العدد 170 السنة 85 الجمعة 19 حزيران 2020

 

تصفح بي دي اف

 

 

 

ص1

كتب المحرر السياسي :

ندين الاعتداءات المتكررة

على سيادة بلادنا

ونطالب بوقفها فورا !

 

تتواصل وقائع وتداعيات القصف والتوغل العسكري التركيين في أراضي بلادنا، واللذين شملا مناطق واسعة في إقليم كردستان ومحافظة نينوى.

فبعد قصف الطائرات الحربية التركية لمخيمين للاجئين في سنجار ومخمور ومنطقة حفتانين وغيرها في دهوك، وبعد استدعاء سفير تركيا في بغداد وتسليمه مذكرة وزارة الخارجية العراقية المنددة والمستنكرة لما ارتكب، أعلن السفير بوقاحة وبعيدا عن السياقات والأعراف الدبلوماسية، ان بلاده ستواصل عملياتها داخل الأراضي العراقية! فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية فجر يوم الأربعاء ١٧ حزيران الجاري، عن إطلاقها عملية عسكرية واسعة باسم "المخلب - النمر"، ما زالت متواصلة.

وأشارت مصادر متعددة يوم أمس الأول الى ان القصف التركي -الإيراني المتزامن   قد تجدد على مناطق في قرى قضاء حاجي عمران الواقعة بمحافظة أربيل، مسببا وقوع ضحايا في الأرواح وخسائر مادية لفلاحي المنطقة.

اننا اذ نجدد اداتنا واستنكارنا للاعتداءات والاجتياحات التركية المنافية للقانون والمواثيق الدولية، والمنتهكة للسيادة العراقية، نطالب الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بالعمل فورا على إيقاف هذا الانتهاكات غير المبررة على الاطلاق، وحماية سيادة العراق وحرمة أراضيه واجوائه، والحؤول دون ترويع المواطنين، وتكبيدهم خسائر بشرية ومادية.

وفِي هذا السياق أيضا ندين القصف المدفعي من جانب الجيش الإيراني لقرى في قضاء حاجي عمران، ونعدّه هو كذلك خرقا فظا لسيادة بلدنا، ونطالب بالوقف الفوري لمثل هذا الانتهاكات والتدخلات التي تتنافى مع علاقات حسن الجوار.

كما ان المجتع الدولي والأمم المتحدة والقوى المحبة للسلام، مطالبة بالتدخل لوقف هذه الاعتداءات الغاشمة، وإلزام تركيا بسحب قواتها من أراضي العراق واحترام سيادته ووحدة أراضيه، ووقف تدخلاتها المتكررة في شؤون بلدنا، وان تعمل على معالجة مشاكلها مع مواطنيها داخل أراضيها ولا تصدرها الى بلدنا، الذي فيه ما يكفي ويزيد من التعقيدات والمشاكل والصعوبات على مختلف الصعد؛ السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية.

وان الحكومة ومجلس النواب والاحزاب الوطنية العراقية مطالبون جميعا ببذل الجهود ورفع الصوت، لوقف وانهاء هذا المسلسل من الانتهاكات الفظة والمدانة من أية جهة جاءت.

**********

وهم ينددون بالفساد وبعدم الكشف عن قتلة اخوتهم المنتفضين

 إصابات واعتقالات في صفوف متظاهري البصرة

المطالبين بإقالة المحافظ والقادة الأمنيين

بغداد – علي شغاتي

جدد المحتجون في البصرة مطالبتهم بإقالة المحافظ اسعد العيداني وعدد من القادة الأمنيين ، على خلفية انتهاء المهلة التي منحوها لممثلي البصرة في مجلس النواب، من أجل تقديم طلب إلى رئاسة المجلس لإقالتهم. وأثناء احتجاجهم وسط المحافظة، تعرضوا إلى عنف مفرط من قبل القوات الأمنية، أدى إلى إصابة واعتقال العشرات منهم.

 

جماهير غاضبة

 

وجاب المئات من المواطنين شوارع مدينة البصرة يوم الثلاثاء، متوجهين صوب مبنى مكتب مجلس النواب بهدف إغلاق بابه الخارجي بالسلاسل والأقفال، تنديدا بتجاهل نواب المحافظة لمطالبهم، فيما قابلتهم القوات الأمنية بالعنف المفرط واستخدمت ضدهم الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وتسببت بسقوط عدد من الجرحى بعد أن اعتقلت العشرات غيرهم.

وتعليقا على ذلك، اوضح المتظاهر محمود ياسر، إن "مطالب المتظاهرين واضحة وهي ليست وليدة اليوم ولا تحمل في طياتها تصفيات سياسية، كونها تطالب بإقالة المحافظ على خلفية قمع المتظاهرين وقتلهم في تظاهرات عام ٢٠١٨. كذلك الأمر بخصوص ما حدث من قمع وقتل للمتظاهرين خلال انتفاضة تشرين الباسلة، التي يتحملها اساسا المحافظ نفسه لأنه رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة، ومعه قائد الشرطة وقائد قوات الصدمة".

قمع وحشي

 

ويؤكد ياسر، أن "التصعيد الحالي في المحافظة جاء بعد اعطاء أكثر من مهلة لنواب البصرة من اجل أن يؤدوا واجبهم تجاه محافظتهم في إقالة من تسبب في سفك الدماء واستشراء الفساد، ولكنهم لم يتخذوا اي خطوة في هذا الاتجاه، حيث سبقت هذا التصعيد تظاهرة في الشهر الماضي، وحاولت حينها القوات الأمنية الاحتكاك بالمتظاهرين من خلال استفزازهم واعطيت مهلة اخرى انتهت يوم الثلاثاء الماضي تكللت بمسيرة راجلة صوب مكتب مجلس النواب لتقابلها القوات الامنية بوحشية كبيرة، مستخدمة الرصاص الحي والقنابل الغازية وما لحق ذلك من اصابات واعتقالات بين صفوف المتظاهرين".

ويضيف ياسر إن "المتظاهرين مصرون على كشف ومحاسبة قتلة اخوتهم من خلال محاسبة من يمتلكون القرار الأمني في المحافظة"، مطالباً "الحكومة المركزية ونواب المحافظة في مجلس النواب ان يأخذوا دورهم في محاسبة من تسبب في اراقة الدماء".

وشهدت البصرة منذ صيف عام ٢٠١٨ تظاهرات مطالبة بالخدمات ومكافحة الفساد، قوبلت بالقمع والقتل والاساليب الوحشية التي اسفرت عن وقوع الكثير من الشهداء، فيما قابل ذلك خطاب من قوى سياسية متنفذة عزز الجرائم، واتهم المتظاهرين والشهداء بأنهم مرتبطون بأجندات خارجية معادية للوطن، فيما تم تغييب مطلبهم الرئيس الذي يدعو لبناء "وطن" والذي رفعوه في اغلب شعاراتهم.

 

جرائم مستمرة

 

أما الناشط المدني، علي لمعلم، فيشير إلى إن "مسلسل الترهيب والاعتقال والقتل مستمر في البصرة منذ اندلاع الاحتجاجات وبتنفيذ وتوجيه مباشر من قبل قوات الصدمة حيث تم اعتقال المئات من المحتجين، وحرقت خيام الاعتصام لثلاث مرات في ساحة البحرية، فضلا عن عمليات القتل التي تمت بتواطؤ من قبل رئيس اللجنة الامنية في المحافظة"، حسب قوله.

ويوضح لمعلم، أنه "بعد أن حصل الكاظمي على الثقة وشكّل حكومته، بادر المتظاهرين لإعطائه مهلة من أجل إقالة المحافظ وقائدي العمليات وقوات الصدمة، لفشل الاول في اداء مهامه وتفشي الفساد في ظل ادارته، وتحمّل الآخرين مسؤولية القتل والاعتداء على المتظاهرين السلميين. وقدم المتظاهرين ايضا، طلبا إلى نواب المحافظة في البرلمان، لتقديم طلب رسمي لاستجواب هؤلاء ولكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب ما اضطرهم إلى الخروج في مسيرة سلمية امام مكتب مجلس النواب وجرى خلالها مناوشات بيهم والقوات الأمنية وتحديدا قوات مكافحة الشغب، قبل أن تحضر قوة كبيرة من فوج الطوارئ (الصدمة) وتبدأ بقمع المتظاهرين وملاحقتهم في أزقة المدينة باستخدام اسلحة مختلفة".

ويوجه لمعلم، اصابع الاتهام إلى "المحافظ لتورطه في صفقات مشبوهة من خلال احالة المشاريع بشكل مباشر للشركات عبر خطاب ضمان يمنحه مصرف البلاد الاسلامي الذي يملكه شخصيا وتديره زوجته، وكذلك عدم سيطرته على النزاعات العشائرية في المحافظة، بالإضافة الى سكوته عن قتل وقمع المتظاهرين في تظاهرات عام ٢٠١٨-٢٠١٩-٢٠٢٠ وهو المسؤول الأول في المحافظة".

بدوره يتساءل المتظاهر، محمد بدر، عن "دور اللجنة الحكومية المشكلة برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، لمتابعة وتقييم عمل المحافظين، من الخروقات التي يرتكبها المحافظ والقادة الأمنيين، حيث لم يتطرق خلال زيارته للمحافظة يوم الاربعاء الماضي للتجاوزات التي ارتكبتها القوات الامنية بحق المتظاهرين، ولم يشر كذلك لأداء المحافظ وتردي الوضع الخدمي كون الامر من مسؤوليته المباشرة حسب الصلاحيات التي منحت للجنته المشكلة مؤخراً".

************

رئيس الوفد العراقي للحوار الاستراتيجي: تخفيض القوات الأجنبية مرتبط بالظرف الأمني

بغداد – طريق الشعب

كشف الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية رئيس الوفد العراقي للحوار الاستراتيجي عبد الكريم هاشم، أمس، عن وجود لجان تخصصية مشتركة بين بغداد وواشنطن لبحث مدى حاجة العراق للقوات الأجنبية. 

وقال هاشم في تصريح لوكالة الانباء الرسمية (واع)، إن "هناك سبعة أقسام في اتفاقية الإطار الاستراتيجي تم التباحث بشأنها خلال الحوار بين العراق والولايات المتحدة، وتخص الثقافة والتعليم والصحة والمال والاقتصاد، فضلا عن الأقسام الأمنية والعسكرية"، مؤكدا أن "هذه الأقسام لم يتم تفعيلها منذ عام 2009". 

وأضاف، أن "جميع هذه الأقسام تخص الحياة المدنية، حيث يحتاج العراق إلى المساعدة المالية والاقتصادية في ظل الظرف الراهن، فضلا عن زيادة البعثات الخارجية للطلبة في الولايات المتحدة، وكذلك التعاون في المجال الثقافي". 

وأشار إلى أن "البيان المشترك للحوار الاستراتيجي نص على تخفيض القوات الأجنبية في العراق"، مؤكدا أن "هناك تخفيضا واضحا يجري الآن للقوات الأجنبية في العراق وما تبقى منها يحدده الظرف الأمني وتقدير العسكريين العراقيين"".  ولفت إلى أن "هناك لجانا تخصصية مشتركة تعنى بالتعاون الأمني والعسكري بين البلدين تدرس مدى حاجة العراق للقوات الأجنبية بشكل عام والأميركية على وجه الخصوص".  وتابع، أن "البيان المشترك أكد أن أميركا ستساعد العراق في المنظمات الدولية والمجتمع الدولي وأيضا ستساعده من خلال الضغط على حلفائها بالمنطقة والخليج لتدعوهم إلى مساعدة العراق". وكانت وزارة الخارجية الأميركية، وصفت يوم الجمعة، (12 حزيران 2020)، الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن بالإيجابي، مؤكدةً بقاء القوات الأميركية في العراق حتى القضاء على تنظيم داعش.  وقالت المتحدثة باسم الوزارة، مورغان أورتاغيوس إن بلادها ترغب بأن يكون لكل الأطراف والمكونات ممثلون في الحكومة العراقية، مضيفةً أن الولايات المتحدة ستبقى كأكبر مقدمة مساعدات إنسانية للعراق.  وتابعت أن "الحوار الاستراتيجي بين أميركا والعراق كان إيجابياً، وسنبقى في العراق حتى القضاء على داعش"، مشددةً على وجوب "إنهاء وجود الميليشيات الطائفية في العراق".

 وأردفت: "ندعم إيجاد ديمقراطية كاملة في العراق، ونرغب بدعم العراق ليتمتع بديمقراطية فعالة"، داعيةً إلى "إعادة النازحين إلى مناطقهم لتحقيق الاستقرار".

********

المواطنون والتموينية

ووزارة التجارة

 

افادت الاخبار انه نظرا للظروف التي تمر بها البلاد بسبب تفشي كورونا، وجهت وزارة التجارة بتأجيل استيفاء مبالغ من المواطنين عند توزيع مواد التموينية اعتبارا من الشهر القادم، وتوعّدت بمساءلة المخالفين قانونيا.

متابعون تساءلوا: وهل تسلم المواطنون فعلا في الفترة الاخيرة او سيتسلمون وجبة تموينية؟ فالمعلومات الواردة لا تؤكد ذلك.

مواطنون قالوا: نتسلم 3 - 4 مواد فقط ، سكر وزيت وطحين ورز، والاخير رديء، وهي توزع في 8 اشهر وليس 12 شهرا، وتوزيعها دائما ما يتأخر (احدهم: مثلا استلمت قبل ايام حصة شباط الماضي!) وفي بعض الاشهر يُوزع السكر فقط ، وفي بعضها السكر والزيت.

مسؤولة في وزارة التجارة قالت: اهلي يتسلمون الحصة ، لكن متأخرة شهرا او شهرين. واكدت انها لـ 7 اشهر فقط وليس لـ 12 شهرا في السنة!

أضافت مواطنة متابعة ان الكثير من الناس تعتمد على هذه "الحصة"، وبضمنها  الرز رغم رائحته غير الطيبة وشوائبه الكثيرة..

 

السؤال بعد هذا عن محل توجيه "التجا رة" من الاعراب؟

وهل يعني الكثير للمواطنين؟

 

راصد الطريق

**********

هيومن رايتس ووتش: حرية التعبير مُهدَّدة في العراق

بغداد- ناس 

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الإثنين، إن قوانين حرية التعبير في العراق "فضفاضة الصياغة"، ودعت حكومة الكاظمي إلى إعادة النظر فيها وإصلاحها بما يتناسب مع حقوق الانسان.  وقالت المنظمة، في تقرير لها صدر أخيراً، وتابعته "طريق الشعب"، إن "تصاعداً في انتهاكات الحق في حرية التعبير وسط الاحتجاجات واسعة النطاق، عند انتهاء ولاية الحكومة السابقة وخلال تفشي فيروس كورونا، يُبيّن ضرورة قيام الحكومة العراقية الجديدة بإصلاح قوانينها".

وأضافت ان " السلطات العراقية، بما في ذلك سلطات إقليم كردستان، تستخدم بشكل روتيني قوانين فضفاضة الصياغة، لتوجيه اتهامات جنائية ضد الأشخاص الذين يعبرون عن آراء لا تعجب السلطات".

ويبحث التقرير الصادر في ٣٠ صفحة تحت عنوان (يمكننا استدعاؤك في أي وقت‘: حرية التعبير مُهدَّدة في العراق)، في "مجموعة من الأحكام القانونية المتعلقة بالتشهير والتحريض، والتي تستخدمها السلطات ضد منتقديها، بما في ذلك الصحفيون والنشطاء والأصوات المعارضة الأخرى". 

ويدعو التقرير السلطة التشريعة في البرلمان الاتحادي وبرلمان إقليم كردستان إلى "استبدال مواد التشهير الجنائي في قانون العقوبات بعقوبات تشهير مدنية، وتعديل القوانين التي تحدّ من حرية التعبير تماشيا مع القانون الدولي 

واعتبرت المنظمة انه "مع تولّي مصطفى الكاظمي منصبه الجديد كرئيس للوزراء، ورغبته المعلنة منذ توليه المنصب بمعالجة بعض من أهم التحديات الحقوقية في العراق،تتوفر الحكومة على فرصة استثنائية للتصدي للقيود المفروضة على حرية التعبير ، منذ أكثر من عشر سنوات". 

وقالت بلقيس والي، الباحثة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "يُبرز تفشي فيروس كورونا الدور الحيوي، والمُنقذ للحياة أحيانا، الذي تضطلع به الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي القوية والاستقصائية. وان على القادة العراقيين الالتزام بتعزيز احترام القانون الدولي كوسيلة لإعلام شعوبهم وحمايتهم بشكل أفضل."

 

استخدام القوانين "الموروثة" للقمع !

 

ودرست هيومن رايتس ووتش 33 قضية في العراق تتعلق بمحاكمة 21 ناشطا و14 صحفيا تعرضوا للاعتداءات، 13 قضية منها متصلة بدعم أنشطة الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، وسبع منها متصل بتغطية فساد الدولة في وسائل الإعلام الرئيسية أو وسائل التواصل الاجتماعي. ولم تحدّث أي من القضايا في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد بعد تولي رئيس الوزراء الحالي والحكومة الجديدة مقاليد الحكم. 

 وبحسب التقرير، "ينصّ قانون العقوبات العراقي، الذي يعود تاريخه إلى 1969، على العديد من الجرائم مثل إهانة الأمة العربية أو أي مسؤول حكومي، بغضّ النظر عمّا إذا كان الكلام صحيحا، رغم قلّة عدد الأفراد الذين أمضوا عقوبة سجنية بتُهم التشهير، قد تكون العملية الجنائية نفسها بمثابة عقاب، فالإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن أو عن الفساد أمر محفوف بالمخاطر بشكل خاص". 

وفي 6 نيسان 2020، دعا هيثم سليمان (48 عاما)، منظم حركة احتجاج في منشور على "فيسبوك"، محافظ المثنى إلى التحقيق في مزاعم الفساد في دائرة الصحة بشأن شراء كمامات لفيروس كورونا. وقد اعُتقِل في 10 نيسان وتعرّض للضرب، وأُرغِم على توقيع وثيقة تفيد بأن الولايات المتحدة قد موّلت حركة الاحتجاج تلك.

وفي 2014، أصدرت "هيئة الإعلام والاتصالات"، وهي هيئة "مستقلة" مرتبطة بالبرلمان، إرشادات "إلزامية" لتنظيم وسائل الإعلام "خلال الحرب على الإرهاب"، وهي ارشادات لا تزال سارية. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي أساس قانوني للتوجيهات أو إجراءات الهيئة. 

الاعلام يتعرض لتضييق كبير

 

وأكد التقرير على انه "بعد اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في تشرين الأول 2019، أمرت السلطات بإغلاق ثماني محطات تلفزيونية وأربع محطات إذاعية لمدة ثلاثة أشهر بدعوى انتهاكها قواعد ترخيص وسائل الإعلام، بناء على الإرشادات. وأصدرت تحذيرات لخمسة جهات بث أخرى بشأن تغطيتها. وداهم رجال مسلحون مجهولون مكاتب ثلاث وكالات إخبارية على الأقل، وألحقوا أضرارا بها في تشرين الأول. وفي أوائل نيسان 2020، علقت الهيئة ترخيص "رويترز" وغرّمتها 25 مليون دينار عراقي (21 ألف دولار أمريكي) بسبب مقال نشرته في 2 نيسان، يزعم أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في البلاد كان أعلى بكثير من الإحصاءات الرسمية المُعلَنة. وقد تراجعت السلطات عن قرار التعليق في 19 نيسان". 

وأشار التقرير، إلى أن "سلطات إقليم كردستان تستخدم قانون العقوبات المحلي، وقانون العمل الصحفي، وقانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات، للحد من حرية التعبير. وقد اعتُقِل رجل (40 عاما) بعد أن بثّ مباشرة مظاهرة صباح 26 كانون الثاني 2019، واتُهِم بانتهاك قانون العقوبات وقانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات. ورفض قاضٍ التهم وأطلقت السلطات سراح الرجل بعد 29 يوما في الحجز" 

وتابع التقرير:"شعر الأشخاص الذين قابلناهم والذين وُجّهت لهم تهم جنائية أنّ المحاكمات تهدف إلى ترهيب المنتقدين. وقال 11 منهم إنهم لم يتلقوا أية معلومات من النيابة لفترات طويلة، مما جعلهم غير متأكّدين مما إذا كانت القضايا المرفوعة ضدهم لا تزال منظورة أمام القضاء. قال أحدهم: "عندما أفرج عني "الأسايش" قوات الأمن الكردية بعد أن دفعت رسوما في 10 آذار 2019، قالوا لي: يمكن ان نستدعيك في أي وقت‘" 

 وأضاف التقرير: "قال 11 منهم إن قوات الأمن أساءت معاملتهم وقت القبض عليهم أو خلال احتجازهم. وقال جميع الصحفيين الـ 14 وأربعة من النشطاء الذين قابلناهم، إنهم يتلقون تهديدات بانتظام، وعادة من مصادر مجهولة عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا من قوات الأمن أو مسؤولين حكوميين. وقال الصحفي أمانج أبو بكر إن التهديدات التي تلقاها بشأن مقالين عن إقليم كردستان في آذار أثّرت عليه". 

وأكد انه "في 29 نيسان، راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق من أجل طلب معلومات بخصوص القضايا الموثّقة في التقرير. وبينما لم ترسل السلطات في بغداد أي ردّ حتى تاريخ نشر هذا التقرير، أجابت حكومة إقليم كردستان بطريقة "أولية" مشيرة إلى أنها "ملتزمة بالمحافظة على حقوق الصحفيين" وستُرسل لاحقا مزيدا من المعلومات.

************

ص2

الصحة تطمّن: الموقف تحت السيطرة ولدينا أسرّة كافية

 

بغداد – طريق الشعب

طمأن وكيل وزارة الصحة، حازم الجميلي، أمس، بشأن السيطرة على الوضع الوبائي، بسبب ارتفاع الاصابات بفيروس كورونا، فيما وجه رسالة دعا فيها لمزيد من الدعم والمساندة. وقال الجميلي في تصريح صحفي، إن "وزارة الصحة تسعى إلى تقديم المساعدة وفقا لإمكانياتها، إلا أنها بحاجة إلى دعم الجميع لها في ظل زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا".

وأضاف، أن "الوضع الصحي ما زال تحت السيطرة، حيث توجد هناك أسرّة كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة للمصابين، لاسيما بعد المساعدات التي قدمتها بعض الجهات كوزارة التجارة التي خصصت معرض بغداد الدولي ووزارة التعليم بتخصيص بنايات الأقسام الداخلية، فضلا عن وزارة الشباب بتخصيص قاعات ملعب الشعب للمرضى".

وتابع الجميلي أن "هناك مساعدات أيضا من المجلس الاقتصادي الوطني وكذلك من المرجعية الدينية العليا وغيرها من الجهات"، مؤكدا أن "الوزارة تحتاج إلى المزيد من الدعم والمساعدة لتجاوز الصعاب".

*******

كل خميس ...

لا للرهان

على فخ الاقتراض الخارجي

 

تنقض الأزمة الاقتصادية على العراق فيما نظامه السياسي يفتش عن حلول أحلاها مرّ. فتفكير أصحاب القرار هذه الأيام ينصب على الاقتراض الخارجي لتخطي الازمة المالية الخانقة، التي تمثل مظهرا صارخا للازمة البنيوية التي تواجهها البلاد، بعد ان عجزت ايرادات الدولة من تأمين الرواتب التي تعتمد بالأساس على صادرات النفط، رغم الصعود الطفيف في أسعاره خلال الايام الاخيرة.

ان التوجه نحو الدول والمؤسسات الخارجية بهدف الاقتراض، ليس طرقا لابواب مؤسسات خيرية، مع ان المؤسسات الخيرية ذاتها وكما شهدنا، لا تمنح قرضا او مساعدة لوجه الله. وليست خافية توجهاتها ومصالح القائمين عليها وفروضهم. فكيف الامر بالنسبة للدول والمؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تأسست تحت عنوان مخادع هو "مساعدة الدول الاعضاء في تعزيز قدرتها على تبني وتطبيق سياسات اقتصادية سليمة"، وذلك عبر الالتزام بالشروط التي تفرض على الدول المقترضة. وهذه الشروط التي تسمى نفاقا بـ "الوصفات" ومداهنة بـ "برامج الاصلاح الاقتصادي" هي في حقيقتها فروض هيكلية او مالية او نقدية مقابل منح القروض، لخدمة اقتصادات الدول الرأسمالية الغنية القوية التي تتحكم بقرارتها، لمنافع ومصالح خاصة بها على حساب الشعوب الفقيرة.

 ويشهد التاريخ انه لم يتم إقرار قرض خارجي واحد دون شروط وفرض التزامات. ولم تكن تجارب الدول يوما، في تعاملها مع  البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إيجابية، بل هي تجارب مريرة في الغالب الاعم. 

وكي لا نقع بالخديعة كما يحاول فرسان الليبرالية الجديدة ايهامنا بان الحل السحري هو في جعبة تلك المؤسسات الدولية، فان علينا استحضار الخلاصة الابرز التي استنتجتها الشعوب، التي فرضت عليها الديون تحمل كلف الاقتراض وأعبائها الثقيلة، التي أدت إلي سوء الأحوال المعيشية للشعوب. فباسم "الاصلاحات الاقتصادية الضرورية" يتم خفض الرواتب والتقاعد، وفرض المزيد من الضرائب، وتقليص العمالة في القطاع الحكومي بذرائع مختلفة، مما يؤدي الى ارتفاع  نسب البطالة وإتساع مستويات الفقر، وانفاق المداخيل وتراجع القوة الشرائية للعملات الوطنية، وتهاوي معدلات صرفها مقابل العملات الصعبة. وكل هذه الاجراءات عمقت في نهاية المطاف الأزمة الاقتصادية في البلدان المقترِضة بدلا من تنميتها.

وبدلا من اللجوء الى خيار الاقتراض المدمر من الخارج، ثمة رهان وطني يمكن الاقدام عليه، لكنه يحتاج الى ارادة سياسية فعالة. فجل ما يحتاجه العراق هو ضرب ايادي الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة، والسيطرة على المنافذ الحدودية، والإدارة صحيحة لمزاد العملة، والتدقيق في واردات عقارات الدولة، وإعادة حساب جيوش الفضائيين، وتطبيق العدالة الاجتماعية. يرافق ذلك كله اطلاق برامج التنمية المستدامة عبر دعم القطاع الاقتصادي الحقيقي، الصناعة والزراعة.

ان المهمة الملحة الآن هي اعادة النظر في نمط الاولويات، وهذا يتطلب رؤية اجتماعية وسياسية مختلفة عن الرؤية التي حكمت توزيع الاولويات للانفاق العام في الماضي، رؤية تنحاز الى لعقلانية الاقتصادية، والى مبادئ التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

 

جاسم الحلفي

********

طالبوا بتطبيق القرار 315

ثلاث دوائر خدمية في الديوانية تشهد اضرابا للأجراء اليوميين

الديوانية - طريق الشعب

أعلن موظفو الأجور اليومية في ثلاث دوائر خدمية بمحافظة الديوانية، مؤخراً، اضرابهم عن العمل، بسبب عدم تطبيق قرار 315 القاضي بتحويل الاجراء اليوميين إلى عقود، وتعديل سلم الرواتب الذي يشتكون منه، مؤكدين انهم لم يتراجعوا عن قرار الاضراب لحين الاستجابة لمطالبهم.

أجور قليلة جدا

 

ويقول العامل في دائرة بلدية الديوانية، علي العامري، لـ"طريق الشعب"، اننا "تظاهرنا في وسط المحافظة وعبّرنا عن يأسنا الكبير من الحكومة التي لا تلتفت إلى معناة الشعب وهمومنا نحن ذوي الدخل المحدود"، مضيفاً ان "بعض العاملين كأجراء يوميين في البلدية يحصلون على رواتب مقدارها  30 الف دينار للشهر الواحد بمعدل الف دينار باليوم، وبعضهم يحصل على 50 الف دينار وجزء آخر يحصل على 90 الف دينار وصولاً الى 240 الف دينار، فكل هذه المبالغ هي أرقام زهيدة جدا لا تدفع تكاليف المعيشة".

ويتابع العامري "نحن ننقسم إلى قسمين، الأول يأخذ راتبه من دائرة البلدية وأعلى مبلغ فيه يصل إلى 300 الف دينار، اما القسم الثاني فيأخذ راتبه من المحافظة، وأعلى مبلغ فيه هو 240 الف دينار"، مشيراً الى "الانتهاكات التي تمارسها الحكومة المحلية بحقهم، ومن ضمنها اعطاء أحد الاجراء اليوميين راتب قدره 1500 دينار فقط، لأنه لم يذهب إلى الدوام بسبب جائحة كورونا وعند وصوله لاستلام مستحقاته تسلم اجرا قد يكون الأقل في العالم بأكمله، أي ما يعادل دولار واحد فقط".

ويتابع العامل العامري "اثناء تظاهراتنا الاثنين الماضي، مات احد زملائنا خلال التظاهر نتيجة حرارة الجو الشديدة والقهر بسبب لامبالاة المسؤولين المحليين، علما أن المتوفى هو أب لثلاثة اطفال ويسكن في التجاوز"، مبيناً ان "الاضراب سوف يستمر للضغط على الحكومة لحين تطبيق قرار   315 كي نتساوى مع الموظفين على الملاك الدائم".

وكانت الامانة العامة لمجلس الوزراء قد وجهت في وقت سابق الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات ومجالس المحافظات كافة، بتنفيذ قرار 315 لسنة 2019، الذي ينص على استكمال إجراءات تحويل الأجراء اليوميين الى عقود ممن مضى على تشغيلهم بأجر (مدة لا تقل عن سنة واحدة فقط) ويجري إيقاف التعيين بأوامر وزارية أو إدارية للأجراء اليوميين إلا ضمن  استمارات التشغيل، وألا  تتجاوز مدة عمل الأجير  (ثلاثة أشهر)  غير قابلة للتجديد ويجري اعتماد جداول احتساب رواتب المتعاقدين حدا أدنى يبدأ بشهادة الدكتوراه وينتهي بشهادة محو الامية.

 

نسبة مرتفعة

 

من جانبه، يؤكد العامل في دائرة المجاري، احمد الشمري، لـ"طريق الشعب"، ان "عددنا نحن العاملين في دائرة المجاري يبلغ  1022 عامل، وكلنا ننتظر تطبيق القرار 315 وان يتم تحويل الاجراء الى عقود مع توحيد سلم الرواتب"، مشيراً الى ان "نسبة العاملين كأجراء يوميين في دائرة البلدية والماء والمجاري يشكلون نسبة 80 في المائة من عدد الموظفين الكلي، ويشمل السواق والعمال والفنيين والتقنيين".

