العدد 161السنة 85 الجمعة 15 أيار 2020

 

تصفح بي دي اف

 

 

 


ص1
رغم التحديات الكبيرة.. المتنفذون منشغلون بالصراعات
الكاظمي يحدد أولويات الحكومة
ومجلس الامن الدولي يتعهد بالدعم
بغداد – طريق الشعب
حدد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، يوم أمس، أمام مجلس الامن الدولي، أولويات حكومته التي من بينها مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية، وحصر السلاح بيد الدولة. من جانبه رحب المجلس الدولي بتشكيل حكومة الكاظمي، وعبر عن أمله في استكمال الكابينة الوزارية في أقرب وقت، متعهداً بتقديم الدعم للحكومة العراقية.
أولويات الحكومة

وقال الكاظمي، في كلمة ألقاها نيابة عنه مندوب العراق لدى الأمم المتحدة محمد حسين بحر العلوم، خلال جلسة لمجلس الأمن، إن "أولويات الحكومة هي تكثيف الجهود لمواجهة جائحة كورونا، وصياغة مسودة ميزانية استثنائية تعزز القدرة على مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية".
وأضاف بحر العلوم، بحسب وكالة الأنباء الرسمية، أن "الحكومة حريصة على إطلاق الرواتب بلا تأخير، وتعويض ذوي الشهداء والجرحى من المتظاهرين، وتشكيل لجنة خبراء لدعم المُفوّضيّة المستقلة العليا للانتخابات في جُهُودها لتنظيم انتخابات مُبكّرة، وتشكيل لجنة خاصّة للتهيئة للمفاوضات الستراتيجيّة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة"، معرباً عن "رغبة العراق في تجديد ولاية بعثة يونامي لعام واحد".
وأكد، "أهمية صون سيادة العراق وتعزيز القانون وحصر السلاح بيد الدولة"، كما شدد على "منع الدول الأخرى من تحويل أرض العراق إلى ساحة للصراعات أو منطلق لتوجيه هجمات ضدّ دولة ثالثة".
وتواجه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحديات كبرى تتطلب المعالجة، وتأتي على رأسها تداعيات وباء كورونا المستجد. لكن التحدي الأكبر يتمثل في انهيار أسعار النفط، إذ يمكن ان تغدو الحكومة خلال فترة قريبة، عاجزة عن دفع رواتب الموظفين. وفوق ذلك، سيترتب على الكاظمي خوض معركة حصر السلاح بيد الدولة، وهو الهدف الذي أعلن بوضوح أنه يمثل جزءًا من برنامج عمل حكومته، إضافة إلى الحرب على الفساد، وتطمين الشارع المحتج عبر تنفيذ المطالب الشعبية.

مجلس الأمن الدولي
يتعهد بالدعم

من جانبه، أكد مجلس الأمن الدولي، أنه سيدعم تشكيل الحكومة الجديدة في العراق برئاسة مصطفى الكاظمي.
وذكر بيان للمجلس تلقته "طريق الشعب"، انه يرحب بتشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وأشاد المجلس، بتعهد الحكومة بالتعامل مع كوفيد - 19 ، وتقديم إصلاحات مجدية بشكل عاجل تهدف إلى تلبية مطالب الشعب العراقي المشروعة، بشأن الفرص الاقتصادية والحكم الرشيد والمشاركة السياسية والتشريعات الانتخابية.
وأشاد مجلس الأمن، بالتزام الحكومة الجديدة بإجراء تحقيقات شفافة في العنف ضد المتظاهرين.
وجدد أعضاء مجلس الأمن دعمهم الكامل للجهود التي تقودها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) والممثلة الخاصة للأمين العام جينين هينيس بلاسخارت، وفقا للقرار 2470 (2019)، لدعم ومساعدة حكومة العراق والشعب العراقي من خلال الحوار السياسي الشامل والمصالحة على المستويين الوطني والمجتمعي.
كما جدد أعضاء مجلس الأمن تأكيد دعمهم لأمن العراق ومواصلة الحرب ضد الإرهاب، بما في ذلك ضد (داعش) ، ولاستقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه وازدهاره .
صراع على وزارات شاغرة

من جانب آخر وأمام التحديات التي تواجه البلد، يواصل الكاظمي مشاوراته مع قادة الكتل السياسية للتوصل إلى اتفاق على إكمال تشكيل حكومته التي لا تزال سبع وزارات فيها شاغرة، أبرزها الخارجية، والنفط، والعدل، وسط استمرار الخلافات حتى بين قوى التحالف السياسي الواحد على ما تبقّى من وزارات. وتتركز الخلافات على الشخصيات المرشحة لهذه الحقائب، ورغبة كل جهة سياسية بأن تكون لها حصة من الوزارات الشاغرة.
وقال مصدر مطلع ان الخلافات ما زالت قائمة، رغم سعي الكاظمي لإكمال حكومته بشكل سريع كما وعد، "لكن لا مؤشرات على إمكانية حسم الملف قبل عيد الفطر".
واكد ان "رئيس الوزراء لا يستطيع تقديم أية أسماء إلى البرلمان للتصويت عليها من دون اتفاق سياسي مسبق عليها، خوفاً من تكرار سقوطها في التصويت"، لافتا الى انه "يسعى إلى حسم الملف بأسرع وقت، لكن الخلافات بين القوى السياسية كبيرة جداً".
*************
كتب المحرر السياسي:
فيض مواقف وقرارات.. وماذا بعد؟

مضى أسبوع على تشكيل حكومة السيد مصطفى الكاظمي المؤقتة، وخلال هذه المدة القصيرة من عمرها أقدمت على خطوات وإجراءات عديدة، تتجاوب مع ما سبق ان طالبت به الحركات الاحتجاجية والمنتفضون وغالبية أبناء الشعب والعديد من القوى الوطنية والديمقراطية.
ولا شك ان الكثير من تلك الإجراءات يتسم بالوضوح، ويعطي إشارات الى كون هذه الحكومة تحاول ان ترسم منحى جديدا في التوجه والاداء، يختلف عما درجت عليه الحكومات السابقة. وذلك رغم ان تشكيلتها لم تفلت كليًا من المحاصصة ورغم سعى قوى متنفذة الى فرض إراداتها عليها، وكونها جاءت في وقت يعيش فيه البلد أزمات متراكمة، بعضها مستجد يرتبط بانخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا ومعاودة داعش لنشاطه الاٍرهابي الإجرامي.
ان قراءة متمعنة في قرارات مجلس الوزراء في جلستيه الأولى والثانية، وفي ما يعلنه رئيس مجلس الوزراء، وما تضمنه المنهاج الوزاري، تؤشر ما ذهبنا اليه. حيث جرى الإعلان عن السعي الى تحقيق تطلعات المتظاهرين وحمايتهم، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، كذلك الحديث عن استكمال مستلزمات اجراء الانتخابات المبكرة، وإطلاق رواتب المتقاعدين بعد قرار الحكومة المستقيلة التعسفي بوقفها، والعمل على إعادة هيبة الدولة والمؤسسة العسكرية والأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة، وتشكيل خلية أزمة للإصلاح المالي، وتفعيل إجراءات مكافحة الفساد، وتقليص وترشيد الهياكل الإدارية للدولة، والسعي الى توسيع دائرة التشاور.
ومن المؤكد ان النوايا الطيبة لوحدها لا تكفي، خصوصا وان ما أعلن عنه من توجهات وإجراءات حتى الان، سيضر بمصالح أفراد وقوى اعتادت ان تعيش على السحت الحرام، وتتصرف وكأن الدولة ومؤسساتها ملك صرف لها ولحاشياتها ومريديها. وهذه القوى ستدافع عن مصالحها وستعمل على عرقلة اية إجراءات سليمة تصب لصالح غالبية أبناء الشعب، وقد تلجأ الى افتعال الأزمات الواحدة تلو الأخرى، او حتى السعي الى تحميل الحكومة الحالية تبعات ما اقترفته هي من خطايا جسيمة بحق هذا الشعب والوطن، عبر سياساتها الفاشلة ومنهجها المبني على الاحتكار والإقصاء والاستئثار، وما نهبت وسرقت من المال العام.
ان مواجهة هذا كله والسير على طريق تنفيذ المنهاج الوزاري والقرارات المقرّة، يتطلب المضي قدما في اتخاذ الاجراءات والخطوات العملية، التي تترجم التعهدات التي قدمها رئيس الوزراء، والتي تستجيب لمصالح الناس والمطالب المشروعة للمنتفضين وتطلعاتهم بعزم وثبات ومن دون مجاملات. وحين يتحقق ذلك سيكونون هم من يدافع عن تلك الإجراءات، ويحميها ويسعى الى تعميقها وصولًا الى التغيير المطلوب الذي طال انتظاره، وسيساعد ذلك في تقليص الفجوة وتبديد أجواء عدم الثقة بين المواطنين والحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى.
وإذ تتجدد التظاهرات والحراك المطلبي في هذه الساحة او تلك، وإذ نشدد من جديد على أهمية وضرورة سلميتها، وتجنبها إلحاق اَي ضرر بالممتلكات العامة والخاصة، والتصادم مع القوات الأمنية التي هي الأخرى عليها حماية المنتفضين وعدم إلحاق اأي اذى بهم ، فان ذلك يشكل هو الآخر اختبارا للحكومة الجديدة، في مدى انحيازها للمنتفضين السلميين وحمايتهم، وتطمينهم بكونها ذات موقف مختلف عن مواقف السابقين من الحكام، الذين أوغلوا في دماء أبناء الشعب، وتتوجب ملاحقاتهم قضائيا على ما فعلوه واقترفوه من جرائم، في اسرع وقت ممكن .
وان من المطلوب أيضا مراعاة عامل الزمن، وإعادة ترتيب الأولويات، والاهتمام بقوت الناس واسباب معيشتهم وتوفير الخدمات لهم، وتقديم قتلة المتظاهرين الى القضاء، والتصدي الحازم للفساد وفتح ملفاته كافة.
ان جَسر فجوة الثقة مع الشعب والحصول على دعمه، يظل مرتبطا بجدية وصدقية الحكومة، وتنفيذها الملموس لما تتخذ من قرارات وإجراءات وما تعلن من مواقف.
****************
استقلالية الهيئات المستقلة !

تجدد الجدل بشأن الهيئات المستقلة التي يقرب عددها من ٢٥ هيأة، والتي تحظى بمخصصات مالية كبيرة تفوق المخصص لبعض الوزارات. وأبرز تلك الهيئات مؤسسة الشهداء، مؤسسة السجناء السياسيين، هيئة الاستثمار، ديوان الرقابة المالية ، بيت الحكمة، هيئة النزاهة، هيئة المساءلة والعدالة، هيئة الأوراق المالية، هيئة الحج والعمرة، هيئة الاعلام والاتصالات، المفوضية العليا للانتخابات، هيئة الاعلام العراقي، المفوضية العليا لحقوق الانسان، أمانة بغداد، البنك المركزي العراقي، دواوين الأوقاف .
وقد قيل وكتب الكثير عنها وحتى عن الفساد في بعضها، وبرزت تساؤلات جدية عن مدى استقلاليتها وأهلية مسؤوليها، وكونها تدار منذ سنوات بالوكالة. وهي كانت وما زالت موضع تنافس محتدم بين القوى الحاكمة المتنفذة، وقد هيمنت المحاصصة على إسناد المهام فيها .
الكثير من هذه الهيئات لا يمكن الاستغناء عن دورها، ولكن هناك حاجة الى مراجعة جدية لجدوى وجود بعضها، ولإمكانية اسناد المسؤولية فيها الى كفاءات وطنية نزيهة، بعيدا عن المحاصصة والاحتكار والهيمنة. كذلك ان تتمتع باستقلاليتها، قولًا وفعلًا ، مع وضوح في تحديد جهة ارتباطها وصلتها، وفي متابعتها.
راصد الطريق
***************
هل تورطت وزارة المالية والحكومة في انتهاك القانون؟
خبير قانوني: قانون التقاعد لا يسمح لأية جهة بالاستدانة من صندوق التقاعد
بغداد – نورس حسن
اكد الخبير القانوني زهير ضياء الدين ان الاقتراض او الاستدانة من صندوق التقاعد اجراء غير قانوني، يتحمل مسؤوليته المكلفون بإدارة الصندوق والجهة المقترضة.
وأضاف في تصريح لـ"طريق الشعب" ان "قانون التقاعد الموحد لم يعطِ اية جهة صلاحية الاستدانة او الاقتراض من الصندوق، نظرا الى ان امواله مختزنة لصالح فئة المتقاعدين، ولا يجوز التلاعب بها".
واوضح ضياء الدين ان المادة 9 من قانون التقاعد الموحد لسنة 2014 حددت الايرادات المالية للصندوق بانها تتكون من الاستقطاعات المالية للموظفين، ومن الدعم الذي تقدمه وزارة المالية، ومن توظيف موارد الصندوق في مشاريع مشتركة تدر ارباحا مالية". وتابع يقول ان "المادة 8 من القانون نفسه منحت صلاحية ادارة الصندوق لمجلس يتكون من ممثلين عن كل وزارة وشخصية ترأس الصندوق، ويقوم المجلس بإدارته وفقا لقانون التقاعد الموحد نفسه".
واشار الخبير القانوني الى ان شعبنا يعيش في ظروف تضج بالمخالفات والانتهاكات القانونية، اضافة الى الفساد في جميع مفاصل الدولة، وانه في حال "اقدام وزارة المالية فعلا على الاقتراض من صندوق التقاعد لتغطية فعاليات حكومية، فأنها تكون بذلك قد قامت بإجراء غير قانوني، تحاسب عليه الشخصيات القائمة على ادارة الصندوق ووزارة المالية اضافة الى مجلس الوزراء، الذي من المفترض ان يقوم بدور الرقيب والحارس على تطبيق القوانين".
واختتم ضياء الدين تصريحه لـ"طريق الشعب" بالقول ان"على وزارة المالية، في حالة قيامها فعلا بالاقتراض من صندوق التقاعد، ان تعيد الاموال المقترضة اليه، وتضيف اليها مبالغ اخرى اذا كانت هناك حاجة الى تغطية رواتب المتقاعدين".
وجاء تصريح الخبير القانوني زهير ضياء الدين تعقيبا على تصريح عضو مجلس مكافحة الفساد سعيد ياسين موسى الاسبوع الماضي لـ"طريق الشعب"، ان الازمة التي حدثت مؤخرا في دفع رواتب المتقاعدين نجمت عن استدانة الحكومة، في وقت سابق، اموالا من صندوق التقاعد العام، لاجل سد العجز في موازنات الدولة.
واشار ياسين الى ان الحكومة عاجزة عن سداد ديونها عموما، خاصة منها ديون صندوق التقاعد العام، وهو "ما ادى الى مشكلات كبيرة وقت توزيع رواتب المتقاعدين، الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين مواطن".
وطالب ياسين الجهات المعنية "بالافصاح عن الفوائد المالية المترتبة على الحكومة، لقاء استدانتها من صندوق التقاعد، وعن الاغراض التي صرفت عليها تلك الاموال، واين انتهت؟".
جدير بالذكر انه لم يسبق للجهات الحكومية المعنية ان اعلنت استدانتها اموالا من صندوق التقاعد، كما لم تعلن عن حجم الاموال التي استدانتها. الامر الذي قد يعكس مسعى للتستر على الواقعة، التي تشكل في حال وقوعها انتهاكا للقانون.
*************
ص2
الاقتصادية البرلمانية: نسبة الفقر في العراق تجاوزت 70 في المائة

بغداد - طريق الشعب
كشف عضو الاقتصاد والاستثمار النيابية، فلاح الخفاجي، عن تجاوز نسبة الفقر في العراق الـ 70 في المائة.
يأتي ذلك في وقت تتوقع فيه وزارة التخطيط، أن تكون النسبة 20 في المائة ، حسبما ذكر المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي.
وقال الخفاجي في تصريح متلفز تابعته "طريق الشعب" إنه "لم تصل الموازنة الى البرلمان ومجلس الوزراء لم يناقشها حتى الان".
وأضاف أن "قرار إيقاف الصرف والتمويل من قبل الحكومة السابقة يعد قرارا خاطئا".
وتابع الخفاجي، أن "نسبة الفقر في العراق وصل الى 70في المائة وتصريحات الأمم المتحدة بشأن معدل الفقر مغلوطة".
وكانت رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أعلنت، أمس الثلاثاء، ان نسبة الفقر في العراق وصلت الى 40في المائة.
وذكرت بلاسخارت في افادة بشأن وضع العراق امام مجلس الامن ، ان "حجم الفقر في العراق بلغ 40في المائة".
*************
كل خميس ...
رموز المحاصصة
صلافة بلا حدود

لا عجب في صلافة المنتفعين من المحاصصة والمتمسكين بها والمتعاملين حتى الآن على وفقها، حين يصرحون هذه الأيام بالضد منها، مصطنعين العفة والزهد بالمناصب. فقد إعتدنا منهم خطاب المداهنة والبهتان والتدليس.
لا عجب في تصاعد وتيرة التصريحات في الأيام الفائتة، بأن زعيم ذلك التحالف، او رئيس تلك الكتلة، او ممثل هذه الطائفة، رفض الإشتراك في الحكومة بدعوى رفضه المحاصصة! في وقت تابعت فيه الناس لهاثهم وراء المناصب، حيث لم يعقد إجتماع إلا وشاركوا فيه، ثنائيا كان أم خماسيا أم سباعيا، من اجل الحصول على حصة في الحكومة. وعندما لم ينالوا مرادهم في الموقع الذي طمحوا إليه، خرجوا علينا بتصريحات نارية تدين المحاصصة!
لا عجب في إطلاق تصريحات مناهضة للمحاصصة من قبل الذين أسسوا لمنهجها المقيت، ودافعوا عنه بشتى السبل. متصورين أن ذاكرة الشعب قصيرة، ولم تعد تستحضر أفعالهم الشنيعة ومواقفهم المدانة وما أكثرها، التي تعرّي زيف كلامهم المنمق وتكشف أسلوبهم المرائي.
والباعث على العجب ليس فقط اصرارهم على التشدق بالمواطنة تدليسا وكذبا، وهم الذين تهاوت صدقيتهم في أول امتحان لها، وبان زيفها، كما وليس هناك من ينسى خطابهم الطائفي المنفّر، وسلوكهم الحزبوي الضيق، وتهافتهم على اقتسام المناصب وكأنها غنائم حرب، أو إرث عائلي خاص بهم .
ما يبعث على العجب خصوصا هو إعتقادهم أن لا أحد يتابع لهاثهم وراء المناصب والمكاسب، او يجهل ان المقدس الذي يدعونه لم يحل دون قيامهم بأفعالهم الشنيعة من أجل المنافع التي تؤمنها لهم المحاصصة. ولم يردعهم أي عرف عن القيام بذلك. وهل تم تشريع قانون من دون ضمان مصالحهم وأتباعهم؟ ام ان علينا اعادة التذكير بقوانين الانتخابات ولمصلحة من كانت تسن؟ وكيف دارت الصراعات على تركيبة المفوضية ولأجل تحاصص المواقع فيها؟
لا يتسع المجال هنا للتطرق الى تصريحات بعضهم ضد البعض الاخر حول عمليات التزوير، ثم السكوت السريع عنها والصمت المريب، حال إعادة إحتساب أرقام التزوير وفقا لمعادلة المحاصصة.
ويبلغ العجب قمته حين نلاحظ انهم لم يدركوا حتى الان، أن الموقف الصادق من المحاصصة، والرفض الجذري لمنهجها، لا يمكن أن يكون انتقائيا، او يأتي كرد فعل على عدم الحصول على الحصة الموعودة. وانما هو موقف متكامل، لا يربطه رابط بالمصالح الأنانية، وينطلق من إدراك كون المحاصصة أس الازمة وأساس تخريب العملية السياسية. وانها منبع الفساد الذي فاض وأغرق العراق خرابا. وان رفضها ينطلق من ادراك خطورة منطقها، الذي أوصل الأوضاع الى هذا الدرك، حيث تتنوع وتتشابك الازمات، وتبلغ الحال درجة تهديد الوضع المعيشي للناس، بشكل يصعب تصور تداعياته المأساوية، خاصة بالنسبة الى الفقراء وذوي الدخل المحدود.
ان رفض المحاصصة لا يمكن تصديقه اذا جاء تصريحا منعزلا عن منهج تغيير وإصلاح شامل.

