العدد 171 السنة 85 الثلاثاء 23 حزيران 2020

 

تصفح بي دي اف

 

 

 

 

ص1

على طريق الشعب ...
حول اصلاح النظام الضريبي

في ظل الأوضاع الراهنة ومعاناة البلد ظروفا مالية واقتصادية صعبة، نتيجة عوامل مختلفة متراكمة، وأخرى مستجدة لها علاقة بتفشي وباء كورونا وهبوط عائدات النفط الخام المصدّر بفعل انخفاض أسعاره دوليا وانخفاض انتاجه، يتوالى الحديث عن أهمية وضرورة إعادة النظر على نحو متكامل بالسياسية الاقتصادية والمالية المتبعة. وفِي هذا السياق يتم تناول الإصلاح الضريبي، وضرورة تعظيم هذا المورد الذي لا تزيد مساهمته في الموازنة العامة، في احسن الأحوال، على ٢ في المائة.
ومعلوم ان فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة في اقتصاد يعتمد كليا على موارد النفط امر غير شائع، وفِي الغالب تكون نسبة هذه الضرائب رمزية. فالريع يأتي عن طريق عائد خارجي بعد تصدير النفط الخام، الذي هو من الثروات الطبيعية الناضبة .
لذا فان اصلاح النظام الضريبي وتفعيله يتوجب ان يأتيا ضمن رؤية عامة واستراتيجية معللة وواضحة الأهداف، وسياسة مقرة، وإرادة للخروج من الاقتصاد الأحادي نحو تنويعه وتنويع مصادره وتفعيل قطاعاته الإنتاجية. ويفترض كذلك ان يكون الاصلاح الضريبي وسيلة مالية فاعلة لتوزيع وإعادة توزيع الدخل والثروة بصورة عادلة، ولغرض تحفيز قطاعات وانشطة اقتصادية محددة وفقا لحاجات البلد.
بمعنى آخر ان تترابط جهود اصلاح النظام الضريبي مع تلك التي تتعامل مع النفط باعتباره ثروة، وليس دخلا ومصدرا للتراكم والتكاثر المالي. أي ان توظف هذه الثروة في مجالات الاعمار والاستثمار وتقديم الخدمات وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى تحويل النفط من ثروة في باطن الأرض الى مصدر للتنمية المستدامة والحياة الرغيدة.
وفِي اطار هذا تأتي أهمية تكوين الصناديق السيادية، حتى لا تكون عائدات النفط مصادر تستغلها الحكومات لتحقيق أهدافها السياسية واجنداتها، كذلك ان تبقى هذه الثروات تحت اشراف الدولة وسياستها العامة وبعيدا عن التقلبات السياسية.
اذن فلا بد لعملية تطوير النظام الضريبي كي يؤدي وظيفته، ان تسير ضمن هذه الوجهة وبما يحول دون تحويل واردات النفط الى دخول كما هو حاصل الان. وفي جميع الأحوال، وكما اشارت تجارب دول أخرى، هناك نسبة من تلك الواردات يتوجب الا تمس، وان تكون رافعة لحاضر مزدهر وضمانة لمستقبل افضل للاجيال.
ونشير ايضا الى ان المقصود بالضرائب ليس تلك المفروضة على الرواتب فقط، بل والتي تشمل الدخول على اختلاف أنواعها، ومن ذلك الريوع وارباح المشاريع والشركات على تنوعها، كذلك العقارات وغيرها .
ويشمل اصلاح النظام الضريبي مسارات عدة، منها الإصلاح المالي والإداري، وتوفير معطيات دقيقة عن المكلفين، وجهاز كفوء مع قدر من العدالة في الجباية، وسد الثغرات فيما يتعلق بالتهرب الضريبي، تشريعا وإدارة ورقابة.
ونشير الى ان وجوب الا يشعر المواطن بان الضريبة عقوبة له او تشكل عبئا عليه، وان تكون هذه الضريبة واضحة وشفافة وتقترن بتقديم خدمات مقابلها. ولا بد للنظام الضريبي كي ينجح، من ان يستند الى رضا المواطن، ولتحقيق هذا القدر من الرضا لا مفر من تأمين العدالة ومن وجود شفافية كافية لمعرفة اوجه صرف إيرادات الضريبة.
وهناك اشكالات عدة ترافق جباية الضرائب عندنا في العراق، بما يجعل نظامها غير فعال، وفي الغالب يحصر به جمع الضرائب المفروضة على الرواتب وهي معلومة ومحددة، اما تلك التي تخضع الى التخمين فيرافقها الكثير من عدم الدقة ومن الفساد والرشى، وبسبب هذا يتضاءل مردودها.
ان تطوير النظام الضريبي لا يعني فرض ضرائب جديدة على المواطنين، مباشرة اوغير مباشرة. على العكس، يعني ان يكون هناك توسيع لمساحة الإعفاءات للكادحين وذوي الدخل المحدود، واعتماد الضريبة المتصاعدة على الدخل، وان يأتي ذلك في سياق اصلاح شامل ونظام حوكمة فاعل وبناء دولة المؤسسات والقانون، بما يجعله وسيلة لتحقيق العدالة، وللاستثمار الأفضل لموارد الدولة وتقديم الخدمات العامة. وان يتحقق هذا فِي سياق عملية متكاملة للنهوض بالبلد واخراجه من الاقتصاد الريعي، وتقليص اعتماده الكلي على واردات النفط غير المضمونة.
**********
حزب العمال الكردستاني ينفي وجوده في العراق: تركيا تتذرع بنا لتبرير الاجتياح
تركيا تواصل غرز مخالبها في جسد العراق
وانتهاك السيادة لا يثير القوى السياسية!
بغداد – سيف زهير
تواصل القوات التركية حملاتها العسكرية الجوية والبرية داخل الاراضي العراقي، بدعوى ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وقد قامت خلال الايام الماضية بإنشاء نقاط مراقبة عديدة وقواعد عسكرية تقول انها مؤقتة، فيما نفذت قصفا عنيفا أودى بحياة العديد من المدنيين الكرد الآمنين، وعلى السيادة العراقية التي أصبح انتهاكها أمرا عاديا بالنسبة الى القوى السياسية، التي لم يثرها الأمر هذه المرة.
عمليات عدوانية شرسة

وشوهدت القوات التركية وهي تنقل معدات عسكرية متطورة، فيما قامت مدفعيتها بقصف عنيف لمنطقة ناحية دركار التابعة لقضاء زاخو، رغم خلوها من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بحسب إفادات الأهالي.
وتمركزت القوات ايضا في جبال قرى تشيشة ووادي قسروك في ناحية دركار، وقامت برفع سواتر ترابية وبناء مقرات عسكرية لها، كما تمركزت في جبل مطل على قرية كشاني على الحدود واقامت عليه نقاط اخرى للمراقبة، وعززت انتهاكاتها بقصف مدفعي لمناطق برواري بالا ونيروريكان، وشنت حملة جوية بطائرات اف 16 مستهدفة المناطق المكتظة بالمدنيين، وتسبب عدوانها الاجرامي حسب احد المصادر باستشهاد أربعة مدنيين في محافظة دهوك.
وإثر تمادي القوات التركية في عدوانها، نظم أهالي ناحية شيلادزى تظاهرة عارمة السبت الماضي، توجهت صوب احدى القواعد العسكرية التركية الموجودة في مجمع سيريى، احتجاجا على القصف المتكرر لمناطقهم. ورافق التظاهرة صدام مع القوات الأمنية وتوتر شديد. إلا إن الطائرات التركية جددت اعتداءاتها في اليوم التالي وقامت بقصف جبل متين ومناطق نهيل.

قتل المدنيين
وتهجير القرى

خلال ذلك، أكد متحدث باسم حزب العمال الكردستاني، كاوه شيخ موس، إن القصف التركي ادى منذ بدء عملية مخلب النمر قبل اسبوع إلى استشهاد ٦ عراقيين وتهجير ١٠ قرى حدودية تابعة إلى إقليم كردستان، بحسب تصريح صحفي أدلى به إلى وكالة "سبوتنيك" الروسية.
وأضاف موس ان "القصف التركي أحرق حقولا للشعير والحنطة، وأضر بالبنى التحتية والمنازل، وأن أغلب المواقع التي استهدفها لم يوجد فيها مقاتلو حزب العمال الكردستاني. واستهدف القصف مخيما للاجئين من أكراد تركيا موجودون في قضاء مخمور منذ أكثر من ٢٧ سنة"، لافتا الى ان "الطيران التركي استهدف المدنيين، والقرى الجبلية، ما أسفر عن مقتل ٣ مواطنين في منطقة شيلادزي، وأثنين في منطقة متينة، وآخر في منطقة برادوست".

"حزب العمال": لا نتواجد داخل العراق

وقال موس، إن "مقاتلي حزب العمال الكردستاني، يحاربون منذ ٣٥-٤٠ سنة الدولة التركية، وهم موجودون في المناطق الحدودية ولا توجد لهم مواقع في الأراضي العراقية. لكن تركيا تدعي تواجدهم لكي تتدخل في شؤون العراق كما تدخلت في ليبيا، وسوريا، وهي مؤامرة واضحة لتوسيع نفوذها في المنطقة"، مبينا أن "مقاتلي حزب العمال الكردستاني، نفذوا خلال الأيام الأخيرة، ضربات موجعة للجيش التركي، أسفرت عن مقتل أكثر من ٢٠ جنديا من الكوماندوز واحبطت عملية إنزال جوي، وتسببت في تراجع البقية في الكثير من المناطق لا سيما في (حفتانين) الحدودية".

قواعد تركية غير رسمية
داخل الإقليم !

في اثناء ذلك كشف عضو في الاتحاد الوطني الكردستاني عن عدد القواعد العسكرية التركية "غير الرسمية" في كردستان.
وقال علي ورهان، لوكالة "بغداد اليوم"، إن "لتركيا ٢١ قاعدة عسكرية غير رسمية داخل إقليم كردستان، وهي موزعة بين دهوك واربيل وفي مناطق مختلفة، وتضم مختلف الأسلحة وتصلها الإمدادات والغذاء عن طريق الجو"، مبينا أن "أكبر قاعدة تركية هي الموجودة في ناحية كاني ماسي بمحافظة دهوك، وتضم حوالي ١٥٠٠ عنصر من الجيش التركي".
واشار إلى أن "وجود هذه القواعد يستند الى اتفاق مع النظام السابق، يسمح لهم بدخول الأراضي العراقية بعمق ١٠ كيلو متر. ومع هذا فالتوغل التركي الحالي وصل إلى مئات الكيلومترات".

القوى السياسية
وهامشية السيادة!

وعلق النائب محمد البلداوي على العدوان التركي قائلا ان "الكتل السياسية لم تتفق على موقف موحد بشأن السيادة العراقية، ولم تهتم بقصف العراق أكثر من مرة على يد جهات معادية عديدة، وكان الصمت سيد الموقف".
واضاف البلداوي ان "العراق اصبح ساحة للاقتتال وتصفية الحسابات، ومن الطبيعي أن تعتدي تركيا على اراضينا، ما دام الرد المناسب غائبا ومعه القرار الوطني بضرورة حماية السيادة". واكد أن "أبرز اسباب العدوان الخارجي واستمراره هو الانقسام السياسي الداخلي بين الكتل، والولاءات الخارجية على حساب مصلحة الوطن".

خيارات المناورة

من جانبه، أوضح المحلل السياسي، احسان الشمري، إن "تركيا تعلم أن ظروف العراق الحرجة تمنعه من اتخاذ أي موقف تصعيدي، وهي تستغل ذلك، علما أن الحكومة العراقية لا تملك مساحة للمناورة من أجل خلق مسارات لحل المشكلة"، مشيرا إلى وجود مسارين، احدهما اقتصادي و "يبدو أنه خيار جيد ولكن لم يتم تفعيله".

رد عراقي خجول

وبنظر الخبير الأمني عماد علو، فان "الرد العراقي خجول بسبب غياب القرار السياسي بشأن السيادة .. اضافة للمشاكل بين حكومتي المركز والاقليم، وغياب التعاون العسكري واللوجستي والاستخباري، نظرا للنزاع على السلطة والنفوذ، وبالتالي إهمال الاعتداء التركي من جانب، والإيراني من جانب آخر".
**********
وأمامنا حصيلة ١٧ عاما
من السياسات البائسة
استضافت اللجنة المالية البرلمانية قبل يومين وزير المالية في اجتماع ناقش سبل الخروج من الازمة الاقتصادية، واستكمل مناقشة قانون الاقتراض الداخلي والخارجي.
وحَسَنً طبعا ان يتناول الحديث الإصلاحات التي ترفع الحيف عن المواطنين وتدعمهم في مثل ظروفنا الحرجة، وان يتحول ذلك من شعارات الى عمل ملموس، وان يجري الربط بين قانون الاقتراض وتقديم الحكومة مسودة قانون الإصلاح الاقتصادي والمالي، الذي غدا امرا لا مفر من.
وفيما يتحدث المنهاج الحكومي والمتخصصون والنواب عن ضرورة العناية بالمنتوج الوطني وتشجيعه وحمايته، يبدو مستغربا ان يدعو البعض الى بيع شركات عامة او خصخصتها تحت عنوان الاستثمار، في وقت يفترض فيه تأهيل تلك المؤسسات وإعادة تشغيلها، بما يدعم الإنتاج الوطني ويوفر فرص عمل للعاطلين.
فمتى يلتفت هذا البعض الى هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية، ويسعى الى معالجتها بدل اجترار الاطروحات التي لم تزكها الحياة عندنا منذ 2003 وعند غيرنا منذ سنين وعقود طويلة؟

راصد الطريق
********
وزير الصحة: مؤشرات لدخولنا مرحلة وبائية خطيرة
بغداد – طريق الشعب
أكد وزير الصحة، حسن التميمي، أمس، أن تصاعد أعداد الإصابات بفيروس كورونا في البلاد يشير إلى الدخول بمرحلة وبائية خطيرة خلال الايام القادمة.
وقال التميمي في مؤتمر صحفي، إن "وزارة الصحة تكثف الجهود من أجل استيعاب أعداد المصابين بفيروس كورونا، لكن تصاعد أعداد الإصابات بفايروس كورونا يشير إلى الدخول بمرحلة وبائية خطيرة".
واضاف أن "الوزارة تسعى لإنجاز مستشفيات سريعة سعة 400 سرير"، مبينا انه "لا وجود لعلاج مضاد لفيروس كورونا لغاية الان".
وأشار الوزير إلى أن "عدد الوفيات بالفيروس لكل مليون في العراق بلغ 27 فيما بلغ في الدول المتقدمة 250"، مبيناً أن "نسبة الشفاء في العراق بلغت 45 بالمائة والوفيات 3.5 بالمائة".
وفي ايجازها اليومي، قالت وزارة الصحة، أنه "شهدت الايام الماضية تصاعدا غير مسبوق في اعداد الاصابات مما يشير الى قرب دخول الوضع الوبائي في مرحلة الذروة للتفشي، وما تشكله من خطر كبير على المواطنين وضغط على المنظومة الصحية والتي لم تأخذ من الاهتمام الكثير خلال الحقب الماضية".
وأضافت الوزارة في بيان لها "ان مستوى التزام بعض المواطنين بالتعليمات الصحية لازال دون المستوى الذي يوازي الموقف الوبائي الخطير"، مشيرة إلى تعرض "تعرض اعداد متزايدة من ملاكاتنا الطبية والصحية والادارية الى خطر الاصابة بالمرض مع نزيف مستمر بالأرواح الطاهرة، مما يهدد تماسك واستمرارية جهود خط الصد الامامي".
وتابعت الوزارة أنه "نحيطكم علما ان دوائر الصحة في بغداد والمحافظات تعمل بالموازنات التشغيلية الاعتيادية وفق نسبة (1/12) من موازنتها السنوية بدون ان تضاف اي مبالغ اضافية بسبب عدم اقرار الموازنة العامة للدولة لحد الان".
وأوضحت أنه "تهدف خطة وزارتنا الى استيعاب الاعداد المتصاعدة من الحالات المرضية في انشاء مراكز علاجية متخصصة بعلاج مرضى الوباء من خلال دعم الفعاليات الدينية والمجتمعية ولكنها تصطدم بتحديات كبيرة منها توفر الملاكات الطبية و الصحية والادارية الكافية في ظل الضغط الشديد على المنظومة الصحية وتوقف التعيينات للأطباء والملاكات الصحية والادارية، وشحة التخصيصات المالية وغيرها بسبب عدم اقرار الموازنة".
وختمت الوزارة قائلة: يؤسفنا القول بشكل صريح ان فايروس كورنا لا يوجد له علاج او لقاح لحد الان في كافة دول العالم، و ما يتداول من اخبار عن ادوية ولقاحات انما هي تجارب علاجية ذات نتائج جزئية.
***********
ناشطون: جهات متنفذة تقف خلفها حمايةً لمصالحها وفسادها الهائل
استهداف متواصل للناشطين في الديوانية والفاعل "مجهول" !
بغداد – طريق الشعب
عادت مشاهد استهداف الناشطين بعبوات متفجرة لاصقة، إلى الواجهة من جديد، ضمن سلسلة أحداث محافظة الديوانية. المشاهد هذه اصبحت تتكرر أمام أنظار الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حفظ الأمن ومحاسبة المجرمين الذين يستهدفون ناشطي المحافظة، فيما يؤكد الكثير أن الجهات الحكومية تعرف من يمارس هذه الجرائم ومن يقف خلفها، ويوجهون أصابع الاتهام إلى المتنفذين في الدولة.
استهداف جديد

وأُعلن في الديوانية مؤخرا، عن استهداف الناشط المدني والموظف في وزارة الصحة، تحسين العبادي، بعبوة متفجرة لاصقة وضعت في سيارته اثناء عودته من الدوام. وتسبب تفجيرها بإصابات بليغة بجسد الناشط، نقل على أثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وبشأن تكرار عمليات الاستهداف هذه في المحافظة، قال الناشط المدني، مصطفى كامل، لـ” طريق الشعب"، إن "الوضع مختلف في محافظة الديوانية عن بقية المحافظات، حيث تتم عمليات الاغتيال عن طريق زرع العبوات الناسفة في السيارات. وهنالك أكثر من حادث إجرامي استهدف القوات الأمنية في الفترات السابقة، وما تعرض له أيضا الشهيد ثائر الطيب. علما أن الاستهداف الأخير للناشط تحسين العبادي، يبين بوضوح أن من ينفذ هذه العمليات هي مجاميع مدربة على الاغتيال وتنال من الشخص المستهدف وحده حتى وأن كان معه راكبين آخرين في السيارة".
وتابع كامل "المتنفذون في (اقتصاديات) الأحزاب الفاسدة يستعينون بعصابات إجرامية لاستهداف كل من يختلف معهم أو يكشف فسادهم. حيث إن عمليات الاغتيال تنفذ في أي وقت ودون أي رادع وببرودة دم تدلل على وحشية الفاسدين"، لافتا إلى أن "التحقيقات في حوادث الاغتيال السابقة لم تخرج بنتائج تذكر، ومن الواضح إن المسؤولين عن الملف الأمني أو مجريات التحقيق، يخشون الكشف عن اسماء القتلة لما يتمتعون به من نفوذ وحماية توفرها لهم الجهات السياسية التي تمولهم، إضافة إلى رغبة بعض المسؤولين بالحفاظ على مناصبهم لأطول وقت ممكن، وبالتالي يكون السكوت عن التحقيقات هو الضمانة لذلك ويكون المجرم مجهولا في التحقيقات".

حرية التعبير.. إلى أين ؟

أما الناشط والمحامي، حسن المياحي، فيوضح من جهته، إن "استهداف العبادي جاء بعد انتقاده لدوائر الصحة في المحافظة بسبب تفشي الفساد وسوء الادارة، حيث تمت عملية الاغتيال في وضح النهار عندما انفجرت العبوة اللاصقة في سيارته اثناء عودته من الدوام في حي الوحدة".
ونوه المياحي بالقول "تكرر عمليات الاغتيال يعود بالذاكرة إلى الانفلات الأمني عام ٢٠٠٦، حيث مارست القوى المتنفذة كل أشكال العنف وتكميم الافواه، والآن مجددا، تقوم هذه القوى بتصفية من يمارس حقه بالتعبير عن رأيه أو يساهم في كشف ملفات الفساد، ولا رادع للمجرمين من قبل الجهات المعنية"، مؤكدا أن "التحقيق في عمليات الاغتيال المستمرة لم يوجه الاتهام ابدا إلى المجرمين رغم معرفة الجميع بأسمائهم، كما لم تكشف التحقيقات عن قتلة الشهيد ثائر الطيب، رغم لقاء ذويه برئيس الحكومة الذي تعهد بدوره عن الكشف على الجناة الغادرين".

مناشدة القوات الأمنية

وفي المقابل، طالب المتظاهر في الديوانية، حسين الجبوري، قائد الشرطة والمسؤولين عن التحقيقات في "الإسراع بالكشف عن الجناة وتقديمهم إلى القضاء لينالوا جزائهم العادل جراء ما اقترفت ايديهم من جرائم ضد ابناء المحافظة"، موضحا ان "قائد الشرطة ليس بالغريب على المحافظة حيث سبق وأن عمل لسنوات فيها مديراً لمكافحة الارهاب وهو يعلم جيداً اسرار المحافظة والجهات التي تمارس القتل وارهاب المواطنين، خاصة وأنه معروف بمواقفة المشرفة تجاه المتظاهرين ورفضه في أكثر من مرة الاوامر الصادرة له باقتحام ساحة التظاهر وتعريض أرواح المواطنين إلى الخطر".
ودعا الجبوري، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية وقائد الشرطة الى "ضرب هؤلاء المتنفذين الذين يسرقون موارد المحافظة بدون وجه حق ويعيثون الفساد"، محذراً من "تجاهل نداءات ابناء الديوانية وتكرار عمليات الاستهداف التي تهدد السلم الأهلي والأمن المجتمعي".
************
ص2
اليوم .. وفد كردستاني آخر إلى بغداد

بغداد - طريق الشعب
قال رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، أمس، إن حكومته مستعدة لحل جميع المشاكل مع بغداد بشكل جذري مقابل تأمين حقوق ومستحقات الاقليم الدستورية. وذكر بيان عن رئاسة الحكومة في الاقليم، أنه أشرف رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، على "اجتماع خاص بشأن المباحثات مع الحكومة الاتحادية، بمشاركة نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، وذلك عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بنظام (الفيديو كونفرانس)". وأضاف أنه "شارك في الاجتماع أعضاء الوفد المفاوض، حيث جرى "التباحث بشأن آخر نتائج المحادثات وسبل حسم المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية بموجب الدستور، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن تأمين الحقوق والمستحقات الدستورية لإقليم كردستان". وقال بارزاني بحسب البيان، "مستعدون لحل جميع المشاكل مع بغداد بشكل جذري والإيفاء بما علينا من التزامات مقابل تأمين حقوقنا ومستحقاتنا الدستورية، والوصول إلى اتفاق شامل يرضي الطرفين ويحدد حقوق والتزامات كل منهما". وأشار إلى أن حسم المشاكل بين الجانبين يصب في مصلحة جميع المواطنين العراقيين، وهو عامل مهم لاستتباب الاستقرار في المنطقة. وتقرر في الاجتماع إرسال وفد رفيع المستوى إلى بغداد برئاسة نائب رئيس الحكومة اليوم الثلاثاء.
************
كل ثلاثاء ...
مخلب واحد
أم مخالب كثيرة ؟!

إختارت تركيا إسماً ذا دلالة رمزية هو "مخلب النمر" لعدوانها المتواصل على السيادة العراقية، وتوغلها داخل أراضي إقليم كردستان العراق بعمق غير مسبوق حسب مصادر عديدة، بعد أن مهدت له بقصف جوي ومدفعي مكثف طال قرى حدودية كثيرة وتسبب بأستشهاد المدنيين، ونزوح عائلات من القرى التي تكبدت خسائر مادية ايضا.
وكما ينشب النمر مخالبه بفريسته ويقضي عليها، يريد القادة الأتراك القول أنهم مصرون على التدخل في الأراضي العراقية وقضم ما يستطيعون منها، تنفيذاً لأطماعهم التاريخية في ولاية الموصل التي كانت تضم مناطق الموصل وكركوك وأراضٍ عراقية أخرى إبان الأحتلال العثماني، الذي إستمر أربعة قرون كاملة وجعل من العراق مرتعاً للفقر والتخلف والظلم المستمر الى الان.
كما أن هذا العدوان المتكرر منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، عقب الأتفاقية المبرمة آنذاك بين حكام تركيا ونظام صدام حسين الفاشي، لمحاربة المقاتلين العراقيين من الكرد والشيوعيين وسائر المناضلين ضد النظامين الرجعيين في البلدين، يمثل في جانب منه هوس حكام تركيا وخاصة "أردوغان" بإحياء الإمبراطورية العثمانية التي سميت في اخر أيامها " الرجل المريض" وهُزمت شر هزيمة في الحرب العالمية الأولى مع دول المحور الأخرى بقيادة ألمانيا، وجرى تقاسم ممتلكاتها بين بريطانيا وفرنسا بموجب إتفاقية "سايكس بيكو".
إن هذا الحلم الفنتازي يعد أحد الدوافع الرئيسية للسياسة العدوانية التي ينتهجها " أردوغان" في كل من العراق وسوريا وليبيا، الأمر الذي يقود تركيا صوب المجهول، ويطؤّح بكل المنجزات التي حققها الشعب التركي طيلة العقود الماضية.
إن ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني "pkk" لتبرير العدوان الآثم على العراق، والخرق المتكرر لسيادته الوطنية، لا يمكن أن تنطلي على أحد، لا سيما وإنها إقترنت بتنكر اردوغان وتراجعه عن تفاهمات أسلافه من الرؤساء الأتراك بشأن حل القضة القومية الكردية، وإصراره على الحل العسكري وعلى اتباع سياسة شوفينية مقيتة، فضلا عن القضم المتواصل للديمقراطية السياسية الناشئة في تركيا، وإحتضان "داعش" وتوظيفها لخدمة مشاريعه التوسعية الإجرامية.
لكن المخلب التركي ليس وحده المتأهب لافتراس العراق شعباً ووطناً، والتدخل في شؤونه الداخلية والخارجية. فهناك أكثر من مخلب لا يقل عنه خطورة إن لم يتجاوزه، مغلف برداء طائفي، ويهدف في نهاية المطاف الى إحياء امبراطوريته الخاصة. أما المخلب الأمريكي، فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
ولا يقتصر إنتهاك السيادة العراقية وهضم حقوق العراقيين على هذه الدول الثلاث، بل حتى الدويلات الصغيرة المحيطة به إستغلت ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، وولاء العديد من القوى السياسية والكتل المتنفذة الى الأجنبي القريب جغرافياً أو البعيد! لتعبث في الأرض العراقية وتنتهك حرمتها، وتستحوذ على جزء من ثرواتها الوطنية، التي حرم منها الشعب العراقي.
إن هذه الحالة الشاذة ستكتب لها الديمومة، ومعها تستمر التدخلات الفظة في شؤون الشعب العراقي وانتهاك أراضيه وسيادته الوطنية، إذا لم يجر تغيير جدّي في بنية السلطة السياسية، واذا لم يستبدل نهجها وفلسفتها وشخوصها الفاشلون، بمن هو قادر فعلا على إدارة الدولة بعقلانية ومهنية وكفاءة، بعيداً عن المحاصصة والفساد ونهب المال العام وإنعدام الضمير.

مرتضى عبد الحميد
**********
مطالبات بانتظام توزيعها والتجارة تتذرع بقلة التخصيصات المالية
مفردات البطاقة التموينية.. مواطنون:
شحيحة ومتعثرة ولم تسعفنا خلال الأزمة
بغداد – عبد الله لطيف
أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا، حملة طالبت الحكومة بتوزيع مفردات البطاقة التموينية بشكل كامل، بعدما كثرت شكاوى المواطنين والفقراء منهم تحديدا بشأن قلتها وعدم انتظام توزيعها منذ سنوات.
دعوات لتأمين المفردات

ولأهمية مفردات البطاقة التموينية، وارتباطها بموضوع الأمن الغذائي لدى المواطنين الذين أصبح الكثير منهم يخالفون حظر التجوال ويخرجون باحثين عن قوتهم اليومي مجبرين، أطلق مدونون وناشطون في المجتمع المدني حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا فيها الحكومة وكل الجهات المعنية بانتظام توزيع الحصة التموينية وزيادة مفرداتها.
وعلق المواطن، حسين محمود، على الموضوع قائلا: "منذ سنوات ومفردات البطاقة التموينية بدأت تتقلص إلى أن اقتصرت حاليا على أربع مواد فقط، وهي الزيت والسكر والطحين والرز، علما أن هذه المواد لا تصل كاملة ايضا، فمنها من يصل خلال الشهر ومنها يتم تأجيله إلى شهر لاحق واستمرت هذه العملية طيلة سنوات".
وأضاف محمود لـ ” طريق الشعب"، أنه "نتيجة عدم تحرك المسؤولين واهتمامهم بهذا الموضوع فأننا مضطرين كمواطنين لمزاولة عملنا بشكل يومي، لأننا لا نملك خيارً غير مواصلة العمل، أو الموت جوعا بسبب الحظر واجراءات الوقاية من فايروس كورونا"، مبيناً أنه "لا احد يمكنه مساعدتنا الآن وكل الاصدقاء يعيشون في الطريقة ذاتها".