ويوضح الشمري، ان "نسبتنا كبيرة بالمقارنة مع باقي الموظفين، ونحن من يقع علينا الجزء الاكبر من العمل طالبنا بتوحيد سلم الرواتب وتحويلنا الى عقود بدلاً من الاجور، ولا يعلم أحد ان اوقات عملنا طويلة جداً تصل الى تسع ساعات مقابل اجور زهيدة ومهينة تصل الى 30 الف او 60 الف دينار شهريا"، مبينا إن "العمال ينتظرون منذ ثلاثة ايام استجابة واضحة من الحكومتين المحلية والمركزية واذا لم يجدوا آذان صاغية فقد يشهد الوضع سلوكا تصعيديا جديدا".

ويضيف بالقول "طلبنا من محافظ الديوانية ان ينسق لنا لقاء مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واكد لنا بدوره ان الايام القليلة القادمة سوف يكون اللقاء.

 

وعود كاذبة

 

من جهته، ينوه العامل في دائرة الماء، عمار هاشم، الى ان "عدد عمال الاجور في دائرة الماء يبلغ 200 عامل بعضهم مستمر على هذا الحال منذ 15 عام"، لافتاً الى انه "في بداية العام الحالي ملئنا استمارات كي نتحول من اجراء الى متعاقدين،  كما وعدتنا الحكومة المحلية، ولكن لم يحدث شيء".

ويشير هاشم خلال حديثه لـ"طريق الشعب"، الى انه "قبل ايام، قام محافظ الديوانية بقبول عدد جديد من العاملين على دائرة الماء وبالتالي تفاقمت المشكلة اكثر خصوصاً ونحن بالأساس نعاني من ترهل وظيفي وعدد الموظفين الموجودين هو اكثر من حاجة الدائرة، والمحافظ يعلم تماماً اننا لم نحصل على استحقاقاتنا المادية فما هو الداعي من زيادة جديدة للعاملين في الدائرة"، موضحاً ان "دائرة ماء الديوانية لم تحصل على اي درجة وظيفية منذ عام 2006".

ويلفت هاشم بالقول "دائرتنا تعطينا 8 الاف دينار لليوم الواحد عدا يومي الجمعة والسبت وبالتالي فإن ما نحصل علية نهاية الشهر لا يغطي تكلفة المعيشة، رغم ان معظم اصحاب الاجور اليومية هم حاصلين على شهادة دبلوم وبكالوريوس في مختلف الاختصاصات".

*********

نقابة الاطباء: توصلنا الى حلول بشأن النقاط الخلافية في القانون

الصحة البرلمانية تؤكد الاقتراب من انجاز قانون الضمان الصحي وتكشف ابرز ملامحه

بغداد - عبدالله لطيف

أكد لجنة الصحة النيابية، أمس الاول، قرب استكمال الفقرات المتبقية للتصويت على قانون الضمان الصحي في مجلس النواب، فيما ذكر نقيب الاطباء ان المسودة الاولى للقانون كانت تحتوي على عدة ثغرات، وتم التوصل لاحقاً الى حلول بشأن نقاط الخلاف فيها.

 

استكمال الفقرات 

 

وقال عضو لجنة الصحة النيابية، عبد عون العبادي، لـ"طريق الشعب"، ان "مجلس النواب صوت على 15 مادة من قانون الضمان الصحي في القراءة الاولى والثانية، ولكن جائحة كورونا عطلتنا من اكمال باقي فقرات القانون"، مبيناً ان "الجلسات المقبلة ستشهد استكمال الفقرات المتبقية للتصويت على القانون".  وأكد العبادي، ان القانون فرض ضوابط على عمل القطاع الخاص كي يستثمر في المجال الصحي وترك مساحة لتنظيم قانون اخر لعمل المستشفيات الاهلية"، لافتاً الى ان "تشريع هذا القانون سوف يفرض زيادة مخصصات وزارة الصحة كي تتمكن من تجهيز المستشفيات والمستوصفات بالادوية والاجهزة الطبية، وبالتالي فان لجنة الصحة البرلمانية سوف تضغط على مجلس النواب اثناء التصويت على الموازنات من أجل زيادة موازنة وزارة الصحة، اضافة الى العائدات المالية البسيطة التي ستدخل للوزارة نتيجة نتيجة اشتراك المواطنين بالضمان".

واوضح النائب، أن  "القانون يهدف الى تقليل الاعباء المالية على المواطنين الفقراء، وتأمين التغطية الصحية الشاملة للمضمونين بالقانون، وتعدد مصادر تمويل القطاع الصحي".

وكانت اللجنة قد اكدت في بيان سابق، ان القانون سيوفر الخدمة المجانية للكثير من الشرائح منها: المصابون بالأمراض المزمنة، والسرطانية، والرعاية الاجتماعية، وعوائل الشهداء، والحالات الطارئة. كما سينظم مستوى الخدمات المقدمة لشريحة الموظفين والشرائح الأخرى.

 تعديلات ومناقشات

 

من جانبه، ذكر نقيب الاطباء ان المسودة الاولى للقانون كانت تحتوي على عدة ثغرات، وتم التوصل لاحقاً الى حلول لنقاط الخلاف حولها.

وقال نقيب الاطباء، عبدالامير الشمري، لـ"طريق الشعب"، ان "المسودة الاولى للقانون عندما طرحت كانت تحتوي على عدة ثغرات اهمها، ان القانون في صياغاته السابقة لم يكن يشمل شرائح عديدة من المجتمع وان مراحل تطبيقه صعبة جداً"، مضيفاً ان "الشكل الاداري لهيئة الضمان الصحي التي طرح في مسودة القانون كان فيه ترهلا كبيراً في هيكليته الادارية، وعلى اثر ذلك اعترضت النقابة عليها وحصل اجتماع وشكلت لجنة مصغرة من وزارة الصحة والنقابات وعقدت اربع اجتماعات توصلت من خلالها الى حلول لنقاط الخلاف حول القانون".

وأوضح ان "مراحل التطبيق الاولى للقانون سوف تكون على المستشفيات الاهلية التي تحتوي على مواصفات تساعدها على تقديم الخدمات الجيدة للمواطنين"، مشيراً الى ان "التطبيق سيشمل الاجنحة الخاصة بالمستشفيات الحكومية، ووضعت معيار وضوابط على المستشفيات الحكومية كي تقدم خدمات لا تقل عن المقدمة في الاهلية، وبالتالي فأن القانون سوف يسهم بتطوير البنى التحتية الصحية في البلاد".

وذكر ان "قانون الضمان الصحي سوف يسعى لعقد اتفاق بين هيئة الضمان الصحي والمؤسسات الصحية الاهلية وعيادات الاطباء الخاصة لتأمين الخدمات باقل التكاليف ومن دون اثقال كاهل المواطن بالمصاريف"، موضحاً ان "القانون سوف يؤسس لنقلة نوعية في الواقع الصحي".

وبموجب مسودة القانون فأن نقابة الاطباء والممرضين والصيادلة لهم ممثلين في مجلس ادارة هيئة الضمان الصحي، لذا حاولت "طريق الشعب" الاتصال بنقابة الصيادلة التي رفضت الحديث في هذا الشأن، كما ان المتحدث الرسمي في وزارة الصحة لم يجيب على كافة اتصالاتنا.

*********

الشيوعي العراقي يستقبل الشيخ آزاد

 

بغداد – طريق الشعب

استقبل الرفيق علي مهدي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الاربعاء في مقر الحزب ببغداد الشيخ آزاد نائب الأمين العام لحزب الحرية والديمقراطية الايزيدي.

وتناول الشيخ آزاد خلال اللقاء التداعيات الصعبة التي يتعرض لها الإخوة الايزيديين وعموم سكان المنطقة جراء قصف الطائرات التركية خلال اليوميين السابقين والخسائر التي تعرضت لها المنطقة وأثر ذلك على عدم عودة النازحين. وقد أشاد الضيف الزائر ببيان الحزب الشيوعي العراقي حول قضية القصف التركي.

وأكد الرفيق مهدي على موقف الحزب الرافض لكل إشكال العدوان والخرق لسيادة العراق وأجوائه، والذي عبر عنه في بيانه الصادر بتاريخ 15/6/2020 من خلال استنكار الانتهاك التركي السافر المتكرر لسيادة العراق، ومطالبته بإدانة العدوان من قبل الحكومة العراقية ومجلس النواب وحكومة الإقليم.

وأكد الطرفان على أهمية التنسيق والتعاون بين القوى الديمقراطية والمدنية دون إي استئثار او استبعاد والحرص على مشاركة جميع الشخصيات والكيانات السياسية التي تؤمن ببناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.

وشارك في الاستقبال الرفيق فراس اليأس عضو لجنة القوميات المركزية في الحزب.

********

دعوات لتوجيه الاستثمارات الاجنبية نحو القطاعات الانتاجية

خبراء: الفساد والبيروقراطية عائقان رئيسيان للاستثمار

بغداد – طريق الشعب  

يعيش العراق منذ سنوات عدة، وضعا استثماريا مترديا يضاف إلى ازمة الاقتصاد الاحادية المعتمدة على النفط وحده. والاستثمار في هذا المشهد اقتصر في غالبيته بحسب ما يؤكد الخبراء الاقتصاديون، على الجانب النفطي ايضا رغم ما يشهده من فساد وابتزاز وعمليات مشبوهة، فيما تم تجاهل الاستثمار في القطاعات الانتاجية تماما، مع غياب الخطط والاستراتيجيات التي يمكن ان تكون كفيلة بتنمية الاقتصاد الوطني، إضافة الى غياب البيئة الاستثمارية الجيدة والظروف الملائمة بسبب ما يشهده البلد من خراب كبير.

 

وضع استثماري سيء

 

الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، يعتقد أن الظروف الحالية تسمح بالاستثمارات النفطية فقط، وبعض الاستثمارات الاخرى في مجال السكن، نظرا إلى الوضع الأمني والمالي والمصرفي وبقية المعرقلات التي كان من المفترض ان تغيب وتنهض مكانها مقومات النجاح الاقتصادي الذي ينعش الاستثمار.

ويضيف الصوري، إن "السعي الحكومي بقي يلاحق الاستثمار النفطي لربحه العالي، رغم ما تشهده جولات التراخيص من اخطاء وابتزاز وسرقات كثيرة وكبيرة عن طريق الانفاق غير الرشيد على المستويين التشغيلي والاستثماري"، مؤكدا أن "للعراق فرص استثمارية كبيرة وهنالك رغبة من دول وشركات مهتمة به تبدي باستمرار استعدادها للحضور الى المشهد العراقي لو توفرت الظروف المناسبة، خصوصا وأن العراق حصل خلال مؤتمر المانحين في الكويت على 30 مليار دولار للاستثمار فيه ولديه ايضا اتفاقية عقدها مع الصين تبلغ مرحلتها الاولى 10 مليار دولار يمكن أن تتوسع لاحقا".

ويعيب الخبير، على الوضع الاستثماري تعرضه الى "الفساد المالي والاداري والبيروقراطية والقرارات المتناقضة والبيئة الطاردة تماما لهذا الجانب المهم"، ويبين أن "مقترحا سابقا تم طرحة دعا إلى إنشاء مصرف تنموي برأسمال لا يقل عن ٥ مليار دولار لا يتم دفعه، وانما عن طريق اصدار سندات يمكن تسهيلها عند الحاجة".

ويؤكد الخبير الصوري، أن "حُسن ادارة المصرف ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، يمكن أن يؤدي إلى جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية. كما أن المبالغ المكتنزة في العراق يمكن للجزء الاكبر منها أن تذهب للاستثمارات بوجود الضمانة الحكومية والمصرفية والادارة الجيدة والمشاريع التي يتم اختيارها بعناية وشفافية. علما أن الحكومة هي من يجب أن تتولى عملية الاستثمار لامتلاكها الامكانيات، وعدم قدرة عمل القطاع الخاص في هذا الجانب دون القطاع الحكومي"، لافتا إلى أن "مشكلة الكهرباء، تقف عائق أساسي للاستثمار، لذا يتطلب القضاء عليها تماما، وبخلاف ذلك لا يمكن أن تكون هنالك تنمية مستدامة على المستويات الصناعية والزراعية والاقتصادية وحتى الاجتماعية"، مبينا أن "السعودية تمتلك 76 الف ميغا واط وتريد توسيعها الى 120 الف ميغا واط خلال السنوات الخمس القادمة، بينما نحن لا نملك سوى 16 الف ميغا واط، جزء منها ما يتم استيراده".

 

غياب الرؤى الاقتصادية

 

أما الخبير الاقتصادي، باسم جميل انطوان، فيرى أن النفط هو سلعة عالمية – اقتصادية – سياسية، وأي تقلبات تتعرض لها اسعارها تنعكس سلبا على مسيرة الاقتصاد العراقي.

ويوضح انطوان، أن "السنوات التي تلت عام ٢٠٠٣ شهدت اهمالا كبيرا للقطاعات الانتاجية، وبقيت نسبة ٩٩ في المائة من الصادرات التي تجذب العملة النادرة هي نفطية، وتشكل من هذه النسبة قرابة الـ ٩٢ في المائة كموازنة"، مبينا أن "الحكام الموجودين ليسوا اقتصاديين ولا يملكون رؤى اقتصادية واضحة، واعتمدوا على تحصيل اسرع الايرادات بأقصر الأوقات، ولهذا لم تلقى القطاعات الانتاجية التشجيع ولم تخلق لها قاعدة جذابة، وتمت محاربة الرأسمال المحلي والأجنبي على عكس المطلوب حتى يبقى العراق سوقا استهلاكيا لدول الجوار".

ويبين الخبير انطوان، أن "الصناعة قبل ٢٠٠٣ كانت تشكل من الناتج المحلي الاجمالي نسبة ١٧ في المائة، بينما الزراعة تتراوح ما بين ٢٥ – ٢٦ في المائة، والان الفرص أفضل ولكن لم نشهد تطورا ولم نرى القطاع الخاص يساهم في عملية التنمية من خلال تطوير الانتاج وخلق فرص العمل، وبالتالي تقليص نسب البطالة".

ويدعو الخبير، إلى "ايجاد بيئة قانونية جاذبة للاستثمار والبدء بمحاربة الفساد والروتين وتكييف الوضع المصرفي مع التطورات والقضاء على البيروقراطية، لأن العراق يحتل المرتبة ١٦٠ بين ١٨٨ دولة بمجال الاعمال"،  منوها إلى "أهمية بناء علاقات انتاجية مع دول الجوار ايضا، والاسراع بذلك"، فيما أكد "وجود أكثر ٥٠ ألف مشروع صناعي في القطاع الخاص شبه معطل، واكثر من ٣٠ شركة فيها ١٦٠-١٧٠ مصنع مشلول في القطاع العام، لا يمكن تشغيلها الا باستراتيجية شاملة يتم العمل عليها من الجميع وتكلف الكفاءات العراقية بمهامها لبناء جانب استثماري واقتصادي سليم ومعافى".

 

خبرة موجودة وعمل غائب

 

وارتباطا بذلك، توضح عضو لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي، النائب انعام الخزاعي، أن "التحدي الاقتصادي في العراق ليس نتيجة نقص الخبرة الاقتصادية بقدر ما هو نتيجة عدم تطبيق الحكومات المتعاقبة  للسياسات الاقتصادية المقترحة من قبل الخبراء والمختصين"، لافتة إلى أن "العراق يحتاج إلى حكومة وطنية نزيهة تأخذ بنصائح وارشادات الخبراء الاقتصاديين، فليس الحل وحده بيد الخبرات الأمريكية والأجنبية".

وتطالب الخزاعي بـ "توجيه الاستثمار الأجنبي الأمريكي إلى قطاعات الزراعة والصناعة والبنى التحتية بدلا من تركيزه على حقول النفط في العراق ووفق المجالات التي تحددها الحكومة العراقية من خلال اعلانها الفرص الاستثمارية".

***********

تعزية

 

عائلة الفقيد الدكتور

حمدي التكمجي المحترمون

بالم وحزن عميقين تلقينا نبأ رحيل الدكتور حمدي شكر التكمجي (أبو عباس) بعد مرض عضال ألم به في السنوات الأخيرة من عمره الحافل بالعمل والعطاء.

وبفقدان الدكتور التكمجي خسرنا شخصية وطنية ديمقراطية، ومناضلا من اجل خير الشعب والوطن وتقدمهما، وهو سليل عائلة كريمة فاضلة وشقيق الفقيد الدكتور الاقتصادي حافظ التكمجي والمهندس حسين التكمجي.

انخرط الراحل مبكرا في النضال الوطني، وساهم في العمل السري في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وظل قريبا منه حتى رحيله.

وللفقيد، الشخصية الاكاديمية والاجتماعية، مساهمات بارزة في التنوير والترويج للثقافة العلمية والتقدمية، والتعريف عبر كتب عدة صدرت له بالعديد من المفكرين والفنانين والسياسيين العراقيين.

في مناسبة هذه الخسارة والفقدان المؤلمين نتقدم الى عائلة الراحل وأصدقائه بالتعازي والمواساة متمنين لهم الصبر والسلوان.

وللفقيد دوام الذكر الطيب.

المكتب السياسي

للحزب الشيوعي العراقي

١٨-٦-٢٠٢٠

**********

ص3

التربية تدافع عن "الحقوق" المالية للمدارس الأهلية رغم الأزمة وتعطيل الدوام!

من يدافع عن الطلبة وحقوقهم؟

بغداد – سيف زهير

شهدت محافظة البصرة، مؤخرا، غضبا واستهجانا لتصريحات الناطق باسم وزارة التربية الذي اعتبر قرار خلية الأزمة في المحافظة غير ملزما بشأن تخفيض أجور المدارس الأهلية إلى النصف خلال الأزمة الصحية والاقتصادية الراهنة.

لا أحد يدافع عن الطلبة

 

الغضب هذا ليس جديدا ولم تشهده البصرة وحدها، بل كان يتصاعد ويغلي طيلة الأسابيع الماضية في العراق بعد أن استمرت وزارتي التربية والتعليم العالي بمجاملة ومحاباة المدارس والجامعات الأهلية التي تدور حولها الملاحظات الكثيرة من الجوانب المالية والإدارية والعلمية وغيرها، وبادر الوزيرين بعد أيام قليلة من توزيرهما، إلى الدفاع عن هذه المؤسسات المتهمة بالاستغلال والفشل، وتبرير تصرفات مستثمريها الذين اثبت الكثير منهم بجدارة جشعهم خلال الأزمة الراهنة وظروفها الصعبة.

المشكلة في خطاب الوزارتين، هو المبادرة بالدفاع عن المدارس والجامعات الأهلية أكثر من الدفاع عن مصالح الطلبة وهم بالملايين، وإلا فكيف نصف تصريح المتحدث باسم وزارة التربية، حيدر فاروق، الذي أكد في تصريح صحفي، أنه "لا يحق لأي جهة فرض مسألة تحديد المبالغ أو تخفيضها في المدارس الأهلية، وبضمنها الوزارة نفسها التي لا يمكن لها أن تتدخل وفق القانون في تحديد الاجور بين إدارات المدارس والمواطنين، وأن التخفيض بنسبة 10 في المائة من الأجور، والذي اصدرته هيئة الرأي في الوزارة غير ملزم ايضا وانما كان مطالبة إنسانية لا أكثر".

التصريح هذا جاء بعد أن اصدرت خلية الأزمة في البصرة قرارً يلزم المدارس الأهلية بتخفيض اجورها لهذا العام إلى 50 في المائة، ما أدى إلى استنكار تجمع المؤسسات التربوية الأهلية العراقية للقرار واعتباره تدخلا غير مسؤولا بشؤون المؤسسات التربوية، لتعلق الوزارة من جانبها مدافعة عن هذه المؤسسات وكان بإمكانها الاكتفاء بتصرف الحكومات المحلية في هذه المحنة من أجل تقليل الضرر الكبير الي الحقته الظروف بالمواطنين.

 

تصرف وزاري غير مسؤول!

 

لذا، فأن المواطن البصري حميد ناصر، يستغرب تصريحات المتحدث باسم وزارة التربية ويعتبر كلامه "غير مسؤول ولا يراعي المعاناة التي يعيشها المواطن العراقي بصورة عامة والبصري بصورة خاصة، حيث اثرت الازمة الاقتصادية على حياة المواطنين وسرحت الشركات النفطية اعداد كبيرة من العاملين فيها وخفضت رواتب الكثير من الموظفين، فكل هذا وأكثر أثر سلبا على دخل الفرد والتزاماته المالية".

ويشير ناصر، إلى إن "تردي واقع المدارس في المحافظة أجبره على أدخال ابناءه الثلاث الى مدارس اهلية بغية حصولهم على تعليم جيد، ولكن هذه المدارس ايضا لم تقدم خدماتها بعد الظروف التي شهدها البلاد من اضرابات وانتشار للفايروس الانتقالي وتعطيل الدوام"، مقدرا "الالتزامات المالية للمدارس الأهلية التي يجب أن تقدر من جانبها ظروف البلد الاستثنائية والتي تمر على العالم بأسره".

 

متى يتدخل مجلس الوزراء؟

 

وفي الشأن ذاته، تطالب المواطنة خديجة عودة، مجلس الوزراء بـ"التدخل واصدار قرار ملزم للمدارس الاهلية بتخفيض الاجور بنسبة لا تقل عن ٥٠ في المائة كون هذه المدارس لم تنتظم بالدوام بصورة طبيعية ولم تعطي سوى ٢٥ في المائة من المناهج الدراسية المقرة من قبل وزارة التربية".

وتنتقد عودة "محاباة وزارة التربية للمستثمرين في المدارس الاهلية وتخليها عن تنظيم مسألة الأجور في هذا الأزمة واشكالاتها وتصرفها على أنها ليست الجهة الحكومية المسؤولة عن الأمر".

أما بخصوص رواتب المعلمين والمدرسين في المدارس الاهلية، فيكشف المعلم، محمد عبد الجبار، عن "عدم قيام إدارات هذه المدارس بصرف رواتب كوادرها التدريسية منذ شهر آذار الماضي، وتعامل مالكيها مع المعلمين والمدرسين بصورة منافية للأخلاق تتجاهل حقوق التدريسيين وظروفهم الحالية، ما أبقاهم فريسة سهلة لأهواء المستثمرين وجشعهم البشع".

********

في محوّلة زقاقنا "كشاية"!

 

اعتاد  ساكنو الزقاق 58/ المحلة ٨٢٧ في حي السيدية ببغداد، على ادخار شيء من دخلهم الشهري لتغطية "النفقات الحاكمة" - ربما يستغرب البعض من هذه التسمية كونها تستخدم في موازنة الدولة – فهم ببساطة شديدة يدخرون المال لأن محولة الكهرباء التي تغذي زقاقهم، تتعطل مرتين في الاسبوع، وفي كل مرة يجمع السكان "المقسوم" من كل بيت لغرض تصليحها، وبخلاف ذلك سيظلون يعانون يوما أو يومين، آملين قدوم عمال الصيانة من دائرة الكهرباء، ليقوموا بتلك المهمة.

منذ أكثر من سنتين وأهالي الزقاق على هذا الحال، ولذلك اقترحت عليهم وضع فقرة "النفقات الحاكمة" في جدول نفقاتهم الشهرية! إلا أن الحل الحقيقي والنهائي لتلك المعاناة، هو استبدال هذه المحولة الصغيرة، بأخرى اكبر تتناسب مع الحمل الكبير الذي يقع عليها نتيجة ازدياد عدد سكان المنطقة.. لكن الجهة المعنية تأبى تنفيذ ذلك، تحت حجج واهية، فتارة تطالب بجمع تواقيع من السكان أو جمع وصولات الكهرباء، وتارة أخرى تطالب بجمع بدل شراء المحولة، إلى غير ذلك من الحجج.

يذكرني هذا الأمر بقصة قرأتها قبل نحو نصف قرن. إذ يقال ان هناك حكيما متخصصا في وصف العلاجات البدائية للمرضى، جاءه ذات يوم مراجع من الريف يشكو احمرار عينه نتيجة دخول شيء غريب فيها، يسمى باللهجة الشعبية الـ "الكشة" أو "الكشاية". فقام الحكيم بتنظيف عين المراجع باستخدام قطرة من سائل مطهر، إلا انه لم يخرج "الكشاية". بعدها دفع له المراجع "المقسوم"، ومعه "صوغة من صوغات أهل الريف"، التي غالبا ما تكون 15 بيضة محفوظة في "زنبيل مليء بالتبن"، مع دجاجة.

هذه المادة المطهرة تجعل المراجع يرتاح عشرة أيام، ثم يعود مجددا إلى الحكيم يطلب منه تنظيف عينه، فيقوم الأخير بتكرار العملية من دون أن يخرج "الكشاية"، ويتسلم "الصوغة".. وهكذا.

في أحد الأيام، سافر الحكيم إلى منطقة أخرى، وترك ابنه بديلا عنه يعالج الناس، فصادف أن جاء "صاحبنا" يشكو احمرار عينه من جديد، فعالجه الابن، وهذه المرة أخرج "الكشاية" من عينه. لكن الأب، وبعد أن عاد من سفره، تفقد القروي، على اعتبار ان فترة طويلة مضت ولم يأت لعلاج عينه، لعله مات أو حصل له أمر ما. فسأل ابنه عنه، فأجابه: "لا يا أبتي، لم يمت القروي، إنما جاء إلينا عندما كنت مسافرا، فعالجته وأخرجت القشة من عينه"!

هنا صرخ الحكيم بوجه ابنه، بعد أن أسمعه عبارات نابية: "بعد منين ناكل بيض ودجاج؟!".

أظن أن مغزى قصتنا واضح، ربما سينتبه إليه وزير الكهرباء ويفعل مثلما فعل الابن، ويضع حدا لمعاناة أهالي الزقاق!

 

مهدي العيسى

**********

مواساة

• تنعى محلية الكرخ الاولى الرفيق طه رمضان عضو أساسية الشعلة للحزب الشيوعي العراقي الذي توفي إثر مرض عضال لم يمهله طويلا، الذكر الطيب للفقيد ولأهله ورفاقه جميل الصبر والسلوان.

• وتعزي منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الكاظمية الرفيق فرات مهدي (ابو نصير) بوفاة شقيقته أثر مرض عضال لم يمهلها طويلا، الذكر الطيب للفقيدة ولعائلتها الصبر والسلوان

و تنعى الرياضي حسن جاسم عباس ال دبس الشخصية الرياضية المعروفة وكابتن منتخب الدراجات الهوائية العراقي، الذي توفي أثر مرض عضال لم يمهله طويلا، والفقيد هو ابن المناضل الشيوعي الفقيد جاسم عباس ال دبس للفقيد الذكر الطيب ولعائلته الصبر والسلوان.

• ببالغ الحزن والأسى، تنعى محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي الشخصية الوطنية والمناضل، الاستاذ المأسوف على رحيله عبد العظيم العباسي، الذي وافاه الاجل بعد صراع مرير مع المرض، الذكر الطيب للفقيد والصبر والسلوان للعائلة الكريمة.

• بألم شديد تنعى محلية الثورة للحزب الشيوعي العراقي الرفيق العزيز راضي زاير شلش (ابومحمد) الذي توفي  اثر مرض عضال، الذكر الطيب للفقيد و الصبر والسلوان لعائلتة ورفاقه..

• وبألم وحزن كبيرين تنعى الرفيق كامل الزهيري (ابو عادل) الذي توفى اثر صراع مع مرض عضال (عجز الكليتين) للفقيد الذكر الطيب ولعائلته ورفاقه جميل الصبر والسلوان.

• تنعى الرفيق فلحي عبد الرحمن (ابو حسن) الذي توفى اثر مرض عضال، للفقيد الذكر الطيب ولرفاقه وعائلته جميل الصبر والسلوان.

• تنعى محلية المثقفين للحزب الشيوعي العراقي ببالغ الألم والأسى الرفيق الحقوقي جمال جعفر بعد إصابته بڤايروس كورونا. لقد كان الرفيق من كوادر الحزب المشهود لها بدماثة الخلق والاخلاص والالتزام بالمبادئ الوطنية، وتتقدم بالتعازي الحارة لذوي الرفيق الفقيد ورفاقه، وللفقيد الذكر الطيب.

************

أهالي "القبلة" يحتجون

إلى متى تستمر أزمة المياه في البصرة!؟

البصرة - حسين منذر

في ظل الأزمة الصحية الصعبة التي يعيشها العراق اليوم شأن البلدان الأخرى، بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتابعة والظروف المعيشية القاسية، يلمس المواطنون عدم قدرة الحكومة على وضع الحلول الناجعة لتلك الأزمات والمشكلات التي أصبحت مزمنة، خاصة في ما يتعلق بتردي الخدمات الصحية والبلدية الأساسية.

سكان محافظة البصرة، يعانون منذ سنوات، سوء الخدمات البلدية بشكل عام، وشح المياه بشكل خاص. فماء الإسالة غير صالح حتى للغسيل، نظرا لتزايد نسبة الملوحة فيه. يأتي ذلك في ظل فشل الحكومات المتعاقبة على الحكم في البلد والمحافظة، في حل هذه المشكلة المزمنة.

ففي منطقة القبلة، إحدى المناطق الكبيرة في مدينة البصرة، أبدى المواطنون امتعاضهم الشديد بسبب عودة مشكلة انقطاع الماء عن منطقتهم مع حلول الصيف.

وكان أبناء المنطقة قد خرجوا الثلاثاء الماضي، في تظاهرة احتجاجا على مشكلة المياه، مطالبين بمحاسبة المقصرين في دائرة ماء البصرة.

ورفع المتظاهرون لافتات طالبوا فيها الحكومة المحلية بإقالة مدير دائرة الماء، متهمين إياه بالتقصير في معالجة المشكلة. فيما توعدوا بالخروج في تظاهرات أخرى والقيام بالعصيان المدني في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.

أحد منسقي التظاهرة في منطقة القبلة، أبلغ "طريق الشعب"، بأنه سبق لأهالي المنطقة أن قدموا شكاوى في ما يخص مشكلة انقطاع المياه، مشيرا إلى أن تلك الشكاوى لم تلق اذنا صاغية، ولا تزال المشكلة من دون حل. يشار إلى أن الكثيرين من المواطنين البصريين، باتوا يستخدمون مياه الشرب المنقاة (آر أو) في الغسيل، ما يكلفهم مبالغ مالية إضافية في ظل الظروف المعيشية القاسية الراهنة.

**********

لوح وورد من شيوعيي النجف إلى الدفاع المدني

النجف - زيد شبيب

قدمت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف، لوح تقدير وباقة ورد إلى مديرية الدفاع المدني في المحافظة، وذلك تثمينا لدورها في تعفير المؤسسات الحكومية والشوارع والدور السكنية ضد فيروس كورونا، فضلا عن دورها الأساسي في إطفاء الحرائق.

وزارت اللجنة المحلية، ممثلة بوفد ضم سكرتيرها الرفيق كريم بلال وعددا من رفاقه، مديرية الدفاع المدني. وقد كان في استقبال الوفد معاون مدير عام الدفاع المدني العراقي اللواء محسن الزاملي، ومدير الدفاع المدني في النجف العقيد رشيد ثابت.

الرفيق بلال، ثمن خلال حديثه إلى مستقبليه، دور مديرية الدفاع المدني في مواجهة جائحة كورونا، عبر قيامها بتعقيم وتعفير الأماكن العامة والخاصة، فضلا عن توفير المواد المعقمة، إلى جانب جهودها في إطفاء الحرائق، مثمنا أيضا قيام المديرية بإرسال فريق من كوادرها إلى مدينة الموصل، للمساهمة في إطفاء الحرائق التي نشبت في بعض المزارع هناك.

