العدد 164 السنة 85 الجمعة 29 أيار 2020

 

تصفح بي دي اف

 

 

 

 

ص1

على طريق الشعب...

معادلة التغيير وإبعاد البلاد عن حافة الهاوية

لم تعد الضرورة الملحة لإحداث التغيير في المنظومة السياسية الممسكة بزمام الأمور في البلاد، موضع جدل بالنسبة لغالبية الشعب. وتجلت إرادة التغيير الشعبية الجبارة بكل عنفوان وتحدٍ في انتفاضة تشرين - أكتوبر الباسلة، وفي الدماء الزكية لكواكب الشهداء وحشود المصابين والمنتفضين الذين تعرضوا لصنوف الترهيب والقمع، وما زالوا معتصمين في ساحات الاحتجاج.

فما آلت اليه أوضاع البلاد من تدهور وانهيار يحاصران بلدنا وشعبنا في حاضرهما ومستقبلهما، على خلفية انهيار الاقتصاد وتهاوي الخدمات العامة وتشظي الدولة ومؤسساتها،  تتحمل مسؤوليته القوى الطائفية السياسية بمختلف عناوينها، التي تحاصصت السلطة منذ 15 عاماً وتقاسمت مغانمها وامتيازاتها، واستأثرت بكل المفاصل الحاكمة في الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والاقتصادية، واستحوذت على الموارد والمال العام من خلال منظومات  الفساد، التي باتت تتحكم بمقدرات الدولة.

إن نجاح حكومة السيد الكاظمي مرهون أساسا بمدى قدرتها على المضي في عملية الإصلاحات العميقة والتغيير، وتحقيق انجازات فعلية في محاورها الرئيسة المشخصة في البرنامج الحكومي، بما يستجيب لمطالب الجماهير المنتفضة خصوصا المتعلقة بمحاسبة قتلة المتظاهرين، والتصدي للفساد، ومقاومة ضغوط قوى المحاصصة، واعتماد مبادئ العدالة الاجتماعية، وضمان الحاجات الأساسية لمعيشة المعدمين والكادحين ومحدودي الدخل ، الى جانب تكثيف الجهود وحشد الموارد لمواجهة جائحة كورونا ، وإفشال مخططات داعش الإرهابي.

ان الزمن أمام البلد والحكومة ليس مفتوحا، وتعاني اقسام واسعة من شعبنا ظروفا معيشية قاسية، وقد استنزفت ممارسات الحكومات السابقة ونكثها بالعهود وفشلها وفسادها، رصيد الثقة وحتى الصبر لدى شعبنا. فعوامل اندلاع  انتفاضة تشرين ما زالت قائمة، بل واضيفت اليها تداعيات الازمة المالية وشحة الموارد المتأتية من انخفاض أسعار النفط، وما سببته إجراءات التصدي لجائحة كورونا من صعوبات جمة لملايين العراقيين المعتمدين على كسبهم اليومي في توفير لقمة العيش.

وقد لقيت تعهدات رئيس مجلس الوزراء في المنهاج الحكومي والتصريحات المختلفة، وفي الخطوات التي اتخذها أو وعد باتخاذها، ارتياحا حذرا ليس ناجما في الغالب عن شك بالمقاصد والنوايا،  وإنما في القدرة على تجاوز قوى الصد المتحفزة لاعاقة الحكومة ورئيسها، اذا ما اتخذا إجراءات عملية لمواجهة سوء الإدارة  والفساد، أو حركا الملفات في المجالات التي تنتظر الإصلاح والتغيير.

وقد تلمس المواطنون بعض مظاهر التحدي متمثلة في استمرار ممارسات التحاصص وبيع المناصب الحكومية، اضافة الى الحديث عن شبهات فساد تخص البعض في الحكومة الحالية، وملفات فساد في بعض الوزارات والوزراء والمسؤولين في الحكومة المستقيلة. وفضلا عما تلمسه الشباب خصوصا من غياب العدالة في التعيينات التي جرت في الأيام الأخيرة للحكومة المستقيلة، والتي استحوذت عليها الكتل المتنفذة.

إن هذا كله يجعل من تجدد الانتفاضة بزخم متعاظم أمرا ممكنا، وقد يأخذ أشكالًا جديدة  غير مسبوقة.

ان البلاد تقف اليوم على حافة الهاوية إن لم تكن قد بدأت تتدحرج فيها، وان انتشالها يستلزم الإسراع في معالجة ملفات الإصلاح والتغيير التي طرحتها الانتفاضة وشدد عليها المنهاج الحكومي. ويبدو مرجحا ألا تنجح الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة على المدى القريب، ما لم تستند إلى زخم الحراك الشعبي، وتعمل بجد لبناء جسور ثقة مع قواه الأصيلة. ويتوجب على الحركة الاحتجاجية من جانبها القيام بمراجعة مسؤولة لمسارها،  واستخلاص الدروس منها لردم الثغرات ومعالجة النواقص، والتأكد من سلامة الشعارات المرفوعة وواقعيتها، والابتعاد عن العدمية في المواقف، واعتماد التنسيق والتعاون بين المنتفضين لتكوين ارادة وطنية شعبية قادرة على الضغط واحداث التغيير المنشود، وتمكين جماهير الشعب من القيام بدور رقابي على الاداء الحكومي، وفي اعادة هيبة الدولة وترسيخ القانون وبناء المؤسسات  النزيهة.

ان على الحكومة ومجلس النواب تأمين المستلزمات والظروف والامكانية العملية للمواطنين، لممارسة حقهم الدستوري في التعبير عن الرأي والاحتجاج والتظاهر السلمي  بمختلف الاشكال.

وفي المقابل فان الضغط الشعبي السلمي وتعظيم زخمه مطلوبان لتحقيق اهداف الانتفاضة، لدحر نظام المحاصصة والفساد واحداث التغيير المنشود وفرض إرادة الشعب، والانتقال الى دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية ، الدولة المدنية الديمقراطية.

***********

" العراق بدون كهرباء "

 

واحد من الهاشتاكات المتصدرة منذ أيام مواقع التواصل الاجتماعي، يؤشر الازمة المزمنة  لقطاع الكهرباء. ومع الحجر الصحي  وتصاعد الحرارة تجددت  معاناة العراقيين  مع قلة ساعات التجهيز وعدم انتظامه، كذلك  ارتفاع  اسعار امبير المولدات الاهلية وعدم تقيد أصحابها بالأسعار المحددة، وتغوّل  العديد منهم وجشعهم.

ازمة الكهرباء تبقى دون حل، بل وعدم  ثبات على رقم  يؤشر حاجة البلاد الفعلية، وما تنتجه، رغم انفاق  ٥٠  مليار دولار وربما اكثر على القطاع، إضافة الى ما سدده المواطنون  من جيوبهم منذ ٢٠٠٣.

لماذا لم يستطع العراق معالجة هذه "الورطة"؟  من  المسؤول: سوء الإدارة والتخطيط، مافيات الفساد والدولة العميقة،  المصالح النفعية الضيقة، المواقف السياسية المتماهية مع مصالح لا تتطابق مع مصالح البلد، ام يكمن وراء الازمة كل هذا وغيره؟!

من ينقذ العراق من "طركاعة الكهرباء"، وما تسببه من معاناة بشرية وخسائر جمة للاقتصاد الوطني وتعطيل قطاعات عديدة؟

فعيب ان يبقى  العراق بلا كهرباء !

راصد الطريق

**********

مكتب القائد العام يؤكد إنهاء قدرة داعش على تهديد المدن

الكاظمي: لا جهة أو قوة من حقها أن تكون خارج إطار الدولة

بغداد - طريق الشعب

أكد رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، أمس، أن لا جهة أو قوة من حقها أن تكون خارج إطار الدولة. وذكر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء، في بيان، أن الاخير "زار رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، أمس الخميس، مقرّ قيادة العمليات المشتركة". ولفت الى أن "الكاظمي، اطلع خلال الزيارة، على آخر مستجدات العمليات الجارية، وفعاليات التطهير المستمرة ضد عناصر تنظيم داعش".

وبيّن خلال لقائه بعدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين، أنّ "تطوير المؤسسات الأمنية واصلاحها هي من أولويات المنهاج الوزاري الذي ينصّ على تعزيز أداء الأجهزة الأمنية المختلفة وتحقيق التكامل المطلوب بينها، والعمل بمبدأ أنَّ كلَّ القوات العسكرية والأمنية في خدمة الشعب وتطلعاته ووحدته وأمنه وحماية مقدراته".

وأكد، أنَّ "لا جهة أو قوة من حقِّها أن تكون خارج إطار الدولة، مؤكدا استمرار العمليات العسكرية وتأمين الحدود".

وأشار  الكاظمي الى "أهمية التنسيق بين قواتنا الأمنية بمختلف صنوفها الامر الذي سينعكس ايجابا على العمليات العسكرية والأمنية ومطاردة خلايا الارهاب" .

260 هجمة ارهابية خلال رمضان

 

يبدو أن محاولات تنظيم داعش الإرهابي لإعادة تنظيم صفوفه بعد الهزائم التي تكبدها في ميادين القتال داخل العراق وسوريا قبل أكثر من عامين لا تتوقف، ففي الوقت الذي انشغلت فيه إدارات الدول في أزمة وباء كورونا وتداعياتها، كان التنظيم يحاول العودة مجدداً.

محاولات عودة داعش رصدتها صحيفة "تايمز" البريطانية في تقرير لها، عنونته بـ"حصاد الدم".. وبحسب تقرير الصحيفة، شن تنظيم داعش الإرهابي حملته الأكثر دموية في العراق، منذ ما يقرب من ‏عامين، مما أثار مخاوف من عودة الارهابيين، حيث أعلن داعش منذ بداية شهر رمضان مسؤوليته عن أكثر من 260 هجومًا ‏في جميع أنحاء العراق، مما تسبب في مقتل وإصابة 426 شخصًا.‏

 

قدرات داعش أنتهت

 

من جانبه، كشف العميد يحيى رسول، الناطق باسم القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن داعش لم يعد يشكّل خطراً على العراق كما كان في السابق، وأن خلاياه "شبه منتهية" ولم تعد قادرة على تهديد المدن.

وأشار الناطق العسكري العراقي إلى أن "القوات الأمنية نفّذت بين الحين والآخر العديد من العمليات العسكرية الواسعة من بينها (إرادة النصر) بثماني مراحل وعمليات (أبطال العراق) وعمليات (أسود الجزيرة)، وهذه العمليات تعتمد على الجهد الاستخباري وتقييم القيادات الأمنية للأوضاع بشكل عام في مناطق محددة".

وتابع رسول: "لا مكان لداعش في أرض العراق، عصابات هذا التنظيم لا تسيطر على أي أراض عراقية، وقواتنا تقوم بعمليات استباقية بشكل مستمر ضد أوكار الإرهابيين في السلاسل الجبيلة والمناطق الصحراوية لمنع الإرهابيين من الوصول إلى المناطق الآهلة بالسكان أو إعادة تنظيم قوة حتى لو كانت مصغرة، وهم يتحركون على شكل عناصر قليلة يتم رصدهم ومعالجتهم بين الحين والآخر".

**************

مفوضية حقوق الإنسان: 53 متظاهراً مختطفاً لا يُعرف مصيرهم حتى الان

وزارة الداخلية: لا قوة يمكنها إنهاء التظاهرات

بغداد – طريق الشعب

يبقى ملف انتفاضة تشرين الأول، هو الملف الابرز في الوضع العراقي، حتى مع تفاقم وباء كورونا وتعقد الازمة الاقتصادية. ويؤكد المتظاهرون باستمرار، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن انتفاضتهم لن تنتهي حتى تحقيق كامل اهدافها. وقد ادى هذا الإصرار الواعي من قبل المتظاهرين، الى جعل ملف التظاهرات شأنا متداولا بشكل يومي، واجبر السلطات على التعامل مع الانتهاكات التي رافقت الاحتجاجات بشكل جدي. في الاثناء كشفت مفوضية حقوق الانسان عن أن "هناك شكاوى تخص 53 متظاهراً مختطفا لا يُعرف مصيرهم حتى الآن". وتفاعلت الحكومة، الثلاثاء الماضي، مع التقرير الخاص لمكتب حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، بشأن حالات الاختطاف والاعتداء على متظاهري تشرين، مؤكدة التزامها بإجراء تحقيق عادل.

 

حصيلة شكاوي

"المتظاهرين المختطفين"

 

و أكد عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي، أن حسم ملف الاعتقالات العشوائية وتقييد الحريات، يحتاج الى العمل مع المؤسسات المعنية بالمراقبة والمساءلة وليس التنفيذية.

وقال البياتي لوكالة "بغداد اليوم" إن "حسم ملف المعتقلين بسبب التظاهرات أو الرأي، يحتاج الى العمل مع المؤسسات المعنية بالمراقبة والمساءلة وليس الجهة التنفيذية فقط، لأن الأخيرة كانت جزءاً أساسياً من الانتهاك، أو قصرت على الأقل في منعه".

وأضاف: "لذلك يجب أن تكون مفوضية حقوق الأنسان والقضاء العراقي أهم أركان التحقيق والمساءلة في هذا الملف، مع ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني لتكون مراقبة لعمل اللجان وسير التحقيق والمساءلة".

وأوضح، أن "السجون التي تم إيداع المتظاهرين فيها إذا كانت سرية فهي من اسمها لا يمكن التكهن بوجودها أو نفيه"، مستبعداً "وجود سجون سرية بسبب طبيعة التنوع الموجود في الأجهزة الأمنية، وصعوبة الحفاظ على سرية مثل هذه السجون".

وبين، أن "أغلب الجهات الامنية الرسمية وبشكل عام، لديها اعتقالات ومعتقلات، ونظرا لعدم وجود مركزية في عملها وتنسيق وقاعدة بيانات مركزية، يجري توصيف الموضوع على انها سرية"، مشيرا إلى أن "هناك شكاوى تخص 53 مختطفا لا يُعرف مصيرهم حتى الان".

وأشار إلى أن "المعتقلين الذين كانوا قيد الاعتقال من قبل الجهات الرسمية كان عددهم 98 شخصاً حتى 17 آذار، ولا نعلم إذا تم إطلاق سراحهم ام لا".

 

الحكومة تؤكد التزامها بتحقيق نزيه

 

من جهتها ردت حكومة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، الثلاثاء الماضي، على تقرير مكتب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، بشأن حالات الخطف.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، في بيان تلقته "طريق الشعب" أن الحكومة العراقية اطّلعت على التقرير الخاص من مكتب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في العراق، والمعنون، (حالات الاختطاف والتعذيب والاختفاء القسري في سياق التظاهرات في العراق: التحديث الثالث)، الذي يغطي الفترة الممتدة من 1 تشرين الأول 2019 حتى 21 آذار 2020.

وأضاف البيان، أن "الحكومة العراقية تؤكد حرصها والتزامها بحقوق الانسان وكرامته واحترام المواثيق الدولية، التي وقّع عليها العراق بهذا الخصوص".

وأشار البيان إلى أن "الحكومة تجدد الالتزام بالتحقيق النزيه والمستقل في كل الأحداث المشار اليها في التقرير، على وفق المنهاج الوزاري".

ونشرت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، السبت الماضي، تقريراً مفصلاً حول ملف المختطفين من المتظاهرين في العراق، فيما قدمت 5 توصيات إلى حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حول "المحنة". 

ووثّقَ مكتب حقوق الإنسان في "يونامي"، في تقريره الرابع حول التظاهرات "123 حالة لأشخاصٍ اختفوا في الفترة ما بين 1 تشرين الأول 2019 و21 آذار 2020. ومن بين هذا العدد تم العثور على 98 شخصاً، بينما لا يزال 25 شخصاً في عداد المفقودين".   

وأضاف التقرير أنه "منذ اندلاع التظاهرات في أوائل شهر تشرين الأول، أكّدت الأمم المتحدة وفاة 490 ناشطا وإصابة 7783 غيرهم. وان غالبية المتظاهرين هم من الشباب العاطلين عن العمل، وكانوا يطالبون باحترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.  وقد استمرت التظاهرات حتى بعد تفشّي فيروس كوفيد-19 في البلاد".   

وخلص التقرير إلى أن "استمرار غياب المساءلة بخصوص هذه الأفعال، لا يزال يسهم في تفشّي ظاهرة الإفلات من العقاب فيما يخص التقارير بشأن الانتهاكات والتجاوزات".   

وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس- بلاسخارت "إن قيام الحكومة الجديدة بتشكيل لجنةً عُليا لتقصي الحقائق للتحقيق في الخسائر البشرية والأضرار ذات الصلة هي خطوة حاسمة نحو العدالة والمساءلة، وإن التزام الحكومة بتوفير العلاج الطبي للمتظاهرين المصابين وتعويض أسر الضحايا هو أمر مشجع".

ويشير التقرير إلى أن "عمليات الاختطاف والاختفاء وقعت في خضم العديد من الحوادث التي تنطوي على انتهاكات وتجاوزات إضافية استهدفت الناشطين والمتظاهرين، بما في ذلك عمليات القتل المتعمد وإطلاق النار وهجمات باستخدام السكاكين، والتهديد والترهيب، والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة في مواقع المظاهرات".   

وتابع يقول "لم يكن أيّ من الذين تمت مقابلتهم على معرفة بهوية المسؤولين عن اختطافهم، على الرغم من أن معظمهم تكهن بتورط ميليشيات"، كما أضافوا بأنهم لا يعتقدون أن قوات الأمن العراقية كانت مسؤولة بشكل مباشر، ولا العصابات الإجرامية العادية هي الملامة".   

ولا يتكهن التقرير حول من قد يكون وراء عمليات الاختطاف، ويشير إلى "تورط جهات مسلحة ذات مستويات عالية من التنظيم والموارد والإمكانيات".   

 

الداخلية: لا قوة تستطيع

انهاء التظاهرات

 

من جانب آخر، أكد مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، أمس الأول، أن الوزارة ستواصل حماية التظاهرات، مشيراً إلى أن أي قوة غير قادرة على إنهاء التظاهرات.

ورداً على سؤال صحفي، بشأن المعلومات المسربة عن نية الحكومة انهاء التظاهرات، أجاب معن، خلال مؤتمر صحفي عقده في الديوانية، أن "وزارة الداخلية ستواصل حماية المتظاهرين والممتلكات العامة، وان حق التظاهر مكفول دستوريا".

وأكد ان: "ليس هناك حق لأية جهة أن توقف هذا الحق، ولا توجد أيضا أي قوة قادرة على ذلك".

*************

ص2

التربية تنفي تأجيل الامتحانات النهائية

 

بغداد – طريق الشعب

نفت وزارة التربية، أمس، الانباء التي اشارت الى تأجيل الامتحانات النهائية، فيما دعت الطلبة الى الموفقية والنجاح وبذل مزيد من الجهود لتحقيق افضل النتائج. وقالت الوزارة في بيان ان "الاخبار التي نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتأجيل موعد الامتحانات النهائية للمراحل المنتهية عارية عن الصحة"، مبينة ان "الوضع الراهن وبسبب جائحة كورونا تم التنسيق بين اللجنة الدائمة للامتحانات والمديرية العامة للتقويم والامتحانات ووزارة الصحة من اجل الاجراءات الصحية اللازمة". واضافت الوزارة ان "من اهم الاجراءات التي سيتم اتخاذها هي فحص الطلبة الممتحنين قبل دخولهم للمركز الامتحاني ومتابعة ارتدائهم وسائل الوقاية من قفازات وكمامات، فضلا عن ذلك توجيه الدعوة الى اولياء امور الطلبة بتوفير وسائل الوقاية من الآن ، وتدريبهم عليها وتشجيعهم بارتدائها من المنزل قبل التوجه الى الامتحان"، مشيرة الى ان "الوزارة تواصل بذل قصارى جهدها لتوفير الاجواء من خلال تعقيم وتعفير المراكز الامتحانية والايعاز بتطبيق شروط السلامة ووضع مسافة بين ممتحن واخر ضمن خريطة الجلوس لحماية ابنائها الطلبة من مخاطر الفايروس".

واعربت الوزارة عن املها "للطلبة الاعزاء دوام الموفقية والنجاح وبذل مزيد من الجهود لتحقيق افضل النتائج، وان يواصلوا العزم والارادة في التفوق وتحقيق نتائج مفرحة".

*************

كل خميس ...

الرواتب مضمونة

الرواتب غير مضمونة

 

تم تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين لشهر آيار وسلمت من الاستقطاع، حسب بيان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، الصادر يوم ١٩آيار. واذا كان هذا الخبر قد بعث الطمأنينة، ولو مؤقتا، في نفوس من ينتظرون استلام رواتبهم كاملة، خاصة من محدودي الدخل ومن لا مورد غيره عندهم لتدبير معيشة عوائلهم ومتطلباتها، فان القلق يبقى يقض مضاجعهم على رواتب الشهور القادمة.

وحين نتابع فقرات البيان الأخرى، التي تعرض لقرارات الجلسة الإعتيادية الثالثة لمجلس الوزراء، لا سيما المتعلقة بالجانب الاقتصادي، نجد ان رواتب الأشهر اللاحقة، أي حزيران وما بعده، لا تزال غير مؤمنة، الامر الذي يستلزم "إتخاذ الإجراءات الكفيلة بالسماح لوزارة المالية بالإقتراض لتغطية العجز المالي الناجم عن انخفاض أسعار النفط"، كما نص البيان.

والذهاب الى الاقتراض الداخلي ممكن طبعا في ظل هذه الازمة، لكن الخطورة تكمن  في الاقتراض الخارجي، لأن القروض المستحصلة من الخارج سترافقها شروط. وإذْ لا مجال هنا لاستعراض شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فتبقى الإشارة الى آثار وصفتيهما على الدول التي اضطرت الى طلب المعونة او الاقتراض منهما، وهما المؤسستان اللتان تعدان من أذرع المنهج النيوليبرالي، وسعيه الى الهمينة على مقدرات الشعوب وإجبار الأنظمة على اتباع نظام اقتصادي استهلاكي تابع. مثلما ان الدول التي تمنح القروض تنطلق أساسا من مصالحها، فهي في نهاية المطاف ليست منظمات خيرية!

اما بشأن الخطوات العاجلة التي تؤمن الاحتياجات الضرورية، كالرواتب والخدمات، فطريقها سهل جدا، لكنه يحتاج الى جرأة في القرار وشجاعة وحزم في التنفيذ، وهو يبدأ بحجز أموال طغمة الفساد واملاكها واطيانها وبنوكها وفضائياتها، والمباشرة باستجوابهم استنادا الى الانون الذي سبق ان صوت عليه البرلمان (قانون من أين لك هذا؟). وهناك قضايا ملموسة يمكن البدء بها فورا، ونعني تدقيق جميع العقود والعطاءات وكذلك الموازنات المالية السابقة وحساباتها الختامية!

اما الحل الجذري فيكمن في اعتماد رؤية اقتصادية جديدة تشجع وتحمي الصناعة الوطنية والزراعة، وفي وضع ضوابط واضحة لدعم المنتوج الوطني، وعدم السماح بتدفق السلع التي ينتج مثيل لها في العراق، واتباع نهج التنمية المستدامة، وبعكسه تبقى البلاد في لجة الازمات الاقتصادية والمالية المتفاقمة. هذا السبيل السليم لا يمكن ان يتنفس في ظل الفساد، الذي لا بد من التصدي له بخطوات ملموسة وحقيقية وحلول شاملة.

وما يؤسف له  ان الاجراءات المتخذة في اطار هذه الوجهة، ما زالت تصطدم ببيروقراطية الدولة والفساد المتفشي فيها. فقرارات منع استيراد السلع التي تم تحديدها لم تطبق، والبضائع المحظور استيرادها لا تزال تتدفق على الأسواق. وهكذا لم يبق الفساد شيئا من الإجراءات المذكورة. فالرشوة هي سيدة الموقف، و"بقدرتها" تُرفع الموانع، ويُضاء اللون الأخضر للسماح بمرور أية سلعة، مهما جرى تأكيد عدم حاجة السوق العراقية اليها،  وبمنتهى السهولة!

وما يزيد من خيبة الامل تغوّل قدرات طغمة الفساد، التي وصلت الى بعض المستشارين والاقتصاديين، الذين عادوا بنغمة توقع ارتفاع أسعار النفط، والغاية من ذلك هي اضعاف التوجه نحو بناء اقتصاد حقيقي يعتمد الصناعة والزراعة، والإبقاء بدلا من هذا على الاقتصاد الريعي، كي يبقى العراق ذا منهج اقتصادي تابع، تترسخ فيه نزعة الاستهلاك وليس الانتاج.

جاسم الحلفي

************

خبراء ماليون عن الأزمة الاقتصادية: الحل الأمثل هو الاقتراض الداخلي

مستشار مالي: قانونا الموازنة والاقتراض

قد يشرّعان في جلسة واحدة

بغداد - طريق الشعب

أكد مستشار مالي ان العراق ماض بتشريع قانون الموازنة المالية، الذي من المعول عليه ان يتم تشريعه مع قانون الاقتراض خلال الجلسة الاولى لمجلس النواب بعد عطلة عيد الفطر. فيما اعتبر خبراء اقتصاديون وماليون ان خطوة تشريع قانون الاقتراض ستفرض على العراق ديونا إضافية يترتب عليه تسديدها، لافتين إلى انه كان من الأجدر إعادة تنظيم مصروفات البلد المالية الداخلية، والحد من حجم نفقاته، كإجراء لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية.

وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء د.مظهر محمد صالح، في حديث لـ "طريق الشعب"، ان "الحكومة لا تسعى الى إطلاق موازنة نصف سنوية او موازنات شهرية. فالعمل جار على تشريع قانون الموازنة، الذي من المعول عليه أن يتم التصويت عليه مع قانون الاقتراض بعد عطلة عيد الفطر".

واضاف قائلا انه "نظرا لعدم صدور قانون الموازنة لعام 2020 الى الآن، وبسبب قانون الإدارة المالية النافذ (والمعتمد في تسيير اعمال المالية العامة في ادارة الصرف والإيراد في العراق حاليا) لم يتم توفير الغطاء القانوني اللازم للحكومة للاقتراض الخارجي او الداخلي دون سند قانوني (وعادة ما يتوفر هذا السند في قانون الموازنة الاتحادية العامة عند تشريعه)".

وتابع قوله انه "في ضوء ما تقدم، وبسبب العسرة المالية التي تمر بها البلاد، ومن أجل سد فجوة العجز في الإيرادات إزاء نفقات ثابتة، لا سيما في الموازنة التشغيلية، ذهبت الحكومة الى السلطة التشريعية لغرض اصدار قانون يخولها (الحكومة) بالاقتراض من مصادر التمويل الداخلية والخارجية بغية سد العجز وتعزيز سيولة مالية عامة"، مشيرا الى ان "القروض الممنوحة بعد صدور الغطاء القانوني لها من مجلس النواب، ستدرج ضمن قانون الموازنة حال تشريعه، او ضمن الحساب الختامي في نهاية السنة المالية كواقع حال".