قلة التخصيصات

من جهتها، أكدت وزارة التجارة، وقوف قلة التخصيصات المالية كعائق كبير أمام عملها وادارتها لملف البطاقة التموينية.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، محمد حنون لـ” طريق الشعب"، إنه "في ظل الازمة المالية التي تهدد حتى رواتب الموظفين كيف يمكن للوزارة أن تنظم توزيع الحصة التموينية التي تحتاج إلى مزيد من الاموال، وان قلة التخصيصات المالية لوزارة التجارة وعدم اقرار موازنة العام الحالي 2020 تقف عائقا امام اطلاق الحصة التموينية"، مشيرا إلى إن "وزارة التجارة تجري تحركات مستمرة لتأمين اموال الحصة التموينية وتوجه مخاطبات كثيرة لوزارة المالية ومجلس الوزراء".
وتابع حنون "منذ خمس سنوات، والاموال المخصصة للبطاقة التموينية تكفي لأربع مفردات فقط، يتم توزيع 6 حصص منها لا أكثر في العام الواحد، والوزارة تضغط من اجل تأمين ثمانية او تسع حصص سنوياً"، لافتاً الى ان "الاموال المرصودة للبطاقة التموينية مقدارها مليار و500 مليون دينار، ولكن الوزارة تحتاج الى ثلاث مليارات ونصف كي توزع 12 حصة سنوياً، كل واحدة منها تكون بأربع مفردات".
حديث الناطق باسم الوزارة لا يكفي لتبرير ما تعرضت له مفردات البطاقة التموينية والعمل السابق والمقصود على تقليصها واقتطاع قوت المواطنين في الوقت الذي تستمر فيه عمليات النهب الكبرى وصفقات الفساد وهدر المليارات من أموال العراقيين. فالبطاقة التموينية التي تمثل جانبا بالغ الحساسية لدى الفقراء، لم تسلم من أصحاب القرار ولم تنفع معهم كل التحذيرات بشأن الطمع فيها وخطورة الوضع عند المساس بقوت المواطنين الذين لا حول لهم امام البطالة والتهميش والحرمان. فكل ذلك كان بداية لتردي وتقليص مفردات البطاقة والتموينية، وسببا لما نحن فيه وليست فقط التخصيصات المالية القليلة حسب التأكيدات الحكومية.

لا جدوى.. الموضوع معقد !

وفي المقابل، ذكر عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، فلاح عبد الكريم راضي، إن "موضوع البطاقة التموينية معقد لأن الوزارة تعاني من عدم الاستقرار، خصوصا وأنها تشهد تغييرا للوزير بين فترة واخرى. كما أن الوزير السابق لم يمارس صلاحياته الكاملة خلال الـ 6 أشهر الأخيرة في فترة حكومة تصريف الأعمال".
وبين راضي، انه "مع تزايد حالات الاصابة بفايروس كورونا تحدثنا مع الوزير الحالي حول تأمين مفردات البطاقة التموينية من أجل الحد من ظاهرة كسر الحظر وإبقاء المواطنين في منازلهم، علما أن اللجنة جادة في مساعيها لتأمين القوت اليومي للمواطنين، والموضوع حالياً مطروح على طاولة النقاش مع رئيس الوزراء".
ووجه النائب كلامه للمسؤولين بالقول: "لا تطالبوا المواطنين بالالتزام بالحجر الصحي من دون توفير مفردات البطاقة التموينية كاملةً"، مشيرا إلى أن "الوزارات تشهد انفلاتا وفقدان السيطرة على ادارة مؤسساتها خصوصا المعنية بتقديم الخدمات إلى المواطنين، لذا فأن موضوع البطاقة التموينية صعب ويواجه تحديات كبيرة".
*******
قوى ومنظمات مدنية تدين العدوان التركي على الاراضي العراقية
بغداد – طريق الشعب
دانت قوى ومنظمات مدنية عراقية، أخيراً، العدوان التركي على الاراضي العراقية، مطالبين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم باتخاذ الاجراءات اللازمة لحفظ سيادة العراق.
وقالت هيئة المتابعة لتنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج، في بيان لها تلقت "طريق الشعب" نسخة منه، أنه "نتابع بقلق عميق ما يتعرض له عراقنا الحبيب من اعتداءات متكررة من قبل الدولتين الاقليميتين إيران وتركيا. وأننا اذ ندين التوغل التركي الغاشم في الاراضي العراقية بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقصف الايراني والتركي الوحشي للمناطق السكنية ومخيمات اللاجئين في شمال البلاد، نطالب الامم المتحدة بان تقف عند مسؤولياتها في حماية القانون الدولي والحد من الانتهاكات المستمرة لسيادة العراق وحرمة اراضيه.
وأضاف البيان: ان وهن السلطات سواء في بغداد ام في اقليم كردستان، وتورطها في الفساد، واتباع نهج المحاصصة الطائفية، وانتشار الميليشيات الحزبية وانفلات السلاح، كلها من العوامل التي ادت الى ضعف الدولة العراقية وعجزها عن حماية اراضيها وشعبها.
وفي بيان مشترك، دانت مجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني "القصف العشوائي الذي يتعرض له جبل سنجار بشكل متكرر من قبل طيران العدوان التركي، حيثُ وفي كل مرة يؤدي إلى وقوع أضرار مادية وبشرية". وأضاف البيان أن "اليوم سنجار بحاجة إلى مواقف وعمل فعلي على ارض الواقع من الحكومة المحلية وكذلك المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني، وكل من له شأن بإيقاف هذا القصف على جبل سنجار".
وختم قائلاً: هذه الأعمال الإجرامية تسبب في عرقلة عودة النازحين إلى مناطقهم، ويصبح سداً منيعاً امامهم، كما تسبب في تأخير إعادة اعمار المدينة وتنفيذ المشاريع في المنطقة.
من جانبه، استنكر اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي العدوان التركي الغاشم، وطالب الحكومة العراقية وحكومة الإقليم باتخاذ الاجراءات اللازمة لحفظ سيادة بلدنا وعدم الاكتفاء بالاستنكار والشجب، كذلك نطالب المجتمع الدولي بالعمل على وقف هذه الاعتداءات المتكررة كونها تعد خرقا لميثاق الامم المتحدة ونكوصا عن المعاهدات والمواثيق الدولية.
***********
وزارة الصناعة اختارت "عدم الرد"
هيئة النزاهة: الأموال المخصصة للمدن الصناعية صُرفت لاغراض تشغيلية
بغداد ـ نورس حسن
يبقى الفساد المستشري في جميع المؤسسات الحكومية سببا لتلكؤ أو عدم انجاز أي مشروع وطني يساهم في دعم الاقتصاد المحلي، مثل مشاريع المدن الصناعية، التي وصل بعضها الى نسب متقدمة من الانجاز، لكن بسبب سوء التخطيط والتعقيدات القانونية، فضلا عن ضعف الرقابة من قبل الجهات المانحة للأموال، وهشاشة الاجراءات القانونية ضد الفاسدين المستغلين للصلاحيات الممنوحة لهم، كل ذلك أدى إلى عدم إنجاز تلك المشاريع اسوة بغيرها.
في بيان صدر عنها أخيرا، أكدت هيئة النزاهة "حصول تلكؤ في إنجاز مشاريع المدن الصناعية المنفذة من قبل شركات وزارة الصناعة والمعادن، نتيجة تسلُّم تلك الشركات الأموال المُخصصة للمشاريع كسلفٍ وصرفها في أبوابٍ تشغيليـةٍ".
وأضافت الهيئة في البيان، أن ذلك "يؤشر سوء التخطيط في ما يخص المشاريع الاستثمارية"، موضحة انه "بحسب عددٍ من المختصين في المديرية العامة للتنمية الصناعية، قام بعض الصناعيين باستغلال إجازات التأسيس الممنوحة لهم في إدخال الكثير من المواد إلى البلاد، بسبب تهاونٍ أو تواطؤ موظفين في دائرة الجمارك في المنافذ الحدودية".
ودعت الهيئة في بيانها، الذي أرسلت نسخة منه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ولجنة النزاهة البرلمانية ومكتب وزير الصناعة والمعادن، إلى "وضع سياسة استيرادية تتناسب مع الحاجة الفعلية للسلع المستوردة، بما لا يلحق ضررا بالسلع المنتجة محليا، مع التأكيد على جودة المواصفات للبضائع المستوردة، بغية حماية المستهلك من الغش الصناعي، إضافة إلى توحيد الشروط والامتيازات الممنوحة بموجب قانوني الاستثمار الصناعي رقم 20 لسنة 1998، والاستثمار رقم 13 لسنة 2006، وتسهيل مصلحة المستثمر، بما يساهم في إيجاد صناعة عراقية منافسة".
بدوره، فضل المتحدث باسم وزارة الصناعة والمعادن، مرتضى الصافي، عدم الرد على تساؤل "طريق الشعب" عن موقف الوزارة مما جاء في بيان هيئة النزاهة حول التلكؤ الحاصل في انجاز المدن الصناعية من قبل شركات الوزارة، وما يتعلق بصرف أموال مشاريع تلك المدن على جوانب تشغيلية.
واكتفى الصافي بالقول، ان "وزير الصناعة والمعادن منهل عزيز الخباز شدد على اعادة تنظيم الاهداف المنشودة من المدن الصناعية، ومراعاة السبل التي تساهم في تشجيع الصناعيين واستقطابهم، فضلا عن اعادة النظر في الإخفاقات القانونية الطاردة للمستثمرين".
وتابع قائلا، ان "وزارة الصناعة عملت على انجاز اربع مدن صناعية، لكن بنسب متفاوتة. ففي محافظة البصرة وصلت نسبة انجاز المدينة الصناعية الى 80 في المائة، وفي ذي قار 90 في المائة، اما في محافظة الانبار فقد وصلت إلى 35 في المائة. بينما لا تزال المدينة الصناعية في نينوى قيد الإنشاء".
وذكر الصافي ان وزير الصناعة والمعادن وجّه باستحداث مدن صناعية في محافظات اخرى كالنجف وكربلاء وبابل والديوانية، مضيفا ان الوزير وعد أيضا بـ "إعادة الصناعة الوطنية الى سابق عهدها، عبر التعاون المشترك مع القطاعات العام والخاص والمختلط".
من جهته، قال عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية، يحيى العيثاوي، ان "شروط القوانين التي تتعلق بالاستثمار وتطوير المشاريع الصناعية معقدة ويجدها اغلب المستثمرين صعبة التطبيق. لذلك ان المستثمر لا يفضل استثمار أمواله سواء في المدن الصناعية أم غيرها من المشاريع التي اطلقت من قبل وزارة الصناعة "، مضيفا في تصريح لـ "طريق الشعب"، أن "المدن الصناعية هي واحدة من آلاف المشاريع التي حاولت الحكومات المتعاقبة انجازها، لكن بسبب الفساد المهيمن على اغلب مؤسسات الحكومة، ومن ضمنها شركات وزارة الصناعة، لم يتم النهوض بالجانب الصناعي".
وتابع قائلا: "كما ان المحسوبيات الخاصة وضعف الرقابة من قبل الجهات المانحة للاموال والجهات الرادعة بموجب القانون، كل ذلك أدى الى عدم انجاز شيء من قبل الحكومات للنهوض بالواقع الصناعي بصورة عامة، وليس المدن الصناعية فحسب".
ونوه العيثاوي الى ان "مجلس النواب خاطب أكثر من مرة مجلس الوزراء في حكومة عادل عبد المهدي من اجل تسهيل الاستثمار امام القطاع الاهلي، وابعاد القطاع الحكومي عن ذلك، لما يشوبه من صفقات فساد كبيرة لم يضع لها الحد إلى الآن"، مستدركا في حديثه: "لكن مجلس الوزراء لم يستجيب لخطابات مجلس النواب، وشجع على النهوض بالقطاع الصناعي بواسطة الشركات الحكومية لا غير".
إلى ذلك، بين الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، ان "نسب الانجاز في المدن الصناعية متفاوتة"، مشيرا إلى أن "توقف استكمال انجاز تلك المدن، جاء بسبب شح التخصيصات المالية، على الرغم من بلوغ نسب الإنجاز مستويات لا بأس بها".
وتابع قوله ان "هناك مدينة صناعة في منطقة النهروان، جنوب شرقي بغداد، كانت من نصيب مستثمرة تدعى زينب الجنابي، عملت بدورها على انجاز البنى التحتية الخاصة بالمدينة، لكنها توقفت بسبب الروتين والبيروقراطية وعدم الالتزام في تجهيز الماء والكهرباء للمنطقة، ما تسبب في تأخر انجاز المدينة الى الآن"، مضيفا أن "وزارة التخطيط هي ايضا شريكة في التلكؤ الحاصل في انجاز المدن الصناعية. وهنا المشكلة تكمن في – على سبيل المثال – قيام مدير عام أو مسؤول في دائرة معينة بتسلم المشروع وإنجاز نسبة منه، وعند خروجه بسبب إحالته على التقاعد أو لإجراءات إدارية أخرى، لا يقوم المسؤول البديل باستكمال ما بدأ به سابقه، إنما يعتبر المشروع خاصا بالمسؤول السابق. وهذا ما حصل في وزارة التخطيط عندما احيلت السيدة عائدة عطوالي، مديرة أحد الأقسام في الوزارة، إلى التقاعد، واستبدلت بشخصية أخرى لم تعمل على استكمال ما وصلت إليه الأولى من نسب إنجاز في المدن الصناعية".
ولفت انطوان الى ان "وزارة الصناعة تعاني - للاسف الشديد - قلة الدعم، اضافة الى فقدانها الكثير من عناصرها الكفوءة ممن احيلوا على التقاعد، ما جعلها تعاني ضعفا في جوانب عديدة".
**********
ص3
حقوق الإنسان توجه نداءً عاجلاً لإعادة 94 ألف
عائلة نازحة

بغداد – طريق الشعب
وجهت مفوضية حقوق الإنسان، أمس، نداءً عاجلاً إلى الحكومة العراقية، بشأن عودة أكثر من 94 ألف عائلة نازحة إلى مناطق سكناها.
وقال عضو المفوضية، فاضل الغراوي، في بيان إن "94640 عائلة نازحة بانتظار التفاتة انسانية من الحكومة لإعادتهم طوعا الى مناطقهم".
وأضاف، أن "المفوضية تطلق نداء اغاثة انساني موجه للحكومة للتدخل الفوري لإعادة (473200 الف ) نازح الى مناطقهم بشكل طوعي".
وأوضح ان "اوضاع النازحين اصبحت مأساوية في ظل النقص الحاد في متطلبات المعيشة ونقص مواد الاغاثة واصابة عدد منهم بفايروس كورونا وتردي اوضاعهم الصحية بسبب انتشار الامراض المزمنة والجلدية واضطرار الاطفال منهم للعمل والعيش في خيم مع قساوة حرارة الصيف".
وتابع الغراوي اننا نطالب الحكومة بالتدخل الفوري لاعادة النازحين الى مناطقهم وانهاء معاناتهم الانسانية ومعالجة كل الصعوبات الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحول دون عودتهم واغلاق هذا الملف المشوب بالكم الكبير من المعاناة والمأسي".
***********
مواساة
الرفيق العزيز عبد جعفر
بمشاعر الأسى نتوجه اليكم بالمواساة الرفاقية برحيل شقيقكم الرفيق جمال جعفر، متوسمين فيكم الصبر والجلد بهذا المصاب الأليم، عزاؤنا ومواساتنا ايضا للعائلة الكريمة المناضلة.
السلوان والصبر الجميل لجميع ذوي ورفاق ومحبي الفقيد.
وللرفيق الراحل جمال جعفر عاطر الذكرى.
مكتب اعلام الخارج
• ينعى المنتدى العراقي لمنظمات حقوق الانسان وفاة الزميل الناشط المدني والحقوقي المحامي جمال جعفر، الذي وافته المنية في تركيا، بعد تدهور صحته جراء اصابته بفايروس كورونا الخبيث.
كان الفقيد من الشخصيات الوطنية والتقدمية وناشط بارز في منظمة رابطة المدربين لحقوق الانسان في العراق منذ تأسيسها بعد سقوط النظام البائد في نشر مبادئ حقوق الانسان، وشارك في لقاء برلين لجمعيات ومنظمات حقوق الانسان من الداخل والمهجر، وانتخب عضواً في لجنة تنسيق المنتدى العراقي، وكان انساناً طيباً وخلوقاً ومن الحريصين والمساهمين في الدفاع ضد الانتهاكات والتجاوزات بحق المواطنات والمواطنين في التظاهرات والاحتجاجات الشعبية من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نتقدم بهذا المصاب الجلل بخالص تعازينا ومواساتنا الى عائلته الكريمة وأهله وذويه وزملائه وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان وحسن العزاء.. ولروحه الطاهرة السلام والراحة الأبدية.
•تنعى محلية الرصافة الاولى / اساسية الشهيد سلام عادل للحزب الشيوعي العراقي رفيقها كريم خزعل (ابو مصطفى) الذي توفي اثر ازمة قلبية مفاجئة، وقد كان الرفيق مثالا للشيوعي الملتزم لصيقا بقضايا شعبه ووطنه بعد ان افنى اكثر عمره في مقارعة الانظمة الاستبدادية.
الذكر الطيب على الدوام للرفيق والصبر والسلوان لرفاقه وعائلته.
• تعزي محلية الرصافة الثالثة للحزب الشيوعي العراقي الرفيق العزيز ليث (ابو رضا) بوفاة والدته، لها الذكر العاطر دوما ولرفيقنا وعائلته الكريمة مزيدا من الصبر والسلوان.
• تعزي هيئة الشهيد فاضل البياتي في الحزب الشيوعي العراقي رفيقها باقر عبد الستار السعدي بوفاة والديه اثر مرض عضال لم يمهلهما كثيرا، الذكر الطيب للفقيدين والصبر والسلوان للعائلة الكريمة.
*********
نددوا بقرار "هينو" الكورية واعتبروه مخالفا للقانون
عمال "بسماية" يتظاهرون
بعد تسريح المئات منهم من العمل
بغداد – طريق الشعب
أثار القرار الذي اتخذته شركة (هينو) الكورية، مؤخرا، بتسريح 1800 عامل من مشروع بسماية، غضبا بين العمال الذين اعتبروا القرار مخالفا للقانون وتعسفيا، وفيما كشف بعضهم عن تفاصيل المخالفات القانونية وسرقات لمبالغ مالية من رواتب الذين تم تسريحهم، كشف نقابي بارز عن التفاصيل القانونية التي تدين هذا القرار، وتضمن بموجبها إعادة العمال إلى عملهم والحصول على كافة حقوقهم.
قرار مفاجئ

ونظم العاملون في شركة (هينو) وقفة احتجاجية امام البوابة الرئيسة لمدينة بسماية تنديدا بقرار تسريحهم من العمل واعطائهم جزءا من مستحقاتهم. كما اعتبروا القرار تعسفيا أثناء الوقفة التي شهدت حضورا للعديد من الناشطين النقابيين.
وأكد أحمد موسى، وهو أحد المتضررين من قرار التسريح "إبلاغ العمال بانتهاء عقودهم مع الشركة بشكل مخالف للتوقيت المحدد وبتفضيل واضح للعمال الأجانب عليهم".
وأفاد موسى لـ ”طريق الشعب"، بأنه "بعد التواصل مع النقابات العمالية، علمت أن قانون العمل العراقي يفرض أن تكون نسبة العمال الاجانب 25 في المائة وللعراقيين 75 في المائة، فكيف تمكنت الشركة من ابقاء 9 آلاف عامل أجنبي على حساب العمال المحليين؟"، منوها إلى إن "الشركة الكورية لم تكشف اسباب التسريح من العمل، ولم تهيئ لهذه الخطوة، وقطعت مصدر رزق 1800 عائلة دون أي تبرير، مقابل غياب تام للحكومة".


مسؤولية هيئة الاستثمار

من جانبه، وجه العامل في مشروع بسماية، احمد شاكر، أصابع الاتهام إلى هيئة الاستثمار بشأن أمر التسريح وما رافقه من اشكالات.
وقال شاكر لـ "طريق الشعب"، إن "هيئة الاستثمار هي من طلبت من الشركة الكورية إيقاف العمل في المشروع وتسريح العاملين فيه. وقامت الشركة بتسريح الجزء الاول من العمال في الشهر الرابع واعطتهم أقل من مستحقاتهم، أما نحن فقد كنا في الجزء الثاني، وتوقفنا عن العمل في شهر آذار واستلمنا آخر راتب في شهر نيسان، بعد أن أبلغونا في الشهر نفسه عبر البريد الالكتروني بقرار إنهاء العقود".
وأضاف العامل "الشركة اخطأت عندما ذكرت في رسالتها إن عقدي ينتهي في 15 أيار، علما أن موعد انتهائه الصحيح هو في الأول من آب، كما أن الراتب الأخير الذي استلمته مع مكافئة نهاية الخدمة وبالإضافة إلى رصيد الاجازات بلغ 750 ألف دينار فقط، بينما راتبي المعتاد لوحده يبلغ 880 ألف دينار"، في إشارة منه إلى سرقة حقوقه وبقية العمال المسرحين.
وتابع العامل شاكر، إن "هيئة الاستثمار فكرت في اقصائنا نحن ابناء البلد بينما لم تفكر في ترحيل العمال البنغلادش، البالغ عددهم 9 الالف عامل، وبقي الكثير بلا عمل منذ شهرين، وبضمنهم أنا وأثنان من أخوتي أصبحنا غير قادرين على توفير أبسط متطلبات المعيشة".

قرار غير قانوني

وفي المقابل، قال العضو التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، عدنان الصفار، لـ"طريق الشعب"، إن "تسريح 1800 عامل من مشروع بسماية لم يكن قرارً قانونيا وهو ينافي نصوص قانون العمل العراقي، لذا يجب مواجهة القرار وإعادة المسرّحين إلى عملهم واعطائهم حقوقهم كاملة".
ولفت الصفار، إلى إنه "لا يمكن تسريح أي عامل دون موافقة القضاء أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وبالتالي فان قرار التسريح غير قانوني"، مردفا "بحسب المعلومات المتوفرة لدينا فأن الشركة مستمرة في عملها، وإن قررت انهاءه، فيجب عليها أن توضح ذلك للقضاء والوزارة والنقابات بموجب ما ينص عليه قانون العمل".
وأشار النقابي، إلى إن "الظرف الذي يمر به البلد يستدعي حماية العاملين وضمان حقوقهم ومصالحهم. ويجب على الشركات أن تتخذ اجراءات افضل لتعزيز حقوق العاملين، لا العكس"، موضحاً إن "هيئة الاستثمار لم تسرح أي أحد، لأنها لا تملك صلاحيات التوظيف، فهي تبرم عقود الاستثمار مع الشركات حول مشاريع معينة، والشركة هي المسؤولة عن توظيف العمال"، فيما أكد أن "فريقاً تفتيشيا من وزارة العمل توجه إلى مشروع بسماية السكني برئاسة معاون مدير عام دائرة العمل والتدريب المهني، محمد هبسي، ومدير قسم التفتيش، عباس فاضل، للنظر في شكاوى العمال العراقيين الذين تم تسريحهم من العمل، ولكن الشركة الكورية رفضت مقابلة وفد الوزارة بحجة عدم وجود أي مسؤول صاحب قرار في الموقع".
وتابع الصفار "يجب إحالة الشركة الكورية إلى محكمة العمل، لأن موقفها القانوني ضعيف، وبإمكان وزارة العمل والنقابات والعاملين في الشركة، أن يرفعوا شكوى قضائية لاسترداد الحقوق".
********
الزهور الخدّاعة تحول أنهار العراق الى حدائق يابانية
زهرة النيل تعمّق جراح الفلاحين !
بغداد - طريق الشعب
للوهلة الأولى يمكن للمرء أن يُذهل بتلك الزهور الأرجوانية وأوراقها الخضراء الكبيرة الزاهية التي تطفو على سطح المياه، لكن بطول جذورها الغارقة عميقاً في نهر الفرات، تهدد "زهرة النيل" العراق، ولقبه المعروف منذ القدم باسم "بلاد الرافدين".
وتمتص كل زهرة يومياً ما بين أربعة إلى خمسة ليترات من الماء، ويمكنها أن تجفف موارد المياه في واحد من الدول الأكثر حرّاً في العالم.
ولا توفر هذه الزهرة شيئاً، من أهوار المياه المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو، إلى الأسماك والصيادين والمزارعين وحتى مياه الشرب. وفي زمن وباء كوفيد-19، والحظر التام في العراق، لم يتبق الكثير من الأيدي العاملة لمحاولة وقف انتشارها.
لذلك، يؤكد جلاب الشريفي لوكالة فرانس برس أن "الصيادين فقدوا مصادر رزقهم" في جنوب العراق الزراعي الذي يرزح تحت وطأة الجفاف المتزايد والسدود المبنية في تركيا وإيران المجاورتين.

زهرة خدّاعة

ولأن المظاهر خدّاعة، فإن "زهرة النيل" الأنيقة التي تم إدخالها إلى العراق قبل نحو 20 عاماً بعدما انتشرت في كل مكان في العالم تقريباً، تختنق تحتها كل حياة.
وهذه النبتة التي تعود أصولها إلى أميركا الجنوبية، أثرت سلباً على أنظمة بيئية عدة من نيجيريا إلى سريلانكا مروراً بكينيا وجنوب غرب فرنسا أيضاً.
وتشكل أوراق هذه النبتة، المدرجة منذ العام 2016 في قائمة المفوضية الأوروبية للنبات المجتاح الذي يجب السيطرة عليه، طبقة معتمة على سطح الماء، ما يقلل من كمية الأوكسيجين التي تصل إلى مختلف الأنواع التي تعيش في المياه، حتى اختفائها بالكامل.
وليست الثروة السمكية التي تتأثر فقط، ولا جفاف المياه التي تفقد أيضاً معظم مكوناتها، ولكن الزهرة تضعف أيضاً الإنشاءات المحيطة، إذ أن مئة متر مربع من "زهرة النيل" تزن أكثر من خمسة أطنان!
ففي قرية البدعة، يبدو الجسر الممتد على نهر الفرات، وكأنه بناء غريب على حقل أخضر هائل.
يقول شيخ إحدى عشائر القرية ويدعى جليل العبودي إنه "إذا استمرت زهرة النيل في النمو، فسوف ينهار الجسر وسد البدعة" ويحرمان مناطق عدة من المياه من محافظة ذي قار إلى البصرة على امتداد مئات الكيلومترات.
ومع انعدام الخدمات العامة، يرى العبودي بالفعل أسوأ سيناريو ، بين إهمال البنية التحتية وغياب السياسة البيئية في بلد دخل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.
فقطاع الزراعة أولاً الذي يشكل مصدر دخل لواحد من بين ثلاثة عراقيين، سيدفع ثمناً كبيراً، وفق العبودي. وبعد ذلك، قد تختفي مياه الشرب، خصوصاً وأن تلوث المياه في صيف العام 2018 قد سمم نحو مئة ألف شخص في محافظة البصرة.
ويشير الشيخ إلى أن "تقاعس وزارة الموارد المائية وحقيقة عدم وجود أي تجديد على الإطلاق، أدى إلى تضرر حتى في احتياطيات مياه الشرب".

