6 صباحاً وينتهي بعد منتصف الليل، بمشاركة ٣٠ شاباً من مختلف الحرف والمهن".
وتابع قائلا أن التبرعات التي وصلت من الأهالي تجاوزت 100 مليون دينار، ما سهّل على المتطوعين إنجاز المشروع في فترة قياسية، وتجهيز المستشفى بـ55 سريراً كهربائياً يتحرك بخمسة أوضاع".
************
شهيد إضراب الزيوت العامل جبار لفتة.. شهامة وتضحيات لا تنسى
حيدر الشيخ علي
قبل بضعة أيام غادرنا العامل النقابي الشجاع، شنيشل عبد الله (أبو ماجد)، احد ابطال اضراب عمال الزيوت (٥ تشرين الثاني ١٩٦٨) وقد حال المرض دون ان أنعيه بالصورة التي يستحق، هو الكادح الباسل الهمام. وان أقل ما يمكن ان أقوم به وهو يتركنا في رحلته الأبدية، هو التذكير بموقفه وبطولته المشهودة في الاضراب.
لقد سجل النقابي الحقيقي (أبو ماجد) موقفا مشرفا بشموخه المميز، وبعزة أهلنا في الجنوب بوجه ماكنة البعث الفاشي. وحين استذكر دوره فانما اؤدي واجبا امام كل رفاقي في الاضراب، والذاكرة مهما غطاها غبار الزمن لا تنسى الاحبة الشهيد البطل جبار لفته و عبد جاسم وغضبان احمد وشنشل عبد االله وفاضل حبيب وشاكر حليوت وهاشم حسن وحسين كاطع وكرم مشجل ومجيد مومن وعلي عبود وحسين جخير ومحمد عبد وهاشم عدي وخلف محمد كريم مغزل و فاضل حبيب.
وقد حاولت أقلام الطاغية المقبور وابواق مرتزقته محو واقعة هذا الاضراب البطولي من الذاكرة الوطنية، لكنها فشلت. ولم ولن تتمكن أية سلطة مهما بلغت امكانياتها الدعائية واعداد مرتزقتها ان تمحو مأثرة دفاعنا عن حقوق ١٢٠٠ عامل، هو عدد عمال شركة الزيوت النباتية آنذاك، حيث تم الالتفاف على حقهم في الأرباح التي تراكمت لأربع سنوات دون ان تصرف، الى جانب حقوق عمالية وحياتية أساسية. ويبدو ان تاريخ الارتزاق الدنيء لم يتوقف مع رحيل الدكتاتورية واندحار أجهزتها القمعية، ففي كل فترة يطل علينا مرتزق ينكر علينا تاريخ كفاحنا المشرف بوجه الطغيان الذي جثم على صدر بغداد.
نحن الذين اخترنا الكفاح ضد الظلم والقهر والاستبداد، منطلقين من قناعة بحق الانسان في العيش الكريم في وطن يُحترم مواطنوه وتُؤمّن لهم سبل العيش، ونظام يحقق العدالة الاجتماعية. ولم يخطر في بالنا حينما وقفنا بوجه الطغاة وخضنا الكفاح النقابي والمطلبي والسياسي، ان نسجل بطولات فردية، بل ان قناعتنا كانت وما زالت تؤمن بالعمل الجماعي والكفاح المنظم ضمن فريق عمل. فالهدف الذي نبتغيه هو التغيير من اجل الغد الأفضل للشعب، ولا ننطلق في ذلك من غايات فردية وقضايا شخصية.
وأذ انا أعد ساعات ايامي في انتظار عملية جراحية قادمة، في سباق محموم مع مرض لا يقل خبثا عن كل من يحاول انكار كفاحنا، في انتظار مبضع الطبيب ليقتطع قطعة اخرى من احشاء جسدي، كما قطع رصاص العدوان يوم ٥ تشرين الثاني ١٩٦٨ في باحة شركة الزيوت، حبل حياة العامل النقابي جبار لفتة ليتوج شهيدا. ذلك العامل البطل الذي كان احد قادة الاضراب، وكما هي دناءة الصفيق المفتري، فقد كذب جلاوزة البعث وألصقوا تهمة قتله بالعامل النقابي المقدام عبد حاسم ابرز قادة الاضراب، وسيروه كجاني. ولا يمكن ان انسى ألم العمال المضاعف على رفيقهم عبد جاسم، الذي تحمل بصبر وشجاعة ذلك الافتراء مضافا الى اوجاعهم لفقدان رفيقهم جبار لفته، الذي تضرج بالدم شهيدا امام اعينهم برصاص العدوالمتسلط الغادر.
لكن لم يحل ألم الفقدان والتهمة الكاذبة دون ان اتحرك، فكانت لي حركة طالما يتذكرها احبتي العمال ويطيب للصديق عبد جاسم ان يرويها، عندما زرته في مركز شرطة المسبح وكان ضمن العمال المعتقلين، وحملت منه رسالة الى رئيس اتحاد نقابات العمال العالمي، وسلمتها لقيادة حزبنا الذين بدورهم اوصلوها الى الرفيق إبراهيم زكريا السكرتير العام لإتحاد النقابات العالمي، اثناء زيارته الى بغداد والذي رفض مغادرة العراق قبل اطلاق سراح العزيز عبد جاسم.
أن أية محاولة لتشويه تاريخ الاضراب والنيل من قادته، وانكار دور أي مشارك فيه، تعني مواصلة الفعل المشين ذاته، الذي نفذه العامل المرتزق "مبدر سطام" بإطلاق النار على العمال المضربين عند الباب الرئيسي للشركة.
وإذ لا يتسع المجال لأمرّ على تفاصيل التحضير للإضراب، الذي اعتبر أهم الإضرابات العمالية، وكمنت أهميته في كونه وقع في أكبر المعامل المملوكة للدولة، واستمر بحدود ثلاثة اشهر قبل تنفيذه. اما يوم اعلان الاضراب ثم تداعياته، والقمع المخزي الذي نفذه "فهد جواد الميرة" آمر معسكر الرشيد وتنفيذه حملة البطش والاعتقالات، ودور المداهن "صلاح عمر العلي" في كسر الاضراب، ومرتزقة السلطة التي حشدت قواتها، وانهمار الرصاص، وقبل ذلك تشكيل لجان الاضراب وتقسيم الأدوار بين تكليفي بغلق أبواب الشركة، ثم لاحقا قيام البطل حسين جخير بلحيمها.. هذه الوقائع وغيرها التي تحتفظ ذاكرتي بتفاصيل بعضها، خاصة الأساسية منها وتلك المتعلقة بدوري في الاضراب، الذي كان أول واهم معركة سياسية أخوضها وانا في اول أعوام شبابي وباكورة نشاطي النقابي، فأعد احبتي بالرجوع اليها اذا عبرت المحنة الصحية الحالية، وساعدتني صحتي. وأحيل من يريد التعرف على تفاصيل الاضراب ودور كل منا فيه، الى ثلاثة مصادر:
- الحركة الوطنية واضراب عمال الزيوت النباتية ، للدكتور عبد جاسم - بغداد - ٢٠٠٨.
- بحث عملي تحت عنوان (أضراب عمال شركة الزيوت في بغداد) للدكتورة اميرة حسين محمود الكريمي، نشر في مجلة كلية الاداب بن رشد العد د٩٩. جامعة بغداد.
- بحث علمي تحت عنوان (الحركة العمالية في العراق، آفاقها وسياسات البرجوازية اتجاهها) للباحث جلال محمد، السليمانية، عام ١٩٩٩
ومع ان هذه المصادر العلمية دونت الوجهة الأساسية للاضراب وتطرقت الى تفاصيل كثيرة، لكن ما اود التطرق اليه هنا هو المغزى السياسي للإضراب، الذي لا يقل أهمية عن المغزى النقابي والمطالب النقابية، كحصة العمال وفق قانون توزيع الأرباح ومطالب أخرى مثل الضمانات صحية والتغذية. حيث لم تغب السياسة عن بالنا ونحن نخطط للأضراب، ذلك ان ذاكرتنا كانت طرية وكنا نتذكر جرائم الانقلاب الأسود في شباط ١٩٦٣، وحكاية القطار الأمريكي الذي أوصل الانقلابيين الى القصر الجمهوري لحكم العراق بعد مجازرهم الشنيعة. فرأينا من الواجب فضح ادعاءات حزب الانقلابات والدم، وزيف دفاعه المزعوم عن الطبقات الكادحة وحماية العمال والفلاحين. فكان احد اهم الابعاد السياسية للاضراب، هو وضعهم امام كذب ادعاءاتهم وكشف ما يخفون من مخططات خبيثة، وقد انكشفت لاحقا وهي تلحق اكبر الضرر بالطبقة العاملة العراقية، عندما قرر "مجلس قيادة الثورة" تحويل العمال إلى موظفين حسب القرار المرقم ١٥٠ لعام ١٩٨٧، ما سبب الاضرار للعامل العراقي على مدار سنوات طويلة.
لم تكن مشاركتنا في الاضراب فورة شباب، او تعبيرا عن لحظة غضب عابرة، انما هي وقفة شجاعة بوجه أعتى دكتاتورية مستبدة، بعد أشهر معدودة من وصولها الى السلطة، وصفعة للبعث في ذروة صعوده.
ومثّل الاضراب الوعي الطبقي المتقدم للحركة العمالية و النقابية في العراق، وقدرتها على التنظيم والإدارة والالتزام بقانون العمل.
تحية لكل من اسهم فيه، والمجد للشهيد العامل البطل جبار لفتة. والعار يلاحق القتلة.
والخزي لمن يتطاول على هذا التاريخ المجيد والمكافح.
ملاحظات على الهامش:

- التمس منكم العذر بشأن بعض الصياغات، اذ لم تكن لدي طاقة على مراجعتها، حيث حرصت على الكتابة وان على وجه السرعة، مع اني لم أغادر فراش المرض، ووجدت من الضروري استذكار فقيدنا العامل النقابي (أبو ماجد) الذي غادرنا قبل أيام.
- أتمنى ان امتلك مثابرة الراحلين العزيزين الدكتور رحيم عجينة وصالح دكله، اللذين كتبا مذكراتهما في ايامهما الأخيرة على وجه السرعة. الأول وهو في صراعه مع المرض، والثاني في سباقه مع الموت. و لو قدر لي ان أعيش لكتبت تفاصيل تجربتي سجن افين في ايران، حيث اودعني حكم الملالي في معاناة رهيبة لا يمكن انسى قسوتها، وأية ذاكرة تنسى ست سنوات وثلاثة اشهر وتعذيبا وحشيا، كذلك شهادتي عن انتفاضة كردستان في ربيع عام ١٩٩١.
- الصوره المرفقة تؤرخ للاجتماع الأخير للجنة اضراب الزيوت، قبيل التوجه الى المعمل لإعلان بدء الأضراب.
- والشخصيات الموجودة في الصورة هم مع حفظ الالقاب من اليمين ضبان أحمد فاضل الوائلي، حيدر شيخ علي، وكرم المقدادي وهم جزء من لجنة الأضراب.
***************


ص6
قرن من الزمن ينقضي هذا اليوم على ثورة سنة 1920، الثورة الام والمحطة الاولى في تاريخ ومسيرة العراق الحديث.
قرن تعاقبت فيه اجيال من العراقيين المقبلين على الحياة الصاعدة في الزمن الجديد، والساعين الى اللحاق بها في تقدمها السريع وانجازها الغزير، ولم يحفل قرن غيره ربما، في تاريخ البلاد المديد، بمثل ما حفل به من مطامح واحلام وآمال في جانب، ومن خيبات ومآس وآلام في جانب آخر.
وتلك المحطة الاولى .. اين نحن منها اليوم؟ كيف نتذكرها ونحن نحيي مئويتها، وكيف نراها ونقيّم ريادتها وإرثها وإسهامها في تشكيل العراق – الوطن الجديد ؟
.. واسئلة اخرى كثيرة، نجد ازاءها دائما اجابات متنوعة، وجديرة بالقراءة والتأمل.
على صفحات هذا الملف نقدم مجموعة من مثل هذه الاجابات، وهي تحمل رؤى هنا، وخلاصات هناك، واحكاما في موقع آخر .. وجميعها، شأن غيرها مما لم تستوعبه صفحات الملف، تستحق الاطلاع والمتابعة، وتكشف عن محفزات جديدة ربما للتفكير في ذلك الحدث العراقي الثوري الكبير، الذي انطلقت شرارته في مثل هذا اليوم قبل قرن من الزمان.

"طريق الشعب"
*************
قرن على ثورة العشرين الخالدة
لفته عبد النبي الخزرجي
في الذكرى المئوية لتلك الثورة التي سماها الباحثون والكتاب والمؤرخون {الثورة العراقية الكبرى} الذكرى التي تحل علينا اليوم، الـ 30 من شهر حزيران 2020، لا بد لنا من وقفة امام هذه الذكرى العطرة لثورة اجدادنا ورجالنا وشيوخنا وقبائلنا، وذلك الموقف الشامخ لعشائرنا العراقية الاصيلة، وما قدمته من دماء وتضحيات كبيرة على طريق الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.
لقد رافق الثورة الكثير من القضايا والامور التي كانت تعبر عن مجموعة واسعة من وجهات نظر متباينة تارة ومتقاربة تارة اخرى، وهو ما جعل الثورة تبدو وكأنها تشكل تيارا موحدا في موقفه الاستراتيجي، الذي يؤكد ان الشعب العراقي كان يمارس فعلا وطنيا خالصا وهو الدفاع عن الوطن العراقي وترابه وثرواته ومكوناته، وهو ما ارعب دهاقنة الاستعمار وديناصورات الامبراطورية البريطانية. حيث تمكن العراقيون وبسلاحهم البسيط (الفالة والمكوار) من الهجوم لانتزاع بلاد الرافدين من مخالب القط الانكليزي المتوحش، ويرفعوا رايات الثورة العراقية الكبرى (وانه لمن المؤلم حقا ان نرى ابناء الرافدين يغفلون عن هذا الحدث التاريخي الذي زعزع الاستعمار البريطاني وقوض اركانه في هذا الجزء من الوطن العربي الاكبر، متناسين تلك الاشلاء التي تمزقت، وتلك الدماء التي هدرت،وتلك الارواح التي ازهقت، بفعل وسائل القتال البريطانية، التي كانت تصب عليهم جحيم الموت الزؤام، وتهدم بيوتهم، وتدمر ديارهم ) 1/ الثورة العراقية الكبرى / عبد الرزاق الحسني.
كانت الثورة العراقية التي انطلقت من مدينة الرميثة يوم 30 حزيران من العام 1920، كانت ثورة وطنية، ورغم ان قيادتها كانت من شيوخ القبائل العربية ورجال الدين، لكن الثورة كانت فعلا وطنيا نابعا من شعور العراقيين جميعا بأهمية وضرورة الوقوف صفا واحدا لحماية التراب الوطني من ان تدنسه اقدام الغزاة البريطانيين الذين اجتاحوا البلاد في العام 1914.

الحرب العالمية الاولى، واحتلال العراق
اندلعت نار الحرب العالمية الاولى في صيف عام1914، وكانت تلك الحرب التي اشعلتها الدول الكبرى، تستهدف اساسا الاستيلاء على ممتلكات الدولة العثمانية التي باتت مفككة وموزعة.
في 7 تشرين الثاني من العام 1914 وصلت الحملة البريطانية الى ميناء الفاو، وكانت بقيادة الجنرال (ديلامين)، وقد تمكنت القوات البريطانية من الاستيلاء على ميناء الفاو الصغير، وهو ميناء يقع عند مصب شط العرب في الخليج العربي، بسهولة ويسر ودون مقاومة تذكر.
بعد ان تمت للجنرال " ديلامين " السيطرة على ميناء الفاو ترك سرية من جنوده في الفاو وشق النهر مع معظم قواته متجها نحو ميناء عبادان الايراني، حيث توجد منابع النفط ومؤسساته البالغة الاهمية بالنسبة للمجهود الحربي البريطاني، فانزل جنوده في منطقة " السنية "، دون ان يواجهوا مقاومة تذكر من جانب الاتراك)./1 محمود شبيب / جوانب مثيرة من تاريخ العراق المعاصر.
وفي 7 حزيران من العام 1915 تم اجتياح العمارة، وفي 25 تموز من نفس السنة سقطت الناصرية، وتبعتها الكوت في 28 ايلول من العام نفسه.
وهذه التطورات التي تلاحقت وتسارعت كثيرا، باتت تشكل علامة هزيمة كبيرة للجيش العثماني المرابط في العراق.
ولم يتمكن البريطانيون من الوصول الى بغداد، كما كانوا يتصورون، الا بعد مرور ثلاث سنوات، عندما استطاع الجنرال " مود " دخول بغداد في 11 اذار من العام 1917.
كانت الاطماع البريطانية في ولاية البصرة بارزة للعيان من تشديدهم على فصل ولاية البصرة عن جسد الوطن العراقي، ووضعها تحت الهمينة البريطانية المباشرة، كذلك كانت هناك نوايا مبيتة لابقاء العراق بشكل عام، تحت الحكم المباشر للتاج البريطاني من خلال اتباع سياسة تيسير الهجرة من الهند واستراليا وغيرها من دول العالم الى العراق، لغرض اخراجه من مرجعيته العربية وابعاده عن تاريخه ومحيطه العربي.
ثم وضعت الحرب اوزارها، وتوقفت الماكنة الحربية والتي كانت نتائجها فرض الوصاية والانتداب على بعض البلدان العربية ومنها العراق.
وقد توضحت النوايا الخبيثة للدول الغربية في فرض الهيمنة والسيطرة المباشرة على العراق وسوريا ولبنان وشرق الاردن وتهويد فلسطين. والهدف الاساس هو نهب الثروات العربية في هذه البلدان وترسيخ الاستعمار بصورته القبيحة، او المجئ بحكام موالين للغرب الاستعماري الذي كان قد اضمر الشر للعراق بشكل خاص لما يحتويه من ثروات هائلة.
هذه النتائج الخطيرة التي افرزتها سياسة الحلفاء في اقتسام البلدان العربية وشرذمتها ووضعها تحت الانتداب الغربي، حركت المشاعر الوطنية في العراق وادراك ضرورة الخلاص من الوجود الاستعماري والاحتلال البريطاني للعراق.
ان هذا كان من اهم الاسباب التي دفعت رؤساء القوم واعيان البلاد ورجال الدين وغيرهم من المخلصين لبلادهم وشرفهم الوطني، ان يتحركوا سريعا وان يوحدوا صفوفهم لدراسة ما ستؤول اليه الامور، خاصة بعد ان (اعلنت الهدنة، وتوقف القتال في شتى الجبهات) وهو ما دفع السلطة المحتلة في العراق لفرض المزيد من الضرائب الثقيلة على المزارعين واصحاب الاراضي الزراعية، (كما ان السلطة المحتلة شرعت في جمع التبرعات الاختيارية بعناوين مختلفة مثل – تبرعات الصليب الاحمر – وتبرعات – جمعية بناء الملاجئ للجنود في بريطانيا – وتبرعات – عمل تمثال للجنرال مود فاتح بغداد – وغيرها من الرسوم التي ارهقت كاهل المواطنين في ظل الكساد الاقتصادي والفقر والعوز في ذلك الوقت. وكان هذا هو ما اجج الموقف، حيث (كثر الضجيج وعمت الشكوى وبعثت النقمة) الثورة العراقية الكبرى / عبد الرزاق الحسني.