الخبير المالي ماجد الصوري، ذكر من جانبه لـ" طريق الشعب"، ان "امكانية الاقتراض لا زالت متاحة للعراق، بحكم ان الاقتراض المحلي والخارجي، حسب قانون الادارة المالية في كل موازنة، لا يجوز ان يزيد على 3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، الذي هو بحدود 200 إلى 220 مليار دولار"، موضحا ان "الدين الداخلي للعراق بلغ 38 تريليون دينار من اصل 46 تريليون دينار، والدين الخارجي بلغ بحدود 26 إلى 27 مليار دولار".

واستدرك الخبير المالي في حديثه: "لكن، هل أن سوق الاقتراض مسموح به في الوقت الحاضر؟ خاصة ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي امامهما اليوم مهمة كبيرة، وهي توفير قروض لـ 92 دولة تقدمت بطلبها في ظل الإمكانيات المالية المحدودة للصندوق. كما ان العراق اقترض اموالا كبيرة من الصندوق. لذلك فإن مسألة الاقتراض المطروحة من خلال تقديم ضمانات قانونية، ليست عقيمة، انما صعبة وستضع عائقا كبيرا أمام العراق".

وبخصوص الامكانيات المتاحة للخروج من هذه الازمة، بيّن الصوري ان "هناك اموالا كبيرة مكتنزة لدى الجمهور العراقي، وعلى الحكومة العمل على اعادة الثقة بينها وبين المواطنين من خلال اصدار السندات، بالرغم من أن ذلك يعتبر خطوة مخالفة للقانون، كونها تندرج ضمن سياقات القروض. لكن، ومع ذلك، فإنه بإمكان الحكومة اصدار هذه السندات القابلة للتداور مع الجمهور، وبذلك يمكن استخدام تلك الاموال المكتنزة".

وتابع قائلا: "كما انه من الممكن انشاء مصرف تنموي لا يقل رأس ماله عن 5 مليارات دولار، على ان لا يتم دفع المبالغ مباشرة، انما عند إصدار السندات من قبل الدولة. ففي حال المضي بهذه الخطوة سيتم استقطاب اموال مكتنزة كبيرة من المواطنين، الذين يمتلكون أموالا ضخمة".

واشار الى ان "تنفيذ تلك الخطوات كفيل بتحقيق تقدم في مجال التنمية وتحجيم للأزمة المالية التي يمر بها العراق".

إلى ذلك، رأت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، ان "واقع الحال الذي وصل إليه العراق من تخبط اقتصادي، جاء نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية، وان قرار تشريع قانون الاقتراض سيضع ديونا إضافية على البلد، يترتب عليه تسديدها، بالرغم من كونه لم يحسم ديونه السابقة الى الآن، بسبب الفساد"، مبينة أن "العراق مرت عليه سنوات وكانت بحوزته موازنات ممتلئة، إلا انه كان يلجأ إلى الاقتراض بالرغم من ذلك".

ولفتت سميسم إلى ان الحل الامثل امام العراق هو "اعادة النظر بآلية الانفاق المتبعة، والشروع بمنع تعدد الرواتب، وايقاف رواتب الفضائيين، وإخضاع رواتب الدرجات الخاصة، التي يبلغ عددها 6 آلاف و 800 درجة، لضوابط سلم الرواتب، كونها تشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، فضلا عن إعادة النظر بمخصصات تصل الى 200 في المائة، ترصد الى منتسبي الرئاسات الثلاث، وهي في الاساس تذهب إلى أبناء المسؤولين وأقربائهم".

وفي شأن امكانيات الاقتراض المتاحة للعراق، ذكرت أن "هناك خطوة وحيدة تتمثل في اقتراض الدولة من المواطنين من ذوي الأموال المكتنزة، مقابل اصدار سندات"، مبينة أن "هذه السندات تعد بحد ذاتها أوراقا مالية تدعم الاقتصاد، وضمانا لأصحاب الأموال الذين يقرضونها إلى الدولة مقابل تحقيق فوائد".

وأشارت سميسم إلى ان هذا الاجراء، أيضا يضع ديونا على العراق يترتب عليه تسديدها، مستدركة "لكن الحكومة في الوقت الحاضر، ليس امامها سوى المضي بهذه الخطوة لتدارك الازمة المالية الناجمة عن انخفاض اسعار النفط".

************

تعاز ومواساة برحيل الفقيد ثائر جبو

 

 

عائلة الفقيد ثائر جبو

بحزن عميق تلقينا خبر رحيل السيد ثائر جبو بسبب اصابته بفايروس كورونا، نتقدم لكم ومن خلالكم لجميع عوائلكم بالتعازي الصادقة متمنين للجميع الصبر وللفقيد الذكر العاطر ولروحه السلام.

 

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد

 

 

******

 

بحزن وألم كبيرين تلقينا نبأ رحيل المناضل ثائر جبو الذي كان عضواً في منظمتنا وناشطاً في صفوف جمعية الطلبة أثناء دراسته في جمهورية هنغاريا في ثمانينات القرن الماضي .

والفقيد ينتمي الى عائلة مناضلة معروفة بمواقفها الوطنية ، حيث قدمت الكثير من التضحيات الكبيرة وتعرضت للتشريد وتحملت الكثير من المصاعب في ظل النظام الدكتاتوري السابق .

والفقيد شقيق الشهيد الرفيق الدكتور سلمان جبو الذي أستشهد وهو يحمل السلاح أثناء ألتحاقه بصفوف الأنصار في كردستان العراق في أوائل ثمانينات القرن الماضي .

الذكر الطيب للفقيد ثائر والصبر والسلوان لأهله وذويه.

 

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هنغاريا

*************

تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكوردستاني

حول كلمة السيد رئيس حكومة إقليم كوردستان

ألقى السيد رئيس حكومة اقليم كوردستان بتاريخ ٢٢ آيار خطابا مباشرا عبر القنوات الفضائية تحت عنوان الأزمة المالية في إقليم كوردستان ، اشار فيه الی عدة  مواضيع تعتبر جديرة  بالملاحظة والمتابعة.

يمثل حديث رئيس الحكومة  الخطاب الثاني له عن اعمال ومنجزات حكومته بعد مرور عشرة اشهر على تشكيلها، وسبق ذلك خطابه الأول بعد مرور مائة يوم من تشكيل الحكومة الائتلافية التاسعة، المكونة من (الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير).

وانطلاقا من توجهاتنا كحزب يساري معارض نعرض ملاحظاتنا التالية حول خطاب رئيس الحكومة :

1- إن تسمية الأزمة الحالية في اقليم كوردستان بٲزمة مالية ما هو إلا ابتعادا عن التشخيص الحقيقي للأزمة التي يواجهها اقليم كوردستان. لقد  تحدث رئيس الحكومة عن أزمة مالية ورجح السبب الرئيسي فيها الی انخفاض سعر النفط وتفشي وباء كورونا وعدم التزام الحكومة الاتحادية في تزويد الإقليم حصته من ميزانية الحكومة الاتحادية، في حين نرى ان طبيعة هذه الازمة هي اقتصادية بالدرجة الأولى وتكمن أسبابها إضافة الى هذه النقاط التي تم ذكرها في حديث السيد رئيس الوزراء نقطة اساسية وجوهرية وهي السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة واعتمادها علی آليات اقتصاد السوق الرأسمالي المنفلت والتابع ، وشروط صندوق النقد الدولي والاعتماد علی سياسات الليبرالية  الجديدة.

وعلی الرغم من ان الحكومة الحالية وخلال فترة تشكيلها استطاعت من دفع تسع رواتب للموظفين كما جاء في حديث رئيس الحكومة، الا ان مجرد دفع الرواتب لا يعني حل الازمة الراهنة. لقد سبق ان وصفت الحكومة السابقة الأزمة الموجودة بالأزمة المالية ولجأت الى حلها عبر سياسية الادخار الاجباري وتخفيض رواتب الموظفين. غير ان القروض المالية ازدادت وبلغت الديون 27 مليار دولار دون ان يوضح رئيس الحكومة تفاصيل الديون امام البرلمان وممثلي الشعب الكوردستاني، ووصل الامر الی عجز الكابينة التاسعة تزويد الموظفين والمتقاعدين  بوصل يوثق قانونيا الادخار الاجباري لتلك الرواتب، ناهيك بان المتقاعدين استلموا الراتب التقاعدي لشهر نيسان ٢٠١٩ في أيار ٢٠٢٠. 

2- أشار حزبنا في عدة مناسبات بان حكومة الإقليم تعاني من أزمة شاملة تحتل السياسات الاقتصادية جوهر الأزمة وأساسها  إضافة الى المسببات الأخرى ومنها أسلوب الحكم والابتعاد عن الحوكمة وبقاء مظاهر ازدواج الإدارة والتعامل وفق عقلية الكسب الحزبي  الضيق وعدم الشفافية وخاصة في مجال النفط والغاز، وسبق ان  قدم حزبنا ملاحظاته بعد مرور مائة يوم على تشكيل الكابينة التاسعة حيث اشرنا الی ضرورة تٲسيس صندوق الواردات النفطية، أضافة الى مفردات عملية الاصلاح لتكون من اولوياتها.

أشار السيد رئيس الحكومة في خطابه بان جزء قليل من مردود الواردات النفطية يعود  الی خزينة الحكومة  في حين يذهب الجزء الاكبر الی الشركات الاجنبية، وهذا مؤشر واضح الى الخطأ الكبير في (عقود الشراكة)  التي أبرمتها حكومة الإقليم منذ عام 2007 الی الوقت الحالي مع الشركات الاستثمارية الأجنبية  ولم يتم مراجعتها، في حين يستوجب الامر تٲسيس شركة نفطية كوردستانية حكومية.

3-  تحدث رئيس الحكومة عن تنوع مصادر الايرادات، وسبق ان أشار في خطابه بمناسبة مرور مائة يوم علی تشكيل الكابينة التاسعة الى تنويع مصادر الإيرادات من المصادر الاخری غير النفطية لتصل الی نسبة 50% في نهاية 2019، غير أنه لم  يتحدث عن تلك المصادر والتي تأطرت عمليًا  في زيادة الضرائب والرسومات علی الخدمات التي تقدمها الحكومة مما شكل عبئا علی معيشة المواطن الكادح.

وإذا تحدثنا عن الوضع الحالي علينا ان نشير الى عدم إمكانية القبول بان تقع اثار وأعباء الأزمة الحالية علی عاتق المواطن الكوردستاني الكادح في وقت تزداد نسبة البطالة والفقر ويضطر أعداد غير قليلة من الشبيبة الذين يعتبرون ثروة وطنية الى الهجرة .

4- تتحدث الحكومة عن الاهتمام بقطاع الزراعة لتمثل احد مصادر الإيرادات مستقبلًا غير ان هذه الوجهة لا تستكمل دون تشخيص طبيعة اقتصاد اقليم كوردستان والذي نراه  حسب رؤية حزبنا  اقتصادا ريعيا يعتمد علی مصدر واحد فقط وهو النفط ، والاعتماد على الحصة التي تأتي من الحكومة الاتحادية.

لقد سبق وان تطرق حزبنا علی ضرورة العمل من تحقيق مفهوم (الاكتفاء الذاتي) باعتباره أساسا في الاستقلال الاقتصادي الذي يضمن تطوير كوردستان وتوفر حياة كريمة للكادحين.

لقد كان علی حكومة اقليم كوردستان في مدة التسعة اشهر الماضية التحقيق في جميع المواضيع والأنباء المتداولة حول تسرب المليارات من الدولارات الی البنوك في دول اجنبية وتوضح ذلك الی الرٲي العام وعامة الناس حقيقة الامر، وتعمل من اجل تنظيم الكمارك والاهتمام بمستحقات الفلاحين وبالأخص في مجال الحبوب التي اصبحت تتٲخر لعدة سنوات متتالية من قبل الحكومة الاتحادية ، وتعويض الفلاحين المتضررين من جراء الكوارث الطبيعية والاثار العسكرية في المناطق الحدودية، وتخفيض الفائدة علی القروض الزراعية وانشاء السايلوات والأسواق والمخازن الجديدة لخزن المحاصيل الزراعية وانتهاج سياسة جديدة لحماية المنتج المحلي.

5-  يرى حزبنا بان عملية الإصلاح الحقيقي بحاجة الى سنوات عديدة وقد سبق وان أشار حزبنا في جميع مشاريعه الى الإصلاح  في المجال السياسي والاقتصادي وبناء الحكم الرشيد. لقد أكدنا على ضرورة  وضع دستور لاقليم كوردستان ورسم سياسة اقتصادية علی اساس التنمية البشرية المستدامة بعيدة عن شروط صندوق النقد الدولي. كما يجب ان تكون خطوات الإصلاح والانفتاح شاملة لمختلف مجالات عمل الحكومة واللجان الرقابية والادعاء العام ووضع حد لاحتكار السوق ومجالات الاستثمار من قبل الشركات التابعة للأحزاب الحاكمة ومن الضروري تعديل قانون الاستثمار المعمول به حاليا، والعمل علی تاسيس مجلس الخدمة وتوحيد مؤسسات الاسايش والبيشمرگه والقوی الامنية.

٦- يعتبر الاستقرار السياسي من المستلزمات الأساسية لعملية الإصلاح الحقيقي غير ان الاطراف التي شكلت السلطة لاتزال تعمل وفق عقلية الكسب الحزبي الضيق وسياسة الاستقطاب مما انتج حالة من التشتت والتشظي داخل الإقليم.

لا شك ان خلفيات الازمة الراهنة تعود الی الحكومات السابقة ولكن السياسات التي أنتجت هذه الحالة من التشتت لا تزال باقية في الكابينة التاسعة حتى الوقت الحاضر.  ان حزبنا لديه القناعة التامة بأهمية النضال من اجل المهام الوطنية الكوردستانية والحقوق الطبقية للجماهير الكادحة لتأمين حياة كريمة لهم، غير ان هذه المهمة لن تتم عبر تكميم الافواه وسلب الحريات وعدم افساح المجال للتظاهرات السلمية، بل تتم الدفاع عبر وضع سياسة وطنية كوردستانية موحدة  ووضع خطة تنمية اقتصادية تحظى بقبول الشعب الكوردستاني عبر مؤتمرات اقتصادية بمشاركة جميع الاطراف السياسية وشخصيات اكاديمية، لوضع خطط استراتيجية لا تعتمد علی الاشخاص والخبراء المحليين والاجانب الذي ساهموا في وضع برامج التنمية للحكومات السابقة والحكومة الحالية منطلقين من قناعاتهم المسبقة بالليبرالية الجديدة والخصخصة المفرطة التي تخدم البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية.

ان كوردستان بحاجة الى سياسة اقتصادية حديثة وخطوات جدية نحو الإصلاح الحقيقي، ولا نملك غير هذا الطريق لحماية معنويات شعب كوردستان وروح المقاومة للدفاع عن المصالح الوطنية الكوردستانية ومن حق شعب كوردستان ان يعرف من هو المسؤول عن السياسات السابقة والأخطاء  المقترفة في وقت لم يقدم اي طرف سياسي حاكم الاعتذار الى شعب كوردستان، لذلك فان من حق شعب كوردستان اختيار الوسائل المناسبة لمحاسبة المتسلطين.

 

المكتب السياسي

للحزب الشيوعي الكوردستاني

23/5/2020

*************

ص3

خبير: فشل إدارة ملف الكهرباء يرتبط بقضايا اقتصادية وجهات مستفيدة

اخفاق التجهيز الكهربائي يسبق ذروة الصيف

ويفاقم الاستياء الشعبي

بغداد - عبدالله لطيف

شهدت مدن عديدة في مختلف المحافظات، مؤخرا، ضعفا كبيرا وترديا في تجهيز الطاقة الكهربائية قبل حلول ايام فصل الصيف الساخنة، ما أدى إلى التذمر الشعبي وتقديم الكثير من الشكاوى والتحذيرات بشأن مصير هذا الفصل والمعاناة المقبلة على المواطنين.

شكاوي متزايدة

 

المواطن رائد العامري، وهو من سكنة منطقة حي الجهاد في جانب الكرخ من بغداد، يؤكد لـ"طريق الشعب"، أن "الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت انخفاضا في تجهيز الطاقة الكهربائية سبّب معاناة للأهالي خصوصا في شهر رمضان، حيث أن ساعات التجهيز في آخر عشرة أيام من الشهر لم تتجاوز 8 ساعات في اليوم الواحد، وما زالت الخدمة متردية دون أي حل يُذكر".

ويضيف العامري، أن "المولدة الأهلية التي تجهزنا تقع في مربع سكني آخر تتقاطع ساعات تجهيزه الحكومية مع مربعنا، لذا فأن اصحاب المولدات في احيان كثيرة لا يجهزونا بالخدمة بسبب التقاطع ونبقى دون التجهيز الحكومي أو الأهلي والحالة هذه يتعرض لها مواطنين في مناطق عدة".

وفي جانب الرصافة من العاصمة، وتحديدا في منطقة بغداد الجديدة، يتساءل المواطن، كاظم الموسوي لـ"طريق الشعب"، عن "المليارات التي صرفتها الحكومات المتعاقبة من اجل اصلاح منظومة الكهرباء في العراق"، معبراً عن سخطه قائلا: "رغم كل هذا الصرف والأهالي هم من يتحملون كلفة تصليح المحولات الكهربائية الحكومية في حال عطلها، والتجهيز الكهربائي بقي دون معالجات جادة".

 

متى تنتهي الأعذار؟

 

الاعذار والحجج التي رافقت سوء ادارة ملف الكهرباء وهدر مليارات الدولارات يمكن أن تتكرر، خصوصا وأن وزير الكهرباء الجديد في حكومة الكاظمي تسلم الملف وهو يتضمن اخفاقات متراكمة ويواجه أزمة مالية خانقة، ولكن السؤال الذي يطرح باستمرار: "متى نتجاوز الاعذار ونتجه لإصلاح الوضع؟"

الناطق الرسمي باسم وزارة الكهرباء، احمد موسى، يقول في تصريح خاص لـ"طريق الشعب"، إن "اسبابً عديدة وراء تراجع ساعات التجهيز في الايام الماضية كانت مقدمتها استهداف الجماعات الارهابية لخطوط النقل والابراج الكبيرة، وهذا ما دعا فرق الصيانة إلى مضاعفة جهودها لإصلاح ما خربته الاعمال الارهابية، وتعرض العاملون فيها إلى الاستهداف ايضا واستشهد احدهم أثر ذلك"، مؤكد إن "ساعات التجهيز عادت حاليا إلى استقرارها مثلما كانت في مطلع شهر رمضان الماضي".

ويرفق موسى خلال حديثه اسباب أخرى لسوء التجهيز منها "قلة النفقات الحالية وغياب الموازنة التي حالت دون اكمال أعمال الصيانة الدورية التي تجريها الوزارة للمحطات سنويا لإشراك بعض الوحدات التوليدية لزيادة الانتاج، فضلا عن التأثر بارتفاع درجات الحرارة الذي لعب دورا من جهته"، مردفا "كانت لدينا خطة استراتيجية لهذا العام ولكن الحكومة اشعرتنا بإيقاف العمل فيها وبالتالي اضطررنا للجوء الى خطط بديلة. والعمل جار لإدخال وحدات توليدية جديدة في شهر السادس في محافظة المثنى بمقدار 250 ميغاواط واخرى في ذي قار بمقدار 225 ميغاواط".

وبين الناطق الرسمي، أن "إنتاج العراق الحالي وصل الى 16 الف ميغاواط ونحاول المحافظة على ما تحقق في العام الماضي، ونتطلع للوصول الى 19350 ميغاواط مع نهاية هذا العام"، لافتا إلى أن "هذا المعدل لو تم ترشيده بالشكل المثالي فبإمكانه ان يقدم ساعات تجهيز مرضية للمواطنين"، منوها بخصوص أزمة ساعات التجهيز إلى أن "الامر مرهون بعدة قضايا ولا يقتصر على رفع مقدار الانتاج، وتتحكم فيه قوة ومتانة شبكات التوزيع، وكذلك الاكتظاظ السكاني، والانشطارات الحاصة في المنازل، وامتلاء المدن بالعشوائيات، وعدم مراعاة التصميم الاساسي للمدن، فكل هذا جعل من تطوير شبكات النقل لتوفير ساعات تشغيل كاملة امراً صعبا".

 

ما مصير ملفات الفساد ؟

 

وارتباطا بأسباب الازمة، يلفت عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية، على العبودي، خلال حديثه لـ"طريق الشعب"، إلى أن "اللجنة تتطلع لأن يأخذ ملف الفساد في وزارة الكهرباء مساحته من الاهتمام في هيئة النزاهة، خصوصاً وأن هذا الملف فيه هدرا لأموال طائلة قاربت الـ40 مليار دولار"، موضحاً إن "من ضمن هذه المبالغ ميزانيات تشغيلية ولكن جزء كبير منها ذهب لجيوب الفاسدين في الوزارة".

ويضيف العبودي "مجلس النواب سيستضيف وزير الكهرباء والوكلاء والكوادر المتقدمة في الوزارة، للحديث معهم بشأن الازمة الاخيرة، وعن كيفية تأمين اموال للوزارة لغرض اعمال الصيانة، كذلك سيجري الحديث حول الملفات السابقة".

 

غياب التنمية الاقتصادية

 

وفيما يتعلق بملف الكهرباء، ينظر بعض الخبراء الاقتصاديون إلى جانب آخر من سوء التجهيز والفشل المستمر فيه يتعلق بمنهجية تخريبية مقصودة.

لذا فأن الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، يعتبر في حديث خاص لـ"طريق الشعب"، أن "عدم حل مشكلة الكهرباء مسألة لها ابعاد كثيرة جداً وتكمن في عدم رغبة الحكومات بالتوجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام، التي لن تحدث من دون توفير الطاقة الكهربائية".

ويؤشر الخبير سلبا على التوجهات الموجودة لدى السلطة التي "تذهب نحو التوسع في النفقات التشغيلية لزيادة الطلب الذي يؤدي إلى الزيادة في الاستيراد والاستهلاك والقلة في انتاج البضائع والسلع. وبما أن تجهيز الطاقة الكهربائية يؤدي إلى تطوير الانتاج، فالملف بقي مهمشا لأسباب نفعية"، مبينا أن "حل مشكلة الكهرباء يكمن في إنهاء مصالح بعض الجهات السياسية التي لديها ارتباطات خارجية، لذلك فأنها تريد الإبقاء على هذا الحال لرغبتها بتعزيز الاستيرادات المربحة والآنية والسريعة".

ويبين الصوري، أن "الوزير الحالي قال في لقاء متلفز أن العراق صرف حوالي 30 مليار دولار من اجل تأمين الكهرباء  في حين أن ارقام اخرى تحدثت عن صرف 50 مليار دولار وكل هذه المبالغ لم تستطيع تأمين حاجة العراق البالغة 30 الف ميغاواط، وما تزال الطاقة الانتاجية حوالي 14 الف ميغاواط، علما أن النظام السابق ترك ارثا انتاجيا بمقدار 5 آلاف ميغاواط، وهذا يعني أن المبالغ المصروفة من بعده لم تنتج سوى 9 آلاف ميغاواط فقط رغم ضخامتها".

************

قصة الحسابات الختامية المتعثرة 

 

في البلدان الاخرى عندما لا تكون شعوبها شديدة الاهتمام بثقافة الموازنات السنوية والحسابات الختامية لان ما يهمها النتائج وليس التفاصيل ولأنهم لا يعطون لظاهرة الفساد اولوية في البحث والنقاش لمحدوديتها ولانها لا تمس  حياتهم المعيشية ، على العكس مما يجري في بلادنا المنكوبة بهذه الظاهرة الضاغطة بأعلى درجاتها والضاربة في كل مفاصل حياة الناس اليومية .

ان وحدة الراي والموقف من قبل الاقتصاديين والمتابعين تتجليان في قصة  الموازنات السنوية التي تتشارك بصفات متلازمة ومزمنة منذ عام 2004 ابرزها تأخر اعدادها وغياب الاهداف الاقتصادية فيها وضعف المعايير المعتمدة في اعدادها وتعرضها للضغوط من مختلف الاطراف عندما تتعارض مع مصالحها الطبقية ومحاولة توظيفها لأغراض هذه المصالح عبر نهب  الاموال من خلال الثغرات التي تشوبها في كل عام ، وغالبا ما تخضع للمساومات عند مناقشتها في البرلمان .

  ان ابرز نقاط ضعف الموازنات السنوية تتمثل في غياب الحسابات الختامية في كل عام باستثناء عام 2015 فهو الوحيد خلال ستة عشر عاما الذي قدمت فيه هذه الحسابات وبصورة سليمة اما في بقية الاعوام فقد كانت متعثرة حيث قدمت وزارة المالية بيانات ختامية للفترة من عام 2004 ولغاية عام 2011 بدفعات لكنها في معظم الاحوال تتسم بكثرة مشاكلها والغموض في اوضاع الوزارات من حيث حجم الانفاق واوجه الصرف بسبب ما زعم عن وجود سجلات محترقة او مفقودة بسبب العمليات الارهابية او التماسات الكهربائية.  وهذه الموازنات في الاغلب  الاعم  كانت تستنسخ وتدور اخطائها في كل عام  ولهذا تشير بعض التقديرات ان قيمة الاموال المهدورة بسبب تلك العيوب تشكل 25 في المائة من كل موازنة مع تغييب لحالات  الفساد  .

  وتؤكد بعض التقديرات ان التأخر في تقديم الحسابات الختامية رغم انها الاداة الاساسية في تحديد المركز المالي وقياس قدرة الموازنات على تحقيق الاهداف

الاقتصادية والاجتماعية والمقارنة بين المخطط والمنفذ وحساب الارباح والخسائر والسيولة النقدية ومشروعية صرف الاموال من قبل الحكومة ومدى انسجامه مع القوانين النافذة وخاصة قانون الادارة المالية والدين العام ، قد تسبب في هدر 176 مليار دولار منذ عام 2012 . والسؤال الاكثر ايلاما اين ذهبت التخصيصات المالية لعام 2014 في ظل غياب الموازنة والحسابات الختامية ؟ مع العلم ان حجمها قد بلغ 120 مليار دولار  ولكن من غير المقنع  ان وزارة المالية وديوان الرقابة المالية يعزوان  تأخير الحسابات الختامية الى وحدات الانفاق الحكومية واسباب فنية مع ما يترتب على ذلك من اخفاء حقيقة  الاموال المهدورة ونفاذ الوقت امام الاجهزة الرقابية لملاحقة هذه الاموال واعادتها الى خزينة الدولة وفي ذات الوقت اعطاء الفرصة الكافية للفاسدين للإفلات من المحاسبة والعقاب .