حصاد متواضع

وقامت الوزارة بتنظيف قنوات الري، بحسب ما يقول صالح هادي المسؤول عن الدراسات في دائرة الزراعة بذي قار. قام موظفو الوزارة بتنظيف قنوات عدة إذ أن "زهرة النيل" تجذب الحيوانات الخطرة، كـ"الثعابين والزواحف" وليس فقط البعوض الحامل للفيروس، بحسب هادي.
لكن رد فعل الحكومة لا يرقى إلى حالة الطوارئ، بحسب ما يقول المزارع أحمد ياسر من مدينة الكوت، كبرى مدن محافظة واسط شرق بغداد.
ويؤكد ياسر أن "آثار نبتة زهرة النيل بدا واضحاً مع كل موسم زراعي صيفي، حيث هناك انخفاض في إنتاج الخضر والمحاصيل الصيفية بنسبة تزيد على الثلث" بسبب نقص الري.
خلال السنوات الأخيرة، كان المزارعون والمتطوعون المحليون يصطفون مع كل بداية ربيع على ضفاف نهر الفرات لاقتلاع جذور النبتة الطويلة التي تجعل من الأنهار العراقية تبدو وكأنها حدائق يابانية.
وهذا العام أيضاً، استجاب الناشط وعضو الجمعيات الفلاحية محمد كويش للدعوة في الكوت رغم الحظر.
يقول كويش "عملنا بتحوير القوارب لتكون ملائمة للعمل وبتكلفة 800 دولار من تبرعات الفلاحين" لإزالة الجذور، إذ أن لا معالجة كيميائية ممكنة بحسب الخبراء، لأنها قد تدمر النظام البيئي بأكمله.
لكن كويش يلفت إلى أن "هذه الحملات بدائية ولا ترتقي إلى حجم الأضرار التي يعاني منها الفلاح".
**********
تطل عليهم أربع ساعات في اليوم لا اكثر!
أهالي الزعفرانية يشكون التدهور المريع للكهرباء الوطنية
بغداد ـ طريق الشعب
مع حلول فصل الصيف من كل عام، يكرر أهالي منطقة الزعفرانية جنوبي بغداد، شكواهم من التدهور "المزمن" للتيار الكهربائي الوطني، شأن غيرهم من أهالي مناطق العاصمة الأخرى.
وجاءت معاناة أبناء الزعفرانية صيف هذا العام، أشد مما هي عليه في الأعوام السابقة، نظرا لتزامنها مع إجراءات الحظر الوقائي التي فرضت عليهم البقاء في البيوت احترازا من الإصابة بفيروس كورونا. لذلك أصبح المواطن مجبرا على تذوق مرارة أزمة الكهرباء بشكل يومي.
وذكر العديد من سكان الزعفرانية - التقت بهم "طريق الشعب" - أن فترة تجهيز الكهرباء الوطنية في المنطقة لا تتجاوز الـ 4 ساعات متفرقة في اليوم الواحد، وبقدرة (فولتية) ضعيفة لا تقوى على تشغيل حتى الإنارة البسيطة، منوهين في الوقت ذاته إلى مشكلة تأخر فرق الصيانة التابعة إلى دائرة الكهرباء، أياما عدة، في تصليح المحولات التي تغذي الأزقة، بعد تعرضها للعطب.
المواطن رعد ابو عقيل، وهو متقاعد ويسكن في المحلة 958، يشير من جانبه إلى أنه منذ (6 أيام) ومنطقته تعاني انقطاعا مستمرا في التيار الكهربائي الوطني، مبينا أنه وأبناء المنطقة قدموا أكثر من شكوى إلى دائرة الكهرباء، فأخبرتهم بأن هذا الانقطاع جاء نتيجة حصول عطب في أحد مغذيات الطاقة الرئيسة في المنطقة، وأن كوادر الصيانة تعمل على تصليحه.
ويتابع قائلا أن "مولدة الكهرباء الأهلية كانت تخفف عنا بعض المعاناة، لكنها تعطلت هي الأخرى (قبل يومين) بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ليبقى السكان بلا كهرباء، سوى من يمتلك مولدة بيت صغيرة، وهذه لا تقوى على تشغيل جهاز تبريد واحد"، مشيرا إلى حجم المعاناة التي صار يواجهها الأهالي في ظل ارتفاع درجات الحرارة واضطرارهم إلى البقاء في البيوت طيلة الوقت احترازا من الإصابة بفيروس كورونا.
وفي السياق، توضح المواطنة نادية علي، أن "الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وفرض حظر التجوال والتفكير المتواصل في إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، كل ذلك جعلنا نعاني ضغوطا نفسية شديدة، باتت أعراضها واضحة على الكثير من العائلات، خاصة فئة الأطفال".
وتضيف مازحة، أن "الكهرباء أكثر التزاما من المواطنين بتعليمات التباعد الاجتماعي. فهي صارت تنقطع عن زيارتنا أياما!".
فهد خالد، وهو من سكان المحلة 964، يقول ان الكهرباء الوطنية تستمر ساعات في محلتهم، لكنها ضعيفة جدا وغير قادرة على تشغيل إنارة منزلية بسيطة، مضيفا أن صاحب المولدة الأهلية لا يشغل مولدته في هذا الحال، على اعتبار أن الكهرباء الوطنية موجودة، بغض النظر عن ضعف قدرتها.
ويلفت خالد إلى أن "أبناء المحلة قدموا أكثر من شكوى إلى دائرة كهرباء الزعفرانية لغرض معالجة هذا الخلل، لكن الأخيرة لم تتخذ أي إجراء، ما بقيت المشكلة قائمة (حتى الآن)".
اما المواطن ماجد إبراهيم، وهو من سكان المحلة 940 ، فهو يبيّن ان جدول تجهيز الكهرباء الوطنية في محلتهم، يتضمن ساعتين (تجهيز) مقابل ساعتين (إطفاء)، مشيرا إلى أن الكهرباء خلال فترة التجهيز، تكون غير مستقرة وقدرتها ضعيفة جدا.
وبلهجته الشعبية البسيطة، يعبر إبراهيم عن معاناته ومعاناة المواطنين جراء تدهور الكهرباء، قائلا: "عمي الله يعين الناس على هذا الحال، خاصة إلي عدهم مرض وكبار بالعمر او اطفال.. الناس جزعت ما اعرف تفكر بالعيشة لو المي لو الكهرباء، لو تفكر ببلاء كورونا!".
ويطالب إبراهيم، وزارة الكهرباء بـ "تغيير الكوادر العاملة في قسم صيانة كهرباء الزعفرانية، كون غالبيتها لا تؤدي مهامها حال تلقيها شكاوى من المواطنين".
فيما يرى المواطن احمد عبد الله، ان "تردي التيار الكهربائي في الزعفرانية، أصبح واقع حال يتكرر كل عام، من دون أن تتخذ الجهات المعنية أي إجراءات جادة حياله"، موضحا أن هذه المشكلة باتت تشكل عائقا أمام عمل مهن كثيرة تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء، كالنجارة والحدادة وغيرها.
ويلفت عبد الله إلى أن تدهور الكهرباء أضاف عبئا اقتصاديا كبيرا على المواطنين الذين يعتمدون على الطاقة الكهربائية في تشغيل مصادر أرزاقهم، موضحا أن "هذه المشكلة أضيفت إليها أزمة كورونا، التي استجدت حديثا، وتسببت أيضا في قطع أرزاق الكثيرين من المواطنين، من دون التفاتة تذكر من الجانب الحكومي، الذي غيّب حتى مفردات البطاقة التموينية في هذه الظروف القاسية".
وفيما إذا كان يرغب في تقديم شكوى عبر "طريق الشعب"، يقول عبد الله أنه "لا شكوى في بلد يغيب عنه القانون. فهناك الكثيرون من المتجاوزين والفاسدين، لا يوجد من يردعهم!".
*********
ص4
العجز في المساكن والسياسة السكنية في العراق، الاسس والتحديات
(1-٢)
د. رعد موسى الجبوري
هناك فئات واسعة من العراقيين تعيش في ابشع الظروف السكنية وهذا يشمل جميع مناطق العراق، وساهمت الحروب الداخلية واعمال العنف الاجرامية الناتجة عن الارهاب والطائفية بتفاقم قساوة و شدة هذه الظروف. فيفتقر سكن الكثير من العوائل العراقية الى ابسط الخدمات، مثل المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية. وتضيف هذه الحالة انتهاكا اخرا للانتهاكات الفادحة لحقوق الانسان العراقي نتيجة ما تعرض ويتعرض له العراقيين من قمع وفقر وتشريد قسري. فالسكن اللائق يعتبر حسب التشريعات والقوانين الدولية حق من حقوق الانسان.
"على الرغم من ان الحق بالسكن اللائق يشغل حيزا واسعا ويتخذ موقعا محوريا في حقوق الانسان التي اكدتها الشرعة الدولية سواء بالإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م او العهدين الدوليين الاول والثاني 1966 م والمصادقة والمنضمة لها حكومة جمهورية العراق الا اننا لا زلنا نشهد انتهاكات جسيمة لهذا الحق مع ضبابية واضحة تحيط به." (خالد الخالدي)
بلغ العجز في عدد الوحدات السكنية في العراق حوالي 2 مليون وحدة سكنية في الوقت الذي تم فيه انجاز ما لايزيد عن 10 الاف وحدة سكنية فقط، هذا حسب معطيات ﺧﻄﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴة 2018 -2022 لوزارة التخطيط العراقية. ولكن كل المؤشرات تشير الى ان العجز في الوحدات السكنية اكبر من ذلك نتيجة معدلات النمو السكاني العالية ونتيجة الاحداث الامنية والهجرة بسبب الظروف المناخية والاقتصادية.
فحسب معطيات المصدر المذكور سابقا بلغت نسبة الفئة العمرية الاقل من 15 سنة من مجموع سكان العراق 39,5% في عام 2013 ولكنها ارتفعت الى 40،5% بعد ثلاث سنوات فقط اي في عام 2016، اما الفئة العمرية 15-24 عام فكان عددها 7,2 مليون نسمة عام 2013 وارتفع في عام 2016 الى 9,9 مليون نسمة، واضافة لازدياد اعداد السكان حدث ارتفاع في متوسط العمر المتوقع للعراقيين ايضا، كل هذه المعطيات تشير الى ان هناك حاجة متصاعدة ومستمرة لمزيد من الوحدات السكنية.
وحسب هذه البيانات فالحاجة للوحدات السكنية تختلف وتتوزع بشكل غير منتظم على مناطق العراق، فنصف سكان العراق تقريبا يتركز، حسب الاحصائيات 49،1% في خمس محافظات يبلغ مجموع مساحتها 20،9% من مساحة العراق فقط، هذه المحافظات هي:
بغداد، نينوى، البصرة، السليمانية، و ذي قار، وتبرز بغداد حيث يسكنها اكثر من 21% من سكان العراق.
كما نلاحظ زيادة لعدد سكان الحواضر في العراق على حساب سكان الريف، حيث يشكل سكان الحواضر 70% من مجموع سكان العراق وتبلغ نسبة سكان الريف 30% فقط، وجاء هذا نتيجة الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة والتي لم تتوقف منذ فترة طويلة. هذه الهجرة سببت ضغطا كبيرا على كمية المساكن المتوفرة في الحواضر، وهي اضافة لعوامل اخرى تشكل احد اهم اسبابها. يعكس عبدالله صخي في روايته "خلف السدة" هذه الحالة:
"في ذلك الصيف البعيد وصلت المجموعة الاولى من المهاجرين الذين تركوا أرياف الجنوب واهواره وقدموا الى المدينة حالمين بحياة جديدة ..." وبهذه الصورة السردية يصف عبدالله صخي هجرة اهل الريف من الجنوب الى بغداد، مؤكدا على "حلم النازحين بحياة جديدة" هذا الحلم الذي جلبوه معهم نتيجة الظلم والشروط القاسية في موطنهم الريفي، انقلب الى كابوس واحلام رعب لهم وللعراق.
وليست بغداد مركز الجذب الوحيد للحالمين بحياة جديدة، فهناك البصرة والموصل واليوم ازداد عدد هذه الحواضر الجاذبة لسكان الارياف ولم يعد الحلم بحياة افضل هو الدافع الوحيد للهجرة بل جاءت اسباب ودوافع اخرى فكثير من سكان الارياف هاجروا للحفاظ على ارواحهم وارواح اولادهم من ارهاب المسلحين من مختلف التوجهات و الطوائف المتناحرة أو نتيجة التغييرات الحاصلة على بيئتهم كازدياد ملوحة الارض او شحة المياه او القحط.
"تعاني مياه شط العرب من شدة الملوحة بسبب السياسات المائية الجائرة لدول اعالي النهرين التي أدت إلى قلة الواردات المائية في عمودي نهري دجلة والفرات وسياسة بناء السدود وتحويل مجاري الأ نهر المشتركة من قبل إيران إلى داخل الأارضي الأيرانية مما أدى إلى تدهور الوضع البيئي في محافظة البصرة وخاصة مناطق (مركز محافظة البصرة، قضاء الفاو، قضاء أبو الخصيب، ناحية البحار ومنطقة السيبة) نتيجة ارتفاع تراكيز الأملاح الصلبة الكلية الذائبة T.D.S والملوحة Salinaty الى اضعاف ماكانت عليه سابقا والشحة المائية التي أدت الى جفاف الأراضي الزراعية والبساتين (خاصة بساتين النخيل ومزارع الحناء) إضافة الى نفوق الحيوانات الداجنة التي تقتات على هذه المصادر المائية فضلا عن تدمير (35) حوضا لتربية الأسماك." (مثنى ابراهيم حيدر)
تتباين درجات التحضر بين المحافظات العراقية وبشكل كبير ففي بغداد تبلغ درجة التحضر 87،5% وتأتي بعدها السليمانية بنسبة 84،7% ثم تليها اربيل والبصرة وتأتي ادنى النسب في بابل والمثنى وصلاح الدين 43،8% ,45،4%, 45،1% على التوالي.
تأثر العراق، في العقود الاخيرة، بشدة بالحروب والنزاعات الاقليمية والداخلية ومن الاثار الكبيرة لهذه النزاعات والحروب وما رافقها من اعمال ارهابية هو الدمار الكبير الذي اصاب البنية التحتية والمساكن واسس معيشة البشر، هذا ادى الى نزوح لكتل هائلة من البشر، لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا، اما هربا او بالتهجير القسري مما سبب ضغطا اضافيا على وضع السكن والخدمات والبنى التحتية في المحافظات المضيفة. بلغ عدد العوائل النازحة 1.008.524 عائلة وكما يلي حسب المحافظات:
نينوى 470.070 عائلة، الانبار 265.806 عائلة، صلاح الدين 133.183 عائلة، ديالى 62.308 عائلة، كركوك 29.423 عائلة، بغداد 28.326 عائلة، بابل 8.427 عائلة.
العرض السابق وتحليل لقطاع الإسكان في العراق يكشف عن مجموعة واسعة من التحديات في السنوات المقبلة. العديد من هذه التحديات "تتشابك" بعضها بالبعض ألاخر، أي أنها تشكل مجموعة من العوامل المترابطة التي لايمكن معالجتها الا بطريقة ونظرة شاملة. وهنا نذكر، وبترتيب تنازلي حسب الأهمية، اهم هذه التحديات الرئيسية:
1 - الطلب الكبير على المساكن غير الملبى والذي يقيده العديد من الاختناقات المختلفة، فلم يتمكن الاقتصاد العراق، ممثلا بالقطاع العام والقطاع الخاص، من إنتاج مساكن جديدة وبكميات كافية لتلبية احتياجات السكن المتزايدة. فاشارت التقديرات إلى أن الحاجة وصلت إلى حوالي 2 مليون مسكن في المناطق الحضرية في العراق بحلول عام 2016، بمعنى اخر سيكون من الضروري انتاج 200 الف وحدة سكنية في السنة للسنوات العشر القادمة و هذا يعني حوالي وحدة سكنية كل 50 ثانية من يوم العمل. وهذا تحدي كبير للاقتصاد العراقي.
2. نقص حاد في الأراضي القابلة للبناء في المناطق الحضرية. فلا يوجد نظام إدارة للأراضي يقوم بتحويلها بشكل منهجي إلى الاستخدام السكني أو يوفر قطع الأراضي الصالحة للبناء الى مختلف شركات البناء والمطورين المحتملين.
3. شبه غياب للتمويل الإسكاني الحكومي، فهناك اليوم شحة في رأس المال الذي يمكن الحصول عليه بسهولة، كقروض لتحسين وتطوير المساكن أو كتمويل على شكل رهن عقاري طويل الأجل.
4. غياب نظام قانوني مكتمل ينظم استثمار القطاع الخاص في مجال الإسكان. فلا يمكن ان ينمو اي إقراض عقاري فعال ومنخفض التكلفة إلا عندما يمكن تحويل قيمة الأصول محل العقد إلى نقد.
5. تراكم البنية التحتية غير المنجزة في العديد من المناطق السكنية والمستويات الهابطة لخدمات البنية التحتية بسبب انعدام الصيانة اللازمة.
6. ازدياد عدد الأسر ذات الدخل المتدني والتي لا تستطيع تحمل تكاليف السكن اللائق، وانعدام البرامج الفعالة لتمكين هؤلاء الأفراد وأسرهم وجعلهم مستهلكين محتملين للسكن في منظومة السوق.
7. وضع متدهور لحالة المساكن المتوفرة نتيجة ضعف الاستثمار في صيانتها، ونتيجة لذلك، يستمر اضمحلال المخزون المتوفر من المساكن.
8. لايمتلك قطاع الإنشاءات الراسمال الكافي ويتسم بسيطرة شركات قطاع عام ذات انتاجية منخفضة. كذلك قلة عدد المستثمرين والمطورين العقاريين الذين يخدمون حاجات ذوي الدخل المنخفض والمتوسط والمناطق ذات الكثافة السكانية الواطئة.
9. عدم وجود إجراءات متبعة لتحسين أو إعادة تطوير المستوطنات العشوائية.
لذلك لابد من ايجاد منظومة حيوية ومرنة وفعالة تتمكن من إنتاج مساكن لائقة توفر الاسس للنمو المستمر للاقتصاد العراقي. ان بناء المساكن هو جزء اساسي من مخزون رأسمال البلاد، كما ويجب ان يرافق تجهيز المساكن تطوير البنية التحتية والصناعة والمرافق المجتمعية الاخرى مثل المدارس والمستشفيات.
والجدير بالذكر ان بناء المساكن هو نشاط اقتصادي عالي الإنتاجية، ويتمكن هذا النشاط اذا تم دفعه وتحريكه من امتصاص البطالة وتوفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويزيد من الدخل الوطني وفرص التوظيف بمستوى القطاعات "الإنتاجية" التقليدية الأخرى، مثل الزراعة والصناعة والخدمات. والإسكان مفيد للمجتمع ويستجيب لسد الحاجات الأساسية للمواطن العراقي. وتعتمد رفاهية الأفراد والأسر والمجموعات السكانية في العراق على النمو المطرد وتحسين المتوفر من المساكن.
ان تحديد واعتماد سياسة إسكانية من قبل الدولة، سيساعد في وضع الاطر و المعايير العامة لتطوير قطاع الإسكان في العراق. وسيعطي اتجاهات سد الحاجة وكيفية تسريع إنتاج المساكن لتلبية الطلب وتمكين النمو الاقتصادي، كما وستحدد السياسة الاسكانية الدور الأساسي الذي يجب أن يلعبه الإسكان في الدعم المستدام للسكان المنتجين والمتنقلين، وستراعي أهمية قطاع الإسكان في الاستجابة لاحتياجات جميع العراقيين، بما يتماشى مع التركيبة السكانية المتغيرة في البلاد. وعلى هذه السياسة ان تعتبر أهمية الاستثمار الحكومي العام لنمو القطاع ككل أضافة لتوفير السكن للفئات الضعيفة وذات الدخل المنخفض.
أن المقصود بالسياسة الإسكانية هي جميع التدابير والسبل التي تتخذها المؤسسات والهيئات الحكومية المعنية بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف الى التأثير على توفير السكن للمواطنين. وهي تشمل:
1- سياسة بناء المساكن و
2- سياسة ادارة مخزون المساكن.
ففي الوقت الذي تكون فيه مهمة سياسة بناء المساكن هي تأمين عملية بناء مساكن تتوافق مع أهداف السياسة الاسكانية من حيث الحجم والكمية والبنية والنوعية والكلفة، تكون مهمة سياسة ادارة مخزون المساكن هي ضمان استخدام وتوزيع وادامة وإدارة المخزون السكني الموجود حسب أهداف السياسة الاسكانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- خالد الخالدي، حق الانسان بالسكن اللائق - قانون دولي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=616246&r=0
- جمهورية العراق وزارة التخطيط، خطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، حزيران 2018
- مثنى ابراهيم حيدر، دراسة تملح مياه شط العرب الواقع والمعالجات الممكنة، أعداد قسم مراقبة المياه والتربة، شعبة المصادر المائية .
**********
القروض الخارجية والشفافية في صرفها
خليل إبراهيم العبيدي
أعلنت اللجنة المالية النيابية ان وزير المالية بدأ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض بمبلغ 5 مليار دولار، وان الاقتراض الداخلي سيكون بواقع 15 تريليون دينار لأغراض تأمين الرواتب والمصروفات التشيغيلية. وقبل الحديث عن مجمل الدين العراقي نود ان نشير إلى الغموض الحكومي بشأن مصير القروض الأجنبية السابقة والمشاريع المنجزة، وآخرها القرض البريطاني المستحصل عام 2016 والبالغ 12 مليار دولار،وهو قرض كبير لا نعرف أين استثمرت أمواله وبأي اتجاه ؟ وللتذكير على سبيل المثال، تم بموجب هذا القرض تمويل مشروع ماء النصر في محافظة ذي قار وبتكلفة 30 مليون دولار، وأثناء افتتاح المشروع انبعج اي انشق الخزان لسوء المواد ومخالفتها للمواصفات العراقية. وان توجهات هذا القرض الكبير لازالت مجهولة.
حسب تصريح ا احمد الجبوري، عضو اللجنة المالية النيابية لصحيفة الصباح، ان ديون العراق الخارجية حتى عام 2019 بلغت 125 مليار دولار، وقد اعلن البنك الدولي ان ديون العراق لنفس العام بلغت 122.9 مليار دولار. أي ان الديون فاقت قدرة العراق على التسديد او دفع الفوائد او خدمات الديون الاخرى. ولو استثنينا الديون الخليجية الساكنة، وغير المطالب بها حاليا، فان مايقارب من ال 80 مليار دولار تم الحصول عليها بعد عمليات اطفاء ديون نادي باريس. والسؤال، أين ذهبت مخرجات هذه القروض، في ضوء انعدام الشفافية الحكومية، ما هي المشاريع المنجزة والشاخصة على الأرض وفق هذه القروض، سيما وان الموازنات السنوية كانت مجزية للأعوام 2006 ولغاية 2014.، وقد بلغت ميزانية 2014 لوحدها 174،6 تريليون دينار قبل دخول داعش،ولم تتقدم الحكومة آنذاك بحساباتها الختامية.
ان العمل المالي لأي حكومة على وجه الأرض يتطلب، موازنة تخمينية دقيقة، وحسابات ختامية فعلية، كي يتم ضبط النشاط المالي والموقف من العام القادم، وقد درجت الحكومات رغم ما لحقها من شوائب منذ تأسيس الدولة عام 1921، على تنفيذ متطلبات الموازنة ومراحلها، الا في الفترة الواقعة بين 2003-- 2020.، فإذا كان مثل هذا السلوك قد لحق بالموازنات العامة السنوية، فكيف هو التصرف اذن بقرض أجنبي يتم تنفيذه بشكل هامشي بعيدا عن متابعة الجهات الرقابية الحكومية. وهنا نذكر بما تقوله السيدة ماجدة التميمي دائما من ان هناك 6000 مشروع وهمي لا وجود لها على الارض كلفت الخزينة ما يقارب ال 350 مليار دولار.
ان القروض التي يمنحها البنك الدولي او صندوق النقد الدولي هي قروض سياسية لمؤسستين دوليتين تهمين عليهما أمريكا يراد من ورائها تكبيل الشعوب وإعادة الاموال المقترضة الى المنشأ عن طريق شراء البضائع الامريكية او التعاقد مع الشركات الامريكية، أي منها واليها، ولا يهم هذه الجهات إلى أين توجه القروض او انها عرضة للسرقة والاختلاس.
ان القرض الجديد اذا ما تم التوقيع عليه يتطلب من وزارة المالية ووزارة التخطيط الإعلان على الملأ وبكل شفافية، ما هي قيمة القرض النهائية، المشروعات التي ستنفذ بموجبه، الجدوى الاقتصادية او الخدمية من هذه المشروعات وفق سلم الاولوية الوطنية، رصانة الشركات التي سيحال اليها المشروع ومدد التنفيذ، والمبلغ المخصص لكل مشروع.
ان مبدأ الشفافية مطلوب من هذه اللحظة، وعلى الحكومة والوزارات المعنية ان لا تثير الريبة والشك عند الناس بعد التجارب السابقة التي حالت دون الاستفادة من القروض، وحملت الاجيال القادمة عبئا ثقيلا. وأخيرا أود ان اذكر بأن تنفيذ القروض الداخلية يتطلب الغاء المصروفات غير الضرورية لكل موظفي الدولة من درجة مدير عام وصولا الى رئاسة الجمهورية، والتحقق من ازدواج الرواتب والتأكد من الدرجات الفضائية التي باتت تستنفذ موارد العراق دون وجه حق.
********
ازمة الكورونا. .ارتفاع الاسعار وتدهور الوقاية
ابراهيم المشهداني
لم تكن الأسعارالعالية للأدوية في الاوضاع الاعتيادية العبء الوحيد الذي تعاني منه العائلة العراقية الفقيرة ومحدودة الدخل ولكن كورونا اللعين اضاف اليها اعباء جديدة اكثر خطورة مهددة حياة المواطن في كل لحظة في ظل تلوث البيئة وانتشار الامراض وفشل الدولة في التحسب لمثل هذه الجوائح التي تدخل البلدان بدون استئذان .
القانون الدولي لحقوق الانسان قد اعطى لكل شخص الحق في اعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويلزم الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تهديد الصحة العامة وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها بما فيها الأدوية والخدمات الضرورية التي توفرها الاجهزة والمستلزمات الطبية وخاصة في حالات الطوارئ .
وفي هذا الظرف العصيب تعطلت الحياة وتراجعت مستويات الدخول الى ادنى مستوياتها وارتفعت اسعار المعقمات والمطهرات والقفازات والكمامات الواقية الى اكثر من اربعة اضعاف حتى اصبح من المتعذر الحصول عليها من دون تدخل الحكومة كواجب لاعذر لها فيه لاسيما وان هذا الفيروس ينتشر بكثافة في العشوائيات والاحياء الفقيرة في معيشتها وفي خدماتها فهل يعقل ان ترتفع اسعار علبة الكمامات التي تحتوي على 100 قطعة الى 40 الف دينار عراقي ووزارة الصحة تخدرنا بتصريحاتها بشان الاسعار لكنها لم تجد تعبيرا لها على ارض الواقع .
لقد عرف العراق بإنتاج الادوية وبعض مستلزماتها التي تتميز بجودتها وفاعليتها العالية بالمقارنة مع الادوية المستوردة وكانت تسد نسبة عالية من حاجة الطلب المحلي خاصة بعد تأسيس الشركة العامة لصناعة الادوية والمستلزمات الطبية في عام 1965 وفق معاهدة الصداقة والتعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفييتي في عام 1959 .
لقد كان معمل سامراء لانتاج الادوية من الصروح الكبيرة التي يضاهي انتاجه ارقى المناشيء العالمية كما لا يقل معمل انتاج الادوية والمستلزمات الطبية في نينوى اهمية من حيث جودة الانتاج وكفائته العلاجية اذ حصل على شهادة الجودة الدولية ISO 9001 من هيئة الاعتماد الاسترالية في العديد من المستحضرات الطبية بما فيها مضادات السرطان فضلا عن ملايين القناني من المحاليل الوريدية المنقذة للحياة وكان من الممكن زيادة طاقتها الانتاجية لو حظيت باهتمام الحكومة المنشغلة بالسياسات التي تعتمد على استيراد 60 في المائة من الادوية على ايدي مكاتب غير مجازة من قبل وزارة التجارة ونقابة الصيادلة وموافقة وزارة الصحة ما ادى الى احتكار الاسعار وارتفاع مستوياتها وتحولت الى وسيلة لتهريب العملة الصعبة .ويبدو ان تصريح وزيرة الصحة السابقة بوضع مشروع التسعيرة عبر التعاقد مع احدى الشركات التركية لتصنيع اللواصق الخاصة بالتسعيرة عبارة عن نكتة سمجة .
ان وزارة الصحة التي نامل ان تفعل مشروع معالجة التسعيرة بمصداقية وتوسيع هذا المشروع لكي يتضمن الخطط الاستراتيجية لبناء القاعدة التحتية التي تجهز بكافة المستلزمات الوقائية لمواجهة جائحة كورونا وتطوراتها واية اوبئة فتاكة من اجل عتق رقاب المواطنين من فواجع الموت وفي هذا المجال نقترح الاتي :
• العمل بالتنسيق مع كافة الوزارات المعنية على سن قانون الضمان الصحي بما يشمل المؤسسات الحكومية والاهلية على حد سواء والعمل على حصر استيراد الادوية والمستلزمات الطبية بالجهات الحكومية المختصة وابعادها عان القطاع الخاص .وتفعيل دور اللجان التفتيشية بالتنسيق مع نقابة الصيادلة ونقابة الاطباء ووضع المعايير لتحديد اسعار الادوية والخدمات الطبية وتخفيض اجور الاطباء بما يتناسب مع مستوى الشرائح الاجتماعية الفقيرة .
• ايلاء اهتمام اكبر بالصناعات الدوائية وخاصة معامل سامراء ونينوى وأنشاء معامل جديدة مع اشراك القطاع الخاص والمختلط وفق مقاييس وضوابط شفافة وتوسيع انتاجها ليشمل المطهرات والكمامات والقفازات والتجهيزات التي يحتاجها الكادر الطبي من اجل تحسين ادائهم وحمايتهم من الوباء وتقديم كافة التسهيلات الادارية والمصرفية لها .
• تطبيق حماية المنتج الوطني على الشركات الوطنية وقانون حماية المستهلك وقانون منع الاحتكار ودعم وتحسين نوعيتها لتكون منافسا حقيقيا للأدوية والمستلزمات المستوردة وتفعيل دور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية الغائب عن اسماعنا وتشديد الرقابة في المنافذ الحدودية .
*********
ص5
نحو المؤتمر الوطني الحادي عشر بثقة عالية
حسين علوان
في ظل ظروف غاية في الخطورة وأستعصاء الوضع السياسي الذي تلازمه سمة التمسك بالمحاصصة نهجاً من قبل الكتل التي ثبت فشلها الذريع في أدارة كفة الحكم الذي تربعت عليه منذ عام ٢٠٠٣ مما ولد ذلك وعياً تراكميا لدى المواطن الذي بدأ يكره ويتقزز من سماع ما يخص تلك الحفنة الفاسدة التي اوصلت البلاد الى اسوأ مصاف التصنيف العالمي للدول المتخلفة بسسبب سوء الادارة والقبول بأرتهان البلاد لمصالح الدول الاقليمية والدولية ذات الاطماع التوسعية المشينة.
اليوم ونحن نعيش رعباً يهدد مصير الناس في بيوتهم بسبب جائحة فايروس كورونا الذي هز المعمورة وأفقدها التوازن في أغلب مفاصل الحياة فتوقفت حركة الانتاج وساد الخوف المطبق على حياة اغلب الدول ومنها المتقدمة علميا بعد ان غزاها الفايروس اللعين وتسبب بخسائر بشرية ومادية مما انعكس سلبا على مجمل سكان المعمورة التي يعمل فيها العلماء والخبراء من اجل التوصل الى اكتشاف لقاح لهذا الوباء القاتل.
رغم كل هذه الظروف غير الطبيعية وفي احرج الاوضاع انجزت منظمات حزبنا الشيوعي وبكل زهو انتخاباتها الدورية واستقرت تنظيمياً وهي تمارس واجباتها ونشاطاتها وفعالياتها اليومية في ظل ظرف حساس وغاية في الخطورة لكنه لن يثني عزيمة اؤلئك المناضلين الذين نذروا أنفسهم لقضايا الناس والدفاع عن مطالبهم الملحة.
وبكل داب ومثابرة تتحرك منظمات الحزب ببن الجماهير ،محيطهم وببئتهم الحقيقية وهم يتصدرون المشهد الفعلي في تبني مطالب الجماهير والذود عنها بكل ثقة وأيمان منطلقين من برامج الحزب ومواقفه الواقعية في تحليله للواقع السياسي للبلاد بكل منهجية سياسية تحظى بقبول متسع.
تتواصل تلك المنظمات وهي تمارس نشاطاتها اليومية في تنفيذ سياسة حزبنا والتي جلها تتركز في العمل بين صفوف الجماهير أينما وجدت لتتفاعل مع مطاليبها وتسير معها نحو تحقيق ما تصبوا اليه فكانت مساهماتنا واضحة البنان في تلبية تلك المطالب ومنها الزيارات الى المجالس البلدية والقائمقاميةوالمحافظين في مناطق عمل المنظمات لتقديم مطالب الناس للمسؤولين من اجل تلبيتها.كما وساهم رفاق الحزب في الحراك الجماهيري المنطلق منذ ١ / ١٠ / ٢٠١٩ بتحشيد الناس للمشاركة فيه بكل فعالية وقدموا مساهمات كبيرة في فعاليات الحراك ، محافظين على سلميته وحقن دماء المنتفضين من خلال حملات التوعية التي أقيمت في ساحات الاحتجاج عبر اللقاءات والمحاضرات والندوات التي عقدت في خيم الشباب المنتفض وتجاوب معها غالبية الحضور.
لقد لعبت منظمات الحزب دورا بارزا من خلال تواجد رفاقها الناشطين في ميادين الاحتجاج بتنمية ثورية الشباب العالية وتقديم النصح والإرشاد وتسليط الأضواء على هدف الحراك المتجسد في تغيير المنظومة السياسية الفاسدة وأصلاح الاوضاع بمغادرة نظام المحاصصة المقيتة وارساء نظام المواطنة عبر اقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة الانسان والعدالة الاجتماعية التي يشعر الانسان فيها بأدميته ووجوده الحقيقي كأنسان له قيمة.
ان الشيوعيين يتطلعون الى مؤتمرهم الوطني القادم الحادي عشر وعيونهم تصبوا نحو التغير المنشود لأوضاع بلادهم المتفاقمة منذ اكثر من سبعة عشر عاما ،وما تعاني منه من التخلف والامية والفساد وسوء الاوضاع الامنية وعدم الاستقرار وضياع اموال الشعب وسرقتها من قبل طغمة فاسدة رهنت مصيرها بالدول الاقليمية والدولية التي تتحكم بهم كيفما تشاء دون اي واعز للوطنية او اي احترام لسيادة وطن هو اكبر من كتلهم واحزابهم والدول الداعمة لهم.
بكل ثقة ينتظر الرفاق مؤتمر حزبهم العتيد الذي سيرسم ملامح وتوجهات الحزب وسياستة القادمة في برنامجه السياسي. ومن دون شك هو حدث ليس فقط يخص الشيوعيين، بل عم م الوطنيين الحريصين على مصالح شعبهم وتقدمه.
مرحى لرفاق الحزب وأصدقائه وجماهيريه وهم بخوضون النضال البطولي من اجل التغيير نحو الأفضل والامل المنشود.
معا الى المؤتمر الحادي عشر لحزبنا الشيوعي العراقي.
*******
في يوم الصحافة العراقية