كيف تهيات ظروف الثورة ؟

ابتداء ان اندلاع ثورة العشرين المجيدة، ضد الاحتلال البريطاني للعراق، والسياسة التي اختطتها حكومة الهند البريطانية لجعل العراق ولاية تابعة للهند،تمهيدا لضمه الى التاج البريطاني. وكانت تلك الثورة امتدادا لسلسلة الانتفاضات الشعبية التي حدثت في بغداد،حيث اتخذت الثورة طابع التظاهرات والاحتجاجات من قبل الاهالي، وكانت انطلاقة تلك التظاهرات من تجمع الاعيان والاهالي في جامع الحيدرخانة،الذي شهد بداية الثورة في بغداد، ثم بعد ذلك امتدت المواجهات وانتشرت في مناطق عديدة، ومنها بشكل خاص منطقة الفرات التي تمتد من اعالي الفرات الى الناصرية.
ثم ان رجال القبائل ووجهاء السادة الاشراف نهضوا بهذه المهمة وتحركوا على المرجعية الدينية، لتكون سندا وعونا لهم في هذه المعركة الشرسة ضد الغزاة.
كان اول اجتماع عقده (لفيف من السادة الاشراف و العلماء والزعماء، واهل العراق الاحرار، ووضعت فيه سياسة السلطة المحتلة موضوع المناقشة، فتقرر نشر دعوة واسعة النطاق، ولاسيما بين رؤساء القبائل، لنبذ الخصومات، وتوحيد الكلمة، والاستعداد لمجابهة طواغيت الاحتلال بكل الطرق الممكنة). نفس المصدر السابق.
كان هذا الاجتماع السري الذي عقد في مدينة النجف الاشرف هو الخطوة الاولى في عملية التنظيم والاستعداد والمواجهة. وبعد ان انفض الاجتماع السري، تم العهد الى (الخطباء الفضلاء : كالشيخ محمد علي الجسام، والشيخ باقر الحلي، والشيخ محسن ابو الحب، وغيرهم) حيث نهض الشيوخ بواجبهم في مدن المشخاب، والسماوة، وكربلاء، وتوجه (الشيخ والخطيب المفوه، محمد مهدي البصير، من الحلة الى بغداد لايقاد جذوة نار الحقد على السلطة المحتلة).
وتوالت الاجتماعات السرية واللقاءات لحشد الجموع لمقاومة الاحتلال البريطاني،حيث حصل من خلال الزيارة الى مدينة كربلاء، ان التقى (جمع كبير من رؤساء الدين، وزعماء القبائل، وسادات العشائر، فعقد اجتماع تمهيدي في دار السيد عزيز الياسري، حضره لفيف من رؤساء " المشخاب " و" الشامية " و" الرميثة" وغيرها)، وقد كان السادة الاشراف على راس الحاضرين ومنهم ( علوان الياسري، وقاطع العوادي، وهادي زوين، ومحمد رضا صافي، ومحسن ابو طبيخ ) كذلك (المشايخ : عبد الواحد ال سكر، ومجبل ال فرعون، وعلوان الحاج سعدون، وعبادي الحسين، ومرزوك العواد، وشعلان العطية، وسعدون الرسن، وشعلان ابو الجون، وغثيث الحرجان، وشعلان الجبر) كذلك كان هناك مجموعة من سادة كربلاء وزعمائها ضمن الحاضرين لهذا الاجتماع (السيد محمد علي هبة الدين، والسيد عبد الوهاب الوهاب، وعمر العلوان، ومهدي القنبر، وطليفح الحسون، ورشيد المسرهد، وعبد الكريم العواد)، حيث تراس هذا الاجتماع الشيخ محمد رضا، نجل الامام محمد تقي الحائري. / نفس المصدر.

اتفاق مبدأي والشروع باعلان الثورة

وبعد ان تعززت ثقة الزعماء بقدراتهم واستعدادهم الكامل، فقد (قرروا الشروع في اعلان الثورة في مواضع مختلفة، وفي يوم واحد، ليتمكنوا من مشاغلة القوات الانكليزية في ميادين مختلفة، وكلفوا الشيخين : شعلان ابو الجون، وغثيث الحرجان ان يستعدا للقاء في السماوة، وان يحرضا بقية الرؤساء على الانضمام تحت هذا اللواء المقدس). / الثورة العراقية الكبرى / عبد الرزاق الحسني.
وبعد ان اقتنع الامام الشيرازي بموقف الزعماء والسادة الاشراف، واستعدادهم الواضح للمواجهة واعلان الثورة حتى اصبح مطمئنا تماما للموقف الموحد لزعماء الفرات والعاصمة بغداد، خاصة بعد ان وصلت مضابط التوكيل من المدن الرئيسية مثل بغداد وكربلاء والنجف والشامية، وهي تؤكد كامل الاستعداد والتهيؤ من قبل الجميع، وانهم تعاهدوا واقسموا يمين الاخلاص لكل حركة تستهدف تحرير العراق وتخليصه من براثن الاستعمار والاحتلال.
بعد ان توسعت رقعة المقاومة للاحتلال الاجنبي، خاصة بعد ان وصلت انباء (توكيل البغداديين، للمندوبين الخمسة عشر) حتى وجه الامام الحائري الشيرازي كتابا (الى الرؤساء والزعماء والاشراف، والافراد، في انحاء مختلفة من العراق يستحثهم فيها على الاستعداد والتهيؤ)، وان يكونوا موحدين في مواقفهم من الحكم الاجنبي المحتل للبلاد.

الاسباب الرئيسية للثورة

هناك اسباب داخلية واخرى خارجية، ورغم ان الداخلية كانت تمس حياة العراقيين مباشرة، في عيشهم وسلامة حياتهم العامة وكرامتهم واستقلال بلادهم وابعاد شبح الاستعمار عن وطنهم ومستقبل بلادهم بشكل عام، الا ان المؤثرات الاخرى الخارجية،كانت تشكل دافعا مضافا للظروف والاحوال الداخلية في مجتمع مازالت تشكل القبائل فيه نسبة عالية جدا، وهو ما اضفى على الحركة طابعا قبليا واضحا، اضافة للتاثير الديني الذي كان يرافق حركة القبائل العربية ويدفعها لمناهضة الغزو البريطاني لبلادهم.
وقد تمثلت المؤثرات الخارجية في العديد من الفعاليات السياسية التي اهتز لها الوجدان العراقي والعربي، ومن تلك المؤثرات (الثورة الحجازية، والوثبة المصرية، وقيام الحكومة الفيصلية في الشام)، اضافة لما ظهر من نكث العهود التي قطعها الحلفاء للشعوب العربية في مختلف بقاعهم في الارض العربية، وهو ما اجج المشاعر الوطنية والقومية لدى تلك الشعوب ومنها الشعب العراقي.
كما ان البلاغات التي كان يصدرها برسي كوكس (قائد القوات البريطانية في العراق)، كانت عاملا مؤثرا جدا في رسوخ القناعة لدى زعماء القبائل العراقية ورجال الدين وغيرهم من رجالات العراق، مما دفعهم للمزيد من التحرك وتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات وشحذ الهمم لمواجهة القوات البريطانية المحتلة.
*************
ص7
(ثورة) العشرين.. مائة عام والزَّمن في مكانه
رشيد الخيون
حصرت مفردة الثَّورة بين قوسين، فلستُ باحثاً في الفروق بين مصطلحات: الثَّورة والانتفاضة والانقلاب والتّمرد، وقد بُذل جهدٌ في النقاش فيها. وهل "ثورة العشرين" ثورة شعب عراقي أم تمرد عشائر بمساندة رجال الدِّين؟! هل كانت ثورة عراقية أم خاصة بمذهب معين؟! هل أهل العراق كافة كانوا ضد البريطانيين، أم هناك عشائر ورجال دين كانوا معهم؟! هل كان الدافع الحصول على الاستقلال، أم مصالح ضيقة قادت إلى تبني هذا الموقف.
لعلَّ هذه الأسئلة ما كانت تُطرح بصراحة تجاه ما حصل في الثَّلاثين مِن حزيران (يونيو) 1920، فعندما كنا نقرأ عنها، في مثل هذا اليوم في الصحف العراقية نتخيلها بداية بناء العراق وازدهاره، واضعين لها أكاليل الانتصار والتمجيد، وعلى وجه الخصوص الطرب للأهازيج، التي ملأت المؤلفات الكثيرة عن الثَّورة؟ فلربَّما ليس هناك حدث عراقي صنفت فيه الكتب ونشرت عنه البحوث والمقالات كثورة العشرين، لم تبق كبيرة ولا صغيرة لم ينلها الدارسون، ولم يبق المشتركون فيها، والشهود الذين وقفوا على التَّل خلال الحدث، زاوية أو اسماً لم يكتشفوه، مِن خلال المقابلات واللقاءات معهم.
أكثر مِن هذا، توسع الخيال، ليصبح كل رئيس قبيلة أو عشيرة، كتب ذووه صلةً له بهذه الثورة وبطولاتها، مع أنه لم يكن له اسم ولا فعل فيها، ومَن قادته عجرفة الضباط البريطانيين إلى تبني الوقوف مع الثَّورة، فضامن أمن الطريق للبريطانيين صار أحد أعلام الثَّورة، وأن ابن مرجع له غاية داخل إيران صار ثورياً، كل هذا كتبه مَن أرخوا لهذا الحدث. نقول ذلك مِن دون التقليل مِن أهمية الحدث في وقته، ومِن بطولات عراقيين كانوا بالفعل يفكرون بعراق جديد، تجاوزوا، في الإعداد للحدث، النعرات الدينية والطائفية، التي تركها العثمانيون وخلفاء الصفويين والقاجاريين.
عندما يُكتب عن حدث ما بعد مائة عام، لابد من النَّظر بما حصل خلال هذا القرن مِن حوادث جسام، أعادت العراق مؤخراً، إلى ما يسمى في السياسة بـ"المربع الأول"، وكأن الزَّمن ظل يراوح مكانه لم يتحرك. أما مَن كتب عن ثورة العشرين بأنها انتفاضة مذهب، وبقية العراقيين كانوا مستسلمين، فهذا لم يتحرك مِن إطار ذلك المربع، ويبحث في بناء المذهب لا بناء الوطن، ويحمل السياسة التي جاءت إثر هذا الحدث بأنها خلق الطائفية، مِن دون فحص على ما كان عليه العراق أيام العثمانيين، ولم يأخذ فتاوى رجال الدين ومنعهم لأتباعهم من الاشتراك في الانتخابات، وبالتالي الاشتراك في الوظيفة الحكومية.
بعد قرن مِن الزَّمان عاد العراق وانقسم بين مقاوم للأجنبي، لكن هذه المرة الأمريكان، ومتفق معه، عاد رجال الدين يفتون ضد الدستور والمناصب الحكومية، لكن هذه المرة فقهاء المذهب الآخر، الحدث واحد فقط اختلفت مواقع الشخوص والعناوين.
لعل مِن الكتب الرصينة التي أرّخت لهذا الحدث هو كتاب الأكاديمي عبد الله الفياض (ت 1983)، أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية الآداب- جامعة بغداد "الثَّورة العراقية الكبرى"(مطبعة دار السَّلام 1975)، ولا نغفل الرواية الحيَّة التي قدمها محمد مهدي البصير (ت 1974)، في كتابه "القضية العراقية". أما مَن تجرأ وأعطى رأياً مخالفاً للجمهور العريض من الكُتاب الممجدين والمجاملين فهو أستاذ علم الاجتماع علي الوردي (ت1995) ضمن "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق"، فعلي الوردي مِن خلال مقولاته شكك بوجود فتوى صريحة بإعلان الثورة، والذي أشار للذين اجتمعوا مع المرجع حينها محمد تقي الشيرازي (ت1920) هو نجله، لأن المرجع كان يهمه التكافؤ بين سلاح العشائر ورجالهم وسلاح الإنكليز وعساكرهم، ومعلوم ان يعتبر أبناء المراجع حُجاب لآبائهم.
على أية حال، لم يكن توقيت الحرب على الإنكليز مناسباً، لا مِن حيث عدم التكافؤ ولا مِن حيث الاستعداد لبناء دولة بلا حاضنة خارجية، فالعثمانيون لم يتركوا داخل العراق غير الجهل والخراب، وهم لم تربطهم بالعراقيين غير الرابطة الدينية، وقد استغلوها بشكل فظيع، كامتداد للخلافة الإسلامية، وكانوا يمنحون شيخ القبيلة السلطة المطلقة على منطقته، طالما يدفع الخراج لهم، ويُجند أعضاء قبيلته متى ما احتاج إلى ذلك الجيش العثماني. وليس أقسى مِن حملات "السفربرلك" أي النفير العام، بالحرب مع دولة أو لحرب داخلية. فهل كان الثَّوار، أعني ثوار العشرين، قد ثاروا بدافع العاطفة للعثمانيين والكره للإنكليز، لأنهم أخذوا يبسطون نفوذهم بإزاحة شيوخ القبائل عن مسؤولياتهم المطلقة، ويضعفوا دور رجل الدين؟! على اعتبار أنهم مع بناء دولة مدنية.
كان العراق بحاجة إلى دعم خارجي لبناء دولة حديثة، هذا يُقال في حالة التجرد مِن العواطف، فالثورة ليست دائماً إسقاط عروش أو إخراج محتل، الثورة هي أيضاً، كم تستفيد مِن المحتل لبناء بلدك. نقول هذا، مثلما تقدم، بعد مرور العراق بالنكسات الكبرى خلال المائة عام الماضية. فهل الدولة العراقية، في العهد الملكي، استطاعت بناء المدن وتأسيس البنية التحتية، المفقودة في العهد العثماني تماماً، مِن دون التعامل مع البريطانيين؟! يُنفى هذا بسهولة إذا كان الخطاب تعسفياً، وليس بحثاً دقيقاً في طفرة العراق خلال الثلاثين عاماً (1921-1958)، من دون أي تستر على سلبيات ذلك النظام، وطموحات البريطانيين.
بعد مائة عام، مِن ثورة العشرين، يسحبنا الحديث عمّا حصل بعد 2003، كيف استفادت المعارضة السابقة مِن إسقاط النظام السابق، وحلت محله في السلطة، وكان رأي بعض وجهائها أن نطلب مِن الأمريكان الخروج من العراق، مع الاستفادة مِن وجودهم لإعادة بناء الدَّولة. وانطلقت المقاومة وكلفت ما كلفته من الدماء. لكنْ هل فكر أحد أن التعامل في المعارضة مع الأمريكان سيمتد بشكل آلي إلى التعامل مع السلطة، فلا أمريكا ولا بريطانيا جمعيات خيرية، ولا هما بهذه النقاوة أن يسقطوا لك النظام، ليُسلم إلى بلد آخر؟!
هذا ما حصل قبل مائة عام، أن رجالاً تعاملوا مع الإنكليز، ولكن بعد أن اهتزت تلك المعاملة ثاروا عليهم، مع أن بريطانيا كما هي أمريكا 2003 شقت المجتمع إلى مؤيد ومخالف، والمصالح هي اللاعب الأول والأخير. انظروا في خطابات ووجوه العدد الأكبر من السياسيين، داخل البرلمان وخارجه، هل تجدون منهم حريصاً على بناء العراق كحرص "المس بيل" مثلاً؟! الإجابة بنعم، تفسر الكثير من دهشتنا وحيرتنا على رأس المائة عام، ويغلب على الظن كانت مختلفة كلياً عن بول بريمر، الذي عمل على تأسيس الفساد بتوزيع الملايين من المال العراقي ليعمي به مَن تولوا الحكم، حتى اندفعوا إلى تسليم نموذج سيف ذي الفقار لوزير الدفاع الأمريكي.
عموماً، مِن إيجابيات التحرك ضد المحتل قُبيل إشعال الثورة من قِبل عشائر الرميثة، أن حصل تقارب لم يكن يألفه العراقيون بشكل واضح في العهد العثماني، ما بين الطوائف والأديان، فالاحتفال صار متبادلاً بين عاشوراء والمنقبة النبوية، والوفود تتبادل بين أهل الأديان. مِن جانب آخر أعطت بريطانيا الفرصة للدولة العراقية ممثلة بالملك فيصل الأول (ت1933) أن تشرع بالبناء، وإلغاء الانتداب (1932) والخلاص من المستشارين البريطانيين المباشرين على الوزارات، والبناء الاقتصادي والمالي والذي أسس له بحكمة أول وزير مالية ساسون حسقيل(ت1932)، وفتحت كوة للعمل الفكري والسياسي الجديد بالعراق، ومن رأيي، وربَّما رأي آخرين، أن وجود الملك فيصل الأول كان يعطي الأمل بقفزات نهضوية، ولكن وفاته مبكراً انعكست سلباً على الحياة السياسية.
كيف الزَّمن يدور، بعد مائة عام، لم يجد ساسة العراق اليوم غير تاريخ (1932) ليكون عيداً وطنياً، لم تكن هناك معارضة حادة لاختياره، بعد الاختلاف على بقية المناسبات الوطنية، وهذا ليس من ثمرات ثورة العشرين، ولا مِن ثمرات الحركة الوطنية العراقية، فآنذاك لم يكن لهذه الحركة مِن فعل، إنما من ثمرات أن الدولة العراقية، خلال عقد مِن الزمان، استطاعت أن تقف على أقدامها.
ألم نجدها مفارقة بين الأزمنة، أن يُستجار بالأمريكان ضد الإنكليز، قُبيل وبعد ثورة العشرين، ثم تمضي العقود وتصبح أمريكا وبريطانيا قُبلة للمعارضة العراقية. قد ينسى النَّاس لكن مَن يجهل قصيدة محمد باقر الشبيبي (ت1960)، في تكريم المبعوث الأمريكي المستر كراين، ومنها البيت المشهور: "المستشار هو الذي شرب الطلا/فعلام يا هذا الوزير تعربدُ"، الذي وصل العراق بعد حين مِن وصول رسائل الاستنجاد مِن قبل كبار رجال الدين بالرئيس الأمريكي وودرو ولسون (ت1924)، الذي أعلن مبادئ حق تقرير المصير، قبل الاستقواء الأميركي، وتقادم الزَّمن على الثَّورة الأميركية (1765-1783)، ونسيان لوعة الاحتلال البريطاني، عندها تقدمت الزَّعامات الشيعية طالبة العون ضد البريطانيين. ففي (13/2/1919) كتب المرجعان محمد تقي الشِّيرازي (ت1920)، وفتح الله الأصفهاني (ت1920) رسالة إلى ولسون: «ابتهجت الشُّعوب جميعها بالغاية المقصودة مِن الاشتراك في هذه الحروب الأوروبية، مِن منح الأمم المظلومة حقوقها، وإفساح المجال لاستمتاعها بالاستقلال حسب الشُّروط المذاعة عندكم، وبما إنكم كنتم صاحب المبدأ في هذا المشروع، مشروع السعادة والسَّلام العام، فلا بد أن تكونوا الملجأ في رفع الموانع عنه»(الوردي، لمحات اجتماعية).