  وبدلا من الغوص في تفاصيل تلك الملفات ومحاسبة المتسببين في الهدر المالي وحلفائهم من الفاسدين تجهد الحكومة نفسها وتنحت في الصخر من اجل تخفيض رواتب الموظفين وخاصة القاعدة الواسعة من صغار الموظفين ومتوسطيهم للخروج من الازمة المالية الخانقة دون البحث بأسباب مراكمتها وعدم المساس بطغمة الفساد لاسيما ان الحقوق والالتزامات لا تتقادم مع الزمن .

اننا نرى ان امام حكومة المؤقتة لكي تتخطى اشكاليات التأخير في تقديم الحسابات الختامية العديد من المهمات الواجب انجازها نذكر من بينها  :

• التأكيد على الفريق الحكومي المكلف بمراجعة ملفات الحسابات الختامية والانتهاء منها واعداد التقارير النهائية وبيان النتائج المترتبة على تأخيرها وخاصة حجم الاموال المهدورة وتقصير كل وزارة ومؤسسة حكومية وتقديمها الى مجلس الوزراء لاتخاذ الاجراءات المناسبة لمعالجة اثارها السلبية .

• مراجعة الانظمة الحسابية المعتمدة في اجهزة الدولة والتخلص ما علق فيها من ثغرات واليات لم تعد منسجمة مع  الاساليب الحديثة في التدقيق وادخال نظام الحوكمة الالكترونية في عمل وزارة المالية وديوان الرقابة المالية ووحدات الانفاق في الجهاز الحكومي .

• التنسيق التام مع السلطة القضائية فيما يتعلق بملفات الهدر المالي التي تكشفها الحسابات الختامية والمتسببين فيه وضمان اعادتها الى خزينة الدولة .

 

ابراهيم المشهداني

************

العراقيون وصعوبات العيش تحت طائلة كورونا

لينا محمد جواد

تعيش فئات واسعة من العراقيين، منذ سنوات، ظروفا معيشية صعبة جدا، نتيجة سيطرة الاحزاب الفاسدة على مفاصل الدولة، وما تبع ذلك من انتشار واسع للبطالة وانعدام لفرص العمل.

تلك العوامل وغيرها، دفعت الكثيرين من ابناء الفئات الفقيرة والمهمشة، الى الانخراط، وبقوة، في ثورة تشرين، التي علقت اليوم احترازا من تفشي وباء كورونا.

وقد جاءت أزمة الفيروس التاجي هذه، لتضيف معاناة جديدة إلى الفئات الفقيرة والعاملة بالأجر اليومي، التي تضررت كثيرا وتوقفت أعمالها بسبب قرار حظر التجوال الوقائي، ما أدى إلى أن تواجه شريحة كبيرة من هؤلاء، تقدر بـ 7 ملايين مواطن (استنادا إلى إحصاءات وزارة التخطيط)، المزيد من المتاعب والصعاب المعيشية.

ورغم المخاطر الصحية المحتملة لفيروس كورونا، والتي على ضوئها صدر قرار الحظر الوقائي، إلا أن غالبية الاسواق الشعبية، وخصوصا في الاحياء البغدادية الفقيرة وبقية المحافظات، لا تزال تشهد حركة بيع وشراء شبه طبيعية. إذ يتجاهل معظم الباعة والمتبضعين الارشادات الطبية المتعلقة بالفيروس.

التقيت احد هؤلاء الباعة وسألته عن عدم اكتراثه لقرار الحظر الوقائي. فأجابني بأنه لا يستطيع الجلوس في البيت والانقطاع عن عمله، كون أوضاعه المعيشية صعبة، وهو يعمل بشكل يومي من اجل توفير لقمة عيش عائلته المؤلفة من زوجته وأطفاله الأربعة، فضلا عن توفير مبلغ بدل إيجار سكنهم.

وأضاف القول أن "شريحة الكسبة في العراق مهمشة تماما، ولا احد يلتفت إليها وإلى معاناتها" .

فعلا، إن هذه الشريحة منسية تماما، ولا يعرفها المسؤولون سوى في فترات الحملات الانتخابية، ليصعدوا على أكتافها ويصلوا إلى المناصب، ويستولوا على المال العام هم وحاشيتهم، فيعيشون برفاهية مطلقة. فيما يبقى الكسبة ومجمل كادحي الشعب وفقرائه، مواجهين محن العيش في ظروف قاسية جدا!

سنوات مرت ولا يزال فقراء العراق وكادحوه يعيشيون حياة مريرة ويعانون الظلم والتهميش، فضلا عن غياب الخدمات الأساسية.. وأمام ذلك كله، يفتقدون وطنهم الذي طالبوا به في ثورتهم الكبيرة الأخيرة عبر شعار "نريد وطن".

*************

تحدثوا لـ"طريق الشعب" عن تهديد وضغوط ومضايقات

انتهاكات في بعض الجامعات الأهلية بحق الطلبة المتأخرين في دفع أجورهم بسبب الأزمة!

بغداد – سيف زهير

كشف عدد من الطالبات والطلبة في الجامعات الأهلية، مؤخرا، عن خبايا كثيرة عندما تحدثوا عن ضغوط غير اخلاقية تمارس عليهم لدفع ما بذمتهم من مستحقات مالية متلكئة بسبب الأزمة الاقتصادية، أو امكانية تعرضهم مقابل ذلك للرسوب وحجب النتائج الامتحانية ومنعهم من الحضور داخل الغرف الالكترونية لمواصلة الدراسة وفق توجيهات وزارة التعليم العالي.

الكلاس روم مقابل الاقساط

 

الشكاوى تعددت تجاه الكثير من الادارات الجامعية الأهلية، بشأن منعها الطلبة من مزاولة دراستهم في الغرف الالكترونية (الكلاس روم)، ما لم تحصل على اجورها في المقابل.

الطالب في جامعة الامام الصادق الأهلية – كلية القانون، علي حسين، أوضح أن "إدارة الجامعة قامت بإخراج الطلبة من الغرف الالكترونية (الكلاس روم) ولم تستثني حتى الذين سددوا اقساطهم كاملة في وقت سابق. واشترطت إكمال دفع الأجور من الجميع وفقا لمبدأ (لا تعليم الكرتوني دون تسديد الاقساط) وهو مبدأ مجحف ولا يراعي قدسية التعليم، ويوجب على وزارة التعليم أن تبدي رأيها بشأنه".

وعلى ذات النسق في التعامل، تشير الطالبة في جامعة الاسراء الأهلية، نرجس عباس، إلى أن "الجامعة ومقرري اقسامها يواصلون الضغط على الطلبة للحصول على الاقساط في هذا الظرف الاستثنائي، ويهددون المتلكئين بالإقصاء من تطبيق الكلاس روم التعليمي، فيما وصل التهديد إلى امكانية منع الطلبة من دخول الامتحانات النهائية".

وتضيف قائلة: "العديد من الطلبة اجتمعوا برؤساء الاقسام وطلبوا منهم تخفيض القسط السنوي حتى ولو بنسبة 10 في المائة، ولكن الرفض كان قاطعا ومستندا على حجة التزام ادارة الجامعة بتسديد اجور العاملين والتدريسيين".

ذرائع غير مقنعة

 

وارتباطا بهذه الذرائع التي تقدم من قبل بعض العمادات، يعلق الاستاذ فخر الدين محمد، وهو تديسي في احدى الجامعات الأهلية في محافظة كربلاء، مبينا أن جامعته "لم تدفع مستحقات ادخار العام الماضي المستقطعة من رواتب التدريسيين والموظفين، وكذلك لم تدفع رواتب أشهر كانون الثاني وآذار ونيسان الماضية، رغم انها تسلمت جزء كبير من أموال الطلبة للعام الدراسي الحالي، وبررت هذا التأخير بذريعة عدم التزام الطلبة بدفع الأجور"، فيما استغرب "صمت وزارة التعليم العالي عن هذه الافعال المنافية للأخلاق والتي تنتهك حقوق التدريسيين في الجامعات" على حد قوله.

 

سياسة واحدة

 

المشاكل هذه لم تخص محافظة واحدة أو منطقة محددة، وإنما تكررت من مكان إلى آخر، مبينة بشكل أو آخر، طبيعة ما يجري في مؤسسات التعليم الأهلي.

لذلك ليس غريبا ما يضيفه الطالب في كلية المستقبل الجامعة الأهلية، في محافظة بابل، علي داود، بأن "الكلية لا تنفك عن المطالبة بدفع الاجور الدراسية، تحت ذريعة ضرورة توفير السيولة لدفع مستحقات التدريسين والعاملين، ومقابل هذا، أصرت عمادة الكلية على عدم تزويد الطلبة بالايميل الجامعي الذي يعد حقا من حقوق الطلبة لضمان دخولهم إلى صفوف التعليم الالكتروني".

ويؤكد داود، أن "الكلية لم تلتزم بقرار الوزارة بعدم محاسبة الطلبة على الاقساط وإعطاء المادة على شكل ملفات pdf مع فيديوهات للشرح. وخلافا لذلك هددت الطلبة بالرسوب في درجات السعي، والمنع من دخول الامتحان النهائي، دون اي رحمة".

وبنفس هذه الوتيرة، تنوعت وسائل الضغط على الطلبة لجباية الأجور الدراسية منهم في جامعات مختلفة منها جامعة الرشيد الأهلية في العاصمة.

ويؤكد ذلك طالب القانون في هذه الجامعة، علي محمد، ويقول: "قدمت الإدارة عروضا مخجلة لترغيب الطلبة بالدفع وكأنها قضية مترفة وليست ضائقة كبيرة"، لافتا إلى أن "أحد العروض كان لمدة أسبوع ويتضمن خصما بنسبة 5 في المائة للطلبة الذين بقي بذمتهم الجزء الثاني من القسط، وأما العرض الآخر فتضمن خصم بنسبة 10 في المائة للطلبة الذين لم يدفعوا أي مبلغ يذكر"، مشددا على أن "هذه السلوكيات تجعل من حرمة الجامعات وكأنها محال تجارية وتبين جشع أصحاب رؤوس الأموال المستثمرين فيها من خلال اصرارهم على تنمية روح المقايضة لدى الطلبة في ظل الازمات".

واستكمالا لهذه السلسلة المثيرة للجدل من قبل الادارات الجامعية، يبين الطالب في جامعة دجلة الأهلية، هادي صلاح، أن "إدارة الجامعة لم تتساهل مع الطلبة بشأن الاقساط وأصرت على استلام مستحقاتها وفق دفعتين كبيرتين. وقامت بمنع الدرجات الامتحانية عن الطلبة وجعلت تسليمها مشروطا بتسليم الاقساط".

 

تخفيض للحكومي واستثناء للأهلي؟

 

وحسنا فعل وزير التعليم السابق عندما قرر تخفيض أجور الدراسات المسائية الحكومية بنسبة 25 في المائة كمبادرة تضامنية. ولكن التخفيض هذا تجاهل أجور الدراسات الأهلية، وكأن الصنفين يعملان في كوكبين منفصلين، ولا علاقة لهما ببعض.

أما الوزير الحالي، فالمتحدث باسمه، حيدر العبودي، لم يأتي بجديد عندما أعلن أن الوزارة قدمت مقترحا إلى الجامعات الأهلية بشأن آلية سداد الأجور الدراسية وتخفيض مبالغها بنسبة 30 أو 50 في المائة، بينما أكد في تصريحه (مرتان)، أن الفكرة كمقترح لا أكثر، والجامعات تتمتع بحرية الاختيار دون فرض، وكأنه يخاطب الجامعات بحذر في وقت يتطلب نوعا من الصرامة ومراعاة ظروف المواطنين دون أي مجاملة خلال الأزمات.

 

قانون التعليم الأهلي

ليس نهاية المطاف

 

وخلافا لمن يخلو مسؤولية وزارة التعليم من التدخل بوضع الجامعات الأهلية، لخصوصية صلاحياتها وفق قانون التعليم الأهلي، يعتبر سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، علي شغاتي، أن هذه الذريعة ليست صحيحة.

ويبين شغاتي أن "قانون التعليم العالي الأهلي رقم (25) لسنة 2016 اتاح لوزارة التعليم الاشراف والتقويم للحفاظ  على مستوى كفاءة اداء الجامعات الأهلية واخضاعها للتعليمات والضوابط المعمول بها حكوميا. حيث أسندت المهمة هذه إلى (مجلس التعليم الأهلي الجامعي) الذي يدار برئاسة مسؤول جهاز الاشراف والتقويم العلمي في الوزارة واطراف اخرى وزارية وعمادات الجامعات والكليات الأهلية والمختصين، على أن يكون هذا المجلس كأعلى هيئة علمية وادارية تشرف على التعليم الاهلي".

ويتابع القول، أن "مهام المجلس هي اقتراح خطة التعليم الاهلي وشروطها، اضافة لعدد الطلبة المقترح قبولهم سنويا، فضلا عن المصادقة على المنهاج الدراسي ومقدار الأجور الدراسية السنوية، وترفع جميع هذه الأمور إلى وزارة التعليم للمصادقة عليها. وهنا يجب على المجلس مراجعة الاجور الدراسية لهذا العام وخفضها والابتعاد عن تقديم الاعذار والذرائع".

*************

ص4

من إدارة الأزمة الى التنمية الاقتصادية في العراق

أحمد إبريهي علي

ما أكثر التصورات الاستراتيجية والخطط والسياسات التي تناولت مستقبل الاقتصاد منذ مطلع خمسينات القرن الماضي والى يومنا، ولم تغفل الأهمية الحاسمة لتنويع مصادر الدخل، والتوظيف الكامل للقوى العاملة بإنتاجية متنامية، والعدالة الاجتماعية والعناية بالإنسان، وتقليل تفاوت التطور بين المناطق والحواضر والأرياف. وايضا إستكمال البنى التحتية ومواصلة تطويرها، وتوفير السكن اللائق والارتقاء بالصحة والتعليم ... وكل ما يتمناه الناس.

وعند النظر في ابسط وأبرز حقائق الاقتصاد التي تكشف عنها البيانات، وتناولتها العديد من الدراسات، يظهر جليا ان تلك المدونات فقدت صلتها بموضوعها الأهم وهو بناء مقومات للنمو الاقتصادي وتطوير وتنويع الصادرات وتمويل الأنفاق العام باستقلال عن الريع النفطي. كما أن فاعلية نظام الاقتصاد واطئة في الإنتاج ومهمات التطوير على نحو محيّر. وفي نفس الوقت تصطدم جميع المقترحات المتداولة لدى أوساط الخبرة ودوائر القرار بحلقة مفرغة تقاوم الاختراق وتحبس الاقتصاد لإدامة الوضع الراهن. في هذه المقالة موجز لإجراءات إدارة الأزمة، ثم تصور لأهداف التنمية الاقتصادية ومسارها من اجل الحل الجذري بعيد الأمد. لكن التنمية وما تنطوي عليه من تحولات عميقة تبقى بعيدة المنال دون تغير واسع في تنظيم الاقتصاد والإدارة الحكومية، وهو موضوع الحلقة القادمة.

 

تمويل العجز

وتدابير الأمد القصير

 

لقد بينت الدراسات السابقة، والمقالات التي أوجزتها بما فيها " عجز الموازنة العامة وتمويله في العراق"، ان هبوط قيمة صادرات النفط يعني عجزا ثنائيا في ميزان المدفوعات، الخارجية، والموازنة العامة. وأن العجز الأول هو الأخطر لكنه قابل للادارة طالما لدى البنك المركزي إحتياطيات: من الذهب وعملة اجنبية وإستثمارات خارجية عالية السيولة بما يزيد على ستين مليار دولار أواخر شهر مايو، أيار، من عام 2020. إذ يمكن بذلك سد الفرق بين العملة الأجنبية المطلوبة من القطاع الخاص لتمويل مستورداته ومدفوعاته الأخرى وما تحوّله وزارة المالية الى البنك المركزي من قيمة صادرات النفط. أي ان الحكومة تنظر في إيرادات النفط من العملة الأجنبية، تضيف عليها التدفقات الممكنة من القروض الخارجية القائمة والجديدة، وتقتطع من هذا المجموع متطلبات إستيراداتها ومدفوعات إلتزاماتها الخارجية، وتحول الباقي وهو قليل الى البنك المركزي، ويضيف البنك المركزي على هذا المبلغ من إحتياطياته آنفة الذكر ليستجيب لطلب القطاع الخاص على العملة الأجنبية. وباشرت الحكومة محاولاتها للحصول على قروض من الخارج، وكلما إزداد السحب على القروض الخارجية إزدادت مبيعات وزارة المالية من العملة الأجنبية الى البنك المركزي وساعدت على خفض معدلات إستنزاف إحتياطياته آنفة الذكر. بيد ان الاقتراض من الخارج يعني إضافة أعباء جديدة على موارد النفط في المستقبل القريب.

وتعتمد سلامة الاقتصاد على إمكانية إستمرار هذه العملية الأساسية في إدارة الأزمة الحالية، وذلك بغض النظر عن فهم الدوائر الرسمية لأبعاد العجز والتفسير المربك للاقتراض من الخارج " موارد النفط لا تكفي للأنفاق ونقترض من الخارج لسد الفرق".

اما الاجرءات الموازية والتي تعالج العجز الثاني فتتمثل في تدبير تمويل بالدينار العراقي للأنفاق الداخلي : رواتب وما اليها، وقيمة مشتريات سلعية وخدمية للأنفاق الحكومي التشغيلي، والقليل جدا من المدفوعات لمشاريع إستثمارية تحت التنفيذ. فما هي مصادر تمويل الأنفاق بالدينار العراقي: المصدر الأول قيمة مبيعات وزارة المالية من العملة الأجنبية الى البنك المركزي، وعندما يسقط المورد النفطي تنخفض المقبوضات من هذا المصدر كثيرا؛ والمصدر الثاني إيرادات من غير النفط الخام، ضرائب ورسوم وحصة من أرباح المنشآت الاقتصادية الحكومية، ومبيعات موجودات وأملاك حكومية وما اليها؛ والمصدر الثالث القروض الداخلية وأغلبها من الجهاز المصرفي وللبنك المركزي الدور الرئيس في تيسيرها. تلك هي عناصر وآليات إدارة الأزمة عام 2020 ، بسيطة ولا تتحمل التهويل والغموض.

تتوزع أرصدة الحكومة بالعملة الوطنية والأجنبية على حسابات مصرفية عدة وتتطلب كفاءة الادارة نظاما محكما للسيطرة عليها اولا بأول. ونهاية يوم العمل، على مدار السنة، يوجد للحكومة رصيد بالدينار العراقي في الجهاز المصرفي الوطني؛ ورصيد بالعملة الأجنبية في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والجهاز المصرفي الوطني. خلال يوم العمل التالي تعدل تلك الأرصدة بتدفقات داخلة وأخرى خارجة ثم أرصدة جديدة... وهكذا.

وإن تمويل الأنفاق الحكومي وإدارته تقتضيان، إضافة على السيطرة المحكمة على حركة الأرصدة تلك، إعتماد نظام الموازنات النقدية Cash Budgeting System وهو معروف ومعمول به في العالم، ومنشور للكاتب في أكثر من موقع بصيغة مبسطة مفهومة للجميع. ومن المعلوم أن العجز لا يدار بالعمل فقط على جانب الموارد بل والاستخدامات أيضا، ولذا من المتوقع خفض النفقات عموما والاقتصار على الضروري منها. بيد ان المبالغة في التقشف تُلحق ضررا في الاقتصاد والمجتمع لأن وظيفة الأنفاق الحكومي لا تقتصر على إدامة الخدمات العامة والأمن والدفاع... وسواها. بل هو المحدد الرئيس للطلب الكلي، من خلال آثاره المضاعفة، وبالتالي حجم النشاط الاقتصادي ومكتسبات الدخل ومستوى المعيشة لجميع العراقيين. فضلا عن أثره المباشر على حياة ملايين الناس التي تعتمد على رواتب العمل في الدولة والتقاعد والاعانات النقدية المنتظمة وغيرها.

 

التنمية الاقتصادية

في الأمد المتوسط والبعيد

 

من المتفق عليه ان في التنمية الاقتصادية فرصة تحرير العراق من مأزق الاعتماد على المورد النفطي الذي تعصف به تقلبات الأسعار في السوق الدولية، وما وراءها من سياسات المنتجين والمستهلكين، وربما أبعادها الأستراتيجية في الصراع على الدور والنفوذ في العالم، والمضاربات في أسواق النفط المالية المستقبلية... وغيرها. ولا شك في تعدد المسارات المحتملة للتنمية الاقتصادية، ضمن نطاق الأمكانية القصوى لنمو مجموع القدرات الانتاجية إرتباطا بأنماط تخصيص الموارد بين إستخداماتها الاستهلاكية والاستثمارية، والتغير المنتظم في بنية الانتاج وتشغيل القوى العاملة، ومسار تحولات شبكة العلاقات الاقتصادية الخارجية للعراق التي يعبّر عنها التنوع التدريجي للصادرات، والمدخلات الأجنبية: في سلة الاستهلاك ومستلزمات الانتاج وعناصر التكوين الرأسمالي. ولا يتسع المجال، هنا، لعرض تصور وافي عن إقتصاد المستقبل ومسار الانتقال والتحليل الذي يرتكز عليه ويمكن الرجوع اليه في ابحاث منشورة ، إنما التركيز على المساءل الأكثر جوهرية كما نرى:

 

أولا: الطاقات الانتاجية

 

- من الممكن تنمية الاقتصاد غير النفطي بمعدل سنوي أزيد من 8% حتى عام 2040، وبموازاته نمو ناتج النفط الخام والغاز ليتجاوز ضعف ما هو عليه الآن بدولارات عام 2020 ثابتة القوة الشرائية.

- زيادة الأسهام النسبي للزراعة والتعدين غير النفطي والصناعة التحويلية الى 35% من الناتج غير النفطي عام 2040 إنطلاقا من الوضع المتدنى الحالي وهو دون 10%.

- التصنيع المتجه للصادرات يقود عملية التنمية الاقتصادية وتتجاوز حصة الصناعة التحويلية من الناتج غير النفطي 25% عام 2040 ؛ والتركيز على الصناعات الكبيرة والثقيلة، وتنمية القدرة الوطنية على إستيعاب وتطوير التكنولوجيا.

- زيادة طاقة إستخراج النفط نحو 9 مليون برميل في اليوم، وإستخدام ما لا يقل عن 2.5 مليون برميل يوميا في الداخل أغلبها في التصفية عام 2040. ويفهم من تقارير الخبراء ان العراق بحاجة ماسة الى توريد المياه من الخليج لحقن المكامن النفطية في عملية الاستخراج لتقليل هدر المياه العذبة. كمية المياه المطلوبة ضخمة، ومن الضروري حماية الأراضي من الأضرار المحتملة لتصريف المياه المستخدمة.

- معالجة الغاز المصاحب وتطوير الغاز المستقل كي يتجاوز المجموع 90 مليار متر مكعب في السنة عام 2040. واعتماد توليد الكهرباء على الغاز أولا ومن المصدر المحلي، والمباشرة بتصدير كميات منه تدريجيا.

- زيادة الطاقة المنصوبة لتوليد الكهرباء الى 100 ألف ميغاواط عام 2040. علما ان العجز في عام 2020 كبير حيث تقدر طاقة المحطات القائمة بحوالي 30 ألف ميغا واط والقابلة للتشغيل 16 ألف والضياعات بنسبة 40%. وتوصف شبكات النقل والتوزيع بالكثير من النواقص ويساعد تحسينها على زيادة الانتفاع من قدرات التوليد.

- مراجعة إستراتيجية الطاقة، وتعديلها وإعلان إلتزامها، بخصوص الصناعات التحويلية التي تعتمد على النفط والغاز مادة أولية لها والصناعات كثيفة الطاقة، الحديد والألمنيوم والسمنت... ، وتكاملها مع بقية الصناعات التي تقوم على الموارد الطبيعية المحلية ومنها الفوسفات والكبريت وغيرها. وبالارتباط مع إستراتيجية التصنيع المقاد بالصادرات إستهداف بناء سعات إنتاجية كبيرة في الحديد والبتروكيمياويات، وان يبلغ العراق في صناعة الأسمدة مستويات عالية بما فيها التصدير التنافسي.

- في الزراعة التركيز على تطوير جذري لشبكات الإرواء والمبازل. وإمتلاك مقومات عراقية للتحسين المستمر في البذور والتقاوى والثروة الحيوانية، بالانتفاع من افضل توظيف للعلوم البيولوجية التطبيقية والزراعية، والتجريب المنظّم واسع النطاق. والبرمجة المسبقة للمستوردات الزراعية. والنهوض السريع بالصناعات الغذائية، وتكاملها مع سياسات الأسعار والانتاج.

- أن تتضافر عمليات تطوير الطاقات الانتاجية كي يرتفع إسهام الناتج من غير النفط الى حوالي 75% من مجموع الناتج المحلي. وتنمو الصادرات بأسرع من نمو الناتج ؛ وتشكل الصادرات من غير النفط الخام ما يزيد على نصف مجموع الصادرات وأغلبها، حوالي 80% من الصناعة التحويلية، و20% من الزراعة والتعدين غير النفطي وذلك عام 2040.

- وفي هذا السياق ترتفع نسبة النشطين إقتصاديا لأكثر من 32% من مجموع السكان، إذ تقدر في السنوات الماضية دون 28%؛ وتنخفض نسب البطالة والتشغيل الهامشي. وتتزايد نسبة العمل الأجير والمنظم في الأنتاج الكبير.

 

ثانيا: الاستثمار

 

والمقصود بالاستثمار التكوين الرأسمالي Capital Formation اي الأضافة الى الموجودات الحقيقية، العينية، في كافة ميادين إنتاج السلع والخدمات. ومن المعروف ان تطوير شبكات الإرواء والمبازل والبنى التحتية جميعها والاسكان كلها تندرج ضمن مفهوم الاستثمار. وليس من المبالغة القول ان تكوين رأس المال هو العملية الأساسية التي تستند إليها جميع عمليات التطوير الأخرى. وتقتضي التنمية الاقتصادية على هذا المسار:

- رفع الجهد الاستثماري كي يتجاوز تكوين راس المال 35% من الناتج المحلي الأجمالي في السنوات الأولى، وتنخفض هذه النسبة نحو عام 2040 وما بعده الى دون 30% ، نزولا الى 25%.

- يتولى القطاع العام، الحكومة والمنشآت العامة، ما يزيد على 60% من تكوين رأس المال لأن ثلثي الدخل يتولد حاليا في القطاع العام بما فيه مورد النفط ، إضافة على قدرته في تعبئة التمويل من مصادر عدة، وعوامل قوة أخرى.