صالح العميدي
تؤدي الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى دورا مهما وخطيرا ، ارتباطا بمهامها الوطنية والإنسانية وشرف المهنة، بالحفاظ على صدقية الكلمة وتعميق الحوار الديمقراطي وإشاعة الابداع في التحليل والاستقصاء واحترام التعددية في الافكار والاجتهاد في المعالجات الصحفية والإعلامية . ولهذه الوسائل قدرة على مخاطبة الوعي مباشرة من ناحية ، وقدرتها على إثارة التساؤلات وزعزعة القناعات المسبقة لتضع المتلقي في جو من البحث والتقصي عن حقيقة حاجاته وطموحاته ، من ناحية أخرى .
كما تعكس طبيعة النقد في الصحافة والإعلام جانبا من التطور الاجتماعي الديمقراطي ، إذ أن تاثير اي مقال او تحقيق اوخبر او صورة تنشر ، يتوقف على مصداقيته ومستواه الفكري والسبق الصحفي للحدث وقوة إقناعه التي ينبغي أن تكسب ثقة المتلقي . كما أن الأسلوب الأمثل في الحوار يتمثل بالنقد البناء والحجج السلمية وليس بالنقد غير الموضوعي والشتائم التي يلجأ إليها من لا يمتلك الحجج ، كذلك بعيدا عن إثارة النزعات الضيقة . ويتعلق نجاح جهود الصحفيين والإعلاميين الآخرين في نهاية المطاف بموقف مخلص من الجماهير واهتمام حقيقي بحياتهم . الصحافة والصحفيون العراقيون أمام مسؤولية الحرص على مستقبل الوطن ، وتبني مطالب الجماهير المشروعة ، والتصدي للإرهاب والتكفير ومحاربة الطائفية والفئوية الضيقة والفساد ، والمساهمة في معالجة البطالة وتوفير الخدمات من خلال مناقشة وعرض الآراء في هذا المجال ، ورصد الظواهر السلبية والمساهمة في وضع الحلول لها بغية تجاوزها ، والظواهر الإيجابية لغرض تعزيزها وتطويرها ، وتعزيز روح المواطنة والشعور بالمسؤولية الوطنية .والكتابة عن عمل الحكومة ومجلس النواب ومجالس الأقاليم والمحافظات . كما يمكن للصحافة ووسائل الإعلام الأخرى ان تلعب دورا مهما في تغطية نشاطات منظمات المجتمع المدني . وتضيف اليوم انتفاضة أكتوبر 2019 مهمة أخرى للصحافة والإعلام في تغطية أخبار الانتفاضة والدفاع عن مطالب المنتفضين السلميين المشروعة وفي مقدمتها الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم .
نعم على الصحافة والإعلام الحر مواجهة الإعلام والصحافة الصفراء من أجل خلق أعلام يقود ولا يقاد ، أعلام يساهم مساهمة فعالة في إنقاذ العراق مما هو عليه .
***********
من يوميات الانتفاضة
د. محمود القبطان
انطلقت الانتفاضة الكبرى في الاول من تشرين وضربت بقسوة,. ولظروف تأجل استمرارها لحين ال 25 من تشرين ليشارك فيها مئات الالوف من الشباب بمختلف اعمارهم وفي تسعة محافظات.وصلتُ بغداد في 24 كانون الاول في الثالة صباحا لالتحق بمفرزة حزبنا الطبية، مفرزة أكتوبر ، في الساعة العاشرة من نفس اليوم.كان قد سبقني زميلي الدكتور فاضل المندلاوي في عمله في المفرزة لاكثر من شهرين في عمل مضني بعلاج الجرحى والذين تعرضوا لمضاعفات تنفسية بسبب ضرب المنتفضين بكل الوسائل المحرمة دوليا.لقد اجاد زميلي المندلاوي في عمله مع طاقمه المسعف لنصرة ومعالجة المصابين.
بدأت التواجد في المفرزة يوميا تقريبا ، ماعدا بعض الايام القليلة لالتزامات اخرى وكنت حريصا على التواجد حتى لساعات العصر المتاخرة عدا ايام الجمعة لحد الساعة الواحدة تقريبا. التقيت الصحفية السويدية سيسيليا وتحدثنا عن اسباب الانتفاضة الشبابية ومشاركة باقي ابناء الشعب العراقي فيها ؟ كنت اتابع نشاطات المنتفضين. وفي اوقات توقف ضرب المنتفضين قليلاً من الوقت اذهب لخيمة ثوار التحرير لاستمع لمحاضرة او اتجول مع زميلي المندلاوي بين الخيم وتبادل الاحاديث وكنا نساعد من يحتاج لمساعدة.
اضافة للدعم الصحي المستمر للمتواجدين في ساحة التحرير كنت اقدم الدعم بالمواد الغذائية للخيم التي تقدم الاكل للمتواجدين في الساحة. طبيعي لم يكن كلهم من المنتفضين وانما من المناطق المحيطة بساحة التحرير ، البتاوين حيث يكثر فيها الفقراء.
لقد كنت شاهداً على اعتداءات احدى الفصائل على المنتظاهرين السلميين الشباب في ايام الاحد والجمع حيث استخدمت الهراوات والقضبان الحديدية واللذين كانوا يتجولون بحرية في الساحة ويخفون ادواتهم تحت ملابسهم. لقد اعتدوا بالضرب وبكافة الوسائل على الشباب في احدى ايام الاحد في بداية نفق التحرير. كانوا مجاميع منفلتة يتقدمهم احد البلطجية مسلحاً. جرى اعتداء على احد المسعفات بسبب التظاهر ضد الفاسدين في الساحة.
كنت حريصاً وقت اشتداد المعارك ان اكون قريبا من ساحة الخلاني حيث كانت قنابل المسيلة للدموع تنهال على الشباب ويسقطون اما بسبب الاختناق او تعرضهم لاصابات او الاستشهاد. كانت التُكتُك التي اذهلت الفاسدين تنقل المصابين وبسرعة للوصول بهم الى المفارز او نقلهم للمستشفيات القريبة . كانت بعض القوات المدججة بالسلاح تلتف في المناطق المحيطة (بالمعارك) من الفروع لمباغتة الشباب لضربهم ومن هناك كانت تنطلق بعض المجاميع المدنية المسلحة لضرب الشباب لحين صدرت الاوامر بالانسحاب بعد ان انفضحت مآربهم وتوجهاتهم المشبوهة.
ليث شاب عشريني من اهل بابل اهل والدته يسكنون في بغداد.كان ينام في خيمة مفرزتنا حتى في احلك الظروف من البرد القارس، يضع البطانيات لينام على ارضية الخشب فوق الارض.كان قد اسرني بانه من سكنة بابل وكان قد خطب بنتا من اقربائه وكانت خطيبته ضد توجهه لبغداد للاشتراك في التظاهرة، فخيرته بين ان تبقى له او المشاركة في التظاهرة . قال وبرحابة صدر قلت انا ذاهب الى التظاهرة ومن ثم رمى حلقة الخطوبة.في يوم من نهاية شباط او بداية آذار كان ليث صاحياً وقرابة الساعة الثانية فجرا شبّ حريق خلف النصب حيث كان شباب بابل نائمين فسارع مع احد الشباب لايقاضهم واخراجهم من الخيمة ولولا تظافر الجهود لذهب شباب الخيمة حرقا.لم تحدث اصابات ماعدا ان اوراقهم الثبوتية احترقت.
كان احد المتطاهرين الكبار في السن هو فنان متواجد دوماً مع زوجته التي كانت تضع الاعلام العراقية فوق رأسها في خيمته الصغيرة خلف نصب التحرير, كان قد ذهب لبيته يوما وتفاجأ في اليوم التالي بان خيمته قد احرقوها(المندسون) , قال لن يثنوني من التواجد في الساحة فشرع بنصب خيمة اخرى.
كانت مفرزة اكتوبر الطبية التابعة للحزب الشيوعي العراقي تعمل بنكران ذات سواء طاقمها الطبي المكون من الدكتور فاضل المندلاوي او مني شخصياً ومن الاخوات والاخوة المسعفين .
ولظروف قاهرة كنت قد تركت الساحة وودعت زميلي والمسعفين في المفرزة والشباب الذي كان دوما فيها.
لن تذهب دماء الشهداء هدراً الذين سقطوا بالالاف بفعل خسة الفاسدين ودون حساب ولكن الانتفاضة سوف تستمر وان جاءت جائحة الكورونا منقذاً مؤقتا لهم لكن القصاص من القتللة وتحقيق مطالب المنافضين قادو وبدون ذلك لن تتوقف الانتفاضة .
**********
إلى صديقي رفيق قنابل الغاز المسيل للدم والدموع، الشاعر ماجد الربيعي..
مبكّرٌ أنت في الثورة، وثابتٌ فيها، وضحيةٌ مبتسمة لأنّكَ فضّلتَ الوطن، وقدّستَ دماءَ الشباب..
فحين أُخرِجتَ قسراً إلى التقاعد قلتَ: (فدوة..)
وهذه عادة الكبار والوطنيين،
يا صديقي المتقاعد رغماً عنه، ويا شريك خطوات الدم والاحتجاج،
أنبيك أن ما يزيد عن ثلاثة ملايين متقاعد أكثرهم مثلك، حملوا شيبتهم لتفورَ في ساحات التحرير من أجل عراق يتمنونه عادلاً..
أنبيك أنهم اليوم عادوا إلى بيوتهم مكسورين بعد أن اقتطع المتربّعون على عروشهم - تحتها جثث الشهداء - نسبةً كبيرةً من رواتبهم الحزينة.
يا صديقي.. يا من أستند إلى صوته،
قلْ للحكومة:
- المتقاعدون ضيوف الوطن ومن العار عدم إكرامهم في المتبقّي القليل من أعمارهم.
- رواتب المتقاعدين ليست منّة من أحد عليهم، فقد تم استقطاعها منهم طيلة فترة عملهم درهماً إثر درهم.
- مقدار ما يُعطى للمتقاعد وإن كان كثيراً، لا يكفي دواءه ومرضه المزمن الذي تراكم عليه وهو يخدم البلاد.
- لا يمكن فرض ضريبة دخل على مبلغ موفّر ومستقطع من راتب دُفعت ضريبة الدخل عنه سابقاً.
وقلْ لهم، إن ترتيب عجز الدولة لا يتم بالاستقطاع،
ف (أبو المولدة) لن يخفّض أجوره.
و الطبيب لن يقلل (كشفيته).
والصيدلي لن يخفض ثمن (الراجيته).
وقلْ لهم خفّضوا ما تشاؤون،
لكن امنحوا الشباب الثائر فرصة عمل في مصانع تبنونها، ومزارع تستصلحونها، ليعينوا آباءهم المتقاعدين.
وقلْ لهم يسيطروا على السوق فقد أكلنا الساسة التجّار والتجّار الساسة..
وفتكت بنا جولاتهم الرخيصة، وصولات مزادات عملتهم وصفقاتهم المشبوهة..
وقلْ لهم توفير ما ينفقونه على جيوشهم الألكترونية وأبنائهم وبناتهم وأبناء خالاتهم وعماتهم وأحفادهم وأصدقاء أحفادهم؛ ليعيدوا وجبة طعام لمتقاعد ذنبهُ أنه قضّى ثلاثين سنةً من عمره في خدمة وطنٍ تُسلّمُهُ أيادي اللئام للئام.
#لا_لظلم_المتقاعدين
#عمرالسراي
**********
محاكمة التاريخ بدلا من التباكي على أحداثه
إياد العنبر
بطريقة يطغى عليها استحضار المظلومية وأخرى استعراضية للمواقف البطولية، استذكر العراقيون مرور الذكرى السنوية السادسة على سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" الإرهابي، وجريمة سبايكر؛ وهي مناسبة يُراد منها أن تكون محاكمة للطبقة السياسية التي كانت ولا تزال أساس المشكلة، وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن تراكمات الفساد والفشل، وما كان لكل هذا الدمار في ثلاث محافظات مع قوافل الشهداء، لو كان في العراق حكومة تقوم بوظائفها وتعمل على حماية البلاد والعباد.
ورغم تصاعد الدعوات بمحاكمة المقصرين وتحديد المسؤولين عن الانهيار الأمني ومن ترك أكثر من 1700 شاب عراقي يلاقون حتفهم في مجزرة بشعة ارتكبها تنظيم "داعش" في مذبحة سبايكر، إلا أن الكثير من السياسيين وجيوشهم الإلكترونية حولوا الحادثة كذكرى لمناسبة التحشد والتطوع بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني.
وواقع الحال أن هذه الفتوى استطاعت إيقاف تمدد تنظيم "داعش" الإرهابي وشكّلت حافزا لتجاوز حالة الانكسار التي كانت من أخطر تداعيات سقوط الموصل، عندما دعت للتطوع في صفوف القوات الأمنية. إلا أن "فتوى الجهاد الكفائي" كانت هدفها إنقاذ العراق وليس التغطية على فشل الطبقة السياسية.
المفارقة الأخطر تكمن في وعينا المأزوم بالتاريخ، فنحن أمّة تعيش وتهيم عشقا بالتاريخ وأحداثه، ونختلف عن باقي الأمم بأن أحداث التاريخ ليست للعبرة والمعرفة، وإنما نستحضرها لتأكيد ذاتنا في مقابل الآخر. ومرة تكون مصدرا للتفاخر، وأخرى لاستحضار مظلوميتنا. التاريخ بالنسبة لسياسينا هو صك الغفران، فهم يوظفون أحداثا بحرفية عالية لتبرير فشلهم وفسادهم. فهو ـ أي التاريخ ـ يعطي رمزية تعوض فقدان شرعية المنجز التي يفترض أن تكون هي الأساس في العمل السياسي، والتي تبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب.
لا نستحضر التاريخ إلا لتأكيد وجود عدوّ يتربص بنا، وهذا العدو يتآمر على نجاح تجربتنا! ولذلك نجد المرويات والأحداث التاريخية حاضرة بقوّة في خطابات السياسيين. وأسلوبهم في توظيف فكرة العدو والترويج لها يحددها المفكّر الإيراني مصطفى ملكيان بثلاثة أساليب لتحقيق مصالحهم وتضليل شعبوهم:
الأسلوب الأول: أن يُقرَن كل من ينتقد ويخالف بالعدو، فكلّ من يوجّه لهم نقدا يُرَدّ عليه بأنك ضدنا مثلما يفعل العدو، وبالنتيجة ينفذ أجندة مرتبطة بالعدو! وباستعمالهم هذه الطريقة يتمكّنوا من توظيف اسم العدو لقمع المخالف لرأيهم.
الأسلوب الثاني: تبرير فشلهم وسوء تدبيرهم بالأعمال العدوانية التي يمارسها العدو، ويُلقّن للآخرين بأن سوء الإدارة والسخط الشعبي كلّه بسبب العدو. رغم أنه العدو لم يطلب منهم سرقة المال العام واختلاسه واستغلال السلطة لمصالحهم الشخصية.
الأسلوب الثالث: يقدّسون أنفسهم باسم العدو! فبعد أن يتفق الجميع على اسم العدو يُلقّنون جمهورهم بأننا صالحون ومقدسون لأننا ضد هذا العدو الواضح، وبالتالي تُرسّخ في الأذهان مغالطة تفيد: كلّ من يناهض هذا العدو فإنه صالح!
لا نحتاج إلى سرد الكثير من الأدلة والشواهد على أزمتنا مع التاريخ وتوظيفه من قبل الطبقة السياسية، فبين فترة وأخرى يظهر لنا "قائد ضرورة" في لقاء تلفزيوني ويتحدّث عن بطولاته وصولاته في الدفاع عن حقوق العراق والعراقيين، وكيف كان قائدا لمرحلة خطيرة من تاريخ العراق، تحدّى فيها الإرهاب ومحاولات الأعداء في تمزيق وحدته واستهدافه والنيل من شعبه!
لو كان لنا موقف يتعاطى مع التاريخ على أساس محاكمة الأشخاص الذين كانوا السبب الرئيس في مأساتنا وضياع ثرواتنا وهدر دماء شبابنا، لما بقيت زعامات الكتل السياسية متحكمة بالمشهد السياسي، وتمرر صفقاتها بعنوان الحفاظ على حقوق المكوّنات التي تدّعي تمثيلها.
لو حاكمنا مَن تخاذل عن حماية الزائرين الذي راحوا ضحية حادثة جسر الأئمة في (أغسطس 2005)، وحاكمنا من ساهموا بأن تكون الطرقات العامة والهجوم على المناطق في بغداد وتحويلها إلى ساحات حرب على الهوية في 2006، ولو حاكمنا من كان خطابه يصدح بالشعارات الطائفية ويدعو إلى عودة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003، ولو حاكمنا من تسبب في سقوط ثلاث محافظات بيد تنظيم "داعش" الإرهابي في 2014، وحاكمنا من تسبب وساهم بهدر أكثر من 100 مليار دولار من موازنات العراق في السنوات الماضية، ولو قدمنا كل هؤلاء إلى المحاكمة لما تجرأت حكومة عادل عبد المهدي على قتل أكثر من 700 وجرح الآلاف من المتظاهرين.
أنظروا إلى محاكمتنا لصدّام وأزلام نظامه، لم تكن محاكمة لتاريخه الدكتاتوري وتدميره العراق وشعبه، وهو الذي لم يكن عادلا إلا بتوزيع الموت والظلم والدمار على العراقيين، وإن كان الاختلاف بدرجة الظلم لا نوعيته. فيما تمت محاكمته لتأكيد مظلومية الشيعة والأكراد وليس على استهتاره بمقدرات الدولة وحروبه العَبَثية.
حتى هزائمنا نتحايل على التاريخ لنحوّلها إلى انتصارات موهومة، فالانتصار في أعرافنا السياسية بقاء حكامنا وقادتنا "حفظهم الله ورعاهم" بمناصبهم وتمتعهم بالزعامة. ومن ثم، كيف لا يتجرأ حكامنا على الاستخفاف بدمائنا وثرواتنا، ونحن لم نحاكمهم على حماقاتهم التي يتوهمون بأنها من أمجادهم التاريخية! ورغم خيباتهم وفشلهم وفسادهم يتم تكريهم بإعادة انتخابهم في كل دورة انتخابية!
وعودة على ذكرى الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، في كتابه "دور الصدفة والغبَاء في تَغْيير مجرى التاريخ.. العامل الحاسم" يقول إيرك دورتشميد: "قد توجد حروب عادلة، غير أني لم أشهد واحدة لم تنته بآلام مهولة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "الحرة" 16 حزيران 2020
*************
ص6
تشومسكي: مقتل فلويد ووباء العنصرية وكلاب ترامب المتوحشة
حاوره: سي. جي بوليتشرونيو*
في ظل التطورات العاصفة، الصحية والسياسية والاجتماعية، التي تمر بها الولايات المتحدة، قام الباحث السياسي سي. جي. پوليتشرونيو بإجراء مقابلة مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، ليسأله عن قضايا ملحة، في مقابلة نشرت على موقع Truthout وترجمها حسن مصاروة لصحيفة وموقع "الاتحاد".
*في الـ40 عامًا الماضية، شهدنا في الولايات المتحدة تحلّلًا لدولة الرفاه وصعودا لآيديولوجيا السوق المتطرفة، حتى وصلنا الى حال حيث لا تستطيع الدولة أن تتعامل مع أزمة صحية هائلة، بالإضافة إلى اشكاليات ماثلة منذ زمن مثل الفقر على نطاق واسع، واللامساواة الاقتصادية الهائلة، والعنصرية ووحشية الشرطة. لكن مع كل هذا لم يتردد دونالد ترامب من أن يقول في غمرة الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد أن" الولايات المتحدة هي أعظم دولة في العالم". هل يمكنك التعليق على هذه الملاحظات وما تمر به البلاد؟
تشومسكي: لا أظن أن ترامب يريد حربا أهلية. بل أعتقد، كما يصرح هو، أنه يريد "الهيمنة" بواسطة العنف وأن يرعب كل معارضة محتملة. هذا رد فعله الطبيعي. انظر فقط الى انفجار غضبه حينما تجرأت سيناتور جمهورية مثل ليسا موركاوسكي على أن تخرق الانضباط الحزبي المقدس وأن تظهر بعض الشكوك حول "روعة جلالته الملكية"، أو قيامه بفصل العالم المسؤول عن تطوير اللقاح حينما طرح شكوكا حول واحد من الأدوية الكاذبة التي يروج لها ترامب، أو قيامه بتحييد المفتش العام الذي كان من الممكن أن يقود تحقيقات في طبيعة المستنقع النتن الذي ينشئه ترامب في واشنطن. انه وضع فاسد، وترامب ظاهرة جديدة بشكل جذري في التاريخ السياسي الأمريكي.
ردة فعل أخرى لترامب هي تهديده بـ"الكلاب الأكثر شراسة، والأسلحة الأكثر شؤما التي رأيتها في حياتي"، حينما حوط المحتجون السلميون مسكنه في البيت الأبيض. الجملة "كلاب شرسة" تستحضر رعب هذه البلاد حينما ظهرت صور الكلاب المتوحشة وهي تهاجم المحتجين السود على الصفحات الأولى للجرائد أثناء حركة الحقوق المدنية.
ان ادعاءه أن الولايات المتحدة هي أعظم دولة في العالم، حسب احساسه الخاص، من جهة، ودعوته من أجل الهيمنة من جهة أخرى، ينبعان كلاهما من عقيدته الاساسية: "الأنا".
النتيجة المباشرة لهذه العقيدة هي أنه يجب عليه أن يشبع متطلبات حيتان المال وسلطة الشركات، الذين يتحملون "غرائبه"، طالما أنه يخدم مصالحهم بوضاعة. وهذا ما يفعله بالضبط من خلال برامجه التشريعية وقرارته التنفيذية. ويظهر قراره الأخير بالنسبة لوكالة حماية البيئة الذي سيزيد تلوث البيئة لمصلحة الشركات الصناعية، أنه غير مهتم بتعريض الآلاف لخطر الموت، والنسبة الأعلى منهم بين السود بالذات، كما تشير التقارير، ما دام المقابل هو زيادة الثورة لأولئك الذين "يهمونه".
بالنسبة إلى داعمي ترامب الأساسيين، حيتان المال وسلطة الشركات، أميركا بالطبع أعظم دولة في العالم. لكن كيف لشخص أن يخدع بلدا فيه يسيطر 0,1 بالمئة من السكان على 20 بالمئة من الثروة في حين أن الغالبية لا تستطيع أن تصمد في الحياة بمعاشها الشهري ويحصل مدراء الشركات على تعويضات أكثر من العمال بـ 278 مرة ؟ يدعو للهيمنة بالعنف بواسطة "كلاب شرسة" ليرضي نسبة كبيرة من قاعدته الانتخابية. اذن فالأمر يجري بهذه الطريقة.

