القضاء على الفساد وضرورة الإرادة السياسية والرؤية الواضحة / الإثنين, 11 كانون2/يناير 2016

قطع رئيس مجلس الوزراء د. حيدر العبادي، يوم السبت الماضي، عهدا بان يكون عامنا الجديد – 2016 عام القضاء على الفساد. وجاء هذا العهد بعد وفي خضم انتقادات سياسية وشعبية واسعة، لتراجع الحكومة عن الوعود بالإصلاح التي اطلقتها غداة انطلاق الاحتجاجات الكبيرة في عموم العراق.
وإذ يستجيب تصريح رئيس الوزراء الجديد للمطالب الشعبية، ويعكس الاهمية البالغة لمحاربة الفساد في احراز اي تقدم ملموس في عملية الاصلاح، فانه يثير أيضا تساؤلات جدية حول إمكانية تنفيذ الوعد بالقضاء على الفساد في ظرف عام واحد، خاصة وان رئيس الوزراء كان قد ادرج الحد من الفساد ضمن اهدافه عند توليه المسؤولية، وها قد مضى اكثر من عام ولم يتحقق إلا القليل جدا !
نعلم ويعلم السيد رئيس الوزراء، ان الفساد متفشٍ بشكل مخيف في مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وعلى صعيد المركز كما في المحافظات. كذلك وجد انعكاساته في المجتمع بعد الفشل الذريع في التصدي له منذ العام 2003، بفعل اعتماد نهج المحاصصة الطائفية والاثنية في الحكم والادارة.
فهو لم يعد يتمثل في رشاوى مجردة يتقاضاها موظف هنا ومسؤول صغير او متوسط هناك، بل تعدى ذلك إلى عقد صفقات كبرى موبوءة واخرى وهمية تماما، والى شراء مناصب عليا بملايين الدولارات، والتواطؤ في عمليات ضخمة لغسل الأموال .. والقائمة تطول!
والحصيلة الماثلة اليوم لهذا الفساد، الذي التهم الجانب الأكبر من أموال الدولة رغم ما تميزت به في السنوات الماضية من وفرة لا سابق لها، هي التدني المستمر في مستوى معيشة الجماهير الواسعة، وتدهور الخدمات، وغياب مشاريع الاعمار، وبقاء قطاعات الاقتصاد الحيوية (الزراعة والصناعة) متأخرة وشبه مشلولة.
إزاء هذا الواقع المتردي، يشكل التصدي للفساد المالي والإداري أولوية لا ريب فيها، إلى جانب مواجهة الإرهاب - داعش وأعوانه - واستعادة السيطرة على المدن المستباحة، وفرض سيادة القانون في عموم البلد. فلا يمكن الفصل بين هاتين المهمتين، لان الإرهاب والفساد حليفان متلازمان في تخريب الوطن.
إننا نشاطر رئيس مجلس الوزراء تشديده على أهمية مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ونؤكد ضرورة استرداد اموال الدولة والشعب منهم، خاصة مع التقلص الكبير في الواردات المالية لموازنة الدولة، وبوادر نشوء أزمة مالية واقتصادية عميقة، يصعب التنبؤ بتداعياتها وعواقبها..
لكننا نسأل: كيف يراد القضاء على الفساد؟! وفق اية رؤية؟
فالسيد العبادي اكتفى بجملة في هذا الشأن، قالها في كلمته بمناسبة عيد الشرطة: " كل فساد مرفوض ويجب أن يحارب بأقصى ما نستطيع. عام 2016 عام القضاء على الفساد".
ان تأكيدنا على ضرورة الرؤية السليمة والمتكاملة الى قضية مكافحة الفساد والقضاء عليه، ينبع من حقيقية ان غياب هذه الرؤية في السنوات الماضية، كان سبباً رئيسياً في نشوء مسلسل الأزمات، التي نعيش اليوم تداعياتها.
فالمهمة ليست سهلة، وتتطلب عملاً تكاملياً، ذا أبعاد سياسية وتشريعية وقانونية وإدارية وتنظيمية، وانسجاماً بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث. الامر الذي يتطلب إصلاح هذه المؤسسات بشكل جدي ودون إبطاء، كي تنجز نجاحاً أكيداً وملموساً.
والحق، انه كانت أمام الحكومة ومجلس النواب - ولا تزال - فرصة الاستفادة من البعد المجتمعي للمعركة ضد الفساد، المتمثل في الحراك الاحتجاجي المطالب بالإصلاحات، والذي تشترك فيه قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ورموز وشخصيات وطنية ثقافية واجتماعية، لها مصلحة حقيقية في القضاء على الفساد.
ان الوعود التي لا تقوم على رؤية متسقة مع الواقع ومع الفعل الملموس، كانت حاضرة في شتى المجالات طيلة السنوات الماضية. وقد سبب ذلك فجوة كبيرة في الثقة بين الشعب والسلطة، لا يمكن ردمها إلا بالخروج عن سياق الشعارات الرنانة.
وإذا كان رئيس الوزراء قد عمد في الأشهر المنصرمة الى اتخاذ اجراءات في هذا الصدد، مثل إبعاد بعض المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهات فساد عن مواقعهم الوظيفية، فانها تبقى إجراءات منقوصة ما لم يتم بجانبها تفعيل مبدأ الشفافية في الإعلان عن التفاصيل والنتائج، وممارسة ذلك ضمن إستراتيجية متكاملة ومعلنة.
يضاف الى ذلك ان تصحيح وضع وارتباط الهيئات المستقلة، لا سيما هيئة النزاهة، وإبعادها عن المحاصصة الطائفية والاثنية، وإصلاح السلطة القضائية بما يضمن استقلالها.. ان هذا كله يشكل عامل قوة لأي مسعى جاد في مكافحة الفساد والمفسدين.
ان الوضع المالي والاقتصادي المتدهور الذي يواجهه البلد، يضاعف حرصنا على جعل عملية مكافحة الفساد حرباً متواصلة على مستويات عدة، تشترك فيها كل قوى المجتمع ذات المصلحة الحقيقية في الخلاص منه. وهي ستبادر، بلا ريب، إلى مساندة أي جهد حقيقي وملموس في هذا الاتجاه.