وشدد سكرتير اللجنة المحلية على أهمية دعم مديرية الدفاع المدني، وتطوير عملها وتجهيزها بأحدث التقنيات.

إلى ذلك أعرب اللواء الزاملي عن شكره إلى اللجنة المحلية للحزب في النجف، على ما تقدمه من دعم معنوي إلى المديرية وكوادرها، مشيرا إلى أن المديرية تعمل حاليا على تطوير آليات عملها وتحديثها بما يماثل نظيراتها في العالم.

العقيد رشيد ثابت، ثمن من جانبه جهود شيوعيي النجف في مواجهة جائحة كورونا، ومواصلتهم الدعم المعنوي للمديرية وكوادرها، مشددا على ضرورة تعاون الجميع من أجل مكافحة الجائحة المميتة، وحماية المواطن منها.

ضم الوفد بالإضافة إلى السكرتير، كلا من الرفاق أعضاء اللجنة المحلية، احمد عباس، حسنين العميدي وزيد شبيب.

********

موظفون بصريون: نرفض الاستقطاع من رواتبنا

و"الترقيع" لن يعالج الأزمة الاقتصادية

البصرة – حافظ الجاسم

في مواجهتها الأزمتين المالية والصحية اللتين يمر بهما العراق اليوم بعد انتشار فيروس كورونا والانخفاض الحاد في أسعار النفط، لا تزال الحكومة العراقية تضع الحلول الترقيعية غير المجدية، وآخرها الاستقطاعات التي طالت رواتب المتقاعدين وموظفي الدولة. ويرى ملاحظون أن الأزمة الاقتصادية جاءت بسبب انتهاج الاقتصادي الريعي أحادي الجانب منذ 2003 وإلى الآن، وما رافق ذلك من فساد مالي - اداري أدى الى تدنى المستوى الاقتصادي في بلد معروف بثرواته الكبيرة وطاقاته البشرية.

وفي سعيها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي حلت على خلفية الانخفاض الحاد في أسعار النفط، أصدرت الحكومة جملة من القرارات، أبرزها قرار فرض ضريبة الدخل على رواتب موظفي الدولة. فقد أعلن مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، عن هذه الضريبة، التي ستتراوح استقطاعاتها بين 10 و15 في المائة من راتب الموظف، وانها تسري على جميع الموظفين الذين تتجاوز رواتبهم الـ 500 ألف دينار.

مراسل "طريق الشعب" في مدينة البصرة، التقى عددا من الموظفين والمواطنين، وسجل انطباعاتهم ووجهات نظرهم حول قرار ضريبة الدخل كإجراء لعلاج الأزمة الاقتصادية.

الموظف سليم عاصم، يرى أن على الحكومة ان تعالج الأزمات الاقتصادية بعيدا عن الحلول الترقيعية التي تلجأ إليها بين فترة وأخرى، والتي تتمثل في الاستقطاع من رواتب الموظفين أو المتقاعدين، موضحا أن "الحل الأمثل للأزمة يكمن في إعادة تفعيل القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية, وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للاقتصاد، خاصة أن الحكومة صارت تدرك اليوم حجم الأزمات الناتجة عن هذا النوع من الاقتصاد الأحادي".

ويضيف قائلا، أن رواتب غالبية الموظفين بالكاد تكفي لسد رمق عيش عائلاتهم، مشيرا إلى أن الراتب ينفد قبل نهاية الشهر، بسبب زيادة النفقات وارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظل عدم توزيع مفردات البطاقة التموينية.

من جانبه يرى المواطن حسن كنعان، أنه "لتلافي الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد اليوم، يتطلب من الحكومة التوجه نحو تخفيض الرواتب التقاعدية للحكومات السابقة، فضلا عن تقليل نفقات الدرجات الخاصة والرئاسات ومخصصاتهم المالية التي تكلف الدولة سنويا، مليارات الدولارات".

وكان العشرات من التدريسيين في جامعة البصرة، قد نظموا يوم الأربعاء 10 حزيران، وقفة احتجاج أمام بوابة الجامعة، أعلنوا فيها رفضهم القرار القاضي باستقطاع مبالغ من رواتبهم، مؤكدين أن هذا القرار سيلحق الضرر بواقعهم المعيشي.

وأعلن المشاركون في الوقفة انه في حال تنفيذ قرار الاستقطاع، سيمتنعون عن تقديم المحاضرات عبر منصات التعليم الالكتروني التي أطلقتها وزارة التعليم العالي، عقب فرض حظر التجوال الوقائي. 

وفي سياق ذي صلة، قال رئيس فرع نقابة الاكاديميين في البصرة، حسين العيداني، أن قرار تخفيض الرواتب أو الاستقطاع منها عبر تطبيق ضريبة الدخل "يعد قرارا غير قانوني، وسيضر بالموظفين"، مطالبا في بيان أطلعت عليه "طريق الشعب"، بـ "الرجوع إلى تخفيض رواتب الدرجات العليا، كالمتقاعدين من البرلمانيين والوزراء".

وتوعد العيداني في البيان، بـ "التصعيد في حال عدم الاستجابة لمطالبهم".

***********

ص4

أفول نجم آخر من ذلك الجيل

الدكتور حمدي شكر عباس التكمجي في ذمة الخلود

عادل حبه

في فجر السابع عشر من حزيران 2020، وافت المنية وغيّبت عنا الفقيد الدكتور حمدي شكر عباس التكمجي عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاماً في العاصمة الأردنية عمان. رحل الفقيد بعد أن عانى أشد المعاناة جراء المرض العضال الذي فتك به في السنوات الأخيرة. ولد الفقيد في حي صبابيغ الآل من رصافة بغداد عام 1929. والفقيد هو نجل طيب الذكر الحاج شكر عباس التكمجي، وشقيق كل من الفقيد الدكتور الإقتصادي حافظ شكر التكمجي والمهندس حسين شكر التكمجي. أكمل الفقيد الدراسة الأولية في المدرسة الجعفرية، ولينتقل بعدها إلى إكمال دراسته في المتوسطة المركزية ثم الإعدادية المركزية في بغداد. وانخرط منذ سن مبكرة بحماس في النشاط الوطني الديمقراطي ضد الهيمنة الأجنبية على البلاد وهشاشة الحكم ونزعته البوليسية ومن أجل بناء عراق حر ومزدهر. كما ساهم مع مبادرة شقيقه الدكتور حافظ التكمجي وصديق العمر الشهيد محمد صالح العبلي في مسيرة التنوير عبر فتح مكتبة في محلة قنبر علي بغداد تعنى بنشر وبيع الكتب لترويج الثقافة التقدمية، متأثرين بما أفرزته أجواء الحرب العالمية الثانية ضد الفاشية والنازية من أفكار تحررية وديمقراطية. هذه الظروف هي التي  قربته من الحزب الشيوعي العراقي وأفكاره وسياسته، شأنه في ذلك شأن المزيد من أبناء وبنات جيله، جيل التنوير جيل الباحثين عن الحقيقة، جيل الإصرار على نقل وادي الرافدين إلى عتبة الحضارة والتمدن وإنتشاله من حالة البؤس والركود الاجتماعي والإقتصادي.

في أواخر الأربعينيات، قرر والده الصنايعي وصاحب الورشة والذي كان يعير أهمية للعلم إرسال الشاب حمدي التكمجي لتلقي التعليم في الولايات المتحدة في فرع هندسة الميكانيك، هذا الفرع الذي له علاقة بمهنة الوالد. وبعد سنوات عاد إلى العراق ليكمل مشواره المهني والسياسي. وكان شعب العراق قد خرج للتو من إنتفاضة تشرين الثاني عام 1952، هذه الإنتفاضة المجيدة التي ألهبت حماس العراقيين وأسقطت وزارة تلو الوزارة وغيرت ميزان القوى لصالح مطالب الجماهير في عصرنة الدولة العراقية. ومع عودة الشاب حمدي التكمجي، كانت الأجواء تتميز بقدر من  تراجع الأجواء البوليسية مما سمح لقوى المعارضة تعزيز نشاطها وتوحيد قواها. وكان من بين تلك النشاطات قيام منظمات اجتماعية كحركة أنصار السلام ورابطة المرأة العراقية وإتحاد الطلبة العام والشبيبة ونشاط نقابي عمالي محدود. وبادر أبن المحلة  الشاب إلى تنظيم فتيان محلتنا بفريق يدعى " فتيان وشبيبة أنصار السلام"، وكان يروي لنا مخاطر حرب نووية كمجزرة الإبادة الجماعية للشعب الياباني التي نفذها حكام الولايات المتحدة ضد هيروشيما وناغازاكي، هذا إضافة إلى سعيه لنشر الوعي ونزعات التنوير لمواجهة حالة التخلف التي فرضت على العراقيين من حكامه وحماتهم في الخارج. كما ساهم في النشاط السري للحزب الشيوعي العراقي خاصة بعد تولي الشهيد سلام عادل قيادة الحزب الذي ربطته مع الفقيد حمدي التكمجي أواصر من الود والطريق المشترك.

إقترن الفقيد في تلك الفترة بالسيدة الفاضلة باسمة البحراني وأنجبا تباعاً ذريتهما الثلاثية، المهندس عباس والدكتورة زينب والمهندس حيدر الذين زرعوا البهجة لوالديهم بفريق جميل من الأحفاد والحفيدات.

بعد ثورة تموز عام 1958، تفتحت آفاق أمام العراقيين كي يضعوا بلادهم على سكة التقدم والعصرنة. وكان من بين الإجراءات التي اتخذتها سلطة تموز هو العناية بالتعليم التي تضمنت خطط مهمة لإشاعة التعليم في مختلف مراحله، ومن ضمنها إرسال الطلبة الموهوبين في بعثات للتخصص في مختلف الفروع وخاصة العلمية. وتقدم الفقيد بطلب إلى مديرية البعثات للحصول على شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة موسكو في عام 1959. وشارك الفقيد في نشاط جمعية الطلبة العراقيين وفي منظمة الحزب في الإتحاد السوفييتي، وإشتد هذا النشاط خاصة بعد كارثة شباط عام 1963؛ حيث الغت مديرية البعثات المخصصات للطالب حمدي التكمجي شأنه في ذلك شأن كل الطلبة العراقيين الدراسين على حساب الحكومة العراقية. ومع ذلك استمر الفقيد في تلقي دراسته حتى حصوله على شهادة الدكتوراه، وعاد إلى العراق في أواخر الستينيات من القرن الماضي ليعمل في القطاع الخاص. واستمر في مهنته لحين شروع حزب البعث بالتخطيط لهجومه على الحزب الشيوعي مما إضطر الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين إلى الرحيل عن بلدهم، ومن ضمنهم حمدي التكمجي الذي استقر في العاصمة الأردنية حتى ساعاته الأخيرة. وأصدر الفقيد سلسلة من الكتب لإحياء ذكرى من فقدهم العراق من مفكرين وفنانين وسياسيين من أمثال محمد صبري ويوسف العاني والشهيد محمد صالح العبلي، ليغني المكتبة العراقية بمزيد من تراثنا الإبداعي.

نودعك أيها العزيز، دون أن نفارقك، ودون أن تمحى من ذاكرتنا وذاكرة كل من رافقك وعرفك سماتك في الاستمرارية بالعمل لخير العراق. نم قرير العين وبسلام في مثواك الأخير، وللأحبة من آل التكمجي ...للعزيز حسين   التكمجي وللعزيزة باسمة البحراني قرينة الفقيد ولعباس وزينب وحيدر ذرية الفقيد ولجميع أحفاد وحفيدات الفقيد آيات من الصبر والسلوان ونشارككم الحزن في هذا الفقدان الأليم.

*******

في 15 حزيران 1960

قتل المناضل شهدي عطية أثناء تعذيبه في المعتقل

سامح جميل

لأول مرة ينشر نعي لفقيد في شكل قصيدة، كان هذا هو نعي المناضل شهدي عطية أحد مؤسسي تنظيم حدتو، جاء النعي بصحيفة الأهرام يوم ٢٠ يونيو ١٩٦٠ وقد كتبه الشاعر محمود توفيق أحد كوادر حدتو وجاء فيه: «فتى مات بين الطعن والضرب ميتة/ تقوم مقام النصرإن فاته النصر/ تردى ثياب الموت حمرا فما دجى/ لها الليل إلا وهي من سندس أخضر».

شهدي عطية الشافعي أو شهدي عطية (1911- 15 يونيو 1960) هو سياسي شيوعي مصري، ولد في مدينة الإسكندرية عام 1911 م.

انخرط شهدي في الحركة الطلابية التي شكلت منطلقا هاما للحركة الوطنية المصرية في ثلاثينات القرن الماضي، درس الإنجليزية في جامعة القاهرة وعمل مدرساً في مدرسة ثانوية لوقت قصير وحصل على منحة من وزارة التربية والتعليم للدراسة في جامعة اوكسفورد في بريطانيا وحصل على الماجستير ثم عاد من بريطانيا ليعمل مفتشاً للتعليم في وزارة التربية والتعليم عام 1947. وكان أول مصري يتم تعينه مفتشا للغة الإنجليزية بالمدارس المصرية.

نضاله

 

انضم إلى تنظيم "إسكرا" الشيوعي في هذه الفترة وأصبح أحد المصريين الاثنين اللذين وصلا الي عضوية اللجنة المركزية للتنظيم، وتولي مسؤلية "دار الأبحاث العلمية" المنبر الثقافي لتنظيم إسكرا الذي استقطب أعداداً كبيرة من المثقفين المصريين الشبان للحركة الشيوعية. وكتب شهدي عطية بالتعاون مع محمد عبد المعبود الجبيلي وثيقة "أهدافنا الوطنية" التي نشرت عام 1945، كما ساهم في تأسيس اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي قادت مظاهرات فبراير مارس 1946 ضد مفاوضات حكومة الأقلية المصرية مع الإنجليز.

عندما اندمجت إسكرا مع الحركة المصرية للتحرر الوطني (حدتو) لتشكيل الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني (حدتو) تولي شهدي عطية رئاسة تحرير صحيفتها "الجماهير" كما أصبح عضوا في اللجنة المركزية لحدتو.

اصطدم مباشرة بهنري كورييل بسبب دعوة الأخير الي وحدة كل القوى الوطنية والتقدمية في جبهة واحدة، ونشر العديد من المقالات في صحيفة الجماهير داعياً إلى تأسيس حزب شيوعي مصري ثوري يمثل الطبقة العاملة. رفضت اللجنة المركزية مناقشة تقريره الثوري فانشق على حدتو وشكل "حدتو-التيار الثوري". لم يحظ تياره إلا بتأييد محدود وعاد للانضمام الي حدتو عام 1955. صدر ضده حكم بالسجن لمدة سبع سنوات وعندما خرج من المعتقل كانت الحركة الشيوعية المصرية تواجه موجة أخرى من القمع على يد النظام الناصري الذي استولى على الحكم عام 1952.

وبالرغم من تشدده الثوري أصبح شهدي عطية أحد المؤيدين المتحمسين للضباط الأحرار واعتبرها حركة تقدمية معادية للإمبريالية، وعرض آراءه هذه في كتابه "أمريكا والشرق الأوسط" الذي صدر أثناء المقاومة الناصرية لحلف بغداد عام 1955. وبسبب آرائه المتعاطفة مع النظام نشرت العديد من مقالاته في جريدة المساء الحكومية.

عقب تأميم قناة السويس والأزمة السياسية التي نجمت عنها حرب 1956، كتب مؤلفه الشهير "تطور الحركة الوطنية المصرية 1882 – 1956" والذي يعتبر من أهم القراءات الوطنية الماركسية عن تاريخ مصر. كما نشر عدداً من القصص القصيرة "مجموعة حارة ام الحسيني" مسلسة في جريدة المساء.

تدهورت علاقات الشيوعيين بالنظام الناصري بسبب معارضة الشيوعيين العراقيين والسوريين للوحدة المصرية السورية بقيادة عبد الناصر في فبراير 1958. اعتقل شهدي عطية مرة أخرى في يناير 1959 مع مئات من الشيوعيين لكنه ظل يدافع عن الإصلاحات الداخلية التي أنجزها النظام الناصري ومواقفه غير المنحازة في السياسة الدولية وأكد خلال محاكمته في مارس 1960 أن على كل وطني مصري حقيقي أن يساند النظام الناصري ويؤيده.

حدتو وامتدادتها المتباينة عبر التاريخ المصري كانت التنظيم الاشتراكي والشيوعي الرائد في الحركة العمالية والثقافية المصرية. ضمت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) ضمن من ضمت صلاح جاهين، يوسف ادريس، فؤاد حداد، خالد محي الدين. زكي مراد إبراهيم، عبده العنتبلي، كمال عبد الحليم واحمد الرفاعي وكذلك البطل الأسطوري لليلة 23 يوليو الضابط الشجاع يوسف صديق الذي اقتحم قياده اركان الجيش المصري فاتحا الطريق امام ثوره 23 يوليو.

كان شهدي عطية أحد أبرز كتاب جريدة الجماهير وهي\ من أبرز الصحف الاشتراكية في الاربعينات، وكتب فيها مقاله الشهير " الشعب يريد حزبا من نوع جديد" في اشاره مبطنة لتنظيم حدتو. تم القاء القبض علية في عام 1948، وحكم عليه بالاشغال الشاقة لمده 8 سنوات.. وقيد بالأغلال وفي قفص المحكمة هتف بحياه الشعب المصري وحريته وكانت محاكمته وشجاعته مصدر الهام للعديد من رفاقه.

في عام 1959 حوكم امام محكمة عسكرية في قضية الشيوعية التي عرفت بقضية ال 49 وكان معه 47 من رفاقه. تم نقلهم من سجن الحضرة بالاسكندرية الي معتقل أبى زعبل وهناك تعرض ال 48 معتقلا الي التعذيب عرايا والسحل بالخيل والتعذيب الشديد المنظم. قتل شهدي أثناء هذا التعذيب المنظم.

بعد وفاة شهدي استطاع رفاقه تهريب خبر اغتياله للخارج  ونشر نعي عظيم في جريدة الأهرام خطأ، مما ادى الي عزل الرقيب الذي لم يكن يهتم بما ينشر في صفحه الوفيات.

وكان الرئيس جمال عبد الناصر وقتها في يوغسلافيا ودعا الرئيس تيتو لحضور مؤتمر وفي الجلسة وقف مندوب يوغسلافيا ووجه التحية إلى ذكرى الشهيد الذي قتل تحت التعذيب في مصر وطبعا كانت صدمة لعبد الناصر وأبرق لمصر طالبا وقف التعذيب والتحقيق في الموضوع.

معظم الذين كتبوا عن المناضل شهدي عطية الشافعي، كتبوا عنه من زاوية الكفاح السياسي، والنضال الديمقراطي والشيوعي، ولم يذكر لنا أحد من الباحثين أو الشهود أو الرفاق الذين زاملوه في شتي مراحله، شيئا عن انتاجه الأدبي والابداعي والقصصي، وربما يكون اليسار المصري هو أحد الوجوه الناصعة والمشرقة في زيادة الإبداع عموما، وهناك من استمر وقدم ابداعات شامخة مثل فؤاد حداد وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس وعبد الرحمن الخميسي وغيرهم، وهناك من اختطفتهم الحركة السياسية بأشكال مختلفة مثل صلاح حافظ، وإبراهيم عبد الحليم، وشهدي عطية الشافعي، الذي ذهب فداء لنضال شرس ضد الطغيان والظلم والاضطهاد الطبقي، وقد بدأ هذا النضال منذ أن كان طالبا في كلية الآداب.

 يورد صنع الله إبراهيم موجزا عن تاريخ حياته في كتابه: (يوميات الواحات) قائلا: (ولد شهدي عطية الشافعي سنة 1913 وحصل علي ليسانس الآداب ودبلوم المعلمين واشتغل بالتدريس، ثم تقدم لمسابقة اللغة الإنجليزية، وكان أول الناجحين فاستحق بعثة إلي بريطانيا حيث حصل علي درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من كامبردج، وبدأ التحضير لدرجة الدكتوراه في الفلسفة، وعند عودته في نهاية الحرب العالمية الثانية شغل وظيفة مدرس أول اللغة الإنجليزية بمدرسة التجارة، ثم تدرج في مناصب وزارة التربية والتعليم حتي وظيفة مفتش أول اللغة الإنجليزية، ويعد من أوائل المصريين الذين شغلوا هذا المنصب، وحتي ذلك الوقت أسس دار 'الأبحاث العلمية' ثم شارك في قيادة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946، وقبض عليه في العام التالي، وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات فصار أول سجين سياسي يدخل السجن ويقيد بالسلاسل الحديدية، وظل الشيوعي الوحيد داخله، وخلال ذلك نظم مدرسة لمكافحة الأمية ونجح في تنظيم أول إضراب من نوعه في السجون المصرية للمطالبة بتحسين الطعام وظروف المعيشة، وفي أعقاب الثورة أفرج عنه بثلاثة أرباع المدة، وظل خاضعا للمراقبة القضائية حتي اعتقاله مرة ثانية في أول يناير 1959، وكان المتهم الأول في قضية حدتو التي قدمت إلي المحاكمة العسكرية في مارس.1960

أما بقية الأحداث التي تعرض لها شهدي عطية فهي معروفة باستفاضة في عدد من الأدبيات السياسية، والشهادات التي تناولت فترة الاعتقال من 1959 إلي 1964، وقد أعد الدكتور رفعت السعيد التحقيقات التي أجريت بعد اغتياله في كتاب وأسماه الجريمة، ونجد وقائع هذا الاغتيال في كتابات فخري لبيب وطاهر عبد الحكيم وفتحي عبد الفتاح والهام سيف النصر والسيد يوسف وسعد زحران وآخرين، كما كتب الروائي الراحل فتحي غانم روايته 'حكاية تو' عن هذا الحدث، كما كتب أيضا 'الروائي محمود الورداني رواية تتناول الحدث عنوانها 'أوان القطاف'.. وفيها يوازي الورداني استشهاد شهدي عطية، باستشهاد الحسين..، وقد كتبت قصائد رثاء عديدة في استشهاد شهدي.. منها قصائد فؤاد حداد ورؤوف نظمي، ومحسن الخياط، وعبد العظيم أنيس (الرفيق سيد)، الذي يبدأها أنيس بقوله:

(صورتك علي عيني.. عين ثانية بشوف بيها

الجن والسجان وأيام بآسيها

وكل شومة في ايد سجان ألاقيها

أهم وأجري ورا السجان استفسر

عن دم واقف علي شومته يقول باصرار

شيوعي؟ طبعا شيوعي..؟)

 يوم 15 يونيو.. كان يوما حزينا.. حزينا.. ويحتاج إلى وقفة طويلة، لأنه كان يوما يخص المواجهة الشرسة والفاصلة بين قوى الطغيان الفاشية، وقوي الديمقراطية والتقدم.. هذه المواجهة التي استخدمت فيها قوى الطغيان أعلي أدوات البطش والبلطجة والعربدة.. بعيدا عن علم جمال عبد الناصر كما تقول جميع الأخبار التي سجلت الحدث.

كان شهدي عطية من أكثر المناضلين دأبا وبحثا وإبداعا، وكان ضد التواجد اليهودي في قيادة التنظيمات الشيوعية المصرية، إذ انضم إلي اسكرا التي كانت قيادتها كلها تقريبا يهودية.

ما يقدمه صنع الله إبراهيم على صفحات كتاب «يوميات الواحات» ليس إلا سردا وحشيا للمرحلة التي أمضاها مع جمع كبير من كوادر المعارضة المصرية في معتقل الواحات سيء الصيت ومحاولة لتحليل الدروس المستفادة من هذه المرحلة. القيمة الحقيقية للكتاب لا تكمن في كونه تاريخا، وانما في دعوته إلى تكاتف الجهود لكي تكون كل تجربة تنتمي إلى المناخ الكابوسي الذي يحدثنا عنه تاريخنا، .لا تنتمي إلى حاضرنا، أو مستقبلنا، حيث نعرف جميعا أن فيها من الانكسارات والهزائم الوحشية ما يكفي، ويزيد.

لم تمكث مجموعة المعتقلين التي كان صنع الله من بين أفرادها في الواحات كثيراً، حيث تم ترحيلهم فجأة بعد أشهر قليلة إلى سجن القناطر الخيرية، ووضعوا في مكان منعزل وحرموا تماما من فرصة الاختلاط بالسجناء العاديين والحصول على الصحف، كما منعوا من استخدام المكتبة ومن الاستماع إلى الراديو. وهناك فوجئ صنع الله بالصول العجوز «أبو رجيلة» الذي كان يتولى تدريبه في المقاومة الشعبية مسؤولاً عن الطابق الذي أقاموا فيه، وكان هذا الصول يستمتع بأن يجلس على مقعد وسط العنبر ويأمرهم بأن يمكثوا أمامه، وفي مقدمتهم شهدي عطية.

كانت تلك الفترة، حسب وصف صنع الله، قاسية حقا، فالمكان شديد البرودة وفراشهم مكون من «برش» من الليف وبطانية، وفرض عليهم أن يضعوا هذا الفراش كل صباح خارج الزنازين التي تغلق عليهم حتى المساء، ويقضون اليوم كله وهم يقفزون كالقرود التماساً لبعض الدفء. وعلى الرغم من منع الكتب فلم يستطع مدير السجن منع الكتب السماوية الثلاثة فأتيح لصنع الله أن يقرأ التوراة والإنجيل، وأن يرى العلاقة القائمة بين الكتب السماوية الثلاثة والتجليات المختلفة للحلم الإنساني بالعدل والمساواة، كما أن الحكايات التاريخية في التوراة والقرآن روت عطشه للقصص، وشطح خياله في تطوير كثير منها.

في أواخر فبراير من العام التالي، نقلوا إلى سجن الإسكندرية للمثول أمام محكمة عسكرية بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم. وقبل المحاكمة بأسبوع، حسبما يذكر صنع الله، نشبت مشادة بين أحد ضباط السجن وزميل من الإسكندرية ـ حمدي مرسي ـ يهوي الملاكمة وسريع الانفعال فما كان من الأخير إلا أن رد عليه باللكمات، فأمر الضابط بإغلاق الزنازين وتجمع الحراس على الفور، وأمروهم بالخروج عرايا، حيث انهالوا عليهم بالضرب، وتم تجريد الزنازين من محتوياتها من الملابس والأطعمة. وعندما أعادوهم إليها فتح الباب حارس متجهم سكب فوق أجسادهم العارية جردل البراز والبول.

وتتواصل رحلة الشقاء لصنع الله ورفاقه حيث يتم بعد المحاكمة نقلهم إلى معتقل أبي زعبل الملحق بالسجن الشهير في ضواحي القاهرة ولم يكن أغلبهم، حسب كلام صنع الله، يعلم أن إحدى الصفحات السوداء في التاريخ السياسي المصري الحديث تكتب فيه. وهنا يأبى صنع الله أن يمرر هذا الجزء من دون الإشارة إلى ملامح من هذه الصفحات والتي لم يعايش سوى جانب محدود منها مستعينا بشهادات الكثير من الكتاب الذين مروا بتلك التجربة ووصفهم لتفاصيل عمليات التعذيب الذي استمر بالنهار والليل وامتد من الضرب والتجويع والإهانة المستمرة إلى العمل في تكسير البازلت، وكان يتم تصعيده حتى بلغ جرعة الحد الفاصل بين الحياة والموت.

بل وتصل المفارقة أو السخرية ذروتها إلى الحد الذي لا يجد معه المرء سوى الضحك أو البكاء، فالأمران سيان في هذه الحالة، حين يذكر لنا صنع الله ضمن رواياته عن هذه الصفحات أن الإرهاق لم يصب المعتقلين وحدهم بل امتد إلى الحراس أنفسهم حتى أن السجان ـ عبد الصادق ـ الذي لقب بنخاس العبيد من جراء قسوته أصيب بالإعياء ذات يوم فصرخ في ضحاياه قائلا: «يا أولاد.. ياللي ما فيش في قلوبكم رحمة!».

غادر الفوج الإسكندرية بعد منتصف ليلة 15 يونيو في سيارات الترحيلات الكبيرة المغطاة، وجاء نصيب صاحبنا في سيارة واحدة مع شهدي عطية الشافعي، الذي تميز حسب وصفه بقامة طويلة وعظام عريضة بينما كان صنع الله وما زال نحيف البنية ضئيلها.

وصلت السيارات في الخامسة والنصف صباحا إلى ساحة بها أكوام من القاذورات، وتشرف عليها فرقة من الجنود المسلحين بالمدافع الرشاشة والضباط المزودين بالسياط فوق خيولهم، وصدرت إليهم الأوامر التي تخللتها الشتائم بالجلوس بهيئة القرفصاء وخفض الرؤوس، ولأن رأس شهدي كانت بارزة بسبب طول جسمه، فقد صاح به أحد الضباط، وهو يضربه بالعصا على عنقه: «وطي رأسك يا ولد!» فيما انهال ضابط آخر على مسجون آخر ـ بهيج نصار ـ وهو يصيح فيه: أنت مشمئنط ليه يا بن ال...».

وفجأة، تم استدعاء صنع الله مع ثلاثة آخرين، وصدرت الأوامر للأربعة بأن يجلسوا القرفصاء في جانب، ويضعوا رؤوسهم في الأرض، ففعلوا، ثم أمروا بأن يرفعوا رؤوسهم بحيث يرون ما يجري لزملائهم وتتابعوا أمامهم يجردون من ملابسهم وهم يضربون ويترنحون عرايا وهم يلهثون ويغمى عليهم، فيغسمون في مياه ترعة صغيرة ويداسون بالأقدام.

وقد رأى إبراهيم عبد الحليم ـ أحد العناصر القيادية في تنظيم حدتو ـ وهو عار يلهث من الضرب الذي كاله له أحد الضباط، وفي ثوان تم تجريدهم من ملابسهم الخارجية والداخلية حتى صاروا عرايا من دون أن تكف الشتائم والضربات، وركع صنع الله أمام حلاق جز شعر رأسه ومن دون أن يتوقف الضرب، ثم أعطاه أحدهم لفافة من ملابس السجن وبطانية خفيفة. وبدأ الضرب من جديد. جره أحدهم على ظهره فوق الرمال بطريقة السحل. وسط هستيريا الضرب التي استولت على الضباط جميعا.

قتل شهدي عطية الشافعي تحت التعذيب في سجن أبو زعبل في 15 يونيو 1960. وفي مساء ذلك اليوم، علم الجميع بوفاة شهدي عطية الشافعي، وقد كانت حفلة التعذيب التي تعرض لها صنع الله مع الثلاثة الآخرين بقصد الضغط عليهم من أجل المثول أمام النيابة والشهادة في واقعة وفاة شهدي بأنه توفي قبل وصولهم إلى المعتقل.