- الخفض المستمر لكلفة التكوين الرأسمالي عبر تغيير شامل للنمط الحالي في إعداد وتنفيذ المشاريع والرقابة على عملية الاستثمار بمراحلها المختلفة. و إنسجاما مع خفض التكاليف، الارتقاء بكفاءة العملية الاستثمارية، رفع معدل العائد الداخلي للإستثمار بالمقياس الاقتصادي الكلي. وبالنتيجة إتساق نمو الفائض والأجور وتحمل الضرائب او ما في حكمها في قطاع الأعمال العام. أي تتطلب التنمية الاقتصادية للخروج من المأزق تصميم الجهد الاستثماري لبناء إقتصاد غير نفطي ومن دلالاته القابلية الذاتية على تمويل حجم مناسب من الأنفاق الحكومي.

- تحكُم النشاط الاستثماري سياسة تخصيص وتوجيه بما يضمن إحداث التحولات البنيوية المشار إليها آنفا. وضوابط للتكنولوجيا، واستخدام الطاقة، والعمل ، وخفض الاعتماد على المدخلات الأجنبية، والاسهام في الصادرات، وتمويل الأنفاق العام.

- إقتصار إجازة الاستثمار الأجنبي على الصناعة التحويلية، إضافة على الموجود منه في قطاع النفط والغاز بأشكال مختلفة وهو بحاجة الى مراجعة وإعادة تنظيم.

- يرتبط النجاح في إستكمال وتطوير البنى التحتية على النهوض بالجهد الاستثماري، كما تقدم، و تدابير أخرى تتصل بتغيير إدارة القطاع العام كما سيأتي. وأيضا، المباشرة في إعادة تصميم المدن، جميعها، لاستيعاب الواقع الحالي، بضمنه " العشوائيات، ما أمكن بأقل الخسائر، وإنصاف الفقراء، وتصحيح التجاوزات على حقوق الملكية، ملكية الحكومة والأفراد والكيانات الخاصة؛ وتعديل التصنيف الرسمي للأراضي بما يساعد على الاستيعاب القانوني لواقع الحال. وهذه العملية مشروحة في مكان آخر ومن السهل إعداد خطة عمل لانجازها.

- إعداد برامج إستثمار حسب الأنشطة وتركيبها في برنامج وطني شامل بعيد الأمد، واستيعاب المشاريع تحت التنفيذ ضمن البرامج الجديدة. ويتطلب التوجه الجديد الفحص الدقيق للمشاريع المنجزة والملتزم بها لتشخيص مصادر المبالغة في التكاليف وأسباب تدني المواصفات وتقييم التصاميم ومجريات الإدارة.

- في سياق ما تقدم من المنتظر: تجاوز العجز، نهائيا، في أبنية التعليم وبقية الخدمات العامة قبل عام 2025. وتحويل الملوثات عن الأنهار وتغطية كافة المدن بشبكات الصرف الصحي حوالي عام 2035.

والمباشرة لبناء شبكة حديثة للسكك الحديد مواكِبة للتقدم العالمي في هذا المجال وتوسيعها تدريجيا.

************

مقاربة لإنقاذ  الوضع الصحي في العراق

د. مزاحم مبارك مال الله

الوضع السيئ الذي يتصف به الواقع الصحي في العراق واضح ومكشوف ومعروف للقاصي والداني حيث يأن المواطن تحت ضغوط التخلف الصحي والبيئي وفقدان الوعي الذي أصبح مركّزاً ومتفاقماً منذ ان تسيّد الفاشلون والفاسدون على سدة الحكم، ويمكن تلخيص معاناة القطاع الصحي وفق مؤشرين رئيسيين اساسيين :

أ‌) محور السياسة الصحية للدولة وأداء الجهات التنفيذية والذي اتسم بما يلي:

1. عدم الوضوح في سياسة الدولة الصحية وفي إتجاهَي محددات تلك السياسة وضوابط مساراتها.

2. غياب بوصلة التخطيط الاستراتيجي في توفير الادوية واللقاحات والمستلزمات الطبية وبناء المؤسسات الصحية التشخيصية والعلاجية.

3. شمول وزارة الصحة، ومن ثم الحقت بها وزارة البيئة . بهذه السياسة غير القويمة كجزء من السياسة التحاصصية التي اتسم بها النظام السياسي في البلاد وراحت الوزارتان تعانيان من سطوة الضغوط التحاصصية لمراكز القوى.

4. إستفحال الفساد كنتيجة حتمية للمحاصصة وهو قد استفحل في كل المؤسسات الصحية ليشمل مركز وزارة الصحة والبيئة وكل الدوائر العامة والمستشفيات والمراكز التابعة.

5. تمثّل الفساد بـما يلي :

• وضع الموظف غير المناسب في المواقع الادارية في كل مؤسسات وزارة الصحة والبيئة.

• إبرام العقود المشبوهة في إستيراد الادوية والمعدات الطبية والصحية والتشخيصية والمختبرية، وتوزيع حصص الأموال الحرام بين الفاسدين نتج عنه تربية القطط السمان في تلك المؤسسات الذين حلموا ان يستحوذوا على اموال عن غير وجه حق.

• تسريب الادوية والعلاجات وبيعها في الاسواق التجارية وحرمان شرائح واسعة من المرضى الذين يحتاجونها.

• النقص الشديد في موجود الادوية والمستلزمات.

• الواسطات عبر المحسوبية والمنسوبية وسطوة المليشيات وجميعها على حساب الفقراء والمظلومين من المرضى.

• وجود اعداد كبيرة من الموظفين الفضائيين والمشاريع الصحية الفضائية.

• تأسيس مافيات فساد في داخل كل مؤسسة من هذه المؤسسات وأصبح الواقع الفاسد والمر عبارة عن شبكة عنكبوتية تقتنص المظلومين، كما نتج عن تلك المافيات المسنودة من مليشيات الدولة العميقة تنفيذ مخطط واسع وخبيث بأفراغ البلد من كوادره الطبية والعلمية سواء بالتصفية الجسدية او بالتهديد ليهربوا خارج الحدود لفسح المجال امام سماسرة تجار العلاج الموجودين خارج الوطن كجزء من الجريمة المنظمة ضد البنى التحتية للبلد.

• إصابة مؤسسة الانتاج الوطني (القطاع العام والمختلط) بالشلل التام وخصوصاً معامل انتاج الادوية والمصول واللقاحات والسوائل الوريدية.

• استيراد العمالة الاجنبية وفق اتفاقات سماسرة شركات ومؤسسات ومافيات الفساد المعلنة والمخفية والاطاحة بالعمالة الوطنية مما ساعد على اخراج العملة الصعبة خارج الوطن.

6. لم تقدم الدولة على بناء مستشفى عام او متخصص ليبقى العجز مستمرا والطلب للعلاج خارج الحدود قائم.

7. إشاعة الافكار غير العلمية في داخل مؤسسات الخدمة الصحية كوسيلة إضافية لجعل الخدمات التي من الواجب تقديمها للمواطن في ادنى مستوياتها.

8. السماح لمراكز ما يسمى بالعلاج الروحاني من التأسيس والانتشار، وفي السيطرة على عقول الناس وإبعادهم عن العلم والصحة وإشاعة الخرافات والجهل.

9. تقليص اعداد الكادر التمريضي في المؤسسات الخدمية الصحية وعدم فسح المجال او تشجيع دماء جديدة ولربما يكون العامل الديني الطائفي سبب في الجَزِر الحاصل في اعدادهم.

10. الإهمال الكلي لضوابط البيئة في أغلب المؤسسات الصناعية والتي أصبحت الكثير منها تحت يد شبكات الدولة العميقة.

11. كل هذه السلبيات شملت وتشمل العناوين الرئيسية الداخلة في دائرة الخدمات المطلوب تقديمها كالصحة الريفية والمدرسية وصحة المجتمع وصحة العائلة والرقابة الصحية والسياحة والمناسبات الدينية، إضافة الى مخيمات النازحين والاوبئة والكوارث الطبيعية ناهيك عن الصحة والسلامة المهنية.

ب‌) أما المحور الثاني الخاص بالمجتمع والذي تمثل في تراجع الوعي جراء جملة من الاسباب والتي يبدو لي أهمها :

1. زيادة نسبة الفقر في العراق والذي ادى الى إهمال المواطن التعلم والتحصيل الدراسي.

2. رداءة الاداء التوعوي الحكومي والارشاد مما فسح المجال لتسلط واستحواذ الافكار غير العلمية على عقول الناس ولجوئهم الى الاساليب البدائية في العلاج.

كل تلك الاسباب والنواتج خرجت علينا بمحصلة نهائية وهي تفشي الامراض الإنتقالية والمعدية وعودة امراض تم القضاء عليها سابقاً ، بل وتحولت بعض الامراض الى متوطنة لا يمكن التحرر منها بسهولة.

وازاء هذه الصورة السوداوية المظلمة والواقع السيئ والذي يمثل نصف الحقيقة اما النصف الثاني فيكمن في الحلول التي نضعها بين يدي الحكومة الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي والسيد وزير الصحة والبيئة وكل المؤسسات الساندة بشكل مباشر او غير مباشر لإنتشال الواقع الصحي في البلد. تلك الحلول يمكن تلخيصها بما يأتي :

أولاً - إن مهمة الارتقاء بالواقع الصحي والبيئي مرهونة بأشراك كافة القوى والأطياف الوطنية الحريصة ، مع توفير وتسهيل كل الإجراءات الأكاديمية والمهنية لتقديم أفضل الخدمات لأبناء الشعب.

ثانياً القيام بحملة تطهير كاملة شاملة متأنية ومنصفة لكل مراكز وقوى الفساد بكل انواعها في كل المؤسسات التابعة للوزارة ووفق القانون.

ثالثاً تشكيل هيئة الرقابة الشعبية من العناصر الكفوءة النزيهة يكون ارتباطها بمكتب الوزير مباشرة.

رابعاً – بيان خطة الوزارة ووفق سقوف زمنية محددة فحواها :

1. تقديم خدمات الرعاية الصحية الى كافة المواطنين والعمل على إيصالها الى أقصى المناطق، مع تأمين كل فعالياتها كالتحصين والرقابة الصحية والصحة المدرسية وصحة الأسرة وغيرها .

2. أعادة تأهيل المؤسسات الصحية ومد شبكة واسعة من المستشفيات المتكاملة من حيث التكوين والتخصص والأداء مع الاهتمام بالتوزيع الجغرافي ، واستحداث أساليب ووسائل جديدة في معالجة وانقاذ حياة المواطنين.

3. توسيع وتطوير التعليم الطبي والصحي والمهني وبكل المستويات والعمل على اللحاق بالركب العالمي المتطور والعمل على رفع مستوى وعي المواطنين الصحي بكل الطرائق والسبل.

4. الارتقاء بالوضع البيئي وتطوير الرصد الوبائي والاهتمام الخاص بالأمراض المشتركة والعمل على استنباط كينونة مستقلة ذات صلاحية تهتم بتصريف شؤون هذه الأمراض

5. تفعيل الصناعات الدوائية المحلية وفق أحدث التطورات العلمية والتقنية مع سن قوانين تضمن حماية الإنتاج وحماية المواطن.

6. إحاطة ذوي الاحتياجات الخاصة بالرعاية الكاملة وتأمين دعم الدولة لهم ، وكذلك تشريع قوانين وضوابط السلامة المهنية في المؤسسات والمواقع الأنتاجية والحقول الزراعية.

7. ضمان وصيانة حقوق العاملين في القطاع الصحي من خلال نقاباتهم وجمعياتهم.

8. أعادة النظر بقانون الصحة العامة مع تحديث التشريعات الصحية.

9. بذل الجهود المشتركة بين الدولة والمواطن للحفاظ على البيئة وضوابط نقاوتها.

10. القيام بحملة توعية شعبية وطنية شاملة تساهم وتشارك فيها منظمات المجتمع المدني كافة وبكل الوسائل وبالتحديد الاعلامية منها وبتسيير الفرق الجوالة من أجل هذه المهمة مع تحديث المناهج بهذا الخصوص.

11. تخليص المجتمع وتحرير المواطنين من مراكز الشعوذة واعمام الجهل.

12. الاستفادة من الخبرات العالمية.

***************

ص6

في الذكرى الاولى  لمجزرة الاعتصام في السودان

الخرطوم : قرشي عوض

قامت لجان المقاومة الشعبية،  مطلع هذا الاسبوع باشعال الاطارات ووضع المتاريس على الطرقات عند الساعة الخامسة صباحاً في كل مدن السودان ، احياءً للذكرى الاولى لمجزرة فض الاعتصام امام مقر قيادة الجيش في الخرطوم وكل الحاميات العسكرية بالاقاليم. وسط  تبادل للاتهامات بين مكونات الثورة نفسها بعد ظهور افادات على تطبيق الواتساب بان بعض قيادات الحرية والتغيير كانت على علم ومنهم من طووا خيامهم قبل الاحداث.كما تلمح قيادات عسكرية الى تورط جنرالات كبار بالجيش في العملية، مما يثير لقط كثير في الساحة. هذا في الوقت الذي  لم تفرغ فيه اللجنة التي كونتها الحكومة  برئاسة المحامي الكبير نبيل اديب من اعمالها رغم تجازها المدة المحددة لها بوقت اكثر من كافي.  الشيء الذي يفتح  المجال امام تكهنات شعبية بان ضغوطاً قد مورست عليها.

تجميع الصورة المهشمة

 

صورة فض الاعتصام تبدو مهشمة، ولاتفيد النظرة اليها من بعيد او من قريب للاجابة على ماذا حدث في مساء يوم 29 رمضان من العام الماضي. وتحتاج الى تجميع من خلال افادات زوي الضحايا وبعض حضور المجزرة من الذين اختبوا في اماكن تمكنهم من التصوير  بهواتفهم النقالة، الى  جانب افادات بعض الناجين.

 ولكن على ضبابية المشهد فان مايرتسم منه شيء مخيف ويثير القشعريرة. فالمعروف انه في ذلك اليوم قد تم قطع خدمات الانترنت عن السودان. ولكن بعض المراقبين استطاعوا وعبر تقنيات مختلفة من تتبع جوانب المسرح . فقد رصد تصوير فيديو تحرك عربات تنقل الجنود باعداد هائلة تتجه من جنوب الخرطوم الى مقر القيادة العامة في شمال المدينة. واخرى تاتي من جهات مختلفة في عملية تطويق للمكان. في هذا الوقت تقول ناشطة سياسية في صفحتها على تطبيق الفيسبوك انها تلقت اتصالاً من احد ابرز قيادات الحرية والتغيير، يخبرها بان قوة مسلحة في طريقها الى فض جانب من الاعتصام يعرف بمنطقة (كولمبيا) قوامه المشردين في المدينة، عرف بممارسات مخلة بالاداب وتجارة المخدرات وممارسة اشكال مختلفة من الجريمة، حسب ماراج في تلك الايام. واضاف القيادي بان احد كبار جنرالات المجلس العسكري اخبره بذلك، وطلب منه منع القيادات التي تقيم على التروس حماية ً للاعتصام من الاشتباك مع تلك القوات. وطلب القيادي من تلك الناشطة ومن معها توصيل المعلومة لحراس التروس في المنطقة المطلة على شارع النيل مكان تحرك القوات. وفي اجتماع للكيان المهني بعدة عدة ايام قال القيادي ان الجنرال الكبير قد خدعه لان القوات المتقدمة قد اطلقت الرصاص الحي على المعتصمين في كل الاماكن.

استباحة المدينة

 

تفيد متابعة بعض القنوات الفضائية(سي ان ان)  انه قد حدثت استباحة للمدينة في ذلك اليوم. فالجنود المعروفين بحرق القرى واغتصاب النساء في اقليم دارفور قاموا بنفس الممارسة على ضفاف النيل وامام مقر قيادة الجيش. في هذا الصدد يقول صاحب (حافلة) انهم  شاهدوا جنوداً يقفون الى جانب امراءة ويتحدثون عن من الذي سوف يغتصبها اولاً. وكانوا اثناء ذلك يتحسسون جسدها. وحينما هجموا عليهم لازوا بالفرار ولكنهم قد وجدوا ان المراءة قد فارقت الحياة. وتضيف شابة بانهم مارسوا معها هي وصديقاتها الجنس الفموي، وتبادلها بالاغتصاب ثلاثة رجال، ثم رموها في الشارع وهي تنزف دماً.وتؤكد رئيسة قسم متخصص في معالجة الاثار النفسية المترتبة على عمليات الاغتصاب ان مثل هذه الاحاديث عادية جداً، وهم في المركز قد عالجوا اكثر من 21 حالة اغتصاب في فض اعتصام القيادة العامة. كما تعكس بعض الفيديوهات عمليات جلد للنساء والمسنين. وتعرض اخرى جثث لضحايا تم الاعتداء عليهم بالسلاح الابيض ( الساطور). وفي مناطق مختلفة من السودان ظهرت جثث لبعض ضحايا الاعتصام يحملها تيار نهر النيل، وهم   موثوقي اليدين والرجلين ومثبتون الى كتل خرصانية حتى لاتطفو جثثهم. ولازالت الكثير من الاسر تفتقد اولادها وبناتها ممن كانواجضوراً في تلك الليلة الظلماء. هذا الى جانب عشرات الجثامين التي قام الاصدقاء بحملها الى زويها صبيحة اليوم التالي. تقول ام احد الشهداء ان ابنها البالغ من العمر عشرين ربيعاً اتصل عليها في منتصف الليل وطلب منها هي ونساء  الحي اعداد (الخبيز) للمعتصمين القادمين من مدن بعيدة، وانه هو واصدقاؤه سوف ياتون لاخذه صبيحة العيد، ولكنه قبيل الفجر اتصل عليها واخبرها بان العساكر قتلوا  زملائهم  في القيادة العامة، وانهم ذاهبون الى اقامة المتاريس في كل شوارع  الخرطوم لمنع حركة السير. ثم تضيف تلك الام الملكومة  بانه وعند الصباح  جاها اصحاب ابنها  يحملون جثمانه وهم يهتفون ( دم الشهيد دمي وام الشهيد امي ). ويكثر تداول مثل هذه القصص في احياء الخرطوم وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

 

تعليمات مجهولة

 

في اليوم الثاني لفض الاعتصام خرج قائد المجلس العسكري ورئيس مجلس السيادة فيمابعد الفريق الركن  عبد الفتاح البرهان، وهو يعلن فض الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وتكوين حكومة كفاءت لمدة 6 اشهر تقوم  بعدها انتخابات حرة في البلاد وبلغة يسودها التهديد. وفي مساء نفس اليوم ظهر جنرال اخر   بالمجلس العسكري  في مؤتمر صحفي يعلن بان قرار فض الاعتصام تم في اجتماع مشترك ضم المجلس العسكري والنائب العام رئيس القضاء وبعض قوى الحرية والتغيير. ولكن صدر بيان من النائب العام ينفي اشتراكه في الاجتماع، كما قال رئيس القضاء انه لاعلم به، ونفت قوى الحرية والتغيير اشتراكها في ذلك التخطيط. فعرف الضابط العظيم في وسائط التواصل بـ ( الجنرال الكذاب).

 

رسالة غير مستلمة

 

رفضت قوى الحرية والتغيير استلام رسالة الارهاب والتهديد الموجهة لها من الملجس العسكري، بان تقبل الدنية في الشراكة. وفي اول رد فعل لها اعلنت وقف التفاوض مع المجلس العسكري. ودعت الى مسيرة في يوم 30 يونيو سمتها مليونية الشهداء احتجاجاً على السلوك البربري للمكون العسكري. ورغم قطع خدمات الانترنت من كل البلاد الا ان لجان المقاومة استطاعت ان تحشد الملايين في كل مدن وارياف السودان عبر الاتصال الفردي من الباب الى الباب. فخرجت المسيرات تتقدمها امهات الشهداء منددةً بالمجزرة البشعة ومطالبةً بالقصاص وتقديم الجناة الى العدالة. كما حظيت الجريمة بادانة كل دول العالم والمنظمات الدولية والاقليمية، والتي طالبت بتسليم السلطة الى حكومة مدنية في اقرب وقت. وتوافد الى الخرطوم ممثلي دولة اثيوبيا وتشاد والاتحاد الافرقي، الذي اعلن عن نفسه وسيطاً لحل الازمة السودانية وقدم مقترحاته لاستئناف التفاوض بين الطرفين بعد بيانات المقاطعة الصادرة عن كليهما. وقد نجح في ذلك بالطريقة التي شهدهاالعالم اجمع، وتمخضت عنها السلطة الانتقالية الحالية. وكان من اول مهام الحكومة الجديدة ان اصدر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قراراً بتكوين لجنة للتحقيق في احداث فض الاعتصام اختار لها شخصية قانونية كبيرة تتمتع بسمعة سياسية جيدة وسط قوى الثورة والناشطين السياسيين ـ،هو المحامي نبيل اديب. واختير لها مقراً في محيط القيادة العامة موقع الحدث، ورفعت لافتتها على المبنى وهذا كل ماحدث. حيث كان من المتوقع ان تصدر تقريرها خلا 3 اشهر من تكوينها ، ولكنها بعد هذا التاريخ اعلنت بان الادلة لم تكتمل، وانها تحتاج الى زمن اضافي ، وهاهي الان تصل العام. ولكنها هذه المرة تتزرع بانتشار جائحة كرونا وانها لاتستطيع ان تعمل في ظل تعطل الخدمة المدنية في البلاد. والجميع ينتظر انتهاء الجائحة حتى تستناف اللجنة عملها ويعرف اهل السودان من  استحل سفك دم اولادهم وبناتهم قبيل الفجر في الشهر الحرام.

 

طبيعة القوات النظامية

 

من خلال الفيديوهات ،  التي قال عنها  رئيس لجنة التحقيق انها وصلت الى الف وشهود العيان الذين بلغوا 3 الف، ومن خلال مارشح في وسائط التواصل الاجتماعي،  اصبح في حكم المتفق عليه ان القوى التي فضت الاعتصام كانت ترتدي ملابس مختلف القوات النظامية بتقسيماتها المعروفة. كما انها تحمل اسلحة لايمكن الحصول عليها  من محلات بيع السلاح في الخرطوم الذي لايتجاوز الطبنجات وخراطيش الصيد. وان اسواق المدينة الافرنجية منها والشعبية لاتعرض ملابس عسكرية للبيع ولاينبغي لها. مما لايدع مجالاً للشك بان القوات التي ارتكبت الجريمة كانت قوات نظامية تقع تحت مسؤلية القائد العام للجيش ومجلسه العسكري  الذي يراسها كلها. هذا الى جانب ان حراسات الاسلحة الرسمية التي تمت الجريمة امام بصرها لم تتحرك لحماية الجماهير التي لازت بها من عسف النظام البائد واختارت الاعتصام في حرم الجيش الذي كانوا يظنونه جيش البلاد وحامي حمى الوطن مما اصاب العلاقة بين المكونين المدني والعسكري بجرح لن يندمل قريباً. وبعد فشل كل الترتيبات التي خطط لها المجلس العسكري وبعد ان تبين له انه لم يكسب كثيراً من معركة فض الاعتصام والتي كان يرمي من ورائها الى تقليص نسبة المدنيين في مجلس السيادة واحكام قبضته على الفترة الانتقالية حتى يقوم باخراج انتخابات في صالح النظام القديم، حيث جاءت مسيرة 30 يونيو والادانات الاقليمية والدولية واجهضت كل تلك الاحلام ، اصبح هم الجنرالات المقدم على ما سواه هو ايجاد مخرج من هذه الورطة التي ادخلوا انفسهم والبلاد فيها.

 وبعد ان اتضحت  صعوبة الافلات الجماعي من المسؤولية وانه  لابد من التضحية برؤس كبيرة اندفع الجميع الى التفكير في الخلاص الفردي. فقد اعلن محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع في لقاء تلفزيوني مع محطة فضائية محلية ونقلته قناة الحدث، ان قواته اعترضت 9 دبابات (مذخرة) في طريقها الى ميدان الاعتصام كانت سوف تحيله الى رماد. وكان حميدتي قد اعلن من قبل في عدة مقابلات تلفزيونية ولقاءت جماهيرية ان الهدف من عملية فض الاعتصام هو توريط قوات الدعم السريع التي يقودها وتشويه صورتها امام الراي العام، وبداء واثقاً من ان التحقيق سوف ينصفهم . اضاف بان جهات اخرى لم يسمها كانت ترتدي ملابس قواته في ذلك اليوم اشتركت في فض الاعتصام . وقد اشارت استخبارت تلك القوى في عدة مرات الى  انها القت القبض على عناصر ينتحلون صفة قوات وضباط في الدعم السريع. وقد ابداء حميدتي في لقائه الاخير المشار اليه وقوفه الى جانب عبد الله حمدوك رئيس الوزراء. تجدر الاشارة الى ان هذا اللقاء يجي بعد عدة ايام من اشتباكات وقعت بين قواته وبعض القوات الاخرى في مدينة كادوقلي غربي البلاد مما يفتح الباب امام تفسيرات وتكهنات بوجود خلافات بين المكونات العسكرية التي تسيطر على البلاد. خاصةً وان جنرالاً كبيراً في الجيش السوداني كان قد اشار امام حشد من قوات حامية مدينة كادوقلي الى  ان المجرم الان صارت تحميه مؤسسة، دون ان يوضح ماهية تلك المؤسسة.

************

الحزب الشيوعي السوداني:

الوحدة شعار الثورة اليوم

 

الخرطوم - طريق الشعب

في ذكرى جريمة فض الإعتصام اصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني بيانا، حيّا فيه ذكرى الشهداء وطالب لجنة التحقيق في المجزرة بالاسراع في استلمال تحقيقاتها وتقديم الجناة للمحاكمة العادلة، وتعهد بمواصلة السير على طريق الثورة حتى تحقيق كل مهامها في الاجتثاث الكامل لنظام البشير المخلوع، ووضع السودان في طريق التحول المدني الوطني الديمقراطي الذي تسوده حقوق المواطنة والسلام والعدل ويسير في طريق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية.

وجاء في البيان إن ثورة ديسمبر تمر في منعطف خطير، وان قوى الثورة المضادة تتجمع من جديد وتتآمر على الثورة وعلى قواها وعلى وحدة الشعب ونسيجه الاجتماعي، فيما  تظهر بوادر الانقسام والتشتت في قوى الثورة، والتنازع حول المواقع السياسية والتنفيذية، وتتعثر مسألة السلام بسبب خطأ منهجي ودستوري في معالجتها.

واكد البيان "إن التفريط في وحدة قوى ثورة ديسمبر جريمة لن يغفرها التاريخ لمن يرتكبها، فالوحدة هي شعار الثورة اليوم لمواجهة قوى الثورة المضادة وإنجاز مهام الثورة".