بعد مائة عام، على ثورة العشرين، عاد التاريخ على العراق، ولكن هذه المرة بكوميديا فجة، طبعاً وفي زمن أمريكي آخر، زمن الانقضاض. يقول أبو تمام حبيب بن أوس (ت231هـ): "عَلى أَنَّها الأَيّامُ قَد صِرنَ كُلَّها/ عَجائِبَ حَتّى لَيسَ فيها عَجائِبُ"، وهل هنك أعجب مِن عودة الزَّمن إلى الوراء، ببلاد لا ينقصها غير التحكم بالزمن نفسه لصالح انطلاقها، مع أنه المنطلق إلى الأمام دائماً.
****************
ما الذي تبقى من ثورة العشرين ؟
د. لاهاي عبد الحسين*
يتفق المؤرخون على اعتبار الثلاثين من حزيران عام 1920، موعداً لإنطلاق ثورة العشرين المجيدة. وهي ثورة حظيت بما تستحق من التمجيد والتعظيم وأحيطت بأطواق من مشاعر الود والثناء والحماس لتعبيرها عن إرادة العراقيين بمقاومة الإحتلال البريطاني وكونها قادت فيما بعد إلى الإعلان عن تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لتعلن ولادة العراق، كما نعرفه اليوم، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.
يلاحظ الدكتور علي الوردي أنّ ما كتب عن ثورة العشرين، غاص كثيراً في مزاياها وإيجابياتها حتى غابت الحقيقة من جانبها الآخر والتي تمثلت في أنّها مثل أي حدث سياسي واجتماعي آخر لم تخل من النواقص والسلبيات التي تسببت بخسائر كبيرة لم يكن لها مبرر. تمثل بعض هذه الخسائر بحرق قرى بكاملها وتهجير ونفي عشرات الأشخاص ممن أضطروا للتخلي عن طموحاتهم وأحلامهم إلى جانب الخسائر الاقتصادية والمالية. لعل هذا ما يتطلب مراجعتها مراجعة علمية قصد أخذ العبرة والمنفعة منها لتصبح مرجعية للأجيال التي أعقبتها ومرآة تضيئ طريقهم.
يخلص الوردي إلى اعتبار ثورة العشرين ثورة شعبية لا طبقية بدليل أنْ "شوهدت فيها العمامة إلى جانب الطربوش، والكشيدة إلى جانب اللفة القلعية، والعقال إلى جانب الكلاو، وكلهم يهتفون ’يحيا الوطن’".
تمثل نظرة الوردي هذه أطروحته المتميزة في تناول ثورة العشرين كما جاءت في الجزء الخامس من كتابه "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"، القسم الأول الصادر عام 1977 عن مطبعة المعارف ببغداد بهدف فهمها وتحليل العوامل المؤثرة بها بطريقة علمية وسليمة. وكان لهذا السبب أنْ دعا الوردي إلى مزيد من الدراسات والبحوث المستقلة للتأمل في جوانبها المتعددة والنظر في القوى التي ساهمت في إشعال جمرتها. فقد اجتمعت عوامل وقوى متعددة أدت إلى تلك الثورة كان من بينها الدور الوطني المؤثر لرجال الدين ممن دعموها وشارك بعضهم ببسالة فيها إلى جانب شعبيتها التي عمت العراق من أقصاه إلى أقصاه. وكان الوردي بذلك قد أطلق كلمته النقدية الكبيرة لمعظم ما كتب عنها وفيها من قبل كتّاب معروفين ظلوا يعتبرون من قادة الرأي العام وبخاصة في تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق الحديث. سمّى الوردي أربعة من هؤلاء ممن اعتبرهم نماذج ممثلة للبقية الباقية من الكتّاب وهم: رضا الشبيبي، وعبد الرزاق الحسني، وكاظم المظفر وعبد الشهيد الياسري. روج كل هؤلاء ومن سار على نهجهم لنظرة حماسية فائرة عن ثورة العشرين لإذكاء المشاعر والأحاسيس دون التوقف عند أسبابها ونتائجها ومخاضاتها.
أما وقد بلغت ثورة العشرين عامها المائة لتسجل قرناً كاملاً من الزمان على ولادتها، يجدر بنا النظر إليها بعين الحاضر وما يحتمل أنْ يقترح للمستقبل. كانت ثورة العشرين، بحسب محللين، مدرسة لتنامي الوعي الوطني الذي وحد العراقيين حول مفهومات جديدة من قبيل "الوطنية"، و"الإستقلال". يلاحظ أنّ هذه المفهومات شاعت في العالم آنذاك ضمن موجة من موجات المد السياسي العام الذي مهد لما عرف فيما بعد بحركات التحرر الوطني والقومي في عدد كبير مما أصطلح عليه بدول العالم الثالث ومنها العراق ضد الهيمنة الاستعمارية التي تزعمتها دول العالم المتقدم الأوروبي والأمريكي، لاحقاً. يبقى أنْ نتساءل هل مهدت ثورة العشرين لنظام سياسي وطني متماسك يخدم مواطنيه ويحافظ على مصالحهم ويرتقي بنمط حياتهم ويجنبهم التحالفات المريبة مع أطراف خارجية أو داخلية مشبوهة ليلحقوا بركب الأمم المتقدمة! يجيب الدكتور الوردي على هذا السؤال بمسحة واضحة من خيبة الأمل ليقول إنّه أدرك الكثيرين من رجالاتها وقادتها ورأى "كيف صار معظمهم وزراءً ونواباً وأعياناً وموظفين في العهد الملكي الغابر ... كانوا كغيرهم من الناس يسعون وراء مصالحهم في هذه الدنيا، وتغريهم مغرياتها ...". ولا زالت الصورة تتكرر حتى يومنا هذا. فقد خدم كل هؤلاء في دولة الإنتداب البريطاني واهتموا بمصالحهم وشؤونهم الخاصة وفي أحسن الأحوال شؤون الجماعات التي يمثلونها أو أدعوا بتمثيلها من عوائل وعشائر وفرق وتجمعات.
لا دليل على إنّ ثورة العشرين رسخت قيماً سياسية تعترف لها بتأسيس هوية وطنية عراقية عامة. على الرغم من التضحيات العظيمة التي قدمها رجال ونساء خاضوا معارك فرعية تالية للثورة ضحوا فيها بأنفسهم كما حدث في عصيان منطقة الفرات الأوسط الذي دام لثلاث سنوات ابتداءً من عام 1937، نفي خلاله من نفي وقتل من قتل، فقد تتالت الأنظمة السياسية دون أنْ تعبر بالدليل الملموس عن اخلاصها لقيم الوطنية والإستقلال التي تزامنت مع انطلاق الثورة. ناهيك عما يمكن أنْ يقال بشأن اهمال تلكم الأنظمة السياسية المتتابعة لذكرى أبطالها وقاماتها. لم يتأسس متحف على سبيل المثال، يسجل لكل تلك الأحداث أو توضع دراسات علمية تتحرر من السائد والمقبول وتضع النقاط على الحروف. على العكس، شهدنا مراحل القفز على الحقائق ومحاولة كل جماعة الإستئثار بمجد اطلاقتها وصولاتها. شهدت ثورة العشرين تعاوناً غير مسبوق بين أوسع فئتين اجتماعيتين بين سكان القرى والقصبات ممثلة برجال العشائر من جهة، وسكان المدن من مثقفين ومتعلمين جهة أخرى، كما يرصد الوردي.
بيد إنّ السنوات التي أعقبتها والتي جاءت بأنظمة سياسية متعددة بعد إسقاط النظام الملكي لم تمح هذه الفوارق ولم تحارب نزعات التعالي والعجرفة التي يظهرها البعض ضد البعض الآخر. وقد سجل الأدب الروائي العراقي على سبيل المثال مشاهد لهذه النزعات. نقرأ ذلك في أعمال الروائيين العراقيين غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي وقبلهما محمود أحمد السيد وعبد الحق فاضل. ليس هذا فقط بل اقتحمت العجرفة المؤسسات الأكاديمية في مجال الدراسات الإنسانية التي روجت لما سمي بـ "تريّف بغداد". ولم تحظ ثورة العشرين على مستوى المناهج الدراسية والصحافة والإعلام الا بموجات رتيبة من المدح والإطراء مما ساهم بتعزيز نزعة الفخر والتباهي الذي ساهم بخلق مواطن يحسن الإستناد إلى أمجاد آبائه وأجداده وليس مواطن يتحمل مسؤولية أفعاله لحماية الوطن والذود عن ثرواته وماله ويعتز يإستقلاليته ويحول دون أنْ يكون العراق مسرحاً لتدخل دول الجوار للإنتفاع على حسابه وبأرضه وماله وتضحيات مواطنيه.
حري بنا ونحن نحتفل بالذكرى المئوية الأولى لثورة العشرين أنْ نمتلك ما يكفي من الشجاعة لنعترف بالفشل في استلهام قيمها ومراميها وعدم الإكتفاء بالتفاخر بها. هكذا سجلت ثورة العشرين في الذاكرة الوطنية لتكون نقطة مضيئة تمثلت بمواقف شجاعة وتضحيات جمة أرهبت قوات الإحتلال البريطاني وأضطرت أعيانه وممثليه إلى المطالبة بالإنسحاب من العراق والإعتراف بالتورط في احتلاله. وتوصل هؤلاء فيما بعد إلى صيغة من صيغ التدخل غير المباشر ومنح العراق استقلالاً إسمياً من خلال ما أطلق عليه، "سياسة الإنتداب"، بغية ترتيب وحماية مصالح القوة البريطانية الغازية التي رفعت شعار "جئنا محررين لا فاتحين".
أنهت ثورة 14 تموز عام 1958 الإنتداب البريطاني وأسست للجمهورية كنظام سياسي جديد. بيد إنّ رجالات العهد الجمهوري الوطني لم يكونوا ليرتاحوا لزعامة عبد الكريم قاسم فكان أنْ حدثت الكارثة في الثامن من شباط عام 1963 والتي أدت إلى إشعال ما يشبه الحرب الأهلية ضد نخبة مختارة من مثقفي العراق رجالاً ونساءً بإسم مكافحة الشيوعية. حدث ذلك توافقاً مع حملة أمريكية معادية حملت عنوان "المكارثية" كجزء من محاربة الشيوعية العالمية. وتتالت الأنظمة السياسية بعد ذلك ليس استلهاماً لثورة العشرين وإنّما للدخول في نفق الهيمنة التي اختارها حزب سياسي حاكم واحد على بقية الأحزاب والجماعات. ودأبت هذه الأنظمة على الترويج لسياساتها وبرامجها على حساب المشاركة الوطنية الصادقة والنبيلة لكل الجماعات التي خاضت نضالات ساخنة من أجل عراق واحد أحد يسع الجميع ويشملهم برعايته وحمايته.
لم يكن الدرب سهلاً بالنسبة إلى النظام الذي جثم على صدور العراقيين لما يقرب من الخمسة وثلاثين عاماً للفترة من 1968-2003، فكان أنْ حدث المحظور وسقط النظام الأكثر شمولية واستبداداً على يد قوات الإحتلال الأمريكي عام 2003. بشر الإحتلال الأمريكي بنظام ديموقراطي يسع الجميع إلا أنّ العراقيين أستيقظوا على نظام أحيا نزاعاتهم وخلافاتهم من خلال التأسيس لبنية سياسية تقوم على قاعدة التمايز الديني والطائفي والعرقي. نُسيت في خضم ذلك مآثر ثورة العشرين التي أريد لها أنْ تكون وطنية جامعة لا تفرق بين هذه الجماعة أو تلك. وبرزت في هذا الماراثون وجوه وشخصيات تفانت في خدمة مصالح جماعاتها ولم تتوان عن استخدام أبشع الطرق وأعنفها لتكريس ما تراه. فكان أنْ صار الإرهاب وسيلة للتفاوض والمنافسة. راح ضحية ذلك آلاف العراقيين من مختلف الجماعات والأجناس. لم يفرق الإرهاب بين عراقي وعراقي أو عراقية وأخرى. وأزدهر الفساد المالي والإداري كوسيلة من وسائل البقاء ليترك الشعب في أتون الفوضى والتمايز الذي تجلى في تفاوت طبقي غير مسبوق بين قلة تستحوذ على المليارات وأكثرية تكافح من أجل قوت يومها.
وأمتحن العراق في مواجهة ما سمي بدولة الخلافة الإسلامية (داعش) مما أستوجب تعبئة كل الطاقات والجهود لمقاومته. وعندما أعلن النصر على داعش خاض الشعب معارك الفساد وتحولت الحياة في أحسن الأحوال إلى رتابة مميتة وترهل منظور على كل المستويات. وهذا ما أدى إلى إنطلاق تظاهرات شعبية شقت القشرة الخارجية للتماسك الاجتماعي المفترض. وبلغت التظاهرات أوجها في الخامس والعشرين من تشرين أول عام 2019 لتعبر عن فورة اجتماعية تقدمها الشباب العاطل عن العمل والمطالب بمحاسبة الفاسدين وتحسين الخدمات. برغم الإدراك والوعي العام بأهمية المطالب الشعبية المشروعة فقد صار على ثوار تشرين السلميين إدراك خطورة عدم الإتفاق على قيادات تستثمر تضحياتهم وتضع برامح تعبر بوضوح عما يطالبون به. وأستمرت أزمة الهوية في المطاولة مما منح أعداء الثورة السلمية فرصة لمحاولة إفراغها من مضامينها الوطنية الشاملة. وكان لسياسة إطلاق الوعود غير المعززة بقوانين والتحايل على المطالب وإهمالها دور مهم في محاولة أجهاض الثورة والتخلص منها إلى جانب الإعتداءات المعلنة التي أودت بحياة أكثر من 700 شاب وما يقرب من ثلاثين ألف معاق.
لا جدال أنّ هناك حاجة لإعادة قراءة تاريخ العراق المعاصر لتطوير رؤية ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها المجتمع، رؤية تضع حداً لإمتهان مطالب أبنائه بعيداً عن التوافقات السياسية الضيقة التي ظهر عجزها اليوم في مواجهة الأزمات المتلاحقة وآخرها هذا الإنتشار المروع لفيروس الكورونا الذي يهدد حياة ملايين البشر في العراق والعالم.
يعرف العراقيون جيداً أنّهم يفتقدون لنظام تعليمي جيد وخدمات جيدة وصار عليهم اليوم مواجهة عجز النظام الصحي الذي فرط حتى اللحظة بالآلاف منهم. يرتبط كل هذا بنظام سياسي عاجز ومنشغل بمصالح الأعضاء فيه مما قد يشعل حريقاً ليس من السهل السيطرة عليه.
لعل في إعادة قراءة ثورة العشرين قراءة موضوعية ومتأنية ما يذكر بعبر كان من الضروري التوقف عندها واحترامها ليس من أجلها فحسب فتلك عبرة تاريخية مجردة وإنّما من أجل أجيال لا زالت تقاوم وتناضل من أجل حقوق تعتبر في سياق المسلم به في مجتمعات أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذة علم الاجتماع - جامعة بغداد
**********
ص8
ثورة العشرين في قصيدتين للجواهري
تُرى أكان علي الشرقي مبالغًا حين اعتقد، وأرادنا أن نعتقد معه، أن الجواهري "رسالة قدسية يحملها طائر من طيور الأدب جاء ليغرّد على شجرة الحياة بنشيد الوطن والحرية والجمال" ؟
وهل يمكن أن نضيف ثيمة ثقافية لوصية الشرقي الجمالية ؟
أيمكن القول : إن ديوان الجواهري هو "سجلّ الدولة العراقية"؟ فعمر الجواهري - حين الثورة - يشبه مصطلحها إلى حدّ كبير "ثورة العشرين".
ولكن عنواني القصيدتين الخالدتين بين دفّتي ديوان الجواهري ودفّتي قلب الأحرار: "ثورة العراق" و"الثورة العراقية" ، اللتين كتبتا كليهما في السنة 1921، يطرحان سؤالًا فكريًا عن النسق الوطني الممتليء بالوعي الثقافي المتجه نحو المدنية، رغم أن مرجعيات الثورة تتوزع ما بين الدينية والقبلية.
والمقاطع المستلة من القصيدتين امامكم..
