في ذكراها المئوية .. ثورة اكتوبر الاشتراكية فتحت بابا لحلم البشرية / الأثنين, 06 تشرين2/نوفمبر 2017

يكتسب احياء الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية أهمية استثنائية في الظرف الراهن. وهو ما يستدعي الاحتفاء بهذه المناسبة على النحو الذي يليق بها، وبما يعزز التوجه لاستذكار الماضي الثوري، واستيعاب خبره الغنية، وتثقيف الأجيال الجديدة الشابة بدروس الثورة وبالانجازات التاريخية العظمى للحركة الثورية العالمية والشيوعية منها.
على الرغم من التباينات والاختلافات في تقييم ثورة أكتوبر الاشتراكية ومصائرها، وما انتهى اليه النظام الاشتراكي، يتفق معظم المؤرخين على أنها كانت حدثا عظيماً، حدد الاتجاهات الأساسية لتطور العالم المعاصر، واعتبره المؤرخ البريطاني الكبير اريك هوبزبوم بداية القرن العشرين القصير، الذي ينتهي بانهيار تجربة البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي عام 1991.
فقد ألهمت الثورة الملايين من جماهير المستغَلين والمضطهَدين في سائر أنحاء العالم امكانية التغيير الثوري. وشكلت أملاً عظيماً في أفق اسقاط نظام رأس المال وتحرير الانسان من مآسيه، وتحقيق البديل الاشتراكي.
وجاءت الثورة تعبيراً عن تفجر تناقضات الرأسمالية في احدى أضعف حلقاتها، وتجسيداً لروح العدالة والتنوير التي شكلت جوهر الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، والثورات اللاحقة في أواسط القرن التاسع عشر في أوروبا، وصولاً الى كومونة باريس التي كانت علامة بارزة في نضال الطبقة العاملة العالمية، واجترحت مآثر استلهمت ثورة أكتوبر دروسها الغنية.
ونقلت الثورة روسيا من بلد متخلف الى بلد صناعي متقدم، جرت فيه تلبية احتياجات الكادحين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأدت الثورة ومنجزاتها الى تحفيز التوجه الى بناء أحزاب شيوعية جماهيرية في العالم، وتطوير الحركة العمالية، ومارست دور المحفز ، ايضا، للحركات التحررية الوطنية المناهضة للكولونيالية في كفاحها من أجل الخلاص من نير الامبريالية والاستعمار. وحولت الثورة الحرب الامبريالية الى كفاح ضد الاستغلال، وألحقت الهزيمة بالفاشية.
وعززت الثورة أمل المظلومين في العالم بامكانية الاطاحة بنظام استغلال الانسان للانسان، وتحقيق مجتمع الحرية الحقيقية من عبودية رأس المال، وسائر أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي، وضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتحقيق الديمقراطية وتحرير النساء وتوطيد السلم العالمي.
وكان لثورة اكتوبر وللسلطة الثورية البلشفية التي انبثقت عنها، دور أساسي في حفز ودعم شعوب الشرق عموماً في نضالها ضد الاستعمار ومن أجل التحرر الوطني، وبشكل خاص شعوبنا العربية، بعد أن بادرت السلطة السوفيتية إلى كشف الاتفاقات السرية التي عقدتها بريطانيا وفرنسا بمشاركة روسيا القيصرية، لتقاسم تركة الأمبراطوية العثمانية المهزومة، والتي تعرف باتفاقية سايكس- بيكو، وفضحت زيف الوعود التي قطعتها الدول الاستعمارية لزعماء حركة التحرر القومي العربية. ويؤشر العديد من المؤرخين أثر الاشعاعات الفكرية والسياسية لثورة اكتوبر وموقفها الداعم لتطلعات الشعوب في التحرر من الاستعمار والاستغلال ومن اجل العدالة الاجتماعية، التي جسدتها الانتفاضات والثورات في مصر والعراق سنتي 1919 و1920، وفي البلدان العربية الأخرى لاحقا. كما وجد ذلك تعبيره في مواقف الشعراء وبعض رجال السياسة ورجال الدين المتنورين.
إن هذه المرحلة المضيئة في تاريخ البشرية لن تُنسى أبداً، حتى وإن انهار النظام الذي دشنته الثورة، ذلك أن نبوءة ماركس لم تفقد حيويتها.
ولقد أولى حزبنا اهتماما كبيرا لدراسة تجربة بناء الاشتراكية التي دشنتها ثورة اكتوبر واستمرت لمدة سبعين عاما حتى انهيارها عام 1991. وتعكس وثيقة "خيارنا الاشتراكي: دروس من بعض التجارب الاشتراكية" التي اقرها المؤتمر الوطني الثامن لحزبنا سنة 2007، الدروس التي استخلصها حزبنا من نجاحات واخفاقات هذه التجربة الرائدة في تاربخ البشرية.
والملاحظ اليوم، وعلى الرغم من مساعي الرأسمالية لادامة نظامها، أن المُثل التي انطلقت ثورة أكتوبر منها ما زالت فاعلة في التاريخ. فالرأسمالية، اليوم تعاني من أزمات عميقة، بينما يعيد المفكرون الماركسيون الحقيقيون النظر في فكرهم، وفي تحليلهم العلمي لواقع الرأسمالية الراهن، وآفاق الخلاص من نظامها الجائر.
إن أفضل إحياء للذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية يتجسد في تمثّل إرثها الثوري وخبرتها الغنية، واطلاع الأجيال الجديدة الشابة على هذا التاريخ المضيء والملهم، وعلى الثورة التي فتحت لحلم البشرية بابا، يعبر من خلاله ملايين المكافحين نحو ضفاف تطلعاتهم العادلة.
وسيستمر الكفاح الثوري، الذي يقف الشيوعيون في قلبه وفي طليعته، من أجل تحقيق مُثل ثورة أكتوبر في الاطاحة بسلطة رأس المال والخلاص من عبوديته، وبناء العالم الجديد الخالي من استغلال الانسان للانسان، والذي تتمتع فيه الشعوب ، ومنها شعبنا العراقي ، بقيم الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية والتكافؤ والسلام .