**************

كورونا واسئلة الصحة والاقتصاد

منظمة الصحة العالمية: بيل غيتس واعادة الإقطاع الى العلاقات الاجتماعية

رشيد غويلب

يعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منظمة الصحة العالمية دمية صينية ، ويرى آخرون ان السوبر ملياردير بيل غيتس يسيطر على منظمة الصحة العالمية ويريد توظيف كورنا لفرض حكومة عالمية سرية . وهناك اكثرمن سبب معقول يدعم القراءة النقدية. وفي حوار  نشره موقع "شيوعيون" الألماني، وصف المتحدث باسم منظمة مديكو انترنسونال الالمانية توماس غباور تأثير الجهات المانحة الخاصة على الصحة العالمية بـ "إعادة الإقطاع في العلاقات الاجتماعية". ويبين اجتماع منظمة  الصحة العالمية الذي انعقد اخيرا مرة أخرى أهمية ان تكون المنظمة قوية ومستقلة يمكنها دفع صناعة الادوية  للتنسيق  ولامركزية الإنتاج وتوفير اللقاحات والأدوية بتكلفة منخفضة. وفي ما يلي عرض لاهم الأفكار التي تضمنها الحوار.

صحيح جدا ان ننظم الاجتماعات والحوارات في الوضع الراهن لتوحيد القوى لتطوير لقاح وأدوية بسرعة. ولكن المشكلة في الاجتماع الذي نظمته المفوضية الأوربية، هي ان الاجتماع لم يكن برئاسة الهيئة الدولية المسؤولة، أي منظمة الصحة العالمية. ولكن تحت رعاية نادي من الفاعلين السياسين والماليين الأقوياء: الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي والمؤسسات الخاصة مثل مؤسسة  غيتس. وغاب عن الاجتماع  ممثلون عن بلدان جنوب العالم، التي يعاني سكانها من عواقب اجتماعية وخيمة جراء وباء كورونا.

ان الحديث عن حكومة عالمية سرية مبالغ فيه لان كل شيء مكشوف ومعلن. إن مشكلة منظمة الصحة العالمية، منذ امد بعيد، هي عملية الافراغ  والاحتواء التي تعاني منها المؤسسات العالمية متعددة الأطراف التي يكون لجميع البلدان صوت فيها. ان ما يسمى بنهج اصحاب المصلحة المتعددين، اي مراكز القوى، يحل محل التعددية الطبعية بشكل متزايد.هنا تلعب النماذج والمقترحات الاقتصادية الدور الرئيس وليس مصالح ملايين المهمشين وظروف حياتهم: هل ينبغي ان تكون الادوية  الضرورية لاستمرار الحياة متاحة للجميع؟، اليس من الضروري استثنائها من حماية الاختراع؟ البلدان الصناعية لا تسمح بان تكون علوم الادوية ملكا عاما. وهذه هي طبيعة الحسابات الراسمالية، وهي في صميم النظام المهيمن، ولذلك يتحدث البعض عن مؤمرات خبيثة.

 

فضيحة غير مرئية

 

تعيش منظمة الصحة العالمية في أزمة خطيرة. ولكي تكون في وضع يمكنها من تحقيق الحق في الصحة، يجب ان تكون مستقلة.وهذا ما ترفضة الدول الأعضاء، وبالتالي تعمل، منذ سنوات، على تجميد مساهاماتها الإلزامية. وهذه الالتزامات تشكل الآن 20 في المائة من ميزانية المنظمة. أما الـ 80  في المائة الباقية فهي تبرعات طوعية ولكنها مشروطة باهداف محددة، وبهذا  يكون للمانحين تأثير مباشر على عمل المنظمة. حتى الأن تعد الولايات المتحدة أكبر المانحين، تليها مؤسسة غيتس. وإذا الغت الولايات المتحدة منحتها كما هو معلن، فإن استمرار وجود منظمة الصحة العالمية سيعتمد على تمويل مانح واحد. هذه هي الفضيحة الحقيقية التي لم يلاحظها أحد: إعادة الإقطاع الى العلاقات الاجتماعية.

وهناك من يقول ان من يقدم الخبز يحدد نوع الموسيقى، ولكن القضية ليست بهذه البساطة. إن الأغراض التي تمولها منح مؤسسة غيتس مهمة. ان تطوير اللقاحات، والجهود المبذولة للقضاء على شلل الأطفال، ليس خطأ. المشكلة تكمن في منهجية بيل غيتس القائمة على فكرة تعزيز صحة الناس من خلال برامج  تفرض من الأعلى،  فهو يريد انقاذ حياة الملايين، بنفس الأسلوب الذي يراكم فيه ثروته.

 

علاقة الصحة بالظروف الاجتماعية

 

ان صحة البشر ليست سلعة يمكن تسويقها مثل برامج الكمبيوتر. إنها تنتعش في المشاركة الديمقراطية للناس. وتلعب العوامل الاجتماعية دورًا أكبر بكثير من العلاجات الطبية.  وحتى شركة استشارات الشركات مكنزي اعترفت اخيرا، ان الأدوية توفر 15 في المائة فقط من الرفاهية للناس. وإن التغذية الجيدة والكافية والتعليم وظروف المعيشة الصحية والعمل اللائق والدخل المجزي وما شابه ذلك أكثر أهمية. والمحددات الاجتماعية للصحة، التي دأبت منظمة الصحة العالمية على تنظيمها خلال سنوات طويلة، تلعب  اليوم دورًا أقل  وبشكل متزايد. ويعود  ذلك أيضًا إلى تأثير الجهات المانحة مثل بيل غيتس.

لقد بينت أزمة الوباء، اهمال عواقبه الاجتماعية، التي ستكون مدمرة في جنوب الكرة الأرضية. ويخشى من تفاقم التفاوت الاجتماعي الهش السائد في العالم. كيف يمكن للناس الأكثر فقرا، والمضطرين للعمل باجور يومية اتباع تعليمات النظافة والتباعد؟  الذين يحلمون بمعونات العمل، او نظام  خدمة عامة يعمل بالحدود الدنيا، ان حماية هؤلاء تتطلب، وجود دخل اساسي عالمي، ونظم صحية ممولة بشكل تضامني، وتحقيق هذه الأهداف يجب ان يكون على جدول العمل، لانها ضرورية  أكثر من أي وقت مضى.

والصورة في بلدان الشمال الغنية متشابهة . والفظائع في أوروبا كبيرة أيضًا، حيث تم إضعاف النظم الصحية بسبب سياسات التقشف وخصخصتها بشكل متزايد. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك قرارات خاطئة مثيرة، مثل تلك التي اتخذها  الرئيس الامريكي دونالد ترامب أو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، كلاهما قلل من الخطر لفترة طويلة. ربما اعتقد سياسيو الشمال الغني، ان الأوبئة مشاكل محصورة  في إفريقيا أو آسيا، وان اوربا في مأمن  منها. ولكن عواقب مثل هذه الغطرسة يتحملها اليوم الناس العاديون. ويعتقد ترامب أن بامكانه إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية.

قبل عشر سنوات، صنفت منظمة الصحة العالمية مرضاً غير ضار هو فلونزا الخنازير باعتباره خطرا داهما، على اساس نصيحة علماء مسجلين في قوائم رواتب شركات الأدوية التي حققت ارباحا طائلة  من بيع دواء الأنفلونزا. وعندما أصبحت الفضيحة معروفة، تلقت المنظمة ما تستحقه من النقد. ومنذ ذلك الحين، فعلت الكثير للسيطرة على تضارب المصالح. ولكن كيف يمكن ان تشدد الرقابة، إذا كنت تعتمد على تبرعات المانحين من القطاع الخاص، وعليها  على سبيل المثال، مراعاة مصالح بيل غيتس؟ وكذلك بعض المنح المتأتية  من الاستثمارات في شركات الادوية.

 

انعكاسات  سلبية

 

أن القيود على الحقوق الأساسية التي تطبق حاليا والتي تحظى بتأييد واسع النطاق من قبل الجمهور، ستخلف بطريقة وبأخرى رواسب سياسية سلبية. ربما لا تحدث طفرات استبدادية في ألمانيا كما هو الحال في هنغاريا وبولندا. بدلاً من ذلك، يمكن للضغط العام  للعودة بسرعة إلى الحياة الطبيعية أن يؤدي إلى إضعاف النقد الذي انتجته الازمة للحياة الامبريالية السائدة في البلادعلى حساب الاكثرية والبيئة. لقد بدأت اصوات ترتفع بعدم ممارسة ضغط اكبر على الإقتصاد، خلال الأزمة، عبر مواصلة المطالبة بحماية المناخ والحفاظ على حقوق الإنسان.

اما السيناريو الايجابي فيمكن ان يتمثل بالنظر الى الصحة على أنها نفع عام، والتراجع عن خصصة نظام الرعاية العامة، وانهاء حماية الاختراعات الطبية الأساسية، وجعلها متاحة للجمبع، وهذا ما يمكن تحقيقه بفعل ضغط أزمة الوباء.

*****************

ص6

عن الحاجة إلى استجابة جماعية لمأزق كورونا

(1-2)

ديفيد هارفي*

أكتب هذه المادة وسط أزمة فيروس كورونا في مدينة نيويورك. وإنه لوقت عصيب أن يعرف المرء، بالتحديد، كيف يستجيب لما يجري. فمن الطبيعي في وضعٍ كهذا أنْ نكون نحن مناهضي رأس المال في الشوارع، نتظاهر ونُجيِّش ونحرِّض.

بدلا من ذلك، فأنا في حالة محبطة من العزلة الفردية، في لحظةٍ تتطلب أشكالا جماعية من الفعل. لكن كما قال ماركس ذات مرة، لا يمكننا صنع التاريخ في ظل ظروف من اختيارنا. لذا علينا اكتشاف أفضل طريقة للاستفادة من الفرص التي لدينا.

ظروفي أفضل من غيري نسبيا، إذ بوسعي الاستمرار في العمل، لكن من المنزل. ولم أخسر وظيفتي، وما زلت أتحصل على مرتبي. وكل ما علي فعله هو الاختباء من الفيروس.

يضعني عمري وجنسي ضمن الفئة المهَدة، لذلك لا ينصح بأي احتكاك )مع الآخرين(، مما يمنحني الكثير من الوقت للتفكير والكتابة بين جلسات برنامج «Zoom» وبدلا من الخوض في تفاصيل الوضع هنا في نيويورك، ارتأيت تقديم بعض الأفكار حول البدائل المحتملة والتساؤل: كيف يفكر المناهض للرأسمالية في ظروف من هذا النوع؟

 

عناصر المجتمع الجديد

 

أبدأ بتعليق لماركس يوضح فيه ما حدث في الحركة الثورية المهزومة لكومونة باريس (1871). يكتب ماركس:

"إن الطبقة العاملة لم تكن تنتظر المعجزات من الكومونة. إنها لا تنوي أن تحقق، بقرار الشعب، طوباويات جاهزة متممة. إنها تدرك أن عليها، لكي تحرر نفسها وتصل إلى ذلك الشكل الأعلى الذي يسعى إليه المجتمع الحالي بصورة لا تقاوم، بفعل تطوره الاقتصادي ذاته، أن تخوض نضالا عنيدا وأنْ تجتاز سلسلة كاملة من العمليات التاريخية التي تغير الظروف والناس تغييرا تاما وما ينتظر الطبقة العاملة ليس بمُثُل عليا تحققها، إنَّما عليها أن تفسح فقط مجالا لعناصر المجتمع الجديد التي تطورت في أحشاء (مجتمع برجوازي قديم متداع).

دعني أدلي ببعض التعليقات على هذا المقطع. بداية، كان ماركس بطبيعة الحال معاديًا لفكر الاشتراكيين الطوباويين، وكان ثمة الكثير منهم في فرنسا إبان الربع الثاني من القرن التاسع عشر. كان هذا تقليد جوزيف فورييه، وهنري دو سان سيمون، وإيتيان كابيه، ولوي أوغست بلانكي، وجوزيف برودون، وغيرهم.

شعر ماركس بأن الاشتراكيين الطوباويين حالمون، وبأنهم لم يكونوا أشخاصا عمليين سيضطلعون فعليا بتغيير ظروف العمل هنا والآن. فبغية تغيير ظروف هنا والآن، أنت بحاجة لفهم طبيعة المجتمع الرأسمالي على وجه الدقة.

لكن ماركس واضح جدا بخصوص أن المشروع الثوري ينبغي له التركيز على التحرر الذاتي للعمال. والجزء "الذاتي" في هذه الصياغة مهم. إذ أن أي مشروعٍ كبير لتغيير العالم سيستلزم تغيير الذات كذلك. لذا سيكون على العمال تغيير أنفسهم أيضا. لقد كان هذا حاضرا في ذهن ماركس خلال كومونة باريس.

مع ذلك، فماركس يلاحظ أن رأس المال نفسه يخلق فعليا فرصا للتغيير، وذلك عبر النضالات الطويلة، التي ستجعل من الممكن "إفساح المجال" لملامح وقسمات مجتمع جديد يكون بوسع العمال في ظله التحرر من العمل المستلب. تمثلت المهمة الثورية بإفساح المجال لعناصر هذا المجتمع الجديد المتواجدة في رحم نظام اجتماعي بورجوازي قديم متداع.

 

تحرير الإمكانات

 

لنتفق على أننا نعيش الآن في حالة مجتمع بورجوازي قديم متداع. ومن الواضح أنه يحمل كل ألوان وأشكال الأشياء البشعة –كالعنصرية ورهاب الأجانب– والتي لا أرغب قطعا في رؤيتها تتحرر. لكن ماركس لا يقول "حرروا كل ما في ذلك النظام الاجتماعي القديم، القبيح، والمتداعي". بل ما يقوله أنَّنا بحاجة إلى أن ننتقي من ذلك المجتمع البورجوازي المتداعي تلك الجوانب التي ستساهم في تحرر العمال والطبقات العاملة.

يطرح هذا السؤال الآتي: ما هي تلك الفرص ومن أين تأتي؟ لا يشرح ماركس ذلك في كراسته عن الكومونة، لكن قسما كبيرا من عمله النظري المبكر مخصص للكشف، على وجه الدقة، عمّا قد تكونه الفرص البنّاءة للطبقات العاملة. أحد المواضع التي يتناول فيها ماركس هذا الموضوع بإسهاب هي في نصه الضخم والمعقد وغير المكتمل المعنوَن بـ (الغروندريسه)، والذي كتبه خلال أزمة 1857-1858.

تسلط بعض المقاطع الضوء على ما قد كان يدور في ذهنه عند دفاعه عن الكومونة. ترتبط فكرة "التحرير" بفهم ما كان يجري حينها داخل مجتمع بورجوازي رأسمالي. وهذا ما دأب ماركس على فهمه على الدوام.

في (الغروندريسه) يخوضُ ماركس بإسهاب في مسألة التغيير التقني، والدينامية التقنية المتأصلة في الرأسمالية. وما يبيّنه هو أنَ المجتمع الرأسمالي، بحكم طبيعته، سيتجه للاستثمار بصورة مكثفة في الابتكار، وفي بناء إمكانيات تقنية وتنظيمية جديدة. ومرد ذلك، أنني كرأسمالي فرد، إذا ما كنت في منافسة مع رأسماليين آخرين، فإنَّني سأحصل على ربح إضافي حال تفوقَتْ تقنيتي على تقنية منافسيّ. وعلى هذا النحو، يكون لدى كل رأسمالي حافز للسعي نحو تقنية أكثر إنتاجية مقارنة بتلك التي تستخدمها الشركات الأخرى المنافِسة.

ولهذا السبب، فالدينامية التقنية متأصلة في صلب المجتمع الرأسمالي. أدرك ماركس هذا الأمر منذ البيان الشيوعي (كُتِبَ في 1848) وما بعد. وهذه إحدى القوى الرئيسية التي تفسر الطابع الثوري الدائم للرأسمالية.

لن يقنع المجتمع الرأسمالي بتقنيته القائمة. وسيسعى دوما لتحسينها، لأنَّها ستعود بالفائدة على الشخص، أو الشركة، أو المجتمع المالك للتقنية الأكثر تقدما. فالدولة أو الأمة أو تكتل القوى المالك لأحدث التقنيات وأكثرها ديناميكية هي من ستتقدم أقرانها. لذا فالدينامية التقنية تقع في صلب الهياكل العالمية للرأسمالية. وهذا حالها منذ البداية.

 

الابتكار التقني

 

تعدّ وجهة نظر ماركس بشأن هذا الموضوع تنويرية ومثيرة للاهتمام في آن. حين نتخيل عملية الابتكار التقني، فإننا نفكر عادة بشخص يصنع شيئا ما ساعيا لتحسين تقني في هذا الشيء أيا كان. بمعنى، أنَ الدينامية التقنية حكٌ على مصنع بعينه، نظام إنتاجي بعينه، حالة بعينها.

ولكن يتبيَّن أن العديد من التقنيات تنتقل فعليا من مجالٍ إنتاجي إلى آخر. تصبح هذه التقنيات عامة. فعلى سبيل المثال، تقنية الحاسوب متاحة لأي فرد يرغب باستخدامها لأي غرض يريده. وتقنيات الأتمتة متاحة لمختلف الأشخاص والصناعات.

يلاحظ ماركس أنَّه بحلول العقد الثاني والثالث والرابع من القرن التاسع عشر في بريطانيا، صار ابتكار تقنيات جديدة عملا تجاريا مستقلا وقائما بذاته. أي لم يعد يقتصر الاهتمام بالتقنية الجديدة على شخص يصنع النسيج أو شيء من هذا القبيل يرى أنها ستزيد إنتاجية العمل الذي يوظفه. بدلا من ذلك، يأتي روّاد الأعمال بتقنية جديدة يمكن استخدامها في كل مكان.

وكان المثال الرئيسي عن هذا في زمن ماركس هو المحرك البخاري، إذ كان له مختلف الاستخدامات، من سحب المياه من مناجم الفحم إلى صناعة المحركات البخارية وبناء السكك الحديدية، إلى جانب كونه يستخدم في الأنوال الكهربائية في مصانع النسيج. لذا في حال أردت الدخول في تجارة الابتكار، عندئذ فالهندسة وصناعة الأدوات الآلية كانت أماكن مناسبة للبدء.

اتجهت اقتصادات كاملة –كتلك التي ظهرت على أطراف مدينة برمنغهام والمتخصصة بصناعة الأدوات الآلية– لإنتاج لا التقنيات الجديدة فحسب، بل منتوجات جديدة. حتى في زمن ماركس، أصبح الابتكار التقني تجارة قائمة بذاتها.

 

السعي للبقاء

 

في (الغروندريسه) يبحث ماركس بالتفصيل سؤال ما الذي يحدث حين تصبح التقنية عملا تجاريا، حين يخلق الابتكار أسواقا جديدة بدلا من أن يكون بمثابة استجابة لطلب سوق محددة وموجودة سلفا على تقنية جديدة. تصبح التقنية الجديدة قاطرة دينامية المجتمع الرأسمالي.

إن العواقب واسعة النطاق. إحدى النتائج الواضحة أن التقنيات ليست ساكنة أو ثابتة البتة: إذ لا تستقر وسريعًا ما تغدو قديمة. يمكن للحاق بأحدث التقنيات أن يكون مرِهقا ومكلفا. ويمكن لتسريع التقادم أن يكون كارثيا على الشركات القائمة.

مع ذلك، تتخصص قطاعات بأكملها من المجتمع –الإلكترونيات والصناعات الدوائية والهندسة البيولوجية وما شابه– بخلق ابتكارات جديدة لمجرد الابتكار. فمن يتمكن من خلق ابتكار تقني يأسر المخيلة، كالهواتف الخليوية أو "التابلت"، أو يملك أكثر التطبيقات تنوعا، كرقاقات الحاسوب، من المرجح أنه سيفوز. لذا ففكرة أن التقنية بذاتها تغدو عملا تجاريا تصبح، بكل تأكيد، محورية في وصف ماركس لما يعنيه المجتمع الرأسمالي.

إنَّ هذا هو ما يميز الرأسمالية عن الأنماط الإنتاجية الأخرى. فبالرغم من أن القدرة على الابتكار حاضرة طوال التاريخ البشري، إذ ثمة تغييرات تقنية في الصين القديمة، في ظل الإقطاع، لكن الفريد في نمط الإنتاج الرأسمالي هو تلك الحقيقة البسيطة القائلة بأن التقنية تغدو عملا تجاريا، مع منتوجٍ عام يباع للمنتجين والمستهلكين على السواء. هذا حكر على الرأسمالية. ويغدو أحد المحركات الرئيسية لكيفية تطور المجتمع الرأسمالي. هذا هو العالم الذي نعيش فيه، شئنا أم أبينا.

 

ملحقا بالآلة

 

يتابع ماركس ليذكر نتيجة طبيعية لهذا التطور. بغية أن تغدو التقنية عملا تجاريا، ينبغي تجنيد أشكال جديدة للمعرفة وفق أساليب معينة. يستلزم هذا تطبيق العلم والتقنية بوصفهما فهما متمايزا عن العالم.

يصبح خلق التقنيات الجديدة على الأرض مقترنا بقيام العلم والتقنية كميادين فكرية وأكاديمية. يلاحظ ماركس كيف أنَ تطبيق العلم والتقنية وخلق أشكالٍ جديدة من المعرفة يصبح أساسيا لهذا الابتكار التقني الثوري.

يحدد هذا جانبا آخر لطبيعة نمطِ إنتاجٍ رأسمالي. تتصل الدينامية التقنية بدينامية إنتاج معارف علمية وتكنيكية جديدة، وتصورات روحية جديدة وغالبا ثورية عن العالم. تتشابك ميادين العلم والتقنية مع إنتاج وتجنيد معارف وتصورات جديدين. ورويدا رويدا يكون على مؤسساتٍ جديدة كليا، مثل معهد ماساشوستس و”كال تك” Cal Tech، أن توجد لتيسير هذا التطور.

يتابع ماركس بعد ذلك ليسأل: ما أثر ذلك على عمليات الإنتاج ضمن الرأسمالية، وكيف تؤثر على الطريقة التي يُدرَجُ بها العمل (والعامل) في هذه العمليات؟ في العصر ما قبل الرأسمالي، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر مثلا، كان للعامل عموما سيطرة على وسائل الإنتاج –الأدوات اللازمة– وغدا ماهرا في استخدامها. وصار العامل الماهر، كما يلاحظ ماركس، محتكرا لمعرفة معينة وفهم معين عُدَّ على الدوام فنا.

على كل، فمع بلوغ منظومة المصنع، وأكثر من ذلك مع بلوغ العالم المعاصر، فالحال لم يعد كذلك. تصبح مهارات العمال التقليدية غير ضرورية، إذ تنسخها التقنية والعلم، حيث تدمج التقنية والعلم والأشكال الجديدة من المعرفة في الآلة، ويختفي الفن.

وهكذا، يتحدث ماركس في مقاطع مذهلة من (الغروندريسه) –الصفحات 650 إلى 710 في طبعة دار بينجوين إذا كنت مهتما– حول الطريقة التي تصبح فيها التقنيات والمعارف الجديدة مضمَّنة في الآلة: لا تعود هذه المهارات في ذهن العامل، ويجري دفع العامل ليغدو ملحقا بالآلة، ليغدو مجرد مشرف على الآلة. ويختفي ذلك الذكاء وتلك المعرفة التي كانت ملكا للعمال، وكانت تمنحهم قوة احتكارية معينة في مواجهة رأس المال.

إنَّ الرأسمالي الذي احتاج يوما لمهارات العامل قد تحرر الآن من هذا القيد، وتتجسد المهارة في الآلة. تصب المعرفة المنتَجة عبر العلم والتقنية في الآلة، وتغدو هذه "روح" الدينامية الرأسمالية. هذه هي الحالة التي يصفها ماركس.

 

تحرر العمل

 

تصبح دينامية المجتمع الرأسمالي معتمدةً بشدة على الابتكارات الدائمة، يقودها تجنيد العلم والتقنية. رأى ماركس ذلك في زمنه بوضوح. كان يكتب عن هذا كله خلال العام 1858! لكننا اليوم، طبعا، في وضع غدت فيه هذه المسألة بالغة الأهمية والحيوية.

وتمثّل مسألة الذكاء الاصطناعي الصيغة المعاصرة لما كان ماركس يتحدث عنه حينها. فنحن نحتاج اليوم إلى معرفة لأي مدى يجري تطوير الذكاء الاصطناعي عبر العلم والتقنية ولأي مدى يجري توظيفه (أو من المرجَّح توظيفه) في الإنتاج. سيكون التأثير الواضح إزاحة العامل، وفي الحقيقة تجريده من سلاحه وتخفيض قيمته أكثر وأكثر، من زاوية قدرته على تطبيق أو استخدام المخيلة والمهارة والخبرة في عملية الإنتاج.

يقود هذا ماركس ليكتب التعليق الآتي في (الغروندريسه). دعني أورده لأنني أراه مبهرا بحق:

"إن تحول عملية الإنتاج من عملية العمل البسيطة إلى عملية علمية، تخضع قوى الطبيعة وتسخّرها لخدمة الحاجات البشرية، تبدو كأنها ميزة أو خاصية لرأس المال الثابت بدلا من العمل الحي…بذا تتحول قدرات العمل إلى قدرات لرأس المال."

تكمن المعرفة والخبرة العلمية الآن داخل الآلة تحت إمرة الرأسمالي. تنتقل القدرة الإنتاجية للعمل إلى رأس المال الثابت، إلى شيء خارجي بالنسبة للعمل. يُنحَّى العامل. لذا يصبح رأس المال الثابت حامل معرفتنا وذكائنا الجمعيّين حين يتعلق الأمر بالاستهلاك والإنتاج.

بعد ذلك، يركز ماركس على ما يحمله المجتمع البورجوازي المتداعي في أحشائه ويمكن أن يعودَ بالفائدة على العمل. وهو هذا: "يخفّض (رأس المال) –عن غير قصد– العمل البشري والإنفاق على الطاقة إلى أقل ما يمكن. وهذا سيعود بالفائدة على عمل متحرر وهو شرط تحرره". برأي ماركس، فإن ظهور أشياء من قبيل الأتمتة والذكاء الصنعي يخلق الشروط والإمكانيات بغية تحرر العمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مفكر ماركسي وأستاذ الأنثروبولجيا في جامعة نيويورك

عن: موقع (أوان) - 20 أيار 2020. ونص المقالة بالانجليزية منشور في موقع جاكوبن Jacobin الأميركي اليساري وترجمها علاء سند بريك هنيدي.

