ليكتسب النصر على داعش بعده الوطني والانساني / الأحد, 12 آذار/مارس 2017

داعش يتقهقر، رموزه المجرمة تهرب عبر الحدود، والاجانب من عناصره يتركون الجانب الايمن من الموصل، فيما تتقدم قواتنا المسلحة على اختلاف صنوفها وتشكيلاتها لتتسيد مشهد المعركة وتحرز المزيد من الانتصارات، حتى باتت التقارير تتحدث عن ان المعركة في الجانب الايمن قد حسمت "عمليا".
انه حقا نصر مبين في عقر ما اسمي بـ " الدولة الاسلامية "، فهي تنهار على مرأى ومسمع من الجميع، ولكن ما تحقق ليس من دون ثمن غال دفعه ابناء شعبنا وما زال يدفعه، واثاره امامنا في هذه الخسائر البشرية الكبيرة نسبيا، ومعاناة النازحين والمشردين ومشهد النزوح الذي يدمي القلب، لاسيما صور الاطفال وكبار السن والنساء، وفي هذا الدمار الواسع للبنى التحتية وتعطل الخدمات والمؤسسات الانتاجية.
نعم نصرمؤزر يتحقق وتكبر مساحته، والامل في ان يمتد ليشمل ما بقي من اراضينا في يد داعش الارهاب والتخلف والظلامية، في كركوك وصلاح الدين والانبار.وان يتم الاجهاز ايضا على خلاياه النائمة، وما تقوم به بين الحين والاخر من اعمال ارهابية تطول الابرياء.
على انه يتوجب وبموازاة هذا النصر الكبير ان تترافق الخطى وترتفع الهمم وتوضع الخطط وتسند تنفيذها الى ذوى الكفاءات ومن العناصر الوطنية والنزيهة، والتي لا تحوم حولها شبهات الفساد، ما ظهر منها وما خفي، والتي لا هم لها الا خدمة الناس وتلبية مطالبهم وتنشد راحة الضمير وتلبية الواجب الوطني، في اطلاق حملة وطنية شاملة واستحصال الدعم الدولي لها، لاعادة اعمار ما مدمر اثناء العمليات العسكرية، وما خربه داعش عن عمد وقصد. ويبقى الاساس في ذلك ما يتوجب ان تقوم به الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية.
كما يتوجب رعاية عوائل المقاتلين جميعا، ومنح الشهداء منهم حقوقهم في التقاعد وغيره، ورعاية الجرحى والمعوقين وتقديم افضل الخدمات الصحية لهم، في داخل وخارج الوطن ومساعدتهم في العودة الى الحياة الطبيعية.
وقبل هذا وذاك لا بد من معالجة الاوضاع الانسانية للنازحين والمشردين، وتتخلص في تعجيل، من دون قيود سياسية او اثنية او طائفية، عودتهم الى ديارهم ومدنهم التي حررت وعونهم على بدء حياتهم الطبيعية، فلا معنى للانتصار بمعناه الواسع والوطني اذا بقيت هذه الالاف في العراء وتتحمل برد الشتاء وحرارة الصيف وتفتك بها الامراض ويقتلها الجوع. وحذاري حذاري من تكرار التجربة السابقة في الاقصاء والتهميش وعدم الاستجابة الى المطالب العادلة، واطلاق النعوت واسناد التهم جزافا من دون ما يوثق ذلك، وادخال كل هذا في حسابات سياسية ضيقة،هي كانت من بين اسباب عدة سهلت لداعش هذا التمدد السريع في اراضي وطننا.
وحذاري ايضا، من ان النصر الكامل لم يتحقق بعد، فالفرق واضح بين هزيمة داعش عسكريا، وهو متحقق لا محاله، وبين هزيمة الارهاب وتجفيف منابعه في بلدنا، وهو ما يحتاج الى مقاربات ومشاريع اخرى متكاملة ؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية وفكرية واعلامية، وهو ما يحتاج الى الكثير من الوضوح والجراة والاقدام والحسم وعدم التردد.
وحذار اخرى من تبهيت الانتصار في البحث عما يفسده، واثارة طائفة واسعة من القضايا المتراكمة عبر السنين، فيما حلها يتطلب الصبر والتأني وروح المبادرة والحوار الجاد، والابتعاد عن سياسة فرض الامر الواقع، والا نغماس في تحقيق المصالح الفئوية والخاصة، وتوظيف ذلك في المعركة الانتخابية القادمة.
ان ما يواجه الوطن من تحديات يستلزم القطيعة التامة مع المحاصصة ومنهج ونمط التفكير السائد والذي قاد بلدنا الى ما نحن عليه، بل وساعد على تضخيم ظاهرة داعش، فاليقين ان ماقبل داعش لن يستمر بعده، ويبقى المطلوب والملح ان يحصل ذلك بما يستجيب لارادة الجماهير المطالبة بالاصلاح والتغيير المنشودين واستحقاقاتهما، وان يوظف الجهد الوطني في هذا الاتجاه، فشعبنا يستحق افضل مما هو عليه الان بكثير.