 وبالقدر الذي احتله شهدي من الحركة الشيوعية المصرية، وبقدر البشاعة التي تمت بها جريمة القتل العمد التي راح شهدي ضحية لها، كان الحدث بمثابة مأزق للنظام لم يعرف كيف يفلت منه.

ويحاول صنع الله أن يضعنا في قلب الحدث على الرغم من أنه لم يكن شاهداً عليه، مقدماً لنا من واقع التحقيقات التي جرت فيما بعد كيف تمت الوفاة. لقد وقعت الوفاة في إحدى حفلات التعذيب التي يشيب لهولها الولدان، وتنتهك فيها أبسط الحقوق الآدمية، ووفق ما يذكر أحد شهود الحادث - السيد يوسف - يقول إنه بعد أن تم استدعاء مجموعة من المعتقلين كان شهدي من بينهم بادره المأمور حسن منير عندما رآه قائلا: إنت بقي شهدي عطية؟ عمللي علم؟ أنت شيوعي يا وله ؟ قول: أنا مرة!

فقال شهدي: عيب أسلوبك هذا، فأنت تسيئ للنظام بهذا التصرف، ونحن قوى وطنية ليست ضد الحكومة، وحتى لو كنا ضد الحكومة، فليس من حقك أن تسلك هذا السلوك الوحشي فنحن أصحاب رأي». وهنا تسلمه اليوزباشي عبد اللطيف رشدي، بعد أن أنهكوه بالضرب والإغراق في مياه ترعة قريبة وتمزيق ملابسه حتى أصبح عاريا تماما، وسأل رشدي:

اسمك ايه يا ولد؟!.

فيرد شهدي : أنا مش ولد!

اسمك أيه؟

شهدي عطية.

أرفع صوتك!

فلم يرفع صوته، وكرره بالنبرة نفسها، وهنا عاد السؤال مرة أخرى:اسمك ايه؟

أجاب شهدي: إنت عارف أنا مين.

إنت شيوعي؟

وليبدأ بعد ذلك فاصل من التعذيب تم خلاله دفع شهدي ليلف حول العنابر، ثم سمع الحضور صوت جسم يرتطم بالأرض، فقال أحد الجنود لزميله: شيله! فقال : لا شيله أنت. فين التومرجي، حضر الأخير، وراح يخبط على جسمه قائلا: «قوم يا وله.. خليك جدع يا وله!» ولما لم يجد استجابة راح يؤكد : «يظهر أنه خلص خلاص!» ولم يجد طبيب السجن إزاء ذلك سوى أن يكتب في تقريره أن الوفاة جاءت نتيجة هبوط في القلب.

تناقلت وكالات الأنباء الخبر، وكان عبد الناصر وقتها في بلغراد، ودعاه تيتو لحضور مؤتمر شيوعي، ووقف مندوب يوغسلافي وسط الجلسة المهيبة، ووجه التحية إلى ذكرى الشهيد الذي قتل في مصر بسبب التعذيب. وتعرض عبد الناصر لسؤال من أحد الصحافيين عن الأمر فقال: «لم نقتل أحداً، ومن يخرج على النظام يقدم للقضاء العادل»، ولكنه أبرق لوزارة الداخلية في القاهرة بإجراء تحقيق عاجل في الحادث ووقف التعذيب وترحيل المعتقلين إلى مكان أكثر أمنا.

لقد ألقت هذه التجربة بتأثيرها الكبير على صنع الله، حيث كشفت له عن بشاعة القهر وما يؤدي اليه من إهدار للكرامة الإنسانية، وعلمته النظر إلى الإنسان ككل متكامل مؤلف من نقاط قوة ونقاط ضعف واحتل هذا الموضوع مكان الصدارة في تفكيره بعد ذلك فيما أعقب ذلك من أحداث.

وفي هذا الخصوص، يشير إلى أن التعذيب لم يتوقف بعد مصرع شهدي عطية في أبي زعبل وإنما اتخذ شكلا جديدا على يد اختصاصيين تدربوا في الولايات المتحدة، فقد تلقى البعض خطابات من أهاليهم تطالبهم بالخروج وسماع الكلام» وهددت زوجات بطلب الطلاق وكتبت طفلة إلى أبيهاأخرج من أجلي ومن أجل ماما.. قالوا لي أنك لا تريد أن تخرج لأنك تكرهنا.. أنا أكرهك». بعد وفاة عطية، رثاه عدد من الشعراء، وعلى رأسهم الشاعر كمال عبد الحليم في قصيدة (شيوعي) الشهيرة.

************

ص5

مصادرة  الديمقراطية واستمرار انتهاك الشرعية الدولية

هل ينجح اوردوغان في الحفاظ على سلطته؟

رشيد غويلب

يستمررهان الرئيس التركي رجب طيب اوردوغان على على قمع الحريات الديمقراطية واستمرار الحرب على معارضيه من يسارين وديمقراطيين، و في شن حرب عنصرية ضد الشعب الكردي داخل وخارج حدود تركيا. وكذلك في توسيع وتصعيد تدخله في عدد من الحروب الأقليمية كما هو الحال في الصراع الدائر في سوريا وليبيا. وفي هذا السياق جاء العدوان التركي الجديد والمستمر ضد عدد من المدن والبلدات في اقليم كردستان العراق بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

، وهم من    ومن المعروف ان مخمور القريبة من اربيل ، تسظيف معسكر للاجئين يأوي 12 الف من الأكراد الهاربين، منذ التسعينيات، من القمع العنصري في تركيا، فضلا عن ان المنطقة تتمتع بحماية مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، اما سنجار  التي كانت مسرحا لحرب الابادة الجماعية التي نفذتها داعش ضد الأيزيدين في عام 2014 ،فقد اصبحت هدفا للقصف التركي بعد يوم واحد فقط من عودة 150 عائلة أيزيدية الى المنطقة. وعلى عكس الإدعاءات التركية، فان الموقعين  يضمان تجمعات سكانية مدنية ومركز طبي، وليس لحزب العمال الكردستاني قواعد عسكرية هناك.

وتقول مصادر المقاومة الكردية في تركيا ان نظام اوردوغان، وبعد سلسلة  الغارات الجوية، ربما يعد لتنفيذ هجوم بري ، فقد تم انشاء مستشفى ميداني في بلدة سلوفي الحدودية مع العراق، وجرى تحريك قطعات عسكرية اضافية باتجاه الحدود التركية – العراقية. ويستهدف القصف التركي افراغ القرى العراقبة من سكانها الأكراد، وتحويلها الى مناطق مهجورة يستطيع جيش الغزو التركي التحرك فيها بسهولة والتوغل في منطقة براودست التابعة لاربيل، فضلا عن تعزيز التواجد العسكري التركي في نقاط تواجده السابقة. ان مسار العملية العسكرية التركية يؤشر ارتباطها بالاطماع التاريخية لتركيا في العراق، وخصوصا في محافظني الموصل وكركوك، والتي تسعى تركيا لتحقيقها من خلال التواجد العسكري وتعزيزة، وجعله اداة لعملية قضم وضم الارض مستقبلا.

لاشك ان انتهاك سيادة العراق ليس بعيدا عن الضعف الذي يعاني منه نظام المحاصصة والفساد الفاشل الذي ورث دكتاتوية صدام حسين المنهارة، وكذلك تصارع مراكز القوى داخل الدولة العراقية، والخلافات متعددة ألأوجه بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان. وعلى الرغم من الشجب والاستنكار الرسمي والسياسي  للغزو التركي للاراضي العراقية، فان رد فعل السفير التركي على استدعائه من قبل وزارة الخارجية العراقية، وتسليمة مذكرة استنكار، جاء وقحا ويعكس استهتار حكومته بالقانون والشرعية الدوليين. وبديهي ان الغزو التركي يضيف تحديا جديدا لحكومة الكاظمي حديثة التشكيل في بغداد.

 

استراتيجية مزدوجة

 

لمواجهة تصاعد النشاط المعارض في ظل استمرار أزمة كورونا، واستمرار الأزمة الاقتصادية في تركيا، والتي عكسها وصول معدل التضخم السنوي الى 11 في المائة. وتراجع نسبة التاييد في استطلاعات الراي لتحالف حزب العدالة والتنمية الاسلامي مع اليمين القومي العنصري التركي، الذي يحكم البلاد منذ 18 عاما.  يحاول معسكر اودوغان اتباع استراتيجية مزدوجة داخليا، تقوم على تأجيج الخزين العنصري ضد الكرد والقوميات الاخرى من جانب، ومحاولة تغذية المشاكل ودق الاسفين بين جناحي المعارضة الاكثر تاثيرا المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري التركي (الكماليون)، وحزب الشعوب الديمقراطي اليساري، الذي يمثل تحالفا بين حركة التحرر الوطني الكردستاني وقوى يسارية سياسية واجتماعية تركية. وكذلك مواجهة الانشقاقات التي يعاني منها حزب الرئيس.

وياتي هذا الجهد استعداد لانتخابات 2023 ، وفق السياق الدستوري،وربما  لفرض انتخابات مبكرة تجنب المعسكر الحاكم مزيدا من التراجعات.

وتسلط المعارضة الضوء على حزمة توجهات واجراءات حكومية ذات طبيعة تسلطية مررتها في البرلمان الذي عاد للعمل بعد توقف دام شهرين بسبب انتشار كورونا، منها على سبيل المثال إجبار مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر على استخدام البطاقة الشخصية عند التسجيل، لاحكام الرقابة البوليسية على المشاركين. الى جانب شرعنة تشكيل  ميلشيات رديفة لقوات الشرطة وموالية لحزب الرئيس وحلفائه. والى جانب ذلك تعمل لجنة من حزب أردوغان أيضًا على اعداد تعديلات لقانون الانتخابات، بهدف مواجهة الحزبين المحافظين اليمينيين، اللذين تاسسا على خلفية انشقاقات عاشها حزب العدالة والتنمية في السنوات الاخيرة، قادها كل من  أحمد داود أوغلو وعلي باباجان ، مما قد يكلف التحالف الحكومي خسارة الكثير من اصوات الناخبين التقليديين.

في الأسبوع الفائت ، وتنفيذا لرغبة أردوغان، برفع الحصانة عن عضوي البرلمان التركي من كتلة حزب الشعوب الديمقراطي ليلى غوفن وموسى فاريسوغولاري والنائب عن حزب الشعب الجمهوري إينيس بربر أوغلو. وقد حُكم على نواب حزب الشعوب الديمقراطي بالسجن لعدة سنوات بتهمة دعم حزب العمال الكردستاني. وحُكم على النائب الجمهوري بربر أوغلو بالسجن ست سنوات بتهمة التجسس عام 2018 لتسريبه فيديوات تفضح  لتسليم المخابرات التركية أسلحة للجماعات الأرهابية في سوريا إلى صحيفة جمهوريت اليومية التركية. وجاء سلوك السلطة ليكشف محاولنها تعميق الخلاف بين الحزبين المعارضين، ففي حين اودع النائبان الكرديان في سجن ديار بكر، سمح للنائب الجمهوري بالاستفادة من عفو كورونا، وهو يمضي الان عقوبته  في شقته في اسطنبول. ان الرسالة التي أراد اوردوغان ايصالها الى حزب الشعب الجمهوري  ان عليكم الابتعاد من فكرة التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي.

 

حرس اوردوغاني

 

ياتي قرار الأكثرية البرلمانية الموالية للرئيس التركي، بتحويل "حرس الأحياء" او ما كان يعرف في العراق بالحراس الليليين الى مليشيا موازية لقوات الشرطة النظامية احياء لتقاليد اسس لها الأخوان المسلمون في مصر في الثلث الأول من القرن العشرين، ثم تبنتها احزاب قومية واسلامية في العديد من البلدان، ليؤكد فقدان الرئيس الثقة بمؤسسة الشرطة الرسمية التي عمل اودوغان على اختراقها مستفيدا من انصار حليفة السابق غولن، ثم عاد ليشن حملة تطهير واسعة في صفوفها على اثر الانقلاب الفاشل الذي اتهم اوردوغان، حليفه السابق وانصاره بالقيام به. وأكد وزير الداخلية سليمان سويلو أن المشروع يعود لطلب تقدم به الرئيس التركي شخصيا.

التركيبة الجديدة تختلف عن الشكل التقليدي للحارس الليلي، فهي تضم حاليا 28500 من شبيبة حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعبأين بتعصب ديني وعنصرية قومية ترى في شخص الرئيس "قائدها الملهم"، بالاضافة الى اوساط من الشبيبة الفاقدة لفرصة العمل ومصدر العيش. ويسمي القانون الجديد هؤلاء بـ "قوة مساعدة الشرطة" وستشمل مهامهم، ضمن امور اخرى، إجراءت التحقق من الهوية والبحث عن الأشخاص والمركبات واحتجاز المشتبه بهم حتى وصول الشرطة، وينص القانون على مجال  غامض لمسؤوليات هذه المليشيا:  "منع الجريمة" ، و"تحديد الأشخاص المطلوبين من قبل الشرطة" و"منع التجمعات العامة التي من المحتمل أن تخل بالنظام العام". ولاشك ان المهام المشار اليها تعكس المهمات الحقيقية للحرس الأوردغاني والمتمثلة بقمع الحريات الشخصية، وملاحقة حملة الأراء الحرة، ونشر الخوف وثقافة الخضوع لاستبداد النظام.

 

 دفاعا عن الديمقراطية

 

ردا على اساليب النظام القمعية انطلقت يوم 14 حزيران الجاري "مسيرة الديمقراطية" وضد الانقلاب، وستستمر المسيرة، التي نظمها حزب الشعوب الديمقراطي لغاية  20 من الشهر الحالي. وهدف المسيرة الوصول الى العاصمة التركية انقره. وقد انطلقت المسيرة من  مدينة ادرنه في غرب تركيا، وهكاري في الشرق. وواجهت الشرطة المشاركين في المسيرة بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وبحجة مكافحة كورونا، اصدر العديد من المحافظين قرارات بمنع المسيرة.

واكد قياديون في حزب الشعوب الديمقراطي، ان حزبهم يمثل قوة اساسية للدفاع عن الديمقراطية، وسوف لن توقفه عمليات القمع والاعتقال، لان اشكال النضال الملموسة تمثل عامل قوة وليس عامل ضعف. والمسيرة جزء من برنامج نشاط يهدف الى تحفيز قوى المعارضة السياسية والاجتماعية للمشاركة في الرفض المشترك لسلوك ونهج الاستبداد الذي تصر حكومة اوردوغان على الاستمرار في ممارسته. وان النضال في سبيل العدالة  والسلام والحرية والديمقراطية سيستمر. وسوف لن تنجح حكومة اردوغان في نشر الخوف في صفوف المناضلين، الذين يرون في تقديم التنازلات بداية التخلي عن الالتزام بقيم الديمقراطية.

المسيرة كما يقول عنها منظموها وسيلة لجمع المطالب والبدائل من العديد من المدن والقصبات وتحويها في انقرة الى برنامج عمل، وفي الوقت نفسه تمثل صوتا موحدا لاوساط متعددة وواسعة من السكان. وبالتالي اعطاء الفعل المعارض بعدا وطنيا. وسيعمل حزب الشعوب الديمقراطي على تقييم التجربة بعد نهايتها، وعلى تعزيز التقارب السياسي والاجتماعي بين الفئات التي تنشد التغيير.

************

جرائم الجنجويد امام المحكمة الجنائية الدولية

متهم سوداني في لاهاي

الخرطوم - قرشي عوض

تجري هذه الايام في مدينة لاهاي الهولندية محاكمة السوداني على محمد عبد الرحمن كوشيب، المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية في  جرائم باقليم دارفور. وهي تجري وسط اهتمام شبه عادي على المستوى الرسمي والاعلامي، وقد يعود ذلك الى جائحة كورورنا والازمة الاقتصادية وتراجع القضية بعد سقوط نظام البشير الذي تسبب فيها، بالرغم من انها كانت قد  شغلت الراي العام العالمي  نحو عقدين من الزمان.

رد فعل مختلف

 

لم يعد اللاعبون الاساسيون الذين دفعوا بمشاريع قرارت الادانة لمجلس الامن بنفس حماسهم. وفي الداخل طالبت بعض الاحزاب بمعالجة مختلفة تحقق جبر الضرر للضحايا وتوفر الحماية لشخصيات اخرى قد يكون دورها اشد خطورة مما قام به كوشيب.

والحركات الدارفورية المسلحة باستثناء حركة عبد الواحد، دخلت بعد الثورة في حوار مع الحكومة من خلال المجلس الاعلى للسلام الذي يقوده المكون العسكري. وليس من المعقول ان تطالب باعتقال قيادات اخرى متورطة في احداث دارفور. فالضغط بهذه الورقة التي كانت تكسبها وضعاً تفاوضياً افضل في مواجهة البشير، يبعد عنها اليوم حليفاً هو الوحيد الذي لديه الرغبة والقدرة على ادخالها الى الحلبة. وهذا وضع يظفي تعقيدات على المشهد الذي تتحرك فيه المدعية في المحكمة الجنائية الدولية (بنسوتا)، ويدخل الداعمين الدوليين في حرج بسبب تحالفات تربطهم بطرفي الحكم في الخرطوم.

وعلى كل حال سوف يشاهد العالم محكمة عادية بكل المقاييس، يمثل امامها متهم اسود اللون، باعتباره احد ابرز قادة القبائل العربية التي ارتكبت جرائم ضد السود حسب صحيفة الاتهام. في وقتٍ لم تتوقف فيه هجمات الجنجويد بمسماها الجديد حتى بعد الثورة.

 

 مهمة الرجل الابيض

 

المحكمة الجنائية الدولية التي تاسست في تموز 2002، ورفضت التوقيع على الاتفاقية الخاصة بها دول عظمى مثل روسيا وامريكا والهند والصين، التقطت الملف السوداني المحال اليها من مجلس الامن بلهفة شديدة، نظراً لانها المرة الاولى التي تحاكم فيها رئيس دولة. فقد حققت من قبل في قضايا اوغندا، الكونغو، وافريقيا الوسطى. واصدرت 9 مذكرات توقيف، وتحتجز 2 مشتبه بهما ينتظران المحاكمة.

 وكانت احداث دارفور قد اندلعت في شباط 2003 واتهم الرئيس البشير اولاً من قبل محكمة العدل الدولية. ووصف كولن باول وزير الخارجية الامريكي وقتها ما كان يجري بانه ابادة جماعية، وإن كانت مذكرة الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية لا تحوي هذه التهمة لعدم توفر الادلة، واكتفت بتوجيه تهمتي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.

 

اصل الحكاية

 

لم تشر اية مصادر قبل 26 كانون الثاني 2003الى استهداف للقبائل الافريقية من قبل مجموعات سكانية اخرى او قوات نظامية. والذي حدث ان المتمردين قاموا بمهاجمة حامية للجيش في 25 شباط 2002. وفي 25 آذار 2003 احتلوا قرية (تين) بالقرب من الحدود التشادية.كما احتلت قوة من حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة مدينة الفاشر في 25 ابريل 2003، ودمرت خلال 4 ساعات 4 قاذفات انتينوف وطائرات هيلوكوبتر وقتلت 75 جندياً طياراً واسرت 32 بمن فيهم قائد القاعدة الجوية برتبة لواء. كما انتصر المتمردون في الاشهر الوسطى من عام 2003 في معظم الاشتباكات. ودمر جيش التحرير في ايار من نفس العام كتيبة في كتم وقتل 500جندي وحرر 300 سجين. وقتل 250 جندي في هجوم اخر ودخل الى مناطق كردفان. لكن لم يتساءل مصدر واحد دولي او اقليمي او محلي عن تلك الامكانيات العسكرية من العدة والعتاد التي تحوزها حركات متمردة. وعن الجهات العالمية والاقليمية التي مدتها بها وماعلاقة ذلك بالسيادة الوطنية لبلد عضو في الامم المتحدة. وربما ان الفظائع التي ارتكبها نظام البشير لم تترك مجالاً للمعارضة السودانية لطرح مثل هذه الاسئلة على نفسها. الى جانب ارتباطاتها الدولية في ذلك الوقت. فقد اشارت الصحافة الغربية الى ان مادلين اولبرايت في زيارتها الى اوغندا عام 1997 كانت قد دعمت المعارضة الشمالية في التجمع الوطني الديمقراطي بمبلغ 20مليون دولار. ولم يتوقف الاتحاد الافريقي عند حقيقة ان دولة عضو في الاتحاد تتعرض لتمرد مدعوم اقليمياً ودولياً. ولم يتعامل بالمثل حينما دعمت الانقاذ حركات متمردة في دول افريقية مثلما حدث في اريتريا واوغندة واثيوبيا والتي ادانها بشدة. هذا الى جانب ان التمرد على السلطة المركزية رغم التهميش الذي يعاني منه الاقليم كان خياراً يخص كيانات سياسية اختارت رفع السلاح وتحمل ماترتب عليه المواطنون الابرياء. في وقت انحازت فيه اقسام من السكان الى كيانات سياسية اخرى، وانخرطت اغلبيتهم في ركب المقاومة المدنية السلمية التي اسقطت النظام في اخر المطاف. وان الفظائع التي ارتكبها النظام وهي غير مبررة على كل حال وكان في امكانه ان يجنب المدنيين ويلات الحرب لكنها كانت عقب اعلان التمرد وقيامه باعمال كثيرة مثل احتلاله لعاصمة ولاية وضربه لقاعدة جوية.

 كماتشير الخسائر التي مني بها الجيش من قبل حركات حديثة النشاة الى مستوى الدمار الذي لحقه في عهد الانقاذ التي حولته الى اقطاع حزبي انغمس في السياسة والاستثمار والفساد واهمل المهمة الاساسية التي قام من اجلها وهي حماية البلاد وتامين استقرارها. وحين جد الجد استاجر قبائل نازحة في وقت سابق، لها حسابات مع المجموعات السكانية تتعلق بملكية الارض ولاتخلو من العنصرية، لتقوم بالمهمة نيابة عنه. مماجعل الحرب تاخذ منحى عرقي حسب التوصيف الظاهر.

ولاستعادة توازن القوة قامت ثلاثة جهات بمحاولة تحويل مسار الحرب لصالح الحكومة، هي المخابرات القوات الجوية والمليشيات القبلية.

وتتكون الاخيرة حسب التعريف المتداول من رعاة قبيلة البقارة الذين استخدمتهم الحكومة لقمع انتفاضة المساليت عام 1986 - 1999. لكن الصحيح ان المجموعة تتكون من رعاة الابل التي تعيش في الاراضي الرملية بشمال دارفور مسرح العمليات. وان قبائل البقارة الرئيسية لم تدخل الحرب الي جانب الحكومة في دارفور، لانها بعيدة عن مواقع نشاط حركات التحرير. ولجاءت الحكومة لتلك القبائل لان الجيش السوداني غير مدرب على العمل في المناطق الصحراوية. وان المليشيا اكثر مرونة في تحركها من الجيوش النظامية، في مواجهة مليشيات مثلها.

وبعد تحقيق درجة من توازن القوة العسكرية كان لابد من جلوس الاطراف المتنازعة للحوار.

حدثت في انجمينا بدولة تشاد مفاوضات ووقف لاطلاق النار في 8/4/2004 بين الحكومة وحركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان بمراقبة الاتحاد الافريقي. لكن ذلك لم يمنع من استمرار هجمات (الجنجويد). فارسل الاتحاد الافريقي في اغسطس 150 جندي رواندي لمراقبة الاتفاق، ثم انضم اليهم 150 جندي نيجيري. وفي 18 سبتمبر اصدر مجلس الامن قراره رقم 1564 واعلن ان الحكومة لم تنفذ التزاماتها وادان هجمات الهيلوكوبتر والاعتداءت من قبل الجنجويد ورحب بزيادة عدد المراقبين من قبل الاتحاد الافريقي وحث الدول الاعضاء بدعم هذه الجهود. ليصل عدد مهمة الاتحاد الافريقي في ابريل 2005 الى 600 جندي و80 مراقب عسكري. وقفز العدد الى 3300 جندي في يوليو مع ميزانية قدرها 220 مليون دولار ووصل العدد في ابريل 2006 الى 7000 جندي.

وافقت الحكومة على الجلوس للتفاوض مع فصيل مني اركو مناوي ووقعت معه اتفاقية ابوجا عام 2006. والتي رفضتها حركة العدل والمساوة وفصيل عبد الواحد محمد نور. وهو اتفاق بحسب مصادر ان بنوده كتبها سليم احمد احمد عن الاتحاد الافريقي ونائب وزير الخارجية الامريكي روبرت زوليك كممثلين للاتحاد الافريقي، مع اجانب اخرين في العاصمة النيجيرية ابوجا. وقد نص الاتفاق ضمن بنود اخرى على نزع سلاح الجنجويد. وفي آب من نفس العام تجدد القتال وتوقفت المساعدات بسبب الهجمات ضد موظفي المنظمات العالمية. ودعا الامين العام للامم المتحدة وقتها (كوفي عنان) 18000 من قوات حفظ السلام الدولية لتحل محل قوات بعثة الاتحاد الافريقي( وهي في الحقيقة قوات حلف النيتو).

عقب ذلك وفي 24 آب ذكرت لجنة الانقاذ الدولية ان مئات النساء اغتصبن في مخيم (كلمة) خلال الاسابيع السابقة. وفي 25 آب حذر مساعد مسؤول الشئون الخارجية في مكتب الشئون الافريقية (جنداي فريزر) من احتمال مواجهة المنطقة لأزمة امن ما لم يتم نشر قوات حفظ السلام الدولية.

وافق مجلس الامن في آخر آب 2006 على قرار ارسال قوة سلام دولية قوامها 17300جندي رغم معارضة السودان. وذكر الاتحاد الافريقي في اول ايلول ان السودان قام بهجوم في دارفور اسفر عن مقتل 20 شخصاً وتشريد الف آخرين. واثر ذلك امر السودان القوة التابعة للاتحاد الافريقي بمغادرة البلاد بحلول نهاية الشهر.

بعد ذلك صدرت في 4 آذار 2009 عن المحكمة الجنايئة الدولية مذكرة اعتقال في حق الرئيس البشير. واعلن هو من جانبه طرد 6ـــ10 منظمات اغاثة من دار فور. وبرر ذلك بانها تتعامل مع المحكمة المذكورة.

 

تعامل مباشر

 

ورغم ان واشنطن ربطت تعاونها مع الخرطوم بتطبيق اتفاقيتي (نيفاشا) المتعلقة بجنوب السودان وابوجا الخاصة بدارفور وتحسين وضع حقوق الانسان في الاقليم الملتهب، الا ان الادارة السودانية كانت تعلم جيدا منذ تفجر الازمة ان القرارت الدولية ماهي الا صداء للارادة الامريكية. واشار مراقبون الى انها كانت تستبق قرارت الكونغرس والبيت الابيض تفادياً للحرج. لذا عمدت للتفاهم مع امريكا مباشرةً. حيث سمحت لادارة بوش الابن بفتح مكاتب المخابرات في الخرطوم عام 2003مع التخطيط المستقبلي لانشاء مركز للوكالة في السودان لمراقبة منطقة القرن الافريقي وشرق افريقيا. وفي نهاية ايلول 2006 قالت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية امام الجمعية الافريقية بواشنطن "اذا عمل السودان مع الامم المتحدة ورحب بقوة الامم المتحدة في دارفور فانه سيجد في الولايات المتحدة شريكاً ملتزماً اما اذا اختارت حكومة السودان المواجهة واذاواصلت شن الحرب على سكانها متحدية الاتحاد الافريقي ومقوضة جهود قواته للسلام في دارفور ومهددة المجتمع الدولي، فسيتحمل النظام في الخرطوم المسؤولية وسيكون وحده من يتحمل العواقب".

ولم تكتف الادارة الامريكية بالتحركات التي يقوم بها مجلس الامن والاتحاد الافريقي، بل سارعت بممارسة ضغوط خاصة ممثلة في العقوبات، التي اصدر الحلقة الاولى منها كلينتون في 1997. ثم قامت بضرب مصنع للادوية بالخرطوم في 1998. واعلنت حظراً اقتصادياً منعت بموجبه تبادل السلع وتقييد المعاملات المالية وتجميد الممتلكات وعقوبات اخرى. كما انها وضعت السودان في 1993 على لائحة الدول الراعية للارهاب بسبب استضافته (بن لادن). وفي 1996 اوقفت عمل سفارتها بالخرطوم. وشمل الحظر الامريكي في عهد االرئيس بوش عام 2006 النفط، البتروكيماويات وادراج جهات متورطة في نزاع دارفور في قائمة العقوبات، وتجميد ارصدة 133 شخصية وشركة سودانية.

لكن في عهد اوباما تم اعفاء محدود للمعدات الطبية والالات الزراعية والاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات. وفي نهاية عهد اوباما رفع البيت الابيض بعض العقوبات وابقى على اسم السودان في لائحة الدول الداعمة للارهاب، مع بعض الاستثناءت مثل شراء المعدات العسكرية والاجهزة المتقدمة والاجهزة ذات الاستعمال المشترك. وجاء قرار رفع العقوبات وفقاً لما عرف بالمسارات الخمسة وهي:

مكافحة الارهاب، مكافحة جيش الرب، دعم سلام الجنوب، تحقيق السلام في السودان تسهيل توفير الاغاثة للمحتاجين.

وفي عهد ترامب الحالي ارتبط تمديد العقوبات ببذل جهود في مكافحة الارهاب وملف حقوق الانسان.

وبحسب الكاتب مرتضى الشاذلي في موقع (ن بوست)، تقدر الحكومة السوادنية خسائرها من العقوبات ب 500 مليار دولار، و4مليارات دولار سنوياً خسائر غير مباشرة. وقيمة الفرص الاستثمارية الضائعة بنحو ترليون دولار. وقد تدمر قطاع الطيران وفقدت السكة الحديد 80 بالمئة من بنيتها التحتية. وتدهورت الصناعات المحلية التي تستحوذ على 26بالمئة من ِالناتج المحلي الاجمالي. وتأثر اكثر من الف مصنع. كما تاثرت شركات القطاع الخاص والادوية. ورفعت العقوبات اسعار التامين ومداخيل القطاع الزراعي الذي يساهم ب 29بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي.

لذلك كان من الطبيعي ان يسقط النظام، لكن اين الدولة؟. الاجابة على هذا السؤال ربما تتضح من خلال رد فعل الحكومة الحالية الوحيد على محاكمة احد رعياها في لاهاي، وهو الصادر عن النائب العام، والذي ذكر حسب ما نقل عنه موقع الجزيرة نت " ان قرار مثول المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور امام المحكمة الجنايئة الدولية امر سيادي ومعقد وتعترضه عقبات قانونية". واضاف ان مثول هؤلاء المتهمين ليس بالضرورة ان يكون في لاهاي الهولندية. مضيفاً ان هذا سيتحدد وفقاً لنتائج المفاوضات بين المدعي العام السوداني والمحكمة الجنايئة.

لكن المحكمة في الواقع مستمرة، وقد وجهت 50 تهمة للمتهم دون انتظار التفاوض المشار اليه.