جاسم الحلفي
***********
جهات طبية: عدم التزام المواطنين بالتعليمات
أدى الى ارتفاع نسب الاصابة بالوباء
بغداد – عبد الله لطيف
حذرت وزارة الصحة، يوم أمس، من تزايد الاصابات بفيروس كورونا، مؤكدة أن الأمر يحتاج إلى جهد كبير للسيطرة على معدلات الاصابة واحتواء الوباء، فيما قال نقيب اطباء العراق ان الكوادر الطبية تعاني من قلة المستلزمات الوقائية من الفايروس مما يعرضهم لخطر الاصابة.
ارتفاع ملحوظ

قال وزير الصحة، حسن التميمي، في تصريح صحفي، تابعته "طريق الشعب"، إن "نسب الاصابات ارتفعت، ونحتاج الى المزيد من الجهود للسيطرة على معدلات الاصابة واحتواء الوباء بشكل يضمن تقليل معدلات الاصابة إلى نسب متدنية"، مبيناً ان "وزارة الصحة بدأت جهدا كبيرا من خلال تنفيذ حملات المسح البيئي الفعال للمناطق التي سجلت فيها اصابات متزايدة".
وأضاف ان "الفرق الجوالة رفعت عمليات الفحص والاختبار إلى نحو 5000 فحص في بعض المناطق، وستتم زيادة نسب الفحوصات والاختبارات خلال الايام المقبلة في عدد من مناطق الرصافة والكرخ وكذلك بعض مناطق محافظة البصرة، وتحديدا التي تسجل فيها اصابات عالية بالفيروس".

تحديات كبيرة

من جانبه، قال نقيب اطباء العراق, عبد الامير الشمري، خلال حديثه لـ"طريق الشعب" ان "الكوادر الطبية تواجه الان تحديات كبيرة تتمثل في ضعف البني التحتية وقلة المستلزمات وخصوصاً مستلزمات الوقاية من الفايروس للعاملين في المستشفيات ومراكز الحجر الصحي، ورغم ذلك فان الكوادر قدمت مجهودات مميزة خلال ازمة كورونا"، مبينا ان "مستلزمات الوقاية هي من اولويات العمل التي دعت اليها منظمة الصحة العالمية للحفاظ على الكوادر الطبية".
وأضاف الشمري، أن "عدم التزام المواطنين بالتعليمات الصادرة من وزارة الصحة وعدم تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي هو جزء من معاناة الكوادر الطبية"، لافتاً الى ان "المصابين لا يخبرون الكوادر الصحية عن الوقت الذي لامسوا فيه الحاملين للفايروس، وكذلك عندما يعلم أحدهم أنه لامس شخص آخر مصاب فأنه لا يلجاً الى الحجر وهذا هو السبب الاهم وراء انتشار الفايروس في العراق".
وعن أجهزة التنفس، قال أن "الوضع لغاية الان مسيطر عليه وما متوفر لدينا يغطي اعداد المصابين الذين وصلوا مرحلة خطيرة، ولكن اذا انتشر الفايروس اكثر فأننا بحاجة الى المزيد من الاجهزة التنفسية في العناية المركزة"، مشيراً الى انه "بحسب احصائيات وزارة الصحة فان مستشفياتنا فيها 400 جهاز تنفس وهناك حديث عن ان الوزارة تعاقدت لشراء 1000 جهاز آخر، ستصل في الايام المقبلة".
وأوضح الشمري ان "مواجهة الوباء هو تحدي يواجه الدولة العراقية وليس وزارة الصحة فحسب، على الرغم من أن الوزارة اتخذت اجراءات جيدة منذ بدأ الازمة، الا ان بعض الاجراءات تأخرت نوعاً ما مثل اغلاق الحدود امام الدول التي سجلت اصابات قبل العراق".
وفي السياق ذاته، اكد عضو مجلس نقابة صيادلة العراق مثنى الطائي، "اهمال المواطنين لتعليمات السلامة، أدى الى تزايد عدد الاصابات".
وأشار الى ان "المستشفيات غير مهيئة لاستقبال هذه الاعداد من المصابين، ونحن في النقابة نؤكد على ضرورة الحجر المنزلي وندعو الحكومة الى تطبيق حظر تجوال شامل للمناطق التي تشهد اصابات عالية"، داعياً الى "تكثيف حملات التوعية من مخاطر انتشار هذا الوباء، فما زالت مرحلة الخطر قائمة، ونحن بحاجة إلى أن تعيد وزارة الصحة وخلية الازمة النظر في العديد من الاجراءات المتخذة واهمها حظر التجوال".
يُشار إلى أن "طريق الشعب" حاولت الاتصال بالناطق الرسمي لوزارة الصحة لطرح عدد من الاسئلة بخصوص خطة الوزارة الجديدة في مواجهة الفايروس وعن وقت وصول اجهزة التنفس الجديدة، إلا أن الناطق لم يستجب لكل محاولات الاتصال.
****************
تهنئة

الرفيق العزيز د. جعفر عبد الغني المحترم
نتوجه اليك، وانت تتهيأ مع العائلة الكريمة للاحتفال ببلوغك التسعين من العمر، بالتهاني الحارة والتحيات العطرة، مشاركينك من ارض الوطن إحياء هذه المناسبة السعيدة.
ان السرور ليغمرنا ونحن نستذكر معك الدرب الطويل المثمر والمشرف، الذي قطعته منذ الصبا في ثلاثينات القرن الماضي، منكبا على التعلم والدراسة والبحث، ساعيا الى خدمة الشعب والوطن، ومساهما في ما بعد كخبير اقتصادي، وطوال عقود من السنين، في تطورهما وتقدمهما.
وفي هذه المناسبة نستعيد كذلك مشاعر التقدير والاعتزاز بما تحليت به دائما، وما زلت، من خصال انسانية سامية، ومن مبدئية رفيعة عكست عمق وثبات ارتباطك بحزبك الشيوعي، وتمسكك بقيمه ومثله وأهدافه النبيلة، الوطنية والطبقية والانسانية، ونضالك في صفوفه من اجلها ولأجل انتصارها.
تقبل رفيقنا العزيز أبا داليا، في هذه المناسبة السارة، اطيب تمنياتنا، مقرونة برجائنا لك السلامة والعافية وطول العمر.

المكتب السياسي
للحزب الشيوعي العراقي
12 أيار 2020
*************
امتعاض كبير وشكوى من غياب العدالة
من يعوض اضرار المتقاعدين؟
بغداد – سيف زهير
ألحق تأخر صرف رواتب المتقاعدين، مؤخرا، الضرر بهذه الشريحة التي تعاني الإهمال والضائقة المالية، لما يتقاضاه عدد كبير منهم من رواتب غير مجزية، حيث أنه وعلى الرغم من القرار الحكومي الذي صدر أخيراً، بصرف مستحقاتهم، إلا أن بعضهم أشار إلى جانب الضرر هذا، وابدوا امتعاضا من محاولات التغافل عن الموضوع، وتجاهل الحديث عن المتسببين بالوصول الى هذا الحال.
تمايز بين المتقاعدين

قال رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين، مهدي العيسى، لـ"طريق الشعب"، إن "التأخير بصرف رواتب المتقاعدين الذي جاء بناءً على قرار مجلس الوزراء ذو العدد 97 لسنة 2020 ألحق الضرر بهذه الشريحة الكبيرة التي يعتمد ما يقارب الـ 95 في المائة منها على الراتب في توفير احتياجات المعيشة، لذا فالضرر قد وقع حتى وأن صرفت الرواتب".
ويضيف العيسى، إن "الإضرار بحقوق المتقاعدين له جذور قديمة عندما استحوذ النظام السابق في ثمانينات القرن الماضي، على رواتبهم من أجل تمويل حروبه، وعلى الرغم من هذا، لم تقم الدولة بعد 2003 بتعويضهم لأنهم أعطوا للدولة أموالهم، وتم تصنيف المتقاعدين إلى صنفين بشكل أحدث تمايزا بين أبناء الشريحة نفسها، عندما أحيل وفق قانون رواتب ومخصصات موظفي الدولة ذو العدد 22 لسنة 2008، المتقاعدين بعد 1-1-2008 إلى صندوق التقاعد، بينما احيل المتقاعدين قبل هذا التاريخ الى الموازنة العامة، وهم تحديدا الذين تأخرت رواتبهم عند تعرض الموازنة الى مشاكل مالية نتيجة اسعار النفط"، مبينا أن "صرف الرواتب تم أخيرا بعد الاتفاق على أن يدفع صندوق التقاعد رواتب الجميع، على أن تسدد الموازنة لاحقا مستحقات الصندوق".
وشدد رئيس الجمعية، على أن "المتقاعد ليس عاملا بالأجرة ممكن أن يتعرض اجره الى التوقف نتيجة الظروف، فهو يفترض ان يشمل بصندوق التقاعد من اجل توفير العدالة لما قدمه من خدمات للدولة، وأن لا يتعرض للتمييز بين مجموعة تحال إلى صندوق التقاعد، وأخرى إلى الموازنة".
الحلقة الأضعف

وفي هذا الشأن، يوضح المتقاعد محيسن هاشم، لـ"طريق الشعب"، أن "المتقاعدين هم الحلقة الأضعف بالنسبة إلى الحكومة، لذا فأن قرار ايقاف صرف رواتبهم نتيجة غياب الأموال جرّاء الأزمة، يؤكد أنهم خارج حسبان الدولة، فالمفترض أن تصان وقت الأزمات حقوق هذه الشريحة المستضعفة التي لا يوجد من يدافع عن حقوقها".
وأضاف هاشم "لم تقدر حكومة عبد المهدي على صيانة حقوقنا، بينما مخصصات المسؤولين والمصروفات الهائلة لهؤلاء المتسلطين على رقاب الناس لم تمس، ولم نرى أي اجراء لإيقاف كافة هذه المصروفات من أجل تعويضها لحساب الفقراء"، مردفا "هل يعلم عبد المهدي وحكومته، والحكومة الحالية، كيف نتدبر أمورنا عندما يتأخر مصدر رزقنا الوحيد"، لافتا إلى أنه "على الرغم من هذا الضرر الكبير، يحاول البعض أن يظهر المتقاعدين بمظهر الممتنين للحكومة الجديدة لأنها صرفت الرواتب، وكأنهم يستجدون من الدولة وهي تتصدق عليهم، ويتم تغييب الحديث عن أسباب التأخر بصرف الحقوق، من قبل مسؤولين لم يخدموا الدولة بقدر ما خدمها المتقاعدين جهدا ووقتا".

العبرة بالضرر

أما المتقاعد جبار علي العكَيلي، الذي يعتمد بشكل كامل على راتبه التقاعدي، فأوضح أن مقدار الراتب الذي يأخذونه كمتقاعدين، هو الفتات، أمام الرواتب الضخمة والامتيازات وعمليات النهب التي تتعرض لها أموال العراقيين، فضلا عن الرواتب التقاعدية للمسؤولين.
وأضاف العكَيلي قائلا: "القضية لا تتعلق الآن بصرف الراتب بعد قرار رئيس الوزراء الجديد بصرفه، وإنما بالضرر الكبير الذي وقع علينا عند التأخير. نحن ملتزمون بمتعلقات معيشية تتطلب التسديد، وفينا من يعاني من مشاكل صحية وتفاصيل أخرى لا يحس بها المسؤول لأنه يعيش في بذخ لم يكن يحلم فيه"، منوها إلى أن "هذه الأزمة أوضحت تماما غياب العدالة بين المواطنين، فهناك من يتضرر لو تأخر راتبه يوما، وهناك من لا يهتم لأنه ينال الكثير، علما أن المفارقة المضحكة في الموضوع، أن من يخدم الدولة لسنوات طويلة، هو الذي يكون الضحية، وهو من يرهن مصيره وقوته اليومي بيد من لم يخدموا الدولة بنفس القدر، أو من لم يخدموها أصلا".

توقيت سيء ومحرج

من جانبه، أفاد المتقاعد، سعد صلاح الدين، بأن التوقيت الذي رافق التأخر بصرف الرواتب، مرعب ولم يجعلنا نعرف كيف نتصرف.
وذكر صلاح الدين لـ"طريق الشعب"، أن "بعض المتظاهرين كانوا يتمنون ان يخرجوا في تظاهرة بسبب الضائقة المالية العسيرة التي حصلت نتيجة التأخير، ولكن الجائحة والخوف من الوباء والالتزام بقرار منع التجمعات جعلنا في حيرة من أمرنا، لأننا كنا قلقين من عدم قدرة هذه الحكومة على الايفاء بالتزاماتها المالية، وبنفس الوقت نحن من جانبنا غير قادرين على الصمود أكثر"، واصفا التجربة الحالية بـ"المريرة اقتصاديا واجتماعيا، والبائسة بما يتعلق بالحكومة التي لم تقدر على أن تقوم بأبسط واجباتها".
*************
ص3
في ظل كورونا
المتسولون.. من يلتفت إليهم!؟
بغداد – نورس حسن وماجد مصطفى عثمان
بعد انتشار وباء كورونا واجراءات حظر التجوال الوقائي، غاب معظم المتسولين عن شوارع بغداد، وانتقل اغلبهم الى التجوال في ازقة المدن الكبيرة والصغيرة بحثاً عن لقمة العيش.
وألقت اجراءات مكافحة وباء كورونا بثقلها على الكثير من شرائح المجتمع، كالكادحين والفقراء والذين يعيشون تحت خط الفقر، ومنهم المتسولون الذين يعانون صعوبة العيش لأسباب مختلفة، ولا نتحدث هنا عن اولئك الذين يشكلون عصابات للتسول والاحتيال.
وتذكر مراسلة "طريق الشعب" ان منطقة الزعفرانية تشهد هذه الايام انتشارا كبيرا للمتسولين المتجولين، من طارقي الابواب للسؤال عن مساعدة مالية او طعام زائد عن الحاجة، مشيرة إلى أن أغلبية هؤلاء من النساء والاطفال.
وتؤكد ان هذه الظاهرة كانت موجودة قبل حظر التجوال، لكنها ليست بهذا الشكل الملفت الذي أصبحت عليه اليوم، متابعة قولها أن "منطقة الزعفرانية تضم اعدادا ليست قليلة من العائلات التي تسكن العشوائيات او التي تتخذ من البنايات المهدمة في معسكر الرشيد سكناً لها. وهذه كانت تتخذ من الشوارع العامة وتقاطعات الطرق اماكن لبيع السكائر والمناديل الورقية وغير ذلك من المواد البسيطة".
وتلفت مراسلة الجريدة إلى ان حملات توزيع السلات الغذائية التي شهدتها المنطقة، لم تسد حاجة الفقراء والمعوزين، في وقت يغيب فيه الدعم الحكومي لهؤلاء.
مراسل "طريق الشعب" التقى من جانبه الشاب قيصر عبد الله (15 عاما)، الذي قال انه اضطر إلى اللجوء لهذه المهنة المخجلة (التسول)، كونه لم يجد وسيلة أخرى يعتاش منها، مشيرا إلى انه لغرض التمويه، يقوم في بعض الأحيان بحمل علب العلكة والمناديل وغيرها في الشوارع العامة والتقاطعات، كي يظهر بهيئة بائع متجول.
ويضيف قائلا: "كنت احصل يوميا على مبلغ مالي جيد، لكن خلال فترة حظر التجوال اضطررت إلى الجلوس في البيت، وأصبحت بلا مردود مالي. علما اني اتكفل بمعيشة عائلتي المؤلفة من خمسة أفراد، بعد وفاة والدي في حادث سير، وفي ظل عدم وجود راتب تقاعدي نعتاش منه".
فيما ذكرت المواطنة أم عبود أنها بدأت العمل في مهنة التسول منذ سنوات، وذلك بعد استشهاد زوجها في حادث إرهابي، مشيرة إلى انها تتكفل بمعيشة أطفالها الأربعة، وتسكن في غرفة في أحد الفنادق المتهالكة بمنطقة البتاويين، كون بدل إيجارها رخيصا.
وتضيف أم عبود قائلة: "قبل الأزمة كنت احصل يوميا على مبلغ يتراوح بين ٢٠ و٢٥ ألف دينار، إلا انني اليوم، وبسبب قرار الحظر الصحي، صرت في حيرة من أمري، كوني لا استطيع الحصول على المال الذي يوفر قوت أطفالي، في وقت أصبحنا فيه مهددين بالسكن في الشارع، لعدم استطاعتنا دفع بدل إيجار الغرفة".
أما المواطنة أم كاظم، فتتحدث إلى "طريق الشعب" قائلة: "دفعتني حالة العوز والحرمان الى طريق التسول المذل. فقد عشت بعد وفاة زوجي، وضعا اقتصاديا ومعيشيا قاهرا، خاصة اني أصبحت بلا معيل وليس لدي أي راتب"، مبينة أنها تسكن مع أطفالها الثلاثة في غرفة تقع في هيكل عمارة مهمل بمنطقة الشعلة، وانها تتسول في منطقة الشورجة، حيث تجلس عند الشارع العام مع أطفالها، وتستجدي المال من المارة.
وتلفت أم كاظم إلى انها توجهت إلى التسول بعد عجزها عن الحصول على فرصة عمل، كعاملة خدمة في المنازل، وحتى في غسيل الملابس أو جمع العلب المعدنية، مضيفة قولها: "انا مستعدة لترك هذه المهنة غير المقبولة اجتماعيا، في حال حصلت على راتب من الحكومة يسد رمق أطفالي".
وتؤكد أم كاظم انها حاليا لا تستطيع الحصول على المال بسبب إجراءات الحظر الوقائي، الأمر الذي يجعلها هي وأطفالها بدون طعام لأيام عدة، منتظرين مساعدات غذائية تقدمها لهم بعض العائلات والوجوه الخيرة بين حين وآخر.
الجدير بالذكر ان ظاهرة التسول انتشرت أخيرا بشكل ملحوظ في المدن العراقية، وبالاخص في بغداد. فلا يكاد يخلو شارع مزدحم من المتسولين العراقيين وحتى من الاجانب (هنود وبنغلادش)، لدرجة اصبح من الصعوبة السيطرة على هذه الظاهرة، في ظل غياب الإجراءات الجادة لإنعاش الاقتصاد الوطني وإقرار قوانين الضمان الاجتماعي.
***********
منظمة دولية: لكورونا تأثير كبير على المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العراق
بغداد – طريق الشعب
أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في العراق، يوم أمس، عن انخفاض شديد في معدّلات إنتاج ومبيعات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العراق بسبب وباء كورونا.
وذكر تقرير للمنظمة ورد لـ"طريق الشعب"، أنه "في 13 أيار 2020، تم الإبلاغ عن 3,032 حالة إصابة مؤكدة بمرض كورونا (كوفيد-19) وعن 115 حالة وفاة في العراق"، موضحا أن "التدابير التي اتخذتها الحكومة العراقية أدت إلى الحدّ من انتشار الوباء (بما في ذلك فرض حظر التجوال وإغلاق المدارس ومنع المسافرين من دخول البلاد والتنقل بين المحافظات) و إلى تقليص ساعات العمل أو إغلاق العديد من المشاريع الصغيرة".
وتابعت "رغم أّنّ الحكومة شرعت في تخفيف تلك القيود والتدابير في مناطق معينة، إلاّ من المتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي للوباء شديداً".
وأشار التقرير إلى أن "المنظمة الدولية للهجرة في العراق أجرت دراسة استقصائية تستهدف تحليل تأثير الوباء على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وركزّت الدراسة على المناطق الحضرية والمحافظات ذات معدلات النزوح والعودة العالية".
ولفت التقرير إلى أن طفريق المنظمة الدولية للهجرة اتصل بأصحاب 456 مشروعا صغيرا ومتوسطا، من بين المجالات التي ينشط فيها صندوق تطوير المشاريع EDF"، مبينا أن " الدراسة أظهرت انحفاض الإنتاج بنسبة 52٪ خلال الشهر الماضي بين المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي شملتها الدراسة، مما سيؤدي إلى خسارة صافية في الإيرادات، تقدّر بنسبة 27٪ إذا استمرت تلك القيود حتى شهر حزيران 2020".
كما تأثرّت المبيعات في الشهر الماضي وفقا للتقرير بـ"شدّة بالنسبة للمشاريع التجارية الواقعة ضمن القطاعات الأربعة المُدرجة في الدراسة : البناء والصناعة؛ الغذاء والزراعة؛ الخدمات؛ البيع بالجملة والمفرد؛ إذ أشارت التقديرات إلى انخفاض المبيعات بنسبة 71 ٪ ".
ويرى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أنّ "الدعم المالي (62٪) ورفع حظر التجوال (16) هي أهم ما يحتاجونه من إجراءات لمساعدتهم على البقاء مع استمرار القيود المفروضة على الحركة".
كما أثرّ الوباء بـ"شدّة على قدرة المشاريع على الاحتفاظ بقواها العاملة. إذ قام أصحاب الأعمال والمشاريع بتخفيض العاملين بأجر لديهم بنسبة 40٪ كمعّدل، وخفض الرواتب والأجور بنسبة 36٪. وفضلاً عن الرواتب والأجور، تعتبر تكاليف الأجرة والكهرباء هي التكاليف المستمرة الأكثر شيوعاً في الأعمال ضمن جميع القطاعات".
ونقل التقرير عن رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق جيرارد وايت، قوله ، إنّ "عمل المنظمة الدولية للهجرة والمجتمع الدولي لدعم الانتعاش الاقتصادي وخلق فرص العمل في العراق له أهمية حاسمة الآن، وبينما لا تزال احتياجات الانتعاش من الصراع مرتفعة، فقد تسبب وباء كورونا (كوفيد -19) في تفاقم نقاط الضعف، وزاد من التحديات التي يواجهها أصحاب الأعمال والمشاريع العراقيون".
وأضاف أن "من شأن هذا التقييم أن يكون الأساس لمشاركة المنظمة الدولية للهجرة المستمرة والواسعة في هذا القطاع ، كجزء من جهودها الرامية لدعم المهاجرين والنازحين والمجتمعات المضيفة وغيرهم من السكان المعرضين للخطر.
***********
هيومن رايتس في رسالة إلى الكاظمي:
يجب تحديد مكان وجود المتظاهرين الذين اختطفوا وما زالوا مفقودين
بغداد – طريق الشعب
قالت "هيومن رايتس ووتش"، أمس الخميس، إن على الحكومة والبرلمان العراقيين تمرير قانون لمعالجة أوجه القصور الرئيسية في حقوق الإنسان في النظام القانوني العراقي واتخاذ إجراءات لتقليل المخاطر التي يشكلها كورونا على الأشخاص في السجن، فيما أشارت الى ضرورة إكمال التحقيق بأحداث التظاهرات الأخيرة، والكشف عن مصير المختطفين من المتظاهرين.
وحددت هيومن رايتس، بحسب التقرير الصادر عنها يوم أمس، أربعة مجالات رئيسية للنهوض بحقوق الإنسان في العراق، مبينة أن "الحكومات والبرلمانات السابقة قامت بصياغة ومراجعة المقترحات التشريعية حولها، لكنها لم تقرها". وأشارت الى أن "هناك العديد من المجالات التي تحتاج إلى إصلاح تشريعي لجعل القانون العراقي يتماشى مع المعايير الدولية، لكن مشاريع القوانين المعروضة بالفعل تتناول التمثيل القانوني والتعذيب والاختفاء القسري والعنف المنزلي". وقال بلقيس ويلي، باحث أول في الأزمات والصراعات في هيومن رايتس ووتش: "لقد دخل العراق مرحلة جديدة، مع انتهاء القتال ضد تنظيم داعش.. يجب على الحكومة أن تغتنم هذه الفرصة للتركيز على حماية الحقوق الأساسية للعراقيين وجعل القوانين العراقية تتماشى مع المعايير الدولية".
وأشارت المنظمة، إلى أنها "في 14 أيار 2020، أرسلت بريداً إلكترونياً للحكومة الجديدة لحثها على اتخاذ خطوات لزيادة خفض عدد الناس من السجون والسجون، وغيرها من أماكن الاحتجاز في العراق لمنع انتشار كورونا".
وتابعت، أنها "وثقت، ولسنوات، الاكتظاظ الحاد في السجون العراقية في ظروف غير صحية للغاية".
وزادت، أن "تقارير إعلامية تزعم أن السلطات أفرجت عن 20 ألف سجين في نيسان كإجراء وقائي، لكنها لم تشارك أي معلومات علانية عن المعتقلين الذين تم اختيارهم للإفراج عنهم ومعايير اختيارهم".
وأشارت الى أنها "طالبت السلطات العراقية مراراً وتكراراً على مدى السنوات الأربع الماضية بمشاركة أو الإعلان عن العدد الإجمالي للأشخاص في السجون العراقية. حتى الآن، رفضت السلطات القيام بذلك، مما جعل من المستحيل تقييم ما إذا كانت الإفراج حتى الآن قد قللت بشكل كاف من الاكتظاظ الحاد لتمكين التمكن الاجتماعي".
وبحسب تقرير المنظمة، فإن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تعهد في 9 أيار الجاري، بأن "الحكومة ستحقق في مقتل أكثر من 600 متظاهر منذ تشرين الأول 2019. وكجزء من التحقيقات، يجب أن تحدد وتعلن عن الجماعات وقوات الأمن التي شاركت في عمليات القتل هذه أو نسقتها. محاسبة المسؤولين. وينبغي أن تعوض ضحايا جميع عمليات القتل غير المشروع".
وقالت إن "هناك حاجة إلى بذل الجهود لتحديد مكان المتظاهرين الذين اختطفوا وما زالوا مفقودين، مع المساءلة الكاملة".
***********
الاندبندنت البريطانية
عن "حظ العراقيين السيء"

