نحو مؤتمر وطني لدحر الارهاب تنبثق عنه هيئة استشارية مؤقتة بدعم شعبي / 19 حزيران 2014

تشهد بلادنا تطورات خطيرة جراء الهجوم الغادر لاوباش داعش على الموصل ، وما تبعه من انهيار عسكري سريع ومفاجيء ، وما ترتب على هذا وذاك من تداعيات عسكرية - امنية ، وسياسية- اجتماعية ، ومعنوية نفسية على المواطنين ، وعلى المجتمع بعمومه ، وعلى آفاق حل الازمة المستعصية في البلد والتي يعيش المواطن اثارها السلبية منذ سنوات .
ويجمع الحريصون من القوى والاحزاب والمواطنين على ان وصول بلادنا الى هذا الوضع الكارثي هو حصيلة مجموعة من العوامل والاسباب ، المركبة والمتداخلة ، وهي وثيقة الصلة بالاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والنفسية، السائدة في بلدنا ، وحالة الاستعصاء التي يعيشها ، واجواء الاحتقان وانعدام الثقة وتزايد الشكوكية بين الاطراف السياسية ، والجفاء بين الاقليم والمركز ، وبين الاخير والعديد من المحافظات ، وتعمق النتائج المدمرة لنهج المحاصصة الطائفية الاثنية ، وتفاقم مظاهر التفرد والاستئثار وشخصنة القضايا والاقصاء والتهميش والتسقيط السياسي والتهالك على المناصب والمغانم والنفوذ ، واستشراء الفساد وسوء الادارة، وضعف الخدمات والنسب المرتفعة للبطالة والفقر ، اضافة الى التدخلات الخارجية وتقاطع مصالح الدول على ارضنا ، والتي لا تنسجم بالضرورة مع مصالح بلدنا وشعبنا .
ووجد هذا كله ، وغيره ، انعكاساته على المؤسسة العسكرية الامنية ، المبنية على اساس المحاصصة الطائفية ، ولخدمة اهداف سياسية محددة وخضوع لنهج السلطة، وبما يتيح استخدامها خارج مهامها الدستورية وكأداة لمعالجة قضايا داخلية. وقد اضعف ذلك قيامها على عقيدة وطنية راسخة ، واثر على تماسكها الداخلي، وجعلها شديدة التاثر بالتقلبات السياسية ، وبالتناقضات واجواء الاحتراب ، وما يتركه ذلك دائما من بصمات على كفاءة وفاعلية وانضباط وجاهزية المؤسسة ، ومن تاثير سلبي في قدرة القوات على الصمود امام ضغوط كبيرة ومفاجئة . ونضيف الى ذلك ضعف التدريب ، وعدم كفاءة الجهد الاستخباري ، وحالات الفساد والرشى .
ومن جانبه اوضح ما حصل في الموصل اهمية العلاقة الايجابية بين المؤسسة العسكرية - الامنية والحاضنة التي تعمل وسطها ، من سلطات محلية ومواطنين ، وهي العلاقة التي غابت وحلت محلها علاقة تتسم بالسلبية وعدم الثقة والتنابز.
ونحن إذ نشير الى اسباب وتداعيات ما حصل ، لا بد ان ننوه ونشخص ضعف التنسيق والتعاون بين القوات التابعة للحكومة الاتحادية وقوات الاقليم ، حيث حال الكثير من الهواجس والتاويلات والتوجس والخشية غير المبررة ، دون بناء علاقة ودية حميمية متبادلة ، علاقة تعاون وتعاضد.وقد اثبت مجرى الاحداث الحاجة الماسة اليها سيما وان قوات الاقليم اثبتت قدرتها على التصدي الناجع للارهاب .
ومن جانب اخر لم تتم اعارة الاهتمام الكافي للتطورات الجارية في سوريا ،وانعكاساتها السلبية على اوضاع بلدنا ، فكانت الحدود مفتوحة استغلها " داعش " لتجميع انصاره ، على حساب قدرة قواتنا على نجدة الموجودين في الموصل في اللحظة المناسبة ، لمنع حالة التداعي والانهيار ، التي ضاعفها ما تبين من وجود " طابور خامس " يعمل على بث روح الهزيمة واضعاف المعنويات.
كذلك لا يجب ان ننسى للحظة الدعم الاقليمي لداعش وغيرها من المنظمات الارهابية ، وهو دعم مادي ولوجستي واعلامي حظيت به ولا تزال .
