الاحتجاج ركن اساس في الديمقراطية / الثلاثاء, 28 شباط/فبراير 2017

يتوهم البعض ان الديمقراطية هي مجرد انتخابات لاختيار ممثلين عن الشعب في كل اربع سنوات، يقررون مصير البلد من دون حسيب او رقيب.
وهذا التأويل، الذي يقول به العديد من المتنفذين، هو احد المظاهر البارزة لتشويه مفهوم الديمقراطية في بلدنا. فالديمقراطية منظومة متكاملة من القيم والمبادئ والاخلاقيات والاساليب، وفيها تحتل الانتخابات مكاناً مهماً. لكن الانتخابات من دون الاوجه الاخرى للديمقراطية، تشكل ظاهرة مشوهة مجتزأة تعجز عن تجسيد ارادة الشعب الحقيقية، خصوصاً ونحن في بلد يعيش ظروفاً غاية في التعقيد والصعوبة، ويغط في أزمة بنيوية شاملة لم يستطع شعبنا الفكاك منها خلال الـ 14 سنة الماضية، رغم انجاز ثلاث انتخابات وطنية عامة، ومثلها لمجالس المحافظات.
ويعود ذلك اساسا الى ديمقراطيتنا السائرة على منهج فاسد وادارة سيئة، تتلخص في اعتماد منهج المحاصصة الطائفية - الاثنية الذي اربك الحياة السياسية وشل الاقتصاد وشجع الفساد وانتهك حقوق الانسان، كما انتهك مبدأ المواطنة وحقوق المواطنين في الثروة الوطنية وفي توزيعها عبر منظومة متطورة تجسد العدالة الاجتماعية.
لهذا ولكي تكتمل صورة الديمقراطية، وتبقى الانتخابات جديرة بانتاج ممثلين معتبرين ومؤسسات تمثيلية سليمة، فان على الديمقراطية ان ترفد بما يساعد على تقويمها ومراقبتها من قبل الشعب، الذي لا يمنح صكوكاً مفتوحة لمن ينتخبهم في لحظة زمنية محددة. فهو ينتخب، كما يفترض، ارتباطاً ببرامج ووعود وتعهدات، فكيف كانت مواقف البرلمان والبرلمانيين واعضاء مجالس المحافظات ازاء ما وعدوا به الجماهير خلال الفترات الماضية ؟
العقلاء جميعا في بلادنا لا يختلفون في تقويم الاداء العام على انه سيء، سواء لمجلس النواب ام لمجالس المحافظات، ولا يتباينون بشأن نكوص القسم الاعظم من اعضاء هذه المجالس عن كل ما وعدوا به الناس في مجال توفير الخدمات والامن والاستقرار والظروف المعيشية الجيدة للمواطنين، وفي مجال العدالة وضمان حقوقهم والاستجابة لمطالبهم .
لهذا فالاحتجاج والتظاهر والاعتصام وغيرها من الاساليب السلمية، هي حاجة فعلية موضوعية للديمقراطية ولضمان لتطبيقها السليم وتطويرها، وهي ليست مجرد نموذج نظري يورد في الكتب والوثائق الرسمية والدستورية، وانما تكتسب اهميتها من ضرورتها لتحريك المياه الراكدة الفاسدة، وولمجابهة التنصل البيّن من الالتزامات التعاقدية مع الشعب، التي تخلى عنها قسم كبير من ممثليه ومؤسساتهم الرسمية .
ان الاحتجاج السلمي باشكاله المتنوعة (التظاهر، الاعتصام، الاضراب، التعبير عن الرأي في الاعلام ..الخ) ضروري لوضع الامور في نصابها الطبيعي. فمن يحصل على الثقة في لحظة، يجب ان يبرهن على جدارته باستمرار وبانجازات حقيقية وفعلية، والا فلن تسكت الجماهير عن قصوره وتلكؤه. دع عنك من يتورط في الفساد من بعض من انتجتهم العملية الانتخابية في ظروف حرجة ضبابية غير مستقرة. لهذا فان الديمقراطية والانتخابات لا تنفيان اهمية وضرورة الاحتجاج، بل انهما تستلزمان التفاعل مع الاحتجاج لتقويم الاعوجاج الذي تعانيه العملية السياسية ولتصحيح مسارها وتخليصها من كبواتها وهفواتها. مثلما يتوجب احترام ارادة الناخبين بل حتى قسم منهم مهما كان حجمه، ما داموا يؤشرون طعنا او نقصا بينأ .
فهل يستطيع المتنفذون القول انهم وفّوا بالكثير من وعودهم خلال الـ 14 سنة الماضية، ام ان البلد في تدهور عام مضطرد؟ وإذا كانت قد تحققت نجاحات معينة، فانها لا تلبث ان تفرغ من محتواها الفعلي، ويجري طمرها بمختلف الاساليب والوسائل والتنصل منها، كما حصل مع الكثير من مشاريع الاصلاح في السنوات الاخيرة.
ونضيف ان الاحتجاج ليس بدعة وانما هو قانون نافذ في جميع الديمقراطيات، يحصد من يتعامل بسلبية معه كوارث ونتائج قد لا ترضيه. فالعالم المتحضر لا يستهين برأي حتى الاقلية، فهو يحترمها ويجد الوسائل لاستيعاب مطالبها والتفاعل معها.
وهكذا نرى انطلاق التظاهرات والفعاليات الجماهيرية الحاشدة عبر العالم، فحتى اعرق الديمقراطيات لا تستغني عنها. وان من يتصورون ان الاحتجاج يكون مقننا بموافقة المتنفذين فحسب، ومنسجما مع تصوراتهم ورضاهم في المكان والزمان، انما يعبرون عن ضيق صدر بالمطالب المشروعة، ويعلنون الاصرار على الخطأ وعدم الرغبة في اصلاحه، بل وحتى السعي ما امكنهم لاعادة انتاج نفس الاوضاع التي قادت الى ازمة البلد القائمة.
اننا نؤيد قطعا احترام مبادئ التعامل السلمي والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ومنع الفوضى. لكن هذا التوجه الحضاري الانساني للمحتجين يجب الا يتحول - وفقا لعرف المتنفذين المتهافت - الى قيود وشروط مجحفة، تضع الاحتجاج خارج الديمقراطية والقانون.
قوانين الحياة ستفرض نفسها والجماهير لن تتراجع عن مطالبها، وفي تعرية من خدعها وتراجع عن تعهداته ووعوده، والمحتجون بذلك يقوّمون الديمقراطية ويرسخون مفاهيمها الصحيحة التي يحاول البعض تفصيلها على مقاساته الضيقة.
ان تجربة الاحتجاج ستتأصل وتتنامى حركات الرفض والمطالبة والضغط الجماهيري المتنوع ما زالت الحاجة قائمة لفرض الاصلاح والتغيير كضرورة بهدف وضع البلد على السكة الصحيحة، سكة الامن والبناء والامن والاعمار والحياة الطبيعية ورفاه المواطن وسعادته ورقيه.