متابعة "طريق الشعب"
كتب باتريك كوكبيرن في صحيفة "إندبندنت" مطلع الأسبوع مقالا تحدث فيه عن "حظ العراقيين السيئ" بسبب الأزمات التي تلاحقهم وكان آخرها الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
ووصف الكاتب أن يكون الضرر الذي تعاني منه البلاد بسبب النفط أكبر من الأضرار التي لحقت به من "داعش" وفيروس كورونا. عملياً يبدو أن أسعار النفط فعلا ستشكل أكبر أزمة تواجه العراق وهو ثاني أكبر مصدر للخام في منظمة "أوبك" بعد السعودية، وهو يعتمد على عائدات بيع النفط لتمويل ما يصل إلى 95 بالمئة من نفقات الحكومة.
وبناء على الضرر اللاحق بالبلد جراء هذه الأزمات، توقعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أن تتضاعف معدلات الفقر بالعراق إلى 40 في المئة من عدد السكان مقارنة بـ20% كانت مسجلة في السنوات الأخيرة.
وفي إحاطة لمجلس الأمن الدولي قالت "من المتوقع انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 9.7 في المئة في 2020، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى حوالي 40 في المئة في 2020، من المتوقع حدوث انخفاض في الفرص الاقتصادية".
وأرجعت هذه الأزمة الاقتصادية إلى أزمة النفط حيث انخفضت عائدات النفط الشهرية للعراق من 6 إلى 1.4 مليار دولار بين شباط ونيسان الماضيين".
وكان تقرير لوزارة التخطيط نشرته في فبراير الماضي كشف أن نسبة الفقر في البلاد وصلت في عام 2018 إلى 20 في المئة، مشيرة إلى تبابين النسب بين المحافظات، حيث تتجاوز النسبة حاجز الـ 50 في المئة في بعض المحافظات.
ورغم أن نسبة الفقر رجعت من 22 في المئة عام 2014، إلا الأرقام تظهر فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في الحد من هذه المشكلة التي تقلق العراقيين، حيث لم تنخفض النسبة على مستوى البلاد إلا بشكل طفيف جدا لا يتجاوز 2 في المئة خلال أربع سنوات، فيما لم تكن نسبتها تتجاوز الـ 15 في المئة في 2013.
ويعيش شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص تحت خط الفقر، في بلد يعاني من استشراء الفساد وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ما دفع المواطنين إلى الخروج في تظاهرات شعبية تطالب برحيل الطبقة السياسية ومحاسبة المسؤولين الفاسدين.
************
أما من نهاية لهذه المعاناة المريرة ؟
المواطن بين تردي الكهرباء وجشع اصحاب المولدات
بعقوبة – علي الورد
أصبحت مشكلة تردي الكهرباء الوطنية في العراق من المشكلات المزمنة العصية عن الحل. فالحكومات المتعاقبة لم تبادر إلى وضع حلول جذرية تنهي معاناة المواطن جراء الغياب شبه التام للكهرباء، خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة.
وبالرغم من قرارات الحكومة القاضية بتزويد اصحاب المولدات الاهلية بالوقود المجاني، الا ان مشكلة الكهرباء لا تزال قائمة، ولا يزال المواطن يدفع مقابل ذلك ثمنا كبيرا. فهو الخاسر الوحيد في المعادلة، بين تردي الكهرباء الوطنية وجشع أصحاب المولدات الذين يرفعون سعر الأمبير بين فترة وأخرى، حتى في أقسى الظروف.
مراسل "طريق الشعب" في محافظة ديالى، التقى عددا من المواطنين وسجل معاناتهم جراء تردي خدمة الكهرباء وجشع البعض من أصحاب المولدات.
يقول المواطن عبد الكريم جعفر: "اننا نعيش مأساة حقيقية مع بداية فصل الصيف من كل عام، وذلك بسبب تردي خدمتي الكهرباء والماء. إذ ان فترة تجهيز الكهرباء في اليوم الواحد، لا تتعدى الست ساعات، ما يضطرنا الى الاشتراك في المولدات الاهلية لسد حاجتنا للطاقة الكهربائية خلال ساعات الانقطاع"، مشيرا إلى أن "أصحاب المولدات الجشعين، يستغلون المواطن في مثل هذه الظروف، ويقومون برفع سعر الأمبير الواحد حتى 20 ألف دينار شهريا، رغم عدم التزامهم بساعات التشغيل المحددة. وأمام ذلك كله تواصل دوائر الكهرباء مطالبة المواطنين بتسديد الفواتير التي بذمتهم".
فيما يقول المواطن احمد عبد الله، ان اعتماد المواطن على المولدات الاهلية اثر بشكل كبير على دخله، خاصة مع تفاقم جشع الكثيرين من اصحاب تلك المولدات، الذين يرفعون سعر الأمبير ويقللون من ساعات التشغيل، مشيرا إلى أن "المولدات أضرت كثيرا بالبيئة والإنسان بسبب ما تخلفه من عوادم ملوثة للهواء، ناهيك عما تحدثه من ضوضاء".
المواطن رعد سليم، يشير من جانبه إلى ان "الحكومة، وبعد ان عجزت عن علاج مشكلة الكهرباء الوطنية، قامت بتسليم رقبة المواطن الى اصحاب المولدات الاهلية، الذين لم يراعوا حرمة او ذمة، وباتوا يستغلون المواطن ماليا ويفاقمون من معاناته".
اصحاب المولدات كان لهم قول آخر. حيث يذكر السيد رحمن عباس، وهو صاحب مولدة كبيرة، ان "حصة الوقود التي نتسلمها من قبل وزارة النفط شهريا، غير كافية لتشغيل المولدة مدة شهر واحد، ولهذا نلجأ الى شراء مزيد من الوقود من السوق السوداء، وبسعر 900 دينار للتر الواحد، الأمر الذي يضطرنا إلى رفع سعر الأمبير".
صاحب مولدة آخر يتفق مع قول السيد عباس، ويضيف أن المولدة تحتاج الى صيانة مستمرة، نظرا لطول ساعات تشغيلها في ظل ارتفاع درجات الحرارة، موضحا أن المولدة تتعرض إلى أعطال يتطلب تصليحها صرف اموال طائلة.
إلى ذلك يشير بعض المسؤولين الحكوميين المعنيين، إلى أن البعض من أصحاب المولدات لا يحملون قيم التعاون ولا يتحلون بثقافة مساعدة الناس، بقدر ما يحملون من ثقافة الاستغلال والتحايل حتى في أصعب الظروف.
ويضيف العديد من المسؤولين أن ضعف الرقابة الحكومية على أصحاب المولدات وعدم محاسبة المقصرين منهم، فسح المجال لهؤلاء لأن يستغلوا المواطن الفقير.
***************
ص4
من هموم الاسـتثمار في العراق
د. حسام آل زوين
حقـا لقد كان حلمـاَ للكثير من العراقيين ممن انهكتـه عـذابات الغربـة بالعـودة حبـاً وشـوقـاً لوطنهم وان يخـدمـوه على ما اكـتنزوا من الخبرات والكفاءات العلمية والعملية في مجالات اختصاصاتهم في بلـدان مهجـرهم وشـتاتهم لسنين، والمشاركة الفعالة في البناء والاعمار والاسـتثمار في بلـدهم، وذلك عن طريق استحصال عـقـود لمشاريع الاسـتثمار من هيئات الاسـتثمار في المحافظات او العمل فيها، الا ان الكثير من هذه الكفاءات للاسـف عادت خائبة محبطة الى شــتاتها وغـربتها بخفي حنين، وذلك لما لاقته من عـوائق وعـوارض وتجاهل واهمال ووعـود مهللـة كاذبة مـزيفـة من هنا وهناك، بل وتعـدى الامر الى محاربتهم والتضيق والتجـاوز او حتى الاعـتـداء عليـهم رغـم المجـازفة لخطـورة الوضـع الامني العـام وعـدم اسـتقراره، مما حـدى بالكفاءات اوالشـركات والحالمين بالعـراق الجـديد الى ترك مجالات العمل هـذه رغم اضاعتها الوقت والمال والخسـارة المعنـوية، بين انتظار صحة الصدور والبطاقة التموينية وانتظـار ختم المختـار، والانتظار الممل في شـبابيك دوائر الهجـرة والمهجـرين خصـوصا من لبى القرار رقم 441 لسنة 2008 لمجلس الوزراء، من العراقيات والعراقيين، (حول تسهيل عـودة الكفاءات العلمية من حملة الشهادات)، حيث غادر قسم من شـركات المقاولات الانشائية الاسـتثمارية الاجنبية غير مبالية من اضاعتها للامـوال المصـروفة سـواء في أعـداد التصاميم المعمارية او في استيراد المعـدات والاليـات والتهيئة الاولية للمشروعات المقترحـة، خوفا من خسارات لاحقـة، وبعد ذلك تركها للمواقـع واغـلاقها لسنين بسبب الكثير من العـوائق.
من التجارب والخبـرة الفعليـة مع هيئـات الاسـتثمار وبالتحـديد في المحافظـات الوسـطى والجنوبيـة ؛ بابل، النجف، كربلاء، البصـرة، وعلى امـتداد اكثر من 10 اعـوام مضت، حيث تسنى رغم المضايقات والصعوبات بالعمل مع بعـضها مـرورا بالهيئـة العامـة للاســتثمار في بغـداد الى باقي المحافظات والتي تـكاد ان تكـون متشابهة، رصد الكثير من المشاكل والاشـكاليات، الاساليب المتدنية، السلبيات والثغرات، الاخطاء والممارسات في عمـل واداء هـذه الهيئات، عن قـرب وبعـد، والذي انعكس سـلبا على مهمة تنفيـذ المشاريع لشـركات البناء والمقاولات المحلية والشـركات الاجنبية وفشل مهمتها وتعـطيل تنفيـذ مشـاريعها وتجاوزها الخطط التنفيـذية والمـدد الانجـازية.

أهلية هيئات الاستثمار

ومن التجـربة الواقعية فان الهيئة الوطنية للاسـتثمار في بغـداد وهيئات الاستثمار في باقي المحافظات هي هيئات غيرمـؤهلـة من حيث مكاتبها واقسامها وكوادرها الرئيسية المتخصصة، حيث ان عـدد المحامين والحقوقيين فيها اكثر من عـدد المهنـدسين الشباب الذين هم بعـدد اصابع اليـد ؛ والتي كان يجب ان تكون للهيئة في الاسـاس ؛ العـدد الكافي من المهندسين الاكـفاء من معماريين ومـدنيين مصممين وتنفيـذين واسـتشاريين ومسـاحين فنيين متابعين مشـرفين وذوي خبرة في تنفيذ المشاريع ووضع وتخطيط ورسـم البرامج التنفيـذية والاشـراف عليها، ودراسة سـيرة الشركات المتقدمة للاستثمار والتأكـد من خبرتها وامكانيتها وماهية مشاريعها والـجـدوى الاقتصادية لها بمهنية هندسية عاليـة واضحة بعيـدة عن التأثيرات والوساطات الحزبية من الجهات المؤثرة والمتنفذة في المحافظات والحكومة بحيث تكون المنافسة حرة مستقلة، فغالبية كـوادر هيئات الاسـتثمار في المحافظات من حديثي الخبرة والتأهيل والكفاءة ؛ والقسم الاخر مسلكين بعيدين كل البعد عن التصاميم المعمارية والانشائية الحديثة ومواصفات مـواد البناء وخصائصها ومتطلبات الدفاع المدني الحديثة وطرق واسـاليب التنفيـذ والاشـراف الهنـدسـي، ومنهم لم يمتهن اختصاصه الهندسي والخبرة الهندسـية قبل فترة تشكيل الهيئات، حيث تم تعينهم عن طريق المحاصصة الحزبية والطائفية، وانصب الاهتمام على الاستفادة من هذه المشاريع بطريقة الابتـزاز او التأخير في اصدار الكتب الرسمية للجهات المعنية رغم بيروقراطيتها، واستشرت فيها الوساطة والمحسوبية والمنسوبية والنصب، وسماسرة المقاولين في بعض الاقسام، وبدأ اخطبوط الفساد حياكة خيوطه فيها، الامر الذي ادى الى عرقلـة المشاريع وتلكـئهى وتأخيـرها دون غيرها.

الروتين والبيروقراطية

يمضي مستثمر المشروع وممثله لساعات طويلة في انتظار طباعة كتاب رسمي الى الهيئات المحلية والوزارات ذات الشـأن والصله، بل تؤجـل لايام، وبالشـافعات وعند صدوره وارساله ووصوله الى هذه الـدوائـر والجهات المعنية، تطلب الاخيرة ارسال صحة صدور لهذا الكتاب، لينام لاسـابيع في دواليب ومكاتب الموظفـين، وعند المراجعة تؤجل للاسـبوع القادم وبنهايتة قـد حلـت اجازة الموظف السنوية فتراكمت على مكتبه مئات المعاملات التي ليس لها اول ولا اخر ولا وارد او صادر، يصيبك الملل والتعب لطول الانتظار، واذا صادفت مناسبة ما (شـهر محـرم)، تغلق الشوارع، والمراجعة الى ما بعد انتهاء المراسيم، وفِي المحصلة لا يرى الكتاب النور، ولا موافـقـة لاعمـال البناء ودخـول المـواد من الضابط المـأمـور. ترجع يائسا لاعنا تلك اللحظة التي سافرت فيها من المهجر الى هذا العـذاب. بعـدها يـزورك شـخص ما (طارش) ويحل ضيفا في المشروع مرسـل من قبل سـماحة الســيد للمساعدة لحل الاشـكال مقـدما عرضه لاتعـابه بالعملة الخـضراء متناسـبا مع حجم الشركة المنفـذة ومـوطنها.
تمر الايـام، ولم تزل المشـاريع أسـيرة تـراوح في الاجـراءات التحضيرية لها واحتياجاتها من موافقات عـديـدة ؛ هيئات الكهرباء والماء والاتصالات ومديرية البلديات والمجاري (والتي لا تمتلك الخرائط لخطوطها منذ عـهـود) وذلك لتصريف المياة الارضية للمشروع، وغيرها من دوائر البنية التحتية، حيث ان توفير الكهرباء والماء هـو الاساس بالنسبة لاي مشروع استثماري لتشغيل معداته وآلياته وتشغيله فيما بعد، وبما ان هيئـة الكهرباء في المحافظـة عاجـزة عن توفير الكهرباء، وان توفـرت فهي بالاسـاس شحيحة ومتقطعة لساعات طويلة وهي من الازمات التي لازال يعاني منها البلـد الى الوقت الحاضر، مما تضع المستثمر في مـأزق وحيرة، تضطره للمناشدات لهذه الهيئات غير المهتمة لـتـزويده، وتضطره للبحث عن طرق اخرى وصرف مبالغ اضافية كشراء المولـدات من الخارج، وتتطلب توفـير الوقـود لتشغيلها، ليس عن طريق هيئات توزيع الوقـود والغاز بل يضطـر عن طريق سماسرة النفـط والغـاز ومجهـزيه المحليين (السوق السوداء)، وهنا تقف هيئة الاستثمارعاجـزة لا حول لها ولا قوة، الا بتزويد المستثمر بكتاب معنـون الى هيئات توزيع النفط والغاز في المحافظة لا يغني من جـوع ويضيع الامر بشتى الاعـذار، وبعدها يتأتى مسلسل المـوافـقـات الامنية ؛ لدخـول النفـط لهذه المولـدات ولدخول مـواد البنـاء ولحركـة الاليـات لنقل الحفـريات واعـادتها للردم فيما بعـد (وكل مسؤول يرمي المهمة عن تقـديم المساعـدة للمستثمر على صلاحيات هيئة اخرى)، وان قدمت المساعدة في تسهيل المهمة فقـد امليت على الشـركة المنفـذة الاستثمارية شـروط الدفع، والا فلتـذهـب الى الجحيم.

