على طريق الشعب: قانون الانتخاب الجديد وتطلعات جماهير الانتفاضة / 13 ك1 2019

اختار مجلس النواب وهو يناقش مسودة قانون الانتخابات الجديد، تعديلا يعتمد اسلوبا مختلفا في توزيع المقاعد (تكريس الدوائر المتعددة / اعتماد مستوى القضاء / اكبر الفائزين / اعلى الاصوات) في مسعى للاقتراب من رغبات إجمالية ومقترحات كثيرة طرحت من قبل المنتفضين.

وازاء ذلك تبرز ضرورة تفكيك الطريقة الجديدة المذكورة، ومعالجة سلبياتها ونقاط ضعفها في مواجهة الحاجة الى تحقيق الاهداف الجذرية لجماهير الشعب الواسعة، وطرح الخيارات والمقترحات التي تومّن الوصول الى الغايات المطلوبة.

ان المطلوب هنا اساسا هو دق مسمار في نعش المحاصصة الطائفية والاثنية. الا ان الوصول الى هذه الغاية مرهون بتوفر عدد من الشروط.

وهذا لا يعني بالطبع عدم وجود طرائق اخرى لتجاوز وباء المحاصصة الطائفية، طرائق اكثر نجاعة وجدوى، واكثر انسجاما مع ما يطالب به المنتفضون والغالبية الساحقة من ابناء الشعب، من تعزيز للوحدة الوطنية وتمسك بمبدأ المواطنة العراقية، وضمان للمساواة التامة بين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والمذهبية او اوضاعهم الاقتصادية او معتقداتهم الفكرية واجناسهم الوانهم.

ولعل الافضل في هذا الاطار هو الجمع بين ثلاثة عناصر:

*جعل العراق دائرة انتخابية واحدة.

*اختيار النسبية في احتساب الأصوات.

*اعتماد القائمة المفتوحة.

فهذه الطريقة هي الارقى والامثل في تجسيد الديمقراطية، اذا ما أُحسنت ممارستها طبعا، ووُفرت مستلزماتها، وكُبحت عوامل تشويهها والتلاعب بها.

وضمانا للوصول الى مخرجات سليمة ونزيهة وعادلة لاسلوب تعدد الدوائر والترشيح الفردي، وللتقليل من اضراره اذا اصرت الكتل السياسية عليه وتم اعتماده ، يتوجب ان تُوَفّر وتُعتمد المعطيات الاحصائية الادق والاقرب الى الواقع. فمن غير المعقول، ونحن نتوجه نحو تنظيم انتخابات مبكرة خلال اشهر معدودات، ان نختار طريق اجراء احصاء سكاني، يتطلب انجازه سنة او يزيد.

تضاف الى هذا ضرورة معالجة مشكلات تحديد الدوائر الانتخابية المتعددة (على مستوى القضاء) وهي كثيرة اجتماعيا وفنيا وفي ابعادها السياسية. فالخريطة الادارية القائمة لا تتجاوب بيسر وسلاسة مع الاسلوب المراد اعتماده في توزيع المقاعد.

ولكي لا تغدو العملية مجرد تدوير للوجوه المعروفة والمرفوضة ذاتها، فمن الواجب وضع مواصفات وشروط تضبط عملية الترشيح. ذلك ان الاسلوب المذكور في توزيع المقاعد لا يمنع الاحزاب الفاسدة او ذات القيادات المتورطة في ازمة النظام وفي الفساد، من الاستحواذ على النتائج بحكم ما تملك من ثروات (السحت الحرام)، ومن دولة عميقة، ووسائل اعلام مؤثرة، وعلاقات زبائنية واسعة.

ان اعتماد الدوائر الانتخابية الصغيرة لا يمنع بحد ذاته تسلط الاحزاب المتنفذة حتى في الدول الديمقراطية – الليبرالية العريقة ( بريطانيا مثلا، حيث احزاب المحافظين، العمال، الاحرار، وغيرها).

ثم ان الدوائر الصغيرة توفر من جانب آخر ارضية مناسبة للانتخاب على اساس الولاءات التقليدية (شيوخ عشائر، وجوه اجتماعية من ذوي الثراء والجاه، رجال دين)، مقابل الحد من فرص الفوز للمستقلين وممثلي الطبقة الوسطى واكثرية المعبرين عن مصالح الفقراء والمحرومين. ولا سبيل الى تغيير هذا الواقع الا بوضع ضوابط تجعل فرص المرشحين متساوية في تمويل حملاتهم الانتخابية وفي الاعلان والدعاية والمتطلبات الضرورية الاخرى.

من جانب آخر ولكي نأتي بمجلس نواب يمثل الشعب حقا وفعلا، فلا بد من ان يحصل كل نائب من اعضائه على ما لا يقل عن 50 في المائة من الاصوات في دائرته الانتخابية. اما اعتبار من يحصل على مجرد اعلى الاصوات فائزا، فذلك هو عين الظلم في حق الشعب والبرلمان والديمقراطية.

وتوضيحا لما نقول نفترض ان الدائرة الواحدة التي تمثل 100 ألف صوت، تَرشحَ للفوز فيها ما يتراوح بين 20 و30 شخصا (وربما اكثر كما بينت تجربتنا العراقية في الدورات الانتخابية السابقة) وان من فاز بأعلى الاصوات فيها حصل على 10 آلاف صوت، فيما توزعت الاصوات الـ 90 ألفا المتبقية على المرشحين الآخرين باعداد متباينة، فان مجموع الفائزين بعضوية مجلس النواب الجديد لن يمثلوا في واقع الحال سوى 10 في المائة من الشعب! وتلك حصيلة بائسة لا تجرى من اجلها الانتخابات في اي دولة تدعي الديمقراطية!

ان معالجة هذه الاشكالية أمر لا بد منه، وهي غير ممكنة من دون النص في المادة القانونية ذات الصلة، على ان الفوز في الدائرة المعينة لا يتحقق الا اذا حصل المرشح الاول على ما لا يقل عن 50 في المائة من الاصوات في دورة الانتخاب الاولى. فاذا لم يتحقق ذلك فلا بد من خوض دورة اقتراع ثانية يتنافس فيها المرشحان الأولان الحاصلان على اعلى الاصوات في الدورة الاولى، ومن يحصل على اغلبية الاصوات منهما يكون هو الفائز. ومعلوم ان هذا هو ما درج عليه الكثير من التجارب الديمقراطية في العالم.

وهناك بعد هذا اشكالية نسبة الكوتا للنساء والاقليات، التي تبقى تنتظر المعالجة.

لا شك ان العوامل الموضوعية القائمة، وفي مقدمتها الرغبة العارمة للجماهير المنتفضة والملايين غيرهم من ابناء الشعب في اجراء انتخابات مبكرة من دون تلكؤ وابطاء، تشكل عنصرا ضاغطا في اتجاه الاسراع في انجاز القانون الانتخابي الجديد. غير ان احدا من هذه الجماهير لا يريد في اي حال من الاحوال قانونا مشوها، لا يتمخض الا عن برلمان مشوه تتربع في صدارته الوجوه المنبوذة نفسها. لهذا فلا بد من التدقيق الحريص في مواد وفقرات القانون الجديد، الذي يتوجب ان يأتي متوائما مع التطلعات العميقة النبيلة لاوسع جماهير الشعب العراقي.

ويبقى تأكيد مطلبنا الذي يشدد على جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، او في الاقل ان تكون كل محافظة دائرة واحدة، وتوزيع المقاعد على اسس النسبية والباقي الاقوى.