***********

ص6

الفيلسوف إيتيين باليبار وعالم ما بعد كورونا

د. ماهر الشريف*

كان عمره 23 عاماً عندما ساهم في المؤلف الذي أشرف عليه الفيلسوف الماركسي الشهير لوي ألتوسير وصدر سنة 1965 في باريس بعنوان: "قراءة (مؤلف) رأس المال". وقد تعرفت إلى أفكاره، بعد وصولي إلى باريس بفترة قصيرة، من خلال كتابيه: "خمس دراسات في المادية التاريخية" (1974) و"حول ديكتاتورية البروليتاريا" (1976)، وذلك قبل أن تتاح لي فرصة التعرف إليه شخصياً. وهو اليوم أستاذ فخري في جامعة نانتير- باريس العاشرة وأستاذ زائر في عدد من الجامعات الأميركية والأوروبية. ومعروف أنه بين أبرز المثقفين الفرنسيين المدافعين عن المهاجرين الذين لا يحملون أوراق إقامة رسمية، وكان مؤخراً من الداعمين لتحرك "السترات الصفراء" الاحتجاجي ضد مشروع التقاعد الذي تقدمت به الحكومة الفرنسية.

كما يعرف عنه أنه من مؤيدي القضية  الفلسطينية، وكان قد نشر في مجلة "لوموند ديبلوماتيك" في أيار 2004 مقالاً مطولاً بعنوان: "كونية القضية الفلسطينية" قدّر فيه أن هذه القضية هي من القضايا التي تسمح للمرء بأن يقوّم كرامة ومسؤولية الخطاب السياسي، وأن الصراع الدائر حولها لا يتعلق، من منظور العدالة والحق، بحرب بين "أشرار" و"طيبين"، بل بصراع  يعبر عن خلل في موازين القوى، صارخ ومستمر في التعاظم، بين إسرائيل، إحدى القوى العسكرية الكبرى في العالم المتحالفة مع القوة العظمى الأميركية والتي تمتلك جميع وسائل الحرب الحديثة، وبين الفلسطينيين الذين يناضلون اليوم من أجل بقائهم بوصفهم شعباً. كما شارك  في 13 أيار 2015 في التوقيع على بيان أصدره عدد من المثقفين الفرنسيين يدعو إلى محاربة معاداة السامية وإلى إدانة سياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين، ويطالب فرنسا، وجميع الدول الأوروبية،  بممارسة الضغط عليها من خلال الاعتراف بدولة فلسطين، كما فعلت السويد، وضمان  قبولها عضواً كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة، وأن تلتزم هذه الدول بوقف أي مبيعات أسلحة إلى إسرائيل، أو تعاون عسكري معها أو نقل أي تكنولوجيا إليها يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية، وتعليق اتفاق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

وكان قد قدّر أن أمرين يمكن أن يجعلا شرعية إسرائيل هشة بل يسمحا بالتشكيك بها  في نظر قسم كبير من العالم؛ الأول يتمثل في تعريف إسرائيل لنفسها بوصفها "دولة يهودية"، لأن هذا سيكون على حساب الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل حدودها، لأنه سيفرض عليهم شرط أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من عدد كبير من الحقوق ومستثنيين من المساواة الرمزية مع الإسرائيليينن "الحقيقيين" في امتلاك أرضهم المشتركة؛ والثاني  يتمثل، على الصعيدين الحقوقي والأخلاقي، في أن شرعية إسرائيل كدولة حديثة لا يمكن أن تقوم على أسطورة من أصل مقدس، ولا على جعل الإبادة التي لحقت بآباء سكانها اليهود "حقاً سيادياً" يجعلهم فوق قانون الأمم، ولا على القوة المنتصرة، بل تتطلب شرعية إسرائيل اعتراف الشعوب المحيطة بها، وفوق ذلك كله اعتراف الشعب الذي "هُجّر" عبر سيرورة استعمار ذات طبيعة خاصة.  

وقد أصدر باليبار مؤخراً المجلدين الأول والثاني من أعماله الكاملة بعنوان: "تاريخ لا ينتهي" و"ولع المفهوم".

ينطلق باليبار، في مقاربته عالم ما بعد كورونا، من أن التاريخ في حركة مستمرة، وأن الحاضر الذي نجد أنفسنا فيه ينطوي على مستقبل أكيد، يجب أن يكون موضوعاً للتحليل. ويقدّر أن الأزمة الصحية التي تسبب بها كوفيد 19 تنطوي على أزمة اقتصادية واجتماعية، هي قيد التطور وتداعياتها الخطيرة معلقة حالياً. كما تنطوي على أزمة ثالثة، هي أزمة قيم، أزمة أخلاقية عميقة، أزمة حضارية، معتبراً أن الجائحة أطلقت النقاش حول أهمية قطاع الخدمات الاجتماعية، وحول  طبيعة نمط المجتمع والتنظيم الاجتماعي المؤهلين لتجنب حدوث هذا النوع من الكارثة.  كما بيّنت الجائحة إلحاحية إعادة ابتكار مفهوم واسع للدولة كما تصورها أنطونيو غرامشي، الأمر الذي يسمح بضمان توفر أشكال أخرى من المبادرات، والتضامنات والتفاعلات الجماعية، غير تلك التي تؤطرها أجهزة الدولة.

وهو يرى أن الأزمة الصحية، والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، أبرزت في المقام الأول أهمية قطاع الخدمات العامة وكشفت اتساع النزاع الذي يدور حولها. ويشدد، وهو يكتب في منتصف شهر أيار الجاري، على أن الأفكار التي يطرحها تظل قابلة للنقاش، إذ إننا لا نعرف حالياً ما إذا كانت هذه الجائحة ستزول ومتى، ومدى اتساع الأزمة الصحية التي ولدتها، وحدود الأزمة الاقتصادية التي ستنجم عنها، كما لا نعرف ما هي تداعياتها على مستوى أشكال المعاناة والتدمير، وكذلك على مستوى الاحتجاجات، والانتفاضات، والحركات الاجتماعية والسياسية.

ومع ذلك، يراهن باليبار على أن هناك قطيعة ستحدث، وهي قطيعة لا راد لها، ولن تكون هناك عودة للوضع السابق، مستنداً في ذلك إلى فكرة طرحها لينين في سنة 1920 ومفادها أن "من هم في الأعلى لم يعد في وسعهم أن يعيشوا ويحكموا كما في الماضي، كما أن من هم في الأسفل لا يريدون أن يعيشوا وأن يُحكموا كما في الماضي". فالأزمة كشفت عن شروط لم تعد متوافقة مع "إعادة إنتاج" النظام القديم. وهي ستطلق سيرورة انتقال لا يمكن كبحها، وإن كانت أشكالها وتوجهاتها غير واضحة المعالم بعد، وقد تنطوي على بروز مؤسسات سياسية أخرى، وأنماط عمل وحياة مشتركة أخرى، ومعتقدات وقيم جمعية أخرى.

ويقدّر باليبار أن  هناك قوى قوية ومنظمة تعتقد أنه من الممكن مواصلة ما كان سابقاً، وستسعى  إلى الاستفادة من "صدمة" الأزمة، لتعظيم وتسريع التغيرات التي كان جارية في الفترة السابقة، بحيث تلوح في الأفق نداءات إلى "إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد" مهما تكون التكلفة البشرية لذلك، والرجوع إلى مشروع التسريع النيوليبرالي بغض النظر عن العواقب الوخيمة التي ستنجم عنه. لكنه يظن أن هذه الاتجاهات ستواجه عقبات شديدة. فالواقع أن قوى الرأسمالية المسيطرة يتوجب عليها - كما يرى - أن تعيد ابتكار استراتيجية سيطرة ومشروع إيديولوجي متوافق معها، وهو أمر ينطوي في حد ذاته على أخطار، وهي لن تنجح في ذلك من دون خوض نزاعات عنيفة داخلية بين "هيمنات" مختلفة.

ويعتبر باليبار، من ناحية أخرى، أن العولمة في شكلها الحالي، الناجم عن الاعتماد المتبادل غير المسبوق بين الاقتصادات والمجتمعات، لم تفلح في تنميط الأنظمة السياسية، وضمان المساواة على صعيد مستويات الرخاء، أو تقريب التقاليد الثقافية فيما بينها، بل هي انطوت، أكثر من أي وقت مضى، على استقطاب حاد بين الشمال والجنوب وبين الغرب والشرق، وتولد صدامات وربما حروب على "جبهات" مختلفة. وهذا كله يقودنا إلى الاعتقاد بأن الزمن الذي نجد أنفسنا ضمنه مسكون بصورة أساسية باللايقين، ولعل الأزمة نفسها ستوفر لنا وسائل مجابهتها والتعامل معها.

وينتقل باليبار بعد ذلك إلى تأمل أزمة قطاع الخدمات العامة التي سلطت الجائحة الضوء عليها، بحيث ظهر أن حياة بلد بكاملها، من نشاطه الاقتصادي إلى حميمية سكانه، تركزت على نوعية موارد قطاعه الصحي ونواقصه، ليس بوصفه القطاع الخدمي المكلف بوظيفة اجتماعية ضرورية فحسب، بل باعتباره القطاع الخدمي الذي تتوقف عليه قطاعات الخدمات الأخرى، وهو القطاع الذي سيحكم "استراتيجياً" الفترة القادمة. فالصحة، ليست "قطاعاً خدمياً" يحيل إلى المستشفيات وحدها وإلى ممارسة مهنة الطب في المدينة، بل هو قطاع مرتبط  بنشاطات إنتاجية وثقافية تطال المجتمع بأسره تقريباً، وهو ليس مؤسسة قطاعية إذن، بل هو "رؤية" إلى المجتمع بأسره تنسج علاقات بين عدد كبير من أعضائه، وتولد "مشتركاً".

ويتوقف باليبار، في هذا السياق، عند الخلاف الدائر حول الموقف من قطاع "الخدمات العامة" والوظيفة الاجتماعية التي تضطلع بها، والنظام الحقوقي للمنشآت التي تحتويها، وطريقة تمويلها، معتبراً أن السياسات النيوليبرالية التي هدفت إلى "عقلنة" نمط تسييرها، سعت إلى "خصخصة" العدد الأكبر منها. وهكذا، تبيّن أن المواطنين "المتساوين في الحقوق" ليسوا كذلك اليوم أمام المرض، ولا أمام الاستفادة من الوسائل الموضوعة لحماية المجتمع، بحيث برز اختلاف في معدلات الإصابة بالعدوى وفي حالات الوفاة تحيل إلى محددات طبقية، كما برزت اللامساواة البنوية في الموارد الطبية بين المناطق المدينية ومناطق الضواحي، وأشكال اللامساواة على مستوى قواعد الالتزام بـ "حالة الطوارئ الصحية"، إذ إن العمال المأجورين المجبرين على الاستمرار في العمل في الخارج ومن دون حماية هم من العمال اليدويين، وغالباً من المهاجرين أو من أولئك الذين لا يحملون أوراق إقامة رسمية.

وينهي باليبار مقاربته لعالم ما بعد كورونا بالتوقف عند مسألة الدولة التي عادت إلى مركز النقاش السياسي والفلسفي، وهو نقاش سيطرت عليه خيارات عائدة إلى صراعات القرن العشرين، تدور حول التناقض بين تدخل الدولة وبين نشاطات السوق. وهنا يستشهد بما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون من أن "الثروات العامة" لا يمكن أن تخضع إلى "قوانين السوق"، ويتساءل: ماذا يعني عدم الخضوع إلى قوانين السوق في مجتمع، وفي عالم، تعممت فيهما هذه القوانين ؟ وأي أدوات تسمح بذلك؟  

يشير إلى أن هناك عدداً من المفكرين الذين عبروا عن تخوفهم من أن "حالة الطوارئ" التي فرضتها الدولة، وخصوصاً عبر فرض الحجر المنزلي والرقابة على الأفراد ومتابعتهم، يمكن أن تدفع نحو مجتمع من نمط شمولي، وتجعل الدولة تدخل ضمن  كل "علاقة اجتماعية"، وتستولي على وظائف يضطلع بها المواطنون بما يخدم مصالحهم، وتمكنهم من تنظيم حياتهم بأنفسهم.

يقترح باليبار، في ضوء التجربة التي نعيشها حالياً، خياراً مختلفاً يضمن استقلالية قطاع الخدمات العامة إزاء الحيز الدولتي وإزاء حيز المشترك في آن معاً، ويكسبه خصوصية معينة. ويستشهد هنا بتجربة الممرضين في فرنسا الذين جعلوا السكان يدركون عدم جهوزية الدولة، وما تعانيه من نقص في الموارد، ورداءة التشغيل التسلطي لقطاع صحة خدماتي، هو في طور الخضوع لقوانين السوق والخصخصة المتسارعة، وشكلوا فيما بينهم وحولهم، في الوقت نفسه، حيزا مشتركاً أنتج تأثير جماعة ليس أخلاقياً وعاطفياً فحسب، وليس من دون تناقضات، بل هو سياسي بعمق وواع لما يجب أن يتطلبه، وللقوى التي يمكنه الاستناد إليها، وللقيم  الأخلاقية التي عليه الدفاع عنها. وهو تأثير جماعة لا يريد أن يحل الحيز المشترك  محل الحيز الدولتي، وإنما أن يفرض على الدولة – الدولة التي كرست نفسها لخدمة مصالح الطبقة المسيطرة والفئات الأكثر غنى- أن تكون في خدمة قطاع الخدمات العامة، وأن تبعد عن اقتصاد السوق الموارد الضرورية، ثم تقوم بتعبئة هذه الموارد بطريقة عقلانية، وتخضعها لإدارة ديمقراطية. 

ويخلص باليبار إلى أن تركيزه على خصوصية الأزمة الصحية لا يعني تجاهل مسائل أخرى بشأن دور الدولة، والتحولات التي يجب أن تطالها، و"قوانين السوق" وطرائق ضبطها، وأنماط الحياة والعلاقة مع البيئة الطبيعية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن موقع حزب الشعب الفلسطيني – 29 أيار 2020

***********

إيزابيل الليندي:

سينتهي النظام الأبوي الذكوري

متابعة "طريق الشعب"*

أكدت الكاتبة التشيلية الشهيرة إيزابيل الليندي أن جائحة فايروس كورونا الحالية أظهرت انعدام مساواة فاضحا، بات يغذي الآن التظاهرات اليومية في الولايات المتحدة والعالم.

وقالت صاحبة رواية “منزل الأرواح” إنه “ستنجم عن الجائحة موجة عارمة وتفسيرات جديدة لواقعنا ليس فقط في مجال الفنون بل الفلسفة والتاريح وكل شيء. أما على صعيدي الشخصي أحتاج إلى المزيد من الوقت لتتضح الصورة”.

وتضيف “كان بإمكاني أن أكتب ‘منزل الأرواح‘ مباشرة بعد الانقلاب العسكري التشيلي في العام 1973. لكني احتجت إلى ثماني سنوات لأفعل ذلك لأني كنت بحاجة إلى استيعاب ما حصل. وأظن أنني سأفعل الشيء نفسه مع ما يحصل راهنا”.

وتؤكد الليندي أن الجائحة الحالية تعلمنا أن ندرس أولوياتنا وتضعنا في مواجهة واقعنا: انعدام المساواة هو الواقع، متسائلة “كيف يمضي البعض مرحلة العزل على يخت في منطقة الكاريبي فيما البعض الآخر خاوي البطن”.

وترى الكاتبة أن المبدعين الفنانين والعلماء والشباب ونساء كثيرات يفكرون بما سيكون عليه العالم بعد كورونا. لا يريدون العودة إلى العالم القديم هذا هو الرهان الأهم في زمننا هذا، أي الحلم بعالم مختلف ينبغي علينا الوصول إليه.

وتضيف “سينتهي النظام الأبوي الذكوري. فالوحوش الذين يحكمون العالم سينهكون. ويحل عالم يتقاسم فيه الرجال والنساء حكم العالم بمساواة. ينبغي ألا ندع العنف والجشع يوجهان العالم بل التضامن والتعاطف والأمل. هذا هو العالم الذي نصبو إليه”.

وتلفت الليندي إلى أن الأجيال الشابة سترث عالما دمرناه وحطمناه. وعليهم إنقاذه في حال كان ذلك ممكنا. آملة أن يكون لديهم حل إيجابي، بينما تقر بأن التظاهرات تطالب بالعدالة العرقية المرتبطة مباشرة بمعضلة الفقر.

وتقول “من هم أفقر الأشخاص في هذا البلد؟ من هم الأشخاص الذين يحصلون على أسوأ ضمان صحي وأقل فرص عمل والذين يعانون أكثر من غيرهم من عنف الشرطة ويدخلون أكثر من غيرهم إلى السجون؟ إنهم السود”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عن "العرب" 11 حزيران 2020

***********

الانقسام الأميركي والاضطراب العالمي ودور الثقافة في الطمأنينة

د. راغده درغام

افتقاد الولايات المتحدة الجهوزية المتوقعة منها أمام وباء كورونا- الذي ترك وراءه مليوني إصابة أميركية – أدهش العالم وأضعف وهج أميركا في مخيّلة الكثيرين. ثم أتى الانقسام الأميركي المرير عقب عملية قتل جورج فلويد الشنيعة ليطلق شماتة البعض فيما البعض الآخر تمعّن في إفرازات هذا الانقسام على الساحة العالمية. أولى التداعيات سيتمثّل في قبوع العالم في اضطرابات متتالية حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، كما في تأجيل البت في الخلافات والصراعات الدولية. حال اللااستقرار الجغرافي- السياسي منه، والاقتصادي، والشخصي، والنفسي سيطول إذن لستة أشهر تقريباً بسبب التقلّب الخطير في الساحة الأميركية اضافة الى عدم اليقين من مسيرة كوفيد-19 وآثارها على الدول والأفراد. وكوسيلة من وسائل إنقاذ الصحة العقلية يلجأ الناس في كافة أنحاء العالم الى الثقافة والفنون والمتاحف والى الإبداع في التعليم لاستقامة بعض التوازن النفسي والفعلي. هذا التداخل بين السياسي والثقافي والاقتصادي، بين مساحة القلق ومساحة الطمأنينة، بين طبيعة الفرد والإنسانية، بين سوق العمل والبطالة، بين الديموقراطية والنزعة الاستبدادية، بات فعلاً عالمياً. فكيف نتفاعل؟

وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات العربية ورئيسة جامعة زايد، نورة الكعبي، طرحت سؤالاً عميقاً عندما ميّزت بين التأقلم والمرونة. سألت "كيف يمكن لنا أن نكون أكثر مرونة فيما نقوم بعمليّة التأقلم" في زمن صعب يتحدّى القدرة على التحمّل والمثابرة.

وزيرة التعليم السابقة في فرنسا وكذلك وزيرة حقوق المرأة، نجاة بلقاسم قالت "استعادة القيمة الأساسية لحياة الإنسان هي إحدى القيم الأساسية التي علينا اعادة التفكير فيها عند وضع عدد كبير من سياساتنا".

المخرجة اللبنانية العالمية نادين لبكي قالت ان الأزمة المترتّبة على وباء كورونا "كشفت انحلالات كثيرة وفشلا ذريعا في نظامنا" الاجتماعي والسياسي والإنساني والثوري وفي نظام الحكم نفسه.

المستشرق الروسي ومدير متحف ارميتاج في سان بطرسبورغ، ميخائيل بيوتروفسكي قال ان العالم أجمع في حال انقسام، والنزعة هي أن يبقى منقسماً– سيما بعد كورونا- حيث الدول تريد أن تنأى بنفسها لتداوي جروحها وحيث الناس يبتعدون عن بعضهم برسالة "لا تلمسني". وقال "ان جزءاً كبيراً من حال اللااستقرار يقبع داخل عقولنا". ولذلك، تلعب الثقافة دور "العلاج" الذي "يشفي من آثار كل هذه العزلة والانعزال الداخلي".

هذه الشخصيات الرائدة كانت تتحدّث في الحلقة المستديرة الافتراضية السادسة لقمّة بيروت انستيتوت في أبو ظبي تحت عنوان "الاستقرار بمفهومه الجديد: من يؤلّف المستقبل؟".

متحف ارميتاج كان يستقبل 5 ملايين زائراً سنوياً قبل كوفيد-19. منذ الأزمة، وفي غضون شهرين، استقبل 34 مليون زائراً افتراضياً عبر الأنترنت. جامعة زايد تدرّس حاليّاً 7 آلاف تلميذ عن بعد والتفكير جارٍ في كيفية تطوير التعليم في زمن ما بعد كورونا. كل هذا مشجّع لأن العالم فكّر بإبداع وتقنيّة وبصورة خلّاقة وبإعادة اختراع النفس ولم يرضخ أو يستسلم أمام هذا الوباء.

ولكن. لكن هناك الشوق. هناك الاشتياق بإيجابياته وبسلبياته.

رأي نورة الكعبي هو "في نهاية المطاف، اننا في حاجة لأن نرى بعضنا البعض، واننا نحتاج الى الإحساس بالفن لنشمّه ولنتنشّقه ولنلمسه. في رأيي عندما يتعلّق الأمر بمثل هذه الأمور، ان حواسنا محرومة".

خوف نادين لبكي هو أن يقتادنا الاشتياق الى العودة لأنماط السابق بكل خروقاتها وأن تفوت فرصة الإصلاح أو "استطلاع أنظمة بديلة" عن تلك التي قامت على وأدّت الى "الفساد والطمع والجشع، والاستهلاكية المفرطة، وأزمة المناخ، ولا عدالة توزيع الثروة، والتمييز والعنصرية، والإتجار بالناس، والتشريد، والحروب، وعمالة الأطفال، والفقر".

أمل نجاة بلقاسم هو أن يؤدّي "إدراكنا لهشاشة نظامنا الذي لا يعترف بالقيم الأساسية لنا" حيث فشل في توفير الكمامات وإجراء الفحوص واحترام كرامة المسنّين، الى الاستفادة من "التعاضد" الذي شهدناه أثناء الفترة العصيبة "وهناك وسائل لتحويل هذه التجربة الى شيء إيجابي للعمل معاً لمحاربة اللامساواة".

ميخائيل بيوتروفسكي يصرّ على ضرورة أن "نكون مرنين في مسألة الهويّة" ويشجّع على التخلّص من عقدة أن يكون لنا هوية واحدة قومية أو دينية أو شخصية لأن "من الجميل أن تكون لنا عدة هويات"، وهناك "بهجة وفرح في أن نكون مختلفين" عن بعضنا البعض. فـ"الاختلاف عن الآخر جميل". رأيه أن ما "نشهده الآن في الولايات المتحدة هو "حرب الذاكرة" اذ انهم تذكروا الآن الحرب الأهلية... وما يجري الآن هو حرب أهلية". ينادي بيوتروفسكي بالتغلّب على حروب الذاكرة أينما كان وبناء "الجسور" المتوافرة بين الحضارات والثقافات المختلفة.

المعروفون بأنهم من طبقة "السياسيين الواقعيين" ينظرون الى العالم من منظور الدهاء السياسي والاستراتيجيات والتنافس الجغرافي– السياسي وهُم ينطلقون من براغماتية معادلة من يملك السلطة ومن هي الطبقة الحاكمة فعلياً في أي من البلاد. ما يجول في بال هؤلاء شديد البعد عمّا تحدثت عنه مجموعة الثقافة والمعرفة والتعليم والقيم، والتي هي أساسية جداً في صنع التغيير الحقيقي الدائم. لكن الترابط بين الاثنين بديهي لأنهما في خندق الحدث الواحد.

أنظار الجميع تتوجه اليوم الى ماذا يحدث في الولايات المتحدة ومن له فرص الفوز بالانتخابات الرئاسية. جزء كبير من المراقبين الأميركيين والدوليين ما زال يعتقد أن الرئيس دونالد ترامب سيعود الى ولاية ثانية بالرغم من انحسار الثقة الكاملة بفوزه. المصادر المطلعة على بعض من استراتيجية ترامب تقول انه سيقفز في سبتمبر/أكتوبر الى ثلاثة مسائل أساسية هي: أولاً، التعافي الاقتصادي السريع في الولايات المتحدة الذي ينوي إبرازه. وثانياً، ما يسمى بـ"اخراج الهيكل العظمي من الخزانة" أي كشف فضائح مبيّتة للمرشح الديموقراطي جو بايدن وما وصفه المصدر بأنه "الصندوق الأسود" الذي سيدين بايدن في أكثر من ملف. وثالثاً، تسويق شخصية بايدن على أنها تفتقد القيادة.

"بايدن لم يكن أبداً في الصف الأول من القيادة"، قال المصدر، "انه جيد في المرتبة الثانية كتابع وليس كقائد". وما تنوي حملة ترامب أن تبرزه هو أن بايدن "ليس قائداً في زمن احتياج الولايات المتحدة الأميركية الى القيادة".

في ذهن الديموقراطيين، حسب المصادر ذاتها تعيين امرأة سوداء في منصب نائب الرئيس، لعلّها تكون احدى النساء ذات الأصول الأفريقية اللواتي انتخبن الى الكونغرس. في ذهنهم ابراز حال الانقسام واللاجهوزية والاختلال التي وجدت أميركا نفسها فيه في زمن دونالد ترامب.

ماذا يريد العالم؟ انه منقسم كعادته عمودياً وأفقياً عندما يتعلّق الأمر بالانتخابات الأميركية وبدونالد ترامب بشكل خاص.

روسيا التي لها علاقات صعبة ومعقّدة مع ترامب الذي يفرض عليها العقوبات ليست متمسّكة ببديل عنه، بل تفضّله. والسبب هو انها أولاً تخشى "انتقام جو بايدن لهيلاري كلينتون" قال مصدر روسي في إشارة الى التهمة الموجّهة الى روسيا بأن تدخلها وتلاعبها بالانتخابات الأميركية أسقط مرشحة الديموقراطيين هيلاري كلينتون.

السبب الآخر هو الأمل الدائم بأن يعقد ترامب صفقة مع الروس سيما وأنه "تاريخياً، ان جميع الصفقات والمعاهدات أبرمناها مع الجمهوريين وليس مع الديموقراطيين".

الصين تحتفظ بأوراقها لنفسها وحتى الآن ليس واضحاً من تفضّل بين المرشحين للرئاسة الأميركية. ترامب، ظاهرياً، يبدو ليس مفضّلاً لكنه قد يكون مرفوضاً لدى الحزب الشيوعي الحاكم ومقبولاً لدى رئاسة الصين.

إيران تراهن بقوة وتستثمر بشدّة في إسقاط دونالد ترامب لأن عقوبات إدارته مستمرة ومتزايدة. وبحسب مصادر مطلعة على صنع القرار في طهران، ان العقوبات الأميركية الأخيرة المتعلقة بأكثر من 50 ناقلة نفط، بالذات من فنزويلا الى إيران، أدت الى البحث الجدي بين كبار العسكريين الإيرانيين في خيار "حرب الناقلات".

الثابت في السياسة الأميركية الى حين موعد الانتخابات الرئاسية هو سياسة العقوبات. عدا ذلك، ان البوصلة متحركة بحسب المقتضيات. والى حين بعض الاستقرار الجغرافي السياسي والاقتصادي والشخصي والنفسي، سيبقى للثقافة والفن والموسيقى دور عميق في زرع بعض الطمأنينة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"ايلاف" 14 حزيران 2020

*************

ص7

طقوس العنف في أميركا

سنان أنطون*

استخدم الكثيرون مفردة «lynching» لوصف قيام الشرطي الأبيض بقتل جورج فلويد في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في مدينة مينيابولس، ومنهم شقيق فلويد. معنى الفعل «to lynch»  القاموسي هو: «الإعدام على الملأ، بدون محاكمة، يقوم به جمع من الغوغاء». يستحضر استخدام المفردة تاريخاً طويلاً ومعقداً (ومستمرا) من طقوس العنف الوحشي الذي مورس ويمارس ضد جسد الإنسان الأسود، خارج إطار القانون، وباسمه أيضاً. يجابه هذا الطقس هذه الأيام بتظاهرات احتجاجية وغضب شعبي عارم، غير مسبوق لأن حدوده تعدّت المجموعة المضطهدة ومن يناصرها لأسباب أخلاقية وسياسية هذه المرة لتشمل الطيف بأكمله ولتتضامن معها جماهير خارج البلاد. لكن هذا الطقس كان، ولزمن طويل، طقساً احتفالياً تشترك فيه الجماعة. طقس يرسّخ فيه العرق المتفوق سيطرته على جسد الآخر، ويحرس حدود الفصل العنصري، وتراتبيته، ويعاقب كل من يحاول عبورها، أو يتجرأ على خلخلتها أو التشكيك بها.

كان الإعدام شنقاً وحرقاً على الملأ عقوبةلكل من يحاول الهرب من العبودية أو التمرّد عليها. وتسبق الممارسة تأسيس الولايات المتحدة رسمياً. فمثلاً، في عام 1712، عاقبت السلطات البريطانية المستعمِرة في نيويورك مستعبدين متمردين، بتصفيدهم وتكسير عظامهم ثم حرقهم ليكونوا عبرة للآخرين. رسّخ الدستور الأمريكي (الذي يعتبره الكثيرون وثيقة مثالية في عدالتها) ضمنياً، تراتبية التفوق العرقي حين أقرّ في احتساب الناخبين أن المستعبد يعادل ثلاثة أخماس الحر. ولم تكن الحرية التي وعد بها إعلان الاستقلال في جملة يحفظها الملايين وهي «الحياة والحرية والبحث عن السعادة» تشمل غير الرجال البيض أصلاً. استمرت مقاومة العبودية كمؤسسة وممارسة وحركات التمرد ضدها (والأمثلة كثيرة، منها تمرد غابرييل بروسر في 1800، ودينمارك ڤيسي في 1822، ونات ترنر في 1831). وكان كل تمرد يخمَد ويعاقب بوحشية. بعدما تمرد المستعبَدون السود في لويزيانا  في عام 1811، زيّن المزارعون البيض الطريق إلى المزرعة برؤوس المستعبدين المقطوعة، وأقروا لاحقاً أن الذين قطعوا رؤوسهم لم يكونوا من المتمردين أصلاً.

نمت حركة تحرير العبيد بين عامي 1830 و 1860. وبحلول عام 1860 كان هناك أربعة ملايين مستعبد، نصفهم في ولايات الجنوب الأميركي. لم يكن الهدف الرئيسي للحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) إنهاء العبودية، التي تمسكت بها ولايات الجنوب التي انفصلت عن الولايات المتحدة، بل كان الحفاظ على وحدة البلاد. لكنه تحول إلى هدف لاحقاً. وإذا كانت ولايات الشمال آنذاك تخلو من العبودية كمؤسسة، إلا أن ذلك لم يكن يعني البتة خلوها من قيم وممارسات العنصرية والتفرقة المتجذرة.