***************

لا حلّ لكورونا إلا باحترام "منطق الطبيعة الأم"

متابعة "طريق الشعب"

فيما تتفرّغ مختبرات البحث العلمي لمهمة ايجاد لقاح ناجع ودائم ضد فيروس كورونا المستجد، وفيما يواصل السياسيون والمهتمون نقاشاتهم حول أنجع السبل للحد من الخسائر البشرية التي يسببها هذا الوباء، هل بتطبيق التباعد الاجتماعي بصرامة أكثر، ومواصلة الاغلاق، أم بـ"الفتح" وترك الحبل على الغارب، وانتظار تطبيق نظرية "مناعة القطع" والسماح باصابة 60 بالمائة من سكان الأرض لضمان هزيمة هذا الفيروس.

وفيما يتواصل كل ذلك الجدل، يخرج الكاتب الأميركي توماس فريدمان بنظرية "طريفة" على صفحات نيويورك تايمز، مفادها أن التصدي لكورونا يحتاج الانحناء لمنطق الطبيعة الأم، والتكيّف مع ارادتها لا غير.

 

فما الذي يعنيه هذا؟

 

يقول فريدمان في مقاله الذي ترجمته "القبس" الكويتية: "أحاول أن أرسي كل أفكاري حول كيفية التعامل مع هذا الوباء بمنطق الطبيعة الأم وفي إطار قوانين ونظم الطبيعة. وإذا لم نفعل ذلك - إذا بنينا تحليلاتنا على السياسة أو الأيديولوجيا، أو على حقيقة أننا سئمنا الحجْر- فنحن في الواقع نتحدى الطبيعة الأم. لا يبدو أن هناك من يفعل ذلك هذه الأيام أكثر من الرئيس دونالد ترمب. أتفهّم حجم توق الناس إلى إنقاذ أعمالهم واستعادة رواتبهم".

 

الانتقاء الطبيعي

 

يقول فريدمان: دعونا نتذكر الانتقاء الطبيعي. هذا هو سعي جميع الكائنات الحية من أجل البقاء والازدهار في بعض البيئات، وهي تنخرط في النضال من أجل تمرير الحمض النووي إلى جيلها التالي. وهذا ما تفعله الفيروسات أيضاً: محاولة البقاء والتكاثر.

ففيروس كورونا، على سبيل المثال، تطور مع الخفافيش في البرية. ولكن يبدو أنه انتقل إلى البشر عندما أكل شخص لحم أحد الحيوانات الثديية المصاب بالفيروس في مدينة ووهان الصينية.

وعندما فعل ذلك، توطّن في الخلايا والأنسجة البشرية بطرق يمكن أن تضر بنا أو تقتلنا. وهكذا، أصبح الفيروس كرة سريعة ترمينا بها الطبيعة لتكتشف من هو الأقوى.

 

قوة الطبيعة

 

الطبيعة الأم قوية، فاذا أخبرتها أنك قد سئمت من الإغلاق، وبأن هذا يكفي بالفعل، لا يعني لها شيئا، ولا يدخل في سجلاتها.

ما تسجله (الطبيعة) وما تكافئ عليه هو شيء واحد: التكيف. وهي لا تكافئ الأكثر ثراء أو الأقوى أو الأذكى من الأنواع. إنها تكافئ الأكثر تكيفاً. وهم الذين يثبتون قدرتهم على البقاء وتمرير حمضهم النووي. وهذا يعني في حالة الوباء أنها تكافئ الرئيس أو الحاكم أو العمدة أو المواطن الذي يحترم سلطتها أولاً وقبل كل شيء. إذا كنت لا تحترم فيروساتها وحرائق الغابات والجفاف والأعاصير والفيضانات وما إلى ذلك، فستؤذيك أنت أو جيرانك أو مواطنيك.

يؤكد الكاتب في مقاله أن الرئيس ترمب لا يحترم الطبيعة الأم، لأنه يقيس كل شيء بمنظور المال والأسواق. ليس لديه إحساس بالنظم الطبيعية، باستثناء ملاعب الغولف، وطور وهماً بأنه قادر على ترويض الطبيعة.

وتكافئ الطبيعة الأم القادة الذين تكون استجاباتهم التكيفية هي الأكثر إبداعاً وتنسيقاً. لقد طورت فيروساتها خبرة في العثور على أي ضعف في جهاز المناعة الشخصي أو الجماعي.

لذا، إذا لم تكن عائلتك أو مجتمعك منسقاً تماماً في الاستجابة لفيروساتها، فإنها ستجد أصغر الشقوق للنفاذ منها وتجعلك تدفع الثمن. بلا رحمة إذا كانت إستراتيجيتك للتكيف قائمة على الإيديولوجيا أو السياسات الانتخابية، فإن الطبيعة ستضر بك بلا رحمة.

صحيح أن الفيروس يصيب مناطق مختلفة، ومناخات وسكاناً مختلفين، وبالتالي يجب أن يكون كل فرد قادراً على التكيف بشكل مختلف قليلاً. ولكن كما قال عالم الأوبئة في جامعة مينيسوتا مايكل أوسترهولم لصحيفة «يو إس أيه توداي» أخيراً، فإن "هذا الفيروس سيواصل نشاطه إلى أن يصيب أكبر عدد ممكن، إلى أن نكتشف اللقاح أو نكتسب المناعة الجمعية بشكل طبيعي".

ويستنتج فريدمان انه ولكل هذه الأسباب، من الواضح، أو ينبغي أن يكون واضحاً، أن على كل دولة أن تبحث عما طالب به الدكتور ديفيد كاتس خبير الصحة العامة منذ بداية هذه الأزمة وهو "إستراتيجية مستدامة لتقليل الضرر الكلي الى الحد الأدنى".

وهذا يعني إستراتيجية من شأنها إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح ومن سبل العيش في آن معاً. علينا أن نبذل قصارى جهدنا للقيام بالأمرين معاً، ويمكننا ذلك. مخاطر متنوعة ويرى كاتس أنه "لم يكن أبداً خيارنا موت الملايين بسبب الفيروس أو بسبب خراب الاقتصاد".

كان بإمكاننا، وما زال، الاعتراف بأن أفراداً مختلفين من مواطنينا يواجهون مخاطر متنوعة من مرض كوفيد - 19. وبالتالي فانه من الضروري بلورة إستراتيجيات تحمي الفئات الأكثر ضعفاً في سكاننا وتسمح لأقل الفئات ضعفاً بالعودة إلى العمل، وبالتالي تحقق أفضل ما في «الإغلاق» وأفضل ما في "الفتح".

 

استراتيجيات مختلفة

 

بحسب فريدمان، اتبعت الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية والسويد وغيرها إستراتيجيات مختلفة لإنقاذ الأرواح وسبل العيش بشكل مستدام ومضاعف. من السابق لأوانه القول إن أياً منها وجد الإستراتيجية المثالية لتحقيق ذلك. ولكن ليس من السابق لأوانه أن نقول إنها تعيد الفتح بطرق تحترم الطبيعة الأم، وتقدر الحاجة إلى التنسيق وترتكز على العلم. لذلك لا تزال تلك الدول تطلب درجة معينة من ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، وممارسة التباعد الاجتماعي، وتقييد عدد الأشخاص الذين يتجمعون في أي مكان مغلق، وحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً والحد من العدوى عن طريق الاختبارات الواسعة النطاق، والتتبع والحجر الصحي لاحتواء انتشار الفيروس، حتى الوصول الى المناعة الجمعيّة.

 

الحرية والخوف

 

يصف فريدمان الوضع في بلاده بأنه " في حالة من الفوضى".

يقول: "في بعض الأماكن ترى عمليات إعادة فتح بطريقة تحترم قوة الطبيعة الأم، عملية فتح منسَّقة ومرتكزة على العلم، وفي أماكن أخرى ترى مطاعم مزدحمة أو صاحب صالة ألعاب رياضية يتحدى إرشادات المحافظة، ويهتف المتظاهرون ويرفعون لافتات تقول: "حريتي لا تنتهي حيث يبدأ خوفك".

الأشخاص الذين يضعون هذه الإشارات، والذين يظهرون على قناة «فوكس نيوز» لدعمهم، لا يفهمون الأمر جيداً. فنحن، بذلك، لسنا ضد بعضنا. نحن جميعاً ضد الطبيعة الأم. نحن بحاجة إلى إعادة الفتح ونحتاج إلى التكيف، ولكن بطرق تحترم منطق الطبيعة الأم، وليس بطرق تجذب موجة ثانية، وليس بطرق تتحدى الطبيعة. هذا ليس ذكاء. لأن الطبيعة لم تخسر أياً من معاركها منذ بدء الخليقة قبل 4.5 مليارات سنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن: ايلاف – 23 أيار 2020

**********

ص7

ك

***************

ص8

جذور السنديانة الحمراء

عبد الرزاق دحنون

كُنتَ شيوعياً وتبت- سامحكَ الله- فهل أنت بالضرورة على باطل؟ وهل أنا الشيوعي- ما أزال- على حق؟ هل أحدنا محقّ لأن صور ماركس وأنجلز ولينين ما زالت على جدار غرفته، والآخر مخطئ لأنه أزالها عن جدار غرفته؟ أو هل كلانا محقّ وكلانا مخطئ؟ لا أنا ولا أنت نعرف ذلك ولا سوانا. من ينبغي أن نسأل ليعطي القرار الصحيح؟ قد تسأل أحداً يتفق معك، ولكن مادام يتفق معك كيف يمكنه صوغ القرار؟ وقد تسأل أحداً يتفق معي ولكن مادام يتفق معي كيف يمكنه صوغ القرار؟

هذه التساؤلات للفيلسوف الصيني "تسوانغ تسي" ابن القرن الرابع قبل ميلاد السيد المسيح، خطرت في بالي وأنا أستلم أربعة صناديق كرتون كبيرة، ثقيلة، محكمة الإغلاق، بذلت جهدي في نقلها من سيارة رفيقي الشيوعي المتوقفة على زاوية كنيسة الروم الأرثوذكس في مدخل زقاق المسيحيين إلى مكتبتي في رابع الدكاكين على يسار ذلك الزقاق. هذه الصناديق هدية من رفيقي صاحب السيارة بعد أن هجر الشيوعية -أصلحه الله- فتذكّرني في أحد أيام ربيع عام 2014. شكراً له على كل حال. وحقيقة أن يكون المرء شيوعياً لا يتعارض مع كونه مسيحياً مؤمناً يُصلّي في الكنيسة، وذلك لا يتعارض مع كونه ينشط في حزب شيوعي، ولا يمنعه من أن يكون صديقاً لعدد كبير من المسلمين، يدخل بيوتهم ويأكل خبزهم. ولعلها نادرة تستحق الذكر أن مصطفى جقمور من أهل مدينة إدلب في الشمال السوري، هو أحد رفاقنا في الحزب الشيوعي السوري ظلَّ لأكثر من ستين عاماً شيوعياً مؤذّناً، يؤذّن في الناس، ويُصلّي في المسجد. حالة نادرة لا شك في ذلك، ولكن أي شخص هو عضو في جماعات مختلفة متعددة، ومن دون أن يكون ذلك تناقضاً بأي شكل من الأشكال، وكلٌّ من هذه الهويات الجمعية التي ينتمي إليها هذا الفرد تعطيه هوية اجتماعية تجعله شخصاً مهماً بالفعل.

فتحتُ ختم الصناديق فبلغ عدد كُتبها أزيد من مئتين. رحتُ أتصفح الكتب على مهل. الوقت أوفر ما عندنا، عكس باقي الأشياء في المدينة، حيث لا غذاء ولا ماء ولا كهرباء ولا هواء ولا دواء، أعان الله الفقراء، لا حول ولا قوة إلا بالله. والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وجدت المنّ والسلوى في القراءة. وتذكرتُ كم كان المتنبي حكيماً في قوله: أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ/وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ.

السرج السابح بعيد المنال، يا أبا الطيب، في هذا الزمن الأغبر قليل الأفراس والفرسان والفروسية. ولكنك أنتَ هُنا في حضرة كُتب أئمة الماركسية- اللينينية وشيوخها ومجاهديها.

بعض الناس يظنُّ أنه يعرف طريقه إلى البيت. أؤكد لكم أنني لا أعرف هذا الطريق دائماً، فكثيراً ما كنتُ أرتقي السياج بدل الدخول من الباب، لأنك قد تجد الحكمة في طبعة كتاب رثِّ مُغبرِّ مغمور ممزق مدفوع بالأبواب أكثر مما تجدها في كتاب أنيق الطباعة مذهَّب الحواشي يرتاح على رفِّ مكتبة فخمة في شارع أنيق. وقد كتب صحافي من جريدة "شيكاغو تريبيون" زار ماركس عام 1878 وأجرى معه لقاء: لا يجري حديث ماركس على غرار واحد، بل يتنوَّع تنوع الكتب على رفوف مكتبته. ويمكن عموماً أن نحكم على رجل من خلال الكتب التي يقرأها، وهذا ما يمكنكم أن تفعلوه باستنتاجاتكم الخاصة حيث أقول لكم إنَّ نظرة عابرة قد كشفت عن شكسبير وديكنز وموليير وراسين وبيكون وغوته وفولتير، وعن كتب زرقاء إنجليزية وأميركية وفرنسية، وعن أعمال سياسية وفلسفية بالروسية والألمانية والإسبانية والإيطالية.

وجدتُ في الصناديق كنزاً من الكتب، وأول الكنز كُتيِّب "مبادئ الشيوعية" ألَّفه فريدريك أنجلز في تشرين الثاني/نوفمبر عام1847 كصيغة أولى لتعريف ما هي الشيوعية. وهي صيغة جميلة على كل حال في أسئلة وأجوبة. يطرح أنجلز السؤال ثمَّ يُجيب. وهي صيغة سهلة وبسيطة ومحببة في التعليم عن طريق الحوار.  عرض هذه الصيغة على رفيق دربه كارل ماركس، وكانت أول وثيقة واضحة المعالم عن المفهوم الجديد للعالم الذي تبلور في عقل الشابّين. تمَّتْ صياغة شكل البيان أخيراً ونُشر تحت عنوان: "البيان الشيوعي" في طبعة خاصة باللغة الألمانية في لندن في شهر شباط/فبراير عام 1848. حينها كان ماركس في الثلاثين، وأنجلز في الثامنة والعشرين من العمر. ويقول الرفيق خالد بكداش في كتاب الصحفي السوري عماد ندَّاف "خالد بكداش يتحدث" الصادر في طبعته الأولى في دمشق عام 1993 والذي وجدته بين كتب الصناديق وما كنتُ أعلم بوجوده قبل ذلك، لأنني كنت مسافراً لكسب العيش خارج سورية حين صدر الكتاب. يقول بكداش: قمتُ بترجمة "البيان الشيوعي" من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية عام 1933 على ما أذكر. ويقول "البيان الشيوعي" في إحدى فقراته: إن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم وأهدافهم وميولهم، ويدحضوا خرافة شبح الشيوعية ببيان من الحزب نفسه .

وجدتُ كتاباً ضخم الحجم في أزيد من 600 صفحة هو "مراسلات كارل ماركس وفريدريك أنجلز" ترجمه إلى العربية من نسخة إنكليزية الدكتور فؤاد أيوب، صادر في طبعته الأولى في 3000 نسخة عام 1981. ما أهمية هذه المراسلات اليوم؟ قيمة المراسلات عظيمة كما قال لينين، فلا يقف ماركس وأنجلز هُنا أمام القارئ بصورة جريئة فحسب، بقامتيهما المليئتين، بل ينكشف محتوى الماركسية النظري الغني جداً بأعظم الوضوح. تجدُ في هذه المراسلات جدلاً حيَّاً في الفكر الذي يُحاول شقَّ دربه الخاص، والذي سيُصبح بعد قليل علماً أحمر يخفق في الريح عبر أرجاء الكرة الأرضيَّة.

وكان لطيفاً جداً أن أجد كتاب "مذكرات عن ماركس وأنجلز" طبعة دار التقدم في موسكو عام 1976، وهذه طبعة نادرة مصوَّرة، فيما أحسب. وفيها تجد ما قاله الصحفي وعالم الاجتماع الشيوعي الفرنسي بول لافارغ زوج لورا ابنة كارل ماركس. حيث كتب في ذكرياته عن حماه:

 كان ماركس مدخناً كبيراً. قال لي ذات مرَّة: لم يكتب أحد هذا الكم من الكتابة عن المال، وهو لا يملك إلا قليلاً جداً من المال. وحاصل مال كتاب رأس المال لن يكفي لتسديد ثمن التبغ الذي دخنته وأنا أكتبه. وكان ماركس متلافاً أكثر لأعواد الكبريت، فكثيراً ما كان يغفل عن غليونه أو سيكاره في أثناء عمله، فكان يقتضي ذلك إعادة اشعالهما مرة بعد مرة، فكان يُفرغ علب الكبريت بسرعة لا تُصدَّق. لم يقصر ماركس نشاطه على البلاد التي رأى فيها نور الحياة، فقد كان يقول: أنا مواطن عالمي، وإنني أعمل حيث أكون. كان ماركس لا يكلُّ ولا يتعب من العمل. ولكن لم تكن لديه امكانيات لتجهيز عدة مكاتب للعمل. فلكي يستريح كان يقطع الغرفة جيئة وذهاباً من الباب إلى النافذة. إن أثر مشيته ظاهر على السجادة حتى بدا عليها خطاً واضحاً وضوح الدرب في البريَّة.

 

يتابع بول لافارغ القول:

 

كان ماركس قارئاً كبيراً للروايات. فكان يقرأ أحياناً روايتين أو ثلاثاً معاً. فيتنقل من واحدة إلى أخرى. وكان يبدي حباً خاصاً لقصص المغامرات والحكايات المسليَّة. بالنسبة لي ولجميع الذين يعرفون ماركس عن كثب، فإن كتاب "رأس المال" أو أيَّ كتاب من مؤلفاته لا يستطيع أن يكشف كلياً عن عبقريته ومعرفته. لقد كان أسمى من مؤلفاته بكثير. لقد وضعت السيدة ماركس أطفالاً عديدين، إلا أن المنية أخذت ثلاثة منهم وهم في أعوام حياتهم الأولى، وذلك خلال فترة الحرمان التي مرَّت بها الأسرة بعد ثورة 1848 حين لجأت الأسرة إلى لندن.

ينقل كتاب "ذكريات عن ماركس وأنجلز" ما كتبته جيني فون فستالين زوجة كارل ماركس عن تلك الأيام الصعبة في لندن، حيث لا مال ولا عمل. وليس العمل سهلاً في حالة البؤس، وقد أصبحت أسرة ماركس المؤلفة من ستة أفراد أكثر بروليتارية في طابعها إبان تلك السنوات في لندن. لم يكن ماركس يستطيع الخروج في بعض الأحيان لأن ملابسه موجودة في محل الرهونات. حتى الورق الذي يكتب عليه لم يكن موجوداً، كذلك ضرورات الحياة لأسرته. وخلال الفترة التي عاشها في "دين ستريت" ولدت له طفلة هي فرانشيسكا، ماتت بعد سنة من الفاقة. وقد وصفت زوجة ماركس هذه المأساة في رسالة إلى صديقة في أمريكا تقول فيها: أطفالنا الثلاثة يرقدون على الأرض ونحن جميعاً نبكي الملاك الصغير الذي كان جسده بلا حياة والموجود في الغرفة المجاورة. ولقد حدثت وفاة طفلتنا ونحن في حالة عوز شديد، وأصدقاؤنا الألمان عجزوا عندئذ عن مساعدتنا. وهرولتُ والأسى في قلبي إلى مهاجر فرنسي يسكن ليس بعيداً عنا، واعتاد أن يحضر لزيارتنا، ورجوته أن يُساعدنا للضرورة المُلحَّة. فأعطاني في الحال جُنيهين بتعاطف أخوي عميق. وقد استخدمت هذا المال في شراء كفن ترقد فيه طفلتي الآن في سلام.

عادت بي هذه الكتب التي كنتً أُخرجها من صناديق الكرتون وأتصفحها على مهل إلى تلك الأيام التي كانت تفوح فيها رائحة القرنفل الأحمر وتُعطِّر فقراء العالم، وإلى ظلِّ "جذور السنديانة الحمراء" كتاب رفيقنا الغالي اللبناني محمد دكروب. بلا شك كانت تلك الأيام لا تُنسى لعبت فيها دور النشر في الاتحاد السوفياتي دار التقدم ودار رادوغا خاصة دوراً بارزاً ومهماً في نشر الفكر الماركسي-اللينيني. حيث صدرت آلاف الكتب بهذا الشأن مترجمة إلى اللغة العربية، ولعل من أشهرها مؤلفات لينين في عشرة أجزاء بغلافها الأزرق الغامق، وكتاب "رأس المال" ومختارات من مؤلفات ماركس-أنجلز في أربعة أجزاء بلونها البني المحروق كالقهوة العربية، وقد ضمَّت هذه المختارات بين دفتيها مؤلفات فريدريك أنجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" و "لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية" وفيها كتاب كارل ماركس البديع "الثامن عشر من برومير لويس بونابرت" ومن الكتب المميزة التي وجدتها في الصناديق وسررتُ بها كثيراً كتاب الصحفي الأمريكي الشيوعي جون ريد "عشرة أيام هزت العالم" يا لتلك الأيام العظيمة التي هزّت العالم، عندما حاول بلاشفة روسيا بقيادة حكيمهم لينين قلب الدنيا لصالح الفقراء وبناء أول دولة اشتراكية في التاريخ. ورحم الله الشاعر العباسي ابن المعتز القائل: فكانَ ما كانَ مما لستُ أذكرهُ/فظنّ خيراً ولا تسألْ عن الخبرِ.

**************

شيء من التاريخ القريب

ناصر حسين

شاءت الصدفة التاريخية ان اتواجد عصر يوم معين اواخر العام 1973 في مضيف السيد شاكر الحلو – عميد اسرة السادة الحلوين في ناحية غماس من قضاء الشامية – والد الشهيد الرفيق المربي عبد علي شاكر الحلو، وجدّْ الرفيق الدكتور حسين عبد علي الذي يعالج في عيادته في غماس حالياً وبالمجان للفقراء – وليس الفحص بالمجان وانما حتى العلاج الذي يصفه للمريضة او للمريض الفقير يدفع ثمنه الى صاحب الصيدلية من جيبه الخاص، وآنذاك كان الجلاد المعروف ناظم كزار محكوما بالإعدام.

حدثني وقتها السيد شاكر الحلو عن اشاعة سمعها تقول بأن قراراً سيصدر بإعفاء ناظم كزار من الحكم وإطلاق سراحه. واتذكر انني اجبته حينها بان هكذا قرار غير ممكن وان حكم الاعدام بهذا الرجل لابد وان ينفذ فقد تلطخت ايديه بدماء الاحرار من ابناء الشعب وليس بدمائنا نحن الشيوعيين فقط. وهذا ما كنا نعلنه دائما ونحذر باقي القوى الوطنية من السكوت والرضا عندما يتعرض الشيوعيون الى الاذى والملاحقة فان من يبدأ بالشيوعيين لابد وان ينتهي بالآخرين جميعاً. واتذكر ان دار الاذاعة ونحن نتحدث قد اعلنت ان بياناً هاماً سيصدر بعد قليل وصدر البيان فعلاً وكان الاعلان عن تنفيذ حكم الاعدام بالقاتل والجلاد ناظم كزار وضباط اخرين معه. والقرار بهدم القصر الملكي الذي كان يحمل اسم (قصر الرحاب) وأطلقت عليه لاحقاً تسمية قصر النهاية وحوله جلادو النظام الفاشي عام 1963 الى معتقل سري يمارسون فيه التعذيب البشع للمعتقلين وقتلهم واخفاء جثثهم مثلما جرى مع الشهداء سلام عادل ومحمد حسين ابو العيس وحسن عوينه وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وابو سعيد – عبد الجبار وهبي وحمزة سلمان وجورج تلّو، والياس حنا كوهاري -وصبيح سباهي وابراهيم ادهم -والقائمة طويلة، طويلة جداً.

وفي صباح يوم اخر وكان حكم الاعدام قد نفذ ايضاً بالمجرم رشيد مصلح صاحب البيان الشهير يوم الانقلاب المشئوم – انقلاب الثامن من شباط 1963 الاسود-البيان رقم 13 الذي يخول عصابات الحرس القومي صلاحية قتل الشيوعيين في الشوارع وبدون رحمة (-اقتلوهم -سحقاً حتى العظم) وقد صدرت صحف ذلك اليوم فلفت نظري ما كتبته جريدة الثورة بهذا الخصوص حيث ورد (لأول مرة في التاريخ تثأر قوة وطنية لقوة وطنية اخرى) هذا ما ورد وبالنص وقد اذيع ايضاً من دار الاذاعة العراقية.

هذا شيء من التاريخ القريب وهناك اشياء اخرى واذكر منها هنا بعض الامثلة.

المثال الأول: من بلدي، العراق، من العام 1958، ايام النظام الملكي. وآنذاك كنت أودي خدمة الضباط الاحتياط في الفوج الاول من اللواء الرابع عشر من الفرقة الاولى في معسكر الديوانية، وقتها لم اكن عضواً في صفوف الحزب الشيوعي العراقي لكنني كنت قريباً منه وقد دعيت من قبل الضابط القومي المعروف جابر حسن حداد وكان آمراً لنفس السرية التي نسبت اليها كما دعي ايضاً باقي ضباط السرية وهم الملازم عبد الرزاق عبد الكريم البغدادي والملازم يحيى الحاج مسلم الضائع والملازم عبد العال عزيز الشمخي للالتحاق بمنظمة الضباط الاحرار التي كانت تعد العدّة لإسقاط النظام الملكي ورحبنا جميعا بالدعوة وقبلناها جميعنا وكنا حينها نعسكر في منطقة جرف الصخر.

من دار الاذاعة العراقية، كنا نسمع يومياً تعليقاً لرجل مصري معادٍ لنظام ثورة يوليو المصرية يكرر فيه القول (سأعود يا مصر).

صباح احد تلك الايام وكنت في الاجازة النصف شهرية، وفي دار احد ابناء عماتي في الكوفة وكنا نستمع سوية الى نباح ذلك المسعور المصري، اتذكر ان ابن عمتي سألني (ماذا ينتظر هذا الرجل من تطورات في مصر تساعده على العودة اليها حتى يقول سأعود يا مصر؟) فأجبته في حينها (سيقوم الشعب العراقي وعما قريب بأسقاط النظام الملكي، ووقتها سنضعه في طائرة خاصة تنقله الى القاهرة ونسلمه الى الحكومة المصرية لينال جزاءه العادل). وهذا ما تحقق فعلاً بعد ثورة الرابع عشر من تموز واسقاط النظام الملكي فقد اعتقل الرجل ونقل الى مصر. ألم يكن يريد العودة اليها اعتقلناه وارسلناه الى مصر هدية من ثوار تموز العراق الى ثوار تموز مصر.