ويدرك ابناء شعبنا من جانب آخر ما بيّنه مجرى الاحداث من ان داعش لم يكن الا العنوان الابرز في التحرك ، فيما يؤشر ما حصل عملا منظما لتحالف واسع ، كان ينسق للانقضاض على العملية السياسية الديمقراطية ، واسقاط الوضع القائم واعادة العراق الى عهود القهر والاستبداد والدكتاتورية ، التي ما زلنا ندفع ثمن جرائمها. وكان قد جرى التنبيه مسبقا الى مؤشرات ذلك التحرك والتحذير منه ، لكن الاجراءات المقابلة لم ترتق ، للاسف ، الى مستوى التحدي الكبير.
على ان هذا كله لا يغير من حقيقة ان هناك في الموصل من قاوم واستشهد ، من العسكريين والمدنيين ، وهم ليسوا بقلة ، وان من الواجب الاشادة بهم وبتضحياتهم ، ورعاية عوائلهم .
واليوم، وفي هذه اللحظات الحرجة التي يمر بها بلدنا ، يتوجب التاكيد ان صيانة وحدة الوطن والتصدي للارهاب وقواه ، يستوجبان تحشيد وتعبئة قوى الشعب والقوات المسلحة ، وتبني موقف منسجم مع مصالح الوطن والشعب العليا ، مصالح كل العراقيين ، وان يكون الهدف واضحا متمثلا في دحر الارهاب وتخليص بلادنا من شروره ، وفتح الافاق نحو مستقبل افضل ينشده العراقيون ويتطلعون اليه ، وهم من دون ريب يستحقونه تماما.
لقد قالت جماهير شعبنا الواسعة كلمتها واعلنت موقفها المتجسد في الرفض الوطني لداعش وجرائمها ، وفي الدعوات المتزايدة للتصدي السياسي والفكري لها ، وفي عمليات التطوع الواسعة في قواتنا المسلحة ، كذلك في البيانات والمواقف السياسية والدعوات لتوحيد القوى وتجاوز المشاكل والخلافات .
وان هذا الحماس والاندفاع للتصدي لداعش وامثالها ، ينبغي ان يتسم بالوضوح والموضوعية والواقعية ، وان يقود الى رسم ستراتيجية تتجاوز الاخطاء والنواقص ، وكل ما اسهم في ايصالنا الى الحالة التي نحن فيها. وهذا يتطلب اعتماد نهج وطني بعيد عن المحاصصة الطائفية الاثنية ، وتشكيل حكومة بعيدة عنها كذلك ، ورسم خطة متكاملة بتدابير عملية تربط التحرك الامني ، الذي ينبغي تدقيقه وتخليصه من عوامل الترهل والتخلف والفساد ، بالتحرك السياسي المرن والجامع للقوى ، والتخلص من اسباب الجفاء والتوتر ، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ، وازالة كل ما يؤشر التمييز وانتهاك الحقوق والحريات ، وان يتم اعتماد الكفاءة والمهنية والنزاهة والاخلاص للوطن ، معايير اساسية في اسناد المسؤوليات الادارية والعسكرية والامنية .
والآن وقد اصبحت اصبحت الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال ، وانتهت المدة الدستورية لمجلس النواب ولما يتشكل المجلس الجديد بعد ويأخذ دوره ، ولغرض مواجهة كل التحديات بكفاءة وتضافر للجهود ، ولتأمين وحدة القوى الوطنية وتنسيق مواقفها وضمان مساهمتها الجادة بروح جماعية وتضامنية ، لا بد من التحرك العاجل نحو عقد مؤتمر وطني ببرنامج عمل وسقف زمني واضحين ، تشارك فيه الاحزاب والقوى السياسية الفاعلة في الساحة ، والحريصة على صنع السلام وتحقيق الامن والاستقرار ، والحفاظ على التجربة وتعميق مسارها الديمقراطي وبناء مؤسساتها الراسخة ، وتأمين الحريات العامة والشخصية ، والمضي قدما في اتجاه بناء العراق الجديد ، الذي يتسع لجميع ابنائه ، ولما فيه خيرهم ورفاههم وسعادتهم ، وتلبية تطلعاتهم الى الامن والاستقرار والحياة الكريمة .
ان اوضاع بلدنا اليوم تستدعي التئام المؤتمر الوطني في اسرع وقت مكن ، وتتطلب انبثاق هيئة استشارية مؤقتة عنه ، تساهم مع الحكومة في دراسة التطورات ومعالجة الاوضاع ، وتتمتع باسناد شعبي مؤثر وداعم للجهد الوطني العام لدحر الارهاب والارهابيين.