*الممثل جورج كلوني قال في مقال له في (الديلي بيست) تعليقا على مقتل جورج فلويد أن العنصرية هي وباء أمريكي، وأننا خلال 400 عاما لم نجد لها لقاحا، لماذا تبدو العنصرية في الولايات المتحدة راسخة ومستعصية الى هذا الحد ؟
تشومسكي: الاجابة موجودة في ما حدث خلال الـ 400 سنة هذه، لقد تم البحث فيها وعرضها من قبل، لكن بالنسبة لي فإن الأمر يستحق بعض الدقائق للتفكير من خلالها بالأمر مرة أخرى حتى ترسخ في عمق الوعي.
السنوات الـ 250 الأولى صنعت أكثر أنظمة العبودية شراسة في تاريخ الإنسانية بمجرد أن حصلت المستعمرات على حريتها. وقد كان هذا النظام العبودي فريدا لا بقسوته البشعة لكن أيضا لكونه كان يعتمد على لون البشرة. ولهذا لم يكن استئصاله ممكنا، بل هي لعنة تصل الى الأجيال المستقبلية.
العبودية الرسمية في الولايات المتحدة انتهت قي عام 1865، ومنح للسود عقد كامل من اعادة الانشاء، والذي استغلوه بصورة مثيرة للإعجاب في فعاليتها وتأثيرها، نظرا لميراث الرعب الذي يحملونه. لكن حتى هذا انتهى، حيث ان اتفاقية بين الشمال والجنوب سمحت للعنصرين في الجنوب أن يقتلوا ويقمعوا وأن يحولوا السود الى قوة عمل بالسخرة لتحرك الثورة الصناعية الجنوبية، وكل ذلك بواسطة "تجريم" السود وسجنهم بشكل جماعي وسلبهم حقوقهم.
هذه الوصمة في التاريخ الأمريكي دامت حتى الحرب العالمية الثانية تقريبا، حينما احتاجت صناعة الحرب الى العمالة الحرة ... غير أن عراقيل جدية بقيت موجودة. الفرص التعليمية التي منحت بعد الحرب أنكرت على المواطنين السود بواسطة قوانين معينة. ملكية المنازل، أساس الثروة لمعظم الناس، تم حرمان السود منها بواسطة القوانين الفدرالية. وفي الوقت الذي سحبت فيه هذه القوانين العنصرية تحت ضغط نضال حركة الحقوق المدنية في الستينيات، كانت الفرصة قد ضاعت على الكثير من المواطنين السود. الاقتصاد عانى من الكساد في فترة السبعينيات وعندها انقضت النيوليبرالية وسيطرت على الاقتصاد، حيث صممت بالأساس لابقاء المواطنين الفقراء والعمال في مكانهم، وكالعادة فالمجتمعات السوداء كانت الأكثر تأثرا بشكل وحشي. وهذا العدوان النيوليبرالي الاقتصادي على السود جاء مجتمعا مع الموجة الجديدة من تجريم السود بواسطة إدارة ريغان العنصرية، وهي السياسة التي عُززت بواسطة بيل كلينتون تحت عباءة "أنا واحد منكم"، وحتى جورج فلويد اليوم.
ليس من الصعب اذن الإجابة على السؤال، على الأقل على مستوى واحد. أما على مستوى أعمق فيمكن أن نسأل لماذا يصعب علينا معالجة هذا المرض ؟
*في عصر الكورونا شاهدنا العودة المفاجئة الى التفكير الاقتصادي الموجه، بشكل فضفاض، بواسطة الأفكار الكينزية، مثل زيادة انفاق الحكومة وتخفيض الضرائب من أجل إعادة احياء النشاط الاقتصادي، والحفاظ على دولة رفاه صلبة خاصة في أوروبا الغربية. هل هذه إشارة الى أن النيوليبرالية في الطريق الى نهايتها؟ أم اننا سنشهد عودة الى الوضع "العادي" بعد انتهاء الأزمة الصحية وخاصة في الولايات المتحدة حيث توجد مقاومة كبيرة للديمقراطية الاجتماعية ؟
تشومسكي: مثل الكثير من الأسئلة الجيدة، فإن هذا السؤال من المستحيل الإجابة عليه عمليا. القوى التي صنعت النظام الاقتصادي- الاجتماعي الحالي، ومن ضمنه الوباء والسباق من أجل التدمير الذاتي، لا تضيع لحظة واحدة في تفانيها من أجل ضمان بقاء الكارثة النيوليبرالية، وبالطبع عودتها بصيغة أشرس، مع وسائل معقدة للمراقبة والسيطرة. وستنجح بذلك الا اذا قامت الجماهير الشعبية بايقاف تأييدها، وقامت باستخدام تلك القوة الموجودة بين أيادي المحكومين وتنظيم نفسها لخلق عالم أكثر إنسانية وعدلا، في الحقيقة، عالم قادر على البقاء.
وهذا يتطلب على أقل تقدير، دولة اجتماعية بالحدود الدنيا. ونستطيع أن نعي كم هي صعبة حتى هذه الخطوة البسيطة، من معاينة التعليقات الليبرالية على حملة بيرني ساندرز: أفكار جيدة، لكن الشعب الأمريكي ليس جاهزا لها. هذا اتهام لا يصدق للمجتمع الأمريكي، الذي، وفقا لهذا الحكم، ليس قادرا على أن يصعد إلى مصاف ما هو عادي في أي مكان آخر: رعاية صحية للجميع، وتعليم عال مجاني، ومقترحات ساندرز الأساسية.
لكن الانضمام الى باقي العالم يجب أن يكون الهدف الأدنى لحركة تقدمية شعبية. لماذا على القرارات المتعلقة بحيواتنا أن تنتقل من ممثلين منتخبين يملك الناس بعضا من السيطرة عليهم على الأقل، الى أيادٍ "خاصة" غير قابلة للمحاسبة كما تحدد العقيدة النيوليبرالية ؟ ولنقل أكثر من ذلك، لماذا على الناس أن يمضوا معظم حياتهم الواعية تحت آليات ضبط وسيطرة بشكل متطرف ؟ العمل تحت هذه الأوامر والاشراف الخارجي هو عدوان مباشر على الحقوق والكرامة الإنسانية الأساسية، ذلك الاشراف الخارجي والسيطرة التي اعتبرت محتقرة منذ اليونان وروما القديمة حتى القرن الــ 19، والتي استهجنت بشدة من قبل الناس في بدايات الثورة الصناعية.
هذه مجرد بداية، عالم مختلف ممكن أن يكون، عالم مختلف جدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن: (الاتحاد) الحيفاوية (بتصرف) – 12 حزيران 2020
************
العالم يواجه مجاعة رهيبة: الرأسمالية رعب لا نهاية له! *
دانيال مورلي وأوليفر براذرتون
قد يواجه العالم، خلال الأسابيع والأشهر القادمة، “مجاعات متعددة وذات أبعاد رهيبة”، ومع انتشار الحروب والفقر والجائحة التي تنتشر الآن في جميع أنحاء العالم، تظهر التوقعات الأخيرة أن الفئات الأسوأ حالا قد تضررت أكثر من أي وقت مضى.
وقد أصدر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، تحذيرا مرعبا بأن العالم يقف على حافة مجاعة “ذات أبعاد رهيبة”. وتعتقد الأمم المتحدة، أن 265 مليون شحص على الأقل يدفعون إلى المجاعة نتيجة لأزمة فيروس كورونا.
وهذا ليس بسبب سوء المحاصيل، ففي الواقع، كانت المحاصيل جيدة. يعود الأمر برمته إلى الأزمة الاقتصادية الحادة وتفكك الاقتصاد العالمي.

الرأسمالية هي السبب

لن تتمكن نظم الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة والمستغَلة من التعامل مع الفيروس، وسوف تموت أعداد هائلة من البشر. وسوف يكون التباعد الاجتماعي مستحيلا في مثل هذه البلدان. كما أن إجراءات الإغلاق تشكل حاجزا هائلا أمام توزيع المواد الغذائية الأساسية في المناطق النائية. لكن هذا بعيد كل البعد عن كونه كارثة بيولوجية غير متوقعة ولا علاقة لها بالرأسمالية. فبصرف النظر عن فيروس كورونا، فإن ملايير البشر عبر العالم لا يمكنهم أن يأكلوا إلا إذا حصلوا على أجر، وحتى في هذه الحالة فإنهم يظلون يعانون من سوء التغذية.
إن الفوضى الاقتصادية التي تجتاح العالم سوف تتسبب في حرمان مئات الملايين من الأجور لفترة طويلة. وسوف تنضب أيضا التحويلات المالية من الأقارب العاملين في البلدان الغنية. وفي ظل هذه الظروف فإن الملايين في المدن، وليس فقط أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية، سيواجهون المجاعة في الأشهر القليلة القادمة. وسيتضرر اللاجئون بشكل خاص.
وحتى بعد القضاء على الفيروس، سوف نجد أنفسنا في مواجهة أضرار اقتصادية طويلة الأمد، فضلا عن سنوات عديدة من التقشف القاسي، بسبب لاعقلانية الرأسمالية. وسوف يتبنى زعماء العالم السياسات الحمائية على نحو متزايد، وقد تتفكك مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وسط الاتهامات المتبادلة.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى سنوات من الأزمة الاقتصادية، وعدم اليقين، والمعاناة، أسوأ بكثير مما شهدناه بعد عام 2008.
الفقر في العالم

يذكر تقرير الأمم المتحدة أن رقم 265 مليون شخص على شفا الموت جوعا يمثل ضعف العدد الذي سجل قبل انتشار الفيروس. أي أنه حتى دون أن يصيب العالم أي فيروس غير متوقع، فقد كان هناك أكثر من 130 مليون شخص على شفا المجاعة، وذلك بعد عقدين من القرن الحادي والعشرين.
وقد صرح رئيس برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي، أنه “بالفعل سيكون عام 2020 أسوأ عام منذ الحرب العالمية الثانية، على أساس ما توقعناه في نهاية العام الماضي”.
شهدت السنوات الأخيرة صعود مدرسة فكرية تعرف باسم “المتفائلين الجدد”، يحتفل بها أمثال بيل غيتس ويظهر روادها بشكل متكرر في مؤتمرات TED، حيث يوضحون بفرح أن العالم يتحول بشكل لا هوادة فيه إلى مكان أفضل. فالناس في كل مكان يزدادون غنى، ومتوسط العمر المتوقع يرتفع، وسوف يستمر هذا على نحو أو آخر إذا ما تركنا “السوق الحرة” تقوم بعملها.
كانت أفكارهم دوما تافهة ومختلقة على أساس إحصائيات منتقاة ومعدلات مضللة تخفي التفاوت المتنامي. وما تكشف عنه هذه الأزمة هو أن الرأسمالية لا تجعل العالم مكانا أفضل، بل إنها تلوث وتجوّع الكوكب.
الاشتراكية أو البربرية

إن الوضع بالغ السوء إلى درجة أن رئيس برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، اضطر إلى وصف الحالة التي تواجه الإنسانية بأنها “رهيبة”.
في عام 2020 - بعد مرور أكثر من خمسين عاما على وصول الإنسان إلى سطح القمر، في عصر الهواتف الذكية المنتشرة في كل مكان والقدرة على إنتاج الغذاء لعشرة مليارات شخص - ها نحن نُدفع مجددا إلى البربرية.
هذا هو المعنى الملموس لتصريح روزا لوكسمبورغ الشهير والصحيح بالكامل بأن “المجتمع البرجوازي يقف على مفترق الطرق، إما الانتقال إلى الاشتراكية أو الارتداد إلى البربرية”.
كما أن لينين قال عبارته الشهيرة بأن “الرأسمالية رعب لا نهاية له”. إننا نناضل ضد النظام الرأسمالي وبربريته. إننا نناضل من أجل الاشتراكية التي هي المخرج الوحيد أمام البشرية. فانضموا إلينا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن موقع "حزب الشعب الفلسطيني" – 17 حزيران 2020
**********
تداعيات تحت وقع الكورونا: فريدا كالو وكارل ماركس
هشام روحانا*
لربما تشكل جائحة فيروس الكورونا مناسبة إضافية لنقد الرأسمالية والعمل على بناء البديل الماركسي لها. فالأزمة التي تضرب نظامها العالمي الآن هي الأكبر منذ نشوئها والثانية من حيث حجمها في العقد الأخير بعد أزمة 2008-2009 التي ضربت المنظومة المالية العالمية وما سمي الفقاعة المالية.
"سوف تشفي الماركسية المرضى" هي أحد الرسومات الأخيرة للرسامة المكسيكية المعروفة فريدا كالو عام 1954.
وتشكل الظروف الحالية للإنسانية جمعاء مناسبة للتوقف امام هذا العمل الفني وإحياء ذكرى هذه الفنانة التي كان آخر ظهور لها قبل وفاتها المبكرة في آب من نفس العام، في مظاهرة ضد تدخل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية في غواتيمالا. إن التوقف أمام هذه اللوحة يستدعي فهم حياة الفنانة نفسها وفهم دوافعها والسياقات النفسية والجسدية المتراكمة في نسيج اللوحة ذاتها والرسالة الأخيرة للفنانة.
ولدت فريدا كالو في آب عام 1907 ثلاث سنوات قبل بدء أحداث الثورة المكسيكية الدموية، في انتفاضة ضد اضطهاد طبقة الفلاحين ومن أجل الاصلاح الزراعي والتأميم. رفض المنتفضون أيضا أسلوب الحياة الأوروبي المعتمد، داعين الى احياء حضارة السكان الأصليين. لقد شكلت هذه المطالب ليس فقط وعي فريدا كالو السياسي بل وأيضا توجهاتها واساليبها الفنية. في السادسة من عمرها، أصيبت بشلل الأطفال الذي تركها بساق مريضة نحيفة. لكن والدها شجعها على الدراسة وتحصيل الثقافة موفرا لها المصادر الملائمة، وأثناء الثورة صار من حق النساء دخول المدارس.
التحقت كالو بكلية اعدادية لدراسة الطب واثناء هذه الفترة التحقت بمجموعة من الفتية (Cachuchas) ذوي الميول الوطنية والتوجهات اليسارية للفلسفة والتاريخ فتعرفت على الفكر الماركسي. في عامها الثامن عشر تعرضت الحافلة التي تقلها لحادثة سير مأساوية أصيبت خلالها فريدا كالو بالعديد من الكسور في عظام جسدها الرقيق وبجروح خطيرة أصابت بيت الرحم وشلت قدرتها على الإنجاب، وقضت على مخططها دراسة الطب وتركتها أسيرة الألم بقية حياتها. استفاقت فريدا كالو بعد ثلاثة أسابيع من الغيبوبة ضاربة عرض الحائط بتوقعات الأطباء المشؤومة لها. وخلال هذه الفترة لم يبرح والدها سريرها أما أمها المتدينة الكاثوليكية المتزمتة والتي تعود بأصولها الى سكان أمريكا اللاتينية الأصليين فلم تزرها قط.
بعد انضمامها للحزب الشيوعي المكسيكي توطدت علاقتها السابقة بالفنان دييغو ريفرا والذي كان عضوا في لجنته المركزية (طرد منه لاحقا لعلاقته بليون تروتسكي)، تزوج الاثنان بما سمي زواج الحمامة والفيل (لرقة جسمها وضخامة جسمه) ورغم أن حياتهما لم تكن مثالية ورغم اصاباتها العديدة لم تتوقف فريدا كالو عن حلمها إنجاب طفل، الا انها لم تتمكن من معايشة تجربة الأمومة وبعد محاولاتها المتكررة التي باءت بالإجهاض وخسارتها المتتالية، حملت فرشاتها ورسمت لوحتها "مستشفى هنري فورد" (1932) لوحة لأطفال موتى وأجنة في الرحم.(هنري فورد في إشارة غير مباشرة لحادثة السير ومصانع السيارات والحافلات).
إن صاحبة لوحة "الغزال الجريح" (1944) غالبا ما تعد على السوريالية فتوضع مقابل سلفادور دالي في الموقع الآخر الكبير النسوي. لفتت أعمال فريدا كالو نظر أندريه بريتون (كاتب وشاعر فرنسي أحد مؤسسي السريالية وقائدها ومنظّرها الرئيسي، مؤلف "البيان السوريالي") وعلى وجه الخصوص لوحة "ما أعطتني إياه المياه - (1938 والتي كانت بالنسبة له عملا نموذجيا للسوريالية واصفا إياه بأنه "وعود الخيال المليئة بروعة أكبر من الواقع نفسه".
تشكل لوحة "ما أعطتني إياه المياه" سردا ذاتيا خصبا لحياة الفنانة أو نوعا من المذكرات التي خُطت بريشة الرسم؛ حوض استحمام وأجزاء من قدمين منعكستين في الماء، أجساد، جزيرة وبركان ثورتها الدائمة وناطحة سحاب تنفجر، طائر نقار الخشب ميتا وهيكل عظمي، حبال مشدودة، جسد امرأة عائم مثل أوفيليا عروس هاملت المرتقبة التي يقودها الجنون الى الغرق، يشدها رجل مجهول الهوية بحبل يلتف حول عنقها، زوجان يشبهان والديها، ثوب امرأة مكسيكي يطفو دون جسد وأصداف يخترقها الرصاص. تعود بنا موضوعات اللوحة الى رسومات أيقونية قديمة وأساطير ورموز ونباتات تشدنا الى الماضي الما قبل كولونيالي لموطنها، والى الصراع الدائم للجديد والقديم حيث تختلط تقنيات الرسم الحديثة بالقديمة في أشلاء صور الحياة والموت، الراحة المؤقتة والخسارات الدائمة، آلام الجسد وآلام الروح. في هذه اللوحة نتعرف على الفنانة "التي ولدت نفسها" كما قالت. وفيها تنتفي المسافة القائمة بين الفنان والمشاهد، بين الذات والآخر، حيث يقوم الفنان "بفضح" ذاته المشوهة أمامه بكامل عريها. إنها من خلال أسلوبها في التصوير البصري الفظ تنقل صدمة وجودها، فتقدم نفسها لمحكمة التاريخ في نفس الوقت الذي تبني فيه فنها العظيم. إنها من خلال تقديم ذاتها على سرير التشريح تنتقل من وعي الذات المنصب على ذاته الى وعي أعلى للذات في الوجود الرافض لهذا العالم على شكل بركان يفجر ما تحضره ناطحات السحاب.
وعلى أساس هذه اللوحة تم اعتبارها فنانة سوريالية، الا انها طوال حياتها رفضت أن يتم الصاق هذا الوصف بها قائلة بأن أساس عملها ليست الرؤى سريعة الزوال لانتظام الألوان والاشكال المتناقضة في لعبة الظل والضوء، بل معاناة الجسد الواقعي وآلام الخيبة والخيانة، الفراق والوحدة. ووراء الملابس الانيقة والعبارات الفخمة أخفت فريدا كالو روحها المشلولة وجسدها الغض الذي تعرض الى ما لا يقل عن 30 عملية جراحية والذي لن يظهر الا على رقعة قماش الرسم.
لكنها ولدت لتحيا وتناضل. وأمام اعاقتها الجسدية والتوقعات الجنسانية لعصرها كافحت برياضة الملاكمة ضعفها الناشئ عن المرض والذي بالإضافة لحادث السرير الكارثي شكل ينبوعا لتجربتها الفنية ومناسبة لصياغة شخصيتها ومعتقداتها. لقد شكلت قدرتها المتكررة على النهوض من أعماق الإعاقة موضوعات وزخارف داخل العديد من أعمالها الفنية، ورباطا وجدانيا بينها وبين أولئك الذين يكافحون من أجل البقاء.
إن الاستعارة المجازية في لوحة "سوف تشفي الماركسية المرضى" بين معاناة واعاقة فريدا كالو وانتمائها الفكري واضحة تماما. تضع الفنانة نفسها داخل المشد الجلدي الذي يعينها على الوقوف والحركة وتحمل الألم كتجسيد لمعاناة الجماهير أمام قوى الاستغلال الرأسمالي والامريكي خاصة، تلفها يدا ماركس الذي يطل من الأفق الأزرق، برفق مطمئن ولتتمكن من التخلص من عكازتيها. الصورة الايقونية الإنجيلية واضحة تماما في اشارتها للقدرة العلاجية للماركسية للمجتمع.
توزيع وحضور الرموز والطابع الايقوني للوحة يمنحانها طابع الملصق السياسي المباشر. تحضر في اللوحة ثنائية الخير والشر، الحرب والسلام، ماركس القديس واليانكي الشرير، الحمامة البيضاء والنسر الى جانب فستانها الشعبي بألوانه البسيطة وزخرفاته الساذجة الذي يستحضر الترويج لحركة النهضة المكسيكية وللهوية الثقافية التي حررتها الثورة.
فريدا كالو كانت المرأة التي تحدت التوقعات الجندرية كمكسيكية، والناجية من الصدمة والواقفة رغم الإعاقة، عرفت جيدا معنى النضال من أجل الحرية وهو مثال كانت تتصوره في الماركسية.
ومع أن الطابع الغالب لأعمالها الرائدة هي اللوحات الشخصية (بورتريه) ذات الطابع النسوي المتحدي للأعراف الجمالية السائدة والمتفحص للحدود الجسدية والطبيعة المكسيكية وثقافة البلاد الشعبية في محاولة لاستكشاف أسئلة الهوية وما بعد الاستعمار والجنس والطبقة والعرق، الا أنها في هذه اللوحة تعبر عن موقف سياسي مباشر وصريح يذكرنا بلوحة أخرى لها وهي "بورتريه على حدود المكسيك والولايات المتحدة" (1932) تنتصب فيه فريدا كالو ذاتا ما بعد كولونيالية في فستانها الزاهي على الحدود، مدافعة عن حضارة السكان الأصلانيين في وجه حضارة أمريكا الشمالية.
في أيامها الأخيرة ورغم بتر ساقها واصلت نشاطها السياسي فتظاهرت ضد الإمبريالية الأمريكية على كرسيها المتحرك. توفيت فريدا كالو عام 1954 تاركة لوحتها غير مكتملة. وفي جنازة الفنانة انشدت الجوقة نشيد الأممية ولف نعشها بالعلم الأحمر المزين بالمطرقة والمنجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الحوار المتمدن – 7 حزيران 2020
*********
ص7
قرن على تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني
عادل حبه
في بداية القرن العشرين، تشكلت في ايران، وخاصة بين المهاجرين والعمال الإيرانيين العاملين في المؤسسات الروسية في باكو ومدن أخرى، منظمات يسارية ايرانية تأثرت باليسار الروسي وخاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي وتحديداً البلاشفة، وأطلقت على نفسها صفة (اجتماعيون عاميون).
وساهم الديمقراطيون الاجتماعيون بنشاط وفعالية في الثورة الوطنية الديمقراطية الإيرانية "المشروطة" عام 1905. ولكن تكالب بريطانيا وروسيا القيصرية وفئات اجتماعية رجعية وتيار من رجال الدين المتعصبين في داخل إيران، نجح في ألحاق الهزيمة بالمشروطة وثوارها. وتشتت قوى الثورة، وأضطر الكثير من قادتها وكوادرها إلى الهجرة سواء إلى روسيا أو إلى بلدان مجاورة اوغربية. لكن هذه القوى الثورية استمرت في نشاطها، خاصة في مناطق روسيا الجنوبية آنذاك (جمهورية آذربيجان حالياً) جيث كان يتمركز العمال الإيرانيون العاملون خاصة في الصناعة النفطية.
وفي أيار 1917، وبعد انتصار ثورة شباط الروسية التي أدت إلى إسقاط القيصر الروسي ونظامه، تشكلت في باكو منظمة يسارية تحت أسم "عدالت" بقيادة أسد الله غفار زاده، كإمتداد للحركة الاشتراكية الديمقراطية الإيرانية التي تأثرت بالإحداث الكبرى التي عمت روسيا آنذاك، خاصة بعد إندلاع ثورة اكتوبر في روسيا في السابع من تشرين الثاني 1917.
وعقدت هذه المنظمة، بالتعاون مع "حركة الغابة" (جنگليها)، أول مؤتمر لها في ميناء أنزلي الإيراني الواقع على بحر الخزر، حيث كتن ينشط عدد من المجاميع الثورية مثل "همت" وعدالت" وغيرهما. وأقر المؤتمر تبديل اسم المنظمة إلى "الحزب الشيوعي الإيراني" وانتخب قيادة له، فاصبح حيدر عمو أوغلي سكرتيراً عاماً للحزب، وغدا كل من اسد الله غفار زادة السكرتير الأول و أوتيس سلطان زاده السكرتير الثاني للحزب.
وأعلن في المؤتمر عن تأسيس الجمهورية الاشتراكية السوفييتية الإيرانية في منطقة كيلان من إيران، وكان ذلك حدثا فريدا واولا من نوعه في المنطقة وفي قارة آسيا، وانتخب مرزا كوجك خان أول رئيس للجمهورية.
وضم الحزب الشيوعي الايراني الوليد شخصيات لامعة ومفكرين ورجال سياسة ومثقفين، لعبوا ادواراً بارزة في تاريخ الحركة الشيوعية والعمالية العالمية، منهم على سبيل المثال علي مسیو، کامران آقازاده، سیروس بهرام‌، نیکائین وغفارزاده. وسرعان ما إنضم الحزب إلى التنظيم الفتي للحركة الشيوعية والعمالية العالمية "الأممية الشيوعية" التي تأسست في 19 آذار 1919. وتشير وثائق الكومنترن التي تم الكشف عنها بعد زوال النظام السوفييتي، إن هذا التنظيم نبع بالأساس من رحم الإيرانيين والفئات الكادحة الإيرانية، ومن الفئة المثقفة التي عاشت الأحداث العاصفة في أوربا خلال الحرب العالمية الأولى، وتداعياتها بعد إنهيار الأمبراطورية العثمانية وأمبراطورية النمسا والمجر والأمبراطورية الألمانية. وتحملت المنظومة الاستعمارية للأمبريالية
خسائر جسيمة في تلك الحرب، واجهها صعود المد الديمقراطي واليساري على نطاق الدول الرأسمالية، وانتعاش المد التحرري على نطاق بلدان آسيا وبقية الدول المستعمرة والخاضعة للنفوذ الأجنبي.
وكما يشير الشهيد عبد الحسين آگاهي في كتابه "تاريخ الأحزاب السياسية في إيران" فان : "حزب الاجتماعیين- العامیين كان أول حزب منظم في إيران في ثورة المشروطة من عام 1905 إلى 1911". (الشهيد عبد الحسين آگاهي كان من شهداء حزب توده ايران الذين تم إعدامهم خلال الحملة ضد الحزب عام 1983).
وشرع الحزب الفتي بنشاط حثيث خاصة في المناطق المحرمة بالنسبة له في طهران وتبريز واصفهان وشيراز ومشهد وقزوين ومدن إيرانية أخرى. كما شارك في لقاءآت اقليمية مثل الاجتماع الموسع لهذه الأحزاب في آسيا الوسطى بمدينة طاشقند، ومثّله أعضاء في لجنته المركزية. وشارك وفد منه في المؤتمر الأول للقسم الشرقي للكومنترن، حيث استعرض حيدر عمو أوغلي سكرتيره العام الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران، فيما تطرق علي خان زاده إلى تكتيك الحزب، وشرح آوتيس ميكائيليان (سلطان زاده) تشكيل المجاميع العمالية ومجالس العمال والفلاحين في إيران.
وقد أثار نشاط الحزب المتزايد قلق وحفيظة قوى خارجية( بريطانيا) وداخلية (قومية ودينية متعصبة) فشرعوا بالتفتيش عن حل يحد من خطره على مصالحهم، وقرروا اللجوء إلى الإنقلاب العسكري ، وقد قاده وزير الدفاع آنذاك وقائد لواء القوزاق التأديبي رضا خان، وكان هذا في عام 1921. وفي فترة 1923 – 1925 وبعد أن تم خلع آخر شاه من السلطة القاجارية، أجبر رضا خان مجلس الشورى على انتخابه شاهاً لايران، مدشناً عهد السلطة الشاهنشاهية البهلوية الاستبدادية.
وبعد أن عزز الشاه الجديد مواقعه في السلطة في 1925، هيأ الحزب ونفذ سنة 1927 إضرابا واسعا في شركة النفط الانجليزية. ورد رضا شاه في 1929 بفرض قانون "حظر النشاط الاشتراكي" (أدنى عقوبة بموجبه للناشط الاشتراكي 10 سنوات!) ، ثم شرع بهجوم واسع على الحزب وأنصاره. وبقي القانون سارياً حتى سقوط السلالة البهلوية في 1979 غداة الثورة الإيرانية.
وخلال تلك الفترة تعرض الشيوعيين إلى الملاحقة والسجن، واعتقل خيرة كوادر الحزب ومنهم الشهيد الدكتور في الرياضيات والفليسوف تقي أراني، الذي جرى قتل بالسم في السجن.
وطويت صفحة تأسيس الحزب وسط أجواء بوليسية مخيمة، حرمت الشيوعيين الإيرانيين من أي شكل من أشكال النشاط العلني. وإنحاز رضا بهلوي في السنوات
الأخيرة من حكمه إلى بلدان المحور الفاشي الألماني الايطالي الياباني، مما دفع بريطانيا والاتحاد السوفياتي إلى غزو إيران عام 1941 والاطاحة بحكم رضا بهلوي، وتنصيب ولي عهده محمد رضا بهلوي شاهاً لإيران، ليبدأ فصل جديد في مسيرة إيران، انتهى بسقوط الشاه الجديد على يد شعبه في شباط عام 1979.
ومع سقوط رضا شاه عام 1941 بدأ عهد جديد أتيح فيه للشيوعيين النشاط من جديد وبإسم جديد "حزب توده إيران"( حزب الشعب أو حزب الجماهير) تخفيفا من المسحة الإيديولوجية لتسمية "الحزب الشيوعي الإيراني"، وجاء ذلك بمبادرة من الشخصية اليسارية المخضرمة ميرزا سليمان اسكندري (والد الدكتور إيرج إسكندري السكرتير اللاحق لحزب توده إيران في السبعينيات من القرن الماضي).
وبعد سقوط رضا شاه ايضا، إطلق سراح السجناء الشيوعيين وعادت الكوادر السابقة للحزب الشيوعي الإيراني إلى النشاط في إطار الحزب الجديد. وشارك الحزب في الحكومة الأئتلافية برئاسة قوام السلطنة بثلاثة وزراء من أعضاء اللجنة المركزية لحزب توده إيران، وهم فريدون كشاورز وايرج اسكندري والدكتور مرتضى يزدي كوزراء للثقافة والصناعة والصحة. وكان هذا مؤشرا على نهاية صفحة الاستبداد التي سادت في عهد الشاه الأب، ولو بشكل مؤقت كما ظهر لاحقاً.
وتوفرت أجواء مناسبة للحراك القومي في آذربيجان وكردستان لتحقيق قدر من طموحاتهم القومية، وحظي ذلك الحراك بدعم حزب توده إيران أيضاً، لكنه قمع بعد سنة من ذلك، بعد إنسحاب القوات السوفييتية من شمال إيران في عام 1946 بموجب إتفاق سابق بين دول التحالف المعادي للفاشية.
وخلال هذا نشطت الحركات العمالية والنسوية والطلابية، ورعى الحزب النشاط الثقافي وتجاوز كل الحركات السياسية الإيرانية في تطوير الثقافة الإيرانية بكل مظاهرها.
ولكن ما أن القت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى أعلن الغرب على لسان ونستون تشرتشل الحرب الباردة، التي اطلقت أجواءها السلبية في كل بلدان العالم، وكان هذا التأثير السلبي مضاعفا في إيران بسبب موقعها الجغرافي في جوار الإتحاد السوفييتي. فأزيح ممثلو حزب توده من تشكيلة مجلس الوزراء، وبدأت الدول الغربية الضغط لازاحة الحزب كله من الميدان السياسي.
وتطابق هذا النهج مع مصالح الطغمة الحاكمة والوسط اليميني القومي- الديني، الذي أغرته أهداف الحرب الباردة، فوضع كل ثقله إلى جانب المخطط الأمريكي – البريطاني. وكما هي العادة جرى افتعال محاولة اغتيال للشاه في جامعة طهران لتوجيه الإتهام الى الحزب بتدبير المحاولة، وصدر حظر على نشاط الحزب في الدقائق الأولى من الإعلان عن المحاولة، بعد ما قيل عن العثور على هوية عضوية فيه بجيب المتهم،
الامر الذي يشير الى تدبير وتآمر معد سلفاً ضد الحزب.
وبدأ مسلسل الملاحقات، وألقي القبض على عدد من قادة الحزب من بينهم نور الدين كيانوري (أصبح في عقد السبعينيات سكرتير اللجنة المركزيةلحزب توده إيران ثم اعتقل عام 1983) الذي اصدرت بحقه أحكام ثقيلة، إضافة إلى إعتقال الضابط الأسطوري خسرو روزبه (أعدم في عام 1956)، ولكن تم تهريبهما من سجن قصر بعد فترة قصيرة من قبل تنظيم ضباط حزب توده ايران، وغادروا ايران سراً.
وما أن تولى الدكتور محمد مصدق مسؤولية الحكم بعد مظاهرات جماهيرية عارمة ضغطت على المجلس واضطرته الى الموافقة على تكليفه بتشكيلها، رغم معارضة الشاه وبطانته، حتى لعب حزب توده، رغم الحظر المفروض عليه، دوراً مؤثراً في دعم مصدق وتوليه رئاسة الحكومة وتحقيق شعاره في تأميم شركة النفط الإيرانية. وهو إجراء حدث لأول مرة في بلدان العالم الثالث ضد مصالح الشركات النفطية الاحتكارية، مما أثار جنون حكام الغرب والشركات المذكورة، فشرعوا بتدبير المؤآمرات للإطاحة بالرجا رغم كونه رئيس الوزراء الشرعي.
وحسب "الأصول" وعلى غرار ما جرى في العراق لاحقا، في 8 شباط 1963، اتحدت وكالات المخابرات الأجنبية في الولايات المتحدة وبريطانيا وشركات النفط الأجنبية، وبدعم إقليمي من حلفائهم باشروا العمل على إضعاف الجبهة الداخلية المساندة لمصدق، عبر افتعال الخلافات داخلها وإثارة بعبع الخطر الشيوعي من أجل التخويف ولتهميش حزب توده، ولتجنيد أطراف في المؤسسة الدينية المحافظة ضد مصدق وإجراءاته الإصلاحية. وهي المؤسسة التي رفعت شعار:" سقوط الشاه سقوط لكل العمائم في إيران" على حد قول الشيخ ابو القاسم الكاشاني، الذي دعم في البداية قرار تأميم النفط إلاّ أنه تراجع بعد ذلك إثر استلام مبالغ نقدية من المخابرات المركزية الأمريكية، حسبما كشفت الوثائق التي أميط اللثام عنها في الولايات المتخدة في الآونة الأخيرة.
نجح الإنقلاب والغي التأميم، ليتولى الامر كونسرسيوم نفطي تعود غالبية أسهمه للشركات الأمريكية ، ولم تحصل الشركات البريطانية النفطية إلاّ على الفتات خاسرة حصة الأسد التي كانت تمتلكها قبل التأميم. وعلى غرار ما حدث في العراق لاحقا غداة انقلاب شباط 1963، بوشر في ايران بتنظيم حمامات دم ضد حزب توده وأعضائه، وفتحت ابواب السجون على مصاريعها أمام خيرة شبيبة ايران، وهُيأت ساحات الإعدام لخيرة ضباط الجيش الإيراني وجنوده من أعضاء حزب توده، وللمئات من المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين، في حملة إرهاب لم تشهد إيران مثلها منذ الإطاحة بالسلالة القاجارية. وكان الهدف الأساس هو تصفية حزب توده كلياً، وتمهيد السبيل للهيمنة على البلاد لصالح قوى دولية، تعيش على إذكاء الحرب الباردة لتأمين تسلطها على مقدرات الشعوب.
واستمرت هذه العملية حتى بعد سقوط الشاه عام 1979، حيث أصبح حزب توده من جديد هدفاً لمخططات خارجية وداخلية لا تصب في مصلحة الشعب الإيراني، انما هذه المرة بغلاف ديني يلامس مشاعر المؤمنين البسطاء. ومن جديد أصبحت الماكنة جاهزة للتنكيل والتصفيات، بعد الهجوم على الحزب بدعاوى كاذبة من قبيل التجسس والسعي الى انقلاب عسكري ضد الحكم بدعم سوفييتي. وكان ذلك بعد أن رفع حزب توده شعار إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، مقابل شعار السلطة آنذاك :"الطريق إلى القدس عبر كربلاء" الذي يعني إصرار الحكم على الإستمرار بتلك الحرب العبثية المهلكة، التي استمرت ثماني سنوات والحقت ما الحقت بالشعبين من الضحايا والخراب.
*********
سلطان زاده .. القائد الشيوعي والشخصية الفذة
في مناسبة مرور قرن على تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني، نود تعريف القارئ الكريم على واحد من وجوه الرعيل المؤسس للحزب، وهو الشهيد آوتيس ميكائيليان (سلطان زاده).
ولد سلطان زاده سنة 1889 في مدينة مراغه الإيرانية لعائلة أرمنية هاجرت إلى إيران. الأب هو حسين سلطان والأم مريم باجي. وقد أنهى الفتى المدرسة الإبتدائية ثم انتقل إلى العاصمة الأرمنية يريفان، حيث التحق بمدرسة أرمنيان التي تعود إلى الكنيسة الأرمنية. وفي عمر الثامنة عشرة التحق بالحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية في القفقاس. وفي عام 1913 أصبح عضواً في الجناح البلشفي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي. وساهم في نشاط النقابات العمالية قبل ثورة اكتوبر، وفي أثناء الثورة انخرط في النشاط الثوري بمدينة بطرسبورغ.
كان سلطان زاده أحد مؤسسي حزب العدالة في إيران. وأصبح عضواً في هذا الحزب في آسيا الوسطى، وشجع العمال الإيرانيين على الإنضمام إلى الجيش الأحمر. وفي نيسان 1920، شارك في كونفرنس حزب العدالة في طاشقند، حيث أعلن إنضمام سبعة آلاف إيراني إلى الحزب. ومهد هذا الكونفرنس الطريق لعقد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب الشيوعي الإيراني، الذي إلتأم في ميناء أنزلي. وجرى انتخابه سكرتيرا أول للجنة المركزية للحزب. وفي المؤتمر الثاني للكومنترن أنتخب عضوا في اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وفي عام 1921، أصبح مستشارا للينين قائد ثورة اكتوبر، وترأس دائرة الشرق الأدنى في كوميسارية الشؤون الخارجية في موسكو. وفي 25 كانون الثاني عام 1922، قررت اللجنة التنفيذية للكومنترن تعيينه ممثلا للحزب الشيوعي الإيراني في الكومنترن.
في ذلك الوقت كانت سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه إيران قائمة على دعم رضا شاه في المرحلة الأولى من سلطنته. وازاء ذلك اتخذ سلطان زاده موقفاً مماثلاً لموقف الحزب الشيوعي الإيراني في انتقاده لسياسة الاتحاد السوفياتي وموقفه من رضا شاه. ونتيجة لموقفه هذا ابتعد عن الحزب الشيوعي الإيراني وتخلى عن منصبه في الكومنترن. ومنذ عام 1927 عمل مستشارا اقتصاديا في الاتحاد السوفييتي، ولعب دوراً مؤثراً في تأسيس معهد المصارف السوفييتي. وتولى منصب رئيس تحرير مجلة المصارف السوفييتية. وخلال ذلك ألف سبعة كتب، اهمها "ايران المعاصرة" و "الأمبريالية الأنجليزية في إيران"و "النفط والفحم الحجري والعمال"، إضافة إلى عدد من الكتب الماركسية ومن ضمنها " الأجور والأسعار والأرباح" و "العمل والرأسمال" و "البيان الشيوعي" وتم ترجمتها إلى اللغة الفارسية تحت إشرافه.
في عام 1927 عاد إلى الحزب الشيوعي الإيراني والى قيادته، بعد أن غيّر الكومنترن سياسته تجاه رضا شاه ووصمه بالاستبداد واتهمه بقمع القوى التقدمية. لكن سلطان زادة عبرعن معارضته لما كانت تنشره بعض الصحف السوفييتية وتكيل المديح فيه لرضا شاه، معتبرة أياه شخصية وطنية معادية للأمبريالية.
شارك سلطان زادة في المؤتمر الثاني (1920) والثالث (1921) والسادس (1928) للكومنترن، بإعتباره ممثل الحزب الشيوعي الإيراني. والتقى مرتين مع لينين وبحث واياه قضايا الحركة الثورية في الشرق، والمسائل المتعلقة بطروحات الكومنترن حول القضية القومية والمستعمرات.
ومنذ عام 1935، شرع سلطان زاده بانتقاد البيروقراطية التي استشرت في الاتحاد السوفييتي. وفي 16 كانون الثاني عام 1938 ومع الشروع بحملة التصفيات السياسية في الاتحاد السوفييتي، وُجه له الإتهام بالتجسس لألمانيا النازية وأعدم رمياً بالرصاص.
وبعد وفاة ستالين أعاد الحزب الشيوعي السوفييتي الإعتبار لسلطان زاده، وووريت رفاته الثرى في مقبرة تليق به وبشخصيته الفريدة.
***********
ص8
كيف تنقذ أمريكا ديمقراطيتها ؟
تصف للعالم الدواء ولا تتناوله !
كتب جيفري سميث، المدير المؤسس لمنظمة (فانجارد) غير الربحية المؤيدة للديمقراطية، ونيك تشيزمان، أستاذ الديمقراطية في جامعة بيرمنجهام، تقريرا في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية حول حاجة الولايات المتحدة نفسها إلى تطبيق برامج الديمقراطية التي تروج لها وتمولها في الخارج.
يدعو الكاتبان القراء إلى تخيُّل المشهد التالي: بلد يحترق. مجتمعات الأقليات ومناصروهم يجتاحون المدن الكبرى للاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام المساواة. رئيس غوغائي (ديماجوجي؛ يحاول إقناع الآخرين باستغلال مخاوفهم وأفكارهم المسبقة) مثير للانقسام، يؤيد العنف علنا ضد منتقديه، في محاولة أنانية لتعزيز دعمه المنحسر. وإعلام، كان يوما ما مؤسسة محترمة، أصبح عالقا على خط إطلاق نار حقيقي، وعرضة لخطر الاعتقال والهجوم. وشرطة لم تعد موضع احترام بوصفها ضامنا لحكم القانون، بل بات ينظر إليها على أنها تهديد للسلامة العامة.
سحب الدخان واضحة في العاصمة، ومباني الحكومة والأحياء يزينها الجرافيتي المناهض للمؤسسة، بينما تُضرَم النيران في مقرات قيادة الشرطة، وتُحَطَّم واجهات المتاجر، وتدوِّي صافرات سيارات الإسعاف، فيما يتعالى أزيزر المروحيات فوق الرؤوس، ويكتمل المشهد بفرض حظر تجوال في كل أنحاء المدينة.
هذا بالضبط هو طراز الدول التي تنفق الولايات المتحدة بانتظام ملايين الدولارات فيها من أجل الارتقاء بالديمقراطية. ولكننا اليوم لا نتحدث عن جمهورية الكونغو الديمقراطية أو الفلبين أو فنزويلا، بل عن الولايات المتحدة نفسها. والمفارقة هي أن الولايات المتحدة في أمس الحاجة الآن إلى نوعية برامج المعونة الديمقراطية التي تنفذها بانتظام «هناك» في ما يعرف بالدول النامية.
يضيف المقال: ومن المؤكد أن خطوط الصدع المتأصلة في الحمض النووي للديمقراطية الأمريكية ليست شيئا جديدا. صحيح أنه من المزعج رؤية حوادث على غرار مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض أثناء ارتدائه الزي الرسمي، وانفجار الغضب الذي أعقب ذلك، لكن لا ينبغي أن يكون ما حدث بمثابة صدمة.