تعدد مصادر القرار

التراجـيديـا تسبق البـدء باعمال الحفريات والتسوية بفتـرة طويلة تمتد لاشهر، والمكائن المركـونة يتخللهـا الصـدأ ؛ الا وهي تحـديد ابعـاد المشروع ومساحته وارتفاعـاته، وماهية الجهة المخولة في تحديد تلك المـوافقـات والتصديق عليها، أهي ؛ هيئة الاسـتثمار في المحافظـة، المحافـظ ام نـوابه ام مجلس المحافظة، دائرة الاراضي، دائـرة العقـاري، أيجـار الاراضي والضريبـة، دائـرة المنازعات والورثـة والملكـية، دائرة المساحة والطـرق في البلـدية، دائرة التخطيط العمراني، الـدفـاع المدني، ناهيك بان كل هذه الدوائر لا تمتلك اجهزة ومعـدات المساحة الدقيقة ولا الكادرالمؤهـل لحسـم متطلبات هذه المشاريع الاسـتثمارية، ولم يجر حسم كل المشاكل المتعلقة بقطع الاراضي والجهة المستملكة، حيث كل مـدراء هذه الدوائر والمديريات قـد لوحوا مقـدما بفـواتيرهم الا مانـدر. لقـد كان على هيئة الاستثمار في كل محافظة ان تحسم كل القضايا العالقـة والمتعلقة باراضي المشاريع الاستثمارية وتهيئتها خاليـة من كل المشـاكل قبـل البـدء والتعـاقـد مع الجهات والشـركات الاســتثمارية خاصة الاجنبية وتسهيل الامـور للمستثمر الاجنبي وحمايته، لذا فان الفساد والبيروقراطية والتخلف المستشري قـد دب في ادارة هيئاتها، حيث وجود ادارة اقتصـادية داخل الهيئة الواحـدة تابعة لجهات متنفـذة، ناهيك عن تبعية المديـريات والهيئات للكتل السياسية المتحكمة بالسلطة والقرار والتي تتعـارض مع قانون الاسـتثمار الصادر سنة 2006 وما يتضمنه من ثغرات في لوائحه المصاغـة والمتغيرة، حيث ان من اهم العوامل المشجعة للمسـتثمر الاجنبي هو الاستقرار القانوني للاسـتثمار.

معرقلات الاستيراد

وبصـدد عملية استيراد مواد ومعـدات البناء وخصوصا الحديثة المستخدمة في الشركات العالمية والتى تتطلبها المشاريع وغير المتوفـرة او لم تستعمل داخل العراق، تتعـرض للمماطلة والابتزاز اوللسـرقة، وذلك لعدم ادراك اهمية استخدام هذه المواد من الهيئة ومنها المواد التكميلية للبناء وعرقلتها او لفسـاد دوائر الكمارك والمنافذ الحـدودية والتى هي الاخرى تابعة للاحزاب ناهيك عن التلكوء في تهيئة الكتب والمناشدات الرسمية من قبل الهيئة العامة للاستثمار في بغداد بما يتعلق بالاعفاء الكمركي حيث تفقد في دواليب موظفيها، وتصل متأخرة الى المنفذ الحدودي، تتبعها مسرحية التخليص من الكمارك وشحنها الى المشاريع وامكانية تعرضها للتلف وللنهب في الطـريق حتى وصولها بعد حين.

التساهل مع الغش

اما عند استعمال مـواد البناء المحلية الاساسية مثل الخرسانة او الاسمنت وغيرها من خلال المجهزين والمقاولين المحلين والذين في اغلبهم ليسـوا من ذوي الاختصاص، لايعيرون اهمية في تقديم المواصفات لهذه المواد ولا يعلمون خصائصها او مكان المنشأ والانتاج والمعايير والاوزان، فيبدأ المجهـز بالغش وتغير المعاير المتفق عليها، وان جرى تغيره، يسبب للمشروع مشاكل تصل لحـد التـجـاوز او الاعتـداء. حيث لم يكن المجهز والمتعاقـد المحلي بمستوى التجهيز لهكذا مشاريع استثمارية كبيرة لا بالمـواد ولا بحداثة الاليـات. وما يتعلق بالعقـود المحلية لمقاولي الباطن وتشغيل العمالة المحلية فتنهال على المشروع اوالشركة المنفـذة عـدة عراقيل منها تدخلات ممثلي اتحاد المقاولين في المحافظة بفرض شـروطهم التعجيـزية بل يتعـداه الى محاربة الشركة الاستثمارية بشتى الأساليب وقد تصل الى التهـديد والعشائرية ودفـع (الجـزية والـدية)، وعـدم تقـديم التسـهيلات لهذا المشروع دون غـيره لارتباطهم وعلاقتهم مع الدوائر المختصة في المحافظة، كـدائـرة تشغيل العمـال والضريبة والشـؤون الاجتماعية وحتى الامنية.

العمالة الماهرة

من العوائق الاخرى التي تجابه تنفيذ المشاريع الاستثمارية ما يتطلب استخدام مختلف معدات البناء والاليات والمكائن لغرض التقليل من المدد الانجازية، والتي يتطلب تشغيلها الى مشغلين فنيين وعمالة ماهرة من الخارج، وهنا تبرز العراقيل والصعوبات في استحصال تاشيرة السـفر والدخول واجراءات الاقامة والسـكن لهذه العمالة، حيث مرة اخرى تتجـدد التداخلات والموافقات من الجهات المخولة والمسيطرة، من الداخلية والامنية الى وزارة الخارجية ثم وزارة العمل وشؤون العمال واتحادات المقاولين وكل حسبما يـرتـأيه ويـرتضيه وشروطه المحاصصية.

عدم كفاءة المصارف

وفيما يتعلق بجانب البنوك والمصارف الاستثمارية وتوفير الامـوال والتحويلات المالية، فان اغلب المصارف المحلية والاستثمارية قليلة في بعض المحافظات، وان وجدت فهي قليلة الخبرة وتـدار باسلوب بـدائي فاشـل (ما عـدا محافظة بغـداد بعض الشيئ). حيث لم تستحصل التحويلات المالية في اوقاتها المحـددة، مما يؤثـرعلى دفع الاسـتحقاقات والاجور للعمالة والموظفين وتكلفة مـواد البناء والتجهيزات والمستحقات الاخرى، ناهيك عن اهمية تقـديم الدعم والتمـويل من هـذه المصارف الاسـتثمارية للمستثمر والمشاريع الاستثمارية والمتعارف عليها في بقية البلـدان التى شجعت الاستثمار وجذبت المستثمر ودعمته وسهلت مشـاريعه.
ان جميع العـوائق والمشاكل التعجيزية والصعوبات التى صاحبت المشاريع الاستثمارية في البلـد أدت الى زيادة الكلفـة في المشاريع الاستثمارية والتى تصل بنسبة 100% عن دراسة الجدوى الاقتصادية، وزيـادة الفترة الانجازية للمشروع الى اكثر من ثلاثة اضعاف الفترة الزمنية المقترحة مما جعل المشـاريع الاسـتثمارية غير مجـدية اقتصاديا. حيث لم تكن هيئة الاســتثمار العامـة وهيئاتهـا في المحافظات (بمثابة وزارة) وقانون الاستثمار مهيئة للعمل وجذب الشركات الاسـتثمارية الاجنية ورؤوس الاموال والاخـذ بتجـربة البلـدان التي نهضت بفضل ادارتها الحكيمة للاسـتثمار (بالاخص تجـربة الاستثمار في دول اسـيا
************
تحليل لسياسة الولايات المتحدة الامريكية
بقلم برونو غيغ *
ترجمة علي إبراهيم
هل وصلنا إلى اللحظة الفاصلة التي بدأ فيها الشكّ يساور القوة العظمى المتداعية؟ حيث قامت الصحافة الأميركية للتوّ بنشر ما قاله الرئيس السابق جيمي كارتر لدونالد ترامب خلال لقائهما الأخير.
كان ساكن البيت الأبيض قد دعا الرئيس السابق لكي يحدّثه عن الصين، وقد أورد جيمي كارتر محتوى اللقاء بشكلٍ علنيّ خلال جمعية عمومية معمدانية في جورجيا. إن ما قاله نفيس للغاية. فقد قال:
" أنت تخشى أن تسبقنا الصين، وأنا أتفق معك. لكن هل تعرف لماذا الصين في طريقها لتجاوزنا؟ لقد قمت أنا بتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع بكين سنة 1979. منذ ذلك التاريخ، هل تعلم كم عدد المرات التي خاضت فيها الصين الحرب ضد أيٍّ كان؟ ولا مرة. أما نحن، فقد بقينا في حالة حرب دائمة. الولايات المتحدة هي البلد الأكثر ولعاً بالحروب في تاريخ العالم، لأنها ترغب بفرض القيم الأميركية على البلدان الأخرى.
بينما تستثمر الصين مواردها في مشاريع مثل سكك الحديد للقطارات فائقة السرعة بدل تخصيصها للنفقات العسكرية. كم كيلو متر من السكك الحديدية للقطارات فائقة السرعة لدينا في بلدنا؟ لقد بدّدنا ثلاثة ألآف مليار دولار على النفقات العسكرية. أما الصين فلم تبدّد فلساً واحداً على الحروب، ولذلك هي تتفوّق علينا في جميع المجالات تقريباً. ولو أننا أنفقنا ثلاثة ألآف مليار دولار على البنية التحتية الأميركية، لكان لدينا سكك حديد للقطارات فائقة السرعة وجسور لا تنهار وطرق تتم صيانتها بشكلٍ صحيح. كما أن نظامنا التعليمي سوف يصبح جيداً مثل نظيره في كوريا الجنوبية أو هونغ كونغ".
إنه أمر ذو دلالةٍ كبيرة عن طبيعة السلطة في ذلك البلد أن لا يخطر هذا التفكير السليم أبداً في بال مسؤولٍ أميركي. إن العلاقة المرضية مع العنف المسلح موضع السؤال هو أمر صعب بالتأكيد لدولةٍ تبلغ نسبة نفقاتها العسكرية خمسة واربعون في المائة من الإنفاق العسكري العالمي ولديها سبعمائة وخمسة وعشرون قاعدة عسكرية في الخارج، ويتحكّم صانعو الأسلحة فيها بالدولة العميقة ويحددون السياسة الخارجية المسؤولة عن عشرين مليون قتيل منذ سنة 1945. في هذا الصدد يقول مارتن لوثر كينغ: "إن حرب فييتنام هي أحد أعراض المرض الذي يضرب الذهنية الأميركية التي تقوم على دعائم ثلاث هي العنصرية والمادية والعسكرة."
لكن هذه المسألة تمسّ المستقبل بشكلٍ خاص. هل حكم على الولايات المتحدة، بسبب خطأ قادتها، أن تعرف ذات المصير الذي عرفته تلك الإمبراطوريات التي بادت بسبب طموحاتها المنفلتة من كل عقال والتي اختنقت بالمعنى الحرفي بسبب الوزن الباهظ لنفقاتها العسكرية؟ في نهاية ولايته، سنة 1959، أدان الرئيس إيزنهاور بكلماتٍ نبوئية المجمع العسكري-الصناعي الذي وضع عبئاً ثقيلاً على المجتمع الأميركي. لم يكن إيزنهاور، مثله مثل دونالد ترامب أو باراك أوباما، مهتماً بمصير الشعوب الجائعة أو التي تعرضت للغزو وللقصف على يد العم سام باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنه مثل جيمي كارتر اليوم، استشعر بدون شك أن سباق التسلح سوف يكون السبب الرئيسي لسقوط الإمبراطورية.
لأن المحافظين الجدد وغيرهم من "محبي القنابل" في البنتاغون، منذ عدة عقودٍ من السنين، لم يقرنوا فقط الديمقراطية الليبيرالية بالمجازر الجماعية في فييتنام ولاوس وكمبوديا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، ناهيك عن أعمال القتل السرية التي أدارتها المخابرات الأميركية وفروعها، بدءاً من إبادة اليسار الإندونيسي (خمسمائة ألف قتيل) وصولاً إلى مآثر فرق الموت في غواتيمالا (مائتا ألف قتيل)، مروراً بحمامات الدم التي نفذت لحساب الإمبراطورية بواسطة مسعوري الجهاد العالمي. ولأن واضعي استراتيجية احتواء الشيوعية بواسطة قنابل النابالم، ومن بعدهم مجموعة من المتهورين لنشر الفوضى الخلاقة بواسطة الرعب المستورد، لم يشعلوا النار ويسيلوا الدماء في الكرة الأرضية فقط، بل إن مروجي الحروب هؤلاء، وهم دمىً متحركة في أيدي الدولة العميقة الأميركية، المقيمون في الكونغرس والبيت الأبيض ومراكز الأبحاث التابعة للمحافظين الجدد ، قد أغرقوا المجتمع الأميركي نفسه في حالة ركودٍ داخلي يختبئ خلف قناع الاستخدام المحموم لطباعة العملة. لأنه إذا كان الولع بالحروب هو التعبير عن تقهقر الولايات المتحدة، فإنه أيضاً السبب في ذلك التقهقر. إنه التعبير، حين تصبح العلامة الفارقة للسياسة الخارجية الأميركية، في سبيل وقف هذا التقهقر، هي التدخلات العسكرية الوحشية وعمليات التخريب الاقتصادي وعمليات الخداع. وهو السبب، حين يتسبّب التضخّم الجنوني في النفقات العسكرية بالتضحية بالنمو في بلدٍ يزداد فيه الأغنياء غنىً ويزداد فيه عدد الفقراء.
في الوقت الذي تستثمر فيه الصين في البنى التحتية المدنية، تتخلى الولايات المتحدة عن تلك البنى لمصلحة صناعة السلاح. تتفاخر واشنطن وتتحدّث بصخبٍ في الخارج، لكنها تترك البلاد تتفسّخ في الداخل. الناتج الإجمالي المحلي هائل بالنسبة إلى عدد السكان، لكن عشرين في المائة منهم يقبعون في الفقر، السجون مكتظة: يشكّل عدد السجناء الأميركيين خمسة وعشرين في المائة من عدد السجناء حول العالم، أربعون في المائة من السكان مصابون بداء السمنة. معدل أعمار الأميركيين (79.6 سنة) يأتي بعد معدل أعمار الكوبيين (80سنة). كيف يمكن لبلدٍ اشتراكي صغير، وخاضع للحصار، أن يكون أفضل من قوةٍ عظمى رأسمالية مكلّلة بالهيمنة الكونية؟ الجواب هو أننا يجب أن نصدق أن العناية الصحية لعامة الشعب في الولايات المتحدة ليست من أولويات النخب.
ربح دونالد ترامب، وهو منافس بارع، الانتخابات سنة 2016 بوعوده باستعادة عظمة الولايات المتحدة وبتعهّده باستعادة الوظائف التي ضاعت بسبب العولمة المنفلتة. لكن النتائج التي تحققت، وبسبب غياب الإصلاحات البنيوية، سكبت الماء البارد على شعوذاته الملتهبة. حيث ارتفع العجز التجاري الأميركي مع بقية العالم إلى رقمٍ قياسي تاريخي سنة 2018 ليبلغ ثمانمائة وواحد وتسعين مليار دولار وليتجاوز الرقم السابق عن سنة 2017 والذي بلغ سبعمائة وخمسة وتسعين مليار. فشل دونالد ترامب بشكلٍ كامل في تغيير الاتجاه، وتعتبر السنتان الأوليتان من عهده الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، من ناحية التجارة.
يلعب الاختلال في التوازن بالمبادلات مع الصين الدور الأكبر في هذا العجز الإجمالي. حيث بلغ في سنة 2018 ما مقداره اربعمائة وتسعة عشر مليار دولار وهو رقم قياسي تاريخي يتجاوز الحصيلة الكارثية لسنة 2017 والتي بلغت ثلاثمائة وخمسة وسبعون مليار. لقد فاقمت الحرب التجارية التي انخرط فيها ترامب العجز التجاري الأميركي، ففي الوقت الذي تواصل فيه المستوردات الأميركية من المنتجات الصينية بالازدياد (أكثر من سبعة في المائة)، قلّصت الصين وارداتها من الولايات المتحدة. أراد دونالد ترامب استعمال سلاح الرسوم الجمركية لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأميركي. لم يكن ذلك أمراً غير شرعي، لكنّه غير واقعي بالنسبة إلى بلدٍ ربط مصيره بالعولمة التي فرضتها الشركات الأميركية العابرة للقوميات.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن العجز التجاري مع أوروبا والمكسيك وكندا وروسيا قد تفاقم أيضاً، يمكننا قياس الصعوبات التي تضرب القوة العظمى المتداعية. لكن ذلك ليس كل شيء. إذ إنه بالإضافة إلى العجز التجاري، فقد تعمّق العجز في الميزانية الاتحادية (سبعمائة وتسعة وسبعون مليار دولار مقابل ستمائة وستة وستون مليار سنة 2017).
لقد ارتفعت النفقات العسكرية بشكلٍ مذهل. حيث أن ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2019 هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة وقد وصلت إلى ستمائة وستة وثمانون مليار دولار. بينما أنفقت الصين في السنة ذاتها مائة وخمسة وسبعون مليار، رغم أن عدد سكانها يبلغ أربعة أضعاف الولايات المتحدة.
وليس من المفاجئ أن تضرب الديون الاتحادية رقماً قياسياً بلغ اثنان وعشرون الفا ومائة وخمسة وسبعون مليار دولار. أما الديون الخاصة بالشركات والأفراد فهي تصيب المرء بالدوار إذ بلغت ثلاثة وسبعون ألف مليار دولار.
بالتأكيد، تستفيد الولايات المتحدة من وضعٍ خاص في الريوع. إذ لا يزال الدولار العملة الرئيسية في المبادلات الدولية وفي احتياطيات المصارف المركزية. لكن هذا الامتياز ليس أبدياً. حيث تستبدل كلّ من الصين وروسيا احتياطاتهما من الدولار بالسبائك الذهبية وباستعمال اليوان الصيني في جزءٍ متنامٍ من مبادلاتهما. إن الولايات المتحدة تعيش على القروض وعلى حساب بقية العالم، لكن إلى متى؟
بحسب الدراسة الأخيرة التي قام بها مكتب PwC للتدقيق (الدراسة بعنوان، "العالم سنة 2050: كيف سيتغير الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاثين المقبلة")، فإن "الدول الناشئة" (الصين، الهند، البرازيل، إندونيسيا، المكسيك، روسيا، تركيا) يمكن أن تشكل خمسين في المائة من الناتج الإجمالي العالمي سنة 2050، بينما ستنخفض حصّة السبعة الكبار (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان) إلى عشرين في المائة.
إن سقوط النسر بات وشيكاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب سويدي متخصص في السياسة، أستاذ فلسفة ومحاضر في العلاقات الدولية في التعليم العالي. ولد في مدينة تولوز سنة 1962. درس في المدرسة الوطنية العليا وفي المعهد الوطني للإدارة. له العديد من الكتب التي ترجمت إلى ثمان لغات. صدر كتابه الأخير "مقالات عن الإمبريالية" عن دار ديلغا للنشر في شهر كانون الثاني 2018.
**********
ص5
السودان .. صعوبات في وجه فترة الانتقال
الخرطوم - قرشي عوض
عام باكمله تسرب من عمر الفترة الانتقالية في السودان المقرر لها ثلاثة اعوام، والاوضاع تراوح مكانها، وكانما لم يحدث اي تغيير جدي في تركيبة السلطة. حيث لازالت الازمة الاقتصادية والمعيشية تمسك بخناق الجماهير الشعبية، والاجهزة الامنية والشرطية لا تتحمس للتعاون مع الحكومة الجديدة، وعناصر النظام القديم تتحكم في مفاصل الجهاز الاداري، ويوظفون الازمات التي تسببوا في خلقها وتعهدوها بالرعاية، للانقضاض على السلطة. وهذه تبدو مكبلة بعدة قيود، منها الوثيقة الدستورية التي تأسس عليها الوضع القائم، الى جانب محاولة خرقها المستمرة من قبل المكون العسكري، مما يخلق صعوبات جدية امام عملية الانتقال الى واقع يضع الاسس المطلوبة لوضع ديمقراطي.
خطوات تنظيم

