نحو قانون انتخابي عصري ديمقراطي

كانت المحكمة الاتحادية قد اتخذت قراراً في حزيران 2010 يقضي بلا دستورية إسناد المقاعد الشاغرة للقوى الفائزة وهو ما عدّ في وقته انتصاراً للحق والعدل، وان لم يكن القرار كاملا بإبطال ما ترتب على التعديل الذي أجراه مجلس النواب على قانون انتخاباته .
وانسجاما مع ذلك يبدو أن مجلس النواب قد تحرك أخيراً وشكل لجنة للنظر في قرار المحكمة الملزم، وتشريع قانون للانتخابات ينسجم مع مواد الدستور ويضمن حق المواطن في الإدلاء بصوته واختيار من يريد وان لا يصادر هذا الصوت إلى كتل سياسية هو أصلا لم ينتخبها. وفي هذا السياق واستجابة للمطالب المشروعة والطعن المقدم من عدد من البرلمانيين والسياسيين والقانونيين والمواطنين فقد عدل مجلس النواب قانون انتخابات مجالس المحافظات واعتمد طريقة (سانت ليغو) في توزيع المقاعد، وهي ما عدت عادلة ومنصفة وتستجيب لقرار المحكمة الاتحادية وبما ينسجم مع الدستور. إن إجراء مجلس النواب هذا كان مرحبا به على نطاق واسع بما افرزه من نتائج أفضت في الواقع الى تمثيل أفضل للقوى والأحزاب والكتل السياسية، ووسع من المشاركة وابعد تلك المجالس عن نزعة الهيمنة والاستئثار والانفراد .
وهذا القرار والطريقة المعتمدة صانا أصوات الناخبين وحقوقهم، وحالا دون الاستحواذ على مقاعد ليست من نصيب وحصة الكتل الفائزة التي أخذت استحقاقها بالكامل، ولا يمكن لوم هذه الطريقة بأي شكل إذا ما انخفضت مقاعد أو أصوات هذه الكتلة أو تلك. ويفترض البحث عن أسباب ذلك في الأداء الفعلي للكتل وممارساتها العملية ومدى تحقيقها الوعود التي قطعتها للناخبين، والاستجابة لحاجات المواطنين الذين ما زالوا يعانون الأمرّين وها هم في محافظات عدة يتظاهرون، مطالبين بتحسين الخدمات والمستوى المعيشي. والأحرى باللائمين لـ(سانت ليغو) إعادة النظر وتفحص سياساتهم وإدارتهم وسلوكهم!
فنحن إذن أمام طريقة أثبتت جدواها، وسبقتنا إليها شعوب أخرى لها باع طويل في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وهو ما سيسهل على مجلس النواب مناقشة الأمر بما يستجيب لقرار المحكمة وللدستور والديمقراطية .
وحيث يتوجه مجلس النواب إلى مراجعة قانون انتخابه عليه ان يضع مصلحة البلد واستقراره السياسي، وتعميق ممارسة الديمقراطية فوق اعتبارات المصلحة الحزبية والفئوية الضيقة وان لا يقزم الديمقراطية ويفصلها على مقاسات كتل معينة لا تريد توسيع دائرة القرار والمشاركة ويضيق صدرها من الآخرين، وتسعى إلى الانفراد وإدارة شؤون البلاد بعيدا عن التوافق الوطني العام، وتعددية مجتمعنا العراقي، القومية والدينية والطائفية والسياسية. لذا بات مطلوبا البحث في آليات توسيع المشاركة،وهو ما ثبت جدواه ونجاعته، لا إن توضع قيود جديدة ويدخل البلد في اختبارات جديدة، قد تزيد الوضع إرباكا على ما هو عليه .
وفي مناسبة هذه المراجعة لقانون انتخابات مجلس النواب فإننا في الحزب الشيوعي العراقي نعيد تثبيت موقفنا بصدد الآلية الأفضل لإجراء الانتخابات وبعد التجربة التي مرت على البلد، نقول بان حزبنا اعتبر، ولا يزال، الطريقة النسبية والدائرة الانتخابية الواحدة، والقائمة الوطنية الواحدة المفتوحة في بلدنا، هي انسب وأرقى آليات الانتخابات وأفضل معبّر عن رأي شعبنا بكل مكوناته وتنسجم تماما مع الرغبات والدعوات إلى اعمال مبدأ المواطنة ومغادرة المحاصصات وتساهم في تعزيز الوحدة الوطنية. وهذه الطريقة تسمح بأن يكون مجلس النواب ممثلاً لكل العراقيين والمصالح العليا للوطن، بعد أن تم انتخاب مجالس المحافظات ليمثلوا سكان محافظاتهم، وهي تسمح، أيضا، لكل المكونات السياسية والدينية والقومية والمذهبية أن يكون لها حضورها. وهي، أيضا، تتيح الفرصة للكيانات السياسية سواء أكانت أحزابا أو أفرادا للتقدم والترشيح للانتخابات.
إن هذه الآلية تجمع كل حسنات النظم السياسية ويمكن لها أن تعبّر عن آراء ومصالح كل الشعب العراقي، وليس فئة دون أخرى، وهذا عامل مهم يبرر ويدعم اعتماد الطريقة النسبية والدائرة الانتخابية الواحدة، وينسجم، تماما، مع الحديث والتطلع الى عراق موحد، لا الى مصالح فئة أو طائفة معينة، إضافة إلى أن الطريقة النسبية وجعل العراق دائرة انتخابية واحدة هي الطريقة المثلى لتجسيد فكرة مشاركة المرأة بنسبة 25 بالمائة، ناهيك عن ضمان حقوق مختلف القوميات والمكونات الاجتماعية، والأحزاب والكتل السياسية كبيرها وصغيرها.
فبعد تجاربنا الانتخابية، حري بكل من يتطلع إلى حياة برلمانية دستورية ديمقراطية سلميّة سليمة، ولضمان استقرار البلد وأمنه وتقدمه، وبنائه مؤسساته ورقيها، حري به أن يدعم التوجه إلى تبني قانون عصري، حضاري، ديمقراطي للانتخابات المقبلة لمجلس النواب يقوم على تبني النظام النسبي وجعل العراق دائرة انتخابية واحدة، وفي ذلك تحقيق لمصلحة الجميع وضمان لها، ليس في راهن الحال، بل في المستقبل أيضا.