المثال الثاني: ابو طلحة اليماني والمرفقة صورته الارهابي المعروف واحد اركان قيادة (القاعدة) الارهابية. كان يمارس القتل والارهاب اينما توجه في بلادنا كان له دور في القتل والارهاب قبل ان تعلن داعش نفسها خلافة للمسلمين عاصمتها الموصل عام 2014 ولست اعرف الان كم قتل من ابناء شعبنا؟ وكم سبى من ايزديات العراق وماذا حل بهن بعد سبيهن واين هنّ الان؟ ولا بد وان يكون قد مارس الارهاب في افغانستان وسوريا واليمن. وقد تأكد الان ما قام به في ليبيا بعد ان نال جزاءه العادل في قصف جوي للوكر الذي تواجد فيه قبل عام ولم تؤكد (القاعدة) بنفسها ذلك الا قبل ايام قلائل. لقد تلطخت يداه بدماء الابرياء من مختلف الجنسيات فنال جزاءه العادل، فالشكر كل الشكر لمن عاقبه وباسم ابناء وبنات شعبه ونيابة عن بنات وابناء الشعوب الاخرى.

الآخر: المجرم الارهابي هشام عشراوي، لقد مارس القتل والارهاب ضد ابناء الشعب المصري. وانتقل الى ليبيا متصورا انه سيجد فيها الامان والخلاص من العقاب المصري له. وليمارس القتل والارهاب ضد الشعب الليبي كذلك. فكان ان اعتقل في ليبيا في احدى المعارك مع الجيش الليبي.

 وفي السادس من اذار 2020 كنت اشاهد من على شاشة التلفاز واستمع الى العقيد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي، وهو يتحدث عن اعتقال الارهابي العشماوي ويؤكد بان قائد الوحدة الميدانية الليبية التي قامت باعتقال هذا الارهابي لديه سبعة شهداء فلم يسمح لغيره ولا لنفسه الفتك به وأصر على ان يأخذ القانون مجراه فنقل الى القاهرة التي حاكمته على جرائمه التي ارتكبها في مصر قبل هروبه الى ليبيا وصدر بحقه حكم الاعدام الذي نفذ به قبل ايام قلائل. حالة حضارية اليس كذلك؟ حالة مارسناها نحن في الحزب الشيوعي العراقي لدى سقوط نظام المقبور صدام حسين فقد كنا ننصح عوائل شهداء شعبنا وضحايا التقارير الامنية تقارير العمد والكيد بتجنب اخذ الثأر الذي لو اخذ به لوجد العراقيون انفسهم في لجة من الفوضى التي يحترق فيها الاخضر واليابس، وترك الامر للقانون والسلطة القضائية لمحاسبتهم وانزال العقاب الصارم بهم.

وهكذا لم يسلم لا العشماوي ولا ابو طلحة اليماني ولا ابو بكر البغدادي ولا اسامة بن لادن من العقاب عما ارتكب من جرائم مثلما لم يسلم من قبل قادة الاجهزة الامنية للنظام الملكي في العراق من الاعدام شنقاً حتى الموت او رمياً بالرصاص وهم كل من سعيد قزاز وزير الداخلية، وبهجت العطية مدير التحقيقات الجنائية (الامن العامة) وعبد الجبار ايوب مدير السجون العام وعبد الجبار فهمي مدير شرطة بغداد ايام النظام الملكي الذين تصدوا لتظاهرات الشعب العراقي بالرصاص وتسببوا باستشهاد مواطنين عراقيين كانوا في تظاهرات سلمية سواء كان في تظاهرات وثبة الشعب العراقي عام 1948 ضد استبدال معاهدة عام 1930 بمعاهدة اكثر جوراً من سابقتها منهم مثلاً شمران علوان، قيس الالوسي، بهيجة، وجعفر الجواهري او تظاهرات الشعب عام 1956 التضامنية مع الشعب المصري الذي كان يواجه العدوان الثلاثي – الاسرائيلي، الفرنسي، والبريطاني) ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر، الشهيد عواد رضا الصفار، والذين وصلت بهم الاستهانة بدماء العراقيين حد اطلاق الرصاص على السجناء في سجني بغداد والكوت عام 1953 والتسبب بجرح العديدين منهم. واتذكر ان احد من استشهدوا في احداث السجون تلك الشهيد رؤوف صادق الدجيلي من مدينة الكوفة ومن المعلوم ان اولئك الاربعة تم اعتقالهم صباح اليوم الاول لثورة الرابع عشر من تموز 1958 واحيلوا الى محكمة الشعب التي اصدرت بحقهم احكام الاعدام التي نفذت ليلة 19/20 ايلول عام 1959.

انا كتبت على صفحات طريق الشعب قبل بضعة سنوات تحت العنوان (متى سينصفنا التاريخ؟) واكرر الان هذا القول (متى سينصفنا التاريخ؟) فالمئات من شهدائنا ما زالوا بلا قبور كسلام عادل، وابو العيس وعوينه، والعبلي والحيدري وابو سعيد وعبد الكريم قاسم وكنعان خليل حداد وطه الشيخ احمد وفاضل عباس المهداوي....

في احدى قصائده كتب الشاعر بدر شاكر السياب:

(لم يمر عام على العراق وليس فيه جوع)

وفي السياق أقول:

متى سيصل العراق الى حالة ليس فيها جوع، وليس فيها بطالة، وليس فيها قتل على الهوية، والمسؤول في الدولة يفكر بانه مكلف بواجب تجاه الشعب عليه ان يؤديه بكفاءة ونزاهة واخلاص وحرص على اموال العراقيين وارواحهم وممتلكاتهم. لا يفرض رأيه فرضاً على المجتمع بل يستمع الى رأي الآخرين ويحترمه؟

حالة نريدها وليس فقط نتمناها بل نطالب بها  ونسعى لتحقيقها ولابد من تحقيقها وقديما قال الشاعر طرفة بن العبد:

أدُّوا الحُقوق تَفِرْ لكم أعراضُكم

إِنّ الكريم إذا يُحَرَّبُ يَغضَبُ

وقال شاعرنا المعروف زاهد محمد في قصيدة القاها في بغداد عام 1960 على ما اتذكر بصيغة التحذير

(تهيب يالتهز السوط

واحذر غضبة المظلوم)

وعندما اعجب الجمهور بذلك وطلب الاعادة، قام الشاعر بتغيير الصيغة اذ تحول التحذير للفاعل المجهول الى صيغة النهي للمخاطب مباشرة:

(تهيب لا تهز السوط

واحذر غضبة المظلوم)

اجل انها تداعيات افكار حركتها رؤيتي من خلال شاشة التلفاز، الخامس من اذار 2020 لصورتي الارهابيين ابو طلحة اليماني وهشام العشماوي. الاول بعد قتله على يد الجيش الليبي قبل عام كامل والاخر بعد تنفيذ حكم الاعدام به بعد قيام الجيش الليبي بتسليمه الى السلطات المصرية.

***************

ص9

محمد علوان جبر .. ضد النسيان

بحزن بالغ والم موجع واسف شديد، تلقينا نبأ رحيل الزميل العزيز، القاص والروائي: محمد علوان جبر (١٩٥٢ _٢٠٢٠/٥/٢٢)

لقد كان الراحل.. واحد ممن رافقنا في مسيرتنا الثقافية عن طريق عموده الاسبوعي (ضد النسيان) الذي كنا نعنى بنشره في ثقافية يوم الأحد، ولم ينقطع عن استذكار العديد من الادباء والشخصيات الوطنية التي حرص فقيدنا العزيز محمد علوان جبر للتذكير بعطائها ودورها في رفد الحركة الثقافية في العراق.

كما كانت كتبه :( تماثيل تمضي، تماثيل تعود / قصص، المرحلة العجيبة للسيد م /رواية، تراتيل العكاز الاخير / رواية، لماذا تكرهين ريمارك؟ /رواية.. ) تشكل حضورها الفاعل والمؤثر في الأوساط الثقافية.

إننا إذ نودع محمد علوان جبر، نذكر بارثه الابداعي ومواقفه المشرفة التي ظل يرفد (طريق الشعب) بها عن حب واخلاص وانتماء حقيقي للهوية الوطنية التقدمية التي ظل يحملها طوال حياته ويعمل على نشرها في مدينته الثورة حيث شكل فيها المنتدى الثقافي، مثلما كان يريد لبيدر كلماته ان يضوع عطرها في كل مكان.

السلام والطمأنينة والذكر البهي للمبدع الراحل محمد علوان جبر ولاهله واصدقائه ورفاقه الصبر والسلوان.

ثقافة

***************

قراءة

التأويل في رواية

"لماذا تكرهين ريمارك؟"

 

حمدي العطار

 

ودعنا في الاسبوع الماضي الروائي (محمد علوان جبر) القلم المضيء والانسان النقي.

كان يرافقنا في (طريق الشعب الثقافي) كل اسبوع عبر عموده (ضد النسيان)

كان لا ينسى ابداً رفاق الكلمة ومواقفهم النبيلة ، كان يمتلك قلباً قدّ من المحبة وفي قاموسه غابة من الكلمات الخضر.

هنا نقدم قراءة لاحدى رواياته

المحرر الثقافي

 

لا يستقيم الامر عندما ننظر الى الرواية كونها مصدرا للمتعة والتسلية فقط، لأن بعض الروايات قد تسبب لنا القلق اكثر مما توفره من حالة النشوة والفرح، وهنا تبرز اهمية مصطلح (القارئ الوهمي) الذي تحدث عنه "غيبسون" الذي يشبه (من يسترق السمع لمحاورة تدور بين الطرفين!) بينما يرى "جيرالد برنس" بإن الروائي الجيد هو من يفترض ان يكتب روايته الى (القارئ الحقيقي) وليس القارئ الوهمي – قارئ نص فقط- بل يتعدى القارئ الحقيقي كونه يمسك رواية ويقرأها ، الى من يجعله النص يراجع نفسه وسلوكه ليصل الى ما اصطلح عليه (استجابة القارئ للتأويل) يقتصر دورالنقد بالتعليق حول النص لبيان كفاءته وموضوعيته! ورواية (لماذا تكرهين ريمارك؟) للروائي "محمد علوان جبر" الصادرة من دار الحكمة - لندن، توفرفرصة التأمل والتأويل لأنها كتبت بلغة مبطنة حديثة واعتمدت التنويع في مستويات السرد مع التلاعب  والتداخل بالزمان وتغير المكان، انها رواية مشاعر الحب وقسوة الحرب والفراق والغربة والتمسك بالمكان، كان الروائي حريصا أن تكون للكلمات معاني، وهو لا يتعامل مع قارئ مبتدئ بل يبحث عن القارئ الخبير الوعي ليستوعب ويفهم ما تتضمنه سردية "لقد تلوثنا بقذارة لا نعرف كيف نغسلها، قذارة متحدة بالهوام الخارق للطبيعة، لسنا نحن وحدنا، وليس البيت، وليست المدينة، التي تلوثنا، بل أن العالم أجمع هو الذي تلوث".

استخدم الروائي عنوانا بصيغة السؤال وفيه كلمة مستفزة هي (الكراهية) وهو يقصد بها (انها المحبة وليست الكراهية) يأتي التفسير اولا حينما يهدي (برهان)الى (هالة) مجموعة من الروايات ، برهان  الذي اتخذ من بيروت مكانا لأقامته ، يسترجع ذكريات علاقته العاطفية بزميلته بالعمل (هالة) حينما تطلب منه بعض الروايات "حدثتها عن الحب في زمن الكوليرا، وأبله دوستوفسكي، وفيما بعد بإسهاب عن ريمارك ...فهمت أنها لم تستطع أن تستوعب..كرهت كثيرا قسوة رواية "كل شيء هادئ في الجبهة الغربية" لكنها أحبت ""للحب وقت.. وللموت وقت" .. وأنحازت جدا إلى الحب في "ليلة لشبونة" وقالت لي "ريمارك عاشق كبير سحقته الحرب!"

محمد علوان مغرما بالكاتب والروائي الالماني (ريمارك) ويجعل اسم اللوحة التي رسمها لحبيبته (هالة) بالعنوان

نفسه ولينصح صديقه (أكرم)  وهو يكتب سيناريو لفيلم عن العنف في العراق.

هذا الروائي له خاصية سردية ، في ظل تعدد مستويات السرد وذلك بالانتقال من ثريا الفصل الاول الى الذكريات الجميلة، وهي التي لم تجد في بيت زوجها الذي لم يدم سوى 5 اشهر ليخرج الزوج صباحا ولم يعد، لذلك كرست حياتها وحبها لأخوتها ومن ثم للأهتمام ورعاية صديق شقيقها (اكرم) الذي تعرض الى انفجار وفقد احد اطرافه ، انها تعودت على سياق يومي لا يتغيير بإنتظار عودة او زيارة شقيقها برهان من بيروت الى بغداد بعد ان ترك العراق بسبب مضايقة اجهزة الامن له ولأفكاره اليسارية اتي دفعتهم الى نقله من وزارة الثقافة الى مخازن وزارة التجارة، ليكون مسؤول مخازن بعد ان كان رساما ونحاتا"كان يعتزم العودة اليها، بعد غربته الطويلة"

قد تكون بعض مواضيع الروايات متشابه او مكررة وتختلف بالمعالجات الفنية، لكن الروائي "محمد علوان جبر " أختار موضوعا جديدا ومعالجة فنية حديثة من خلال تعدد وتنوع مستويات السرد والتداخل بين الأزمنة ومحاولة كتابة (رواية داخل رواية) عن طريق السيناريو .

لقد منح الروائي شخصياته حرية مطلقة، حتى انني اعتقدت بإن الحبكة قد تفلت من السارد وقد يتوهم القارئ بإن ما حدث هو من واقع الاحدث بالرواية بينما يكتشف بعد حين بإن ما يقرأه من احداث ما هو الا سيناريو لفيلم (القطاف المر) وتظهر شخصيات مثل (ناصر جواد)و(عامر ديوان) والدكتور "يوسف محسن " وشبيه الرئيس بوش الطيار "بول جوزيف" الذي "ارسله بوش الى العراق كي يتخلص منه بحادث لا يختلف كثيرا عما كان يشاهده في أفلام اكشن الأمريكية" وقبل ان نشعر بالملل من هذا الفصل ،"تكلم بول جوزيف "بدأت أحس من الملل إلى حد الهوس وشعور حقيقي بالاختناق" كنت اتمنى لو لم يكن  هاذ الفصل موجودا في الرواية ، وان الروائي قد تخلص من هذا المحور (ناصر وعامر وبول) نهائيا! اكتشف بعد ذلك ان تلك الشخصيات ليست واقعية أنما هي شخصيات سينمائية لسيناريو يكتبه (أكرم عبد الرحمن) وتتفاعل معه سميرة اليعقوبي حتى تشعرنا بالقلق من خلال عدم قدرتها بالاتصال به ، وتتصاعد الدراما في الفصول التي تأتي بعد هذا الفصل(11، 12، 13،14) خاصة بعد وصول (برهان) الى بغداد والتي يراها "جميلة وهادئة" لكن اكرم يشرح له الوضع في بغداد "هو ساكن هادئ ، لكنه سرعان ما ينفجر في برهة... ملثمون يفجرون الجسور وأمريكان يهدمون مباني مهمة في المدينة، عناصر مسلحة تقول إنها تحارب امريكان فيما يفجرون أنفسهم وسط عمال المساطر!!.

في الرواية تبدأ من المكان والزمان  لتنتهي عند الشخصيات (خراب أضافه الأمريكان إلى خراب الدكتاتورية.. تحولت إلى شوارع من غبار وممرات لدخان الحرائق والحروب. صارت غابة من سيطرات الطرق ..)

لماذا تكرهين ريمارك؟  سوف تبقى شخصياتها تداعب مخيلة القارئ لزمن طويل، ويشترك القارئ مرغما في التدخل بمصير تلك الشخصيات ويتمنى لو ان الروائي قد فعل بها ما يرضي فضوله وتوقعه."صمتت سميرة اليعقوبي وفي عقلها كانت تضج الكثير من الأفكار والصور، أفكار عن نهاية أو نهايات مفترضة، تفاصيل حياة عريضة وواسعة، تركت عرضة لأفكار مجنونة حملها رجال ملثمون لا يجيدون إلا السخط والجبروت وعن قوة عسكرية عملاقة تمارس وهي تسير في شوارع المدن التي تدخلها ثقافة الخراب".

*************

الاستحقاق الثقافي لليسار العراقي

ارتبط المثقفون باليسار لتوجهه التجديدي واعتماده الانسان كأعلى قيمة

وائل المرعب

يكاد يجمع المعنيون بأن الثقافة بالعراق بمعناها المتداول والمتعارف عليه عند مطلع القرن العشرين لم تكن موجوده.. أذ كانت تنحصر كل الفعاليّات التي تندرج ضمن هذا المفهوم بالشعر اولا ، حيث كان هو الفعالية الأكثر شيوعا وكانت أغراضه لا تتعدّى المدح والهجاء ومراثي المنبر الحسيني التي سادت معظم النتاج الشعري خاصة في منطقة الفرات الأوسط التي هي منطقة الحماسة والدفق المتأجّج للصيرورة الشعريه.. وثانيا الصحافة التي بدأت فقيرة ومحدودة لم ترتق لتقارب سياقات الصحافة المصرية التي قطعت شوطا مهمّا في مجال الخبر والمقالة الصحفية.. وثالثا الأنشطه الطربية التي كانت مقيّدة بأغلال المقام العراقي وكذلك بالوجع الطربي السلبي في ريف العراق.. أذن القصة والرواية والمقالة والمسرح والفن التصويري والتشكيلي لم يكن لها وجود تقريبا في ساحة الوعي العراقي في ذلك الوقت.

وقد برزت أوّل ملامح الثقافة العراقية المعاصرة على أيدي روّاد ثقافة اليسار في العقد الثاني من القرن الماضي ، فحسين الرحّال ومصطفى علي وعوني بكر صدقي ومحمود أحمد السيد وعبد الفتاح أبراهيم وعبد القادر البستاني ، أسّسوا المشروع الثقافي التنويري النهضوي الذي أنطوى على توسيع دائرة أنتشار المعرفة كي تدخل البيوت المحشورة في الأزقة المظلمة وتتسلّل الى حيث شعاب الريف والمراعي التي كانت ترزح تحت ظلم السلطة الأقطاعية القمعية كما أعتمد هؤلاء الروّاد منهج الفكر العلمي التحديثي الذي يقوم على المنطق في تحليل الظواهر

الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، مّما عجّل في أتساع عملية تنوير الناس لمعرفة الاسباب الحقيقية لمعاناتهم من المرض والفقر والجهل.

وراحت تظهر على صفحات جريدتهم (الصحيفة) المقالات الرصينة التي مهّدت الطريق لتأهيل المجتمع ثقافيا ومعرفيا ، كما نشرت أوّل المحاولات القصصيّة القصيرة لمحمود أحمد السيد الذي صدرت له أوّل رواية عراقية (جلال خالد) عدت بعدئذ ولادة صحيّة معافاة تبشرّ بمستقبل مضيء للرواية العراقية.

كما أخذ الشعر يخرج عن دائرته الضيّقة ليلامس أحاسيس الناس ويثير تساؤلاتهم ويأخذهم كي يطلّوا من فوق مفازته على تنوعات همومهم، ولقد لعبت أسماء الزهاوي والرصافي والجواهري وغيرهم (وأن لم يكونوا حينها قد توضحّت لديهم الرؤيا البيّنة للمشاكل الحقيقية للمجتمع العراقي) دورا في زرع بذور التمرّد على الواقع المتخلّف وقرع نواقيس الصحوة الثقافية أمام مسامع الناس، فبالرغم من كونهم لا زالوا أسيري الأغراض التقليدية المتوارثة للشعر ألاّ أن الدعوات الأصلاحية التي حفلت بها قصائدهم كالدعوة الى السفور التي قادها الزهاوي بنفسه وتحرير المرأة والمطالبة بأنشاء المدارس ومنها مدارس البنات ألتقت مع توجهّات اليسار في السعي للتغيير وتحسين ملامح الوجه المتعب للمجتمع العراقي.

وبعد أن تشكّلت أوّل الحلقات الماركسية وطرحت فكرها العلمي عبر الصحافة والمنشور بدأ الكثير من الناس يدركون أن منظومة فلسفية أنسانية شاملة تتبنى رؤى ومفاهيم معاصرة تدعو لتصحيح مسارات الحياة وتحريك ما ركد في ذاكرة ووجدان الفرد العراقي حيث راحت تـنير ما أدلهمّ من ظلمات موحشة لم تتح لهم فرصة أن يتبيّنوا كثيرا من الحقائق التي تمس حياتهم ومستقبلهم ، كما بدأت تظهر معالم ثقافة جديدة لم تكن مألوفة حينها أثارت حفيظة رهط كبير من المحافظين ورجالات الدين المتاجرين بجهالة الناس ، فراحت تنشر تباعا قصصاً قصيرة في صحافة اليسار لذنون أيوب وعبد المجيد لطفي ومحمد بسيم الذويب وآخرين عرّفت العراقيين هذا النمط من النشاط الثقافي ، كما ساهمت فيما بعد الصحيفة التقدمية لجماعة الأهالي التي أحتضنت الأقلام الحرّة في ترسيم معالم صحافة رصينة أثرّت بشكل فاعل في نشر الوعي الوطني العراقي وقد زامن ذلك ظهور بوادر لمسرح متواضع بدأه حقي الشبلي والممثلون الأوائل في الثلاثينات تحّول فيما بعد الى مسرح جاد وهادف عند تشكيل أوّل تجمّع فني قاده أبراهيم جلال ويوسف العاني وخليل شوقي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وزينب وناهدة الرمّاح وآخرون ، وأغلبهم يتبنون الطروحات اليسارية سواء بكتابة النص وأختيار الفكرة أو بالأساليب الحديثة في الأخراج والديكور والأنارة وما الى ذلك ، وقد سخرّوا المسرح ليلعب دوره المؤثر في توعية الناس وترسيخ مفاهيم جديدة ملتزمة بقضايا الشعب.

وفي فترة الأربعينات لمع أسم الجواهري كشاعر كبير ومحرّض من الطراز الأول ، أذ راحت قصائده النارية تلهب الشارع السياسي خاصة بعد معاهدة بورتسموث عام 1948، وقد حسم أصطفافه لصالح اليسار تماما بعد أستشهاد أخيه في معركة الجسر، وكانت قصائده في تلك الفترة قد أكتمل نضجها وباتت محط أعتزاز العراقيين لما أمتازت بها شروطها الفنية كالبلاغه والصور والمفردات وحرارة الأحساس والأيقاع من جهة ومن أخرى لما أحتوت مضامينها من أدانه للواقع الفاسد للنظام وأثارة مشاعر الناس ودفعهم بأتجاه الثورة والتغيير وهو ما كان يتفّق مع الخطاب السياسي والأجتماعي والثقافي لليسار ، فضلاً عن تسخيره جميع صحفه التي أصدرها وآخرها (الرأي العام) لتكون حاضنه وصوتاً لمثقفي هذا الوسط.

وبعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت للوجود المحاولات الأولى للشعر الحر على أيادي السياب والملائكه ومن ثم البياتي والحيدري ومردان ورشيد ياسين والبريكان وكاظم السماوي ولميعه عمارة ، وقد أصطبغت هذه المحاولات بلون اليسار وأتهّمت كونها بدعة شيوعية الغرض منها تدمير الذوق العام والأجهاز على التراث الثر والغني والعتيد للشعر العربي , بينما كانت في حقيقة الأمر ثورة أدبية قلّ نظيرها هزّت كيان القصيدة الكلاسيكية وفتحت آفاقا لا حدود لها للقريحة الشعرية كي تتنفس بكامل رئتيها متحررة من القيود التي فرضت عليها منذ أمرؤ القيس أول شاعر في المعلقات.

وفي نفس الوقت لمعت في مجال القصة أسماء عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وغائب فرمان ومن ثم جيان ونزار عباس وعبد الله نيازي وسافرة جميل وآخرين حيث كان لهم الدور الريادي في تشذيب النص القصصي من طابعه السردي الحكائي المحض وأغنائه بمضامين تعالج موضوعات شتى أهمها الصراع الطبقي وفضح مخاطر الأبقاء على الأعراف والتقاليد المتوارثة التي كانت تتحكّم بعلاقات الفرد بالجماعة والفرد مع ذاته ، وقد أهتمت هذه النصوص بالمشاكل الحقيقية للطبقات الدنيا من المجتمع العراقي.

كما أسّس في نفس الفترة علي جواد الطاهر وصلاح خالص وعلي الشوك ونهاد التكرلي وناظم توفيق وموسى النقدي وآخرون ما يسمّى اليوم بالنقد الأدبي ، أذ بدأوا بملاحقة النصوص الأدبية شعرا وقصة ورواية وأخضاعها الى دراسة تحليلية تشريحية ومعرفة مدى مطابقتها للشروط الفنية ، وهم بهذا دفعوا الناتج الأدبي والثقافي الى مرتبة أعلى ، أذ بات الأديب أكثر حرصا على تجنبّ السقوط في مزالق فنية وموضوعية تؤثر سلبا على مجمل خطابه الأبداعي.

أما في مجال الفنون التشكيلية فقد وضع أبرز روّاد الفن الحديث فائق حسن وجواد سليم والدروبي وعطا صبري ومحمود صبري وشاكر حسن والرحّال وخالد الجادر الذين وجهوا خطابهم الفني الأول الى الفقراء وأصحاب الحرف وأبرزوا الفعاليات التي تجري في قاع المدينة ـ، اللبنات الأولى لفن تشكيلي عراقي معاصر تجاوز النقل الحكائي التصويري للواقع وفتحوا أبوابا مشرعة تفضي الى رؤى حداثوية تبنّاها وطوّرها فنانو الأجيال اللاحقة ، ومن الملفت للنظر أن هذا الفن أستطاع رغم حداثة نشأته أن يؤكد حقيقة التواصل مع الأرث الحضاري لوادي الرافدين وكأنّه وجد صداه لدى هذه الصفوة المبدعة من الفنانين.

وكذا الحال في مجال الموسيقى والغناء.. أذ ظهر المنولوجست الشهير عزيز علي في الأربعينات والذي أنسجمت طروحاته أيضاً مع طروحات اليسار، أذ كان بحسّه الساخر وأشاراته أللاذعه يسعى الى توعية الشعب والأخذ بيده لتغيير واقعه المتخلف. كما أستطاعت مجموعة من الفنانين التقدميين كأحمد الخليل ويحيى حمدي وعباس جميل ومحمد عبد المحسن ورضا علي ومحمد كريم أن يؤسسّوا مدرسة غنائية متحررة من أسر القوالب المحنّطة للمقام العراقي والأنتقال بالأغنية الى مرحلة تنسجم وأيقاع العصر المتسارع ، فضلاً عن الحضور الفاعل للأخوين جميل ومنير بشير والباحث الموسيقي فريد الله ويردي في أغناء مادة الموسيقى عزفا ونقدا ودراسات ، وبالتالي أثمرت هذه الأنشطة والأرادات الخيّرة والمبدعه الى تأسيس الفرقة السمفونية العراقية.