العملية السياسية مابعد الثورة العظيمة بدأت بخطوات تنظيم عسكرية. وبدلاً من ان تعلن قوى الثورة نفسها حكومة للبلاد عقب سقوط النظام، اذا بها تنتظر حتى تقوم لجنة البشير الامنية باعلان نفسها مجلساً عسكرياً استولى على السلطة في انقلاب، ثم ذهبت اليهم قوى الحرية والتغيير، التحالف الذي قاد الثورة لتفاوضهم حول مستقبل الحكم. مما اضفى على العساكر شرعية غير مستحقة، جعلتهم شركاء في الحكم. تلك الوضعية باركها الاتحاد الافريقي وانظمة عالمية واقليمية، كانت ترعى عملية الهبوط الناعم قبل الثورة بايام، وهي عملية هدفت الى ايجاد مخرج للبشير بالمحافظة على طبيعة نظامه، مع توسيع قاعدته الاجتماعية والسياسية بجلب تكوينات سياسية معارضة، كانت قد انتظمت سلفاً في كيان ظهر باسم "نداء السودان" يضم احزابا شقت عصا الطاعة على تحالف المعارضة، المعروف باسم "قوى الاجماع الوطني". واعلنت استراتيجية جديدة في التعامل مع حكومة الانقاذ تقوم على الحوار، والبعض منها اعلن موافقته على المشاركة في انتخابات 2020، التي قطع الاعداد لها اشواطاً داخل اروقة الحزب الحاكم وقتها. وقد عارضت اقسام منه ترشيح البشير لدروة جديدة، بسبب تعارضها مع الدستور. لكن تم تعديل الدستور نفسه من اجل هذه الغاية، وعادت تلك العناصر وسحبت اعتراضها بعد ممارسة ضغوط عليها.
لكن الجماهير وضعت حداً لهذا العبث بالخروج الى الشوارع في عدة مدن يوم 19 كانون الاول 2019، فاضطرت تلك الاقسام من المعارضة الى الالتحاق بالثورة في ايامها الاخيرة، وهي تضمر التراجع عنها والتحالف مع النظام المباد متى ما سنحت الفرصة.
واتفقت قوى الحرية والتغيير على ان تطلب من العسكر تسليم السلطة تجاوباً مع ارادة الجماهير وقرار الاتحاد الافريقي، الذي اعطى المجلس العسكري مدة 3 اشهر يقوم بعدها بتسليم السلطة لحكومة مدنية. ولكن عند اللقاء مع العسكريين تم تغييب ممثل الحزب الشيوعي عن عمد، واتفق الحضور مع العساكر على الصيغة التي جعلت لهم اليد الطولى في مجريات الامور.
تم اعداد الوثيقة الدستورية التي سحبت كل ادوات السلطة ممثلة في الاجهزة الامنية والشرطية والقوات المسلحة من الحكومة التنفيذية المدنية، ووضعتها تحت اشراف المكون العسكري في مجلس السيادة. وقد اعترض الحزب الشيوعي في اول بيان له على هذا الوضع، كما اشار الى ان المكون العسكري لا يمثل الجيش، وان الضباط الممثلين للقوات المسلحة في المجلس يحتلون مواقع لا وجود لها في المؤسسة العسكرية، مثل مفتش عام الجيش ورئيس اللجنة السياسية، وهي مناصب اصطنعها البشير لاحكام سيطرته على تلك المؤسسة، ويجب ان يتم استبدالهم بممثلين لاقسام الجيش واسلحته المعروفة. ولكن هذا الاعتراض لم تتوقف عنده بقية ممثلي التحالف المعارض. ويبدو انهم كانوا على عجلة من امرهم تحت الضغوط الدولية والاقليمية، خاصة من قبل الاتحاد الافريقي الذي هندس ممثلوه كل هذه اللعبة، وباركتها دول عربية معروفة.
فخرجت للوجود سلطة مناصفة بين العسكريين والمدنيين شكلاً، ومن حيث المضمون هي سلطة عسكرية يتحكم فيها جنرالات الرئيس المخلوع. وكان من الطبيعي ان تحافظ على تمكين عناصر الانقاذ، خاصة في الولايات التي يسيطر عليها حكام عسكريين.

البحث عن حاضنة سياسية

لكن المكون العسكري الذي يتولى رئاسة الفترة الاولى في مجلس السيادة، شرع منذ البداية في خرق الوثيقة الدستورية على علاتها. وتغوّل على سلطات مجلس الوزراء، واستولى بوضع اليد على ملف السلام واخذ يتفاوض مع الحركات المسلحة، تحت رعاية عاصمة دولة جنوب السودان وبتمويل من الاتحاد الافريقي. فالوثيقة الدستورية قد حددت مفوضية للسلام تحت الاشراف الكامل لمجلس الوزراء. وبدلاً عنها شكل مجلس السيادة المجلس الاعلى للسلام، برئاسة السيد محمد حمدان حميدتي قائد مليشيا الدعم السريع، الذي نصب نفسه نائبا لرئيس مجلس السيادة، وهو منصب لم تنص عليه الوثيقة الدستورية.
وقبلت الحركات المسلحة هذا الوضع الغريب رغم المرارات التي بينها وبين قائد هذه القوى، التي ارتكبت فظائع في اقليم دارفور والاقاليم المشتعلة الاخرى. و بدلاً عن الحوار بين شركاء الثورة من حكومة ومكونات مسلحة عارضت النظام كلها واسقطته، حول كيفية دفع استحقاقات السلام وازالة الاوضاع التنموية الشائهة التي قادت الى الحرب، شرعت الحركات المسلحة في مفاوضات سلام تمت على نسق المفاوضات التي جرت مع النظام السابق، بما فيها من محاصصات واقتسام للسلطة والثروة، مع ان طرفي التفاوض يفترض فيهم انهم شركاء في التغيير. من جانبها تعتقد الحركات المسلحة ان قوى الحرية والتغيير، التي هم مشاركون فيها من خلال تمثيلهم في احد مكوناتها وهو "نداء السودان"، قد استولت على السلطة دون وضع اعتبار لها، من خلال تكوين مجلسي السيادة والوزراء. مع ان هذا وضع يمكن اصلاحه من غير الدخول في مفاوضات، بتوسيع مواعين السلطة الانتقالية باتفاق الطرفين. ولكن يبدو انها قد وجدت وضعا افضل في ظل رعاية العساكر. اما المكون العسكري المبغوض من قوى الثورة في الداخل، لاسباب اهمها انهم كانوا الاداة التي اعتمد عليها النظام في قمع المظاهرات، وكذلك الشبهات التي لا زالت تحوم حول البعض منهم في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي تمت بوحشية غير مسبوقة، فانهم يبحثون عن حاضنة سياسية توفر الدعم لانفرادهم بالسلطة. فحدث هذا التوافق العجيب بين طرفين يفترض انهما على طرفي نقيض، اذا كانت هناك جدية في ما هو مطروح من شعارات سياسية، مشت بها الركبان حول التهميش والابادة الجماعية وجرائم الحرب وضرورة عودة النازحين الى قراهم الاصلية، ولكن يبدو ان لكل مقامٍ مقال.

عقد اذعان

تعاملت السلطة المدنية مع الوثيقة الدستورية كعقد اذعان، شروطه غير المعلنة هي الملزمة. ودافعت قيادات من الحرية والتغيير عن هذا الوضع غير المقبول في وجه الانتقادات التي وجهها الحزب الشيوعي، مدعية ان ذلك هو ما افضت اليه توازنات القوى وقت استلام السلطة. مع ان الوثيقة الدستورية تم التوقيع عليها عقب خروج جماهير المدن السودانية وكل الارياف في مسيرة مليونية، احتجاجًا على فض اعتصام القيادة العامة، ما يشير الى ان ميزان القوى كان راجحاً في مصلحة قوى الثورة، لا قيادات المجلس العسكري التي كانت تلاحقها تهمة ارتكاب المجزرة. فكان ان قبل مجلس الوزراء من غير اعلان وتعاملاً مع سياسة الامر الواقع، بخروقات العساكر للوثيقة الدستورية. وتخلى المجلس عن صلاحياته في ادارة ملف السلام للمجلس الاعلى للسلام برئاسة السيد حميدتي. ولكن تطاول امد التفاوض حتى استنفذ المدة الممنوحة له في الوثيقة الدستورية، وهي 6 اشهر، واكمل العام ولم تحسم تلك المفاوضات بعد.
وترتب على هذا التاخير عدم اكتمال مؤسسات الفترة الانتقالية مثل المجلس التشريعي لمراقبة اداء الحكومة، في ظل تجاوزات وزير المالية الذي يسعى الى اعادة نفس السياسات المالية القديمة، المتمثلة في تنفيذ وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين من رفع للدعم عن المحروقات والقمح. وهي سياسة رفضتها اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير. ولكن ملابسات عديدة اهمها انتقاد الصادق المهدي زعيم حزب الامة وأحد ابرز القيادات المساندة لعملية الهبوط الناعم ، لعمل تلك اللجنة، وتقديمه وثيقة جديدة لاصلاح اوضاع التحالف الحاكم وحديثه عن سقوط الاقتصاد الاشتراكي، توضح ان الجهات التي تقف ضد سياسات وزير المالية ومن خلفه مؤسسات التمويل الدولية، هي فقط حزبا الشيوعي والبعث. وهذا الوضع اربك المشهد السياسي، واظهر قوى التغيير بانها بصورة غير موحدة، وهذه حقيقة يحاول الكل اجتنابها خاصة بعد مناشدة الحزب الشيوعي لحزب السيد الصادق المهدي الذي جمد عضويته لمدة اسبوعين، وهدد بالانسحاب من التحالف اذا لم يستجاب لرويته، بمراجعة موقفه.
كما ان تعطيل قيام مؤسسات الفترة الانتقالية الى حين توقيع اتفاقية السلام، ساهم بشكل كبير في استمرار النظام القديم، خاصة في الولايات التي تخضع في ادارتها لحكام عسكريين موالين لنظام الانقاذ، مما يجعل عناصرهم متحكمة في كل مفاصل جهاز الدولة.
وتعطلت ايضاً حوكمة الدولة، المتمثلة في وضع المال العام والمؤسسات الاقتصادية تحت ولاية وزارة المالية. لان تلك الشركات في مجال الصادر والتعدين والطرق والجسور والقمح والدقيق وغيرها، تخضع للموسسات العسكرية. وقد ذكر اقتصاديون ان عائداتها كفيلة باخراج البلاد من محنتها الاقتصادية الحالية، واشاروا الى ان عائدات صادر الذهب وحدها تبلغ 6 مليارات دولار، في حين قال وزير المالية ومن قبله رئيس الوزراء، ان البلاد تحتاج الى 8 مليارات دولار لتعافي الاقتصاد، منها 2 مليار بشكل عاجل .
لكن وزير المالية والخبير الدولي سابقاً، استبدل هذه الاجراءات التي تتعامل بواقعية وتنطلق من مستوى تطور الاقتصاد السوداني، بسياسات رفع الدعم لتمويل الموازنة والصرف على الصحة والتعليم ، مما يعني ان حديث الحكومة عن مجانية الخدمات لا معنى لها، لان المواطن هو الذي يدفع التكلفة من خلال شراء الضروريات بالسعر التجاري.

النظرة (الاقتصادوية)

اعتمدت السلطة على مؤشرات اقتصادية في الموازنة، واستبعدت المؤشرات السياسية والاجتماعية المتعلقة بحماية الثورة نفسها، وفق اجراءات اقتصادية محددة. لكن تاثير هذه النظرة تمدد وشمل المعارضة نفسها، حتى في شقها اليساري من خلال التعبئة الجماهيرية. فقد سادت نظرة سماها (لينين) في كتابه (ما العمل) بالحالة النقابية الخبزية. وتعني مخاطبة الجماهير من خلال مطالبها الانية، دون الدخول معها في نقاش مستفيض، حول البعد السياسي لمجمل العملية الثورية وافاق تطورها. وذلك نتيجة اعتقاد راسخ داخل حركتنا اليسارية بان الجماهير لا تفهم غير احتياجاتها فقط. وهذا فهم فضلا عن كونه ينطوي على تعالي على الجماهير، فهو خاطئ وتكذبه ثورة ديسمبر نفسها، التي قامت ضد نظام مارس التضليل باسم الدين، ولكن الجماهير تجاوزت كل اكاذيبه واسقطته بشعارات سياسية وليست مطلبية نقابية ( حرية ، سلام وعدالة). والنتيجة هي اهدار فرصة تاريخية قد لا تكرر في القريب العاجل. فقد تميزت الثورة الاخيرة في السودان عن الثورات السابقة، خاصة اكتوبر 1964 وابريل 1985 بالتنظيم الجماهيري الواسع، ممثلاً في لجان المقاومة التي انتظمت المدن الكبرى والارياف السودانية، ربما للمرة الاولى في تاريخها. في حين لم يتجاوز التنظيم الجماهيري والمشاركة الشعبية بشكل منظم في الثورتين السابقتين، العاملين في قطاع الدولة كما في حالة اكتوبر 1964 التي قادتها جبهة الهيئات، وما هي الا نقابات ظل، كذلك التجمع النقابي في نيسان 1985، اما في هذه الثورة فالى جانب التحالف الحزبي وتجمع المهنيين ظهرت لجان المقاومة. لكن التفاوض حول تشكيل السلطة تجاوزها كما تجاوز تكوينات شعبية اخرى، مثل لجان الاراضي والمتأثرين من قيام السدود. لذلك تركت الثورة طبقة الخبراء الدوليين والافندية تساوم حولها بانحيازاتها الطبقية، التي تتقاطع مع النظام القديم، لتتفرغ لجان المقاومة الى ما يعتقد ساستنا انها لاتجيد غيره، وهو تنظيم وتوزيع الخبز والوقود وغاز الطبخ.
ان الحالة السودانية من انتظام للمقاومة الشعبية في حركة جماهيرية غنية المحتوى ومتعددة المنابر، كما اشار الى ذلك شعار مؤتمر الحزب الشيوعي السوداني الخامس، لا تشبهها في تاريخ الثورات الاجتماعية الا تجربة (السوفيتات)، التي اقتحمت مجال السياسة مباشرة، ولم تتركها للقيادات التي افرزتها ثورة 1905، والتي حين كثرت انحرافاتها كان الشعب الروسي كله مستعدا لاستلام السلطة بقيادة مجلس السوفييت الاعلى، المكون من لجان العمال والفلاحين في كل روسيا. لكن تلك معركة سياسية سبقتها معركة نظرية حسمها حزب (لينين) من خلال نقد الاتجاهات (الاقتصادوية الخبزية)، التي لا تثق بالجماهير، وتراها غير قادرة على الفهم بعيداً عن مطالبها الحياتية. وهذا ما غاب عن تجربتنا السودانية، فاصبحت طبقة الخبراء والكفاءات هي المتحكمة في مسار الثورة. وسوف تعرضها للانعطاف ذات اليمين في القريب العاجل، كما يتضح من الوثيقة التي دفع بها احد اكبر تكتلات اليمين، وهو حزب الامة الذي اطلق عليها اسم "العهد الجديد"، والتي تطالب باعتماد اقتصاد السوق الحر، وبالتفاهم مع حزب المؤتمر الوطني الذي ثارت عليه الجماهير، بعد ان يقوم بنقد ذاتي لتجربته السابقة في الحكم. وهذه الوثيقة ستخلق على اقل تقدير شرخاً في التحالف الحاكم لمصلحة قوى الردة.
*************
مقاومة الكترونية مدهشة لمناورات الحكومة
اليابان: توظيف أزمة الوباء لتحجيم استقلالية القضاء
رشيد غويلب
رئيس الوزراء اليميني شينزو آبي، الذي يقود البلاد منذ عام 2012 ، يتهمه خصومه منذ عدة سنوات ، بانه يدير البلاد وكأنها شركة يملكها، فهو يحيط نفسه بالأصدقاء والتابعين، ويسعى لتحقيق مصالحه الذاتية. وقد قام بتوسيع مكتبه ليصبح مركزًا للسلطة أكثر من سلفه يوشيهيكو نودا، ويده تصل إلى اعلى فئات البيروقراطية النافذة في ادارة الدولة. وهذا السلوك جعل رئيس الوزراء يواجه المزيد من الخصوم والفضائح، وهو يسعى حاليا الى تحجيم الإدعاء العام وتقييد استقلاليته.
المدعي العام الحالي ، نوبو إينادا ،كان نشطًا جدًا في محاسبة السياسيين على مخالفات يرتكبونها. وكان هؤلاء في الغالب ينتمون الى الحزب الليبرالي الحاكم، وعادة ما يتورطون بفضائح سياسية واقتصادية، ولهذا تصاعد الصراع بين رئيس السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.
ولم تنته بعد فضيحة العام الفائت بشأن مهرجان زهور الكرز، الذي اقامه رئيس الوزراء في تشرين الثاني لمتعة حاشيته، والذي تحمل دافعو الضرائب تكاليفه . ولحسن حظ آبي، فان النائب العام سيتقاعد في الصيف المقبل بعد عامين قضاهما في مهمته الاخيرة. ويقال إن رئيس الوزراء اختار أحد أتباعه المخلصين ، رئيس الادعاء في طوكيو ، هيرومو كوروكاوا ليحل محله.
وتتهم الصحف المعارضة رئيس الوزراء، بالتستر على مجموعة من الفضائح تورطت فيها شركات معروفة، وساسة معروفون ينتمون الى الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. ولكن خطة الرئيس تعاني من ثغرة، فالقانون الياباني يحيل الى التقاعد من يتولون النيابة العامة في سن 63، والبديل احتفل بعيد ميلاده الثالث والستين في شباط الفائت، مما دفع رئيس الوزراء، معتمدا على قانون خدمة الموظفين، الى تمديد خدمة صديقه في كانون الثاني الفائت ستة اشهر اخرى. وهو قرار اعتبره خصومه منتهكا للقانون، فالمدعي العام في مثل هذه الحالات لا ينطبق عليه قانون خدمة الموظفين.
ومطروح امام البرلمان حاليا اجراء مراجعة قانونية، تمكن مجلس الوزراء من رفع سن التقاعد للمدعي العام الى سن 65 عاما. وبالتالي يصبح قرار رئيس الوزراء الصادر في كانون الثاني شرعيا. بالاضافة الى ذلك من المتوقع ان تمنح المراجعة القانونية رئيس الوزراء ، بقدر ما يتعلق الأمر بالتعينات، حق التدخل في قرارات المدعي العام. ولكن المناورة السياسية لرئيس الوزراء لم تمر دون أن يلاحظها أحد.
ويواجه سكان اليابان مشكلة من تعامل رئيس الوزراء مع الأزمة. وقد حاول آبي ولمدة اسابيع تأجيل إعلان حالة الطوارئ، لأنه لم يكن يريد إلغاء دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو.
وعندما اصبح معروفا في الأسبوع الفائت، بأن رئيس الوزراء يريد توظيف ازمة الوباء لتحجيم استقلالية القضاء، تصاعد استياء السكان بسرعة على تويتر، وفي يومي التاسع والعاشر من ايار الحالي انتشر هاشتاك "أنا احتج على إصلاح قانون المدعي العام" وشارك في الحملة قرابة 5 ملايين مشترك، بينهم وجوه فنية معروفة.
وكانت سعة الاحتجاجات الالكترونية مفاجأة للعديد من الخبراء. ويبدو ان الاهتمام بالسياسة قد ارتفع بين السكان الذين يلزمون منازلهم. ويبقى أن نرى ما إذا كانت أزمة الوباء والحراك الحالي ستنهي مسيرة آبي السياسية؟ علما ان بعض ممثلي وسائل الإعلام اليابانية يشكون في انتهاء رئاسته للحكومة قبل موعدها في خريف 2021. وإذا لم تنخفض نسبة مؤيديه بشدة ، وهي تبلغ حاليًا قرابة 40 في المائة، فمن المحتمل أن يتمكن من البقاء في قمة السلطة حتى ذلك الحين.