"طريق الشعب"
****************
ثورة العراق

إن كان طال الأمدُ فبعد ذا اليومِ غدُ
ما آن أن تجلو القذى عنها العُيون الرَّمد
أسياُفُكم مرهفة وعزمٌكم متقد
هبوا كفتكم عبرة أخبار من قد رقدوا
هبوا فعن عرينه كيف ينام الأسد
* * *
وثورة بل جمرة ليعرب لا تخمد
أججها إباؤهم والحر لا يستعبد
لا تنثني عن بلد حتى يشب البلد
خفوا إلى الداعي وفي الحرب جبالاً ركدوا
واستبشروا بعزمهم فهلهلوا وغردوا
وأقسموا الى العدى أن لا يلين المقود
* * *
كم جلب الذل على المرء حسام مغمد
زيدوا لقاحاً حربكم لعل عزاً تلد
إياكم والذل إن جرحه لا يضمد
* * *
حتى إذا ما ويلسن ضاقت بها منه اليد(2)
ولم يجد ليناً بهم وهل يلين الجلمد
وما رأى ذنباً سوى أن حقوقا تنشد
وأنهم أولى بما قد زرعوا أن يحصدوا
سواعد مفتولة بعزمها تعتضد
وهمة شماء لا ينال منها الفرقد
مال إلى الحق ولم يكن لحق يرشد
وقال : هذا عاصف هب وبحر مزبد
* * *
يا ثورة العرب انهضي لا تخلقي ما جددوا
لا عاش شعب أهله لسانهم مقيد
سيان عندي مقول أو مرهف مجرد
أفدي رجالاً أخلصوا لشعبهم واجتهدوا
كم خطبة نفاثة فيها تحل العقد
ومقول قصر عن تأثيره المهند
هذا لساني شاهد عدل متى تستشهدوا
أن لا تزال أضلعي تطوى على ما تجد
عهداً أكيداً فثقوا أني على ما أعهد

"مقتطفات"
************
الثورة العراقية
لعل الذي ولى من الدهر راجع فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة : وصفوها سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه فما صاحب الأيام إلا المقارع
* * *
إلى م التواني في الحياة وقد قضى على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت ، وذلة عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم وإنعاشه تستك منها المسامع
* * *
وقد خبروني أن في الشرق وحدة كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة ” فلابد يوماً أن ترد الودائع “
* * *
ويوم نضت فيه الخمول غطارف يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
* * *
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به كما لاح نجم في الدجنة ساطع
* * *
ومما دهاني والقلوب ذواهل هناك وطير الموت جاثٍ وواقع
وقد سدت الافق العجاجة والتقت جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بُح صوت الحق فيها فلم يكن ليُسمع الا ما تقول المدافعُ
* * *
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت ، والموت جارف وهم عرضوا للسيف ، والسيف قاطع
* * *
بباخرة فيها الحديد معاقل تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس ” الفرات ” وموقفا به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها كمأة بطيات الحديد دوارع
* * *
ومحي لليل التم يحمي بطرفه ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد ، إذا ما طالع الشهب هيبة تخر لمرآه النجوم الطوالع
* * *
تثور به للموت أبية وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
* * *
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها لغص بموار من الدم كارع
* * *
وأحلامنا منها صحيح وكاذب وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث فقد يجمع الشمل المفرق جامع
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة تنبيء أن لابد تدنو المصارع

"مقتطفات"
***************
انتفاضة تشرين.. ابنة ثورة العشرين وحاديهما جواهري العراق
د. نادية هناوي*
الجواهري شاعر كوني تعامل مع كثير من الأحداث العالمية تعاملاً انسانياً واحداً، وهو ما جعل شعره شعراً شمولياً يحضر في كل مناسبة بذات القوة كفعل خلاق ومستمر. ولا غرابة إذن أنْ تتصدر لافتات شباب التحرير قصائد شاعر العرب الاكبر الجواهري، لاسيما تلك الأبيات المتنبئة بانتفاضتهم :
سينهض من صميم اليأس جيل شديد البأس جبار عنيد
يقايض ما يكون بما يرجى ويعطف ما يراد لما يريد
والاستشراف المستقبلي هو ما يمنح هذه القامة الشعرية خلودها لتكون لازمة وثيقة من لوازم أي فعل منتفض وثائر. وواحدة من استشرافات الجواهري الخالدة ما كان يضمخ به العشرات من قصائده بخطابات ترنُّ في الآذان قوية وهي تستنهض همم الشباب العراقي، واضعة فيهم الأمل ومحملة إياهم الرسالة في بزوغ غد جديد لن يتحقق إلا بهم. وها هي الأيام تروح وتجيء وقصائده تصدح مخاطبة الجيل الجديد قائلة له :
تقحم فمن ذا يلوم البطين
إذا كان مثلك لا يقحم
يقولون من هم أولاء لرعاع
فافـــهمهم بدم من هم
وافهمهم بدم أنـــــــــــــــهم
عبيدك أن تدعهم يخدموا
وأنت أشرف من خيرهم
وكعبك من خده أكرم
ستحضنها من صدور الشباب
قساة على الحق لا ترحم
نبوءات الجواهري وخوالده الشعرية التي نستذكرها اليوم هي من وحي ما تهزه فينا الانتفاضة من مشاعر وطنية مثل قوله:
أرى أفقاً بنجيع الدماء
تنور واختفت الأنجم
وجيلا يروج وجيلا يجيء
ونارا إزاءهما تضرم
أنبيك أن الحمى ملهب
وواديه من ألم مفعم
وتجدد النبوءات الشعرية فينا ما كان يثيره حساد الجواهري من أشباه الشعراء وأنصاف الناظمين بين حين وآخر من أن شعر الجواهري لم يتبق منه شيء، وأن قصائده ذبلت وانتهى أجلها، وأنه تراجع أمام انجازات الشعر الجديد. فنتساءل كيف ذاك ونحن كلما نقرأ ( أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جراح الضحايا فم ) نقف لها إجلالا، لأنها تفاجئنا بأننا أمام متنبي العصر الحديث، الساحر بشاعريته التي نجد حساسية فورتها وحماسة كلماتها متجسدة في انتفاضتنا الراهنة عاكسة بعين ثاقبة الماضي وهو يستحضر المستقبل تاريخا يقايضه الشعر بالتجدد شاهدا يواكب الوثبات والانتفاضات والثورات صوتاً لا يعرف الصمت، كهذه الأبيات التي تبعث الامل وهي تصف المنتفضين شبابا رافدينيا لا يعرف المستحيل، بهم سيولد عراق جديد غير منتكس ولا متخاذل، يؤذن بضوء نهار:
واستفرش الشعب الثرى ودروبهم
مملوءة بنثارة الأزهار
أيه شباب الرافدين ومن بهم
يرجو العراق تبلج الأسحار
الحاملين من الفوادح ثقـــلها
ليسوا بانكاس ولا أغمار
والذائدين عن الحياض إذا انتحت
كرب ولاذ مكابر بفرار
والباذلين عن الكرامة أرخصت
أغلى المهور وأفدح الأسعار
ومؤججين نفوسهم وقلوبهم شعلا
يسير على هدها الساري
والحابسين زئيرهم بصدورهم
فإذا انفجرن به فأي ضواري
والقانعين من الحياة رخية
بلماظة ومن الكرى بغرار
هكذا هو الشعر نسغ حي يصدح بالثورة، ثورة الشعب الذي سلب الفاسدون الدجالون ثرواته بعد أن أراقوا دماءه قطرة قطرة. فلا بد إذن من زلزال يقلب المقادير على رؤوس المنتفعين والمتواطئين.
بهذه الشاعرية التي تؤكدها الانتفاضة التشرينية تخرس الحناجر المتهدلة التي عز عليها الشعر فوقفت تنتقص من صاحب الشعر الجواهري الذي وصفه الناقد عبد الجبار عباس بأنه ( صفحة بهية في كتاب الشعر العربي..استطاع أن يطبع شعره بطابع شخصي منفرد لا نجده في شعر الآخرين. انه سيد التجربة فيما يرزح مئات العموديين عبيدا لأصدائها الباهتة وهو أبو الجماهير ورائدها فيما وقف الصغار أبواقا لها ووعاظا. انه الاستثناء الباهر في المعادلة القائلة بأن التعبير بالقصيدة التقليدية يعني بهما تقليديا للعالم والإنسان ) ص18.
وبالثورية الشعرية تكون نبوءات الجواهري واستشرافاته أبية، وهي تقهر الزمان حافرة في الذاكرة مجدا لا يطاله غفران ولا نسيان، جامعة بين مسألتين قلما نجدهما مجتمعتين في شاعر وهما تمازج السياسي بالشعري تمازجا لا يحاكي لكنه يجسّد.. وبما يجعل اللحظة التاريخية راهنية، والراهن الشعري تاريخيا، بكل ما يعنيه ذلك من موهبة وجرأة وتمرد بين جموع ثائرة كالجموع المليونية العراقية التي نقمت على القهر ورفضت العجز بالنجابة والعراقة والإباء، ناقمة متحدية وثابة، لتكون الانتفاضة انعطافة مضافة إلى تلك الانعطافات التي شهدها تاريخنا القديم والحديث، مغيّرة عقارب الساعة وجاعلة إياها تسير بحسب إرادتها، ومن خوالد الجواهري في ذلك قوله وكأنه يصف انتفاضة العراقيين اليوم :
والداهنات دماؤهم لمم الثرى
والمؤنسات شواطئ الأنهار
والناحرين من الضحايا خير ما
حملت بطون حرائر أطهار
وليس التعبير عن حساسية مرحلة مصيرية جديدة باليسير، لأن الكلمات تفر منك وأنت تريد واحدة بها تعبر عن دواخلك وما فيها من مشاعر جياشة لا حدود لسعتها، ولا مساحة يمكن لها أن تلمها. وليس مثل الشعر قول به تجد ما كنت متحيرا في التعبير عنه بكلمة تختزل ما هو كثير وتعمق ما هو أصيل مصيبة في المقتل ما تريد أن تقوله ومعززة ما تحمله في داخلك من قيم.
إن الشعر أنجع أنواع الأدب في تركيز اللحظة واختزالها، تعبيراً عن وجدان اُستفز فكان في ذروة الانفعال، وإحساس مضام اكتوى في لجة الاحتدام. وهذا القانون الفني والجمالي ينفرد به الشعر لوحده، فليس مثل الشعر فن يختصر اللحظة ويختزل التاريخ إزاء أيام عصيبة كأيام الانتفاضة التشرينية التي هي بحق ثورة مطلع القرن الحادي والعشرين، الثورة الوليدة التي أنجبتها ثورة العشرين.
وإذا كانت الأم قد ثارت على محتل أجنبي واحد؛ فإن البنت تميزت عليها بأن ثارت على طغاة ذوي عتو كُثر الألسن متعددي الجنسيات متنوعي الأشكال والانتماءات، يخفون وراءهم أنياب ذئاب وحشية. وصحيح أن ليس للبنت أن تفخر على أمها، لكن الأم نفسها تفخر بابنتها وتهلهل وتهلل لها أن التاريخ دوما معها، وهو يسطر لها اليوم كما سطر بالأمس أسماء ووقائع وشخصيات وقصائد وحكايات.
هذه البنت المنتفضة اليوم على خطا أمها الثائرة أثبتت أنها ليست مجرد تمرين في الوطنية ولا استعراض عضلات نفخها البطر والخيلاء وإنما هي درس بليغ من دروس الكفاح الوطني يعلِّمه الشعب العراقي في كل آن لحكامه الذين ما رعوا فيه حقا ولا احترموا له عهدا ولم يقروا له بالشكر والامتنان.
وحين نبحث عن شعر نريد به أن نعبر عن كل تلك المشاعر المنتفضة فينا، فلن نجد مثل شعر الجواهري نغما صادحا ومعاني حية يتردد صداها في سوح العز والوغى، في التحرير وغيرها، نافرا بشررٍ يتطاير في وعينا فيعمق أملنا بالمستقبل تماما مثل تلك الشرارة التي انطلقت من الحيدر خانة أبان الاحتلال الانكليزي لتكون شرارا يرهص بالثورة الأم (ثورة العشرين). ولقد رددنا الديْن للشهداء الذين بهم انتفض شعبنا بكل عناوينه ومسمياته وأطيافه انتفاضة رجل واحد ولسان حاله يقول كفى فإن للحليم غضبة لا تسترحم إذا تأججت.
ونجاعة الشرر الجواهري أنه عرّاف لا تخيب نبوءته ولا يكذب استشرافه؛ بل هو يصيب المرمى في الصميم فلا يستطيع القدر إلا أن يستجيب، وما ذلك إلا لثقته (أن رقاب الطغاة أثقلها الغنم والمأثم)
وليس في الانتفاضة التشرينية التي فيها يفور الدم العراقي عن بكرة أبيه هدأة بها يستجير من أزيز الرصاص وسيل الدخان ووقع القنابل الصوتية إلا بعد أن يقلب الموازين رأسا على عقب لتكون لصالحه، خائضا غمار الوغى كما خاض أجداده الأوائل، فإما حياة تسر الصديق وأما ممات يغيظ العدى.
وانتفاضة العراقيين اليوم ليست مطلبية كما يصفها بعض المراقبين بل هي تغييرية انتشالية تريد أن تقتلع جذور الاضطهاد والفساد من أساساتها كثورة وطنية شعبية عارمة معبرة عن وعي حقيقي بواقع مرير ( ضقنا به ضيق السجين بقيده) كما يقول الجواهري:
لا تيأسوا أن يلح من ليلة
فجر ولم تؤذن بضوء نهار
فلئن صليتم من هنأة جمرها
ومشيتم منهن فوق شفار
فلابد أن يثب الزمان وتنثني
حكم الطغاة مقلم الأظفار
وتجدد الأيام عهد وصالها
من بعد إعراض لها ونفار
فهناك سوف يكون من زهراتكم
أصفى معارفها وأطيب حار
وهناك سوف يرى الغيمة معشر
أن يمسكوا من خلفكم بغبار
فحذار من عقبى القنوط حذار
وبدار للعهد الجديد بدار
وها هو الشباب الثائر يعيش انتفاضته التشرينية مستحضرا ثورته العشرينية ومعهما كل الرموز الرافدينية التي اختصرها الشعر بجمال وعذوبة، راسما المستقبل وقد انقلع الشر وبان الخير واستطاع الشعب أن يبني قاعدة حياته الجديدة قوية صامدة بسواعد شبابه وشيبه.
الانتفاضة التشرينية وثبة ميمونة وثورة عارمة وتظاهرة فذة على كل أشكال الخنوع والتذلل. إنها انتفاضة ثائرة ليس لجذوتها خمود وستظل مستمرة مستعرة هادرة ترنو إلى أمام، مقدمة لنا كل يوم صوراً عظيمة للتضحية ودروساً قيمة في الجمال؛ فحسبنا وحسب العرب بذلك فخراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذة النقد الحديث - الجامعة المستنصرية
***********
ص9
تأثير الثورة البلشفية على ثورة العشرين
محمد علي محيي الدين
بعد ان انحسرت سلطة الرجل المريض، ووصلت طلائع القوات البريطانية الى البصرة، تحركت القيادات الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية والكوفة، وحصلت لقاءات ميدانية لمواجهة المحتل.
وهكذا وفي العقد الثاني من القرن العشرين "خطت الحركة الوطنية خطوات محسوسة نحو توحدها وبلورة أهدافها وتوجهها نحو التنظيم". (1)
ويتحدث عزيز سباهي في الجزء الأول من كتابه "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" عن المنظمات السرية التي نشطت في تلك الفترة، والتي تمثل باكورة النشاط السياسي المنظم في العراق. حيث يؤكد انه "تكونت منظمات سرية نشيطة وأقامت لها فروعا في المدن الرئيسة منها: -حرس الاستقلال – وكان من أعضائها محمود رامز وعلي البازركان وعارف حكمت وآخرون، وانضم اليها يوسف السويدي ومحمد جعفر ابو التمن ومحمد ال صدر(2)
ويضيف سباهي "وكان في رأس ما حققه الوطنيون آنذاك لتسهيل نضالاتهم وجذب الجماهير الشعبية اليها هو نجاحهم في تجاوز الحساسيات المذهبية والطائفية " (3)
ويذكر الدكتور كمال مظهر احمد في كتابه – ثورة العشرين في الاستشراق السوفيتي – نقلا عن المستشرق السوفيتي ف، أ ، كركو – كرياجين في كتابه "حركة التحرر الوطني في المشرق العربي، بلاد ما بين النهرين" قوله "ان عراقيين من بغداد والبصرة اشتركوا في مؤتمر ارضروم الذي عقده الوطنيون الأتراك ايام نضالهم بقيادة مصطفى كمال" .
وقد ثبت في الكثير من المصادر ان أبناء المراجع الدينية الكبار، كانت لهم علاقات وثيقة مع البلاشفة، وكان كراس "البلشفية والإسلام" من ضمن تلك المصادر التي تحدثت عن الدور البارز الذي لعبه أولئك الأبناء في علاقاتهم غير المباشرة مع البلاشفة.
يقول حنا بطاطو في الجزء الثاني من كتابه المعروف "العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية":
"وردت الإشارة الأولى الى البلشفية في -ملخص الاستخبارات – الذي كانت تحتفظ به الشرطة السياسية البريطانية في العراق في مدخل مؤرخ في 17 كانون الثاني 1920. وكانت هذه الإشارة عبارة عن ملاحظة قصيرة كتبها الضابط المختص حول – تزايد الحديث البلشفي في بغداد –" (4)
كما ان بغداد كانت قد شهدت – حالها حال الكثير من عواصم الدول الإسلامية الواقعة تحت نير الاستعمار البريطاني – وصول كراس يحمل عنوان "البلشفية والإسلام" تم تداوله في بغداد، وكان المنشور البلشفي يمثل – واحدا من أبكر محاولات خلق شيء من التعاطف مع الثورة البلشفية في صفوف الشعوب الإسلامية – " (5)
وكان للأحداث السياسية المهمة جدا والتطور الكبير في تركيا، حيث انه "في العام 1908م شقت حكومة دستورية طريقها الى الحياة في تركيا ملتهبة كمشعل في مقبرة" (6)
ذلك الحدث الخطير أرعب الدول الاستعمارية، حيث "فجرت حكومات بريطانيا وفرنسا وروسيا الاستبدادية الحرب العالمية في العام 1914م "(7)
ان تداعيات تلك الحرب الامبريالية، وما خلفته من تشرذم وتقاسم نفوذ واحتلال وانتداب أجنبي، كانت عوامل موضوعية حركت الشعوب العربية وخاصة في مصر وسوريا والعراق، للمطالبة بالاستقلال عن النفوذ البريطاني والفرنسي.
ولهذا فان ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا من جهة، وللأفكار التي طرحتها تلك الثورة والتي كانت تخاطب المسلمين في الشرق المضطهد والمستعمر والمحتل، كان لها فعل كبير وتأثير خطير، كما كان لحكومة الاتحاد والترقي في تركيا من جهة أخرى فعل واضح وتأثير ظاهر في الثورات التي شهدتها منطقة البحر المتوسط خاصة، وكان النداء الذي وجهته حكومة البلاشفة في روسيا الى شعوب الشرق المسلمة يؤكد انه قد "بزغ فجر الحرية الإنسانية في الأفق الروسي مع لينين كشمس مشرقة تعطي ضوءها وبهاءها ليوم السعادة الإنسانية هذا"(8)
وجاء في النداء الثوري الذي وجهته قيادة البلاشفة في روسيا الى شعوب الشرق المسلمة بشكل خاص، "أيها المسلمون، أنصتوا الى هذه الصرخة، استجيبوا لنداء الحرية والمساواة والإخاء هذا الذي يوجهه لكم الأخ لينين والحكومة السوفيتية" (9)
إضافة الى ان بروز "جمعية تخليص الشرق الإسلامي" التي تم تشكيل هيكلها التنظيمي في تركيا عام 1919م وكانت تحظى برعاية خاصة من كمال اتاتورك وبالدعم من قبل البلاشفة.
وقد "كان التوافق بين البلشفية والإسلام أحد الموضوعات الأساسية التي دافعت الجمعية عنها"(10)
وفي العام 1920 كانت الجمعية تنشط تحت مسمى "الجمعية العراقية العربية" واستمر تأثيرها في الأوساط الاجتماعية المتقدمة في بغداد والنجف وكربلاء والموصل وتكريت والسماوة.
ويؤكد بطاطو ان تلك الجمعية "كانت لها حصتها في تكوين شعور عام مناهض للمحتلين الانكليز وصل ذروته في الانتفاضة العراقية خلال الفترة حزيران – يونيو – تشرين أول –أكتوبر-1920، وبقيت الجمعية ناشطة حتى العام 1922م" بعد ان اتخذت لها اسما يتوافق مع بيئة عملها ونشاطها في العراق "الجمعية العراقية العربية" .
وقد "كانت سياسة الانكليز إزاء الحركة الوطنية في العراق، سياسة قسوة وتشريد، وفتك وتدمير، دون رحمة ولا شفقة" (11)
وعلى هذا الأساس فقد كان للمراجع الدينية في كربلاء والنجف والكاظمية والكوفة، وأبناء العشائر في منطقة الفرات، مواقف سجلتها كتب التاريخ بمداد من الفخر والاعتداد بالوطنية والروح الفراتية الحماسية. وبهذا الصدد يقول أمين سعيد في كتابه (الثورة العربية الكبرى):
"للفرات مقام خاص في العراق، نشأ عن وضعه الجغرافي والقومي والديني، وتشمل كلمة الفرات المنطقة الممتدة من حدود دير الزور حتى خليج البصرة"(12)
وقد كان لأبناء العلماء الشيعة المجتهدين، دور نشيط وبارز في العمل السياسي، حيث كان "السيد محمد الصدر ابن المجتهد الأكبر السيد حسن الصدر، والشيخ محمد الخالصي ابن المجتهد الأكبر الشيخ مهدي الخالصي، من أكثر علماء العشرينات السياسيين، وكان من شديدي النشاط أيضا مرزا محمد رضا، ابن مرزا محمد تقي الشيرازي، اكبر مجتهدي عصره" (13)
واللافت ان الأبناء كانوا أكثر حرصا من الآباء في الحركة والنشاط والتواصل مع "ممثلي السلطة البلشفية من العراقيين، ويبدو هذا الأمر مؤكدا بوضوح على الأقل في حالة ميرزا محمد رضا "(14).