وأستمر اليسار في تخريج دفعات من المبدعين في شتى المجالات ذوي تأثير فاعل ليس على صعيد العراق بل على صعيد الوطن العربي عموما , فعلى سبيل المثال برزت أسماء مظفر النواب وسعدي يوسف ورشدي العامل ويوسف الصائغ والصكار وهادي العلوي ومهدي الصقر وكاظم حيدر وأرداش كاكافيان وضياء العزاوي ومهدي مطشر وصالح الجميعي وناظم رمزي وجبر علوان وصلاح جياد وفيصل لعيبي وقاسم حول وقاسم محمد وطه سالم وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل وناظم السماوي وعزيز السماوي وطالب غالي وكوكب حمزة وجعفر حسن وعشرات غيرهم.

وحتى في زمن الدكتاتورية البغيضة , ظلّ اليسار العراقي يرفد الساحة الثقافية بألمع الوجوه والطاقات الأبداعية الخلاّقة , ألاّ أن أغلبهم أختار المنفى ملجأ دائما لكي تتيح لهم أجواء الحرية هناك فرصة للأعلان عن خطابهم ومنجزهم الفني والنجاة من محرقة الحروب التي عانى منها من آثر البقاء في الوطن.

أن الغالبية العظمى من الأدباء والفنانين العراقيين أرتبطت بشكل أو بآخر باليسار العراقي وبالفكر الماركسي، ولم يكن أرتباطهم بهذا الفكر بسبب معناه الآيديولوجي الضيّق ولكن بسبب معناه التجديدي المعاصر وقدرته على التكيّف على وفق مستجدات العصر ، وكأّن عربة هذا الفكر تسير على درب لا نهاية له ، وكذلك بسبب أعتماده الأنسان كأعلى قيمة بغض النظر عن تلاوينه القومية والأثنية والدينية ، الى جانب كونه صاحب المشروع النهضوي التحديثي منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

من كل ما تقدّ م يتضح لنا جليّا أن حصة اليسار في ثقافة العراق المعاصرة هي الحصة الأعظم والأكثر تأثيرا وفاعلية، وأسماء مبدعيه هي الأسماء المضيئة في سماء الثقافة والمعرفة العراقية والعربية، ولم يتحقق لأي فكر آخر أن قدّم نماذج عالية القيمة بهذا الكم والمستوى الى الساحة الثقافية، حتى بدت هذه الساحة حكرا وملعبا لليسار دون غيره.

وهنا يحقّ لنا أن نتساءل ألا يستحق اليسار العراقي الذي قدّم كل هذه الأسماء والذي خبر مسالك وعوالم وآفاق المعرفة طيلة أكثرمن ثمانين عام ، والذي أمتلك كل هذا الخزين التراكمي من الخبرات والأنشطة الثقافية المنوعة ، والذي قدّم خيرة أبناءه (وهم قادة الفكر والثقافة في العراق) الى مذبح الحرية.. نتسائل الا يستحق هذا اليسار أن يقود الثقافة في عراق اليوم ؟.. فهو الوحيد الذي بأمكانه أن ينهض بمهمة بناء مرتكزات متينة لصرح ثقافي حر تقدمي ، وهو الوحيد الذي له الحق الأعتباري والأخلاقي للأعتزاز بتأريخه الثقافي ، كما له الحق في أن يتصّدر ويحدو مواكب المبدعين وهم يغذّون السير الى حيث شمس الحرية والمعرفة الوهّاجة.

لقد آن وقت المراجعة الشاملة لمواقف كل الأطراف الفاعلة في الساحة الأن من أعادة ترميم الثقافة في العراق ، وعليها أن تختار وتؤشرّ الى الطرف القادر على تحمّل هذه المسؤولية الخطيرة والأمانة الثقيلة ، فسوف لن يجدوا سوى اليسار أرادة ومرتعا للحب والمعرفة وفهم الحياة.

************

محطات ثقافية

اتحاد  الادباء .. كتب جديدة

 

واصل الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، اصداراته الجديدة وقدم سلسلة من الكتب هي:

- مختارات من شعر مظفر النواب / لمناسبة ترشيحه لجائزة نوبل للآداب

- ملحمة التكتك / للشاعر يحيى السماوي

- بحر أزرق .. قمر ابيض / للروائي حسن البحار

- وانا اشرب الشاي في نيوجيرسي / للشاعرة فليحة حسن

- هكذا اتيت / للشاعر رحيم زاير الغانم

وينتظر لاحقاً اصدار عدد آخر من الكتب في شتى حقول الابداع والمعرفة الى جانب اصدار مجلة الاتحاد الفصلية (الاديب العراقي) والجريدة الشهرية (الاتحاد الثقافي).

وكان الاتحاد يقدم طوال شهر رمضان المبارك لقاءً مباشراً على شبكة الانترنت للعديد من أعضائه .. الى جانب تفقد ورعاية قيادة الاتحاد والهيئة الادارية لاحوال الحياة الصحية والاجتماعية لاعضائه.

 

سيناريو (اكسسوار بشري )

يفوز بجائزة مصرية

 

فاز سيناريو فلم (إكسسوار بشري) للكاتب نهار حسب الله يحيى والذي نشرته ثقافية (طريق الشعب) بتاريخ 28 / 4 / 2020  ، بجائزة قصور الثقافة / قصر السينما في مصر الى جانب فوز كل من : أحمد محمد الصادق / سيناريو (surprise) ومصطفى عادل مصطفى / سيناريو (ليل 2020).

وكانت لجنة التحكيم مكونة من الاساتذة: د. أشرف محمد/ استاذ السيناريو في المعهد العالي للسينما / مصر، والسيناريست: عصام حلمي و د. نادر رفاعي / المدرس في المعهد العالي للنقد الفني.

السيناريوهات الثلاثة كانت هي الافضل في تناول أزمة فايروس كورونا سينمائياً.

*************

ص10

بابل توقد شموع العيد لشهدائها

طريق الشعب

 العيد في ساحة اعتصامات بابل مختلف اليوم فها نحن نستذكر شهداءنا، شهداء انتفاضة تشرين لنوقد الشموع على أرواحهم الطاهرة ونعاهدهم على البقاء في ساحات الاحتجاج من أجل الوصول إلى اهداف الانتفاضة، وتحقيق التغيير الشامل والخلاص من المحاصصة والفساد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي توفر العدالة الاجتماعية، وقد شاركت عوائل الشهداء في الاستذكار الصامت لهذه الكواكب التي أفلت قبل أوانها وفي وقت نحن بأمس الحاجة إليها.

*************

الرصافة تسجل 30 إصابة

بـ "الصجم" البلاستيكي خلال العيد

بغداد – وكالات

أعلنت دائرة صحة الرصافة، أمس الخميس، تسجيل "مستشفى ابن الهيثم" للعيون30 إصابة بسبب الألعاب ذات الاطلاقات البلاستيكية (الصجم)، وذلك خلال أيام عيد الفطر.

وذكر إعلام الدائرة في بيان، أن المستشفى استقبل خلال أيام العيد، 30 حالة مصابة بالعين جراء استخدام ألعاب الأطفال "المحرضة على العنف"، ذات الإطلاقات البلاستيكية (الصجم)، مضيفا أنه "جرى استقبال ما يزيد على 400 مراجع في شعبة الطوارئ، لحالات تشكو مشكلات مختلفة في صحة العين".

ونقلت صحة الرصافة عن مدير المستشفى، الطبيب الاستشاري د. عمار فؤاد عيسى قوله، إن "عدد الإصابات هذا العيد اقل نسبيا مقارنة بما تم  تسجيله في بعض الاعياد السابقة، وذلك بسبب حظر التجوال الوقائي من جهة، وزيادة الوعي المجتمعي بخطورة هذا النوع من الالعاب المحرضة على العنف من جهة أخرى".

وأكد عيسى، أن "أغلب تلك الاصابات كانت في منطقة العين، وتحديدا لدى الاطفال، ومعظمها اصابات خطيرة اُدخل على إثرها المصابون صالات العمليات الجراحية".

وأوضح، أنه "على الرغم من التحذيرات الواسعة والمناشدات المتكررة التي اطلقتها دائرة صحة الرصافة في وقت سابق عبر وسائل الاعلام المختلفة، والتي أوضحت من خلالها خطورة هذه الالعاب وما تشكله من تهديد حقيقي على صحة وسلامة المواطن، إلا انه، وللأسف الشديد، جاء العيد مسجلا العديد من الاصابات جراء استخدام هذه الالعاب".

ودعا عيسى "إلى ضرورة تفعيل الاجراءات القانونية الرادعة للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي تتسبب سنويا، لا سيما خلال ايام الاعياد، في الكثير من الإصابات بين الاطفال، والتي قد تؤدي الى فقدان العين والعمى في اغلب الاحيان، الى جانب ما  تتركه من آثار صحية ونفسية جسيمة على مختلف شرائح المجتمع".

************

البصرة تعلن إنجازا علميا لعلاج مرضى كورونا وتدعو المُتعافين للمساعدة

البصرة - وكالات

اعلن فريق بلازما النقاهة في دائرة صحة البصرة عن تحقيق إنجاز علمي و"طريقة جديدة" على مستوى العالم لعلاج مرضى كورونا عبر مجال "بلازما النقاهة"، داعيا المرضى المُتعافين من المرض إلى المراجعة والتبرع بالدم من أجل مساعدة باقي المرضى.

وقالت لجنة متابعة المرضى المتعافين المتبرعين ببلازما نقاهة كوفيد ١٩ في دائرة صحة البصرة بإشراف مدير عام دائرة صحة البصرة عباس التميمي، في بيان، اطلعت عليه السومرية نيوز، إن "فريق بلازما النقاهة في البصرة وبعد مرور قرابة شهرين من اجراء التجربة، والتي اعطت نتائج مبهرة تم تثبيتها بدراسة نشرت في مجلتين عالميتين، بدأ المباشرة في اعطاء بلازما النقاهة في الثامن من نيسان ولأول مرة في العراق".

وأوضحت أن "عدد المرضى المستفادين بلغ ثلاثين مريضا ومستمرين بالاعطاء، منهم ١٧ كانوا في العناية المركزة وخرج ١٠ منهم للبيت و ٣ منهم خرجوا من العناية المركزة و٣ مازالوا يتلقون العلاج مع حالة وفاة واحدة، ومن الـ ١٣ حالة الاخرى خرج ٩ منهم للبيت و ٤ مازالوا في طريقهم للشفاء". وبينت أن "الفريق قام باستخدام طريقة جديدة على مستوى العالم حيث حصلنا على ٨٠ وحدة بلازما من ثمان متبرعين فقط وفي صدد جمع خزين منها يمكن خزنه لاكثر من سنة"، داعية "جميع المتشافين للمبادرة للتبرع".

واشارت الى أن "الفريق سيقوم بتقييم الحالة العامة للمتبرع قبل اخضاعه لعملية التبرع"، موضحة أن "مناعة المتبرع لا تتاثر بعد التبرع".

وأكدت ان "تبرع المتعافين ساهم بشكل موثق بانخفاض عدد الوفيات من ١٨ حالة عندما كان مجموع الحالات المسجلة ١٥٤ الى وفاة واحدة بعد تطبيق التجربة رغم وصول عدد الاصابات لأكثر من ٥٠٠ حالة"، داعية جميع المتشافين المبادرة بالاتصال برقم الفريق المخصص للتبرع 07726067760 ، أو التواصل مع رئيس لجنة متابعة المرضى المتعافين المتبرعين ببلازما نقاهة كوفيد ١٩ في دائرة صحة البصرة الدكتور وسام محمد علي".

************

شيوعيو الكرخ الأولى

يعفرون أحياء سكنية

 

بغداد - ماجد مصطفى عثمان

ضمن مبادراتها للوقاية من فيروس كورونا، شكلت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في المنصور/ اللجنة المحلية في الكرخ الأولى، الأحد الماضي، فريقا تطوعيا من رفاقها، قام بتعفير عدد من الأحياء السكنية في مدينة الوشاش.

وشمل التعفير الوقائي أحياء سكنية في منطقتي "الجديدة" و"شطيط" التابعتين إلى مدينة الوشاش. وقد وزع الفريق على المواطنين كمامات طبية وملصقات تتضمن تعليمات للوقاية من الفيروس التاجي. كما قدم لهم توجيهات للاحتراز من خطر الفيروس، مشددا على أهمية الالتزام بالتعليمات التي حددتها خلية الأزمة للوقاية من الفيروس، وأبرزها البقاء في البيت وعدم الخروج إلا في الحالات الطارئة.

ولاقى النشاط صدى إيجابيا من سكان الأحياء، الذين ثمنوا جهود الشيوعيين في تقديم الخدمات للمواطنين، ومساعدتهم وقت الأزمات.

***********

يوتيوب يطلق ميزة

"وقت النوم"

واشنطن - وكالات

أعلن موقع "يوتيوب" المملوك لدى شركة "غوغل"، أخيرا، إطلاق ميزة جديدة باسم "وقت النوم"، تتيح للمستخدم تعيين إشعارات تذكير لإيقاف مشاهدة مقاطع الفيديو والذهاب إلى النوم.

هذه الميزة متاحة على نظامي "آندرويد" و"آبل"، ويمكن ضبط التذكير على مكان محدد يومض عبر شاشة المستخدم في وقت محدد كل ليلة.

كما يمكن للمستخدم تسجيل الخروج من الموقع ليلاً، أو النقر على زر "الغفوة" أو رفض الميزة بالكامل.

ومن المقرر أن تكون الميزة متاحة لجميع مستخدمي التطبيق على الهاتف النقال، ولكن ليس لأولئك الذين يستخدمون إصدار سطح المكتب.

وكان "يوتيوب" قد أعلن الميزة الجديدة عبر موقعه الرسمي في بيان جاء فيه: "مع وجود الكثير منا في المنزل قد يكون من الصعب للغاية الالتزام بروتينك، ومن المهم أكثر من أي وقت مضى وضع حدود للمساعدة في إدارة الوقت الذي تقضيه على الإنترنيت".

وأرسل الموقع أكثر من ثلاثة مليارات تذكير منذ إطلاق ميزة "أخذ قسط من الراحة" قبل عامين.

ويسمح التطبيق بالفعل للمستخدمين بالتحقق من مدة اتصالهم بالإنترنيت من خلال ملفهم الشخصي الذي تمت مشاهدته، وتغيير الإعدادات لكيفية تلقي الإشعارات.

ولجأ الكثير من الشركات لتفعيل مثل تلك المزايا في سبيل الحد من تضييع الكثير من الوقت في تصفح المنصات الرقمية، وهو ما يمكن أن يؤثر على عمل الأشخاص أو دراستهم.

************

اليابان تنوي استبدال رواد الفضاء البشر بروبوتات

طوكيو – وكالات

أعلنت شركة فضاء يابانية تدعى "Gitai" عن نيتها استبدال رواد الفضاء البشر بروبوتات يُتحكم بهم عن بعد.

ويعد إطلاق رواد الفضاء إلى المدار الخارجي أمراً محفوفاً بالمخاطر ومكلفاً، وإذا استطاعت الروبوتات التي يمكن التحكم فيها عن بعد، أو شبه المستقلة، أن تؤدي المهمة بدلاً من ذلك، فيمكن أن يوفر 90 في المائة من التكلفة اللازمة لإرسال كل شخص إلى محطة فضائية.

الفكرة هي أن الروبوتات ستجري أبحاثاً بتحكُّم العاملين البشر- مع تأخير طفيف في الوقت- على الأرض – بحسب الشركة، التي ذكرت أن التحكم في هذه الروبوتات عن بعد، على غرار الطريقة التي يقود بها الطيارون الطائرات غير المأهولة، سيجعل أبحاث الفضاء أرخص وأكثر أماناً.

وقال رائد الفضاء الياباني، ناوكو يامازاكي لبلومبيرغ، أن "هناك حاجة للروبوتات التي يمكن أن تساعدنا. وفي نهاية المطاف يجب أن نكون قادرين على القيام بهذه المهام عن بعد أو جعلها تتولى المهام بالكامل".

ويكمن التحدي في الفكرة في تطوير الروبوتات التي يمكن أن تحل محل العلماء البشريين. وقد أصدرت شركة "Gitai" مهمة تجريبية لأحد الروبوتات في العام الماضي، يمكن أن يتعامل مع بعض المهام، ولكن يتعذر عليه أداء مهام أخرى في بعض الأحيان.

ومع ذلك فلا يزال الرئيس التنفيذي للشركة، شو ناكوزي، متفائلاً بشأن مستقبل الروبوتات الفضائية.

وقال ناكوزي: "سنرى حقبة سيعمل فيها البشر في التحكم في روبوتات تعمل في  الفضاء، وليس فقط الذهاب إلى الفضاء".

**********

نقطة ضوء ...

مسلسل "البرنس"

بين حق الثأر وفخ الارهاب!

 

اعاد مسلسل " البرنس" لمؤلفه ومخرجه الفنان الشاب محمد سامي، الروح للدراما المصرية، بعد تراجعها امام الدراما السورية والتركية خلال العقد الاخير. وقد حظى " البرنس" بمتابعة جادة من قبل مختلف الشرائح في الاوساط العربية، حيث استطاع المسلسل ان يعبر منشأه "المحلي" باتجاه المحيط العربي.

تعود اسباب نجاح المسلسل الى كونه اعتمد كشف المستور في المجتمع المصري، باستلهام مبدع من قبل المؤلف للتراث الديني متمثلا بالقصص الواردة فيه، واسقط قصة " يوسف" الشهيرة على حدوتة المسلسل، وفضح " دونية" الاخوة والروح الشريرة التي تتملكهم ( فتحي / احمد زاهر، وياسر / محمد علاء، وعبد المحسن / ادوارد، وعبير / رحاب الجمل)  وقيامهم بالتآمر على اخيهم غير الشقيق رضوان / الفنان محمد رمضان، بسبب الطمع والجشع وحب المال. وقاموا بقتل زوجته وابنه في حادث مرور مدبر من قبل فتحي، وتشريد طفلة رضوان الصغيرة بعد ان تم ايداعه السجن بتهمة ملفقة، يقف وراءها اخوته الاربعة غير الاشقاء الذين ذكرناهم، مع صمت بقية اخوته الاصغر على هذه الجرائم (عادل / احمد داش، ونورا / ريم سامي) .

يفضح المسلسل، بالتورية طبعا، الموقف المضاد لتعدد الزوجات، كما ينوه المؤلف والمخرج محمد سامي، حيث اكد ذاك في لقاء متلفز، كما ينوه بان المال لا يمكن له ان يكون زينة للحياة لان السعادة لا يمكن ان تشتريها بالمال!

حاول محمد سامي ان يجمع عناصر النجاح قبل بدء العمل، اذ صرح بان اختياره لكادر العمل الفني لم يأت عبر المحاباة والواسطات والصداقات، بل جاء بعد دراسة مستفيضة لكل مساهم من ممثلين وتقنيين وفنيين، بالاضافة الى عقد لقاءات عديدة مع الكادر فرادى ومجموعات، واجراء تمارين عديدة قبل البدء بالتصوير. ويقول سامي في هذا الصدد انه لا يمكن ان يقبل للممثل ان ياتي في يوم التصوير وهو لم يكن قد درس الشخصية التي يجسدها، ولم يكن حافظا لدوره!

وهناك عامل اخر يضاف لاسباب النجاح، وهو الميزانية المالية المعتبرة التي وضعتها الشركة المنتجة لاظهار المسلسل بصورة مقنعة وناجحة، بالاضافة للخبرة المتراكمة عند أشقائنا المصريين في هذا المضمار.

وبالرغم من ان بطولة المسلسل قد اسندت للفنان النجم محمد رمضان، الا ان المتلقي كان متلهفا لمتابعة كل الشخصيات، التي استطاعت ان تحقق بطولة جماعية قل نظيرها! وهنا لا يوجد "دور" قصير او طويل، فالجميع كانوا محط اهتمام المتفرج. ومن هنا كان النجاح جماعيا ايضا.

وعلى المستوى الفكري كانت خشيتي من اصرار رضوان على الانتقام من اخوته بشكل شخصي بعد خروجه من السجن، وهو امر مرفوض في ظل دولة تضمن للمواطن كرامته وحقوقه. ولو اكتفى رضوان بمبدأ " السن بالسن " كما قال لحبيبته ( الحلقة 23 )، التي استنكرت عليه الانتقام الشخصي، الا انه اوضح لها انه يتبنى الاية الاشكالية التي تقول: "  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ .. " (المائدة 33).

ومن المعروف ان " داعش " والقوى التكفيرية تعتمد هذه الاية وتعتبرها سندا لها في التعامل مع الاخر!

اقول ختاما: لا للثأر ولا للانتقام باية صبغة جاء، دينيا او عنصريا او عشائريا او مناطقيا. ونعم للدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة الحقيقية التي تثأر لكل مظلوم بمحاكم وقضاء عادل غير فاسد!

وهي الطريقة المثلى لبناء الوطن، وعدا ذلك فان  الفساد وبيع وشراء الذمم والمناصب سيكون هو السائد. والخاسر الاوحد، في هذه الحالة هو المواطن المستضعف والوطن المستباح!

طه رشيد

************

فرصة لإنعاش الصناعة المحلية

كورونا يحد من سطوة الجوار على السوق العراقية

بغداد – وكالات

حتى الفترة الأخيرة، كان انتشار المنتجات التركية أو الإيرانية أو الأردنية في أسواق العراق، أمرا اعتياديا، لكن الحظر الوقائي الذي فرض جراء تفشي وباء كورونا، بدأ يغير المعادلة.

يقول أمين قاسم، وهو صاحب معامل لإنتاج المثلجات في مدينة البصرة، أن "أزمة كورونا سمحت لنا أن نثبت أنفسنا في السوق العراقية".

ففي السابق، وأمام المنتجات الأجنبية، لم يكن لدى "صنع في العراق" أي فرصة، بسبب ثمنها المرتفع وكمياتها الصغيرة وإنتاجها الذي يحتاج وقتاً طويلاً. وبالتالي لم يكن لدى المنتج المحلي كل عوامل الجذب في مقابل سلسلة المنتجات المستوردة الرخيصة.

لكن بإغلاق الحدود جراء فرض الحظر الوقائي العالمي، فإن المصانع العراقية، التي انخفضت أعدادها بشكل كبير خلال عقد من الحصار الاقتصادي وسنوات العنف والحروب المتكررة، تمكنت اليوم من الدخول مجددا إلى فضاء التسويق.

يشير قاسم في حديث لوكالة "فرانس برس" الفرنسية، إلى ان معامله التي تشغل نحو 3 آلاف موظف، تنتج مثلجات ومواد غذائية ترفد بها سوق البصرة، وتصدر قسما منها إلى بقية المحافظات، مضيفا قوله: "تمكنا في ظل قرار الحظر الوقائي، من استعادة أسواق كانت محتلة من قبل البضائع المستوردة".

ويتابع قائلا: "لم نعد اليوم بحاجة إلى خفض الأسعار في مواجهة الآيس كريم الإيراني الرخيص، تجنبا للخسارة".

وتلفت وكالة "فرانس برس"، إلى أن الأرقام في العراق مضللة "فإذا كان الميزان التجاري لا يزال فائضاً إلى حد كبير، فذلك لأنه يتضخم بشكل مصطنع جراء النفط. ففي العام 2018، ووفقاً لمنظمة التجارة العالمية، صدّر العراق ما قيمته 97,2 مليار دولار من السلع والخدمات، لكن ما نسبته 98 في المائة منها، كان من النفط والغاز. وفي الوقت نفسه، فإنه استورد بمبلغ 70 مليار دولار سلعاً وخدمات متنوعة مثل الكهرباء والطماطم والسيارات والدجاج المجمد".

وتستدرك الوكالة: "لكن اليوم، ومع انخفاض أسعار النفط بثلاثة أضعاف تقريباً، فإن العراق يقف على حافة هاوية مالية".

وتتابع انه "لتقليص مشترياته في الخارج، ستنخفض واردات العراق من 92 مليار دولار في 2019 إلى 81 مليار دولار في 2021 – بحسب صندوق النقد الدولي".

وبالفعل، فقد تراجعت الواردات الصينية في نيسان من ما يقارب مليار دولار قبل أربعة أشهر، إلى 775 مليون دولار – وفقا لأرقام رسمية من بكين.

أما من الجانب الإيراني، فقد انخفضت الواردات من 450 مليون دولار شهرياً إلى 300 مليون دولار، وهذا فقط من النقاط الحدودية مع إقليم كردستان، التي أعيد افتتاحها أخيرا.

وفي هذا السياق، فإن تنويع الاقتصاد واستئناف الصناعة التي نهبت وسرقت ودمرت خلال الحروب، بات أمراً ضرورياً اليوم. وباتت الدولة، التي لم تعد قادرة على التوظيف، تعتمد على القطاع الخاص لخلق الثروات والوظائف – بحسب تقرير الوكالة الفرنسية.

يعمل هادي عبود في إنتاج الأنابيب البلاستيكية. وإضافة إلى القطاع الخاص المنعدم تقريباً، والنظام المصرفي المتذبذب، والضرائب البسيطة على الواردات، عليه أيضاً أن يواجه منافسين بعملة متدهورة مثل عملة إيران، والإنتاج بتكاليف الحد الأدنى مثل الصين.

لكن هذا الرجل، يرى أن انتعاش إنتاج معمله في خضم أزمة كورونا، كان مذهلا، مضيفا في حديثه للوكالة الفرنسية: "الآن صرت أبيع الأنابيب البلاستيكية قبل تصنيعها". ومع الطلبات الكبيرة للمواد المختومة بـ"صنع في العراق"، يؤكد مدير المصنع اليوم أن "الوضع تغير بشكل جيد".

أكثر من لمس هذا التغيير الاقتصادي الناتج عن أزمة كورونا، هم الصيادون وتجار الأسماك في مدينة البصرة. إذ يقول بائع السمك محمد فاضل، الذي ينصب بسطته في السوق المركزية يومياً، انه "منذ نحو شهر، ازداد عدد الأسماك المصطادة"، موضحا أن "الكويتيين والإيرانيين لا يخرجون للصيد الآن في الخليج. وبالتالي فإن الصيادين العراقيين باتوا يسيطرون على المياه والأسماك".

ونتيجة لذلك، انخفض سعر السمك إلى النصف تقريبا.

ولم يتزايد الرزق في البحر فقط. فلتلبية الطلبات الجديدة الكثيرة على الأنابيب البلاستيكية، يخطط هاني عبود لفتح أبواب التوظيف، ورفع عدد موظفي مصنعه قريباً، من 100 إلى 150.