اجراءات متأخرة

رغم انتشار وباء كورونا استمر رئيس الوزراء في تفضيل الاولويات الاقتصادية والمالية، على الأهتمام بالحدث الذي هز العالم وبتاثيراته العميقة والمباشرة، على الظروف المعيشية لعموم السكان والنظام الاجتماعي في البلاد. وجاء قرار الحكومة اعلان حالة الطوارئ متأخرا، اذ انتظر رئيس الوزراء حتى 16 نيسان الفائت، واعتبرت اكثرية السكان ان اجراءات الحكومة غير كافية ومتأخرة.
ومع ارتفاع عدد المصابين بالفايروس، طالب الحزب الشيوعي الياباني بمزيد من الاجراءات الوقائية والقيود على الحياة العامة والاقتصادية، كذلك تقديم الحكومة مساعدات انتقالية كتعويض عن الأجور المفقودة. وتعكس اجراءات وزارتي الاقتصاد والمالية النقيض لذلك، ومعروف ان آبي يخضع في النهاية لهذه الارادات. ولم تغير في الامر شيئا حزمة التحفيز التي اطلقها في 20 نيسان، والتي بلغت قيمتها الف مليار يورو. ولكن الكثير من ابواب الحزمة وزع بشكل تعسفي، ولا تشكل التخصيصات المباشرة والمطلوبة بشكل عاجل للأسر والشركات الصغيرة المتضررة سوى حيز صغير. في المقابلأظهر استطلاع نشرته صحيفة أساهي اليومية في 18 نيسان، أن 53 بالمائة من اليابانيين غير راضين عن أداء الحكومة خلال الأزمة.

تعميق سياسات الليبرالية الجديدة

ومنذ بداية الأزمة سعت الحكومة الى طرح قوانين لصالح الشركات الكبيرة، تتقاطع مع رغبة اكثرية المواطنين، وعملت على تمريرها في البرلمان، مثل محاولة تمديد حدود سن التقاعد الى 75 عاما،علما انه يمكن حاليا التقاعد في سن 60 – 70 عاما، مقابل نسب تقاعدية اعلى تستلم عندما يبلغ المتقاعد سن 86 عاما، دون ملاحظة معدلات الضريبة العالية. ومن المعروف ان معدل العمر في اليابان يبلغ بالنسبة للنساء 87 عاما، وللرجال 81 عاما. ومن هنا فان مسعى رئيس الوزراء واضح، وهو عدم دفع المزيد من الأموال لرعاية المسنين، وتحفيز كبار السن على العمل الى سن متأخرة، لتعويض النقص الحاصل في الايدي العاملة. وبالاضافة الى ذلك تجري مناقشة تعديل قانوني يرفع الحد الأدنى لسن التقاعد الى 70 عاما.
وتعمل الحكومة على تحجيم امكانيات العاملين في القطاع الزراعي، وفي هذا السياق مررت في 3 اذار مسودة إصلاح لقانون البذور في مجلس الوزراء. وبموجبه سيتم منع المزارعين من جمع وانتاج البذور، ويفرض عليهم شراء البذورسنويا. وهذا المشروع جزء من رفع الإجراءات الحمائية، وخصخصة سوق البذور. ويقف وراءه لوبي شركات البذور، بما في ذلك الشركات الامريكية. وسترتفع تكاليف البذور وتختفي الأصناف المتكيفة محليًا، فضلا عن ان مشروع القانون يتضمن عقوبات لغير المتلزمين من المزاعين، تصل الى السجن مدة عشر سنوات.
وبالطبع تعود حكومة اليمين الى مسعاها المحبب في تعديل الدستور، وفتح الباب على مصراعيه لعسكرة السياسة الخارجية. ولهذا اكد رئيس الوزراء، في السابع من نيسان، ان اعلان حالة الطوارئ تستدعي اضافة فقرة جديدة للدستور، من الضروري مناقشتها بعمق من قبل اللجنة الدستورية البرلمانية. لكن اللعبة لم تنطلِ على المعارضة، التي اكدت ان الظروف غير مناسبة لمناقشة تعديلات دستورية.
**************
ص6
وباء الكورونا يعزز افلاس الرأسمالية..
رمضان عيسى*
حينما ظهرت الكورونا في الصين أطل ذوو الأفكار والنفسيات الانتهازية، والتي تخفي وراءها النزعات العدائية للآخر بسبب الاختلاف في النهج الاقتصادي، أو السياسي، أو الديني، ووزعوا اتهاماتهم في كل اتجاه.
ولكن بعد أن تفشى الكورونا في العالم، واخترق الحدود السياسية وتأثر به كل سكان العالم، اتضح أنه لا مجال لتوزيع الاتهامات على الآخرين، ولا يوجد هناك من هو لديه حصانة من خطرها، بل ان الخطر عام ويستهدف حياة الانسان على هذه الأرض.
ان خطر الكورونا عام ، ولا يحترم الخصوصيات بشتى أشكالها الثقافية أو العاداتية، أو الجغرافية، أو الدينية، أو العرقية، أو القومية، أو الطبقية، ولا حتى الجنس أو اللون.
ان هجوم الكورونا قد كشف، بشكل عاصف، عجز الدول عن الوقوف لوحدها أمام نشاط هذا الفيروس المميت، وبانتشاره السريع كشف النقص الحاد في وسائل الدفاع عن النفس، سواء الدوائية أو الوقائية أو السلوكية أو العاداتية.
كما أظهرت الكورونا فشل كل المخزونات العسكرية بكافة أنواعها التقليدية، أو الحديثة، من قنابل نووية أو هيدروجينية، وصواريخ عابرة للقارات، اذ أثبتت فشلها في ايقاف هذا العدو غير المنظور، المختلف في وسائله وتأثيراته المميتة، والذي لا يعترف بالخصوصيات الدولية، ولا بموازين القوى.
كما أثبت الكورونا عجز مالكي المليارات المتكدسة والرساميل في البنوك، والمعادن الثمينة في إيجاد وسيلة لإيقاف تفشي هذا الفيروس.
الكورونا أثبت افلاس المؤسسات الصحية في النظام الرأسمالي على مستوى العالم وعدم قدرتها على التصدي لهذا الفيروس لأنها كانت مُدارة بهدف تحقيق الأرباح ، والنظر الى الأمراض وانتشارها باعتبارها فرصة لزيادة المكاسب ...
كما كشف الكورونا حجم الاستهتار بحياة الانسان، وظهور دعوات للمناعة المجتمعية بعد التخلص من كبار السن الذين يُثقلون كاهل ميزانية الدولة، والذين يتكدسون في الكثير من البلدان.
الكورونا كشف خواء الأنظمة العشائرية والديكتاتورية والفردية التي تتصرف في منتوج البلاد بوصفه ملكية خاصة لرفاهيتها ونزواتها، ومن جانب آخر لتكريس سلطتها ودعم أجهزتها الأمنية لإرهاب الشعب وتكميم الأفواه، ووأد الأصوات الداعية الى الحرية والعدالة في التوزيع بهدف إطالة عمرها الافتراضي في الحكم.
الكورونا أثبت إفلاس إدعاء دعاة الأديان أن الدعاء للغيب والصلوات والنذور والطقوس والقرابين لها قدرة على حل المشاكل الصحية للانسان وتعديل حياته للأحسن. كما أثبتت حجم وكذب الترويج للطب النبوي والتداوي بالأَحجية، والادعاء أن لها قدرة على إشفاء الانسان من الأمراض على اختلاف مُسبباتها.
كما أثبت الكورونا كذب الادعاءات الفردية وأصحاب الخصوصيات الدينية والمذهبية أو القومية، بأنها محصنة ضد الكورونا.
وهناك مظهر قد برز على سطح أحداث الكورونا وهو قدرة أنظمة الحكم ذات التوجه الاشتراكي على امتصاص الأزمة الصحية التي سببتها الكورونا بين مواطنيها في وقت قياسي، والانتقال الى مساعدة الدول الرأسمالية التي اقتربت من انهيار نظامها الصحي – مساعدتها – في الصمود بوجه هجمة الكورونا سواء بإمدادها بالمواد، أو الأدوات والخبرة في ادارة الأزمات الصحية. فقد بادرت دولة كوبا الاشتراكية والصين الى ارسال الطواقم الصحية المتخصصة الى ايطاليا بعد الوصول الى حافة انهيار المنظومة الصحية لديها.
وباء الكورونا دفع النظام الرأسمالي نحو أزمة عميقة. أسواق الأسهم تنهار، ويبدو أن الركود الاقتصادي أمر محتوم، وعدم كفاءة الطبقة الحاكمة وقادتها السياسيين الذين يتم فضحهم في كل مكان.
فبدلاً من اتخاذ إجراءات مركّزة على التفشي، نرى أن ميل الطبقة الحاكمة هو نحو حماية السوق الحر بشركاته وبنوكه، والإسراع من أجل حشد المؤن الطبية ومحاولة الحصول على حقوق ملكية للقاحات.
الحكومات البرجوازية حاولت أن تجبر الطبقة العاملة على العمل بالرغم من وجود هذه الحالة الطارئة، حيث تم منع التجمعات لكن ما زالوا يجبرون البعض على العمل وبدون أي معدات لحمايتهم.
لكن في بعض الأماكن جاء الرد من العمال، حيث رأينا عدة إضرابات في البلدان المتضررة مثل ايطاليا، مما أجبر رجال الأعمال على الخضوع.
والاستنتاج الذي لا مفر منه هو أن الكورونا أثبت بما لا يقبل الشك أن الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي قد استنفذت أغراضها زمنياً ، وهي تُصارع في الزمن للبقاء على قيد الحياة بعد أن انتهى عمرها الافتراضي لأنها تجعل من جني الأرباح وتضخيمها في يد الأفراد أو الشركات هدفها الأساسي، دون اعتبار للجموع الغفيرة من الطبقات العمالية وحاجاتها الحياتية، ولا مدى ونوعية الأخطار التي تتهدد حياة الانسان والانسانية ...
وأثبت أن الرأسمالية كمجتمع تلعب فيه المنافسة الشرسة والبطالة والأزمات الانتاجية الدورية، وتسخير الاقتصاد للتسلح كمصدر قوي للتربح عن طريق التفنن في اشعال الحروب، من السمات الأساسية لوجوده، لم تعد تصلح اقتصادياً ولا اجتماعيا ولا صحياً ولا انسانياً لإدارة المجتمع الانساني. وبالتالي لم تعد الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية اجتماعية تعتبر هي النظام الاقتصادي الأبدي لحياة الانسان.
هذا الفيروس هو بداية فترة صاخبة في تاريخ العالم، وهي فترة سترفع من وعي الجماهير بسرعة حينما يتم تعرية النظام الرأسمالي ومؤسساته وقادته.
وأخيراً ، فإن الكورونا أثبتت أن التعاون المجتمعي وتوجيه العمل والمنتوج الاجتماعي لخير الانسان هو الطريق الأمثل لخير الانسان على هذه الأرض.
ان الكورونا العابر للحدود السياسية أثبت أن "الاشتراكية هي الحل".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن "الحوار المتمدن" - 2 أيار 2020
*************
عن خديعة الأرباح مقابل المخاطرة
إسلام إبراهيم
يكشف لنا فيروس كورونا زيف الكثير من ادعاءات وأكاذيب الرأسمالية. فبسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انتشار الفيروس تعرض كثير من العمال إلى التسريح أو الإجبار على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر أو تخفيض أجورهم. وخرج علينا كبار رجال الأعمال يبرِّرون تلك القرارات بأنهم لا يستطيعون تحمل تلك الخسائر وحدهم وأنه يجب على العمال تحمُّلها معهم.
بالإضافة الى إصرار الرأسمالية المصرية على تدوير عجلة الإنتاج وعودة العمل بكامل طاقته مرة أخرى حتى لو كان ذلك فوق جثث العمال حتى لا يتأثَّر ربحهم. كما قال الملياردير المصري حسين صبور "رجعوا الناس للشغل فورا.. لما شويه يموتوا أحسن ما البلد تفلس.. ولو المستشفيات مش هتستوعب ما نتعالجش.. ومش هتبرع.. أنا مش مسؤول عن دخل الشعب". وصرح الملياردير نجيب ساويرس إن "القطاع الخاص مضطر لخفض الرواتب والاستغناء عن جزء من العمالة.. ولا يمكن أن يتوقف الاقتصاد بصورة كاملة". وردّا على المطالبات بالتبرع، قال رجل الأعمال المصري رؤوف غبور: "المثل يقول اللي محتاجه البيت يحرم على الجامع، وبناءً على المؤشرات فان الشركة ستواجه أزمة سيولة خلال الفترة القادمة وأنا مطالب بالتبرع في هذا التوقيت هقول لا آسف ماقدرش".
من الواضح خلال الأزمة الراهنة أن العمال وحدهم من يدفعون الثمن ويتحمَّلون الخسائر حتى لا يتأثر ربح رجال الأعمال. وهو ما يدعونا الى التساؤل حول دعوات رجال الأعمال للعمال بضرورة تحمُّل الخسائر معهم. هل في أوقات الرفاهية والرخاء يتقاسم العمال مع الرأسماليين الأرباح أيضا؟ ام يستحوذ الرأسمالي وحده عليها؟
يدفعنا كل هذا لكشف زيف واحدة من أكبر تبريرات النظام الرأسمالي وهي أحقية الرأسمالي بالاستحواذ على "الأرباح" بحجة تحمله المخاطرة والتعرض للخسارة. ففي واقع الأمر ان الأرباح يستحوذ عليها الرأسمالي بينما الخسارة يتحمل تكلفتها العمال وحدهم في وقت الأزمات عن طريق تشريدهم وتخفيض أجورهم.
هذا يحيلنا إلى نظرية ماركس في العمل التي ترتكز بشكلٍ رئيسٍ على مفهوم "فائض القيمة" الذي يمثل الربح للرأسمالي. فالعامل يبيع عدد ساعات معينة يوميا مقابل أجر ليستحوذ الرأسمالي على كامل الأرباح العائدة من إنتاج هذا اليوم بعد أن يدفع الأجور ونفقات الإنتاج. فعلي سبيل المثال للتقريب، إن كان العامل يتقاضى 100 جنيه يوميا ولكن إنتاجه اليومي يساوي 1000 جنيه فالـ 900 جنيه، الفرق بين إنتاج العامل الفعلي وبين مقدار ما يتقاضاه من أجر، هو فائض القيمة الذي يستحوذ عليه الرأسمالي ويشكل له الربح.
إذن فإن كل ربح الرأسمالي يُستَمد بصورة أساسية من استخلاص فائض القيمة من العمال. وهذا هو سبب رؤية ماركس للرأسمالية كنظام مبني على استغلال العمال. ولكن يبرر مُنظّرو الرأسمالية هذا الربح المبني على الاستغلال بأن هذا الربح هو "عائد المخاطرة" لأن الرأسمالي يخاطر برأسماله ويغامر وقد يكسب وقد يخسر. وقد أشار آدم سميث إلى مفهوم "عائد المخاطرة" بالاضافة الى مفهوم "اليد الخفية" في كتابه (ثروة الأمم) بأن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء المصلحة الخيرة لمجتمعه ككل من خلال مبدأ "اليد الخفية"، حيث يشرح بأن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الإفراد. فعندما يزيد العائد الشخصي لفرد ما، فإنه يساهم في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع. وبذلك يبرر آدم سميث ربح الرأسمالي بأنه ينتج عنه منفعه للمجتمع ككل وأنه نتاج تحمل المخاطرة.
ولكن في واقع الأمر ان هذا الربح هو نتاج استغلال العمال ولا ينتج عنه منفعة للمجتمع ككل ولكن منفعة وتراكم الثروة لطبقة محددة تسيطر على وسائل الإنتاج. وكما ذكر ماركس فان تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر. وفي الأزمة الأخيرة كما في كل أزمات النظام الرأسمالي شهدنا أن من يدفع تكلفة الأزمة هم العمال وحدهم وأن مفهوم "عائد المخاطرة" الذي يبرر به الرأسماليون استحواذهم على الربح واستغلالهم للعمال هو محض تدليس.
بل إنه خلال تلك الأزمة، وبينما يتعرَّض الملايين من العمال للتشريد، ازدادت ثروات بعض الرأسماليين مثل چيف بيزوس المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (أمازون) بقيمة 24 مليار دولار خلال الأربع شهور الأخيرة أي في وقت الأزمة.
وفي أزمة انتشار فيروس كورونا فان العمال هم من يخاطرون فعليا، يخاطرون بحياتهم تارة باضطرارهم النزول إلى العمل بينما الرأسمالي يحافظ على التباعد الاجتماعي. ويخاطرون بفقدان عملهم أو تخفيض أجورهم. إن كان هناك "عائد مخاطرة" يتم الاستحواذ على الربح بناءً عليه فإن الأحق بذلك العائد والربح هو الطبقة العاملة وليس غيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن "الاشتراكي" – 27 نيسان 2020
**************
في حوار صحفي عن الرأسمالية وكوفيد - 19
اقتصاديون: هناك بصيص من الأمل
إعداد وترجمة: مارك مجدي*
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية (6 أيار 2020) حوارا هاما بين اثنين من الاقتصاديين اليساريين: الاقتصادي والكاتب الصحفي الأيرلندي ديفيد ماك وليامز، والمفكر الاقتصادي ووزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس.
"تعليق الرأسمالية".. قال ديفيد ماك وليامز في بداية الحوار”من الطبيعي أن نقول الآن إن الرأسمالية في إطار الأزمة الراهنة قد تم تعليقها”، واكد أنها لن تعود إلى الوضع الذي كانت عليه بأي حال من الأحوال.. هناك شيء واضح بالنسبة له: “لا يمكننا العودة إلى الوراء”.
بينما قال يانيس فاروفاكيس” يعجبني تعبيرك: الرأسمالية تم تعليقها". وأضاف ”لقد شهد العالم تعليقاً للرأسمالية قبل ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، مع تطبيق اقتصاد الحرب: اقتصاد موجه لضبط الأسعار. لكن ما نشهده الآن ليس تعليقا للرأسمالية بالضبط”.
وشدد فاروفاكيس على أن قواعد الرأسمالية قد عُلقت بالفعل، فجميع السياسات الحرة المقدسة ذهبت. مضيفاً أن التفرقة بين السياسات المالية والنقدية انتهت، وفكرة أن الدين العام شيء سيء انتهت كذلك. ولكن المؤسسات الرئيسية لبناء”اقتصاد حرب بدون حرب” في سياق النظام الرأسمالي، ليست في موضعها الصحيح.
هناك فرق جوهري بين أن تقول: نحن ذاهبون إلى الهاوية، فلا نتوقع منك أن تلتزم بالقواعد، وأن تقول: إن القواعد نفسها تغيرت، وعلينا أن نصنع قواعد جديدة لنتجنب الانهيار الاقتصادي. كل هذا الحديث عن “التخفيف الكمي” الذي تلتزم به بنوك العالم المركزية والبنك المركزي الأوروبي بالأخص، يبقى بعيداً تماماً عن عقلية اقتصاديات الحرب”.
تابع ماك وليامز الحديث موافقاً ”إنه خطأ تكرر سابقاً في أوروبا. إذا كنت تؤسس سياساتك الاقتصادية على إرادة البشر الواقعين تحت تأثير الصدمة والمضطرين للاقتراض- وهو المنطق الأساسي في التخفيف الكمي- فلديك مشكلة خطيرة”، مشيراً إلى أن الصورة الذهنية التي تنطبق على التخفيف الكمي هي أنبوب ضخ الماء: أنبوب مالي ضخم يتدفق فيه الماء ليوقف الحريق الذي تسببه الأزمة. ولكن الماء الذي يتدفق من الأنبوب محدود جداً، بسبب مروره بصمام صغير يقلص مقدار الماء. وهذا الصمام هو البنوك، صمام يتصرف وفق مبدأ ”قابلية النشاط التجاري على اقتراض الأموال”. وفي لحظة يتحول أنبوب المال إلى قطارة، فيوضح أنه حتى هذه القطارة تعمل لصالح الأثرياء.
ويتابع قائلاً ”لهذا أتفهم فكرتك, فرغم تعليق القواعد الرأسمالية تبقى البنية التحتية كما هي. لكن العالم بدأ يتنبه الى أن هناك بديلاً. هناك المرحلة الثانية التي ستمهد للتفكير في ما بعد الرأسمالية، إعادة التفكير في السياسات المالية، إعادة التفكير في الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد ولصالح من يعمل- واحتمالية أن نفكر في معاهدة بريتن وودز جديدة- أي اتفاق يغير مسار الاقتصاد العالمي ككل”.