كما ان ميرزا محمد رضا كان قد "عبر عن اهتمامه بالأفكار البلشفية منذ وقت مبكر يعود الى آذار 1920م ، وناقش وقتها علنا، وفي النجف محتويات كتاب عربي عنوانه – مبادئ البلشفية – يتركز موضوعه على التوافق بين البلشفية والإسلام، حيث أصبح "رئيسا للحركة العراقية للتحرر من البريطانيين، وعاملا من اجل القضية البلشفية في كربلاء" (15).
وإضافة الى الاهتمام الذي كانت توليه الحركة العراقية للتحرر من البريطانيين، للبلشفية وأفكارها في المساواة والعدل الاجتماعي، فقد كانت هناك مراسلات مع الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، كانت في حقيقتها تؤكد على " إيجاد شيء من التنسيق بين جهود الكماليين وجهود حركة الاستقلال العراقية" (16).
ولذلك فعندما اندلعت الثورة في 30 حزيران 1920، أقدمت السلطات البريطانية على نفي ميرزا محمد الى إيران. ثم أقدمت على نفي الشيخ محمد الخالصي والسيد محمد الصدر الى إيران حيث انضم الاثنان إلى ميرزا محمد في المنفى. وفي طهران تشكلت
جمعية بين النهرين او جمعية بلاد ما بين النهرين وكان الهدف الرئيسي لها هو تحرير العراق من الاحتلال البريطاني.
في حين يذكر الشيخ الخالصي الابن، في العام 1958م وفي مقابلة صحفية، ان الجمعية التي تشكلت في طهران هي "التنظيم الأعلى لممثلي العراق في طهران"، كان ذلك في العام 1922م، وكان للجمعية صحيفة ناطقة باسمها "لواء بين النهرين" (17).
وعندما تهيأت مستلزمات الثورة، وبان الاستعداد في القبائل العراقية، ونشطت الحركة التي تدعو للتخلص من براثن الاستعمار والاحتلال، فقد عقد "اجتماع تمهيدي في دار السيد نور الياسري حضره لفيف من رؤساء المشخاب والشامية والرميثة وغيرها".
وكان ذلك أثناء زيارة النصف من شعبان في العام 1338هجري الموافق 1920.
وقد ترأس هذا الاجتماع الكبير للسادة والمشايخ والوجهاء، الشيخ محمد رضا، نجل الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي.
ثم عقد اجتماع آخر على جانب كبير من السرية في دار الإمام الشيخ محمد تقي الحائري، والذي كان يوصف بأنه زعيم روحي كبير، صادق العزيمة، نافذ الكلمة، واسع النفوذ.
وكان الاجتماع برئاسة الشيخ الحائري نفسه وحضرته السادات والمشايخ "العلامة الشيخ عبد الكريم الجزائري، والزعيم البغدادي الحاج محمد جعفر ابو التمن، السيد نور السيد عزيز، السيد علوان السيد عباس، السيد هادي آل زوين، والشيخ شعلان ابو الجون، والشيخ غثيث الحرجان من قبيلة الظوالم في الرميثة، والشيخ عبد الواحد آل سكر رئيس قبيلة آل فتلة، والشيخ شعلان الجبر" (19).
وبعد ان اشتد النقاش والمداولات حول الثورة ضد المحتل، كان الحائري مترددا بعض الشيء حيث قال "ان الحمل لثقيل، وأخشى ان لا تكون للعشائر قابلية المحاربة، مع الجيوش المحتلة" (20).
لكن الحاضرين جميعا وخاصة زعماء القوم، أكدوا قدرتهم على هذا العمل الخطير وان الثورة لابد منها، رغم أنهم لا يرغبون بالحرب وويلاتها، لكن الأوطان تحتاج الى تضحيات.
وبعد نقاش مرير، خرج المجتمعون وهم مصممون على إعلان الثورة في القريب العاجل.
وعقد اجتماع لاحق في الحضرة الحسينية في 16 شعبان 1338هجري، حيث تعهد الزعماء والمشايخ ومن وقف معهم، على "أنهم لا يدخرون وسعا في تحقيق آمال البلاد الوطنية، وأنهم سيلفظون آخر نفس في سبيل إنقاذ بلادهم من الحكم الأجنبي" (21).
ومن الجدير بالذكر ان هناك إشارات وتلميحات من مصادر مختلفة تؤكد على حق تقرير المصير، وهو ما شجع رجال العراق على التمسك بالاستقلال التام.
ويذكر عزيز سباهي في الجزء الأول من كتابه "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي":
"ان توالي البيانات والتصريحات التي تتحدث عن الرغبة في منح شعوب المنطقة حقها في تقرير مصائرها بحرية – بيان الجنرال مود عند احتلال بغداد، والبيان الانكلو –فرنسي الصادر في تشرين أول 1918، وإعلان الرئيس الأمريكي ولسن، مبادئه الأربعة عشر، وإعلان البلاشفة حق تقرير المصير غير المشروط لشعوب القوقاز القريبة من الحدود العراقية، شجعت الدوائر الوطنية للحديث عن الاستقلال والوعي بضرورته وضرورة العمل من اجله" (22).
ان تلك الأفكار والبيانات، التي جاءت من مصادر متباينة في توجهاتها ونواياها، إضافة لما أفرزته حكومة تركيا بقيادة كمال أتاتورك، من مبادئ ومناهج جديدة، في صيف العام 1919م، مع ما قدمته الثورة البلشفية في روسيا، من تعهدات لشعوب الشرق المسلم، من انها تسعى لدفع الشعوب لتقرير مصيرها بنفسها وحصولها على استقلالها بعيدا عن السيطرة الاستعمارية.
ان هذه كلها كانت وسائل إضافية دفعت المتصدين للثورة من رجال العراق، خاصة في المدن المقدسة المعروفة ومنطقة الفرات، دفعتهم للاستعداد واخذ المبادرة والعمل المبكر للوقوف بوجه الاحتلال البريطاني، مهما كلف ذلك من تضحيات، كما ذكر ذلك السادة والمشايخ عند اجتماعهم مع الشيخ الحائري..
وكان الزعماء قد أكدوا "ان فيهم الكفاية التامة لهذا العمل الخطير، وان الثورة امر لابد منه وإن كانوا هم لا يريدون الحرب ولا يرغبون فيها" (24).
ثم فرض الانتداب البريطاني على العراق بموجب قرار-سان ريمو – في 3آيار 1920، مما أجج الحركة الوطنية النامية والداعية للثورة وأعطاها زخما اكبر.
فكانت انطلاقة الثورة في 30 من حزيران 1920، حيث انطلقت شرارتها في مدينة الرميثة ثم شملت منطقة الفرات باكملها / من الناصرية صعودا الى منطقة خان ضاري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3،2،1/ عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج1/ عزيز سباهي.
4، 5 ، 9،8،7،6 عن كتاب حنا بطاطو / تاريخ الشيوعيين والحزب الشيوعي في العراق / ترجمة عفيف الرزاز .
10، 11 عن كتاب "الثورة العراقية الكبرى" عبد الرزاق الحسني.
14،13،12/ عن كتاب حنا بطاطو الجزء الثاني
15، 16، 17، 18 ،19 / عن كتاب "الثورة العراقية الكبرى" عبد الرزاق الحسني.
20 / عزيز سباهي: عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي / الجزء الاول.
21، 22، 23 / عبد الرزاق الحسني: الثورة العراقية الكبرى.
**********
سطور من لينين الى قادة ثورة العشرين


تذكر الوثائق التاريخية انه كانت لقادة ثورة العشرين في النجف مراسلات مع الاممية الشيوعية في موسكو. وكان القادة يوجهون رسائلهم عن طريق القنصل الروسي في طهران ادناه مقتطف من رد لينين على احدى رسائلهم:
قرأت رسالتكم باهتمام عميق. ان قصة استعباد بلاد الرافدين المأساوية تكشف في غاية الوضوح السياسة المرائية الغادرة التي تنتهجها الحكومة الانكليزية. ولكن في أي مكان تصرفت الامبريالية البريطانية خلافاً لذلك؟ في الهند ام مصر ام جنوب افريقيا. ان سياستها واحدة في كل مكان: الاكاذيب والغدر والوحشية والقسوة...
ان تحرير بلاد الرافدين لا يمكن بلوغه بمعونة ودعم دولة امبريالية او عن طريق عصبة الامم، بل بالنضال المنظم للجماهير الواسعة في العراق ضد المحتلين.
ان اقناع الجماهير بأن وضعها المادي سيكون أيسر وأفضل بطرد الانكليز، وشجب كل الخونة في بلاد الرافدين ...
ان الاممية الشيوعية التي توجه ملايين العمال والفلاحين الثوريين في انكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا، الخ تؤكد لكم تعاطفها ودعمها لنضالكم من اجل الحرية ...
ايها الاصدقاء الشرفاء.. ان كنتم تعتقدون ان من المفيد المجيء الى موسكو فاني اتطلع الى لقاءكم.
تقبلوا فائق تحياتي القلبية

فلاديمير لينين
رئيس الاممية الشيوعية
**************
ص10
الثورة في العراق
ما بين الفخر بالماضي والحلم بالمستقبل
أ. د عبد الجبار احمد عبد الله*
شهد تاريخ العراق السياسي العديد من الثورات والانتفاضات الشعبية والتي حدثت منذ تأسيس الدولة العراقية في 23 آب 1921 او بعد انضمام العراق الى عصبة الامم 1932، الا ان الثورة الوحيدة والاساسية التي حدثت قبل تأسيس الدولة هي ثورة العشرين التي حدثت منذ قرن كامل من الزمان.
فهذه الثورة هي التي اسهمت بشكل مباشر وكبير في تغيير السياسة البريطانية في اعلراق والدفع باتجاه تلبية مطالب الشعب العراقي او من يمثله من نخب دينية او اجتماعية او سياسية.
وقد احتلت ثورة العشرين مكانة مهمة في اذهان الباحثين والمؤرخين والاكاديميين ولكن مع تفاوت وتعدد الرؤى حول تقييمها سواء من حيث الاسباب والدوافع او من حيث الطبيعة والخصائص واخيراً من حيث النتائج المتحققة.
فهناك من يعد هذه الثورة بكونها ثورة رجال الدين – العشائر بالأساس ويذهب آخرون لاعتبارها ثورة فيها نصيب كبير للأفندية، وآخرون حللوها من منطلق طبقي وآخرون اضفوا عليها صبغة قومية ووطنية.
ومن جانبنا فاننا نذهب باتجاه انها ثورة عراقية بتآلف او تحالف القوى الدينية والعشائرية والفلاحية والافندية مع ريادة دور رجال الدين في قيادة وتوجيه هذه الثورة، ثورة عراقية تحققت لها اللحظة المناسبة لانطلاق الثورة بجانبها السلمي والمسلح.
وان اي تحليل موضوعي لهذه الثورة لا بد ان يضع في ذهنه مجموعة مسائل منها:
1- ان المناخ السياسي قبل مئة عام يختلف كلياً عن المناخ السياسي المعاصر ولذلك من الضروري عدم اسقاط الاحكام المسبقة على تلك الثورة.
2- ان لرجال الدين وعلماء الدين دوراً اساسياً ومهماً وحاسماً في توجيه المسارات السياسية وقبلها، وهذا شيء طبيعي ومنطقي في اطار البيئة التقليدية وسيادة نوع من الرأي العام نسميه بالتابع وليس القائد. ومذكّرين اننا في 2020 وما زال لرجال الدين وعلماء الدين دوراً مهماً وان برزت الى جانبه اتجاهات مدنية – ليبرالية، يسارية.
3- ان من حق اي امة من الامم ان تفتخر بتاريخية ورمزية ثوراتها وباختلاف الزمان والمكان والاسباب والنتائج، ولكن من المهم ان لا يبقى الذهن مقتصراً على رؤية ماضوية، بل لا بد ان تكون الرؤية المستقبلية هي الاهم والأساس. وهنا نطرح التساؤل الذي مفاده: لماذا تكون الثورة ضد الاحتلال هي اسهل وأيسر من الثورة ضد الاستبداد والمستبدين والفاسدين؟
4- ان لكل ثورة اسبابها ودوافعها، وفيما يخص ثورة العشرين فان نكث بريطانيا لوعودها الى جانب السياسة الضريبية القاسية والظالمة، كانتا من اهم اسباب الثورة ولا نستطيع ان نعزل السبب السياسي عن السبب الاقتصادي للثورة او نرجح احداها على الآخر.
5- ان الضعف البارز في الثورة، هو عدم ملازمة الثورة الاجتماعية للثورة السياسية، لأن اي ثورة لا بد ان تقود الى تغييرات جذرية في طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وللعامل الاجتماعي دور كبير ومهم في تحقيق النجاح لأي ثورة.
6- ان الاحتلال لا يقود لبناء دولة بالشكل الموضوعي والصحيح، وخير مثال على ذلك الاحتلال البريطاني والاحتلال الامريكي للعراق مع الفارق الزمني. إذ لم تعمل السياسات البريطانية والامريكية على دق الركائز السليمة لدولة عراقية قوية، دولة مبنية على المواطنة.
فثورة العشرين ادت الى نتيجة معاكسة لآمال ومطاليب من قام بالثورة، سواء كانت بسبب السياسات البريطانية الذي يجدها البعض بأنها ثأرية ضد مكون مهم في العراق وحرمانه من تولي المناصب والمواقع المناسبة والاعتماد على نخب سياسية او عسكرية او ثقافية، اما هي وافدة او من مكون واحد دون آخر. ولذلك نعتقد ان تأسيس في العراق كان يمثل مصلحة متبادلة ما بين بريطانيا وبعض النخب السياسية – العسكرية – الاجتماعية وبالاعتماد على سياسة الاكراه المباشر او غير المباشر والذي كان من نتائجه سيادة عدم الاستقرار بالمعنى الشامل وليس الجزئي وتسيّد النخب العسكرية في الحياة السياسية العراقية ولينتهي العهد الملكي بثورة 1958 التي اشرت بداية العهد الجمهوري، ولكن بصبغة عسكرية وليست مدنية وهذا عامل سلبي اضافي مشوه من عملية بناء الدولة او اعادة بنائها بالشكل السليم.
والاحتلال الامريكي للعراق في 2003، لم يؤدي لعملية بناء دولة بالشكل المتوقع ولا الى حياة سياسية سليمة، اذ غرست في الارض العراقية بذور المحاصصة بكل اشكالها وقيم المكونات وليس بذور المواطنة.
المشكلة في العراق بعد 2003 ان الكتل السياسية والحزبية المؤيدة لسياسات امريكا او المعارضة لها ينتقدون المحاصصة والمكونات ليل نهار لكنهم يتمسكون بها عند توزيع المناصب والمغانم ولم نجد كتلة واحدة الا ما ندر ترشح شخصاً لمنصب او موقع ما ان لم يكن من نفس الطائفة او القومية او الحزب او من المريدين.
ومثلما ظهرت مشكلة النخب الوافدة عند بدايات تأسيس الدولة العراقية في العهد الملكي فاننا نجد نفس المشكلة تكررت في العراق بعد 2003 إذ هيمن مفهوم عراقيو الداخل وعراقيو الخارج ولتكون الريادة والسيادة (لعراقيو) الخارج بشكل مباشر او غير مباشر على مقاليد الامور في العراق.
ونفس الاخطاء تكررت اذ تم اهمال المضمون الاجتماعي في كلا العهدين والاهتمام بالمضمون السياسي (وبشكل مشوه) على حساب المضمون الاجتماعي، ولذلك نجد ان بوصلة الديمقراطية في العراق قد ضاعت بالقدر الذي نعتقد انه لا نستطيع ان نسمي نوع الديمقراطية في العراق فهي ليست ليبرالية ولليست اجتماعية، بل هي ديمقراطية الانتخابات وهيمنة زعماء الكتل وليست حكم الشعب وبالشعب وللشعب كما تم تعريفها اصلاً.
7- في الوقت الذي طرح الرئيس الامريكي وودرو ويلسون المبادئ الاربعة عشر ومنها حق تقرير المصير فان التفاهمات ما بين الدول الكبرى لم تحترم هذه المبادئ اصلاً، فالمصالح النفطية والاقتصادية كانت هي اهم بكثير من حقوق القوميات والشعوب، لا بل ان من قام بالثورة في العراق اصبح مطارداً ومستهدفاً، ومن أيد الاحتلال صاحب حظوة عنده.
وسواء كان بسبب الفتاوى الدينية التي حرمت التعامل مع الانكليز او بسبب عدم توافر الكفاءات المناسبة لشغل المواقع والمناصب الادارية وغير الادارية بسبب سياسات التجهيل المتعمدة او الاقصاء والتهميش المنهجي، فان النتيجة كانت واحدة والمتمثلة بضعف اساسات الدولة العراقية واعتماد سياسات اكراهية اكثر مما هي طوعية في ايجاد كيان موحّد بشكل رسمي، لكنه واهن من الناحية العملية ولذلك كانت هناك شكاوى عديدة واعتراضات اكثر على السياسات المعتمدة ضد المطالب لهذا المكون او ذاك، ونعتقد ان شكوى الملك فيصل الاول من موضوع وجود الملل المختلفة في العراق هو بالمحصلة نتيجة طبيعية لسياسات خاطئة كان منها استيراد شخص يحكم العراق من الحجاز رغم اعتقادنا من ان الملك فيصل الاول كان يعرف ويتقن آليات التعامل مع الانكليز.
وتتكرر نفس المشاهد في العراق بعد 2003، فمع انغماس مكونات محددة في الحياة السياسية والعملية السياسية بعد 2003 وانكفاء وانعزال مكون آخر اثر بشكل سلبي على عملية بناء الدولة العراقية من جديد والتي ادت الى تأخر العراق عن انجاز الكثير من الملفات المرتبطة بأساسيات التحول الديمقراطي وانشغال النخب والقوى السياسية بمعارك سياسية سلاحها الاحتقان الطائفي والمذهبي كان من الممكن ان نتجاوزها ونحقق خطوات مهمة في طريق التحول الديمقراطي.
والدرس المهم الذي نستنتجه من هذه المقارنة هو ان العراق لا يمكن ان يحكم في اطار الخيار الديمقراطي الا بمشاركة جميع اطيافه ومذاهبه ومكوناته ولكن بشروط المواطنة والكفاءة والنزاهة والعدالة الاجتماعية وليس عبر الاعتماد على المغانم الحزبية – السياسية واهمال المضمون الاجتماعي الذي هو العنصر المستهدف من أي عملية تحول ديمقراطي حقيقية.
