ما وراء معضلة الكهرباء والسبيل الى تجاوزها / الثلاثاء, 14 آذار/مارس 2017

ظل الوضع الشاذ في قطاع الكهرباء خلال السنوات الماضية، والعجز المتكرر عن ايجاد حل ناجع لمشكلاته، رغم تأمين المستلزمات الضرورية واولها المال، يثير الاستغراب والتساؤل: هل هو ناجم عن صعوبات موضوعية قاهرة تستعصي على المعالجة، ام انه نشأ وما زال قائما بفعل فاعل؟
بما ان الكهرباء خدمة استراتيجية وسلعة صناعية ومتطلب حضاري وحاجة يومية اساسية لا استغناء عنها، فمن الصعب فهم التأخر في معالجة ازمتها، وقبول المبررات الواهية التي تقدم في شأنها.
فاذا كان السبب هو المال، فالمال تم توفيره كما قلنا، وقد خصص منه لوزارة الكهرباء ومشاريعها في الاعوام الفائتة 32 مليار دولار. وبما ان كل مليار منها يستطيع تأمين انتاج الف ميغاواط من الطاقة، فان الحصيلة تصل الى 32 الف ميغاواط، اي ما يفوق حاجة بلادنا البالغة 20 الف ميغاواط.
ماذا يكمن يا ترى وراء معاناتنا الطويلة من النقص الفادح في الكهرباء، رغم هذا الانفاق السخي بل والمبذر على منظومتها وانتاجها؟
هل هو سوء الادارة.. المرض اللصيق بالبيروقرطية العراقية؟ كما تجسد في ستراتيجية الاعتماد على المحطات الغازية التي اتبعتها وزارة الكهرباء، من دون ان تضع في اعتبارها عجز وزارة النفط عن انتاج الكميات اللازمة من مادة الغاز، فلم يبق امامها سوى استيراده بتكلفة عالية؟ قد يكون هذا سببا، لكنه لا يقدم تفسيرا شافيا لحالة الاستعصاء التي نحن فيها.
هل هو الفساد .. المرض المستشري في مفاصل الدولة؟ لا شك في انه سبب رئيسي لضياع الكثير من الاموال التي خصصت لهذا القطاع.
نعم، وفوضى الادارة والاوضاع الامنية بدورها اسباب مؤثرة للاخفاق في بناء قاعدة لانتاج الكهرباء ومنظومة كفؤة لنقلها وتوزيعها.
لكن هذه العوامل مجتمعة لا تغير من قناعتنا ان هناك فاعلا آخر، اساسيا، ساعد على الحيلولة دون معالجة ازمة الكهرباء، بل وعمّقها.
هذا الفاعل هو صراع المتنفذين للاستحواذ المباشر على اموال الدولة وممتلكاتها.
فباسم الاقتصاد الحر وحرية رأس المال واقتصاد السوق وإبعاد الدولة عن الاقتصاد، عمل البعض عن قصد تخريبي على عرقلة اعادة بناء منظومة الكهرباء. ولأجل هذا اصروا على خصخصة قطاع الكهرباء، سواء بمنحه للاستثمار الاجنبي او للرأسمال العراقي، طمعا في فرض تسلطهم وهيمنتهم على عوائد الكهرباء وادارة القطاع، والاستيلاء على ثروات هائلة كما حصل في ميادين اخرى، مثل الاتصالات وفي الهواتف النقالة بنحو خاص.
لقد كان هذا السلوك التخريبي عاملا اساسيا في شل القدرة على معالجة ازمة الكهرباء. وما لم تضع الحكومة استراتيجية واضحة وثابتة، تنطلق من اعتبار الكهرباء سلعة استراتيجية وطنية عامة، ذات صلة مباشرة بحياة العراقيين وأمنهم وبمستقبل الاقتصاد العراقي، وما لم تردع المخربين وتحسم الامر، فسوف لن يستقيم الحال، وسيبقى التخريب واطماع الطامعين فاعلة ومعرقلة لأي تقدم.
وفي هذا الاطار يأتي السؤال: هل حقا ان خصخصة توزيع الكهرباء وجباية رسومها تشكل علاجا للازمة؟ أليست هذه الخصخصة مجرد تدوير لها، يوفر لمناطقٍ الطاقة الكهربائية فيما يحرم مناطق اخرى منها؟ ويثير خلال ذلك قلق واحتجاجات الجماهير المحرومة ومن ذوي الدخل المحدود، الخائفين من العجز عن تسديد الرسوم الجديدة؟ والا لماذا اللجوء الى تدبير كهذا، لو كان المنتوج الكهربائي يسد حاجة الجميع؟
كذلك السؤال في خصوص جباية الرسوم وتوفير المال منها لوزارة الكهرباء. فالوزارة تعلن عن فائض في اعداد موظفيها يفوق عشرات الآلاف، فلماذا لا تعيد تنظيم قواها وترتيب شؤونها، كي يتمكن موظفوها من جباية ما تأخرت جبايته من رسوم لدى المستهلكين؟
ان المسألة برمتها ترتبط ارتباطا مباشرا برسم التوجه الصحيح، بمعالجة الاسباب الحقيقية للمشكلات القائمة، وضمان بناء شبكة كفؤة لانتاج ونقل وتوزيع الطاقة. وهذا ما لن يتحقق الا بحضور الدولة بكامل طاقتها وقدراتها، والا بالتصدي لكل عناصر العرقلة، العاجزة عن ادارة هذا المرفق بالغ الاهمية والحيوية.