كتب آليكسس دي توكويڤيل في كتابه الشهير عن أميركا أنه وجد البغض العرقي أقوى في الولايات التي كانت قد أنهت العبودية رسمياً من تلك التي كانت ما تزال تمارسها. وإذا كانت السردية القومية الرسمية قد طوّبت آبراهام لنكون (1809-1865) وأسبغت عليه لقب «محرر العبيد»، فإن مواقفه وآراءه كانت متناقضة، والكثير منها صريحة في عنصريتها. فمن أقواله «لا أهدف إلى إحلال المساواة السياسية والاجتماعية بين السود وبين البيض» و«هناك اختلاف جسدي بين العرقين سيمنعهما إلى الأبد من العيش سوية أو وفق مساواة اجتماعية وسياسية.» وكان لنكولن قد صرح بأنه يفضل ترحيل السود إلى أفريقيا بعد تحريرهم من العبودية. كما كان قد هدد الولايات التي أعلنت انفصالها عن الاتحاد بأن المستعبدين فيها سيصبحون أحراراً إن لم تعد إلى الاتحاد، ووعدها بتعويضات. ولما لم تستجب أصدر في 1863 «إعلان التحرير» الذي لم «يحرّر» المستعبدين في كل الولايات الأميركية، بل اقتصر على أولئك الذين كانوا يعيشون في الولايات المتمردة في الجنوب. حتى أن وزير الخارجية في حكومته آنذاك علق ساخراً «ها نحن نظهر تعاطفنا مع العبودية بتحرير العبيد الذين ليسوا تحت سيطرتنا، بينما نبقيهم مصفّدين في أماكن نستطيع أن نحررهم فيها.” وكان بذلك يشير إلى تلك الولايات التي تمارس العبودية لكنها ظلت مع الاتحاد ولم تعلن انفصالها، والتي لم يشأ لنكولن أن يثير غضبها. شجع الإعلان السود الهاربين من نير العبودية على المحاربة في صفوف جيش الاتحاد الذي كان بحاجة ماسة للجنود. بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1865، أنهى التعديل الثالث عشر على الدستور العبودية رسمياً وقانونياً. وشرع التعديلان الرابع عشر والخامس عشر حقوق المواطنة والتصويت للسود. لكن حصولهم على هذه الحقوق، نظرياً، لم يعقبه تحقيقها ممارسة فعلية على أرض الواقع.

بعيْد الحرب الأهلية أصدر الجنرال شيرمان، بعد اجتماع بقادة ودعاة إنهاء العبودية، الأمر الميداني رقم 15 الذي وجّه بإعطاء كل أسود أربعين فداناً وبغل، كتعويض عن سنين العبودية ولإعطائهم فرصة للوقوف على أقدامهم اقتصادياً. لكن الرئيس السابع عشر، آندرو جاكسون (1808-1875) الذي تسلم الرئاسة بعد اغتيال لنكون، ألغى الأمر. ما اضطر السود للعمل في أراض يستأجرونها من البيض وضمن إبقاءهم مهمشين اقتصادياً. كما أن فوز مرشحين سود بمناصب تمثيلية في الانتخابات في الجنوب في الحقبة المسمّاة «إعادة البناء» (1865-1877) أدى إلى تأجيج غضب العنصريين. فتأسست منظمة “الكلو كلكس كلان” (الكي كي كي) الإرهابية عام 1865. وتم سن قوانين «جم كرو» للفصل العنصري التي كانت تشمل كل نواحي الحياة وتمنع الاختلاط وتقيد حركة السود وتبقي السيطرة والتفوق الاقتصادي والقانوني للبيض.

ازدادات عمليات الإعدام على الملأ التي كانت أداة لتطبيق هذه القوانين وإرهاب من يفكر بمخالفتها أو مقاومتها. بلغ مجموع جرائم الإعدام بدون محاكمة وعلى الملأ (الموثقة) 4048 في 12 ولاية بين 1877 و1950. ومع أنها كانت معروفة قبل ذلك في الغرب الأميركي كعقوبة رادعة ضد البيض وغيرهم من المكسيكيين والسكان الأصليين، وأنها مورست ضد عدد من البيض في ولايات أخرى، إلا أنها استهدفت السود بالذات في الجنوب الأميركي بعد الحرب الأهلية. إن مراجعة لتاريخ هذه الإعدامات وتفاصيلها تبين أن الهدف منها كان إرهاب السود ومنعهم من محاولة تحقيق أي مساواة، حتى لو كانت رمزية، في أي مجال. علي سبيل المثال، في عام 1882 أعدم جاك ترتر لأنه قام بتنظيم السود ليصوتوا في الانتخابات. في عام 1919، أعدم وليام لتل، جندي عائد من الحرب العالمية الأولى، لأنه رفض أن ينزع بدلته العسكرية. وهناك حالات أعدم فيها رجل أسود لأنه لم يخاطب الأبيض باحترام. وفي أحيان كثيرة كانت محض شبهة أو إشاعة كافية لعقوبة الإعدام. في حالات كثيرة كان جمع الغوغاء يتجه إلى السجن الذي يحتجز فيه المتهم والذي يتواطأ حراسه من أفراد الشرطة المحلية بترك الأبواب مفتوحة لكي يقتاد الجمع فريسته إلى موضع الإعدام تحت شجرة أو جسر. في كثير من الحالات التي هرب فيها المتهم أو أخفق الجمع في العثور عليه، كان يقتاد زوجته أو أمه لإعدامها بدلاً منه. ربع الإعدامات تقريباً كانت عقاباً على اختلاط (فعلي، أومشكوك به) بين رجل أسود وامرأة بيضاء. في 1904 أعدم رجل في ريڤسڤل، ولاية جيورجيا، لأنه طرق الباب على امرأة بيضاء. في 1916، أعدم رجال بيض جيف براون في كادربلف، ولاية ميسيسيبي، لأنه اصطدم بامرأة بيضاء وهو يركض محاولاً اللحاق بقطار ليستقله. وكانت هذه الإعدامات تنفذ بأساليب وحشية فتعذب الضحية وتحرق ويمثّل بالجثة وتؤخذ قطع منها وتوزع كتذكارات. وكل هذا يجري في جو كرنڤالي بحضور جموع غفيرة تصل إلى المئات وحتى الآلاف أحياناً، وتصطحب العوائل أطفالها للفرجة. وأحياناً يتم الإعلان عن الإعدام المخطط له مسبقاً في الجرائد المحلية. ويلتقط مصور محترف صورة للجثة المعلقة وتباع نسخ مطبوعة منها فيما بعد كبطاقات بريدية.

في 1893 حضر 10 آلاف شخص للتفرج على تعذيب وحرق مراهق (هنري سمث، 17 سنة) على مسرح بارتفاع عشرة أقدام في باريس، تكساس. في 1919، حضر عشرون ألفاً حرق ويلي براون في ولاية نبراسكا. ودفع هذا العنف الممنهج وقوانين جم كرو العنصرية ستة ملايين مواطن أسود للهجرة من ولايات الجنوب في النصف الأول من القرن العشرين. أثارت أخبار وصور هذه الإعدامات الحنق خارج الجنوب. فنظمت الجمعية القومية لتقدم الملونين، التي تحارب العنصرية عام 1935، معرضا في نيويورك تحت عنوان «تعليق فني على الإعدام» ومن الأعمال التي تضمنها لوحات لجوليوس بلوخ (1888-1966). في عام 1939 سجلت بيلي هوليداي (1915-1959) أغنية «ثمر غريب» التي كتب كلماتها ولحّنها الشيوعي آبل ميروبول عام 1937:

"أشجار الجنوب تحمل ثمراً غريباً

دمٌ على الأوراق ودمٌ على الجذور

أجساد سوداء تتأرجح في نسيم الجنوب

ثمرٌ غريبٌ يتدلى من أشجار الحور

مشهد ريفيّ للجنوب الشهم

العيون بارزة والفم المعوج

عطر الماغنوليا العذب والمنعش

تعقبه، فجأة، رائحة الجلد المحترق

هنا ثمر لتقطفه الغربان

ليتجمع عليه المطر وتمتصّه الريح

لتفسده الشمس وتسقطه الأشجار

إنّه ثمر غريب ومرّ"

اختفت الإعدامات على الملأ أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها عادت للظهور من جديد، وتزايدت بالذات بعد قرار المحكمة العليا الحاسم «براون ضد مجلس التعليم» عام 1954 الذي قضى بأن سياسات الولايات التي تصرّ على تطبيق الفصل العنصري في مدارسها غير دستورية. وبدأ العنف الغوغائي ضد السود يأخذ أشكالاً أخرى مثل إلقاء القنابل على الكنائس والبيوت وإطلاق الرصاص أثناء المرور بسيارة (هكذا تم اغتيال العديد من نشطاء وقادة حركة الحقوق المدنية من السود). وإذا كانت الإعدامات الغوغائية قد تولت تجريم ومعاقبة السود بقسوة خارج الأطر القانونية لمدة طويلة، فإن العنصرية البنيويّة والمؤسساتية في القانون والقضاء والشرطة، وفي الممارسات والأعراف المجتمعية، أمعنت في تجريم السود بنسب أعلى بكثير. وسمحت عنصرية القانون بانتقال طقوس العنف الذي كان ينفذه الغوغاء بتعليق الضحية من شجرة وإعدامها أمام جمع يتفرّج في الهواء الطلق، إلى داخل السجون، حيث ينفذ ممثلو الولاية أحكام الإعدام الجائرة ضد رجل مقيد إلى كرسي، أمام جمع يجلس ويتفرج ولكن في قاعة.

لا يحضر تاريخ العنف العنصري هذا وطقوسه الوحشية إلا نادراً في سرديّات التاريخ السائدة، ويغيب عن كتب التاريخ المدرسية لأنه سيشوش الأسطورة القومية عن أمة، صححت مسارها، وتسير قدماً إلى مستقبل أفضل. وتغيب بذلك رواية الضحايا في الذاكرة الجمعية السائدة وتنقطع فيها الصلة التي تربط ضحايا الماضي بضحايا الحاضر. لا يجد المرء قطعاً أو إشارات ولو بسيطة في الغالبية العظمى من الأمكنة التي شهدت طقوس العنف الجمعي. بينما تنتشر تماثيل قادة الجيش الكونفيدرالي الذين حاربوا من أجل إبقاء العبودية. وتحمل عشرات الشوارع والبنايات والقواعد العسكرية أسماءهم بخفة. وما زال الكثير من البيض يرفعون علم الكونفدرالية اعتزازاً بما يرمز إليه من تفوق عرقي وحنين إلى حقبة كان السيد (الأبيض) سيداً فيها. ليست مفاجأة أن يطالب المتظاهرون بإسقاط هذه التماثيل والرموز وشطب هذه الأسماء لأنها جزء من ترسانة العنصرية الرمزيّة التي تخنق الحاضر وتمعن في إهانة الضحايا.

يقال إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن السود في معظم الأحيان مدانون… حتى إشعار آخر. وأنا أكتب هذه السطور نفذ اثنان من رجال الشرطة في أتلانتا في ولاية جورجيا حكم الإعدام بريشارد بروكس بطلقتين في ظهره لأنه حاول الهرب بعد أن ألقي القبض عليه لأنهم وجدوه نائماً في سيارته وقد تجاوزت نسبة الكحول في جسده الحد القانوني. بدون محاكمة وعلى الملأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سنان انطون شاعر وروائي وأكاديمي عراقي يعمل أستاذًا للأدب العربي في جامعة نيويورك. أصدر روايات "إعجام"، "وحدها شجرة الرمان"، "يا مريم"، "فهرس"، ومجموعتين شعريتين: "ليل واحد في كل المدن" و “كما في السماء” التي صدرت عام ٢٠١٩. كما ترجم إلى الإنكليزية: "في حضرة الغياب" لمحمود درويش و"مختارات" لسعدي يوسف. كتب مقالات رأي في صحف عدة بينها “نيويورك تايمز” و“الغارديان» و"السفير"، وهو من مؤسسي موقع "جدلية".

*  عن موقع "جدلية" 16 حزيران 2020

***********

جونسون يعتبر بريطانيا دولة غير عنصرية لكن السود فيها يخالفونه

ميشا فرايزر- كارول

لم يتوقع جايسون أوساماد أوكونداي من لندن أن يرى صورته في الصحف صباح ذلك اليوم. إنه مجرد طالبٍ عادي في "جامعة كامبريدج". وقبل ليلة، تبادل مع أصدقائه تغريدات عن راشان تشارلز الذي قتل في 22 يوليو (تموز) 2017 إثر ملاحقة عناصر الشرطة له في شرق لندن وتحول موته مادة دسمة لتحقيقات "اللجنة المستقلة لشكاوى الشرطة". ومن دون أن يدري، أصبح أوساماد أوكونداي جزءاً من مجموعة متزايدة من الطلاب السود الذين شهّرت بهم الصحافة بسببب كلامهم عن العنصرية في بريطانيا الحديثة.

"كل ما في الأمر أنني نشرت تعليقاً عن واقع العنصرية في المملكة المتحدة، شدّدت فيه على ارتباط هذه الظاهرة بالطبقة العاملة وبمؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خارج لندن. وكتبت بالحرف الواحد، "كل أصحاب البشرة البيضاء عنصريون". وقصدت بكلامي أنه في إمكان ذوي البشرة البيضاء أن يكونوا عنصريين ويتصرفوا بعنصرية، بغض النظر عن ميولهم الجنسية وطبقاتهم الاجتماعية. وليلتها، اشتعلت احتجاجات شعبية وكل ما أردته فعلياً هو التصدي للعنصرية ودعم المحتجين".

وما هي إلا ساعات حتى اكتسحت صورة أوساماد أوكونداي، وهو يرتدي قميصاً فضفاضاً ويضع قبعة "سناب باك"، الصحف إلى جانب لقطات من الاحتجاجات وأعمال العنف والشغب الناجمة عن مقتل تشارلز. "يومها، اتهمتني الصحف الوطنية بالثمالة لأنني أبديت رأيي عبر الإنترنت". وقد تلقى تهديدات بالقتل والاغتصاب وعُيّر بالمثلية الجنسية أمام عائلته؛ "لقد كانت تجربة مخيفة حقاً"، يستذكر أوكونداي.

ومنذ مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس في 25 مايو (أيار) 2020، تعمدت مجموعة من العلامات التجارية والشركات المملوكة لأشخاص من أصحاب البشرة البيضاء، نشر تغريدات مماثلة لتغريدات أوساماد أوكونداي، لكنها لم تلقَ ردود فعل معادية أو عنيفة. كل ما في الأمر أن بعضها نُعت بالخبث والرياء. إذ واجهت شركة "لوريال" لمستحضرات التجميل، مروحة من الانتقادات لنشرها مربعاً أسود ضمن إطار حملة # ثلاثاء الصمت #BlackOutTuesdayبعد أن طردت الناشطة السوداء مونرو بيرغدورف في 2017 لقولها "الحقيقة أنني لم أعد أملك الطاقة الكافية لأتكلم عن العنف العنصري الذي يمارسه أصحاب البشرة البيضاء. نعم كل أصحاب البشرة البيضاء".

يوم الاثنين 8 يونيو (حزيران)، ذكر متحدث باسم رئيس الحكومة أن بوريس جونسون يعتقد بشدة أن بريطانيا "ليست دولة عنصرية". ويندرج كلامه هذا ضمن نطاق الدفاع المتعارف عليه بين المشككين بوجود العنصرية في بريطانيا الذين يعتبرون ظاهرة معاداة أصحاب البشرة السوداء "قضية أميركية بحتة". وفي نقاش حول الوحشية التي تمارسها الشرطة بحق الأقليات في برنامج "نيوز نايت" على قناة "بي بي سي" الأسبوع الماضي، سألت إيميلي مايتليس الشاعر جورج، "جهاز الشرطة لدينا غير مسلح وغير مزود بمسدسات. كما أن إرث العبودية لدينا مختلف... مختلف، أليس كذلك"؟

وفي ذلك الصدد، رأت نادين وايت، وهي صحافية متخصصة في النزاعات العرقية، إن العنصرية هي هي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكل مكان. وأضافت، "العنصرية ليست مشكلة فردية، بل مشكلة هيكلية وتديم أوجه عدم المساواة التي يلمسها أصحاب البشرة السوداء في كل جانب من جوانب حياتهم، من الرعاية الصحية والتعليم حتى القطاع العام وعمل الشرطة".

وبصورة عامة، يتعرض أصحاب البشرة السوداء بأكثر من الضعفين للوفاة أثناء احتجاز الشرطة لهم. وبحسب تقييم مستقل لأعداد المتوفين في عهدة الشرطة بين 1990 و2009، تبين أن 16 في المئة من الذين توفوا تحت وطأة استخدام القوة، هم أصحاب بشرة سوداء، ما يفوق ضعفي تلك النسبة بين المعتقلين. ويظهر أن تكتيكات الإيقاف والتفتيش تستهدف الشباب السود بشكل غير متكافئ، وهذا واقع لا تنكره وزارة الداخلية. ومع تعميم برنامج التعرف إلى الوجوه في أنحاء لندن منذ يناير (كانون الثاني) 2020 باعتباره وسيلة للتحليل الوصفي استناداً إلى العرق، بدأ العمل الشرطي في بريطانيا يتخذ منحىً أكثر عنصرية.

وحين قتل مارك دوغان على يد ضابط شرطة في توتنهام 2011، لقبته الصحافة البريطانية بالـ"سفاح" و"رجل العصابة". وفي هذا الأسبوع، رصدنا الأسلوب نفسه في الكلام عن حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter، حيث وُصف المشاركون فيها بـ"العدوانيين" و"الغوغائيين" و"المشاغبين" و"المجرمين" لمطالبتهم بالعدالة وإنهاء التمييز العنصري. وإذا قارنّا اللغة التي استخدمتها وسائط الإعلام لتغطية أخبار كل من ميغان ماركل وكايت ميدلتون، فسنجد فارقاً كبيراً، ما يعطي مثلاً واضحاً وصريحاً على العنصرية البريطانية. إذ شكلت الممثلة الأميركية محط انتقاد دائم لأسباب مختلفة، من تناولها الأفوكادو إلى مداعبة بطنها أثناء حملها. وقد اتسع نطاق هذه الانتقادات لدرجة أن قصر كينسينغتون أصدر بياناً يدينها.

وفي ذلك السياق، اعتبرت وايت أن العنصرية مستشرية في الهياكل والمؤسسات والأيديولوجيات البريطانية. ووفق كلماتها، "لقد غطّيت خلال مسيرتي الصحافية حالات كثيرة من عدم المساواة المنهجي، بداية من تلك المستندة إلى أساس العنصرية والتمييز العرقي في نظام التعليم (كتب مدرسية تروّج للعنصرية والتمييز على أساس ملمس الشعر)، ووصولاً إلى  مخاوف مستمرة في حزب العمال من ظاهرة كراهية الأفارقة".

وفي 2014، أظهر استطلاع رأي للمواقف الاجتماعية أن أكثر من 30 في المئة من البريطانيين يعترفون على الملأ بأنهم متحيزون "قليلاً". وفي 2018، وقعت "فضيحة ويندروش"، وشكلت تأكيداً على مدى تجذر هذه المواقف في العنصرية المنهجية الممارسة ضد ذوي البشرة السوداء. ليس أمراً مستغرباً. ففي سياق تلك الفضيحة، أشرفت وزارة الداخلية على تعرض مئات البريطانيين من أصحاب البشرة السوداء إلى استهداف خاطئ من قبل "جهاز إنفاذ قوانين الهجرة" في ظل سياسات حكومية "معادية". وفي النتيجة، مُنع عدد من كبار السن من العمل، وحُرم كثيرون من الحصول على خدمات حكومية وتقديمات اجتماعية.

وبعد مرور عامين على الفضيحة، تحلّ جائحة كورونا اليوم ضيفاً ثقيلاً على أصحاب البشرة السوداء. إذ بات هؤلاء عرضة للموت جراء الفيروس أكثر من أقرانهم البيض بأربعة أضعاف، كما أن معدل الاستشفاء في صفوف الحوامل المصابات بينهم هو الأعلى. ومع وفاة أكثر من ستة موظفين من أصل عشرة ينتمون إلى خلفيات سوداء وآسيوية وأقليات عرقية في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، يتضح أكثر من كل وقت مضى عمق العنصرية الهيكلية المتفشية في نظامنا للرعاية الصحية.

وبالنسبة إلى كيمبرلي ماكينتوش، ضابطة شرطة لدى مؤسسة "رانيميد تراتس" المعنية بالتمييز على أساس العرق، فإن سوء الفهم الشائع الذي يعتبر العنصرية "مشكلة أميركية بحتة" لا تمتّ إلى بريطانيا بأي صلة،  نظراً إلى الإختلاف الأكيد في إرث العبودية بين البلدين؛ مرتبط بشكل وثيق بالمناهج التعليمية المعتمدة. وبحسب كلماتها، "اعترفت وزارة التعليم في 2014 بأنها لم تكن على علم بعدد المدارس التي تُعلّم تلامذتها عن تجارة الرق واستعباد الأفارقة".

وتتابع ماكينتوش، "كيف عسانا نفهم حجم العنصرية في المملكة المتحدة إذا لم نقرّ ونعترف بدور بريطانيا في إطلاق تجارة العبيد وفرض الاسترقاق على مستعمراتها طيلة 200 سنة، ولم نعرّف الأجيال الصاعدة على الإرث الذي تركته لنا الأنظمة السابقة"؟

وكذلك تشير ماكينتوش إلى العبودية كمصدر أساسي للأيديولوجية العنصرية الحالية التي تنظر إلى أصحاب البشرة السوداء نظرة احتقار على اعتبار أنهم مجرمون أو متوحشون أو يشعرون بألم أقل. "في 2017، أجرت شركتا "ناتكين" و"رانيميد تراست" استطلاعاً كشفتا فيه أن 44 في المئة من البريطانيين يعتقدون أن بعض الأعراق تولد أكثر صلابةً وقدرة على العمل الشاق من غيرها، و18 في المئة يعتقدون أن بعض الأعراق تولد أذكى من غيرها. وإلى حين تصحيح هذا اللغط عبر منهجنا الأكاديمي ومَن نختار لإحياء ذكراه، فإن فقداننا الجماعي للذاكرة باقٍ باقٍ".

وبالنسبة إلى فكرة اعتبار بريطانيا دولة غير عنصرية، ترى وايت بأنها مثل آخر على استثنائية بريطانية تعجز عن الاعتراف بتفاعل التاريخ مع الحاضر. و"تشكّل العنصرية في المملكة المتحدة مشكلة مستمرة وغالباً ما تكون مستترة خلف قشرة رقيقة من الاحترام. ومن الوهم أن نظن بأنها متفشية في الولايات المتحدة من دون سواها. وبشأن حقيقة أن المملكة المتحدة "أكثر دولة متسامحة في أوروبا" و"أقل دولة عنصرية"، فإنها غير مهمة، ذلك أن العنصرية عنصرية وتمثل مشكلة مستمرة في المملكة المتحدة".

وبعد مرور 27 عاماً على وفاة ستيفن لورين وصدور تقرير ماكفيرسون الذي يفصّل عمق العنصرية المؤسساتية في بريطانيا، وعلى الرغم من ادعاءات السياسيين بانتقال المملكة المتحدة إلى فصل جديد يطوي صفحة العنصرية، لا يزال البريطانيون من أصحاب البشرة السوداء يصرّون على العكس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"اندبندنت عربية"  16 حزيران 2020

************

ص8

أحضن أسئلتي

 

 

أنمار مردان

-1-

 

العالم المنبسط على مصراعيه

مثل موت

لا يشبع

ولا ينزوي خجلاً ...

العالم مثل دائرة ( بابلو بيكاسو )

دائماً ما

يختصر رغبته العاطفية على نقطة في المنتصف.

-2-

 

أقرأ بشراهة مفرطة

عن تفاصيل خوفنا النتن من الموت

حملت كوكباً من المرايا على ظهري

عسى أن اجد وجه عزرائيل في قبور الموتى

الكارثة انني

لم أر شيئاً

هل هو حيوان منقرض ؟

-3-

 

انشر الخشب على صدري

كي أخدع الطيور على أشكالها

احصن أسئلتي من أجوبتها حين تثمل

لكنني أثمل بكيس دقيق ابيض

تخبزة أمرأة ريفية

في قرية نبي  جائع

********

أمكنة

الموصل .. من زهرات البابونك

الى الدمار والدم

محمود وسعيد..

محمود لأنه انسان يتملك هواجس إنسانية عميقة لا يملكها الا قلة من الناس. وسعيد.. لأنه يمتلك سعادة طاغية وهو يكتب رواياته وقصصه ودراساته العميقة، في وقت يكون فيه في أشد حالات المعاناة من الاوجاع والمرض والملاحقة والغربة والمنفى السقيم..

محمود سعيد، الموصلي الأصيل، يعرف تفاصيل مدينته الاثيرة الموصل.. حياً وشارعاً وزقاقاً واشخاصاً..

ذاكرته تجمع الأشياء كلها والصور في كمالها.

هنا.. من غربته يكتب عن جذر مدينته الموصل.

(المحرر الثقافي)

 

محمود سعيد – شيكاغو / خاص

أعرف أني لن أعود ثانية، لن أعود إلى حقول الفستق والتوت والرمان، ولن أرى مرة أخرى دوالي العنب، وأشجار اللوز والبندق، ولا قطعان الجاموس، أو الأغنام قادمة من المراعي كل يوم، لا أتذوق بعد اللحظة هذه قشطة القيمر، ولا اللبن الخاثر، ولا جبن الأغنام الذي لا مثيل له على وجه الأرض. لا وجود بعد اليوم لأطيب بقلاوة في العالم، ولا أفضل سجق، لن أعود لأني لا أجد بيتاً ولا حتى غرفة لي. دمّر القصف كل شيء يعلو عن الأرض، كل الأبنية عادت حطاماً، لم يعد هناك آجر، ولا مرمر، ولا أعمدة من رخام ملوّن، لا أستطيع أن أتمشى وسط حقول لا نهاية لها من ورود الأقحوان الصفر، أو زهرات البيبونك الأبيض، ولا حتى شقائق النعمان. هل سينبت النرجس والقرنفل والورد الفواح في ساحات المدينة مرّة أخرى، مع الكراث الطبيعي؟

لم تعد المدينة قائمة، قذفت بعشرة أضعاف القنابل التي دمرت برلين في الحرب العالمية الأخيرة. كانت الموصل في الجانب الأيمن فقط، بعد الخمسينات بني الجانب الأيسر. لم يبق من الجانب الأيمن إلّا مجموعة أنقاض لا يعلو منها فوق الأرض سوى أكوام من الحجارة والآجر، لم يعد هناك عمارات، بيوت، مخازن، حتى شوارع، أصبحت المدينة غابات من ركام وتلالاً من حديد معقوف كشعرات شيطانية سوداء في كل اتجاه.

كتبت عن موصل الجانب الأيمن، رواية كاملة. ذكرت في روايتي أسطورة يرويها العجائز، عن قطعان من الذئاب هاجمت المدينة، في ليلة باردة جداً، التهمت كل شيء أمامها، ولم يوقفها سوى أحد المتصوفة وقف في طريقها فأنقذ المدينة، لكن لم يتصدَّ أحد للذئاب البشرية الآن، فانتهت المدينة بالكامل .

قبل أشهر كتب الصحفي المشهور James Verini  كتابا عن الموصل بعد قصف التحالف:

 they will have to die now

ووصف كيف تجمع أعداء المدينة كلهم، على تدميرها، وأنهم كانوا كالذئاب الذين وصفتهم في كتابي.

مئات الآلاف دفنوا تحت الأنقاض، اصبحت البيوت كلها قبوراً لأهلها، أصبحت طائرات العالم كالعقبان لا تفعل غير نهش جثث جريحة لا تستطيع الدفاع عن نفسها.

 قصدت البيت الذي ولدت فيه، قبل 78 سنة، البيت ملاصق لجامع باب جديد، بقي في ذاكرتي كل شيء عن الجامع، بابه الحديد العريض، المنارة، القبلة المزخرفة، حائطه الملاصق لبيتنا، حتى صورة المؤذن وأنفه الضخم، أتذكر طائرات الحلفاء الحربية تطير من فوقه، ربما كان ذلك سنة 1944، في الطائرات دوائر حمر في وسطها بؤرة رمادية مدوّرة، سمعت بعدئذ أنها كانت تذهب إلى طهران، وموسكو،.أصبح البيت، الجامع، المئذنة، بيوت الجيران، كومات حجارة وأسياخ حديد.

أجمل ما في المدينة ساعة كنيسة اللاتين، والمنارة النورية، الساعة كبيرة فاخرة يسمع صوتها في معظم المدينة، أهدتها زوجة نابوليون الثالث "الفرنسي"، لبعثة راهبات اللاتين، آه كم كانت رسوموات الكنيسة في الداخل جميلة! وجوه الملائكة والطفل أسرني. وصفتُ ذلك في رواية أخرى. دخلتها كنت في الابتدائية، مع صديقي توما، لكنه لم يرافقني بعدها قط، يهتف بي غاضباً: إذهب وحدك. الكنيسة تجاور أشهر جامع في الموصل، شقيقة صغيرة يرعاها أخوها الكبير، منارة الجامع حدباء، أعلى منارة في المشرق العربي، محدودبة فوق منارة الكنيسة كأنها تحرسها، لا يوجد في العالم كله نقوش رائعة في منارة كما في المنارة الحدباء، رأيت شبيها لها في المغرب، لكن بحجم أصغر. عندما أصادف في طريقي كومة أنقاض أبتعد وأسد منخري كي لا أشم رائحة من قُتل تحت الركام. لم تقم السلطة بإزالة الأنقاض ودفن الجثث، يقولون ليس عندنا مخصصات. إذن  كم سيبقى الركام يجثم فوق صدور الضحايا؟ كان عليّ زيارة ما تبقى من اسواق المدينة التاريخية "سوق العتمه ي"، باب الطوب، باب السراي، باب البيض، باب... الحدائق، السينمات، المدارس المشهورة، الجوامع بقبابها ونقوشها الفاتنة، المكتبات التي قضيت فيها مراهقتي وشبابي. أدركت أنني سأزور ركاماً برائحة القتلى، ركام بخلايا إنسانية كانت وستبقى تئن إلى قيام الساعة. اقتربت من الثمانين، وشاخت مدينتي معي، وانتهت تحت القصف، وسأنتهي أنا أيضاً بعدها.

عند زيارة الجانب الأيمن، في الموصل،

ورؤية جرائم داعش وقصف التحالف.

تشرين الثاني.2017

خطوة..والموت

الطّفلان قربهما على حشيّة، في الظّل، قدّرا أن شمس آب ستصلهما بعد ساعتين. رفضتْ أن تنزل إلى السّرداب، نظرت إليه بعينين مذعورتين دامعتين: السّرداب قبر، مظلم، رطب. إنزل إن شئت، أنا لا، أتمزّق هنا كالآخرين بالقصف، حين يأتي القدر، خير من أقبر نفسي وأنا حيّة.

"قدرنا معاً، لن أنفصل عنك".