7- ان هناك مقبولية عالية لدى القواعد الاجتماعية لمبدأ الثورة والاحتجاج والتظاهر والانتفاضة وبالمقابل يوجد رفض لكل هذه الانواع في العقل السياسي الرسمي العراقي. والعقل السياسي الرسمي العراقي حين يكون بالمعارضة يدعم كل انواع الرفض للظلم والاستغلال والاستبداد والطغيان ولكن حين يكون المعارض في السلطة (في الغالب وليس العام) يعمل اعادة جدولة للعقل ومسح كل ما له علاقة بالرفض والاحتجاج والثورة وابقاء كل صغيرة وكبيرة لها صلة بالطاعة والخضوع والخنوع وإن لم تكفي هذه يلجأ الى اضفاء صفات التخوين والتآمر على كل محتج ومعارض وثائر.
ولذلك نقول ان الثورة الحقيقية هي تلك الثورة ضد الظلم مهما كان منشأ هذا الظلم، وثورة ضد الاستغلال مهما كانت صورة هذا الاستغلال ومن يمارسه.
هي ثورة ضد الاحتلال بكل انواعه واشكاله، وثورة ضد الاستبداد والاهم والاكثر ضرورة في يومنا هذا ثورة ضد المفسدين قبل الفساد لاننا في العراق نسمع من الجميع انهم ضد الفساد ومن الضروري ان نعدّل من الخطاب والشعار المشروع ونقول ثورة ضد المفسدين لأن المفسد هو الذي يعطل ترسيخ الخيار الديمقراطي وهو الذي يلغي مبدأ المواطنة من قاموسنا السياسي والوطني وهو الذي يعمل على إضعاف الدولة ومؤسساتها وهو الذي يستبدل معايير التحضر والتنمية والتقدم بمعايير الخضوع والجهل والتخلف.
ان الشعب الحي هو ذلك الذي يعمل ثورته المستقبلية وليس ان يبقى اسير الماضي والتاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذ العلوم السياسية – جامعة بغداد
**************
ثورة العشرين بعد مائة سنة
د. سعيد عدنان *
في اليوم الحادي عشر من آذار سنة 1917 رأى أهلُ بغداد عَلَماً يُنزَل من ساريته، ورأوا آخر يُرفع؛ وشهدوا جيشاً يدخل المدينة، وآخر يخرج منها؛ وكلا العَلَمين، والجيشين غريب ، دخيل! كان العَلَمُ الذي أُنزل شديدةَ الوطأة على الناس؛ أقام فيهم دهراً فأشاع الخوف والجهل والفقر، ورمى البلد في هاوية مظلمة؛ فما عسى أن يكون شأنُ العَلَم الجديد ؟!
لقد دخل العَلَمُ الجديد إلى المدينة محفوفاً بدعوى التحرير؛ على نهج الغُزاة في تسويغ أفعالهم؛ فصدّق ناس أثقلهم جورُ العَلَمِ القديم، ورجوا أن تُزاح عن البلد أوزار الاستبداد والفقر والجهل، وأن يستردّ سيادة أضاعها عليه العثمانيّون !
كانت بغداد قد بعد عهدُها بسيادة الراية العربيّة؛ فقد طويت صفحةُ مجدها منذ قرون ، وأسلمتْ قيادها لقُوى غريبة عنها ؛ لكنّها اليوم، إذ مضى عهد وأقبل عهد، شرعت تتحفّز، وتستعيد ذكرى عزّها ناظرةً بعين الريبة إلى ما يعِدُ به الغازي الجديد!
وإذا كان العَلَمُ القديم قد نُشر بعنوان الإسلام، فإنّ العَلَم الجديد جهير في إعلانه الغزو؛ لا يستره إلّا غشاء رقيق من دعاوة التحرير، ما أسرع ما انهتك!
وحين دخل الغازي البصرة في سنة 1914، وكان محارباً شرساً سلاحه المدفع ، والذهب الأصفر؛ اندفع أهل العراق يصدّونه بما ملكت أيديهم، ويسعون في منع بلادهم منه؛ وإذ انكسروا في الشُعيبة، وخُذلتْ طليعتُهم ، أخذ الغزاة يتقدّمون نحو بغداد؛ لكنّهم لم يبلغوها إلّا بعد ثلاث سنوات من القتال المرّ!
كان الشعب قد استفاق، وأدرك، بنحو ما، ما يريد، واتضح له حقُّه في كيان مستقل على أرضه؛ ولسان حاله يقول : لئن دخل الغازي اليوم فلا بدّ له من أن يخرج غداً! وقد شرع قادة الرأي فيه ينشرون أفكارهم الجديدة ، ويدعون إلى قيام حكومة عراقيّة مستقلّة، وينتظرون وعد الإنكليز!
لكنّ الإنكليز يُخلفون وعدهم، وينشرون جنودهم وأعوانهم في البلاد، ويُظهرون للناس وجهاً قبيحاً؛ وكلّما عتوا زاد وعي الناس بما هم فيه، واشتد تطلّعهم لإرساء كيان عراقيّ يحفظ وحدة البلد، ويصون كرامة أهله!
وتقوم ، في النجف في سنة 1918، ثورةٌ يُقتل فيها الحاكم الأجنبيّ، وتُعلن المدينة عصيانَها، ويُعرب الناس عن سخطهم على المحتلّ وجيشه؛ لكنّ الثورة تُخفق، ويذهب القائمون بها بددا؛ فتُخمدُ الأصوات، ويُقمع الثائرون، وتُنصب لهم المشانق، ويسود خوف، ولكنْ ، تحته يقظةٌ، ويُشيع يأسٌ ، ولكنْ، بين طيّاته أملّ! ويستحيل رمادُ الثورة المقموعة شرارة خفيّة سوف تكون ممّا يُضرم نار الثورة الكبرى في 30 حزيران 1920!
كانت صغار الحوادث، وكبارها تلتقي على صعيد البلد كلّه؛ من شماله إلى جنوبه، وتمدّ أهله بروح الثورة، وكان قادة الرأي يسعون بين المدن والقرى، ويحرّضون على مناهضة المستعمر، وكان للشعراء والخطباء سيادةُ المحافل يوقدون بكلماتهم نار الثورة!
وإذا ذكر الشعر والخطابة في مقام الدعوة الموقظة فإنّ محمّد مهدي البصير في الطليعة منهما؛ أنشد الشعر، وألقى الخطب، وحرّض على الثورة من منبر جامع الحيدرخانة ببغداد ، فكان صوتها الجهير!
نشأ في تلك الأيّام جوّ تلتقي عنده المدينة بالقرية، ورجل الدين برجل السياسة؛ مدارُه ألّا يبقى البلد رهينةَ المستعمر الغازي، وأنّ السبل كلّها مشرعة لإتمام طرده ! على أنّ ذلك لا ينفي وجود أصوات كان صغوها إلى الإنكليز؛ إمّا جهلاً وسوء تقدير، أو تعلّقاً بمنفعة عاجلة!
سادت البلد كلّه روحٌ واحدة، وتأهّب الناس، واستعادوا أمجادهم ، وما بقي إلّا الشرارة الأولى؛ حتّى إذا كانت واقعةُ الرميثة اندفعوا لا يلوون على شيء؛ تسندهم فتوى، وتقودهم عزيمة!
وليس قليلاً أن يواجه فلاحون لمّا يخرجوا من ظلام التاريخ ، وجور السلطة العثمانيّة ، جيشَ دولة كبيرة شديدة البأس مثل بريطانيا! لكنهم واجهوا، وثبتوا في ميدان القتال ؛ يدفعون الأذى عن كرامتهم!
دامت المعارك خمسة أشهر دامية تجلّت فيها روح العراقيين في تقحّم المصاعب، وإرخاص الأنفس في سبيل غاية سامية!
وإذا كان المقاتلون في الميدان قد بنوا أمرهم على الصدق والثبات، وأنّ لهم مقصداً واحداً؛ أن يخرج الإنكليز من البلد، وأن يتأسّس حكم وطنيّ؛ فإنّ آخرين ممّن يمسكون بخيوط الإدارة بنحو خفيّ كان لهم مسعى آخر؛ مسعى شرع يجنح بالثورة حتّى هدأت، وألقت سلاحها في 20 تشرين الثاني سنة 1920 ، من قبل أن يتمّ ما قامت من أجله، فتفرّق أنصارها، وتسلّط عليهم الإنكليز بالسجن والنفي والأذى!
وشعر الناهضون بالثورة أنّهم خُدعوا، وأنّ قوّة ما قد دفعت بهم عمّا يريدون، ونحّتهم، واختطّت درباً آخر؛ يقول محمّد حسن أبو المحاسن، وهو من شعرائها :
ثورةٌ أصبح مـــن آثارهــا
حـظــوةُ الخــائنِ والمفــتتنِ
معشرٌ في نِعمٍ قد أصبحوا
من مساعي معشرٍ في محنِ
ويقول محمّد مهدي البصير في المقام نفسه من الخيبة والخذلان :
كافحتُ أعدائــي ولستُ بواثق
أنّ النجــاح مــقدّرٌ لــكفـاحـــي
لكنّمــا وطنــــي دعــا فـأجبتُـه
وأبيتُ للباغين خفضَ جنـاحـي
ولئـن رجعتُ بغيــر ما أمّلتـُـه
ونزعتُ من يد قاهريّ سلاحي
فلقد أفدتُ من المصائب خبرةً
ستكون عند العود سرَّ نجاحـي
لكنّ البصير، من بعد، لم يرجع إلى ميدان السياسة؛ فقد طوى صفحته يائساً منه، واتّجه نحو العلم!
وينطفئ، في النفوس، أمل ٌ، وتشيع خيبةٌ، وينتشر أسى ؛ إذ لم تبلغ الثورة تمامها، ولم تُنجز ما أُريدَ منها يوم قامت ؛ لكنْ سكنت وألقت سلاحها، وانبثق عنها حكمٌ شائهٌ، مهزوزُ الأركان؛ يسعى في رضا الإنكليز، وأعوانهم، قبل سعيه في رضا سواد الشعب! يقول البصير في سياق الأمل المنطفئ :
بكيتُ لِمَا انتاب البلادَ فراعها
من الثُكل لمّا فات أحرارَها النصرُ
أما كنتَ تدري أنّ ذلك واقـعٌ
إذا فشلت فــي قومـك الوثبةُ البـكـرُ
غير أنّ الثورة الكبرى، وهي تُخفق وتسقط دون أهدافها، أوقدت في الضمائر شعلةً لن تخبو، وأشاعت روحاً وطنيّاً انتظم البلاد كلّها، وظلّت ملاذاً يلتجئ إليه أبناؤها، وأبناء أبنائها كلّما مسّهم ضيم!
وقف الجواهري في سنة 1946 يُؤبّن جعفر أبو التمن في أربعينيّته، وأبو التمن من زعماء الثورة الذين بقوا على نهجها في الصدق والثبات والشعور الوطنيّ؛ فقال مستعيداً التاريخ بأوجاعه، وبما آلت الحوادث إليه :
قسماً بيومك والفراتِ الجاري
والثـورةِ الحمـراءِ والثـوّارِ
قسماً بتلك العاطفـاتِ ولم تكن
لـي قبلها مــن حِلفـةٍ بالنـارِ
إنّ الذين عهِدتَهم حطبَ الوغى
لولاهـم لم تشــتعل بـأُوارِ
واللاقحيــن نتاجَــها بأعزّ مــا
ملكت يمينٌ من حمى وذمارِ
والداهناتِ دماؤهم لِممَ الثرى
والمؤنساتِ شواطئَ الأنـهارِ
والناحرين من الضحايا خيرَ ما
حملت بطونُ حرائرٍ أطهارِ
ما إن تزال حقوقُهم كذويهم
في القفر سارحـةً مع الأبقارِ
وأعزّ ما تبغي الحلائلُ منهم
أن تُستر العوراتُ بالأطمـارِ
والقصيدة كلّها صريحة في بيان مآل الثورة الكبرى، ومآل من نهض بها ؛ فلقد طُفّف لهم الكيل، ونُحّوا عن صدارة المجلس؛ يقول :
خمسٌ وعشرون انقضت وكأنّها
بشخوصها خبرٌ من الأخبارِ
مــن كان يحسبُ أن يُمدّ بعمـره
حكمٌ أُقيم علـى أساسٍ هاري
ومن أجل هذا كانت ذكرى الثورة تُقض مضاجع رجال العهد الملكي؛ إذ يرون فيها صورة الشعب الثائر، ومجلى الروح الوطنيّ! وظلّت تؤذي مسامع كلّ مستبدّ طاغية؛ فلا غرو أن يُعيد نفرٌ قراءتها بما ينزع منها الروح الوطنيّ الحر!
إنّ الثورة العراقيّة الكبرى، وقد مرّت مائة سنة على قيامها، لهي مفخرة من أجلى مفاخر البلد؛ أشاعت روحاً وطنيّاً ينتظم البلاد كلّها، وجعلت " العراقيّة " تتقدّم على ما سواها، وطمحت إلى إقامة حكم مستقل لا يد لأجنبيّ فيه ...!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذ النقد العربي - جامعة بغداد
********
ثورة العشرين بعد مائة سنة
د. سعيد عدنان *
في اليوم الحادي عشر من آذار سنة 1917 رأى أهلُ بغداد عَلَماً يُنزَل من ساريته، ورأوا آخر يُرفع؛ وشهدوا جيشاً يدخل المدينة، وآخر يخرج منها؛ وكلا العَلَمين، والجيشين غريب ، دخيل! كان العَلَمُ الذي أُنزل شديدةَ الوطأة على الناس؛ أقام فيهم دهراً فأشاع الخوف والجهل والفقر، ورمى البلد في هاوية مظلمة؛ فما عسى أن يكون شأنُ العَلَم الجديد ؟!
لقد دخل العَلَمُ الجديد إلى المدينة محفوفاً بدعوى التحرير؛ على نهج الغُزاة في تسويغ أفعالهم؛ فصدّق ناس أثقلهم جورُ العَلَمِ القديم، ورجوا أن تُزاح عن البلد أوزار الاستبداد والفقر والجهل، وأن يستردّ سيادة أضاعها عليه العثمانيّون !
كانت بغداد قد بعد عهدُها بسيادة الراية العربيّة؛ فقد طويت صفحةُ مجدها منذ قرون ، وأسلمتْ قيادها لقُوى غريبة عنها ؛ لكنّها اليوم، إذ مضى عهد وأقبل عهد، شرعت تتحفّز، وتستعيد ذكرى عزّها ناظرةً بعين الريبة إلى ما يعِدُ به الغازي الجديد!
وإذا كان العَلَمُ القديم قد نُشر بعنوان الإسلام، فإنّ العَلَم الجديد جهير في إعلانه الغزو؛ لا يستره إلّا غشاء رقيق من دعاوة التحرير، ما أسرع ما انهتك!
وحين دخل الغازي البصرة في سنة 1914، وكان محارباً شرساً سلاحه المدفع ، والذهب الأصفر؛ اندفع أهل العراق يصدّونه بما ملكت أيديهم، ويسعون في منع بلادهم منه؛ وإذ انكسروا في الشُعيبة، وخُذلتْ طليعتُهم ، أخذ الغزاة يتقدّمون نحو بغداد؛ لكنّهم لم يبلغوها إلّا بعد ثلاث سنوات من القتال المرّ!
كان الشعب قد استفاق، وأدرك، بنحو ما، ما يريد، واتضح له حقُّه في كيان مستقل على أرضه؛ ولسان حاله يقول : لئن دخل الغازي اليوم فلا بدّ له من أن يخرج غداً! وقد شرع قادة الرأي فيه ينشرون أفكارهم الجديدة ، ويدعون إلى قيام حكومة عراقيّة مستقلّة، وينتظرون وعد الإنكليز!
لكنّ الإنكليز يُخلفون وعدهم، وينشرون جنودهم وأعوانهم في البلاد، ويُظهرون للناس وجهاً قبيحاً؛ وكلّما عتوا زاد وعي الناس بما هم فيه، واشتد تطلّعهم لإرساء كيان عراقيّ يحفظ وحدة البلد، ويصون كرامة أهله!
وتقوم ، في النجف في سنة 1918، ثورةٌ يُقتل فيها الحاكم الأجنبيّ، وتُعلن المدينة عصيانَها، ويُعرب الناس عن سخطهم على المحتلّ وجيشه؛ لكنّ الثورة تُخفق، ويذهب القائمون بها بددا؛ فتُخمدُ الأصوات، ويُقمع الثائرون، وتُنصب لهم المشانق، ويسود خوف، ولكنْ ، تحته يقظةٌ، ويُشيع يأسٌ ، ولكنْ، بين طيّاته أملّ! ويستحيل رمادُ الثورة المقموعة شرارة خفيّة سوف تكون ممّا يُضرم نار الثورة الكبرى في 30 حزيران 1920!
كانت صغار الحوادث، وكبارها تلتقي على صعيد البلد كلّه؛ من شماله إلى جنوبه، وتمدّ أهله بروح الثورة، وكان قادة الرأي يسعون بين المدن والقرى، ويحرّضون على مناهضة المستعمر، وكان للشعراء والخطباء سيادةُ المحافل يوقدون بكلماتهم نار الثورة!
وإذا ذكر الشعر والخطابة في مقام الدعوة الموقظة فإنّ محمّد مهدي البصير في الطليعة منهما؛ أنشد الشعر، وألقى الخطب، وحرّض على الثورة من منبر جامع الحيدرخانة ببغداد ، فكان صوتها الجهير!
نشأ في تلك الأيّام جوّ تلتقي عنده المدينة بالقرية، ورجل الدين برجل السياسة؛ مدارُه ألّا يبقى البلد رهينةَ المستعمر الغازي، وأنّ السبل كلّها مشرعة لإتمام طرده ! على أنّ ذلك لا ينفي وجود أصوات كان صغوها إلى الإنكليز؛ إمّا جهلاً وسوء تقدير، أو تعلّقاً بمنفعة عاجلة!
سادت البلد كلّه روحٌ واحدة، وتأهّب الناس، واستعادوا أمجادهم ، وما بقي إلّا الشرارة الأولى؛ حتّى إذا كانت واقعةُ الرميثة اندفعوا لا يلوون على شيء؛ تسندهم فتوى، وتقودهم عزيمة!
وليس قليلاً أن يواجه فلاحون لمّا يخرجوا من ظلام التاريخ ، وجور السلطة العثمانيّة ، جيشَ دولة كبيرة شديدة البأس مثل بريطانيا! لكنهم واجهوا، وثبتوا في ميدان القتال ؛ يدفعون الأذى عن كرامتهم!
دامت المعارك خمسة أشهر دامية تجلّت فيها روح العراقيين في تقحّم المصاعب، وإرخاص الأنفس في سبيل غاية سامية!
وإذا كان المقاتلون في الميدان قد بنوا أمرهم على الصدق والثبات، وأنّ لهم مقصداً واحداً؛ أن يخرج الإنكليز من البلد، وأن يتأسّس حكم وطنيّ؛ فإنّ آخرين ممّن يمسكون بخيوط الإدارة بنحو خفيّ كان لهم مسعى آخر؛ مسعى شرع يجنح بالثورة حتّى هدأت، وألقت سلاحها في 20 تشرين الثاني سنة 1920 ، من قبل أن يتمّ ما قامت من أجله، فتفرّق أنصارها، وتسلّط عليهم الإنكليز بالسجن والنفي والأذى!