العنصرية المؤسساتية
والحرمان الاقتصادي

يلفت الكاتبان إلى أن العنصرية والتصدعات المؤسساتية الكبيرة، والفجوات المتزايدة بين من يملكون ومن لا يملكون، والنظام السياسي الذي يفضل الشكل على الجوهر في الحملات الانتخابية وتقييم المرشحين، لطالما شوَّهت المكانة الديمقراطية للولايات المتحدة. ومواطن القلق هذه لم تتجسد بين عشية وضحاها، وإنما هي النتيجة الحتمية لرفض «أقوى ديمقراطية» - حسبما تصف أمريكا نفسها – الاعتراف بأوجه قصورها ومعالجتها بإخلاص.
في الواقع، الولايات المتحدة في أمسِّ الحاجة إلى نوعية برامج تعزيز الديمقراطية، التي لطالما دافع قادتها عنها في الخارج، استنادا إلى توافق بين الحزبين بشأنها.

أمريكا تختلف عن نظرائها
بما يجعلها فوق مستوى النقد

يرى الكاتبان أن الرضا عن الذات، الذي يظهره القادة السياسيون الأمريكيون، يعد عميق الجذور، ولاسيما في واشنطن، إذ يبدو أن المسؤولين من كل الأطياف مطمئنون، ويا للغرابة، وهم يشاهدون رأي العين التآكل المنتظم لنواميس البلاد الديمقراطية.
في صلب هذا المرض ثمة مكوّن ثقافي عميق يعود بجذوره إلى مفهوم الاستثنائية الأمريكية. ووفقا لهذه النظرة العالمية، يجرى تصوير الولايات المتحدة وتصورها، وفي الغالب يؤمن مواطنوها بأنها أساسا تختلف عن نظرائها العالميين، على نحو يرفعها غالبًا فوق مستوى النقد.
هذا الميل لتمجيد الديمقراطية الأمريكية عززه عمل بعض المنظمات التي تحلل الاتجاهات الديمقرطية العالمية – مثل «فريدم هاوس» – التي صورت منذ زمن بعيد المشروع الأمريكي بوصفه النموذج المختصر لما يجب أن تبدو عليه دولة ديمقراطية. وبكلمات أخرى: يجب أن تكون هي المعيار، الذي يتعين الحكم على الدول الأخرى وفقًا له.
وعلى الرغم من أن منظمات مثل «فريدم هاوس» ومنظمات أخرى أثارت مؤخرا مخاوف جادة حول تدهور مستوى للديمقراطية الأمريكية، وتداعياتها العالمية، إلا أن هذا لم يتغلغل تماما إلى عمق الوعي الوطني بعد.
نتيجة لذلك، يرى الكاتبان أن هذه الحلقة المشوهة من التغذية الراجعة (تقويم الأداء بهدف تصويب الأخطاء)، والافتراض السائد عن قوة مؤسسات الولايات المتحدة ونواياها الطيبة، أسهمت في التغطية على عيوب البلاد الجوهرية. وعلى مدى السنوات العديدة الماضية خاصة، شمل هذا التهميش الاقتصادي والسياسي المستمر لجماعات الأقليات، والتمثيل المتدني البائس للنساء في المواقع الانتخابية، والتلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية إلى حد كبير، بما يخلق مجالا لانعدام التكافؤ السياسي، وتحريض مسؤولين منتخبين متطرفين على العنف السياسي، وتأثير تدفق الأموال بكميات كبيرة في تشويه المشهد السياسي بدرجة صارخة.

العملية السياسة المعيبة

وتساعد هذه الخلفية في شرح السبب في أن هناك قبولا غريبا للعملية السياسية المعيبة في الولايات المتحدة، بما فيها الانتخابات. وكان أكثر الأمثلة تطرفا هو تأييد المؤسسة السياسية تولي برايان كيمب منصب حاكم جورجيا في عام 2018، على الرغم من المخالفات الفادحة والتمييز المنهجي، ونزع حق الاقتراع الذي أمَّن فوزه.
ومن الواضح أن كيمب، الذي كان يعمل في الوقت نفسه سكرتيرا للولاية أثناء خوضه الانتخابات لتولي المنصب، سعى إلى جعل التصويت أكثر صعوبة لمؤيدي خصمه، ولاسيما للملونين، الذي كانوا يدعمون منافسته، ستاسي أبرامز، بقوة ساحقة. ولم يكن مدهشًا أن جورجيا في الأسبوع الماضي كانت محور انتقادات واسعة النطاق بسبب تعاملها المزري مع الانتخابات المحلية.
وعلى الرغم من الأضرار التي تلحقها مثل هذه العمليات الاستبعادية بالديمقراطية، فإن القادة السياسيين الأمريكيين دأبوا على العمل بعضهم ضد بعض بنشاط لمنع الإصلاح. وحقيقة أن مشروع قانون مجلس النواب رقم 1، الذي يحمل اسم: «قانون من أجل الشعب»، والذي أقره مجلس النواب في عام 2019 – لتوسيع الوصول إلى صناديق الاقتراع وتقليص تأثير الأموال الضخمة في السياسة، وتقوية قواعد الأخلاقيات للموظفين العموميين – أعاقه مجلس الشيوخ، هو تجسيد تام لهذه المحنة.
وسخر ميتش ماكونيل الزعيم الجمهوري لمجلس الشيوخ علنا من مشروع القانون، وتعهد بعدم السماح بالتصويت على مادته، وهو السلوك الذي يصفه الكاتبان بأنه غير ديمقراطي، اعتادت الحكومة الأمريكية على إدانته حين يحدث في دول أخرى.

ترامب ساعد في التعجيل
بتردي أمريكا

يكمل الكاتبان عرض فكرتهما، فيحمِّلان الرئيس دونالد ترامب – وهو في نظرهما قائد يتهمانه بانتهاك مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في خطابه وممارساته – مسؤولية في التعجيل بتردي أمريكا. غير أنه في كثير من الأحيان يركز المعلقون على ترامب كما لو كان وحده الذي يفسر سبب اضمحلال الديمقراطية في البلاد. أما في الواقع، فهو مجرد عرَض أكثر منه سبب لإصابة النظام السياسي بالتمزق، واتسامه بالاستقطاب المتزايد، وانعدام الثقة على مدار سنوات.
وفي ضوء التداعي الواضح للديمقراطية الأمريكية، من المدهش أنه خلال السنوات الأخيرة، أنفقت الحكومة الأمريكية الكثير من الوقت والطاقة والموارد في محاولة لجعل «الديمقراطية تنجح» خارج حدودها بدلا من إنجاحها في الداخل. ومنذ بداياتها المتواضعة في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، يقدر أن الإنفاق العالمي على تعزيز الديمقراطية بلغ الآن نحو 8 إلى 10 مليار دولار سنويا (على الرغم من أن الإنفاق الأمريكي انخفض خلال السنوات الأخيرة، حتى في ظل إدارة أوباما ).
يستدرك المقال: لكي نكون واضحين، فإن هذا الإنفاق ليس شيئا سيئا – وعندما ينفذ بصورة استراتيجية وبتركيز طويل المدى، تكون البرامج الداعية للديمقراطية وسيلة فعالة من حيث التكلفة لحماية وتعزيز حقوق الملايين، وتحسين سبل معاشهم في أنحاء العالم.
تخيَّل إذا ما كان على الموظفين المتفانين الذي يعملون في الوكالة الأمريكية للمعونة الدولية، أن يتوجهوا إلى بلادهم من مواقعهم في دول مثل نيجيريا، والعراق، وأفغانستان، وبنجلاديش، لإجراء تقييم للانتخابات في نورث كارولاينا، وجورجيا، وويسكونسون. من المؤكد أنهم سيستنتجون أن الكثير من المشروعات التي ينفذونها في الخارج يمكن أن تساعد في تقوية النظام السياسي الأمريكي في وقت تعد الحاجة إليها ماسة.

أمريكا بحاجة إلى برنامج
للتجديد الديمقراطي

وما تحتاجه الولايات المتحدة اليوم في الحقيقة – كما يقول الكاتبان – هو: برنامج للتجديد الديمقراطي، يتعلم من التجارب التي أثبتت أكبر فعالية في أنحاء العالم. ويتعين أن يشمل هذا إجراءات فورية مصممة لتقليص مخاطر زعزعة الاستقرار السياسي – والعنف المحتمل – في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) القادم وعملية إصلاح طويلة الأجل لإعادة بناء الثقة في النظام السياسي.
أولا: تحتاج الولايات المتحدة إلى برنامج حقيقة وعدالة ومصالحة، لمعالجة إساءة معاملة يد الشرطة وقوات الأمن ذات الصلة للأقليات العرقية. ففي بلدان مثل جنوب أفريقيا، حيث سعى نظام الفصل العنصري صراحة إلى مفاقمة الانقسامات العرقية، أدت برامج على هذا الطراز إلى تعزيز التعافي، والبدء في تحديد المزيد من الإصلاحات الضرورية كي تمضي البلاد قدما.

أمريكا تتعلم من جواتيمالا

والوضع المثالي، هو أن تتزامن المبادرة مع معاهدة سلام مقبولة من الأطراف السياسية الرئيسية تلزمهم بالتمسك بالمبادئ الديمقراطية، وعدم التحريض – سواء ضمنا أو خلافه – على العنف قبل انتخابات نوفمبر. وكان هذا النهج، على سبيل المثال، فعالا في تجنب العنف السياسي أثناء الانتخابات في جواتيمالا.
ثانيا: من الواضح أن هناك حاجة لإصلاحات انتخابية كبرى لإنهاء ممارسة التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية، ومنع قمع الناخبين، وهو الاستخدام المتعمد لمتطلبات مجهدة غير ضرورية لكي يسجل الفرد نفسه من أجل التصويت وممارسة حقوقه الديمقراطية الأساسية. وكما وثق كل من مركز برينان للعدالة ومركز التقدم الأمريكي، شهد العقد المنصرم شلالا منهمرًا من الجهود المستهدفة لقمع أصوات الأقليات العرقية.

التلاعب بالأصوات

كان هذا يجرى تبريره على الدوام على أساس أنه إصلاح ديمقراطي تشتد الحاجة إليه، ولكن في الواقع فإن هذا النوع من الاحتيال في التصويت نادرا ما كان مشكلة مهمة في الولايات المتحدة، على الرغم من المزاعم الغريبة للقادة الجمهوريين وترامب. (في الحقيقة، فإن أحدث مثال موثق على الاحتيال المطلق شمل جهود التلاعب بالأصوات لصالح عضو جمهوري في مجلس النواب في نورث كارولاينا، تنحى في أعقاب المزاعم). يذكّر الكاتبان بأن انتخابات نوفمبر قريبة للغاية، بحيث يصعب طرح إصلاح منهجي حقيقي، ولكن من الممكن تخفيف بعض التداعيات. على سبيل المثال، حققت الحملات المستهدفة بعناية، والممولة بمقدار جيد لحمل الناخبين على الخروج للتصويت، في دول مثل ساحل العاج، نجاحا كبيرا في تعزيز معدلات التسجيل بين المجتمعات التي كانت تاريخيا محرومة من حق التصويت مثل الأقليات والنساء والشباب.
والولايات المتحدة لديها تاريخ من حملات منظمة rock the vote الهادفة إلى بناء القوة السياسية للشباب، ولكن في عام 2020 يتعين أن تكون هذه أكثر شمولا ومرتبطة بالجهود القائمة لحكومات الولايات، لخفض تكلفة التصويت، ومن الأمثل أن تشمل التسجيل التلقائي للناخبين، أو التسجيل في اليوم نفسه، وهو ما جرى تطبيقه بالفعل في 16 ولاية وواشنطن العاصمة.
شركات التواصل الاجتماعي
تفرض رقابة على ترامب

وأخيرا، يتعين وضع نهاية للاستخدام المثير للانقسام لوسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الحزبية على كل أشكال وسائل الإعلام، بدءا بترامب نفسه. ويحسَب للمسؤولين في تويتر مؤخرا اتخاذ قرار بمراجعة تغريدات ترامب المضللة علنا، كذلك طبقت شركة «سنابشات» شروط الخدمة لديها على تحريض ترامب. وفي كينيا، في أعقاب العنف الذي اندلع بعد الانتخابات في عام 2007، جرى تقديم برنامج تدريبي «لصحافة السلام» لتشجيع المهنيين على التفكير في عواقب تصريحاتهم.
بالطبع يتعين أن يطبق ذلك بعناية، حتى لا يؤدي إلى رقابة أكبر، ولكن إلى جانب حملات محو الأمية الرقمية الكثيفة – التي يجب تعلمها في المدارس وأيضا عبر موجات الهواء – يمكن أن تساعد في تقليص انتشار المعلومات المضللة وقوتها. وإلى جانب مراقبة إعلامية حريصة، وملاحقة أولئك الذين يتورطون في خطاب الكراهية أو التحريض، يمكن أن يقلص ذلك مخاطر حدوث اضطرابات أثناء الانتخابات.