ارتجّ الكون كلّه، لم يشعرا إلّا وهما يخطفان الطّفلين المرعوبين من الأرض، يتعانقان، يرميان نفسيهما حول بعضهما، يصبح الجميع جسداً واحداً. كانا يجلسان على حشيّة وسط الحوش، بعيداً عن أيّ جدار بمسافة كافية تحميهما إن انهار الحائط. وضعا الكراسي في الغرف، جلسا على الأرض، منذ ثلاثة أيام يتحينان فرصة للهروب إلى نقطة اِسعاف على بعد مئتي متر فقط. لم يخرجا ليريا ماذا بقي سالماً من بيوت الجيران. يحسّان بضعف شديد، لم يتناولا أيّ شيء منذ أيام. الطّفلان يبكيان، وضعت طه قرب أخيه في حجرها، قال وهو يعاني صعوبة بتحريك لسانه من العطش: لو عندك قطعة من الململ لاستطعت تنشيف خزان الماء، لعلي أحصل على بضع قطرات ماء.

"وماذا عن قناص داعش، في بيت أبو أمجد، إنّه في العليّة، يسيطر على دروب "الثّلمي" بكاملها.".

"إن كان بالعليّة، فسيحجز بيننا الحائط الشّرقي، وإن تحرّكتُ بحذر سلمت".

"أجيء معك".

"لا، الطفلان يبكيان، جائعان، عطشانان، لا تتركينهما وحدهما، يستطيعان صعود الدرج زحفاً وراءنا، سنة وثلاثة أشهر، هما في غاية الضّعف من الجوع، إن سقط أحدهما من ثلاث درجات مات. أذهب وحدي".

وضعت التّوأمان قرب بعضهما على الحشّية، ودخلت الغرفة، ثم خرجت وبيدها ابريق الشّاي الصّيني، وقطعة بيضاء من الموصلين مطويّة.

"اذهب، سأدعو الله لك".

ابتسم بألم: "نعم، ليس بيدنا غير الدّعاء".

أخذت تهزّ الطّفلين في حجرها، وهما يبكيان، ثم رفعت يديها ووجهها نحو السماء، ودعت بقلب محروق وهي تبكي:يارب عَظم البلاء،واشتد ظلم الأعداء،وضاقت الحياة بنا،وأنت الأمل والرّجاء،أرحمنا برحمت كيارب.لم تهدأ، كانت تنتفض ودموعها تخرّ، وهي تمسحها بكفها، ثم تعيدها لتسند بها رأس أحد الطّفلين.

التفتتْ نحو الدّرج متلهّفة، حين سمعت صوت أقدامه نازلاً، لكنّها استدارت نحو اليسار رغماً عنها باتجاه الانفجار الشّديد: هل حصلت على كثير؟

وضع الإبريق على بعد قدمين منها، ثم اسرع يترنح من التعب، نحو المطبخ، جاء بملعقة وصحن. اجلست التوأمين بين ركبتيها، وهي تراقب الملعقة بما فيها من ماء، ترجّت: "دير بالك وأنت تسقيهما كي لا يُبددان الماء بحركة طائشة".

"لهذا جئت بالصّحن".

شرب طه، لكنّه ظلّ يبكي، وهو يحرّك يديه نحو الإبريق. لكنّ أباه سقى أخاه، وأمّه، ثم وضع آخر ملعقة في فمه.

ابتسم: قياس بالتّمام.

ابتسم لأوّل مرّة منذ لا يتذكّر: يا لها من مصادفة.

ابتسمتْ: إنّه دعائي، وسأدعو مرّة أخرى.

نظرت نحو السّماء: ، اللهم فرّج همنا،واكشف غمّنا ياربّ.

سمعا خرخشة في الباب على بعد بضعة أمتار. فتحت عينيها مذعورة: ما هذا؟

"لا بدّ أنّه هوش، نظرتُ إلى الشّارع، رأيت في فمه قطعة خبز بحجم الكفّ".

"لماذا لم تقل.سآخذها منه، هو يألفني، لطالما داعبته، وأطعمته".

"أخشى أن يعضّك"

تجاهلته، هرعت إلى الباب، فتحته قليلاً، نبرت بصوت رقيق: "هوش حبيبي تعال". أدخل الكلب قليلاً من رأسه، وفي فمه كسرة الخبز. أسرعت ضربتها بقوة أسقطتها من فمه، دفعته، أغلقت الباب. ابتعدت بخفّة. تلمع عيناها انتصاراً. علا في الجو دفقة رصاص، أصابت أسفل الباب، والعتبة المرمر، بينما سمعت أصوات طلقات أخرى مكتومة تنقر الحائط. مع صرخة نباح ألم شديد من الكلب المصاب.

نظرت إلى زوجها بعينين مغموستين بتأنيب ضمير شديد، ظنّها ستبرر عملها، لكنّه لم يسمع شيئاً. فتح التوأمان أعينهما فرحين بالخبز. تساءلت: هل ينقل الكلب أيّ مرض؟

"لا، إلّا إن عضّ وجرح".

"الحمد لله". اتسعت عيناها باهتمام وهي تنظر إلى زوجها شاكية: الخبزة قويّة كالعظم.

رمتها إليه، تلقفها، حركها ليكسرها، قال: نعم، قطعة حديد.

بكى الطّفلان وهما يمدّان إيديهما نحو الخبزة، ووضع أبوهما طرف الكسرة في فمه، فاستعصى قضمها. قالت: الله وحده يدري أين عثر عليها؟

ثم هتفت: ألم يبقَ في الخزان بضع قطرات لننقعها؟

"لا".

"كيف سنطعمها الطّفلين؟".

"دعيني انظر إلى بئر الحديقة، فلعلّ شيئاً من الماء نبع.

مشى متعباً، شبه راكع. رجع، قال بصوت جاف مبحوح: الحفرة يابسة، لا قطرة ماء، ليس أمامنا سوى أن تبولي عليها".

صرخت مستنكرة: "ننقعها بالنجاسة؟"

"خير من أن يموت الطّفلان، الضّرورة تبيح".

"لا، لن أبول عليها".

"حياة أو موت، أنا أفعل".

نهض، لكنّ قصفاً آخر جعله يرتفع، يفقد توازنه، ثم يقع، هتفت متفجعة: هل أصبت؟

"لا".

أدار ظهره إليها. التفت بعد دقيقتين، قال يائساً: لم تنزل مني قطرة بول واحدة، إن بقينا كذلك سنموت كلّنا خلال يومين، لا نستطيع أن نقاوم العطش أكثر.

"ولا الجوع". نظرت إلى السّماء بتضرع: اللهم ارحمنا بالفرج، وأبعد عنا اليأس، يا أرحم الراحمين.

" كل هذا، ونحن في آب".

نهضت: سنخرج بعد قليل، مهما كانت الظّروف.

لوّحت بقطعة الخبز: سأطحنها، لتذوب بفمهما، ولعلي اخلط الدّقيق بالمنوّم، لن نستطيع تنفيذ خطّتنا إلّا به.

ردّد: نعم لا بدّ من الخروج.

اقترب من الطّفلين، وضعهما في حجره، هدهدهما، آنذاك سقطت القذيفة الحافرة، ارتفع الجميع بالرّغم منهم نصف قدم، ثم هووا، كاد الطفلان أن يسقطا من حضنه، ارتمت عليه فوقع على ظهره، فاجأهما هدير مئة قطار يحتلّ الكون، أحسّا بأنّهما يدوران حول نفسيهما. لهث: الحمد لله وقع رأسي على الحشيّة، وإلا جرحت. ستمحو القذيفة كلّ شيء في دائرة محيطها مئتي متر. أحسّ بالصّمم يكاد يفجّر رأسه. صرخ الطّفلان بأقصى قوّتهما. انتهى الانفجار بتفرقع أخف. استمر صراخ الصّغيرين. قبل أسبوع رأى حفرتين الأولى عمقها في الأقل عشرة أمتار، وقطرها نحو عشرة أخرى. أحالت جامع الشّيخ محمد إلى ركام. ترى أين سقطت هذه؟ لا شكّ أنّها قرب مركز باب الجديد، هل نكبت بيتاً واحدا أم عشرات البيوت؟ من يدري!

خرجت من المطبخ وجهها مخطوف وهي تقول: عثرت، كدت أسقط، كاد ما طحنته أن يتبدد، لطفك يا ربي!

حضنها بحنان، توسّل: بولي عليه إن استطعت، لا يستطيع الأطفال أن يأكلاه هكذا، سيختنقان، إنّهما يتضوران مثلنا، رجاءً.

"سيتسمّمان".

"البول لا يسمّم، افعلي رجاءً"."حسناً، أمري لله".

قرفصت وهي تدير رأسها، هتفت بتضرّع: يا ربّ عفوك.

بدأت تطعمهما قليلاً، قليلاً والأمتعاض واضح على قسماتها. أخذ، يمسح دموعها بحنان، قال وصوته يتهدّج بحزن: "يا ليتني سمعت كلامك فهاجرنا بعد الزّواج".

التفتْ إليه غاضبة: "كم مرّة قلت لك لا تندم على ما فات، النّدم حرام، إحمد لله!".

وضع كلّ منهما طفلاً بحضنه، وأخذ يهدهده، حتى ناما. وضعت عباءتها على رأسها، وتنقبّت، لم يعد يظهر سوى عينيها، قالت: هيّا.

اتّجهت نحو الباب بخطوات واهنة، هتف بعصبيّة: أتريدين أن تموتي؟ اين قتل الكلب قبل ربع ساعة؟

أخذا يصعدان الدّرائج، يحمل كلّ منهما طفلاً، وهما يلهثان. قال: تحرّكي بهدوء، لا طاقة لدينا، حاولي أن تخفضي رأسك.

سار أمامها، وإذ شاهدها تكاد تنهار من التّعب، أشار إلى السّتارة: إن هي إلّا خطوتين، أرتاحي تحتها.

إتّكآ على الستارة وهما يلهثان، لفّ ساعده الأيسر، عانقها، وضع خده على خمارها: قال بعد أن قبّل الخمار: تمنيت لو استطعت حملك.

"الحمد لله".

الحائط مهدوم نحو مترين في الأعلى، عبر، اخذ الطّفل: "اعبري الآن".

تلقاها كي لا تتعثّر بالآجرّ المتهدّم بقصف الطّائرات. مدّ يده كي يساعدها لتخطو فوق الحطام، لكنّها ما إن وضعت قدمها حتى دوت الرّصاصة. أحسّ بها تسقط مع صرخة عظمى، قطرات ساخنة تبلّل وجهه، النقاب يطير مع جزء من شعرها الأسود الفحم، الذي يحبه. الدّم يتدفّق صنبوراً قانيا. جبهة محفورة. من دون شعور صرخ: "الله، الله". وضع طه فوق ياسين على ساعده الأيسر. تلقاها بذراعه الخالي كي لا تسقط. أصبحت ثقيلة. تنفسها أشبه بشخير عالٍ. لم يستطع حملها. سحبها بيد واحدة. جلس ودموعه تسحّ بغزارة. هي بين ذراعيه مع طه وياسين. أدرك أنّ عليه أن يتحرّك. لو وضع الطّفلين في الّشمس سيموتان من الضّعف ولهيب الشّمس. تذكّر أن هناك ظلّ شبه دائم بين خزان الماء والحائط. انتزع عباءتها وهو يبكي. أسرع بالطّفلين، وضع العباءة تحت رأسيهما في ظلّ الخزّان. حملها، كانت يداها، ورجلاها ترتعشان بشدّة. دموعه تسيل بالرّغم منه.تكاد تعميه. نزل بها. يهتف من دون شعور: لا تموتي. لم يستطع تركيز النّظر، لكنّ شيئاً ما من جلدة رأسها المفتوحة، اقتحم عينيه، مع فقاعات بيض علت على جرح، فوق عظم أبيض. صعدت الحموضة إلى فمه، كاد يتقيّأ. همدت حركتها، جلس على آخر درجة، وهي في حضنه. دموعه تتساقط على صدرها. بدا وجهها جميلاً بالرّغم من شحوبه، فمها مفتوحاً، لم ينظر إلى الجرح. تذكّر الطّفلين في السّطح. أراد أن يحملها إلى الحفرة، لم يستطع. أمسكها من يديها، سحبها. رأسها يتأرجح. شعرها يمسح الأرض. أشعة الشّمس قويّة كجهنّم فوق البئر، انزلها. هوت. ساقاها في الأسفل. نهض، وهو يلهث. أراد أن يسرع عبثاً، لم يجد قوّة تمكّنه. صعد يترنّح. "الحمد لله لم تصلهما الشّمس".

حملهما بصعوبة، وجه أحدهما مصبوغ بالدّم، بينما انتثرت قطرات دم على جبين الثّاني، وأعلى أنفه. قبل ان ينزل دوت رصاصة القناص ثانية، نقرت الحائط قربه. احنى جسده بردة فعل طبيعيّة سريعة. نزل، جلس على آخر درجة وهو ينهج، نظر إلى وجه الطّفلين، أخذ يمسح الدّماء المتيبّسة بخمار زوجته. سحب الحشية، إلى اعماق الظّل، مدّدهما بعناية. دموعه تنقع وجههما. توجّه إلى الحفرة، القى جسد زوجته، بعناية في عمق ثلاثة اقدام، أخذ المسحاة، بدأ برمي التّراب فوقها بضعف شديد.بكي بصوت عال: يا إلهي عونك! ماذا فعلنا؟

حمل الطّفلين، أحسّ انّهما ثقلا. كانت يسراه تؤلمه بشدّة، حاول ان يسرع عبثاً ليعبر الشّارع. يتوقّع الموت. سمع رصاصة رجّته، لم يشعر بألم. أين أصابته؟ رجع إلى البيت. ما إن دخل حتى تلاشت قوته، جلس على الأرض يلهث. رأسه يدور. تنفّس بعمق. "تمالك نفسك. لا تدع المصائب تقتلك. لأنقذ الطّفلين". أحسّ ببلل تحت الطّفل المحمول بالذّراع الأيسر.رفعه رآه يقطر دماً، فوق أخيه، وضعهما على الأرض. ذهب إلى الحفرة، تلاشت قوّته. رجع تناول الطّفل، وضعه في الحفرة. فوق ما بدا له أنه قبر أمه، أخذ يهيل فوقه التّراب.

خطر بباله شيء، دخل الغرفة، تناول قمصلة جلد ثخينة، أحسّ بألم ذراعه الأيسر يلسعه كرجة مسّ كهربي، حين ارتداها، تمدّد على بطنه، في الشّارع، وضع الطّفل على ذراعيه كما يحمل الجنديّ سلاحه. بدأ يزحف ومرفقه الأيسر شبه مشلول من الألم، وصل نصف الشّارع، تفادى الرّكام في الوسط. دوت رصاصة يميناً، حفرت الشارع قرب وجهه، شم رائحة القير. مرّ بجثة الكلب، ينظر اليه بآخر ومضة حياة. أزّت أخرى فوق رأسه، ثالثة إلى اليسار، استمرّ يزحف بدأب. الرّصاص يترى حوله. "يا ربّ اقتلني وانقذ الطّفل". لم يصدّق أنّه وصل الرّصيف الثّاني من الشّارع سالماً. معجزة. ايّ معجزة. لا يغامر القناص بالنّزول لقتلهما. جلس بضع ثوانٍ يستريح. إن هي إلّا بضع دقائق فقط حتى نقطة إلاسعاف.

رأى بعد دقائق أحدهم. ارتفع صراخه محذراً: التزم الحائط. لا تنزل إلى الشّارع. تناول أحدهم الطّفل. رأى قنينة ماء بلاستيك، اختطفها، أنهاها في جوفه. أحسّ بموجة حوامض تقتلع أحشاءه، تقيأ بعض الماء. جلس في مكانه على الأرض. رأسه يدور. شاهد أحدهم ينزعه قمصلته، يسحبها، يسحب روحه معها من الألم. الدّماء تخرّ منها. "أنت مصاب بذراعك".

أهو يتكلّم معه؟ رأسه ثقيل، يدور. فقد وعيه. فتح عينيه. كم بقي؟ لم يسأل. وجه باسم، يطلّ عليه: داوينا، خيطنا الجرح. ستشفى. تقدّم وجه آخر، تساءل: متى قتل الطّفل؟ لماذا أتيت به وهو ميت؟ لم يعِ الكلمات الّا بعد تكراراها، مراراً.

"من ميت؟"

"الطّفل؟"

قربّ الرّجل الطّفل منه، يلوّث الدّم وجهه، جسده. ساعداه يتدلّيان. ثوبه ينحسر حتى ركبتيه: إلمسه بأصابعك، جسده بارد.

هتف: ابني ياسين حيّ، غير ميت. اعطيناه منوّماً كي لا يصرخ، فيسمع القناصون.

"هو ميّت. حاولنا شتى الطّرق لأيقاظه. المنوّمُ يتنفّس، طفلك لا".

تسمّرت عيناه على لا شيء وهو يفكّر، تمنى أن يموت هو أيضاً، فجأة اعتدل، بلوثة جنون صاح بأقصى صوته: يا ويلي، يا رب السّموات. دفنت أخاه الحيّ مكانه.

أخذ يضرب رأسه بكفيه وهو يصرخ ويبكي، والرّجلان ذاهلان. لا يدركان ما يقول.

***********

ذاكرة

فيصل لعيبي.. التصوف لوحة

منصور البكري- برلين / خاص

"بصمات متفردة، وعطاؤه زاخر بالابتكار والاكتشاف والاحلام كذلك. فيصل لعيبي.. هو ذاته لوحة استثنائية لا يمكن ان تماثلها لوحة اخرى.. لذلك صارت معارضه من اكثر الظواهر الابداعية تألقاً وحضوراً بوصفها تكتنز بعقل خصب ورية جمالية باذخة في دهشتها وعوالمها النادرة" (ثقافة).

لم تتوقف رحلة الفنان فيصل لعيبي الإبداعية لحظة على الرغم من ألازمات السياسة والغربة التي عانى من مضايقاتها فنيا وإنسانيا، لكنه لم يغض النظر لحظةً عن فلسفة التوأمة بين أهمية العلاقة بين الفن والحياة والتي تتطلب الحفاظ على مسألة التواصل مع الزملاء وألاصدقاء وعلى المستويين الحرفي والشخصي لبلوغ الفن التشكيلي مستوى الإرث الثقافي والحضاري لمجتمعه والإرتقاء بمسؤولية الوقوف للدفاع عن قضاياه الوطنية.

قبل أيام حلت الذكرى الـ( 50 ) لأول لقاء تعارف بالفنان التشكيلي القدير فيصل لعيبي. خمسة عقود مرت وليس من مفر للحديث بهذه المناسبة عن سرديات حرفية وفكرية وسياسية، هموم الوطن والثقافة وذكريات ومشاعر جمعتنا.. فالعلاقة بالفنان فيصل كانت ولاتزال موضع اهتمام، جانب كبير منها مليء بالكثير من اللقاءات والنوادر الممتعة.. هي سفر فنان مثابر، كانت ممارسته للفن التشكيلي منذ البداية تتوج بنجاح معارضه العديدة والفريدة، ذات الدلالات الفنية المميزة من ناحية الشكل والمضمون والأسلوب. أسلوبه الفني الرفيع، أصالة ومستوى، جعله في وقت مبكر قبلة رواد الفن من عراقيين ومحبين.

أعماله تمثل بحق الفن العراقي الأصيل. مستلهماً أو مكملا لمنهج جواد سليم بوصفها مدرسة تشكيلية عراقية معاصرة، اللون وطعم بيئة المكان الذي نعيشه حاضراً، من تراث وادي الرافدين بأكمله، مرورا بالواسطي وألف ليلة وليلة (نحت ورسم وأساطير وشعر ونثر) متنقلاً بين فرائد الفن العباسي ضد حالة الجمود السائد، يكشف النقاب تراثياً عن سميائيات اللغة وأهميتها في فن الرسم في وادي الرافدين التي لازالت حضارته العتيقة تمدنا بالرقع الأثرية كالصحون والطاولات والصواني وطرق تقديم الأطعمة. وهذا يحسب للفنان لأنه حاول التفرد من منظور ،عبرت عنه المدرسة البغدادية بشكل مثير، ينسجم تماماً مع أسلوب رسمه بشكل واقعي بهيج. 

كان من مؤسسي الرسم للأطفال وأفضل رسامي العراق ،الذين أبهرت أعمالهم وطرق رسمهم للسيناريوهات والأغلفة الكثيرين,

وقد سافر خارج العراق بسبب الوضع السياسي المزري في البلد ودكتاتورية السلطة السابقة وأصبحت الهجرة إلى الخارج ضمانا للحفاظ على ألارواح.

فيصل العيبي أصبح قدّيساً للفن العراقي.

يرسم بالحبر والفحم وبالألوان المائية والزيتية والأكريلك ومازال يتواصل .

***********

ص9

كتب وكتاب/ محور خاص

 

على الرغم من انتشار الكتب الالكترونية، الا ان الكتب الورقية ما زالت موضع اهتمام القراء والكتاب معاً.

ولأن الكتب زاد معرفي وذاكرة إنسانية دائمة الحضور، ارتأينا التعريف بالكتب الجادة والجديدة، بهدف إيجاد نوع من التواصل الدائم بيننا وبين القراء والكتاب على وفق زاد الكتب الأكثر تأثيراً واهمية ومتعة في حياتنا.

 

(المحرر الثقافي)

***********

"مقهى سقراط"

ونقد التجربة العراقية

عبدالحسين بريسم

صدر عن اصدارات رابطة البديل الثقافي في ميسان كتاب  "مقهى سقراط" – مراحل تدمير المعنى – نقد السوسيو ثقافي في التجربة العراقية  للشاعر والناقد جمال جاسم امين  وهو دراسة ثقافية جاءت في 185 صفحة من القطع المتوسط وضم العيد من الدراسات اضافة الى مقدمة بعنون مقهى سقراط  كوميديا المعنى وخاتمة جاءت بعنون – ملحق – الاصولية الجديدة – صورة الشرق المعاد  قراءة معرفية  يعد الشاعر والناقد جمال جاسم امين واحد من اهم الشعراء والنقاد في العراق لما قدم منجز على صعدي الشعر والنقد وعلى مدى اكثر من عقدين من الزمن شاعر عبد طريقه الشعري بكل ما هو مغاير وبصامته واضحة منذ سعادات سيئة الصيت والى غابة الصمغ اضافة الى طروحات ومقالاته النقدية المصاحبة لمنجزه الشعري وكتابه مقهى سقراط يعد تواصلا مع بديله الثقافي

يقول الكاتب في تمهيد مقهى سقراط ان هذا الكتاب ياتي في سياق سلسلة اصدرتها قبل الان وهذا اشارة الى خاصية التواصل بين موضوعها والاهداف والمقاصد الفكرية التي تحمل روح المشروع لا يمكن ان يستوعبها الكاتب عبر كتاب محدد  لذلك اجد ان الشاعر والكاتب هنا جمال جاسم امين يواصل مشروعة ومنجزعة الابداعي على عدة مستويات منها الشعر بالاساس والنقد بعده ثم الكتابة في التنظير والمشاهدة والتشخيص والتصويب وثقافة بد يلة

وهنا نطرح عدة اسئلة في الثقافة البديلة وسوف نرى هل اجاب عنها مقهى سقراط وجمال جاسم امين في مقهى بالاساس هو = مقر – للمطيرجية- وما هي العلاقة بين هكذا مقهى وبين ثقافة بديلة ومتغيرات جوهرية حدث في العراق ليس اخرها سقوط النظام الدكتاتوري والعسكرتاري وماجرى من تحولات عظمى بعد عام 2003 ان التحولات الكبرى في الثقافة العراقية والتي لا تماثلها تحولات في  الثقافات المجاورة  وربما هي المحور الذي تدور حوله كل منتجات الثقافي في المحيط الاقليمي العربي  

يحتوي مقهى سقراط للشاعر جمال جاسم امين على ابواب تصب في نقد السوسيو ثقافي العراقي على محاور عده منها

1-مقهى سقراط كوميديا المعنى 2- منحى اجتماعي سكاني

جدل الجغرافيا وتناشز الامكنة 3- فساد السياسة ومتطلبات البناء الثقافي 4- منحى اقتصادي 5- الانهيار التسعيني في العراق 6- بين الاحتلال والتحرير ازمة انتاج المعنى 7- نقد التجربة الاصولية 8- ازمة الاصلاح الديني 9- ازمة الاصلاح بين الاجتماع والسياسة 10 –افق الثقافة ومشكلاتها 11- الاصلاح التكاملي 12- مقال محلق قراءة معرفية

ان اغلب ماجاء في مقهى سقراط يصب في تصويب بعد حدث في بنية الثقافية العراقية بعد عام 2003 وما يراه الكاتب انه البديل الذي يجب ان يكون وعلى معلومات بحث عنها الكاتب وارد ان يدلو بدلوه فيها والهدف هو التصويب والتعريف يقول جمال جاسم في محور – الحرية مفهوم لا يتجزا

- قبل ان نسال عن حرية المثقف ينبغي ان نسال عن حرية المجتمع لاننا ببساطة لا نستطيع ان نتصور مثقفا حرا في مجتمع مقيد او مستعبد الحرية مفهوم لايتجزا  نمط حياة متكامل وثقافة مجتمعية تسود وتنتشر بدرجات متساوية ص 133

وهنا السؤال هل يعمل المثقف على نشر فكر الحرية من خلال انتاجه الثقافي ومنجزه الابداعي ام ينتظر ان يعمل المجتمع على خلق فضاء حرية ياتي المثقف ليجلس على طاولة حرية صنعها الاخر  يقول جمال جاسم امين عن موضوعة البديل الثقافي

-

ان البديل الثقافي خطاب يحتاج الى مجلة بمعنى ان اصدار المجلة كان بفعل الحاجة لترويج واعلان الخطاب وهو امر طبيعي ، المجلة وحدها تظل عائمة ما لم تنطلق من رؤية جديدة تتبناها و تدافع عنها وبالفعل كنت احرص من خلال مقالاتي الافتتاحية بوصفي رئيسا للتحرير ان اثير الاسئلة الحيوية في خطاب و مفهمة الاستبدال الثقافي واظن انني على مدى سبعة عشر عددا حاولت ان اغطي الكثير ، واجمالا اقول : ان مشروع البديل لثقافي يحتاج انشطة و فعليات متعددة واحدة منها المجلة التي نحن الان بصدد الحديث عنها وبالفعل اقيمت اكثر من ندوة حوارية نقلها الاعلام المرئي و المكتوب كان الهدف منها توسيع فضاء تداول الفكرة واغناءها بالجديد في كل مرة .

ان منجز جمال جاسم امين "مقهى سقراط"  هو تصدي من اجل معالجة عطل الثقافة في العراق من خلال عبور مهمة المثقف التقني الى النقد الثقافي – نقد السياق الاجتماعي الثقافي

وكما يقول الكاتب نحتاج الى استبدال لغة الشكوى بالكشف  الانتقال من جاهزية التبرير الى مساءلات نقدية جادة

واخير ان كتاب مقهى سقراط كتاب جدير بالمناقشة قبلها المتابعة والقراءة الجادة لما يحتوي من تساولات تنهض بالاجوبة التي نحتاجها من اجل ثقافة فاعلة رصينة

***********

" كوبنهاغن مثلث الموت":

توثيق للمآسي العراقية

سعيد غازي الاميري

يجود علينا الروائي حسين السكّاف بنص روائي جميل، سلس، مُتقن التسلسل، خالٍ من الاطناب حيثُ الحقيقة تمتلك تزويقها ذاتيا.

تشم في السطور نسائم روح المحمودية؛ مَصيف بغداد في ايامها الخوالي، المترع بالخضرة المتناغمة مع حفيف سعف النخيل المتشابك العروق وهي تنهل ماء دجلة والفرات على السواء، أجواء تسمعك طرب البلابل المتأتي من لذة تمر بساتينها.

احداث الرواية تتحدث عن الفترة التي تلت احتلال العراق بعام تقريبا، وأحسب الكاتب قد سجل سبقاً أدبيا مؤثراً لأرشفة الدمار الذي حط على العراق والعراقيين في وقت مبكر، في وقت كانت الكثير من القوى السياسية والأشخاص يتمنون خيراً من حكومات ما بعد الاحتلال. تَفرِدُ الرواية مساحة منسابة سلطت الضوء على سادية فلسفة البعث في الوصول للحكم.  إذ كيف نشطت فلولهم بتحالفها المُمَهد له مع عصابات متطرفة؛ سخروا لها الأموال المنهوبة وجندوا لها كل ذي عاقة ذهنية او عقدة اجتماعية، حتى البغايا والشواذ جنسيا؛ ولنا في اختطاف بطل الرواية " علاء وزوجته الدنماركية كميلة " والذي تم عبر وشاية من قبل ابن خالته المعروف بشراهة شذوذه الجنسي.

خيّل لي أن الكاتب هو ذاته شخصية بطل الرواية  لكثافة اختلاجات نفس علاء في سطور الرواية وبخاصة في حفلات التعذيب السادية  لزميل طفولته على مقعد الدراسة  في الصف الأول الابتدائي" حميد أبو القمل" تلك كنيته والتي  انتقم  لأجلها قتلاً من براءة الطفولة؛ مضافاً لها التراكم من شدة الحنق المضمر بسبب التميّز الاكاديمي  لعلاء المتسق مع ميوله الوطنية المؤمنة بالحرية والعدالة ، بالمقابل فهو المتدحرج في سلم التدَني الفكري تلازما مع الفشل الدراسي  في بلدٍ مشبع  في الفقر والتهميش  المجتمعي وبخاصة الريف، و حميد أبو القمل يمثل نموذجا لطفل الريف البائس في تلك الحقبة، كل السنوات لن تشفي غيضه من كنيته، بل ظلت تلازمه؛ ذلك النائب ضابط" البعثي" المتحول الى ضابط دمج بقرار من الطاغية ومن ثم ضابط مخابرات شعبة الخارج ، ليعود بعد الاحتلال نافذا  بشراسة عبر فوضى التكالب على الحكم .

المحمودية في الرواية تحولت الى بركة دماء، الذباحون، شلة من الاراذل وهم يلتقطون الانقياء قتلاً، خطفا وتفجيراً بشكل ممنهج، واخر مشهد روائي مؤلم يُكرَس لهمجية قتل المضمد " مكوى الملابس لاحقا" سعدي جبار، كادح يساري الهوى، محبوب شعبيا، دفع ثمن حماسته الوطنية حين هتف في وسط سوق المحمودية بسقوط الطاغية قبل هزيمته الفعلية في الحرب.

بإشارة ذكية؛ استغل المؤلف فكرة الهامش الدارج للتعريف بأبطال الرواية او بعض المنعطفات التي تستحق التنويه للقارئ، مفردا بحوث تعريفية بجزء ملحق بنهاية الكتاب للشخوص السالبة بالرواية وكيف ثبتَ تحولهم من بشر عاديين الى قتلة.  وقبلها استوقفني، تتبعه المحسوب لسيرة القيادي في مجموعة الموت الشيخ طه، وفيها ميزت صدقية تشخيصه وغيضه على الظروف التي دفعت بصَبي مضطهد عائليا، ماديا واجتماعيا ولكنه ذكي بتَميّز، ذلك العوز أسس له كما القدر ان يكون مواظبا ومنذ نعومة اظفاره على ارتياد أماكن العبادة طلباً للرحمة من جور ابيه، في وقت كانت هذه الاماكن شبه خالية من الصبيان والشبان... هناك تلقفوه تدريسا لمنابع التطرف رويداً رويدا، ومن ثم طبيباً لامعاً، ومثقفا اسلامياً منخرطا بتنظيمات متشددة خلصت به ان يكون مفتيا بالموت الجماعي بكل أنواعه واساليبه!