العالم في مفترق طرق

أجاب فاروفاكيس على سؤال ماك وليامز حول شكل الاقتصاد الأوروبي والعالمي بعد الأزمة قائلاً ”نحن نقف في مفترق طرق، وسنسلك أحد طريقين مختلفين تماماً. ولا يمكننا الآن تحديد أي طريق سنسلك بعد. دعني أبدأ بالسيناريو الجيد.
انه ينطلق من فكرتك عن آفاق عقد اتفاقية بريتن وودز جديدة- بصيغتها المحددة في الاتحاد الأوربي. فحقيقة أن ألمانيا في نفس الوضع المزري الذي يقف فيه الجميع، تعطي بصيصاُ من الأمل”.
وتابع فاروفاكيس “إذا كنا سنحصل على تضامن قاري بين الدول الأوروبية, فعلى أي شاكلة يجب أن يكون؟ ليس بالضرورة أن يكون فيدرالياً. فعلى الرغم من ضرورة ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى- فهو مستبعد الحدوث، بسبب عوامل التفرقة التي يضعها كوفيد-19، وأزمة الهجرة، وأزمة اليورو التي تفرق بيننا بشدة. ويكمن البديل في استخدام وانتشار مؤسسات الاتحاد الأوروبي بالطريقة التي تعزز الفيدرالية الأوروبية. ويمكننا أن نبدأ في ذلك غداً إذا أردنا، من خلال توفير أموال لدعم جميع من يعانون الفقر، وأن نستثمر في الانتقال نحو اقتصاد يحافظ على البيئة”.
أكد فاروفاكيس أن هناك بصيص أمل، بفضل الفروق العميقة بين 2020 و2010. ففي 2010 عندما كانت اليونان وأيرلندا غارقتين في الديون، كانت هناك فروق كبيرة بين ما يشهده البلدان المذكوران وما تشهده ألمانيا وهولندا. واليوم نرى الآلة الصناعية الألمانية معطلة، وهي معطلة بسبب هجمة كورونا. وقطاعا صناعة السيارات وصناعة الأدوات الصناعية يعانيان من مشاكل كبيرة. وشدد فاروفاكيس على حقيقة أن ألمانيا تشارك الآن بقية الدول الأوضاع السيئة نفسها، مما يعطي الأمل بأن يتساءل الجميع معا عما يجب فعله، وليس كما قالت ألمانيا سابقاً للدول المتعثرة ”إنها مشكلتكم، اذهبوا الى الترويكا”. كذلك الأمر بالنسبة الى العالم، حيث الوضع السيء وضع مشترك للدول الكبرى والدول النامية، وهو ما سيدفعهم جميعاً الى ايجاد الحلول المشتركة.

الفشل سيؤدي إلى موجة فاشية جديدة

أما عن السيناريو السيء فقال فاروفاكيس “نحن البشر، والأوربيين بالأخص- نحب تضييع الفرص الرائعة لننتهي إلى نتائج وأوضاع بائسة. ومن المرجح أن نواجه نفس التعنت من قبل نفس الليبراليين المتزمتين، المستمرين في وضع العقبات أمامنا نحو فيدرالية ديمقراطية حقيقية، ونحو تضامن عالمي يغير الوضع الكارثي”.
ورداً على سؤال ماك وليامز عن تأثير هذه العقبات على الأعضاء الجنوبيين في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا، قال فاورفاكيس إنه في كل مرة تحدث الأزمة في أوروبا، تنخفض معدلات النمو وتغرق إيطاليا في الركود.
وفي حال فشلت برلين وبروكسل في التحرك نحو السيناريو الجيد، فإيطاليا وكل بلاد أوروبا الأكثر تضرراً ستتحرك مجدداً نحو الفاشية الجديدة”.
هنا ينتهي السيناريو السيء بالنسبة لفاروفاكيس، مقارنا الوضع بتأثير الدومينو العملاق الذي سيؤدي الى تحلل الاتحاد الأوروبي.
وقال فاروفاكيس أن الاتحاد الأوروبي لن يكف عن الوجود، لكنه سيصبح صورياً مثل كومنولث الدول المستقلة الذي نشأ بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي في أوروبا الشرقية، ولا يزال له مكتب في موسكو. فالسيناريو السلبي إذن هو كومنولث الدول المستقلة”.
وأضاف فاروفاكيس أن هذا الوضع سيجعل كلا من ترامب وبولسانيرو(رئيس البرازيل) ومودي (رئيس وزراء الهند) يرقصون فرحاً. حيث ”سننتقل إلى اقتصاد عالمي هوبسي (نسبة إلى توماس هوبس)، اقتصاد متوحش لا يقدم سوى الفقر لغالبية البشر، حتى في أوروبا”.

على من يقع اللوم؟

قال ماك وليامز :”عندما ولدت في أيرلندا كان الفقر مخيما، ثم ارتفع مستوى المعيشة بفضل المشروع الأوروبي، وبفضل الوضع الأوروبي في سلسلة التوريدات العالمية، والسياسة الضريبية التي اجتذبت رأس المال. اشعر أن هذا النموذج قد يتلاشى ومعه العولمة”.
وأضاف ماك وليامز أن هناك أصواتا سترتفع بأن هذا الفيروس جاء نتيجة العالم الكوسموبوليتي المعولم المفتوح للتنقل بين الدول. وأضاف أنه سواء كان هذا صحيحاً أم لا، يبدو أن هناك من سيلوم البشر. “نحن نعرف أن الطاعون أدى (في حينه) إلى نزعة معاداة السامية في أوروبا. سأل الأوروبيون أنفسهم: من نلوم على ذلك؟” ووجهوا الاتهام للمجتمع اليهودي المنعزل”.
رد فاروفاكيس على ماك وليامز بأنه يشاركه القلق لكنه تعرض لتحليله بالنقد. فقال ”أشاركك القلق على المستقبل، لكن علي أن أتحدي التحليل الذي تؤسس عليه. فالانفتاح العالمي الذي وصفته أنت، كان يصحبه حظر ومنع شديدان: الحدود الأمريكية المكسيكية المغلقة مقابل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، حرية الحركة في أوروبا مثال مؤسسة فورتكس لحماية الحدود الأوربية التي تمنع المهاجرين من الدخول إلى أوروبا. أكد فاروفاكيس أن هذه ليست تناقضات، ولكن هو منطق النظام الذي يضع رأس المال فوق البشر وفوق حريتهم”.
وأضاف فاروفاكيس ”إذا فشلنا في الوقوف معاً – أن نجتمع حول بريتن وودز جديدة، وأن نقدم الاستثمارات التي يحتاجها العالم والكوكب بشدة - أخشى أن النظام الرأسمالي سيتعمق في المنطق القاسي اللاإنساني، حيث تزيد سيطرة القطاع المصرفي على الاقتصاد العالمي. فالمصرفيون بارعون في الحصول على الأموال في الأزمات”.
وأوضح فاروفاكيس أن الوقت الآن هو المناسب لإعادة التفكير في أشياء كثيرة. وإذا لم نفعل ذلك فستزداد وتكبر الحواجز بيننا: حواجز لن يمر منها سوى المال”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن موقع (حزب الشعب الفلسطيني)
************
المكارثيّة.. عندما تردَّى رجالٌ وشَمخَ آخرون
سعود قبيلات*
رأى الكاتب الأميركيّ جاك لندن (12 كانون الثاني 1876 -22 تشرين الثاني 1916)، في روايته «العقب الحديديّ» الصادرة في العام 1907، بأنَّ الطغمة الماليَّة (الأوليغارشيَّة) الحاكمة في الولايات المتَّحدة، تتَّسم بطاقة كامنة هائلة للعنف والقهر، وبأنَّها غير مستعدة مطلقاً للتنازل عن أيّ قدر مِنْ مكاسبها الضخمة للشعب الأميركيّ، أو تقاسم السلطة (ناهيكم عن تداولها) مع الطبقات الأخرى في بلادها. وتوقَّع أنَّ هذه الطغمة ستلجأ، عند ظهور أيّ بوادر جديَّة للمنافسة من الطبقات الأخرى وتيَّاراتها السياسيَّة، إلى تنفيذ مذبحة وحشيَّة غير مسبوقة.
على أيَّة حال، المذبحة التي توقَّعها جاك لندن حدثت فيما بعد بصورة بشعة، ولكن في حقل الفكر والثقافة. إذ أنَّ الطبقات الأخرى (وقواها السياسيّة) المناهِضة للأوليغارشيَّة لم تمثِّل أيَّ منافسة جدّيّة لها، ولكنَّ التحدِّي الذي واجهها بالفعل كان على المستوى الثقافيّ والفكريّ، وخصوصاً عندما انتشرت الأفكار اليساريَّة على نطاقٍ واسعٍ في الأوساط الفنيَّة والثقافيَّة والأدبيَّة والأكاديميّة خلال النصف الأوّل من القرن العشرين. عندئذٍ، شنَّت الطبقة الحاكمة حرباً شعواء، لا رحمة فيها، على كلّ الذين كانوا يتبنّون تلك الأفكار مِنْ تلك الأوساط. وجرت «مطاردة شاملة وغير مسبوقة في القرن العشرين أدَّت إلى اعتقال آلاف الشيوعيّين أو الذين يُشكُّ بأنَّ لديهم توجّهات شيوعيّة، وجرى تقديمهم إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوّة[1] أو العنف».[2]
وكان ذلك مناخاً قاتماً للإرهاب والرعب، بل كان كافكاويّاً. فـ «في ذلك الزمان كان امتلاك أسطوانة للفنان بول روبسون (مغنٍّ وممثل أميركيّ مِنْ أصل إفريقيّ منتمٍ للشيوعيّة، ومِنْ أبرز المناهضين للإمبرياليّة) يُعدُّ عملًا تخريبيًاً».[3] (يُذكِّرني هذا بما كان يُعامَل به في الأردنّ، في خمسينيّات القرن الماضي وستينيّاته، كلّ مَنْ كان يُضبَط متلبّساً بالاستماع إلى إذاعة «صوت العرب» المصريّة).
وآنذاك، طُلِبَ حتَّى من الأطفال في الولايات المتّحدة أنْ يكونوا مخبرين لجهاز الشرطة الأميركيّ FBI، حيث اشتمل كتابٌ مدرسيّ للأطفال عنوانه «استكشاف التاريخ الأميركيّ» على «المناشدة» التالية: «يناشد FBI كافة الأميركيين أن يقوموا بإبلاغ مكاتبهِ مباشرة عن أيَّة شكوك لديهم أو ارتياب في وجود أيّ نشاط شيوعيّ مِنْ جانب الأميركيين. ولدى FBI الخبرة التدريبيّة الكافية للتمكُّن مِنْ تمحيص تلك التقارير في ظلّ قوانين أمّتنا الحرّة. إنّ الأميركيين عندما يتناولون شكوكهم بهذا الأسلوب، فهم بذلك يعملون وفقًا للتقاليد الأميركية».[4]
وآنذاك أيضاً، تمَّتْ إزالة عشرات ألوف الكتب من المكتبات الأميركيّة، ومُنِعَ نشرُ (وتداول) كتب لعددٍ مِنْ أهمّ الكتّاب والفلاسفة والمفكّرين، ومنهم: عالم النفس الشهير سيجموند فرويد، وجان بول سارتر، ومكسيم جوركي، وجون ريد، ووليام كارلوس ويليامز. كما سرى الحظر، على نظرية النسبية للعالم آلبرت إينشتاين.[5]

سيء الصيت والذكر مكارثي

وأُخضِعَ جميع الكتّاب والمثقَّفين للمراقبة، حيث كُشِفَ لاحقاً عن ملفّاتٍ كانت قد حُفِظَتْ لهم في دوائر الأمن، سُجِّلَتْ فيها تفاصيل أنشطتهم وتحرّكاتهم. ومِنْ أبرز أصحاب هذه الملفّات: أرنست هيمنجواي، وجون كرو رانسوم، وهوارد فاست، ولانجستون هيوز.[6]
كان هيمنجواي يعرف أنَّه مراقب، وقد أصابه الاكتئاب. وقبيل انتحاره في 2 تمّوز 1961 ذهب إلى عيادة نفسيّة في مينوسوتا وطلب أنْ تُدوَّن حالته في سجلّات العيادة تحت اسم آخر غير اسمه الحقيقيّ، بيد أنَّ الطبيب اتَّصل بإدارة التحقيقات الفدراليّة FBI ليأخذ موافقتها على ذلك[7].

.. ولجنته الأسوأ صيتاً وذكراً

اضطلعتْ بعمليّة التطهير والتنكيل الوحشيّة، تلك، اللجنة التي كانت تُسمَّى «لجنة الكونغرس للنشاطات غير الأميركيَّة»، وقد أُنشئت في العام 1938 واستمرَّت بالعمل تحت الاسم نفسه لغاية العام 1968، ثمَّ غُيِّر اسمها إلى «لجنة الكونغرس للأمن الداخليّ». وكان أوج نشاطها خلال الفترة الواقعة ما بين العامين 1946 و1956. وعُرِفَتْ الحملة الشعواء، التي شنَّتها «اللجنة» ضدّ أهمّ مثقفي الولايات المتَّحدة وكتَّابها وفنَّانيها مِنْ ذوي الاتِّجاهات اليساريّة أو مَنْ كان يُشتبه بأنَّ لهم توجّهات يساريّة أو بأنَّ لهم علاقات شخصيَّة مع يساريين، بالمكارثيَّة.. نسبة إلى السيناتور جوزيف مكارثي، رئيس «اللجنة».
كان مِنْ حقّ هذه «اللجنة» أنْ تستدعي للتحقيق أيَّ شخصٍ تقول إنَّها تشتبه بانتمائه للشيوعيّة. وكان على «المشتبه به» إثبات براءته من التهم الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة المنسوبة إليه. ولم يكن ينفعه إثبات عدم وجود علاقة له بالحزب الشيوعيّ الأميركيّ، بل كان يجب عليه أيضاً أنْ يشي بزملائه وأصدقائه ومعارفه مِنْ ذوي الأفكار اليساريّة، كسبيل وحيد لإثبات «براءته» والنجاة بنفسه، وإلّا ثبتت الشبهة عليه واُتُّهِمَ بـ«الخيانة» ونُكِّلَ به.
ومَنْ يقرأ محاضر تحقيقات «المكارثيّة»[8]، يلحظ بسهولة كيف كان المثقَّفون يحاولون بصعوبة (ورعب) المرور وسط حقل الألغام الذي كانت تزرعه «اللجنة» مِنْ حولهم، فأيّة زلَّة لسان كانت تعتبر إهانة لـ«اللجنة»، قد تُدخِل صاحبها السجن وتقود إلى تدمير حياته المهنيَّة والشخصيَّة. كما أنَّ أيّ تمسُّك بالمبادئ والقيم كان يُعتبر أيضاً إمَّا دليلاً على نشاط مشبوه أو أنَّه يمثِّل إهانة لـ«اللجنة». وفي الحالتين، كان صاحب هذا الموقف يجد نفسه أمام عقاب رهيب.
وقد تعرَّض مثقَّفون كبار للإذلال أمام «اللجنة»، وازدُريت أفكارهم ونتاجاتهم الفنيَّة، وأُهينوا، مِنْ أشخاص غير مؤهَّلين أساساً للحكم على هذه الأفكار أو النتاجات أو أصحابها. ما يذكِّر بأجواء رواية فرانز كافكا «المحاكمة» التي كُتِبَتْ في مطالع القرن العشرين. وبالمقابل، فإنَّ أجواء المكارثيّة الكافكاويّة اُستُلهِمَتْ في أعمال أدبيّة مرموقة.. مثل رواية آرثر ميللر «المحنة» (صدرت في العام 1953)، ورواية صنع الله إبراهيم «اللجنة» (صدرتْ في أواسط ثمانينيّات القرن الماضي). وكلتاهما استخدمت الفانتازيا لإيصال فكرتها.

اينشتاين: الرفض ضد هذا الشرّ

ولقد أدَّت مناخات الرعب هذه إلى هيمنة المخابرات (CIA) على الأنشطة الثقافيّة، والإنتاج الثقافيّ، والمثقَّفين. ومثل ما صار يحدث لاحقاً في العالم الثالث (ومنه الأردنّ في أيّام الأحكام العرفيّة)، مُنِعَ تجديد جوازات سفر كُتّاب ومثقّفين وفنّانين كبار، ومُنِع سفر آخرين.. ليس إلى الاتّحاد السوفييتيّ مثلاً، بل إلى دول حليفة لواشنطن (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، على سبيل المثال).
وثمَّة تفاصيل كثيرة مذهلة في هذا المجال أوردتها الصحفيّة البريطانيّة فرانسيس ستونر سوندرز، في كتابها «مَنْ يدفع إلى الزمّار.. الحرب الباردة الثقافيّة.. المخابرات المركزيّة الأميركيّة وعالم الفنون والآداب»، الذي يستند إلى وثائق كثيرة تتعلَّق بتلك المرحلة. ومِنْ ضمن ما كشفته سوندرز، بالأسماء والوقائع، هو أنَّ ضبّاط مخابراتٍ أميركيين كانوا يشرفون على مؤتمراتٍ ثقافيّة دوليّة عُقِدَتْ في العواصم الأوروبيّة، كما كانوا يديرون مجلّاتٍ ثقافيّة، ومهرجانات فنّيّة، وروابط وجمعيّات ثقافيّة انطوت أسماء أكثرها على مفردة الحرّيّة. ومع الأسف، فإنَّ مثقَّفين عرباً بارزين تورَّطوا في بعض هذه الأنشطة المخابراتيّة.
وكان ضبّاط المخابرات الأميركيّون - بحسب سوندرز أيضاً - يتدخّلون في أدقّ تفاصيل أفلام هوليوود.. مَنْ يجب أنْ يمثِّل فيها ومَنْ لا يجب أنْ يمثِّل، وماذا يجب أنْ يكون عِرق بطل الفيلم (أبيض أنجلوسكسونيّ، أم لاتينيّ، أم هنديّ أحمر، أم آسيويّ، أم مِنْ أصل إفريقيّ.. الخ) وماذا يلبس، وكيف يجب أنْ تكون سمات شخصيّته وردود فعله.. الخ. وذلك حسب الرسالة السياسيّة التي يريدون إيصالها.

أعضاء اللجنة.. لقد قتلتم زوجي!