هبوط تصنيف أمريكا الديمقراطي

على المدى الطويل، سيكون تقوية نظام الكوابح والتوازنات ضد السلطة التنفيذية أيضا أمرا مهما. وأثبتت سنوات ترامب – على الرغم من قدرة الكونجرس على عزل الرئيس – أن العديد من الكوابح التي يفترض أنها قائمة كانت بالأحرى شكلية ويسهل أن يحطمها قائد مستعد للاستهزاء بالسوابق الراسخة، وارتكاب أعمال غير دستورية، وربما غير قانونية.
وانخفض تصنيف الولايات المتحدة وحدة الاستخبارات الاقتصادية في أسبوعية الإيكونوميست البريطانية من مرتبة «ديمقراطية كاملة» إلى «ديمقراطية معيبة»، لتحل بذلك في تصنيفٍ يضم دولا متباينة مثل ناميبيا، والسلفادور، وتايلاند، بعد أن تراجعت عبر سلسلة من المؤشرات، بما فيها انعدام المساواة، والسلطوية السياسية، والافتقار إلى الثقة في الحكومة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ساسه بوست – 16 حزيران 2020
**********
الآيديولوجية بين مفهوم الدولة والبعد السياسي
عصام الياسري
الآيديولوجيا من "علم اللغة الفرنسية، إلى اللغة اليونانية القديمة"، مفهوم مركب من كلمتين "إيديا" idéa، بمعنى "فكرة" وكلمة "لوجوس" lógosالتي تعني "علوم التدريس"، الدارج بالعربية "منطق" ووفقاً للرؤية العالمية المعاصرة بـ "نظرية الأفكار". بمعنى أوسع، التعلم من أجل رؤية العالم بشكل شمولي. ويبدو أن مفهوم الأيديولوجيا كمصطلح حديث في علوم السياسة المعاصرة، قد استقى تعريفات عديدة، لكنه يشكل بالمعنى العام "النسق" الأكثر تكاملاً للافكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. بالمعنى الضيق، يعود الأمر إلى كارل ماركس للإشارة إلى "الوعي الساذج" للمجتمع، ومن ناحية أخرى، ما يراه علم اجتماع في المعرفة في الولايات المتحدة، الذي يُطلق على كل نظام معايير أيديولوجية تستخدمها مجموعات أصحاب القرار لتبرير وتقييم أفعالهم وأفعال الآخرين على النحو الذي يحقق مصالحهم. ألا أن هذه الإيديولوجيا، وفقاً لماركس وإنجلز، تعكس: الأفكار ووجهات النظر العالمية التي لا تستند إلى أدلة وحجج جيدة، إنما تهدف إلى تثبيت علاقات القوة.. فالآيديولوجيا، لها مجموعة غير ثابتة من المفاهيم والمعاني، بعضها حصريا، يمكن للمرء أن يصفها على أنها نص منسوج من مفاهيم مختلفة، ومختلفة بخطوط تقليدية متباينة. لذلك، من المنطقي التساؤل حول خطوط تلك التقاليد وعن الأشياء المفيدة أو غير الضرورية وطريقة ضخها بقوة في مفهوم نظري.
ويبدو ان مصطلح "أيديولوجيا" أو "أيديولوجيات" هو مفهوم مركزي، ولكنه في نفس الوقت مفهوم مثير للجدل ومتعدد الأوجه في علم السياسة، إنما محمل أيضاً بالعديد من الدلالات التي تم تطويرها في فرنسا ما بعد الثورة في 1789 لتبرير الأفكار السياسية تاريخياً وبشكل موضوعي. تحت تأثير كارل ماركس وفريدريش إنجلز، أصبح مصطلحاً دلاليا للنضال السياسي الذي يستهدف في المقام الأول وظيفة استقرار الفلسفات السياسية الراسخة. فقط في القرن العشرين، نتيجة ترابط وسائل وقوى الإنتاج، وجد في مصنع "كارل مانهايم" Karl Mannheim's الألماني، ظهور مفهوم إيجابي أو محايد جديد "للإيديولوجية"، مرتبطاً بعلم الاجتماع. تحت تأثير الديكتاتوريات الشمولية، سرعان ما ارتبطت مرة أخرى بشكل أساسي بالقوى الشريرة التي ترسم صورة مشوهة للعالم من أجل التأثير على الناس من حيث السياسة وإضفاء الشرعية على نظام الحكم. عندما تم الإعلان عن "نهاية الإيديولوجيات" في أوائل الستينيات، نظرا للاحداث السياسية ـ المجتمعية والحروب، كان لابد للمصطلح أن يثبت نفسه في العلوم الاجتماعية كمصطلح عام للتيارات السياسية الرئيسية في العديد من الدول المتطورة في الوقت الحاضر.
وبسبب الأفكار والعقائد والثقافة السياسية غير المتآلفة، بشكل أساسي، من خلال انعدام حرية التعبير واستقلالية المعتقد او عدم التجانس الديني والعرقي. تم التناحر والانقسام وإفراغ الفكر السياسي من محتواه المجتمعي بإتجاه التوجيه السياسي نحو الصراع بين مصطلحي "يسار" و "يمين"، اللذان أديا الى محدودية أسس السيادة وبناء الدولة الوطنية وضمان مصالح المجتمع وتطورة.. السؤال اذن، ما العقيدة المناسبة لتعريف مفهوم الأيديولوجيا فيما يتعلق الامر بمفهوم الدولة؟، في بلد كالعراق مثلاً، يفتقر الى الإنتاج العملي للمعاني والعلامات والقيم في الحياة الاجتماعية، والعديد من الأفكار المميزة لمجموعة أو طبقة اجتماعية ذات دوافع وطنية واجتماعية معينة تساعد على عدم إضفاء الشرعية على سلطة لا تستطيع الفرز بين الآيدلوجيا والسياسة، بعيداً عن وهم المفاهيم الخاطئة. الوسط الذي يختبر فيه الأفراد من الواقع اللغوي للظواهر، علاقاتهم كبنية اجتماعية عملية تحول الحياة الاجتماعية إلى واقع طبيعي يتصرف فيه الأشخاص اجتماعيا وفقاً لمعتقدات موجهة نحو العمل بوسائل وهدف ذا معنى.
لكن، كما يبدو إن النقاشات الأيديولوجية حول مفهوم الدولة بالنسبة لبعض المراقبين للسياسة الدولية لم تنته أبدا. فقد ورد وفقا للمتخصص في إدارة الأعمال والمؤلف الياباني أوما كينيشي Ohmae Kenichi، أن الدولة كشكل "سياسي" أخذ منذ فترة طويلة حقه التاريخي في الوجود. فيما تعتبرها، العالمة الاجتماعية والباحثة في مجال الاقتصاد السياسي الدولي، البريطانية سوزان سترانج Susan Strange إنقاذا لهجوم عالمي "نيوليبرالي" للتحرر من دولة النظام السياسي والانجراف المتسارع بعيدا عن التماسك الاجتماعي. آخرون لا يؤمنون بنهايتها، لكنهم يرونها فقط كممثل من بين العديد، وأيضا كجهاز لا يستطيع المرء الاعتماد عليه وحده. فهم يعتقدون من وجهة نظر ميشائيل تسورن Michael Zürn أستاذ الشؤون الدولية ومدير قسم "الحوكمة العالمية" في مركز برلين للعلوم والبحوث الاجتماعية: إن حكم الدولة يتطلب الاحتواء والسيطرة من قبل المجتمع المدني، وإلغاء نفوذ المنظمات الدولية. حتى الآن، كانت الدول هي الأساس المحدد لما نسميه السياسة الدولية أو السياسة العالمية أو النظام الدولي أو العلاقات الدولية. ومع ذلك، فإن كل هذه التقييمات تشترك في شرط أساسي متخيل: الدولة، لا الأيدلوجية، تشكل الهياكل الحاسمة لما نسميه العلاقات السياسة العامة، أو النظام التكاملي لفرض سلطة الدولة وسيادة القانون. المسألة، ما إذا كانت نتيجة تجارب تاريخية محددة تم دمجها في أشكال دون إعطاء نقطة انطلاق مناسبة تحليليا لفهم ما يمكن تسميته على خلفية الإنتاج العملي للمعاني والعلامات والقيم في الحياة الاجتماعية على أساس السياسة العالمية. إذا كان هذا هو الحال، فيمكن للمرء أن يتحدث عن الدولة كأيديولوجية، بالطبع ليس بالمعنى الماركسي الحاد، كوعي ناتج عن ظروف معينة، ولكن بمعنى عقائدي مدعوم بعلاقات وأفكار وتصورات قوية معينة.
وتحت تأثير الآيديولوجيا أحياناً، احتد المشهد السياسي نحو الشعبوية بشكل سلبي إلى حد كبير. هذا ليس أقله، بسبب التعبئة الديماغوجية من قبل القادة الكاريزميين الشعبويين، على خلفية الإمكانات الشمولية للسياسة الجماهيرية التي ترتبط بها الشعبوية. إنما أيضا بسبب اعتراض الآباء الدستوريون على طرق التمثيل الديمقراطي وامتناعهم عن إضفاء الطابع المؤسساتي على الآليات الديمقراطية المباشرة لصنع القرار السياسي. وفي الغالب يجري افتراض خصم سياسي وتبسيط القضايا المعقدة من أجل التوافق الانتهازي لجعل رأس المال السياسي عديم الضمير. أصبح هذا الاتهام لا غنى عنه في المناقشات السياسية والعامة حتى اليوم. بيد أن هناك نتائج دراسات عالمية تجريبية مقارنة حول العلاقة بين الأيديولوجية والقيم. هذا التحقيق مهم وفريد من نواحٍ عديدة تتحدث عن عمل مجموعة من علماء الاجتماع من ثمانية بلدان. اجتمعت تسع مرات منذ عام 1971 لمناقشة النظرية والمفاهيم المتعلقة بـ "الشعبوية والآيديولوجية" على نهج تحقيق مشترك وخلاق المتطلبات الفنية لتحليل البيانات المتعلقة بشروط السلوك السياسي غير التقليدي للحركات الشعبوية Populismus، التي طالما تصنف "يمينيا". وغالبا ما تُظهر الشعوبية نفسها بأسلوب سياسي معين وتعمل كاستراتيجية لاكتساب السلطة. فقط في بعض الأحيان لا تظهر في العلن كجزء من الأيديولوجيات الفردية.
وفيما لعبت الديماغوجية على خلفية الإمكانات الشمولية للسياسة، دورا ضليعاً لتعبئة الشعبويين، فقد كان للأيديولوجية أثراً ما على تفكك جزئي للعقيدة الدينية وتحولها إلى العمل السياسي. علما بأن الدين هو نمط من المعتقدات والرموز التي تحتوي على عبارات حول عالم آخر يتجاوز العالم الدنيوي، وليس نظام عام للوجود البشري - الفلسفة تفعل ذلك. المستشرق الهولندي جاك واردينبورغJacques Waardenburg، لا يعتبر المعتقد أنه "مدونة تفسير" و "نظام نمط حياة" بحد ذاته. بدلا من ذلك، نمط ينظم كيفية التعامل الديني مع المُقدس و ـ أو مع السمو. ويرى بان الأديان هي أنظمة توجيه: تشمل عناصر وسلوكيات محددة للغاية، مثل فكرة وجود كائنات روحية تتعلق بالقوى والعلاقات الدينية التي يمكن للمرء التواصل معها. بالإضافة إلى ذلك، امتلاكها معايير وقيم تعتبر صالحة، إذا ما أخذ الناس بالاتجاه المحدد لها على محمل الجد.. فيما يذهب أستاذ علوم اللاهوت الأساسي، الألماني زغفريد فيدنهوفر Siegfried Wiedenhofer، الى ان: الاعتبارات القانونية والفلسفية بشأن اللاهوت "الدين السياسي" والأشكال المختلفة لما يسمى بـ "الدين المدني" تقف على عتبة التناقض بين المعتقدات الدينية والسياسية. ويمكننا تعريف "اللاهوت السياسي" بأنه "تفاعل الدين والسياسة". وتبعا للحالة، يمكن أن يكون "لاهوت السياسة" أو العكس بالعكس "تسييس الدين" لاحتواء السياسة. شهد علماء اللاهوت في العصور القديمة استخدام الدين من قبل السياسة لأغراضها الخاصة. في ذلك الوقت كان لها أشكال مختلفة: "التغيرات اللاهوتية للقوى والظواهر الأكثر علمانية، "تعبير" التأليه الذاتي الاثني - اثني، "رموز" دنيوية مقلوبة ومتشابكة مع خيبة أمل العالم. فبدلاً من جعل الدين "اللاهوت" قابلاً للاستخدام من قبل السياسة، أصبحت عملية الدين سياسية، بدل عقيدة الدين المدني الفاضلة.
في الجزء المتعلق بالعراق بكل تفاصيله كـ "تجربة" امتدت لاكثر من سبعة عشر عاما، وفقا للظواهر والدراسات، بإختصار: فان نتائج المقارنة حول العلاقة بين الأيديولوجية والقيم الدينية، قد افرزت تصنيفات من عدم الرضا عن السلوك السياسي غير التقليدي للاحزاب السياسية "الاسلاموية".
**************
ص9
القصة القصيرة ونقدها

تعتز "طريق الشعب الثقافي" بنشر رائعة القاص الكبير محمد خضير "المحجر" التي خصنا بها، ونعدها انموذجاً للقصة العراقية الحديثة، لكاتب متمرس، له رؤيته وحضوره المتميز في كتابة هذا اللون الادبي الذي أثاره ونبه اليه منذ مجموعته القصصية الأولى "المملكة السوداء".
واعتزازاً واكراماً للقاص المبدع محمد خضير، وبهدف اغناء الجانب الإبداعي والنقدي في حياتنا الثقافية، وضعنا قصة "المحجر" امام الناقد العراقي البارز الأستاذ فاضل ثامر الذي سلط الضوء على هذه القصة الاثيرة.
وسنواصل مستقبلاً نشر قصص قصيرة يرافقها نقد لأبرز اعلام النقد العراقي.
المحرر الثقافي
**********
قصة قصيرة
الـمـحـجـر

محمد خضير
(1)

في محجرنا إرسالٌ خافت عبر جدار صفيحيّ واهن، تواصلٌ غير أكيد بين فريقين محجوزين، معزولين عن بعضهما؛ وكان كلّ فريق يجهل ما يحتجزه القسمُ المجاور، وإن كان على إحساس خانق بانحشار الأجساد، وانصهارها في الحرارة المتصاعدة من الجدار الرقيق، والسقف الخرساني المشترك بين القسمين. يوحي الفراغ الموجود بين حافة الجدار والسقف باختلاط الأنفاس، أنفاس الضجر أو أنفاس المرض، بين المحجورين والمأسورين، على الجانبين، لكنه لا يسمح بأيّ خطة للعبور وتبادل الأماكن، ما أن يحلّ الليل، ويغفو الحرّاس. والحقيقة حرّاسنا هم منا أيضاً، فهم إما محجور هنا أو محبوس هناك، لكنّهم ما أن يقع عليهم الاختيار بحراستنا، حتى ينقلبوا إلى كلاب كاسرة، تنهش ما تبقى من صدور متناقصة الهواء، وأفواهٍ عافت الكلام واكتفت بالوصوصة والعواء، أو السعال والتمخّط. لكننا عرفنا هنا حقيقة حجرنا استناداً إلى ما ينقله الحراس من أخبار متضاربة عن ذلك الجانب، زادت في عزلتنا واحتراسنا من الاختلاط أو العبور عبر الجدار الصفيحي، أي من محاولة القفز عبر الفراغ أعلى حافة الجدار. يمكنك تصور قسمنا، ولنقل إنه (أ) المحتوي سبعةً وسبعين محجوراً على شبهة المرض، والعدد نفسه من المأسورين في القسم (ب) بتهمة التحريض على التمرد، وحرق المؤسسات الكبيرة، أو حتى المتاجرة بالأعضاء البشرية، والنخاسة، وتبييض الأموال، وقد تكون هناك تُهم كيدية وراء احتجازهم كإهانة السلطات والإلحاد والمثلية الجنسية والكتابة على الجدران. على وجه التخبط، فإن الحجز الوقائي، والحجر الوبائي، تُهمتان مدسوستان على ملفاتنا السرية، بعد تحقيقٍ قصير أو فحص بأجهزة الأشعة المقطعية، وهناك خلط كبير لا يمكن توضيحه أو تفسيره، ينتشر أو ينزوي كسرب من النمال أو تعشيش للزرازير في الكوى السقفية. لا أحد برئ في المحيط الملغوم بالشائعات والقرارات الحكومية المتبدلة بين ليلة وأخرى. نعم. ليس في الجوار الخارجي، ولا في الملجأ الداخلي الذي يُساق إليه سيئو الحظّ. آخر ما يقال عن عالمنا، إنه "محجر" كبير، يدخله الممسوسون من القادة والحكام والشخصيات المهمة، إضافة الى الأغلبية من الشخصيات التافهة، في جانب؛ ورجال حُلقت رؤوسهم وأدخلوا نفقَ الإشعاع المظلم، في الجانب الآخر.
لقد حلّت الفرصة لكي أحرس الجانب الآخر، وألتقي بأحد الأشخاص المهمّين؛ ذلك المرسوم في خاطري، كوشمٍ عميق. إنه غريمي في العزل والحبس منذ عشرات السنين الظلامية. ليس متّهما بجريرة معروفة مما عددناها، بل قد لا يكون مجرماً قط. الاسم غير مهم، مفرداً أو مركباً، فأنا أفتعل وجوده على الجانب الآخر (ب) لأجل البحث عن مهرب من الحجر في قسم المفحوصين بجهاز الأشعة. حصل العبور بعد ثلاثة شهور من الحجر الوبائي، حين نودي على الرقم ٦٦، ثلاث مرات، قبل انتباهي إلى أنّي المقصود بالنداء. سقط الرقم من الميكرفون المثبّت في جهة سقف المحجر الخاص بقسمنا؛ سقط كحجر شجَّ الرأسَ المقصود بالاستدعاء الدوري، فانسحبتُ من مكاني في المحجر، وجُرِرتُ الى الخارج عبر ممر أرضي، إلى غرفة التجهيز. كان المحجورون من قسمنا يذهبون إلى هذه الغرفة دورياً ثم يعودون بعد إجراء الفحص عليهم بجهاز المفراس، ومن يتخلف عن العودة إلى مكانه في القسم، تقع عليه قرعة الحراسة كما قد يخمّن أحدنا هنا. وعموماً لا يكتشف المحجورُ غياب شخص قريب إليه، إلا في حالات نادرة. ذلك حين يعود إلينا شخصاً مختلفاً في كلّ جزء من كيانه؛ الوزن والسحنة، والطول أيضاً. انجررتُ، إذن، من دون اكتراث أحدٍ من المحجورين. كان هذا دوري في التجهيز، ولم يكن الأمر يعني شخصاً غيري؛ بل لم أكن أعرف ما سيحدث لي هذه المرة. كلّ شيء مرتب في نظام المحجر، إلا أن المحجور، أو المحجوز، قلّما ينتبه لحدوث تغيير كبير في نفسانيته أو بيولوجيته، غير متألم، غير مكترث.
ربما غفلتُ عن توضيح وضعٍ جزئي لوجودنا في القسم (أ) من المحجر. خُصّص لكل محجور سرير، معزول عن السرير المجاور له بستارة بولستر زرقاء؛ ولا أعلمُ وضع المحجوزين في القسم (ب) سوى أنهم معزولون مثلنا بساترٍ سلكي أو قفصٍ شبكي، كما نقلَ بعض الحراس، بعد انتهاء نوبتهم. أما نوبة الحراسة فقد تدوم أياماً أو شهوراً، حسب شروط مجهولة للفريقين، وأهمها تجهيز الطعام وتقديمه لكل فرد في القسمين. وقد تتسع الشروط لسحب الموتى ودفنهم، وتنظيف أسرّتهم، إضافة إلى مهمات خاصة لا علم لكثيرين بها. كما لا يعلم أحد بمدة حجزه أو حجره، تخمينات لا تلبث أن تصهرها الحرارة، او تجمّدها البرودة، على جانبي الحاجز الصفيحي. بالأحرى يحيط المحجر كتمان شديد، كما نتوقع. ولم يطلّ على أحد الفريقين مسؤول حكومي كبير، عدا عن زيارة طبيب أو فرد عائلي، أو مندوب عن الصحافة والتلفزيون أو ممثل لحقوق الإنسان. عزلة تامة كما في قصة رعب؛ سوى أن الحياة في المحجر تسير ببطء شديد، ونظام دؤوب كما في مستعمرة نمل.

(2)

لعل قصصاً بهذا الموضوع، تبدأ بداية شائعة في نصوص إدغار ألن بو القروسطية، ولعلها تستعيد محبساً من محابسه المختفية تحت الأرض، أو مشفى لمجانين يتمتعون بعقل شيطاني لا يخطر في كتب الأطباء والمحللين النفسيين، أو مستعمرة قصية على جزيرة في البحر، أو وسط غابة بدائية كثيفة الأشجار. لكني لي برهاني الخاص الذي سأولّده من حفري في متون الوثائق والأرشيفات السرية لقسم ملاصقٍ للمحجر الكبير يعرف ب"قسم التجهيز والسيطرة النوعية"، يجعلني أعتقد أن نظام المحجر غير عابث ولا صلة له بمستعمرات العقاب. أدينُ باكتشافي هذا إلى نوبة الحراسة التي انتُدبتُ لها، ورجوتُ أن أطيل مهمتي بالدهاء مرة، والطاعة المطلقة التي تسحق أيَّ ميزة عليا أو دنيا في حالات مماثلة، كالدراسة في جامعة تكنولوجية أو مركز متخصّص بالتجهيز والسيطرة الكلية على الأقدار المستقبلية. وهذا ما أريد الوصول إلى عمقه المجهول، وتصفّح أرشيفه الورقي والإلكتروني الهائل الصفحات. وبكلمة واحدة، فالمركز هذا لصيق عقلٍ تجريبي، مجهز بمخالب ناعمة وأجنحة ملائكية. أعني أن من يعمل في إدارة مركز المحجر الكبير جنس من الكائنات المغلّفة بالبدلات البيض الكاملة، وأقنعة الرأس الواقية. أما الجناح الخاص بالأرشيف فتديره امرأة تدعى "الأخت الكبيرة سارة" كما يشي صوتها الرقيق كورقة تتكسّر تحت الأصابع من طول احتجابها عن الأعين.
كان الحرّاس القلائل الذين وصلوا الى هذا القسم، يعودون بتسمية مختصرة له، واصفينَ مكوثهم القصير هناك بأنه خدمة بسيطة في "غرفة التجهيز". ذلك أنهم انتُزِعوا منه انتزاعاً، كما تُنتزَع قرادة من جلد حيوانٍ ثدييّ، او يُفطَم رضيع من ثدي امرأة مدرار بحليب سرمديّ. فالصورة التي وصلتُ إليها عن نوع المهمة القصيرة للحراس، تشبه خدمة تمثال من تماثيل آلهة الخصوبة السومرية، جمع فضلاتها في حفرة، أو تتويج رأسها بإكليل من الأشواك، أو تزييت جسدها الرخامي في أحسن الأحوال بزيت الحيّات. لم يُتح لأحدهم أن يخترق الجدار الصلب للقسم وينفذ إلى ما وراء التمثال الأبيض للأخت سارة، المصنوع من النسخة السومرية القديمة، حيث تُحفظ السجلات والتحقيقات عن تاريخ المحجر الكبير. أما الخطوة التالية لاجتياز التمثال السرمدي، فهو اللقاء بالغريم الذي يحتفظ كلُّ محجور سيء الحظّ بنسخة منه في أعطافه التي طوّعها الحجر الطويل، وأخفاها في طبقة بعيدة داخل شعوره الذابل كثمرة فاسدة. سيلتقي الحارسُ المناوب، بإذنٍ من الأخت سارة، غريمه الرقيق ويلعق قدميه، قبل أن يسمح له بالجلوس قبالته، واستئناف التحقيق المقطوع منذ سنوات.
استقبلني المحقق الرقيق (ط) وأشار إلى نوع العقوبة التي أوقِفَ تنفيذها بسبب "استجابتي الطيبة" و"تعاوني الفذّ" و"ارتمائي في حضن القدر" و"نبذي لكلّ أشكال العنف والإلحاد والأممية العالمية" وغير ذلك من العبارات التي قرضَها المكوثُ في "المحيط الاجتماعي المتماسك كالبنيان المرصوص". كنت قد نسيت عبارات التطويع هذه، وقلت للمحقق بعد لأي: "لكنني.. سيدي العزيز.. محجور بسبب تلامسي مع حاملي فيروس الوباء، هذه المرة.. لم أعد متهماً بأي لعنة من لعنات الأمس، أو هكذا أفترض.. كما أعلمتني غرفةُ التجهيز عندما نقلتني الى القسم (أ) من المحجر".
صمتَ المحقق (ط)، وكان وجهه قد ازداد سمنة ونعومة، بما أغدقته سلطةُ الأخت سارة من قوارير الحجر والعزل الوقائي المتجددة، ثم فاجأني بالسؤال: "ما رأيك بهذا الفصل الاجتماعي الدقيق؟"
ظننتُ أنه يقصد الفصل بين النساء والرجال، فلا بد أن المحجر يضم قسماً خاصاً بالنساء، أو قسمين أسوة بالرجال. فكرتُ قليلاً قبل أن أجيب بسليقة دفاعية: "فكرة ممتازة يا سيدي، أن يتم العزل الاجتماعي كما يتطلب الوضع الجديد".
"أي وضع تقصده بالضبط يا صديقي؟".
"وضع القوارير المعرضة للكسر والامتهان في وضع أمين"
"يا له من تحريف وتلاعب بالحقائق. أتظن أننا نعزل النساء؟"
"أفترض أنهنّ معرضات للانتكاس والسلوك المنحرف. اعذر تفسيري"
"أنت تبالغ قليلاً.. النساء لهنّ واجب مختلف هنا. دورهنّ عظيم".
"فاتني أن ألاحظ ذلك. أحبّ أن أتعاون معهن. أقصد أن أرضخ لدورٍ كدورهن، كما تأمر الأخت الكبيرة"
"دعك من المراوغة والتملق. ستزاول عملك القديم الذي اعتُقلتَ من أجله قبل أربعة عقود، تحرير الكتب ونشرها في مطبعتك. هل ترغب في الانتقال للقسم الآخر؟"
"أنت يا سيدي تحاول إعادة الحياة إلى جسد ضعيف، بلغ الثمانين. ذاكرتي القرائية تضعف شيئاً فشيئاً. فضلاً عن أن مفاجأة الانتقال قد تهدد صحتي وتقتلني حالاً"
"أتظنني أغدر بك؟ أحاول تجديد قواك المنهارة فحسب. اخترتُ أفضل علاج يناسبك".
لا سبيل لرأي يزعزع سلامَ المحجر، كان غريمي أوطد من كلب حراسة مخلص، لن أستطيع إزاحته عن طريقي. كان له ذيل أخشن من ذيلي، وعينان تتفحصان ما تبقى من عظمتي الخاوية. مؤتُ كجروٍ، وهززتُ ذيلي القصير:
"أجل.. أجل. ربما اخترتَ الواجب الأنسب لمحجور مثلي. فلِمَ أرفض؟".

(3)

عندما عدتُ إلى معزلي في القسم الجماعي (أ) كنت قد أنجزتُ عملاً خارقاً لمؤرشفِ معلوماتٍ متمرس، من الطراز الوسواسي. لذا أحسست بأن قواي تخور، عكس اعتقاد المحقق (ط) الزائف؛ وكان حارسٌ مناوب يدور حول سريري المستور ينتظر خمود أنفاسي. أمضيتُ أيامي الباقية في استرجاع واجبي في قسم التجهيز والسيطرة، عملي القديم في تصحيح الصحف، ذوباني في الحروف والمقاطع والكلمات قبل أن تطلقها الطابعة الكبيرة من أذرعها الآلية. وعجبتُ من وجود ماكنةٍ أخطبوطية، أخبرني المحقق أنها في قسم مستقل بالمحجر، تستطيع لفظ كتابٍ في أقل من ساعة. لقد عملنا ليل نهار، أنا والمحقق، مع فريق من المحررين والطبّاعين الإلكترونيين، على تحريف مئات الكتب الكلاسيكية، وأعدنا كتابتها لتناسب الوضع الوبائي الجديد. والحقيقة، فإن ما أنتجناه من كتب ورقية كان يتناسب والذاكرة المعدنية المحرِّفة لوقائع الثورات التاريخية الكبرى وأفكارها التقويضية، فضلاً عن النظريات التي برهنت على طموح النفس البشرية في السيطرة على الطبيعة والمخلوقات. كان الخوف من نهاية المرحلة الوبائية وسقوطنا في خواء عدميّ، يدفع الفريقَ التحريفي المتخصص إلى تدمير التراث الإنساني بأجمعه. كنا حراساً مخلصين للجريمة الكبرى. وكان الحارس الشرس (ط) يصرخ بنا بين حين وآخر: "هيا أصدقائي. إنها فرصتنا في استغلال الطاقة الوبائية في أنفاسنا إلى أقصى الحدود. أفرغوا خبرتكم في قيادة المرحلة نحو الجحيم.. نعم الجحيم!". ثم يغادرنا ضاحكاً، بل نابحاً بوجه الآلات الأخطبوطية المحجوبة عن أنظارنا، لإتمام ما حُجِرنا من أجله.
أتذكر بين الفريق التحريفي المتخصص فتاة، لها ملامح الممثلة (جوليا) في الفيلم المصور عن رواية جورج أورويل (١٩٨٤). وعلى عكس فتاة أورويل المتكتمة، فقد أعلنت فتاة المحجر (سينا) ميلاً شديداً لتحريف لغة الكتب، بالاتجاه الذي أزعج (ط) كثيراً. كانت (سينا) قد أجهزت على رواية جاك لندن (العقب الحديدية) ونقلت أحداثها إلى إحدى بلدان الشرق الأوسط. خرقت (سينا) الثقة المضمرة مع المحقق، على أن يكون دورها "حذاء بلا كعب" فداست بجزمتها الطويلة على العروش والقصور. سُحبت ودُفنت بعيداً. وسمعنا للمرة الأولى صوت الأخت الكبرى سارة، يحذر فريق النسوة من تحريف كتب فلاسفة الوباء المتأخرين. زعقَ الصوت في الميكروفونات: "ثقتنا كبيرة في أن يقتصر التحريف على الحقائق الأساسية، حقائق ما قبل العصر الوبائي، نظريات فرويد وماركس ونيتشه وجاك لندن بالطبع. لكن بزاوية الصقر المدرّب، الذي يُعطى مقابل استجابته فرصة جديدة للطيران أبعد فأبعد من دون رقابة أو عقاب". ثم شرح الحارس (ط) قاعدة المحجر هذه بقوله: "ليس هناك شيء أثمن من الحرية، وحريتنا في أن نحرّف وجودنا ليصبح ذاتيَّ الحركة، مثل ماكينة طباعة إلكترونية عملاقة. أن نفلسفه ليصبح حراً من الخوف".
حينما انتهت نوبتي في الحراسة، حانت فرصة للجلوس مع غريمي المحقق (ط). استفهمتُ منه عن مصير الطبّاعة الخاطئة (سينا). أخبرني أن حظها كان عاثراً، وتأسّفَ لتحريفها الخاطئ مفهوم الثورة: "تصوّر عزيزي ما يحدث حين يُخطئ البيزار في توجيه صقره. لقد منحت الفتاةُ طائرها حرية أكبر من طلبها هي ذاتها للحرية، فعاد ليفقأ عينيها. كان الأفضل لها أن لا تعيش عمياء في ما تبقّى لها من عمر".
جُرِرتُ ثانية إلى مكاني بين المحجورين، جاهلاً مدة حراستي في قسم التجهيز والسيطرة، وأهم ما أنجزتُه كان تحريف كتاب ماركس "رأس المال". كان رضا غريمي المحقق عن عملي كبيراً، وقوّمه على أنه إنجاز يفوق تحريفات "فوكوياما" وهنتنغتون" و"ألتوسير" و"ديريدا" و"جيجيك" جمعاء لملامح العصر ما قبل الوبائي. أخبرني بأن عالماً جديداً سيولد من طابعة المحجر، ولن يحيا الإنسان بعده ما جرّبه من حياة قبله. ثم ختم حديثه: "كم أنت سعيد الحظ يا صديقي البيزار. حققتَ انتقالاً إلى فضائك الحرّ أسرع من غيرك".
عدتُ واضطجعت على فراشي، مكتفيا بلقب البيزار، ولعله لقب المحجور الأخير الذي ينتظر الحارسُ، المناوِبُ قرب سريره، انتهاء طاقته على التنفس وتحريف المستقبل..
************
هذه القصة
قصة "المحجر" ومستعمرات العقاب البشري


