الأمل معقود على غير المتورطين

منذ وقت طويل ونحن نلفت الانتباه إلى ما يمكن للأزمة الناجمة عن نهج ونظام المحاصصة الطائفية الاثنية، ان تؤدي اليه من دفع البلاد نحو متاهات خطرة، ووضعها في مواجهة احتمالات لا تحمد عقباها. خاصة وان هذه الأزمة اخذت تتعقد وتستعصي، بفعل الصراع غير المنضبط على السلطة والثروة والنفوذ، صراع المصالح المتسم والمؤطر بنمط تفكير لا ديمقراطي ولا واقعي، ضيق الافق ومنغلق، لا يعرف الاعتدال والتسامح او المرونة والاستعداد للبحث عن الحلول الوسط المشتركة.

وحينما انفجر الحراك الجماهيري في المحافظات الغربية، اوضحنا دوافعه، وايدنا المطالب المشروعة وطالبنا بالاستجابة العاجلة لها، وحذرنا من التعامل الخاطئ، العسكري الأمني المجرد معها. كما نبهنا الى ان قوى الارهاب والتخريب وعصابات الاجرام والميليشيات المتنوعة، ستسعى الى استغلال هذا التحرك الواسع، وتحاول توظيفه لخدمة اهدافها ومشاريعها الشريرة، عبر تأجيج التعصب الطائفي، والعمل على تخريب العملية السياسية والتراجع عن الديمقراطية والغاء مؤسساتها الدستورية، واشاعة الفوضى واعمال التدمير لتحقيق مآربها الدنيئة.
كذلك حذرنا من ان مثل هذه الاوضاع والاجواء، التي ستؤمّن واقعا مستلزمات التصاعد لنشاط ودور صقور الحرب وتجارها، ومعهم سائر المنتفعين من الفوضى ومنتجاتها من بعض صغار السياسيين الانتهازيين، والتي تغذي عناصر التطرف والتشدد والتزمت والعناد غير المسؤول، ستوفر كذلك التربة الخصبة والمنافذ الواسعة للتدخل الخارجي (الاقليمي والدولي) المقيت في شؤون العراق الداخلية، وللتلاعب بمصائر الشعب والوطن لمصلحة اجندات اجنبية، لا تلائم الا مصالح (الأمن القومي) للمتدخلين، على حساب المصالح الاساسية للشعب العراقي.
وفي الوقت عينه لم نتردد من جهة في انتقاد البطء والتباطؤ والتلكؤ، الناجمة عن فساد الاجهزة البيروقراطية وبلادة الاجراءات الروتينية، ومن جهة ثانية في تأشير وفضح التصاعد في حمى الشعارات الطائفية والمطالب غير المشروعة للمتطرفين من كل الاطراف والاشكال. وشددنا خلال ذلك على ضرورة المعالجات الفعالة، غير التقليدية والفورية، لمنع التصعيد ووقف التدهور وتوفير عناصر التهدئة، من اجل الا تفلت الامور وكي يبقى الميدان رحبا للتعامل الحكيم والواقعي، وللتوافقات المواتية لتحقيق الامن والاستقرار، وقطع طريق المتعطشين للدماء وال?مار. الى جانب اطلاق عمليات الاعمار والتنمية، ومعالجة القضايا العاجلة والملحة بما يوفر الاجواء للحلول الجذرية للأزمة البنيوية العامة المطبقة على الوطن، ويفتح الطريق الملائم للمباشرة بالاصلاح، واعادة بناء العملية السياسية على اسس صحيحة، وترسيخ المؤسسات الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وعلى رغم تأكيداتنا المخلصة، المنطلقة من عميق الشعور بالمسؤولية الوطنية وبضرورة تجنيب شعبنا المزيد من المآسي والويلات، لم تجد نشاطاتنا واتصالاتنا ونداءاتنا ومناشداتنا آذانا صاغية لدى القوى المتنفذة، السادرة في نهجها التدميري الخطر. فكان ان تفاقمت الاحوال، ولعلع الرصاص، وسالت الدماء، وانتشرت اجواء العسكرة والعنف، وتصاعد الصراخ المنفعل بشعارات غير واقعية ولا مشروعة، متطرفة وطائفية، ليسمم الاجواء ويشل مؤسسات الدولة وادارة البلاد واقتصادها، وليزيد من التوتر والجفاء، بل القطيعة والتشنج والعدوانية في العلاقات بين?الاطراف المعنية. وهذا ما صرنا نراه في الفلوجة والرمادي والحويجة وبغداد وكركوك وديالى والموصل وكثير من مدن العراق الاخرى، من صدامات وعمليات قتل ، ومن مفخخات وعبوات واختطافات واغتيالات، وفوضى ورعب وقلق شعبي واسع، تلعب فيه قوى الارهاب والجريمة المنظمة، والميليشيات والجيوش بمختلف مسمياتها وتنوع ولاءاتها، كيفما يحلو لها من دون مانع او رادع.
ان قلوبنا تنبض، ونحن نعيش هذه الاجواء القاتمة المحملة بالنذر الخطرة، خشية على ابناء شعبنا ومصائر بلدنا، وعلى حقهما في الحرية والديمقراطية والسلام والعيش الكريم. فالكادحون والابرياء هم الوقود الاساسي لنوازع الشر والحرب، مثلما هم ضحيتها الرئيسية. لذلك، واسهاما في دفع الشرور المحيقة ، نبقى مع كل من يعز عليهم امن البلاد واستقرارها وصلاحها، وفي صفوفهم الاولى، مثابرين على دعم كل جهد خيّر، يستهدف ايقاف الممارسات التي تدفع بلادنا دفعا نحو حافة الهاوية، والتي تمزق وحدتها الوطنية، وتقدح شرر حرب اهلية طائفية لا تبقي الا تذر.
واننا لعلى يقين من ان صفوف ابناء شعبنا تضم الكثير من الطاقات والامكانات، القادرة اذا ما جرى توحيدها وتفعيلها، على لجم قوى التطرف والمغامرة، ونزع فتيل الانفجار، وفتح الطريق رحبا لاصلاح اوضاع البلاد، وترسيخ العملية السياسية لبناء العراق المدني الديمقراطي التعددي البرلماني الاتحادي المستقل.
ومن المنطقي ان تعلق الآمال هنا اولا وخصوصا، وفي هذا الوقت العصيب، على القوى التي لم تتورط في صنع الأزمة، والتي ينتظر منها التحرك النشيط وطرح المبادرات المدروسة.