وشعر الناهضون بالثورة أنّهم خُدعوا، وأنّ قوّة ما قد دفعت بهم عمّا يريدون، ونحّتهم، واختطّت درباً آخر؛ يقول محمّد حسن أبو المحاسن، وهو من شعرائها :
ثورةٌ أصبح مـــن آثارهــا
حـظــوةُ الخــائنِ والمفــتتنِ
معشرٌ في نِعمٍ قد أصبحوا
من مساعي معشرٍ في محنِ
ويقول محمّد مهدي البصير في المقام نفسه من الخيبة والخذلان :
كافحتُ أعدائــي ولستُ بواثق
أنّ النجــاح مــقدّرٌ لــكفـاحـــي
لكنّمــا وطنــــي دعــا فـأجبتُـه
وأبيتُ للباغين خفضَ جنـاحـي
ولئـن رجعتُ بغيــر ما أمّلتـُـه
ونزعتُ من يد قاهريّ سلاحي
فلقد أفدتُ من المصائب خبرةً
ستكون عند العود سرَّ نجاحـي
لكنّ البصير، من بعد، لم يرجع إلى ميدان السياسة؛ فقد طوى صفحته يائساً منه، واتّجه نحو العلم!
وينطفئ، في النفوس، أمل ٌ، وتشيع خيبةٌ، وينتشر أسى ؛ إذ لم تبلغ الثورة تمامها، ولم تُنجز ما أُريدَ منها يوم قامت ؛ لكنْ سكنت وألقت سلاحها، وانبثق عنها حكمٌ شائهٌ، مهزوزُ الأركان؛ يسعى في رضا الإنكليز، وأعوانهم، قبل سعيه في رضا سواد الشعب! يقول البصير في سياق الأمل المنطفئ :
بكيتُ لِمَا انتاب البلادَ فراعها
من الثُكل لمّا فات أحرارَها النصرُ
أما كنتَ تدري أنّ ذلك واقـعٌ
إذا فشلت فــي قومـك الوثبةُ البـكـرُ
غير أنّ الثورة الكبرى، وهي تُخفق وتسقط دون أهدافها، أوقدت في الضمائر شعلةً لن تخبو، وأشاعت روحاً وطنيّاً انتظم البلاد كلّها، وظلّت ملاذاً يلتجئ إليه أبناؤها، وأبناء أبنائها كلّما مسّهم ضيم!
وقف الجواهري في سنة 1946 يُؤبّن جعفر أبو التمن في أربعينيّته، وأبو التمن من زعماء الثورة الذين بقوا على نهجها في الصدق والثبات والشعور الوطنيّ؛ فقال مستعيداً التاريخ بأوجاعه، وبما آلت الحوادث إليه :
قسماً بيومك والفراتِ الجاري
والثـورةِ الحمـراءِ والثـوّارِ
قسماً بتلك العاطفـاتِ ولم تكن
لـي قبلها مــن حِلفـةٍ بالنـارِ
إنّ الذين عهِدتَهم حطبَ الوغى
لولاهـم لم تشــتعل بـأُوارِ
واللاقحيــن نتاجَــها بأعزّ مــا
ملكت يمينٌ من حمى وذمارِ
والداهناتِ دماؤهم لِممَ الثرى
والمؤنساتِ شواطئَ الأنـهارِ
والناحرين من الضحايا خيرَ ما
حملت بطونُ حرائرٍ أطهارِ
ما إن تزال حقوقُهم كذويهم
في القفر سارحـةً مع الأبقارِ
وأعزّ ما تبغي الحلائلُ منهم
أن تُستر العوراتُ بالأطمـارِ
والقصيدة كلّها صريحة في بيان مآل الثورة الكبرى، ومآل من نهض بها ؛ فلقد طُفّف لهم الكيل، ونُحّوا عن صدارة المجلس؛ يقول :
خمسٌ وعشرون انقضت وكأنّها
بشخوصها خبرٌ من الأخبارِ
مــن كان يحسبُ أن يُمدّ بعمـره
حكمٌ أُقيم علـى أساسٍ هاري
ومن أجل هذا كانت ذكرى الثورة تُقض مضاجع رجال العهد الملكي؛ إذ يرون فيها صورة الشعب الثائر، ومجلى الروح الوطنيّ! وظلّت تؤذي مسامع كلّ مستبدّ طاغية؛ فلا غرو أن يُعيد نفرٌ قراءتها بما ينزع منها الروح الوطنيّ الحر!
إنّ الثورة العراقيّة الكبرى، وقد مرّت مائة سنة على قيامها، لهي مفخرة من أجلى مفاخر البلد؛ أشاعت روحاً وطنيّاً ينتظم البلاد كلّها، وجعلت " العراقيّة " تتقدّم على ما سواها، وطمحت إلى إقامة حكم مستقل لا يد لأجنبيّ فيه ...!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذ النقد العربي - جامعة بغداد
************
ص11
الهوية الوطنية لثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق
أ.د. أسامة عبد الرحمن الدوري *
بعد مرور مئة عام على ثورة العشرين الوطنية التحررية التي انطلقت يوم 30 حزيران 1920، يلاحظ انها حظيت باهتمام الكثير من المؤرخين والسياسيين، فكتب عنها الكثيرون منهم ومن الباحثين، عراقيين وعرباً وأجانب. واليوم ونحن نحتفل بالذكرى المئوية الاولى لتلك الملحمة الوطنية، يتزامن احتفالنا مع ملحمةٍ جديدة يخوضها الشعب العراقي، للتخلص من كل اوجه الفساد، والأمل في بناء وطنٍ موحَّد آمن مُستقرٍ مُزدهر، وهو امل كل الشعب العراقي.
أود أن أتناول في البداية أسباب الثورة وأحداثها ونتائجها، وأسلِّط الضوء على المناطق التي ساهمت فيها، سواء كانت المشاركات عسكرية قتالية أم فكرية أم تنظيمية، فضلاً عن التركيز على أهمِّ الشخصيات التي ساهمت بشكلٍ فاعل في الثورة، سواء كانوا شخصيات عشائرية أو دينيَّة أو من الحركة الوطنية أو من الصحافة أو ضباطا عثمانيين أو أفندية. كما سأحاول من خلال المعلومات المتوافرة، بيان مشاركات العراقيين بغضِّ النظر عن اديانهم ومذاهبهم أو قومياتهم ومهما كانت طبيعة تلك المشاركات في توحيد الصف واللُحمة الوطنية.
حاولت الاعتماد على مصادر متنوعة، آملاً عدم إغفال دور أي طرف عراقي، لإيماني أننا نحتاج اليوم للتلاحم قبل فوات الأوان، وسوف لن ينفع الندم على طغيان الصراعات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، في الوقت الذي تتسابق فيه الأُمم من أجل تقدمها ورخاء شعوبها.
يقوِّم الدكتور علي الوردي، في كتابهِ (لمحات اجتماعية)، ثورة العشرين وهويتها الوطنية، بالقول: "يمكن القول على أيَّةِ حال أنَّ ثورة العشرين هي أول حدث في تاريخ العراق يشترك فيه العراقيون بمختلف فئاتهم وطبقاتهم، فقد شوهدت فيها العمامة إلى جانب الطربوش، والكشيدة إلى جانب اللفة القلعية، والعقال إلى جانب الكلاو، وكلَّهم يهتفون "يحيى الوطن".
أمَّا رأي الدكتور عباس كاظم في كتابه (ثورة 1920)، المُترجم عن الإنكليزية، وهو آخر دراسة علمية مُعمَّقة قرأتها عن ثورة العشرين، وقد صدرت عن جامعة تكساس الأمريكية، فيُشير بقولهِ: "كانت ثورة العشرين ثورةً وطنية عراقية في المقام الأول ". مؤكِّداً أنَّ كلَّ المشاركين في الثورة لم يستلموا أيَّة مساعدة أو دعم خارجي، بل اعتمدوا على الموارد الذاتية .
المؤرخ العراقي الكبير السيد عبد الرزاق الحسني (1903-1997) أفرد كتاباً كاملاً لثورة العشرين، عنونه (الثورة العراقية الكبرى)، وأشار في خاتمتهِ الى "إنَّ ثورة العشرين ...دفعت بالإنكليز إلى إعطاء العراق حكماً شبه وطني بعد تأمين مصالحهم الرئيسية فيه" .
وقال السيد حسان علي آل بازركان في مدخل الطبعة الثانية لكتاب والده، ما نصه: "الذين حاولوا أن يعزوا ثورة 1920م إلى قيام عشيرةٍ ما دون الشعب كلِّهِ، أو الذين عزوه إلى طائفةٍ ما دون سائر شعب العراق، أو إلى منطقةٍ ما دون سائر أرض العراق، ما هم إلاَّ مُفرقي الصفوف وممزقي وحدة الشعب وهم الذين حرفوا الحوادث التاريخية..." .
أمَّا الأستاذ الدكتور وميض جمال عمر نظمي، فقد أفاد : "إنَّ الثورة أسرعت وأسهمت – موضوعياً – في قيام الدولة العراقية الحديثة".
وكتب المؤرخ العراقي الكبير، الكردي الأصل، كمال مُظهر أحمد، ما يلي: "يأتي دور الكُرد في الثورة على رأس المواضيع التي يجب معالجتها، لا من حيث مدى الاشتراك الفعلي لجزءٍ مهم من أبناء الشعب العراقي في أحداث الثورة نفسها فقط، بل كذلك من منطلق دوره الواضح في العملية الثورية، التي اجتاحت مناطق مختلفة من العراق مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، أي عشيَّة الثورة " .
ولا يمكن إغفال رأي الباحث المتخصص بتاريخ العراق المعاصر، السيد محسن جبار العارضي، الذي يقول: "برهن العراقيون عامةً، ولاسيَّما الفراتيون منهم خاصة أنَّهم جنود أُمناء في سوح القتال، ولن يصبروا على ضيم، فشهروا أسلحتهم ذائدين عن كرامتهم وحرياتهم المُغتصبة في ثورةٍ عارمة، عمَّت البلاد من أقصاها إلى أقصاها على مدى (140) يوماً" .
وللمؤرخ والأكاديمي السوفيتي المعروف ل. ن. كوتلوف، رأيٌ لا يبتعد كثيراً عمَّا أسلفنا، إذ يقول: "سَرَت الثورة في البلاد سريان النار في الهشيم، وأصبحت تهدد باكتساح كافة أنحاء البلاد".
وبعد هذهِ الآراء التي تُعبِّر عن الهوية الوطنية للثورة لا بد من العودةِ للكلام عن أسباب ثورة العشرين.
أورد الباحثون والمؤرخون أسباباً كثيرة ومتنوعة لاندلاع ثورة العشرين، سنحاول هنا تثبيتها :
أنَّ أسباب الثورة تكمن في الضغط والاستغلال الاقتصادي واستنزاف جهود العاملين في ميدان الزراعة. كذلك في فتاوى العلماء الأعلام المُجاهدين في كربلاء والنجف، وفي مقدمتهم المُجاهدون مُحمَّد تقي الشيرازي والأصفهاني والخالصي.. إضافةً للفئة المثقفة في النجف. الى جانب الضغط السياسي والمُطالبة بحقِّ تقرير المصير ، واختيار الحكَّام والحكومات بحرية. وقد تأثر بهذا العامل أبناء المدن والحواضر أكثر من غيرهم.
وسبب آخر هو أنَّ العراقيين عانوا من ظلم وإرهاق الإنكليز، فبثوا شكواهم للعلماء فاتفق الطرفان على الشروع بمُقاتلة الغاصبين.
وهناك رأيٌ آخر يرى ان الثورة هي امتداد للمعارك التي كانت العشائر العراقية تخوضها ضدَّ العثمانيين بين حينٍ وآخر .
ويُضيف علي الوردي مفصلاً أسباب اندلاع ثورة العشرين، بقولهِ:
اعتياد العراقيين على الحكم السائب ايام العثمانيين مقابل صرامة تطبيق القوانين والانظمة ايام الاحتلال البريطاني، كما اصاب البلاد تضخم نقدي ايام الاحتلال البريطاني فارتفعت اسعار القمح والرز فولّد مجاعة وبالمقابل زادت الضرائب الى ثلاثة اضعاف ماكانت عليه ايام العثمانيين. واتبع الانجليز سياسة تقريب شيوخ عشائر وإهمال آخرين، فثارت الضغينة بينهم وامتعضوا من سياسة المُحتل البريطاني. كما إنَّ السياسة البريطانية التي تتوخَّى العدالة والمُساواة في الحكم القضائي، دفعت الفلاَّحين إلى أن لا ينظروا إلى شيوخهم كما كانوا في الماضي، ولهذا زاد كُره الملاَّكين للسياسة البريطانية. وهناك أخيرا رعونة بعض الحكَّام السياسيين البريطانيين ومعاونيهم وقلَّة خبرتهم، ومنهم ليجمان في الموصل ومن ثمَّ الرمادي، والنقيب ديلي في الديوانية، حيث اتَّسمت سياستهما بالتعسُّف والاستبداد والفظاظة. وفي السياق نفسهِ تجاوز الكابتن ويب معاون الضابط السياسي في ناحية عفج على الشيخ صكبان أبو جاسم، أحد أبرز شيوخ آل بدير، عندما قال له حرفياً: "إنَّ كلبي أنظف منك، لأنني أنظفه بالصابون مرتين يومياً". فخرج ابن الستين عاماً غاضباً "ألعن أبوك وأبو الإنكريز كلهم! تريد تتميجر بجعبي". ولعب دور الموجهين بإثارة حماسة الجماهير من الناحية السياسية، والتعاون بين الأفندية والمُلاَّئية، دوراً في التقارب الطائفي الذي ظهر بوضوح أيام الثورة.
وكانت الزيارة التي قام بها الشيخ مُحمَّد رضا نجل آية الله محمد تقي الشيرازي( 1256-1338 هجرية) إلى بغداد، للتعرف والإطلاع على الحركة الوطنية في بغداد والكاظمية ومطالبهم في إنهاء الاحتلال وتأسيس حكومةٍ وطنية، عاملاً مُضافاً لتأجيج الموقف ضدَّ الاحتلال البريطاني. ولا يخفى ايضا تأثير الوعود البريطانية، بيان مود "إننا جئنا محررين لا فاتحين"، وغيره مما ساهم في بلورة الرغبة بالاستقلال. كما لا يمكن إغفال ما قاله السيد علوان الياسري في تموز من عام 1920م للكابتن مان حاكم غماس: "عرضتم علينا الاستقلال ونحن لم نطلبه أبداً، ولم نحلم بهِ أبداً إلاَّ حينما وضعتموه أنتم في رؤوسنا، وفي كلِّ مرةٍ نُطالب بهِ، تسجنوننا" .
وإنَّ ما حدث في دول الجوار ولا سيَّما في سوريا ومصر والحجاز، كان له تأثيره على الحركة الوطنية العراقية المُطالبة بالاستقلال. ولا يمكن إغفال دور الضباط العراقيين في الشام وتشجيعهم لإخوانهم في العراق بالوثوب والدعاية ضدَّ الإنكليز، ومن جهةٍ أخرى استمرار الدعاية العثمانية بأنَّهم عائدون إلى العراق لمُحاربةِ عدوٍ مشترك، لا سيَّما وأنَّ هناك من العراقيين من بقي يتمنَّى عودة العثمانيين، فضلاً عن أخبار المقاومة الوطنية الإيرانية ضدَّ بريطانيا والتي تروَّج في مختلف مناطق العراق، كذلك الدعاية البلشفية ودعوتها لمُحاربة الاستعمار وحثها العرب على النهوض.
ولعبت الموصل دوراً بالغ الأهمية لكثرة الأفندية فيها وموقعها القريب من تركيا، وكانت صلات العراقيين في سوريا مع الموصل قوية جداً، ولهذا كانت الموصل ملتقى ثلاث دعايات: تركية وعربية وبلشفية. ويبدو أنَّ تلك الظروف هيأت لتعليق إعلاناتٍ مناوئة للبريطانيين، وعقدت اجتماعات وطنية، وفي الوقت نفسهِ ازدادت الغارات على خطوط المواصلات البريطانية، وهذا ما أكدته المس بيل في كتابها (تاريخ العراق القريب).
ويُثير الوردي نقطةً في غاية الأهمية، وهي أنَّ آرنولد ويلسون، الحاكم الملكي العام في العراق وكالةً، وابن الـ(35) عاماً، كان على علاقةٍ سلبية مع آية الله الشيخ الشيرازي، وكان ويلسون يذمه في تقاريرهِ إلى حكومتهِ، لأنَّ الشيخ الشيرازي لم يترك له مجالاً في تأييد السياسة البريطانية.
وفي بغداد، حيث نشأت الحركة الوطنية التي تولاَّها المعارضون للحكم البريطاني، رُفع شعار "الاستقلال"، وتأسَّس حزبان سريان، اولهما "حرس الاستقلال" الذي ظهر في شهر شباط من عام 1919، والثاني نشأ بنفس الوقت، وهو فرع من حزب العهد. وكان للمدرسة الأهلية في بغداد، ومديرها علي البازركان، دورٌ في تأجيج روح الشباب والمثقفين الوطنية، حيث كانت مكاناً لعقد الاجتماعات كلَّ يومي اثنين وخميس، وتُلقى فيها القصائد والخُطب الوطنية التي تحث على العلم وحب الوطن. وبدأت تجري اتصالاتٍ بين بغداد ومدن الفرات الأوسط بوساطة السيد هادي زوين، ورافق تلك النشاطات في بغداد نشوء حركة وطنية في كربلاء إثر استفتاء ويلسون، كان قطبها الميرزا مُحمَّد رضا ابن آية الله الشيرازي، والذي أيده والده، فأسَّس جمعيةً سرية باسم "الجمعية الإسلامية". وتزامن مع هذهِ التطورات الفكرية والسياسية في بغداد إعلان الانتداب البريطاني على العراق في 25 نيسان1920.
ومن الجدير ذكره أنَّه جرت أحداث ومواجهات عسكرية في دير الزور وتلعفر ضدَّ الإنكليز وصولاً إلى الموصل خلال شهري مايس وحزيران من عام 1920، كانت أخبارها المُبالغ بها تُثير الحماسة في وسط العراق وجنوبه.
وفي بغداد جرت أحداث خلال شهر رمضان 1920، وأهمها اشتداد التقارب الشيعي السُنِّي، واستثمار مناسبة شهر رمضان للقيام بالمولد النبوي ومجلس التعزية الحُسينية، كما أُقيمت حفلات في جامع الميدان وأخرى في جامع الحيدرخانة وثالثة في جامع الشيخ صندل، وكان يحضرها أكثر من عشرة آلاف شخص. وتضمَّنت إحدى القصائد التأكيد على وحدة المسلمين وعلى استقلال العراق، فاعتقل شاعرها عيسى عبد القادر الريزلي. والحقيقة ان الشعر لعب دوراً مهماً في تأجيج الروح الوطنية والدعوة للاستقلال.
