حول مشروع قانون انتخاب مجالس المحافظات لا.. للتعديلات المجحفة / الثلاثاء, 17 كانون2/يناير 2017

احالت الحكومة مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية الى مجلس النواب، فيما يستمر الجدل بشأن موعد اجرائها، الذي كان مفترضا في الاصل ان يكون في نيسان القادم.
وقد اثار مشروع القانون الكثير من الاستياء والسخط، خاصة في شأن المواد التي صممت لتخدم توجهات الكتل المتنفذة لادامة سيطرتها وهيمنتها وسرقة اصوات الكتل الاخرى، وتقليص مساحة المشاركة في صنع القرار، والتضييق على القوى الرافضة لنهج المحاصصة وللفساد والمفسدين، والساعية الى الخلاص من كل هذا وذاك والدفع في اتجاه تدوير عجلة الاصلاح والتغيير، التي ما برح اعداؤهما يضعون العصي في دواليبها.
ومعلوم ان المحكمة الاتحادية كانت قد اتخذت في حزيران 2010 قراراً يقضي بعدم دستورية منح المقاعد الشاغرة للقوى الفائزة، وهو ما عُدّ في وقته انتصاراً للحق والعدل، وإن لم يأت القرار يومها كاملا فيبطل ما ترتب على التعديل الذي أدخله مجلس النواب في حينه على قانون انتخابات مجلس النواب.
وارتباطا بذلك عدل مجلس النواب قانون انتخابات مجالس المحافظات، واعتمد نظام «سانت ليغو» بصيغته الاصلية في توزيع المقاعد، وهو ما اعتُبر منصفا الى حدود غير قليلة، ومستجيبا لقرار المحكمة الاتحادية. ولقي هذا الإجراء من جانب مجلس النواب ترحيبا واسعا، نظرا الى ما افرز من نتائج أفضت في الواقع الى تحسين تمثيل القوى والأحزاب والكتل السياسية. كما انه وسع من المشاركة في المجالس، وابعدها عن نزعات الهيمنة والاستئثار والانفراد.
الا ان هذا لم يرُقْ للخائفين على مقاعدهم، التي تنهض على رمال متحركة. فعاد مجلس النواب واستبعد الطريقة العادلة المذكورة من قانون الانتخابات غير العادل، الذي تبناه عشية اجراء انتخابات مجلس النواب في نيسان 2014. حيث قام بتعديل نظام «سانت ليغو» الاصلي، وحوّله الى نسخة عراقية مشوهة له (اعتمد القسمة على 1.6 مقابل 1 في سانت ليغو الاصلي).
وامعانا في هذا التشويه، وتنفيذا لارادة من شلّ، بالفعل وبالقول، مجالس المحافظات وحال دون ادائها دورها، ولارادة من تلاحقهم ملفات الفساد التي اعلنوها بانفسهم ويواصلون صراعهم على المناصب والمغانم واعادة اقتسامها، وتحسبا لانعكاسات اصوات المحتجين وتحولها الى مقاعد، لهذا كله ولغيره وفي موقف متعمد بوضوح، جرى تبني سانت ليغو "عراقي" يعتمد القسمة على 1.7 مقابل 1، كما الحال في القانون النافذ لانتخابات مجالس المحافظات.
وحمل لنا المشروع الجديد تعديلا مجحفا آخر بحصر الترشيح في من يحمل الشهادة الجامعية في الاقل، وليس الاعدادية كما صيغة القانون السابقة. وهذا تعديل لا يوجد ما يبرره، وهو يتناقض مع قرار المحكمة الاتحادية الصادر اخيرا في شأن الدعوى التي اقامها عدد من المدنيين والديمقراطيين بخصوص قانون الاحزاب السياسية رقم 36 لسنة 2015.
واضافة الى ذلك قلص المشروع من اعداد اعضاء مجالس المحافظات، وهو ما نؤيده بشكل عام بما يعني من توجه جاد لتقليص المخصصات والامتيازات لمجالس المحافظات ومجلس النواب. لكن هذا التقليص بجانب ما نص عليه المشروع من تحديدات، وفي غياب قانون عادل ونزيه متكامل، وعدم توفر شروط اخرى مطلوبة لاجراء الانتخابات (مفوضية مستقلة ونزيهة وغير منحازة وبعيدة عن المحاصصة، اشراف دولي فاعل.. الخ) سيغدو عاملا اخر لتكريس نظام المحاصصة والهيمنة والاقصاء، وادامة سلطة الوجوه ذاتها التي عرف المواطن قبل غيره بؤس ادائها.
ثم ان المشروع الجديد يصر على حرمان الشباب من الترشيح، حيث يبقي ذلك متاحا لمن بلغ الثلاثين من العمر، فيما المطلب العادل كان وما زال تخفيض السن الى 25 سنة.
ان هذه التعديلات المجحفة والاقصائية التي اقحمت على قانون انتخابات مجالس المحافظات النافذ، ستسهم في ظروف عدم الاستقرار وضعف هيبة الدولة وقدرتها على فرض القانون وفي ظل عدم تفعيل قانون الاحزاب السياسية، في تقليص المشاركة والحد من التنوع في عضوية مجالس المحافظات. وهو ما سيقود عمليا الى اعادة انتاج الازمات الخطيرة، وتكريس الواقع القائم بكل ما يحمل من سوء ادارة وفساد وفشل ذريع في تحقيق منجز ملموس للمواطن طيلة السنوات السابقة.
اننا اذ نعلن رفضنا لهذه التعديلات المتقاطعة مع كل دعوات الاصلاح والتغيير، نجدد التمسك باعتماد الباقي الاعلى في توزيع المقاعد، او الابقاء على سانت ليغو بصيغته الاصلية. وندعو كل القوى الرافضة لسرقة اصوات الناخبين من قبل الكتل المتنفذة، وللطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، الى تدشين حملة واسعة للضغط على مجلس النواب، كي يرفض هذه التعديلات ولا يمررها، ويقوم بصياغة قانون انتخاب عادل ونزيه، يجسد الديمقراطية الحقة ويتيح للمواطنين اختيار من يمثلونهم بحق وجدارة، من الاكفاء والنزيهين والحريصين على المال العام وعلى توظيفه لمصلحة المواطن.