التغيير واجب للخروج من دوامة الأزمات 11 تشرين الثاني 2013

منذ سنوات ونحن نقول ونكرر أن لا حل جذريا للأزمات المتوالية التي تشهدها البلاد على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، وللأوضاع المضطربة وغير المستقرة التي يدفع المواطن العراقي ثمنها يوميا وبالدم، الا بالنفاذ إلى جذر هذه الأزمات المتوالدة ومنبعها الكامن في طبيعة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية السائد.
وقد سعى حزبنا جاهدا الى تنبيه اطراف العملية السياسية واوساط الرأي العام وتبصيرها بالمخاطر المفتوحة على أسوأ الاحتمالات، ما لم تسارع، وفي مقدمتها القوى المتنفذة الماسكة بمفاتيح السلطة والقرار، الى تدارك الأمور والتلاقي لمراجعة الواقع المأزوم للعملية السياسية، ووقف التردي في العلاقات في ما بينها، والذي يلقي بظلاله على بناء وأداء مؤسسات الدولة ومرافقها جميعا، وعلى السلطات الثلاث بدرجات متفاوتة. وفي هذا الاطار جاءت دعوتنا المبكرة لعقد مؤتمر وطني شامل، وللتمهيد له بحوارات جادة ثنائية وجماعية، كي يخرج بحلول واق?ية وعملية متفق عليها، تصوّب مسار العملية السياسية ، وتسهم في تنقية الاجواء وازالة الاحتقانات وتفكيك العقد، وصولا إلى معالجات فاعلة للازمات، وتوجهات للعمل اللاحق.
وعلى الرغم من الاتفاق شبه الاجماعي مع توصيفنا للحالة، والاعلان عن تبني افكار ومبادرات تعتمد مقترح المؤتمر الوطني وإن بمسميات اخرى، فقد جابهت الفكرة والمقترح مماطلة وتسويفا واختزالا وتضييقا، سواء في الشكل او في المضمون، بينما كانت تتسارع وتيرة تدهور الاوضاع، وتمتد آثارها إلى الوضع الأمني، وهو ما كنا حذرنا مع غيرنا منه. وازدادت الامور تعقيدا مع تصاعد حدة الصراع في سوريا، وانعكاساته على العراق، وتنامي حركة الاحتجاج في العديد من المحافظات، وتواصلها أشهرا دونما حلول حاسمة، والتعامل معها بطريقة ساهمت في تأجيج الاحتقان والاستقطاب الطائفيين.
واقترن ذلك باستمرار التجاذب والصراع بين القوى المتنفذة على المنافع والنفوذ، وبتفاقم اتجاهات التفرد، والنبرات وردود الفعل المتسمة بضيق الصدر والتشنج، ما عمّق فجوة الخلاف، وعسّر تحقيق التفاهمات، وزاد من مظاهر ضعف الأداء بل وشبه الشلل الحكومي والبرلماني.
وادى ذلك مجتمعا الى تضييق فرص الحلول التي كانت متاحة سابقا، واشاع مشاعر احباط وقلق عميقين، لا في اوساط الشعب عامة وحسب، بل حتى في اوساط سياسية داخل القوى النافذة والمؤثرة نفسها.
نعم، لم يعد ممكنا التغافل عن عمق الأزمة الشاملة واستعصائها، وتجاهل المخاطر الجمة التي تتربص بالبلاد نتيجة العجز المستمر عن ايجاد الحلول لها، في ظل غياب الارادة الموحدة في الادارة السياسية، الناجم عن نظام المحاصصة، وذلك حتى من قبل شخصيات فاعلة ومشاركة في مواقع القرار على اعلى المستويات.
امام هذه الصورة للاوضاع الراهنة، ومآلات استمرارها بالغة الخطورة على ايدي اصحاب القرار انفسهم، تتبين ابعاد ومعاني الخيارات الجوهرية للناخبين في الانتخابات القادمة لمجلس النواب. فالعراقيون سيذهبون إلى صناديق الاقتراع وقد عاشوا وتلمسوا وجربوا، قرابة عقد من الزمان، نظام المحاصصة الطائفية وحكومته ومجلس نوابه، اللذين قادا البلاد إلى ما هي عليه اليوم من ضعف وعجز عن مواجهة تحديات بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وارساء مباديء المواطنة، وضمان الأمن والاستقرار الوطيدين، وتعزيز اللحمة الوطنية في اطار دولة اتحادية ولا?ركزية فاعلة، ومن سوء ادارة صارخ لموارد البلاد وثرواتها، التي يلتهمها الفساد والمفسدون.
لقد قالت تجربة السنوات الماضية حكمها القاطع في نظام المحاصصة ، مبينة فشله الكامل، ومؤكدة بشكل قاطع ان لا مخرج حقيقيا ودائما لأزمات البلاد من دون الخلاص منه. ومن هنا فان الناخب يجد نفسه امام خيارين رئيسيين: إما التجديد لقوى المحاصصة ونظامها، ولعواقبه المعروفة سلفا وإن جاء بوجوه وعناوين جديدة، او .. التغيير، وفتح ابواب الأمل، واستنهاض قدرات البناء والاعمار والتطور الشامل، يدا بيد اصحاب مشروع الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على المواطنة والعدالة الاجتماعية.