فاضل ثامر

يقودنا القاص والروائي الكبير محمد خضير في قصته القصيرة "المحجر" الى عالم سوداوي وديستوبي Dystopia (نقيض اليوتوبيا Utopia ) غامض ومتشابك،ويحمل الكثير من الأسرار والتابوات والمكبوحات والتناصات ويضعنا في مواجهة سلسلة لاتنتهي من الأعمال الروائية و القصصية التي تصور معاناة الأنسان في ظل أنظمة الأستبداد الشمولي والدكتاتوري، والتي تحيل الأنسان الى مسخ يفقد حريته وأنسانيته من أجل خدمة قيمة أعلى، صنمية وفتيشية تتمثل بالنظام أو المؤسسة أو الحزب أو الأخ الأكبر،كما وجدنا ذلك في روايات عالمية منها رواية فرانز كافكا القصيرة "في مستعمرة العقاب"the Penal Colony In " الصادرة عام 1919 ،والتي ترجمت الى العربية تحت عنوان "مستوطنة العقاب" ترجمة كامل يوسف حسين،ونشرتها دار شوقيات المصرية عام 1996 ،ورواية جورج اورويل المشهورة "1984" الصادرة بالأنكليزية عام 1949،وطبعت أكثر من طبعة عربية منها ترجمة أنور الشامي عن المركز الثقافي العربي عام 2006 ،بيروت،ورواية العقب الحديدية Iron Heel للروائي البريطاني جاك لندن المنشورة عام 1908 ،والتي ترجمت الى العربية من قبل منير البعلبكي،عام 1979 (منشورات دار العلم للملايين،بيروت) وغيرها ، فضلاً عن روايات وقصص عراقية وعربية دونت صفحات قاتمة وخانقة من حياة الفرد تحت ظل الأنظمة الأوتوقراطية والتوليتارية والثيولوجية،أذكر منها رواية "اعجام" للروائي العراقي المغترب سنان أنطوان الصادرة عام 2002، وقصة قصيرة للروائي محمود سعيد نشرت باللغة الأنجليزية في مجلة "الأدب العالمي اليوم" World Literature Todayعام 2012 تحت عنوان "مستعمرة العظاءات" Lizards’ Colony، ورواية "أحمر حانة" للروائي حميد الربيعي (2017) ،ورواية "ليلة المعاطف الرئاسية" للروائي محمد غازي الأخرس (2018) ورواية "قياموت" للروائي نصيف فلك (2015) وغيرها.
يستهل القاص محمد خضير سرده بتوظيف ضمير المتكلم الاوتوبيوغرافي (أنا) الذي يسرد فيه الراوي،بوصفه شاهداً ومشاركاً في الحدث تفاصيل زجه في "محجر" غريب يضم عدداً كبيراُ من المحتجزين والمحجوزين لسببين،اما لأسباب تتعلق بأنتشار الفيروس الوبائي، او لأسباب سياسية تتعلق بالتحريض على التمرد ضد نظام الحجر الذي تقوده "الأخت الكبيرة سارة"، التي تذكرنا بشخصية "الأخ الاكبر" Big Brother في رواية جورج اورويل (1984). ونكتشف نزعة ميتاسردية في القصة في محاولة البطل تدوين الوقائع ومقارنتها وتوثيقها والعودة الى أرشيف المحجر السري.ومع ان القاص نجح في ان يخلق انموذجه الخاص ،زمنياً ومكانياً،والذي يعكس أجواء التراجيديا العراقية،الا انه استطاع ان يمتص ،تناصياً الكثير من الأجواء والمواقف والشخصيات من رويات الديستوبيا المختلفة.أذ يقيم بطل القصة مقارنة بين هذا المحجر ونماذج مشابهة في نصوص (أدغار الن بو) وغيره ،لكنه نفى ان تكون هناك أية صلة بين المحجر ومستعمرات العقاب المختلفة ،في أشارة غير مباشرة لرواية فرانز كافكا المعروفة "في مستمرة العقاب"،كما ان بطل القصة و راويها بدأ يتماهى الى حد كبيرمع (ونستن سمث) بطل رواية جورج اورويل (1984) .فهو يعيش ايضاً تحت رقابة دائمية من قبل السلطات المرئية وغير المرئية التي تديرها "الأخت الكبيرة سارة" قرينة "الأخ الأكبر" ،كما يعمل بطل محمد خضير في قسم التجهيز والسيطرة النوعية ،وتكون وظيفته أعادة كتابة التاريخ وتشويه الكتب الكلاسيكية ومنها مؤلفات فرويد وماركس بمايتفق وسياسة "الأخت الكبيرة سارة".وقد انجز في النهاية اعادة كتابة كتاب كارل ماركس"رأس المال" وتحريفه،مما أكسبه رضا المحقق (ط) الذي منحه لقب "البيزار"،وهو كما يبدو يطلق على مربي الصقور والطيور الجارحة ،لأنجازه مثل هذا العمل الصعب.وشخصية بطل محمد خضير في هذاه القصة تتماهى كثيراً مع شخصية بطل رواية اورويل (ونستن سمث) والذي كان يعمل موظفاً في وزارة الحقيقة في شعبة أبحاث مهمتها أعادة كتابة التاريخ،بل وخلق معجم لغوي جديد على وفق املاءات وتوجيهات "الأخ الأكبر".
لقد لاحظنا ان محمد خضير كان ينطلق أسوة بأغلب رويات الديستوبيا السوداء من منظور "الكوميديا السوداء" Black Comedy التي تفلتر وتصفي كل عناصر العنف والقسوة لتقدمها بطريقة محايدة يمكن أن يتلقاها القارىْ دونما أحساس سنتمنتالي متطرف بعيداً عن التماهي أوالتلبس من خلال عملية تلق عقلية وفكرية تدفع القارىْ الى فعل تأويلي أو نقدي ضد قسوة العالم السوداوي الذي صوره هذا النص أو ذاك.وأعتقد ان بطل قصة محمد خضير كان أقرب مايكون الى بطل اورويل وهو مافعله سنان أنطوان ايضاً في رواية "اعجام"،لكني أجد فارقاً مهماً بين بطل اورويل،وبطل محمد خضير ،فقد كان(ونستن) متمرداً،ورافضاً،في أعماقه ،لسياسة"الأخ الأكبر"،ولذا تعرض الى الملاحقة والتحقيق المستمرين ،أما بطل محمد خضير ،فقد تعرض كما هو واضح الى التدجين والأخصاء والتجريد من نزعته الأنسانية وأصبح شخصية أمتثالية تتقبل ما يفرض عليها.وربما يمثل الذيل الذي كان يمتلكه كناية عن الأذعان والأستكانة والقبول عن طريق هز الذيل علامة على الموافقة.وشخصيته هنا تلتقي مع شخصية بطل كافكا الأمتثالية والسلبية أكثر من التقائها مع شخصية بطل رواية جورج اورويل المتمردة.
أن قصة محمد خضير "المحجر" تمثل من الجانب الآخر رفضاً لأنظمة الاستبداد والقمع المسلطة ضد حرية الفرد ،وهي أدانة غير مباشرة لأنظمة الحكم الدكتاتوري والأستبدادي التي مرت بالعراق والعالم،وربما هي من التجارب المبكرة والسباقة في الكتابة عن جائحة كورنا التي هزت العالم،من خلال وجود عدد كبير من المحجوزين بسبب انتشار الفيروس الوبائي.
لقد أعتاد النقاد على القول أن القصة القصيرة قد خرجت من معطف (غوغول)،وربما يذهب البعض الى الأعتقاد الى ان قصة "المحجر"،لمحمد خضير قد خرجت من معطف اورويل او كافكا،لكني أزعم انها خرجت من معطف محمد خضير نفسه،وهو يعاين بعين الصقر ،عذابات الفرد العراقي تحت ظل أنظمة الأستبداد والقمع والقهر.
***********
ص10
شيوعيو كربلاء
يحتفون برموز ثقافية
كربلاء – طريق الشعب
تحت شعار "لنعزز وحدة شعبنا وقواه الوطنية في مواجهة التحديات المصيرية"، احتفت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة كربلاء، أول أمس الأحد، بكوكبة من رموز الثقافة المبدعين.
ووسط إجراءات صحية احترازا من الإصابة بفيروس كورونا، ألقى سكرتير اللجنة المحلية الرفيق سلام القريني كلمة في الحفل، دعا في مستهلها إلى الوقوف دقيقة صمت إكراما لضحايا جائحة كورونا، ومن بين آخرهم الكابتن أحمد راضي أحد رموز كرة القدم العراقية والعربية.
وقال القريني أن هذا الاحتفاء برموز الثقافة في كربلاء هو السابع، مؤكدا انه "يعز علينا أن تمر هذه السنة من دون أن نسير على هذا التقليد، الذي اختطته اللجنة المحلية في ذكرى ميلاد الحزب من كل عام، للاحتفاء برموز الثقافة".
وتابع قائلا أن الحزب، ولكون ذكرى ميلاده الـ 86، هذا العام، تزامنت مع أزمة كورونا، دعا منظماته إلى تحويل المبالغ المخصصة للاحتفال بالذكرى، إلى سلات غذائية توزع على الفقراء والكادحين، المتضررين من إجراءات الحظر الوقائي، وهو ما تم تجسيده على ارض الواقع.
وشمل التكريم كلا من الشاعر والمهندس فاضل عزيز فرمان، الناقد د. علي حسين يوسف، الممثل والمخرج المسرحي د. علي الشيباني، الكاتب لؤي زهرة، المخرج عباس شهاب، الممثلة والإعلامية وداد هاشم، الفنانة التشكيلية فاتن الجميلي، النحات وسام إبراهيم، الطبيبة والفنانة التشكيلية مروة سامي والرفيق حامد المجاهد.
وفي الختام وزع الرفيقان سلام القريني وخليل الشافعي، شهادات تقدير وهدايا رمزية على المحتفى بهم.
***************
طبيب في زمن كورونا:
مواقف واجهتني في آخر خفارتين
(المكان: طوارئ مدينة الطب)
الموقف الأول:

لا تخفى عليكم الاعداد المخيفة المتزايدة هذه الايام للمصابين.بالوباء
بطبيعة الحال لا يكفي الاوكسجين في المستشفى لتغطية كافة المصابين.
شنو اللي ديصير حاليا؟ وصلت مرحلة كل مريضين اخليهم على قنينة اوكسجين وحدة!
دتتصورون الموقف؟ هذا الاوكسجين هو حياته لهذا الشخص وهو نفسه اللي يعيشهه، ومن دونهه يموت. اخلي مريضين على كل قنينة، كل شوية واحد منهم ياخذ كم نفس وينطي القنينة للمريض الآخر، لحد ما يتخربط ويرجع يتنفس شوية وهكذا!

الموقف الثاني:

مريضة متوسطة العمر وياها ابنها وبنتها، اعمارهم نهاية العشرينات، جاءت للطوارئ كالمعتاد تعاني من صخونة ونحول شديد وكحة وانخفاض شديد في نسبة الاوكسجين في الدم. المفراس الحلزوني للصدر يبين انتشار الفايروس في كل اجزاء الرئة تقريباً، كل شيء يدل على انتشار الفايروس في مرحلة متقدمة جداً في جسدها.
توفيت المريضة بعد ١٠ ساعات من دخولها للطوارئ.
اتجهت الى مكان جلوس الطبيب في الطوارئ لكتابة ملاحظات الوفاة والساعة والتأريخ. رجعت لتسليم الكارت للأهل، شنو اللي شفته؟
الابن مكابل والدته المتوفية على سريرها ويسويلها اجراءات الانعاش الرئوي ويضغط على صدرها ويحاول يحييها، والبنت تبوس بيها وحاضنتها ممصدكة باللي دتشوفه عينها.
موقف مخيف! متعرف تنتقد الاهل لان ماملتزمين بإجراءات سلامتهم ومعرضين نفسهم لهيج خطورة بشكل مباشر، لو تنقهر عليهم وعالحالة الهستيرية اللي همه بيها!

الموقف الثالث:

موقف متكرر.. نستقبل احد مرضى الفشل الكلوي المزمن، المشتبه باصابته بالفايروس. هذا المريض يحتاج عناية طبية معينة، لكن تقديم هذي العناية قد تكون على حساب بقية المرضى ان كان المشتبه به مصاب فعلا. قرارات يحسب لها الف حساب قبل اتخاذها!
والمتعارف عليه أن اغلب هؤلاء المرضى يحتاجون الى غسل الكلى على الاقل مرتين اسبوعياً، لأزالة السموم من الجسد واستعادة الحيوية.
شنو موقف الطبيب هنا؟ حيدز على اجراء مسحة اكيد. زين واثناء انتظار المسحة؟ اذا قرر الطبيب ادخال المريض المشتبه بيه لردهة الغسل الكلوي وكان مصاب بالفايروس فعلاً، فسيكون سبب في نقل العدوى لبقية المرضى المعروفين بضعف مناعتهم، واذا منعه من الدخول لردهة الغسل، فسيموت المريض من مضاعفات الفشل الكلوي! حيرة ما بعدها حيرة!
قرارات مصيرية تضع مرضى كورونا في خصوصية تامة عند التعامل معهم. وتوفير الخصوصية التامة لجميع متطلبات المرضى المصابين وعزلهم، اصبح من المستحيل مع تزايد عدد الاصابات الهائل، وتعال اتحمل أحزان!

الموقف الرابع:

الساعة 7:55 صباحاً، ٥ دقائق قبل انتهاء خفارتي الليلية.
مريضة، والدة طبيب زميلنا (صادف ان كان هذا الطبيب خفر ويانه في نفس الخفارة) استقبلناها في الطوارئ، تشكو من نحول وصخونة لمدة يومين فقط لا غير، نسبة الاوكسجين في الدم قليلة جدا!!
احد اخطر الاعراض السريرية لفايروس كورونا اللي نلاحظها هذه الايام هو "نقص الاكسجة الصامت"، الرئة تبدأ تدريجيا تتآكل ويتزامن هذا مع تكيّف الجسم، فالمصاب لا يشكو من اي اعراض في المراحل المبكرة.
خليناها على اوكسجين بالسرعة الممكنة وسوينالهه مفراس، توفيت بعد ٢٠ دقيقة من دخول الطوارئ.
اثناء اجراء بروتوكولات الانعاش الرئوي وقف ابنها الطبيب جانباً ولم يكن قادرا على التدخل!
شكد ما اكتب ما اكدر اوصف حجم المشاعر في هذا الموقف! صعب جدا جدا..

الموقف الخامس:

استقبلنا نداء عن وصول احد مرضى سرطان الدم الى الطوارئ في غضون ١٠ دقائق. استغليت فرصة وفاة احد المرضى قبل قليل، لحجز قنينة الاوكسجين لمريض سرطان الدم القادم.
بهالأثناء استقبلنا حالة مستقرة نسبيا لمريض وزوجته مصابين بفايروس كورونا، يكادون لا يشكون من اي اعراض. الزوج شاف قنينة الاوكسجين وطلب استعمالها، رفضت هالشي ووضحت انها محجوزة لمريض سرطان الدم القادم للطوارئ، وكون حالته وحالة زوجته مستقرة ولا تتطلب اوكسجين.
دقيقة وحدة واشوف احد معيني الطوارئ شايل قنينة الاوكسجين راكضاً لزوجة هذا المريض، وبدأت هي باستعمال القنينة بعد ما اعطى الزوج مبلغ مالي معين لهذا المعين.
تتساءلون شنو موقفي آني كطبيب؟ ببساطة خليت مريض سرطان الدم يتشارك قنينة اخرى مع مريض تعبان آخر. ليش؟
لان اي تصرف مني او مشاجرة افتعلها مع هذا المريض وزوجته حتنعكس نتائجها على الكادر الصحي، وحتلهينا عن رعاية المرضى المتبقين في ظل هذا الزخم الكبير، وسيئاتها حتكون اكبر من ايجابياتها. اي نعم، هذا اللي صار بدون اي مبالغة!

الموقف السادس:

موقف متكرر كل يوم نسمعه من مرافقي مرضانا.
دكتور ليش ما عدكم اوكسجين؟ ليش متنطونه اوكسجين؟ وين اودي ابويه، امي كل المستشفيات مقبطه؟ ليش متخلون الله بين عيونكم يا اطباء؟
دكتور هالعلاج ليش ما عدكميا بالطوارئ؟ دكتور وين انسانيتكم، اجيبلك ابوية متخربط وتكلي ما عدكم سرير انعاش او تحويل لمستشفى العزل؟
بالرغم من كل التعب وكلشي دا اقدمه كطبيب، وهذا واجبي دا اسويه!
اكثر شغلة تحز بنفسي تعرفون شنو؟ اكثر شعور مؤذي ومحبط هو عندما المريض يحملني مسؤولية سيئات النظام الصحي. ميكول هذا طبيب يحاول يعالجني بأبسط المواد اللي متوفره إله، يتصور آنه الحل والربط بأيدي ومدا اقدمله الرعاية اللي يستحقها.

أقرّب الصورة اكثر؟
حرفياً الطبيب العراقي مقاتل جاي لساحة معركة بدون اسلحة وعتاد.
الله يوفق الجميع ويحفظلكم اهاليكم واحبائكم.

د. احمد عقيل شاكر
طبيب مقيم دوري / مدينة الطب
(من صفحته في فيسبوك)
*************
في النجف
منح شرف عضوية الحزب الشيوعي لناشطين شباب
النجف – طريق الشعب
منحت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف، شرف عضوية الحزب لـ 14 رفيقة ورفيقا من الشباب.
جاء ذلك في حفل أقيم أخيرا في مقر اللجنة المحلية، وحضره عدد من الشيوعيين وسط إجراءات صحية وقائية احترازا من الإصابة بفيروس كورونا.
عضو اللجنة المحلية الرفيق زيد شبيب، افتتح الحفل بكلمة أوضح فيها شروط قبول العضوية، وواجبات العضو وحقوقه، وقرأ بعض الفقرات الواردة في النظام الداخلي للحزب.
بعدها تحدث سكرتير اللجنة المحلية الرفيق كريم بلال، عن الوصايا التي يقدمها الرفيق الخالد فهد للعضو في الحزب الشيوعي، والتي يدعو في أبرزها إلى صيانة شرف العضوية والحزب، وإلى محبة الناس والعائلة والطبقة العاملة.
وساهم في الحفل أيضا عضو مكتب اللجنة المحلية الرفيق أحمد الموسوي، الذي تحدث عن دور الشيوعي في المجتمع، على اعتباره "رسولا للمحبة والسلام، ومدافعا عن حقوق العمال والكادحين بشكل عام"، مشيرا إلى أن الشيوعي "لا يمثل نفسه بقدر ما يمثل حزبه عبر كل تاريخه النضالي، كما انه يمثل الفكر الاشتراكي عبر تاريخ المجتمعات الإنسانية".
وفي الختام جرى توزيع بطاقات شرف العضوية على الرفاق الـ 14، الذين أعربوا من جانبهم عن فرحتهم واعتزازهم بهذه اللحظة، مؤكدين استعدادهم للعمل والنضال من أجل نيل الحقوق المشروعة لأبناء الشعب، وتمسكهم بحق الاحتجاج بالوسائل السلمية المتاحة من أجل تحقيق المطالب، فضلا عن سعيهم إلى بناء "وطن حر وشعب سعيد".
وضمن مبادراتها الثقافية، أعادت اللجنة المحلية طباعة كراس "عشرون سؤال وجواب" للرفيق د. صالح ياسر، ووزعته على الرفاق الجدد خصوصا لغرض الإفادة منه.
************
الماء ثم الماء يا أمانة بغداد!
بغداد - مهدي العيسى
يستقبل البغداديون فصل الصيف من كل عام، محملين بهموم كثيرة جراء تردي الخدمات الأساسية.. يستقبلون الصيف على أمل أن تضع الحكومة حلولا لتلك المشكلات الخدمية، إلا أنها تبقى قائمة من دون حل، وتستمر معها همومهم!
في مقدمة تلك الهموم، "هم" ماء الشرب الذي ينقطع اغلب ساعات اليوم، وإن توفر سيكون ضعيفا جدا، ما يضطر الناس الى استخدام مضخات الماء ليضمنوا ملء خزاناتهم.. وهكذا يتكرر المشهد سنويا في فصل الصيف.
اليوم، ومع تصاعد لهيب حزيران، يرى البغداديون أن أمانة العاصمة لم تتعظ من أخطاء تجاربها السابقة في حل المشكلات الخدمية. فهي لا تزال تتباطأ في إيجاد الحلول الناجعة التي قد تخلص الناس من معاناتهم "الأزلية".
وكان المواطنون يأملون أن تطل عليهم أمينة بغداد، وتوضح لهم الأسباب الحقيقية والمعوقات التي تحول دون علاج مشكلة انقطاع الماء، سواء مؤقتا على المدى القريب، أم جذريا على المدى البعيد، وتحت سقف زمني محدد.
لكن يبدو ان أمينة العاصمة استمرأت الانزواء في مكتبها بعيدا عن هموم الناس!
في استطلاع أجريناه في حي السيدية ببغداد، للوقوف على حجم تأثير مشكلة انقطاع الماء عبر تسجيل آراء المواطنين، ذكرت المواطنة سميرة صادق، وهي من سكان المحلة ٨٢٧ ، انه "ليس من المعقول ان نبقى نعاني أزمة مياه الشرب وبلدنا يمتلك نهرين عظيمين! فهل يعقل يا أمانة بغداد أن نعاني انحسار الماء طيلة أيام الصيف!؟".
اما المواطن مهند سيف، الذي يسكن في المحلة ٨٢٣، فهو يقول انه "فقدنا الثقة بكل العاملين في أمانة العاصمة، كوننا ناشدنا اكثر من ستة مواسم حل مشكلة الماء، ولم يتم اتخاذ اللازم. فبقيت المشكلة من دون حلول".
المواطن علاء عبد، من سكان المحلة 805، يوجه عتبا كبيرا إلى أمانة بغداد، ويتساءل: "ألا يعي المسؤولون احتياج المواطنين للماء، كعنصر أساسي للحياة، للشرب والاستحمام والغسيل!؟
وأخيرا، يتساءل المواطنون: إلى متى يبقى المسؤولون بعيدين عن معاناة الشعب؟ وما الأسباب الحقيقية التي تدعوهم الى اشاحة وجوههم عن المواطن وتجاهل معاناته الناتجة عن غياب مستلزمات الحياة اليومية!؟
**********
ليس مجرد كلام ...
أيّ عُقَدٍ نُعاني .. !

في كلِّ مرّةٍ أجدُ نفسي ساهماً أدور في دوّامة أفكار، الغريب فيها أنني أقف مندهشاً وحائراً أمام تصرّفات البعض منّا، لا بل كُلّنا، حيث تجد نفسك بين جبلين من الأفكار والمقترحات والآراء والأفعال والأقوال لا يلتقيان أبداً رغم كلّ شيء. وهذا ما يحدث دائما في كل نقاش، لأن كلّ واحد منّا يعتبر نفسه الأكثر صواباً، وعلى الآخر أن ينصاع إليه بكل ما يرنو إليه. فأكثر الآراء تتعصّب لنفسها ، وتعتبر الآخرين على خطأ، وقد تصل الأمور إلى التكفير والتحريض على القتل!
في الأسبوع الماضي أعيد دوامنا بنسبة 25 في المائة، وكان علينا أن نفكّر بآلية توزيع العمل، بالإضافة إلى وسائط النقل وما إليها، تماشيا وقائيا ضد جائحة كورونا. لكن الذي حصل هو عودة الاختلافات والمشاكل ونظرية المؤامرة، وكلٌّ يريد تنفيذ رأيه ومبتغاه، وانه على حق والآخرين على باطل!
إذا كنّا مجموعة صغيرة من الموظفين وتعصف بنا هذه المشاكل والاختلافات والتجاذبات والأنانية المفرطة وما شابهها ، فكيف سنتخلص من عقدة الأنا التي دمّرت كل شيء ، وأحرقت الأخضر واليابس في هذه البلاد، وأعادتها إلى ما قبل القرون الوسطى في كل شيء، فلا زراعة ولا صناعة ولا تجارة، بجانب سوء في الخدمات وتدهور في التربية والتعليم، وانتشار للجهل بشكل كبير. والدليل ما حدث ويحدث الآن من تفشّي الوباء القاتل بشكل خطير، بعد أن تأملنا ضعفه وانحساره، حتى أصبحنا نعيش القلق والخوف الكبيرين ونحن نشاهده يحصد الأرواح تلو الأرواح ، دون أدنى بارقة أمل !
منذ ظهوره أول مرّة بشكل محدود جدا هنا وهناك ، لم يوله المتسيدون على رقاب ومصائر الناس اهتماما ، بل ظلوا في صراعاتهم على المناصب والمكاسب والمغانم يزدادون ضراوة وبشاعة ، وكأن ما جلبوه من خراب للمؤسسات الصحية ومن نقص في المستلزمات العلاجية والوقائية ومن هدر في الأموال، بل سرقتها (عينك عينك)، وبدلاً من استيراد مستلزمات طبية وعلاجية حديثة وذات تكنولوجيا متطورة ، استوردوا (نعل) بملايين الدولارات!
يا لبؤس من تنصّبوا على كراسي المحاصصة المقيتة ، التي نعاني اليوم بشكل كبير من عواقبها، وبضمنها هذه الحرية للوباء في قتلنا ، وبضمنها ايضا موجات التجهيل التي تزداد يوما بعد آخر !
ما هذا الذي نعانيه من عُقَدٍ نفسية، ونحن نعيش في قرن التكنولوجيا والتقنيات الأكثر حداثة ؟!
بل ما الذي جنيناه من هذه العُقَد المريضة التي دمرّت وخرّبت الزرع والضرع وكل شيء، حتى بات مستقبلنا مجهولا ومخيفا، بسبب حاضرنا الأكثر جهلا وخرابا!

عبد السادة البصري
*********
حول "دور المرأة في ظل جائحة كورونا"
النجف – علي العبودي
بثت صفحة منتدى النجف الاجتماعي على موقع فيسبوك، الثلاثاء الماضي، جلسة حوارية الكترونية حول "دور المرأة في ظل جائحة كورونا"، تفاعل معها العديد من المهتمين في شؤون المرأة.
أدار الجلسة السيد علي العبودي، وافتتحها قائلا أنه في ظل ازمة كورونا وإجراءات الحجر المنزلي وتوقف أعمال المواطنين جراء قرار الحظر الوقائي، زادت التزامات المرأة وتضاعفت بين مهام البيت الاعتيادية، وتوعية الاسرة بمخاطر الفيروس وتوجيهها بالالتزام بالإرشادات الصحية احترازا من الوباء.
أول المتحدثين في الجلسة كانت الناشطة السياسية سهاد الخطيب، التي أشارت إلى أن المرأة تتحمل عبء مهام المنزل وحاجات الأسرة، بالرغم من التزاماتها الأخرى خارج المنزل.
وأضافت قائلة: "كوني امرأة، هناك التزامات كثيرة أمامي، كوظيفتي مديرة مدرسة وناشطة سياسية، كذلك مسؤولة منظمة مجتمع مدني وربة بيت"، متابعة قولها: "لدي في ظل جائحة كورونا مهام ومسؤوليات كثيرة، من تكافل اجتماعي ومساندة الجهات الصحية والقوات الأمنية. وهذا يمثل تحديا كبيرا في ظروف الحظر الصحي".
السيدة وفاء الربيعي، المغتربة في ألمانيا، ساهمت في الجلسة موضحة أن المرأة "حمالة أسى"، وأن هناك مسؤوليات كثيرة تقع على عاتقها في ظل أي أزمة تواجه المجتمع، مشيرة إلى أن "المرأة العاملة المغتربة، بذلت خلال فترة الحظر الصحي، جهدا أكبر، كون أطفالها صاروا لا يذهبون إلى المدارس، وهنا يتوجب عليها رعايتهم في البيت، بالإضافة إلى عملها خارج المنزل".
وشاركت في الجلسة الإعلامية أنفال ناجي، التي تحدثت عن دور الإعلام في بث الوعي الصحي، من خلال تواصله مع الجهات الصحية ونقل تعليماتها إلى المجتمع، ما يضمن توعيته من خطر الفيروس، موضحة أن الإعلام كشف عن طاقات في الملاكات الصحية، بذلت جهودا كبيرة في تذليل خطر الجائحة.
وأضافت قائلة أن "مسؤوليتنا كإعلاميين تضاعفت خلال هذه الفترة. فالجائحة غيرت نمط حياتنا، ونحن لا نملك سلاحا ضدها سوى الوقاية منها وتوعية المجتمع في هذا الشأن"، لافتة إلى انه "أسسنا منصات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، مهمتها نشر الوعي الصحي والتعريف بالممرضات اللاتي يقمن بدور كبير في تخفيف معاناة المرضى المصابين بالفيروس".
آخر المتحدثات في الجلسة، كانت السيدة ملاذ الخطيب، التي تحدثت عن دور المرأة وجهودها الكبيرة في ظل أزمة كورونا، مشددة على أهمية "تفعيل القوانين التي تناهض العنف ضد المرأة".
وفي سياق الجلسة، ألقى المشاركون الضوء على دور المرأة في التكافل الاجتماعي، ومساهمتها في توزيع السلات الغذائية على العائلات الفقيرة المتضررة من الأزمة، فضلا عن دعمها الملاكات الصحية في مواجهة الجائحة.