نحو ادارة سليمة للازمة الاقتصادية والمالية / الأحد, 12 نيسان/أبريل 2015

يمر العراق بأزمة اقتصادية ومالية اخذت معالمها تتضح تدريجيا. فبعد الحديث الرسمي عن شح السيولة النقدية فقط، برزت مؤشرات اقتصادية عدة تقول بغير ذلك، وهو ما اجبر الحكومة على التفكير في اتخاذ اجراءات تقشفية. ذلك انه لاول مرة منذ 2004 ( باستثناء سنة 2009) تسجل الموازنة عجزا حقيقيا كبيرا، حيث كان العجز حتى الآن تخطيطيا يتحول في النهاية الى فائض.
وفي الاونة الاخيرة اخذ الحديث يمس، صراحة او ضمنا، ما يعتبره البعض من السياسيين والمسؤولين خطوطا حمراء لا يجوز الاقتراب منها، مثل رواتب الموظفين والخدمات الحكومية والبطاقة التموينية.
ولا بد من القول ان للمشكلة المالية والاقتصادية الحالية اسبابا عديدة. فهي قبل كل شيء ثمرة لسوء الادارة الاقتصادية في الفترة السابقة، وللتخبط والعشوائية، وافتقاد السياسة المخططة والمعللة علميا. كما انها حصيلة لهيمنة داعش على مناطق واسعة من البلاد، وما سببه ذلك من قطع طرق المواصلات وتعطيل التجارة وشلّ العملية الانتاجية في ثلث الاراضي العراقية. والسبب الثالث للازمة هو انخفاض عائدات العراق من تصدير نفطه الخام بسبب الهبوط في اسعار النفط على الصعيد الدولي.
هذه العوامل والاسباب مجتمعة هي ما سبب الضائقة المالية الحالية، والصعوبات الاقتصادية. ومن الطبيعي ان تلجأ الحكومة الى ما يخفف من آثارها، لكن الاجراءات المتخذة لا بد ان تتوزع بصورة عادلة، وان تتوجه بالاساس الى من استأثر، قبل انخفاض عائدات الدولة، بحصة الاسد من الموازنات السابقة، عبر العقود والصفقات والمقاولات والكومشنات، والتجارة المغشوشة، ومظاهر الفساد المتعددة الاخرى السياسية والمالية والادارية، التي استنزفت خزينة الدولة. ولا بد ان تتوجه نحو من جمع مبالغ طائلة، جراء هدر المال العام، والبذخ والاسراف في ش?اء الاثاث لمؤسسات الدولة، والمخصصات العالية للمسؤولين، وشراء السيارات الفارهة، والانفاق على الايفادات غير الضرورية.
فهؤلاء هم من يجب ان يتحملوا الاعباء الاساسية للتقشف، الذي لا بد لتدابيره ان تبتعد عن ذوى الدخل المحدود، بحيث لا يصيبهم منها ما يؤدي الى تدهور مستوى معيشتهم. كذلك يتوجب الحفاظ على ما خصصته الدولة من اموال للخدمات العامة والبطاقة التموينية، وعدم المساس بها.
ان أي اجراء يتخذ لا بد ان يكون مدروسا وبعيدا عن الارتجال، وحصيلة للتشاور الواسع مع المعنيين والمختصين.
وهناك تدابير اخرى يتوجب على الدولة ان تقدم عليها، نذكر منها:
- المباشرة فورا بخطوات، مهما بدت متواضعة، لتقليص الاضرار الناجمة عن الطبيعة الريعية للاقتصاد، وتشجيع القطاعات الانتاجية: الصناعية والزراعية والخدمية - الانتاجية، والحد من الاستيراد المنفلت، وتفعيل قانون التعرفة الكمركية وحماية المنتج الوطني.
- العمل على تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والنواب والوزراء وعموم ذوي الدرجات الخاصة، واستقطاع نسب محسوبة منها لدعم موارد الدولة. كذلك خفض اعداد الحمايات والسيارات المخصصة لهم الى الحد المعقول والمقبول، والاستغناء التدريجي عنهم خاصة في المناطق التي تتمتع باستقرار نسبي.
- العمل على تحسين وضبط استحصال عوائد الدولة (من رسوم وضرائب) لقاء الخدمات التي تقدمها.
- ضبط تهريب الاموال عبر طرق مختلفة، ومنها غسيل الاموال، وإيقافه.
- تفعيل اجراءت مكافحة الفساد، وملاحقة المفسدين قانونيا، واستعادة الاموال المنهوبة والمسروقة، وتفعيل الاجهزة والهيئات الرقابية، الرسمية والشعبية، للتضييق على الممارسات الفاسدة.