************

محمد تركي النصار:

قصائد نافرة بمحتوى ريشات شهباء

ستار موزان/ أوسلو- خاص

القصائد الأخيرة التي كتبها الشاعر العراقي محمد تركي النصار التي جاءت بعناوين مختلفة هي قصائد نافرة بمحتوى ريشات شهباء ، قصائد متوهجة وتنتمي في دلالاتها الرمزية الى المعنى المغاير أو المتحول في المقاطع الشعرية ، المعنى النشط في استقراء واستنباط الواقع المتحول الى متضادات رمزية، بمعنى آخر فإن الشاعر محمد تركي النصار أنتجَ أدواتٍ فنية في انتاج قصائد اكثر نفوراً في الشكل والمضمون ، ففي قصيدة حملت العنوان ( شاهقة) يستدل الشاعر نصار على رمزية مغايرة ومتحولة أيضاً بين احتمالين متضادين هما الأرض والماء ومابينهما من وردة ولصوص يبحلقون بنوايا تلك الوردة التي تمثل روحاً بعطرها المركز والمرمز عند ذلك اللغز ، إذ هو سيد الطرد والفرط بخيال شاهق حيث الشاهقة عبارة عن ارتفاع متموج يحمل الضدين ايضاً الوردة والطرد ، إذ ينشد الشاعر في الشاهق :

(كي أحتمل الأرض أرضية

 لكي أقبضَ لذة الماء العالي

................

 تندمين كوردة

 تسدل عطرها على روحي

 تطردين اللصوص الغامضين

 من فرط خيالي

 تحذفين اللغز

 وهو سيد بين زواره الهانئين).

 في المشهد الشعري الذي يقع على ضفة النفور من قصائد نافرة يمثل العنوان ( تبرم ) تسوية صعبة بين الدهاء والعذاب على الرغم من وجود وشيجة شعرية بين تينك الرقمين النقيضين إلا أني أقول أنكَ آخيتَ بين النقيضين بشحناتك الشعرية وتلك لعمري صورة شعرية مكثفة ، لكنَّ التكثيف الفني على منوال الشغل الشعري كان ملتفاً إذ تبدو ماهية القصيدة متماسة ومشعة في المعنى والتركيز وإذا قلنا ان العمل التمثيلي الفني هنا يمتثل الى رمزية التناسق والتناسب فإن الشعرية الساخنة لذلك التمثيل والإتساق ستفضي إلى قالب شعري مبعثهُ التمظهر والإفلات من المصير المفترض الذي شكلهُ الشاعر نصار في التبرم المأخوذ على حين غرة ، فهو يقول في قصيدة ( تبرم ) :

( التسويات الآجلة

 وشايات المتشردين

 حينما يفضحهم

 زئبق الدهاء

وتبرم الكلام

 قبل حلول تمردهم الأخير

 للإفلات من عذابات المصير ) .

بينما في قصيدة ريشات شهباء تتمحور الحيادية الحقة بين التناقضات المترامية هنا وهناك رغم العواصف والدسائس التي تحيكها الطبيعة والنفس الصريعة التي ترى وشيجتها مع الطبيعة هي مؤقتة و سرعان ما تنفك عنها ، ومع ذلك فإن الصورة المشوشة التي يجسدها الشاعر في ريشات شهباء كانت بمثابة استنطاق لحركتها الأميبية اذا جازت العبارة فهو يقول :

 ( الهزائم تتحاشى

 مجابهة تعريفات أعدائها للقوة

 والانتصارات

 تغط بغفوتها المسترسلة

 جوار ريشات شهباء

 اختارت الحياد قدراً مستتبا

...............

بين ضوء العين

 والفضاء المحدودب

 حلبات

 يطاح

 بحكمها ومتبارزيها

 وتتناهب العواصف اللامرئية

 والدسائس الذكية

 أقنعة مهرجيها المشهورين ).

 بينما في نص (سوء فهم) يذهب الشاعر النصار بقلقه وشغفه بالمادة والمدى الواسع لأن تتمدد الرؤيا في اتساقهما ألقاً مقلقاً بينما الفعل الدرامي الأكثر ترميزاً مما ذهبت اليه البيانية التي سوغها الشاعر محمد النصار كانت عبارة عن حلم لغوي ، مجازي ينام على حجر أخضر يرسم في ذلك اللإدراك حزناً غريبا :

( ترديه

 صريعاً

 على حافة العبارة

وبأسف قانط

 تبكيه

 وتمشي

 وحدها خلف الجنازة ) .

 في نص (الشتاء) ترميز وتكثيف وتماهي في النص على فكر التداخل في المعنى والجوهر بل والهروب من الظلال كمحاولة للمطادرة التي لا تنفع والعودة ثانية الى التخفي فتسمعه يقرأ في شتاء أبيض: (التكثيف هروب من فظاعة الطقس الى المقهى حيث يستنزف الشعراء ثرثراتهم ويبعثونها اقراصاً ملساء للتعريف بها في مسرح الدمى . وفي قصيدة أخرى من  ( قصائد نافرة بمحتوى ريشات شهباء) والتي حملت العنوان (فندق لوتر يامون) ، يؤرخ الشاعر محمد تركي النصار شعرياً ، زمنية جمالية في حركة مكانية تجمع التباعد الزمني في ايقونة سحرية مبعثها التأمل والإنصياع للتجاذب بين تلك الأبعاد . في البعد الأول يكتب عاشقان جملةً شعرية للشاعر الانكليزي جيفري تشوسر على جذع شجرة في مدينة النسيان حيث تتماهى تلك الذكرى التاريخية مع الجدل والجدال لمواطني مدن اغريقية بعيدة جداً بما يخص مقولات الجمال وأصولها في الطبيعة والروح وموضوعة الزوال كنقيض فيزيائي ذات الوقت وكذلك حول (انية) جون كيتس الشاعر الرومانتيكي التي تبعث رومانيسية باذخة عند تاملات ما، لكن في المشهد الشعري نفسه يمضي الشاعر مُرَكباً يوتوبيا معقدة اتصلت تصاعدياً وتماهت أيضاً في الايقونة السحرية نفسها حيث أسفار الشاعر( جون أشبري) بين الكاتدرائيات التي تستقبل الأشعار النافرة بمحتوى ما يؤرخ اسطورياً وطقسياً مشوشةً تاريخ تدفقها وكذلك سفره في فنون نحت الكلام او البيان وغموض السفر في تكوين اليوتوبيا المركبة عينها ، كل ذلك التماهي حدث بين الابعاد كافة عن تلك الايقونة في فندق لوتريامون الذي كان يقيم فيه الشاعر وقبل مغادرته الفندق بساعات كتب هذه القصيدة ملوحاً ذات الوقت للشاعر الفرنسي ايزدور دوكاس الذي هو الأسم الاخر للشاعر لوتر يامون ، ملوحاً لأناشيد مالدورور التي كتبها الشاعر ايزدور دوكاس بمحتوى أكثر تركيباً وتعقيدا وبيوتوبيا مركبة تركيباً حيث يقول الشاعر محمد النصار:

(جملة من ( تشوسر) كتبها

 عاشقان

 على جذع شجرة في مدينة

 النسيان

 مواطنو ولايات اغريقية بعيدة

 لايزالون يتجادلون في ( انية جون كيتس )

 لتفسير مقولات الجمال

 المحاصر بتبجحات الزوال......

هكذا

 هو حالي وأنا اتصفح أسفار صديقي ( جون أشبري)

 بين كاتدرائيات التي توشوش

 تاريخ الاشعار وفنون نحت الكلام

وأصابعي التي تصافح

جملته الأشد غموضاً

 وأنا أغادر فندق ( لوتر يامون ) ....)

***********

تمظهرات الهايكو

بلقيس خالد إنموذجاً

خضر حسن خلف

يفسر الشاعر (محمد عضيمة) طريقة علمية للخلق الفني للهايكو في توظيفه ل(كتاب الهايكو) المترجم من اليابانية، (أهم مايميز الهايكو من حيث الشكل هو القصير، ويكتب على يمين الصفحة من الأعلى إلى الأسفل بلغته الأم موزعا على ثلاث أسطر على وفق مقاطع صوتية محددة العدد هكذا،( 5- 7- 5). يعني في السطر الأول خمسة أحرف (أصوات) قد تكون كلمة واحدة أو كلمة وحرفا يجد تتمته في ما يجيء بعده أو كلمتين، وكذلك في السطر الثاني سبعة أحرف قد تكون كلمة أو اكثر أو اقل. وأخيرا تختم أحرف بحيث يتكون المعنى. ويقال عن كل حرف مقطع صوتي. هذا هو الشرط الخارجي للهايكو).-1-ص13.

إذاً هو إلتزام بأصوات محددة كأجزاء التفعيلة في شعرنا العربي الكلاسيكي، يعني أنه استنطاق لمكامن حياة الجمال في روح الطبيعة والكشف عن مدلولاتها بكلمات يومية بسيطة وينسحب عليها المعنى بلحظة، أنها لحظة الوعي المكثفة. فهل استطاعت بلقيس خالد أن تعكس كل ذلك الالتزام لدى شعراء الهايكو الاصليين في مجموعتها الشعرية "دقيقتان ودقيقة واحدة".. أقول لا، في شكله الفني، وشرطه الخارجي!، لأنها اتخذت النثر وسيلة لفراستها في البحث عن حقيقة الأشياء وبالمقابل كانت المقاطع الصوتية المفتتة في عددها هي الوسيلة للإرتقاء بعملية الخلق الفني الى مصاف الكشف عن حقيقة الاشياء المحيطة!.

وأقول: نعم إ باعتمادها على قصر الومضة الشعرية بكلمات بسيطة وقليلة حد لا تتعدى الشطرين.

ثلاث وعشرون قصيدة، يعني ثلاث وعشرون فكرة، وقد تناولت كل فكرة من عدة زوايا لتلظمها في خيط القصيدة الرفيع وقد اختلفت ومضاتها بالمستوى بين القوة والضعف. فماهي أشياء ومكامن حقيقة الطبيعة ترويها (حكايات) القصيدة الأولى:

(الصحراء حكاياتها الواحات..

ومن رواياتها الشفيفة

السراب.

****

الحجر حكاياته بيوت

يروي أهلها سره الدفين

في زينة النساء

****

الزمن حكاياته ذكريات

ترويها التجاعيد)

وفي قصيدة (ضيق جلد أيامنا) نراها تعتمد طريقة استقراء الذات من خلال ما يحيطها من الأشياء المكملة الحضور الموجود الدائم في ملء فراغات نتوهمها في رسم المشهد، فالمهيمن هذا تدور عليه فكرة القصيدة. ولأنها لا تترك الفكرة حتى ترويها بمكملات حُلمية ومن عدة زوايا مقسمة على عدد الومضات..

( لقمة لذيذة..

يلتهمني ثوبي..

****

حين تدس في الثياب الأنيقة

جسدك

يتوهمونك مبتهجاً.

****

إن الكشف الذي تتولاه الومضة الشعرية هو من مفردات الواقع التي تمتد عميقا في الروح الشاعرة قبل صقلها في صورة شعرية متفردة وتوظفها في الكلمات القليلة الواعية لتكون مختلفة في الطرح والتلقي ولانها تتحرر كذلك من معيارية الخطاب النمطي.. وتتلبس شفرتها الوامضة جماليةً ذا دلالات تريدها متوهجة وصادمة.

وتتابع الشاعرة معاناة المرأة وما تتوارثه من الآلام المتراكمة على مر ّ الأزمنة التي قيدتها وجعلتها اسيرة افرازات الحماقات الضالة وتعنت الذكورية الواهمة فقد اشارت الى الشعر الخاص الذي يقطر حزنا وألما وسمعناه من امهاتنا انموذجا الا وهو (النعي) وقصيدتها: (لامطر.. يروي ازهار المنديل) واحدة من القصائد التي تشتغل رؤيتها على هذا المنحى:

ربما

الجنوبيات

خلقن من ماء

يقطرن العمر دمعاً

وهكذا تبني الشاعرة بلقيس خالد رؤيتها للعالم الأصغر المحيط، لتجعله واسعاً ذا قيمةٍ معرفية بين يدي المتلقي!. وبوعي تجلت فيه النظرة الانثوية الخالصة دلالاتٍ للواقع الملتبس الحزين. فهي لاتمارس التأويل لايجاد صيغ ذات معنى ضبابي وانما تكتفي بالمعنى الذي يشكله التوجه الشعري الذي تؤمن به! هناك الكثير من الافكار تصلح الى أن تكون قصائد طويلة لوحدها، ولكنها أرادتها بأقل الكلمات ان توخز وتؤشر، ولا تذهب الى تلك الطرق الملتوية . وغايتها تشكيل جمالي وفني:

غصنٌ أخضر

..يخترق الاسفلت

:نداء الأرض.)

ـــــــــــــــــــــــــ

1- كتاب الهايكو.. ترجمة وتقديم محمد عضمة.. دار التكوين/ ط/ 2010

2 – المصدر نفسه

3- دقيقتان.. ودقيقة واحدة.. هايكو عراقي/ بلقيس خالد/ دار المكتبة الأهلية/ ط/ 2018

*************

ص10

ملحمة التكتك

 

عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق صدر أخيرا كتاب "ملحمة التكتك" للشاعر الكبير يحيى السماوي.

ويتضمن الكتاب نصوصا نثرية وشعرية تحتفي بانتفاضة تشرين 2019

وابطالها المنتفضين وشهدائها الخالدين والضحايا الآخرين للقمع الوحشي الذي تعرضت له.

ويتصدر الكتاب اهداء " الى جميع شهداء ثورة الخامس والعشرين من أكتوبر السلمية، الذين سقطوا مضرجين بحب العراق، والى الذين لم يستشهدوا بعد.."

**************

جراء الاهمال الحكومي للمؤسسات الصحية

من "ميدان المواجهة".. معاناة المصابين والكوادر الطبية تتفاقم

متابعة "طريق الشعب"

لم يعد الموقف الوبائي الذي تصدره وزارة الصحة للإصابات المؤكدة بفيروس كورونا يشكل أهمية لدى العراقيين، بقدر وضع المؤسسات الصحية والخدمات التي يتلقاها المواطن بعد بدء الأعراض عليه، خاصة بعد تعاظم معرقلات التأكد من الإصابة، فضلًا عن عدم وجود مسار واحد للفيروس وهو يثبت أقدامه في جسم الإنسان، إذ يتحدث أطباء عن تفاقم إصابات بالرغم من بساطة الأعراض فضلًا عن تباين وسائل إثبات الإصابة.

وحدها كتائب الجيش الأبيض تواجه الوحش على خط التماس، وسط تكتم السلطات عن كشف حقيقة الواقع الصحي، وسط تزايد التسريبات من كواليس الميدان من خلال المقاتلين هناك، ناهيك عن حديث المواطنين عن تعاطي المؤسسات معهم بعد مراجعتها. فمنذ نحو أسبوع يحاول فاضل زيدان إجراء الفحص للتأكد من إصابته بالفيروس، بالرغم من الأعراض التي أخذت تتقدم، ولا يملك زيدان أي خيار سوى أن يطبق تعليمات الحجر والوقاية في منزله، ليشكل خطرًا على عائلته والمحيطين به، خاصة في ظل تهاون كبير من كثيرين في التعامل مع الوحش الخفي.

يقول زيدان خلال حديث لموقع "ألترا عراق"، إنه "بدت الأعراض التي تداهمني منذ أيام خفيفة، ذهبت للفحص فحولني الطبيب إلى المستشفى المخصص في المحافظة لمصابي كورونا، فشلت بعد أكثر من 3 ساعات في الحصول على من يهتم بي"، مبينًا أن "حالات كثيرة كانت هناك معظمها معاناتها أكثر مني، ما دفعني إلى العودة".

أضاف زيدان "لم أجر الفحص بسبب عدم وجود ما يسمونه بـ(الكت)، نصحوني أصدقاء في الكوادر الصحية بالذهاب إلى البيت، وحجر نفسي، أفضل من التواجد وسط حالات متقدمة تتزاحم في أروقة المؤسسات، وأخذ العلاجات المعتمدة في بروتوكول وزارة الصحة".

يتساءل زيدان، عن تصرف الفقراء وعامة الناس في هذه الظرف والضيق المالي لهم بعد تعطل معظم الأعمال، ويقول إن "وضعي المالي وشبكة علاقاتي اختصرت الطريق واتخذت التدابير اللازمة التي تسير بي وفق وضعي الحالي نحو الشفاء".

بدوره، يقول البكترولوجي "ك. م"، والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب وظيفية، إن "حقيقة التقصير الحكومي بدت واضحة بعد تزايد الحالات المشتبه بها، فلم يعد الآلف (كت)  - وهو هو العلبة المخصصة لأخذ العينة من أنف أو دم المريض، وتحتوي على مواد خاصة تحافظ عليها - رقمًا كبيرًا مقارنة بعدد الفحوصات التي نجريها يوميًا، ما جعل الأطباء يجنحون إلى طلب الفحص وفقًا للحالة الأكثر سوءًا"، موضحًا "قسمنا الكادر العامل على جهاز الـ"PCR" الذي يجري بواسطته الفحوصات ويعطي النتائج النهائية في عموم المحافظة، إلى ثلاث وجبات نعمل 24 ساعة في وتيرة واحدة لإنجاز أعلى نسبة ممكنة".

أضاف "ك.م"، وهو من إحدى محافظات الوسط خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "النقص في "الكت" دفعنا إلى الاعتماد بشكل أولي على إجراء فحص المفراس والذي يعطي تصورًا أوليًا عن الحالة، مستدركًا "لكن حالات غريبة شاهدناها، لدي مريضين وهما من زملائي، الأول أظهر المفراس إصابته بكورونا بصورة واضحة فضلًا عن الأعراض، لكن نتائج الفحص سالبة، والثاني على العكس المفراس يظهر عدم إصابته لكن الفحص كان موجبًا"، لافتًا إلى أن "حالات الوفاة التي يتم تشخصيها بالمفراس ولم يجرى لها الفحص المختبري لا تدخل في إحصائيات الوفاة".

من جهته، يقول طبيب في إحدى المستشفيات المخصصة لمصابي فيروس كورونا، "بعد ارتفاع الحالات نوصي بالحجر بالبيت للحالات التي لا تظهر عليها أعراض قوية، فيما يتم إدخال الحالات المتقدمة إلى الردهات وتقسم حسب الخطورة"، مبينًا أن "النقص الكبير في أجهزة التنفس الاصطناعي أجبرنا على التعامل وفق معيار الحالة الأكثر تدهورًا".

لا يخفي الطبيب خلال حديثه "معاناته من تعاطي المواطن مع الكوادر الطبية وتحميلها المسؤولية المباشرة عن تردي الخدمات الطبية" معلقًا "نحن الأكثر تعرضًا لخطر العدوى من ذوي المريض المحجور، وفقدنا الكثير من زملاءنا، والإصابات بيننا في تزايد، وهذا واجبنا وسنكمل المهمة إلى النهاية، مستدركًا "لكن يجب أن يفهم الجميع إمكانياتنا ويوزع المسؤولية والتقصير بمنطقية ووعي، وأبسط مثال على ذلك هو ترك عمال الخدمة العمل لتدني مستوى رواتبهم والعمل الشاق بحمل قناني الأوكسجين، فضلًا عن مخاوف العدوى".

************

شيوعيو النجف يكرّمون

"فرقة الإمام علي" القتالية

النجف - طريق الشعب

كرمّت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف، "فرقة الإمام علي" القتالية بلوح تقدير وباقة ورد، تثمينا لـ "دورها الإنساني والوطني" في تكفل دفن ضحايا جائحة كورونا.

جاء ذلك خلال زيارة نظمها أخيرا وفد من اللجنة المحلية، إلى مقر الفرقة في النجف.

وكان في استقبال الوفد معاون قائد الفرقة الحاج عماد الزيدي، الذي أعرب من جانبه عن الشكر للجنة المحلية على التكريم. وقال أن هذه المبادرات "ليست غريبة على الشيوعيين المعروفين بمواقفهم الوطنية والإنسانية".

وقدم الزيدي للوفد شرحاً وافياً لآليات ومراسم دفن ضحايا فيروس كورونا، وما يتعلق بالمصاعب والمخاطر الصحية التي يواجهها المقاتلون خلال دفنهم الضحايا.

سكرتير اللجنة المحلية الرفيق كريم بلال، الذي تقدم الوفد، أشار من جانبه إلى أهمية الدور الذي يلعبه مقاتلو الفرقة في مواجهة خطر جائحة كورونا، في الوقت الذي يحجم فيه بعض أقارب الضحايا عن التقرب إلى جثامينهم خوفا من العدوى، مشددا على أهمية دعم "هذه المبادرات الإنسانية والوطنية، التي لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب".

************

تفعيل الرقابة

على تشييد النصب والجداريات

 

بغداد – وكالات

وجه وزير الثقافة الجديد د. حسن ناظم مقترحا إلى رئاسة مجلس الوزراء، يلزم جميع دوائر الدولة باستشارة وزارة الثقافة قبل تنفيذ أية أعمال تشكيلية عامة، سواء كانت نصباً أم جداريات، بهدف الحد من المبادرات الشخصية في هذا المجال.

وقال بيان صادر عن الوزارة أن الوزير كشف عن مقترحه خلال استقباله وفدا من جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين برئاسة أمين سر الجمعية الفنان قاسم حمزة، وبيّن أن اللقاء تم لغرض مناقشة دور الجمعية في المشهد الفني، وتعاونها مع الوزارة.

وجرى خلال اللقاء الحديث عن تقفي أثر الأعمال الفنية المسروقة والمهربة، واستعادتها إلى العراق، بالاستفادة من (مشروع الدكتور أحمد ناجي آل سعيد) في لندن، المعني بوضع أرشيف للوحات الفنية العراقية، سيما المسروقة منها، الأمر الذي يسهل استعادة هذا الإرث الجمالي أو إيقاف عمليات بيعه على الأقل".

ودعا وزير الثقافة – حسب البيان - إلى "التعاون لإنجاح المشروع، لما في ذلك من عائد للفن والثقافة العراقية".

**************

في رثاء الشيوعي وهبي كريم

انا لا اكتب هنا تاريخ أيّ كان.. و لا عن مرحلة بعينها.. انما احاول لملمة بعض من الخيوط التي ربطت مراحل عدة، و مدنا عراقية متفرقة، لترسم اسم هذا المناضل الشيوعي، وهبي كريم، الذي توقف قلبه الكبير قبل ايام.

انه ابن خانقين البار، الذي بدأ منها اولى خطواته عضوا في الحزب الشيوعي العراقي.. لتمتد من ثم الى ديالى فبغداد، مكلفا بمهمات خاصة.

 عاش الحرية، وعاش حياة الاختفاء في العمل السري، وعاش الحياة سنوات في زنازين السجون، بدءا بسجن بعقوبة فالرمادي و سجن بغداد المركزي "ابو غريب".

وها هي الكلمات تبدأ تتعثر،  ومعها السؤال: من اين تبدأ؟  فالمحطات كثيرة و مزدحمة بالاحداث، ولا يمكن التعبير عنها بكلمات رثاء !!

لقد غرق الراحل العزيز وهبي  في شجون الحياة ومشكلاتها، التي ساعدته على التعرف على نفسه و فهم الآخرين بشكل افضل.

أتقن العمل، وأتقن الابتسام.. كان يجيد الابتسام حتى حين تغرورق عيناه في الف دمعة.. وكانت الابتسامة تذلل امامه الصعاب، و تشعل داخله الشمعة التي تنير امامه الطريق.

لقد غادرتنا ياوهبي، لكنك تبقى معنا دائما مثالا للتضحية والمواصلة..

 لأهلك و رفاقك الصبر و السلوان.

 

رفيقك

كمال شاكر

*********

ليس مجرد كلام ...

البراغماتية  الامريكية وحقوق الانسان!

 

قررت مدينة "مينابوليس" الامريكية  حل جهاز الشرطة واعادة تشكيله وتحويل الاموال لمخصصة له الى مشاريع خدمية من اجل مصلحة المواطن، على اثر قتل جورج فلويد في جريمة عنصرية فريدةا!

العنصرية ليست بالامر الجديد في العالم، والانسان لم يولد عنصريا لولا هذا التراكم لفترات زمنية طويلة للخطاب الذي يكرس التفوق والكراهية نحو الاخر، وهي ما زالت منتشرة في الولايات المتحدة الامريكية.

ومنذ الستينيات بدأت معالجة هذه القضية في الجهاز الاداري الامريكي، ولم يأت قرار الاصلاح هبة من الادارات المتتالية، بل هو حصيلة نضال مشترك للشعب الامريكي ضد العنصرية. وهنا لا بد ان نتذكر المناضل مارتن لوثر كنج ورفاقه.

وبالرغم من صعود نجم بطل العالم في الملاكمة محمد علي كلاي  وتربع "اوباما" على عرش الولايات المتحدة الامريكية الا ان العنصرية هي واقع حال تحتاج الى نظرة ثاقبة، واعادة برمجة الخطاب الاعلامي الامريكي بما يخدم كل الشرائح في المجتمع الامريكي، وليس على طريقة المنقذ " الابيض " الذي يحرر ابناء جلدته اولا، وربما بقية الاعراق ثانيا، كما كرسته الماكنة الاعلامية وبالاخص في مجال السينما..

وبملاحظة سريعة للتظاهرات في الشارع الامريكي نلاحظ ان الجموع المساهمة فيها لم تقتصر على السود، بل هناك اعراق مختلفة ربما تفوق عددا ذوي البشرة السمراء، من الامريكان البيض والصفر والحمر..وهذا التغييب المتعمد لهذه الظاهرة يشمل ايضا "كينونة" ووجود القوى السياسية المناهضة للامبريالية، ومنها الحزب الشيوعي الامريكي حيث راينا رايته الحمراء لاول مرة ترفرف وسط التظاهرات. وقد اصدر الحزب بيانا حول الاحداث طالب فيه " بالتوقيف الفوريّ لأفراد الشرطة الذين قتلوا جورج فلويد بدمٍ بارد."، مؤكدا " إنّ الجريمة التي استمرّ ارتكابها لمدّة ثماني دقائق حصلت على مرأى ومسمع العالم كلّه. وتؤكّد هذه الحادثة أنها كانت إعداماً علنياً من قبل الشرطة الأميركية."! واوضح الحزب في بيانه ان " أعمال العنف طالما كانت ضمن أجندة عمل ترامب، ويمكننا القول في هذا السياق أن ترامب وحده هو المارق برتبة رئيس"!

وقد تعرض الحزب الشيوعي الامريكي ( المعارض للرأسمالية واحتكاراتها، والعنصرية والشوفينية المقيتة، والحروب، والمكافح من اجل السلام العالمي، والمؤيد لنضال الشعوب من اجل استقلالها وسيادتها) الى ابشع حملة تصفية منذ انطلاق ما يسمى بالحملة المكارثية اواسط القرن الماضي، والتي كانت تسمح بمطاردة المواطنين في كل مفاصل الحياة بتهمة التعاطف او الانتماء للحزب الشيوعي، وهي حملة لا مثيل لها في العالم، استنسخها حزب البعث في العراق حين تولى السلطة لاول مرة بعد الانقلاب الفاشي عام ١٩٦٣!

وقد اضعفت هذه الحملة الحزب الشيوعي الامريكي كثيرا، واضعفت معه المد الشعبي في الولايات المتحدة للنضال ضد الامبريالية، التي كشفت عن خوائها  وفشلها الملحوظ في الحفاظ على حياة الانسان في ظل انتشار وباء يهدد حياته. وسقطت ورقة "الديمقراطية" التي تتباهى بها، لتكشف للقاصي والداني ان " راس المال " لا يدافع الا عن مصالحه، شأنه شان الفاسدين الذين نهبوا بلادنا منذ سقوط "الصنم"!

تحت الضغط الشعبي ستنعقد "محكمة" لمقاضاة قتلة جورج فلويد، فمتى تنعقد في بغداد محكمة لمحاسبة قتلة اكثر من سبعمائة متظاهر سلمي؟!

طه رشيد

***********

واقفين!

 

 

 

كاظم الحجاج

مثل خبز الأرياف ..

– نحنُ أهل الجنوب –

نخرجُ من تنانير أمهاتنا

… ساخنين

لأجل أنْ نليق بفم الحياة !

إننا – في الجنوب –

نأكل الخبزَ حتى يعيش بنا

لا نعيش به …

ونحرّم ذبح دجاج البيوت ..

هل يهون علينا : نربّي ونذبح ؟

كيفَ يهون ؟

وكلاب الجنوب .

وحدها تتقن الاعتذار ؛

تنبحُ الضيف وسط الظلام .

وتمسحُ أذياله في النهار !

ولذا . نحنُ أهل الجنوب

– حين نغتربُ –

تتجمع أوطاننا ، مثل قبضة كفّ

وتنبضُ تحتَ الضلوع !

نحنُ الكسالى

لم نزرعْ تفاحاً ..

ولهذا .

أجّلنا أكل التفاح .. الى الجنّة !

في الغربة . نبكي ..

والدمعةُ ماءٌ مسجون ..

ينتظر الحرّية

مِن حزنٍ .. قادم !

تغربتُ في مدنٍ ، لا تردّ السلام ..

وأنا لا أبالغُ واللهِ

حتى المرايا هناك .

تزيّف وجهك أنت:

ففي الصبح تحلقُ لحية غيركَ

وتمشّطُ شعر سواك !

وأنا – حتى في الغربة –

لا أبحثُ عمّن أعرفهُ

بل . عمّن يعرفني !

تتذكرنا أيام ( الحزب ) الأولى

في محلتنا ( الفيصلية ) ..

حيث الأبوابْ

– نصف المفتوحة

في نصف الليل – ..

.. لأجل المنشورات !

وحين نزور الحسين :

نفكّ صرّة الحزنِ

بوجه الضريح …

نبكي – يقولُ والدي –

… لنستريح .

فالشرقُ دمعتان :

للحسين – يا بنيَّ –

… والمسيح !

أخبرني ( طه باقر )

– الأسماء تؤنث ، في سومر ، :

( أنخيدونا). وتُذّكـــر ( أنخيدو )

– أو ( أنكيدو)  –

يا صاحبة الحانة. أنكيدو … مات .

فلنرفع ، في صحته ,

….. نخبَ الغائب !

وأخبرني جنديّ .

– مثلي في السبعين –

ولم يُقتل بعد :

حتى بين رصاصات الجنود

رصاصات محظوظة :

تلك التي تُخطىء أهدافها

ورصاصات تعيسة :

تلك التي ترتكب أمجاد الحروب !

• وأنا لم أذهب يوماً للحرب .

ولكني أعرفُ :

ما يدعى نصراً –في كلّ حروب التاريخ–

لا يعدلُ نصر الأمّ

تحدقُ في المولود .. الخارج تـوّاً!..

*****************