لم يقتصر الوعي الوطني على التقارب الشيعي السُنِّي في بغداد، وتوحيد جهودهما لمواجهة المُحتل البريطاني، فقد شَهِدت بغداد وحسب التقارير البريطانية توحيد قوى المسلمين والمسيحيين. ففي مناسبةٍ دينية مسيحية، كما يُشير تقرير الاستخبارات البريطانية، تجمع وفد إسلامي ضمَّ أبو التمن والداوود والبازركان وغيرهم من المتنورين الشيعة والسُنَّة ورموا الورود والماء المُعطَّر على موكب المسيحيين، وهتفوا: "عاش مجد سيدنا المسيح.. عاشت الوحدة الوطنية"، وأجاب المسيحيون: "عاش أخواننا المُحمَّديون، عاش العرب"، وجرى كلَّ ذلك بداية شهر حزيران من عام 1920.
ولن أستطيع طي صفحة النشاط الوطني في بغداد دون أن أقف بكلِّ وقارٍ وخشوع امام قصيدة الشاعر العراقي الكبير مُحمَّد مهدي البصير، التي تهز الوجدان الوطني، وهو أحد أبرز شعراء ثورة العشرين، حين قال:
يا عِلمُ عش وأعش فعصرك راقِ وأعِد شموس الشرق للإشراقِ
ولم يقتصر نشاط الحركة الوطنية على بغداد، بل تزامن معها نشاط وطني كبير في كربلاء والنجف والحلَّة، والتي ركزت مطالباتها على حقوق العراقيين المشروعة بالطُرق السلمية، وأدت إلى اعتقال الميرزا مُحمَّد رضا الشيرازي أواخر شهر حزيران. ويرى علي الوردي أمر اعتقاله وأصحابه من أهمِّ عوامل اندلاع الثورة .
ويُشير الدكتور وميض عمر نظمي أيضاً إلى وجود روابط سياسية وتنظيمية بين القوميين والزعماء الدينيين والعشائريين في الفرات الأوسط وبغداد، حيث جرى أول اجتماع بين قادة الفرات الأوسط وشخصياتٍ بغدادية، فكان ممثلو الفرات الأوسط هادي زوين وشلاش، حيث عُقد الاجتماع يوم 22نيسان، وحضره السويدي والصدر والنقشبندي وآل بازركان وأبو التمن ورفعت الجادرجي والداوود والنائب والدفتري وباقر الشبيبي وبابان وصادق حبه وصادق الشهربلي، واتفقوا على تنسيق جهودهم وتشديد فعالياتهم، ثمَّ أُرسل أبو التمن إلى النجف حيث عقد اجتماعاتٍ عديدة في شهر ايار من عام 1920، وكانت تلك الاجتماعات بمثابة مسعى لعقد تحالف قومي ديني عشائري، وجرت اجتماعاتٍ عديدة في كربلاء والحلَّة والنجف والموصل، جرى التركيز خلالها على الوحدة واستقلال العراق، وحصلوا على تأييد آية الله الشيرازي .
كان السبب المباشر للثورة المسلحة هو نشوب نزاع ثانوي بسبب دينٍ قدره (800) روبية، كان على شعلان أبو الجون، وهو شيخ بارز في مدينة الرميثة، أن يسدده للحكومة، وكانت الرميثة يومئذٍ تابعة إداريا لمنطقة الديوانية التي يحكمها النقيب ديلي، أحد أبشع الضباط البريطانيين قساوةً، والذي طلب إحضار الشيخ شعلان إلى الديوانية واوقفه، فعبأ أبو الجون رجال عشيرتهِ وأخرجوه من السجن فكانت شرارة الثورة.
وتزامن مع تلك الحادثة تصاعد الموقف ضدَّ البريطانيين في كربلاء والنجف، سواء من رجال الدين أو أعيان السادة وشيوخ عشائر الفرات الأوسط .
وفي الفرات الأوسط ترشَّحت فكرة الثورة المُسلَّحة وخاصةً في مدينة المشخاب، وانتشرت دعواتهم الى المناطق الأخرى .
أصدر آية الله الشيرازي فتوىً تُجيز الثورة المُسلَّحة، سُمِّيت "الفتوى الدفاعية"، ونصها: "مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم من ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطاليبهم".
ويُشير السيد مُحمَّد الخالصي في مذكراتهِ، إلى أنَّ آية الله الشيرازي كان يأمر "بإرسال ثلاثين إلى أربعين وزنة من التمر ومثلها خبزاً، وهذا غاية ما كان يمكن إرساله إلى جبهات القتال، فيُصيب كلَّ مقاتل كسرة خبز وكفٍّ من التمر، فيطوي عليها ليله ونهاره وهو صابرٌ مُحتسب" .ومن هنا يمكن فهم الدوافع الحقيقية للثورة.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الثورة أُعلنت في المشخاب بعد أن قرر الزعماء في مضيف الشيخ عبد الواحد الحاج سِكر يوم 11تموز، ثمَّ بدأ حصار أبو صخير يوم 13تموز، وبدأت الثورة في مدينة الشامية، وأخفق مؤتمر الكوفة في عقد هدنة يوم 17تموز، ولهذا انتشرت الثورة في الفرات الأوسط.
يمكن اعتبار (معركة الرارنجية) نقطة تحول في ثورة العشرين وأعظم معاركها، فقد حلَّت كارثة بالقوات البريطانية وغنمت العشائر غنائم كثيرة. وجرت ثورة في شرقي الديوانية "شط الدغَّارة"، ثمَّ انضمت عشائر عفج والأكرع للثورة وجرت معارك القطار التي أربكت القوات البريطانية، فلم تستطع القوات البريطانية المُنسحبة من الديوانية الوصول إلى الحلَّة إلاَّ بعد أحد عشر يوماً، علماً أنَّ المسافة كانت (85) كيلو متراً. وهذا يؤشر حجم المواجهة والمقاومة وبسالة المقاتلين، ولكن تعرض المقاتلون لنكسةٍ أثناء الهجوم على الحلَّة ما إدى إلى تراجعهم وتقديم تضحياتٍ كثيرة. ومن جانبها واصلت عشائر بني حجيم القتال ضمن محور السماوة والخضر، وجرت معارك الخضر والبواخر والمحطَّة. ولا يخفى دور عددٍ من الضباط العراقيين الذين التحقوا بالثوار، ومنهم: حسين علوان الدوري وشاكر القره غولي ومحمود رامز وإسماعيل حقي وفؤاد المدفعي وسامي النقشلي، في تقديم أبرز فنون القتال والمهارات العسكرية، والتي أشار إليها بالتفصيل الدكتور علي الوردي ومعاصرون للثورة.
وأُعلنت الثورة في كربلاء أواخر شهر تموز (25 تموز)، وفي النجف 21 تموز، حيث انسحبت القوات البريطانية بعد إحساسها بغليان الثورة، وفي الكوفة حوصرت الحامية البريطانية وضُربت الباخرة (فاير فلاي) يوم 17 آب، فاحترقت ولم ينتهِ حصار الحامية البريطانية في الكوفة إلاَّ في 17 تشرين الأول1920.
صحيح أنَّ البحث تضمن دور السيد الشيرازي وفتواه الدفاعية، إلاَّ أنَّه وللعلم فإنَّ السيد الشيرازي ورغم كل الدعوات من العشائر ظلَّ يدعو إلى التهدئة والسلم وإخماد الفتنة، كما حاول الشيخ فتح الله الأصفهاني في النجف التوسط لإيقاف القتال، وأرسل رسائل إلى ويلسون والعشائر لإيقاف القتال. وأبدى رؤساء العشائر أخيراً رغبتهم بالسلام امتثالاً لرأي المُجتهدين ولأسبابٍ أخرى، وبيَّنوا إن كانت الحكومة ترغب بالسلم فلتُحقق المطالب التالية: منح العراق الاستقلال التام؛ إيقاف القتال في الرميثة حالاً؛ جلاء الحكَّام البريطانيين عن الفرات، والبدء بمفاوضاتٍ بين الحكومة وزعماء العراق في جوٍّ هادئ؛ وإطلاق سراح ابن الشيرازي وجميع المسجونين والمنفيين .
لا يختلف اثنان أنَّ الثورة المُسلَّحة انطلقت من مدينة الرميثة وقبلها بيومين كانت الاستعدادات تجري في المشخاب واجتماعاتٍ في كربلاء والنجف. وأبرز المعارك جرت أولها شمالي الرميثة في منطقة العارضيات، وظلَّت نيران الثورة في السماوة حتَّى 17 تشرين الأول. ثمَّ اندلعت مواجهاتٍ في أبي صخير قرب النجف، فحصار القوات البريطانية في الكوفة وقاده السيد علوان الياسري، ثمَّ توجه الشيخ عبد الواحد الحاج سِكر شيخ عشيرة الفتلة إلى بلدة الكفل ومن ثمَّ للحلَّة.
أمَّا كربلاء والنجف فقد أخلاهما البريطانيون طوعاً، وكانت خطَّة الثوار الاستيلاء على الحلَّة لتكون العشائر على أبواب بغداد، الأمر الذي احتاطت له القوات البريطانية.
وفي 21 تموز أحرز الثوار نصراً مؤزراً في معركة الرارنجية الواقعة بين الحلَّة والكِفل، كما فرضت العشائر سيطرتها على مدينة طويريج - الهندية (الواقعة بين الحلَّة وكربلاء). وبعد أكثر من شهر ونصف امتدت الثورة إلى مناطق الفرات الأعلى، بعد مقتل ليجمان على يدِ رجال قبيلة زوبع، ولكنها لم تنتشر لكلِّ لواء الدليم لوقوف بعض الشيوخ ضدَّ توسعها.
وفي الفرات الأسفل (الناصرية) انتشرت الثورة بين عشائر المنتفك، وهي إضافة للناصرية، سوق الشيوخ والشطرة وقلعة سِكر، إذ قطع السكَّان خطوط التلغراف، ولكن وقف بعض الشيوخ أيضاً ضدَّ توسعها.
امتدت الثورة إلى ديالى في الأسبوع الأول من شهر آب، وقطعت عشائر العزَّة خطوط السكك الحديدية بين بغداد والمناطق الشرقية من البلاد، وشَهِدت مناطق الخالص (ديلتاوه) ثورةً مُشابهة، وساهم السيد مُحمَّد الصدر والشيخ المُجتهد مهدي الخالصي مع أهالي ديالى في مواجهة البريطانيين، ثمَّ هاجمت عشائر بني تميم المقدادية (شهربان) وأصبحت تحت سيطرة الثوار، وامتدت الثورة إلى مناطق كركوك وأربيل .
ويذهب كوتلوف إلى أعمق وأبعد مما أورده عدد من المؤرخين السابقين، فيُفسِّر ويُعلِّل بمنطقٍ علمي تاريخي، ويُشير صراحةً الى أنَّ المُحتل البريطاني أفشل قيام حركة مُسلَّحة في بغداد، ولهذا بدأ الوطنيون بمن فيهم قادة حرس الاستقلال يغادرون بغداد إلى مناطق الثورة، فقد توجه السيد مُحمَّد الصدر رئيس جمعية حرس الاستقلال إلى ديالى، والتحق يوسف السويدي باليوسفية جنوب غرب بغداد، وتسلَّل جعفر أبو التمن وعلي البازركان إلى الفرات الأوسط.
وفي ديالى ظهرت المقاومة المُسلَّحة في بعقوبة بقيادة الشيخ حبيب الخيزران شيخ قبيلة العزَّة، وباشر بنسف السكَّة الحديد بين بغداد وبعقوبة وخانقين، ثمَّ سقطت مدن ديلتاوه وشهربان وبعقوبة بأيدي الثوار.
وساهمت القبائل الكردية بفعاليةٍ في الثورة، ففي 14 آب ثارت القبائل الكردية قرب (قزلرباط)، ثمَّ زحفت باتجاه خانقين ثمَّ كفري ومنطقة النفط خانة.
وامتدت الثورة إلى غربي العراق، ففي 12 آب قُتل ليجمان من قبل ابن الشيخ ضاري شيخ زوبع، ونُسف خط سكَّة الحديد بين بغداد والفلوجة.
وعاود الثوار الأكراد نشاطهم في المناطق الجبلية، وتمركز الأنصار في زاخو والسليمانية، وفي أربيل لم يجرأ الضابط السياسي البريطاني على الظهور في شوارع المدينة إلاَّ بحراسةِ عددٍ كبير من الجنود، وفي شهر أيلول سيطر الثوار على عددٍ من القرى في المنطقة الواقعة بين راوندوز وكفري.
ويُشير كوتلوف إلى أنَّه رغم تراجع المقاومة والثورة، ولأسبابٍ عديدة في الوسط والجنوب، إلاَّ أنَّ عمليات الأنصار استمرت في مختلف المناطق الشمالية حتَّى شهر آذار1921، فقد أصبح الطريق بين الموصل وزاخو غير آمن بسبب هجمات الفصائل الصغيرة للأنصار، واستمرت الاشتباكات في أربيل حتَّى منتصف كانون الأول من عام 1921، كما سيطر الثوار على ممر سبيلك(بين سهل حرير ومضيق كلي علي بيك) وراوندوز.
وانبرى المؤرخ الكبير كمال مُظهر أحمد ليدافع عن دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية، بعد أن حاول البعض طمس أو تسطيح ذلك الدور، ناسين أنَّ الباحثين الغربيين يريدون ذلك لتحجيم ثورة العشرين، ، ففي بغداد تعاون حمدي بابان مع المعارضة أيام الثورة، كما اجتمع عدد من الوطنيين الكُرد مثل رفيق حلمي وفائق توفيق وآخرين من السليمانية وكركوك لإقامة نوع من الصلات مع الثوار في بغداد، وفي ديالى كانت عشائر خانقين سبَّاقةً للانخراط في صفوف الثورة وسقطت خانقين وانزلوا العلم البريطاني ورفعوا العلم العثماني، كما هاجمت القبائل الكردية في كركوك على كفري وأسّروا معاون الحاكم السياسي، كما خرجت قرى ليلان القريبة من كركوك على الإنكليز.
وفي أربيل لم تكن الأمور أحسن حالاً، فقد عبَّروا عن تأييدهم المُطلق لمطالب قادة الثورة في بغداد، وجرت منذ شهر آب أكثر من محاولةِ اغتيال لحاكم المدينة السياسي الكابتن هاي، كما حاولوا حرق دارهِ، الأمر الذي له مغزاه. كما قُطعت خطوط التلغراف بين أربيل وكويسنجق، وانفجرت الأوضاع في باتاس وراوندوز بداية شهر أيلول، كذلك في مناطق بادينان ولم تستقر الأوضاع في عقرة.
ويشار الى حقيقة مهمة حاول الكثير من مؤرخينا تجاهلها، ولكن الدكتور كمال بجرأتهِ المعهودة صرَّح بها جهاراً، وهي ان "هناك مشكلة أنَّ عدداً من زعماء العشائر في الوسط والجنوب وكذلك بالمنطقة الكردية وقفوا مع قوات الاحتلال، وهذا أثر سلباً على مسار الثورة. وعلى الرغم من انتهاء الثورة إلاَّ أنَّ قضايا الوطن والاستقلال السياسي وحتَّى التحرر الاجتماعي بدأت تحل محلَّ المطالب العشيرية أو المحلية الضيقة". وأكَّد أنَّ من نتائج ثورة العشرين أنَّها رفعت من الوعي لدى العرب والكَّرد، وأسرعت بشكلٍ ملموس في عملية توحيد القوى الوطنية في صراعها ضدَّ الاستعماريين الإنكليز، ودشَّنت بوقائعها ودروسها بدايةً جديدة للنضال العربي الكردي المشترك الذي تحول إلى عنصر محرك أساس لمُجمل حركة التحرر الوطني العراقية
لقد ذكرنا في ثنايا صفحات هذه الورقة أسماء شخصياتٍ عراقية كثيرة كان لها دور مباشر ومؤثر في ثورة العشرين وكانت بينها شخصيات عشائرية ودينيَّة وسياسية ومثقفون وضباط عراقيون وكُتَّاب وشعراء وغيرهم، ومن لم يُذكر لا يعني البتة أنَّ دوره كان ضعيفاً.
وأدت الصحافة وعدد من كُتَّاب الثورة والمثقفين العراقيين والشعراء دوراً بارزاً في تعبئةِ الرأي العام العراقي، وكان لهم دور بارز في إلهاب حماسة الجماهير.
من ذلك جريدة "الاستقلال" التي صدرت في مدينة النجف والتي أصبحت تحت إدارة ثورة العشرين، وزيَّنت صدر جميع أعدادها بشعار "لا حياة بلا استقلال".
وقبل جريدة الاستقلال النجفية، أسَّس مُحمَّد باقر الشبيبي في النجف جريدة "الفرات"، التي ظهر عددها الأول في 7 آب1920، وكان هدفها "لنُعرِّف الأمة العراقية كيف تكتسب الفضيلة وتجتنب الرذيلة"، ولكنها هي الأخرى توقفت بعد صدور عددها الخامس في 15 أيلول1920.
ولا يخفى ما لجريدة "العقاب" الدمشقية من أثر في تأجيج الرأي العام العراقي وحماستهِ الدينيَّة الممزوجة بالروح الوطنية والقومية.
كذلك جرى اعتماد أسلوب توزيع المنشورات في الشوارع والأسواق أو إلصاقها على جدران الجوامع والأماكن العامة. وعلى الرغم من قصر عمر صحافة ثورة العشرين، إلاَّ أنَّها قامت بدورٍ لافت للنظر.
ولا بدَّ ايضا من الإشارة إلى دور الشعراء، وأولهم الشاعر مُحمَّد مهدي البصير الذي رصَّعت قصائده معظم ما كتب عن ثورة العشرين، وكلَّها تحث العراقيين على الثورة ضدَّ الإنكليز، خاصة منها قصيدة مشهورة مطلعها:
إن ضاق يا وطني عليَّ فضاكا
فلتَّتسع بي للأمام خُطاكا
"وأُهدي هذا البيت من الشعر لكلِّ أبناء وطني في ظلِّ الظروف التي نمر بها، عسى أن نشحذ الهِمم لإعمارهِ ورقيِّهِ".
وكانت وفاة السيد الشيرازي وعودة بيرسي كوكس ونفاد إمكانيات الثوار المادية وتزايد حجم القوات البريطانية القادمة من إيران، قد قلبت موازين القوى لصالح بريطانيا، لا سيَّما وأنَّ بيرسي كوكس على العكس من سلفه ويلسون كان مُدركاً لطبيعة الشعب العراقي وقيمه. وفي 25 تشرين الأول1920 شكَّل بيرسي كوكس بمساعدة المس غرترود بيل حكومةً عراقية برئاسة السيد عبد الرحمن النقيب، ضمَّت (21) وزيراً، لكلِّ واحدٍ منهم مستشار بريطاني، وكانت مهمة كوكس الثانية إيجاد ملك للدولة العراقية، يكون مقبولاً من العراقيين والبريطانيين، وبدأت البوصلة تميل منذ ذلك الحين لصالح فيصل بن الشريف حسين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلية الآداب - جامعة بغداد
**********