بالنتيجة، وجد كثير من المثقَّفين (والأكاديميين) الأميركيين أنفسهم بلا عمل، وممنوعين من السفر، وأضطرَّ كثيرون منهم لوضع حدٍّ لحياتهم، أو ماتوا بالأزمة القلبيَّة والجلطة، بمجرَّد استدعائهم للمثول أمام «اللجنة» أو بعد قليل مِنْ مثولهم أمامها.
ومن هؤلاء: جون جارفيلد، وقد توفِّي بالأزمة القلبيَّة إثر مثوله أمام «اللجنة» للمرَّة الثانية، وهاري ديكستروايت توفِّي أيضاً بالأزمة القلبيَّة إثر مثوله أمام «اللجنة»، ومادي كريستيانز ماتت بعد إدراج اسمها في القائمة السوداء بسبب عدم موافقتها على إفشاء أسماء زملائها أمام «اللجنة»، وجون براون مات بعد إدراج اسمه في القائمة السوداء، وأدوين وولف مات بالأزمة القلبيَّة بعد إدراج اسمه بالقائمة السوداء، وفيليب كوب انتحر بعد إدراج اسمه في القائمة السوداء، وأ. هربرت نورمان انتحر، ومادلين دميتريك انتحرت، ولورنس دجان انتحر، وإبراهام فللر انتحر، وريموند كابلان انتحر، وفرنسيس. أو. ماتيسن.. انتحر، وولتر مارفن سميث.. انتحر، ومورتون. أ. كنت.. انتحر، وجو وينانت.. انتحر، وويليام. ك. شيروود.. انتحر، قبل يومين من مثوله أمام «اللجنة». حاولت أرملته باربارا أن تلقي بياناً أمام «اللجنة»، ولكن ألقي بها خارج القاعة، فوقفت هناك وألقت بيانها، ومِنْ ضمن ما جاء فيه: «أعضاء لجنة النشاطات غير الأميركيَّة: لقد ساعدتم على قتل زوجي وجعل أطفالي الأربعة يتامى. هذه مأساتنا الشخصيَّة. وهي ليست شيئاً بالمقارنة مع الجريمة التي ارتكبتموها ضدّ أطفال أميركا وأطفال العالم».[9]

أتبيع أخوتك؟!

سعى بعض الذين استهدفتهم «اللجنة» إلى النجاة بالخروج من الولايات المتَّحدة تهريباً أو بأيَّة وسيلة ممكنة، وهؤلاء أعدادهم بالآلاف، وربَّما كان مِنْ أبرز الذين غادروا الولايات المتّحدة– آنذاك – لهذا السبب، شارلي شابلن. في حين استجاب البعض الآخر لاشتراطات «اللجنة» ذليلاً خانعاً، فتنصَّل من مبادئه، ووشى بزملائه، فكان من نتيجة ذلك أن سُمح له بمواصلة عمله الثقافي والفنِّي، لكن بعدما تمَّ قتله من الداخل تماماً.
ومِنْ أبرز الذين اتَّخذوا مثل هذا الموقف المشين، المخرج الأميركيّ الأرمنيّ الأصل، إيليّا كازان. وكان قد اشتُهر بأعماله الفنيَّة المميَّزة التي تنتصر لحريَّة الإنسان وتقدُّمه. كما أنَّه كان عضواً في الحزب الشيوعي الأميركيّ، إلا أنَّه لم يتحمَّل ضغوط اللجنة، فانهار ونشر بياناً مدفوع الأجر في صحيفة نيويورك تايمز قال فيه إنَّه عندما انتمى للحزب الشيوعيّ كان مخدوعاً بأفكاره وممارساته وأهدافه، وكان يظنُّه يعمل لصالح الشعب الأميركيّ.. الخ. لذلك فإنَّه انسحب منه. ما يذكِّر بالصيغة التي كانت مستخدمة في الأردنّ «أنا فلان الفلانيّ.. أُعلِن براءتي من الحزب الشيوعيّ الأردنيّ المحظور، واستنكاري لمبادئه الهدّامة، وولائي لجلالة الملك المعظَّم وحكومته الرشيدة».
غير أنَّ «اللجنة» لم تكتفِ بهذا مِنْ كازان، الأمر الذي اضطرّه للمثول أمامها مرَّة أخرى، ليقدِّم لها اعترافاً كاملاً يتضمَّن أسماء زملائه ورفاقه في الحزب، بمن فيهم مَنْ كان هو قد أقنعهم بالانضمام إليه، وكذلك الرفيق الذي نظَّمه فيه. وفي اليوم التالي، وقَّع عقداً بمبلغ 500 ألف دولار. الأمر الذي جعل رفيقه السابق توني كرابر يقول له مستنكراً: أتبيع أخوتك بخمسمائة ألف دولار؟!
وتسبَّبت وشاية كازان بإلحاق أذىً شديد بعددٍ غير قليل (أكثر مِنْ 100) مِنْ زملائه كُتّاب السيناريو والإخراج السينمائيّ في هوليوود، واضطر بعضهم – لكي يواصل عمله ويتجنّب الجوع والفاقة – إلى استعارة أسماء آخرين مِنْ زملائه ووضعها على أعماله بالاتّفاق معهم. وفاز بعض هذه الأعمال بجوائز الأوسكار. ومِنْ هؤلاء: دالتون ترومبو. وقد فاز فيلمه «الشجاع»، الذي قُدِّمَ باسم روبرت ريتش، بجائزة أحسن سيناريو، وكارل نورمان ومايكل ويلسون اللذان اشتركا في كتابة سيناريو فيلم «جسر على نهر كواي» وقد قُدِّمَ باسم بيار بول. وإنَّ 82 فيلماً، مِنْ أهمّ الأفلام الفائزة بجائزة الأوسكار في تلك الفترة، قد نُسِبَتْ إلى غير أصحابها الحقيقيين. ومِنْ أبرز الذين تأذّوا أيضاً بسبب وشاية كازان: هارولد لاوسون وزيرو موستل.[10]

ارثر ميللر رفض الخضوع

أثار سقوط إيليا كازان صدمةً كبيرة في أوساط المثقَّفين، في الولايات المتّحدة وفي العالم كلّه، فنبذه أصدقاؤه والكثير من الفنّانين، بل إنَّ آرثر ميللر ومارلون براندو وآخرين رفضوا حتَّى مجرد مصافحته. وأصدر الفيلسوف الوجوديّ الفرنسيّ الشهير جان بول سارتر، في إثر ذلك، بياناً ضدّ سقوط المثقَّفين والمبدعين في مستنقع الوشاية بزملائهم والتنكّر لمبادئهم، «فوقَّع أكثر مِنْ ألف مثقَّف وفنَّان ومفكِّر عالميّ على هذا البيان»[11]، وجاء فيه:
«كلّ مبدع أو مثقَّف هو بالضرورة صوت مختلف.. مهمّته تغيير الواقع إلى واقع أفضل.. ولا قيمة لمبدعٍ أو مثقَّفٍ يجلس في صفوف الموالين ويصوّت مع الأكثريّة على بقاء الواقع على ما هو عليه.. فهذا ضدّ طبيعة الأشياء.. وخلط في الأوراق.. وخلل في توزيع الأدوار».
وجاء في البيان أيضاً:
«من الطبيعي أن يكون العقاب مِنْ نصيب كلّ مثقّف يحاول تغيير الدنيا بكلماته.. ويحاول أن يغيّر بهذه الكلمات أيضاً جغرافية الحياة السياسيّة وجغرافية النفس البشريّة.. إنَّ العقاب في هذه الحالة هو نوع نادر من الشرف لا يحظى به كلّ مَنْ غيّر دوره ومهنته من الكتابة إلى الوشاية»[12].

جزاء الواشي

وقعت وشاية إيليا كازان في العام 1952. وبعد 47 سنة (في العام 1999)، أي في أواخر حياة كازان، أراد القائمون على الأكاديمية الأميركية لعلوم وفنون السينما تكريمه عن مجمل أعماله السينمائيَّة. ولكنّه عندما صعد إلى المنصَّة لتسلُّم جائزته، وُوجه بالصدود والاستنكار الشديد والازدراء مِنْ زملائه كبار نجوم السينما الأميركيَّة، لفعلته المشينة القديمة تلك.. رغم أنَّ معظمهم لم يكن قد عايشها. لقد كان قبل تلك الفعلة مشهوراً بكونه فناناً كبيراً، أمَّا بعدها فقد أصبح مشهوراً بكونه واشياً كبيراً. وفي مذكراته وهي بعنوان «حياة» حاول كازان تبرير موقفه قائلاً: «إنَّ أيّ شخص يقدم على الإبلاغ عن الآخرين يقوم بعمل يثير القلق بل الازدراء.. إنَّ مثل هذا التصرّف يزعج ضمير أيّ شخص ولكن في الوقت نفسه يجب الحكم على الأمر في إطار ما دار مِنْ أحداث في عام 1952»[13].
على العكس مِنْ إيليا كازان، فإنَّ المخرج والكاتب الأميركيّ أبراهام بولونسكي (توفّي في العام 1999) يُعتبر أحد أبرز المخرجين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لمواقفهم الصلبة في مواجهة المكارثيّة، حيث أنَّه رفض التعاون مع «اللجنة» أو تزويدها بأسماء زملائه اليساريين العاملين في هوليوود، بل إنَّه أدانها أيضاً وشجب عملها ودافع عن حرّيّة الفكر التي قال إنَّ الدستور الأميركيّ يكفلها، فوُضِعَ في «القائمة السوداء»، ومُنِعَ من العمل في هوليوود. فاضطرّ، مِنْ أجل كسب عيشه، إلى وضع أسماء بعض زملائه – بالاتِّفاق معهم – على السيناريوهات التي كان يكتبها. وظلّ وفيّاً لمبادئه حتَّى آخر حياته. وعند تكريم كازان في هوليوود احتجّ على ذلك بشدّة لدى الأكاديميّة الأميركيّة لعلوم وفنون السينما، قائلاً إنَّه لا يستحقّ التكريم.[14]

واشٍ أصبح رئيس دولة

إذا كان كازان وآخرون قد جبنوا وتخاذلوا وخضعوا للقمع، فثمَّة – بالمقابل – مَنْ تطوَّع مِنْ تلقاء نفسه لكتابة التقارير ضدّ زملائه والوشاية بهم. لقد كان ذاك ممثِّلاً متواضع الإمكانات فشل في تحقيق أيّ إنجازٍ فنّيّ يُعتدّ به. ولذلك، يمكن الاستنتاج أنَّ وشايته نابعة مِنْ رغبته في التعويض عن شعوره بالنقص حيال إنجازات زملائه العالية. وصحيح أنَّ هذا الممثِّل الرديء كوفئ في ما بعد مكافأةً كبيرة من الطبقة الحاكمة.. حيث تمّ تنصيبه رئيساً للدولة، لكنَّه – رغم ذلك – ظلَّ مشهوراً بدوره القديم كواشٍ بزملائه.
إنَّه رونالد ريغان، الرئيس الأميركيّ الأسبق الذي كان قد تقدَّم بـ«شهادة وديَّة» أمام «اللجنة» في العام 1947.

الذين عَمَّدوا أسماءهم بالرفض

العديد من الكتّاب والفنّانين والمثقّفين والأكاديميين رفض أن يركع أو يتنازل عن كرامته وعن مبادئه، ولم يقبل لنفسه أن يتحوَّل مِنْ مثقَّف كبير أو فنان كبير أو أديب كبير أو عالم كبير إلى واشٍ كبير. وكانت مواقف هؤلاء أمام «اللجنة» مثالاً للشجاعة واحترام الذات، لذلك، اُعتبروا «شهوداً عدائيّين»، ودفعوا أثمان مواقفهم تلك. ومِنْ هؤلاء: جرهارت آيزلر، وهانز آيزلر، وجون هوارد لوسون، وبرتولت بريخت، وبول روبنسون، وآرثر ميللر وآخرون.
وكمثال على مواقف هؤلاء، في مواجهة «اللجنة»، يمكن الرجوع إلى البيان الذي أعدّه جون هوارد لوسون وحاول أن يلقيه أمام «اللجنة» لكنَّها منعته من ذلك، فألقاه خارجها. ومِنْ ضمن ما جاء فيه: «ليس من المدهش اختيار الكتَّاب والفنَّانين لهذا التشويه غير المهذَّب. فالكتَّاب، والفنَّانون، والعلماء، والمربُّون، هم دائماً ضحايا الهجوم لأولئك الذين يكرهون الديمقراطيَّة. ويحمل الكاتب مسؤوليَّة خاصَّة في خدمة الديمقراطيَّة، وفي توسيع تبادل الأفكار. وإنَّني لفخور بانتقائي هدفاً للهجوم مِنْ جانب رجال يعملون بوضوح – كما تظهر اعترافاتهم في المحضر – لخنق الأفكار ورقابة وسائل الاتِّصال».
ويتابع هوارد لوسون قائلاً: «خلال محاولتها غير المشروعة لإقامة ديكتاتوريَّة سياسيَّة تتحكَّم في صناعة السينما، حاولت اللجنة تبرير تدخُّلها في فكر وضمير الأفراد على أساس أنَّ هؤلاء الأفراد يضمِّنون سطوراً أو مشاهد في أفلامهم زعمت أنَّها "تخريبيَّة"».

موقف آينشتاين

ثمَّة بعض المواقف المشرِّفة لشخصيَّات مشهورة مِنْ خارج الوسط الأدبيّ أو الفنِّيّ. وكمثال على ذلك، موقف العالم الشهير ألبرت آينشتاين الذي نشره في صحيفة نيويورك تايمز في العام 1953، حيث دعا المثقَّفين الأميركيّين إلى تحدِّي «اللجنة» وأن يرفضوا السماح لها بالتفتيش في ضمائرهم ومعتقداتهم، وقال: «المشكلة التي تواجه مثقَّفي هذا البلد بالغة الخطورة فقد استطاع السياسيُّون الرجعيُّون أن يغرسوا الشكّ لدى الجمهور في كلّ جمهور المثقَّفين بالتلويح أمام أعينهم بخطرٍ من الخارج. وإذا نجحوا حتَّى الآن فإنَّهم يتقدَّمون لكبت حريَّة التعليم وليحرموا مِنْ وظائفهم كلَّ أولئك الذين لا يثبتون خضوعهم، أي يميتوهم جوعاً».
قال أيضاً: «وماذا يجب أن تفعل الأقليَّة من المثقَّفين ضدّ هذا الشرّ؟ بصراحة لا يمكنني سوى أن أرى الطريقة الثوريَّة في عدم التعاون بالمعنى الذي وضعه غاندي. فيجب أن يرفض كلُّ مثقَّفٍ يُستدعى للمثول أمام إحدى اللجان أن يشهد، أي لا بدَّ أن يكون مستعدّاً للسجن والدمار الاقتصاديّ، وباختصار، للتضحية برفاهيَّته الشخصيَّة لصالح الرفاهيَّة الثقافيَّة لهذا البلد».[15]

ثمار المكارثيّة المُرّة

لم يتوقَّف عمل «اللجنة» إلا بعدما أنجزت مهمّتها تماماً، فكانت النتيجة كارثيّة مدمِّرة على الثقافة والأدب والفنون في الولايات المتَّحدة. وأصبح الإعلام هناك مضبوطاً إلى حدٍّ كبير، في خطوطه الرئيسة، لتكون مهمَّته الأولى والأساسيّة هي منع الناس من الوصول إلى معرفة حقائق واقعهم. وذلك عن طريق إلهائهم بسيل هائل من المعلومات المنقوصة أو المغلوطة أو المحوَّرة أو الموظَّفة سياسيّاً بطريقة مدروسة. أي أنَّه أصبح مكرَّساً لخدمة مصالح الأوليغارشيّة.
وبالنتيجة أيضاً، أصبح المجتمع الأميركيّ، عموما، مِنْ أكثر المجتمعات جهلاً بالسياسة الدوليّة وبواقع البلدان الأخرى، بل وبواقعه هو نفسه على وجه الخصوص.. بخلاف ما كان عليه حاله قبل المكارثيَّة، حيث كان واقعه السياسي في السابق أكثر تنوُّعاً وغنىً، وكانت توجد لديه أحزاب وتيَّارات سياسيَّة مختلفة تعبِّر عن شيء من التعدُّديَّة، في حين أنَّنا نجد أنَّ الحياة السياسيَّة الأميركيَّة الآن فقيرة جدّاً، إلى حدّ أنَّها منذ مدَّة طويلة تقتصر على ممثِّلي شريحتين ضيَّقتين مِنْ ممثِّلي الأوليغارشيّة الحاكمة الذين يمارسون السياسة تحت مسمَّى الحزب الديمقراطيّ والحزب الجمهوريّ.
«وقد انعكست نتيجة كلّ هذا على الشعب الذي لم يقرِّر اعتزال الحياة السياسية فقط، بل الاجتماعية أيضاً، فقد انغلقَ كلُّ فردٍ على نفسه، وأخفى آراءه الشخصية خوفًا من أن يُساء فهمها، ويُتَّهم بالانتماء للشيوعيّة، وأصبح المبدأ القائل: "إن لم تكن معي فأنت لا محالة ضدِّي" هو السائد في ذلك الوقت».[16]
وتسبَّب «مصطلح "أعداء من الداخل"، في دخول الولايات المتّحدة منعطفًا تاريخيًا مظلمًا امتلأ بالقمع وشكوك المواطنين في بعضهم البعض، وإبلاغ أبناء الحيّ الواحد عن جيرانهم وأقاربهم وزملائهم في العمل بدعوى الانتماء للشيوعيّة».[17]
بقي أنَّ مكارثي ولجنته لا يُذكران الآن، غالباً، إلا في معرض الذمّ والازدراء والاحتقار، أمَّا أسماء ضحايا المكارثيّة، من الرجال والنساء الشجعان الذين دافعوا عن حرّيّتهم وكرامتهم وإنسانيّتهم ودفعوا أثمان مواقفهم باهظة، فتُذكَرُ بكلّ الاحترام والتبجيل والتقدير.
وهذا واحد مِنْ دروس التاريخ وعِبَرِهِ العظيمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب اردني
عن جريدة " الاتحاد" الحيفاوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
[1] تشبه ذلك تهمة «تقويض النظام» التي استُخدِمَتْ بكثرة في السنوات الأخيرة في الأردنّ لتبرير زجّ المعارضين في السجون.
[2] «ضحايا المكارثيّة في الولايات المتحدة شملوا الشيوعيين وخصومهم أيضاً» - موضوع منشور في موقع التلفزيون البريطانيّ BBC في تاريخ 13 أيار 2019.
[3] إسلام محمد - موقع «ساسة» – 19أيّار2017 – مقال بعنوان (إن لم تكن معي فأنت ضدي.. هكذا كان عصر الرعب في أميركا «المؤمنة»).
[4] المرجع السابق.
[5] المرجع السابق.
[6] المرجع السابق.
[7] مقدِّمة مترجم كتاب «مَنْ يدفع للزمّار.. الحرب الثقافيّة الباردة»، إلى العربيّة، د. عاصم دسوقي. وهو ينسب هذه المعلومة إلى كتاب «أصول اليسار الأميركيّ»، مِنْ تأليف تيودور دريبر، ومِنْ ترجمة د. عاصم دسوقي.. نفسه.
[8] عدد لا بأس به مِنْ محاضِر المكارثيّة منشور في كتاب «المكارثيَّة والمثقَّفون» لأريك بنتلي.
[9] المكارثيّة والمثقَّفون – أريك بنتلي.
[10] عادل حمّودة، مقال له بعنوان «مخبر يحصل على الأوسكار»، نُشِرَ في جريدة «البيان» الإماراتيّة في تاريخ 17 نيسان 1999.
[11] حسين قطايا – مقال له بعنوان «لا شيء يبرر فعل الوشاية.. ريتشارد سكيكل يحاول تبرئة إيليا كازان من إثمه»، نُشِرَ في جريدة «البيان» الإماراتيّة، في تاريخ 28 كانون الثاني 2006.
[12] عادل حمّودة، مقال له بعنوان «مخبر يحصل على الأوسكار»، نُشِرَ في جريدة «البيان» الإماراتيّة في تاريخ 17 نيسان 1999.
[13] المرجع السابق.
[14] أمير العمري – كاتب وناقد سينمائي مصري – مقال له بعنوان «50عاماً على فيلم "قل لهم ويللي بوي هنا"»، نُشِرَ في موقع جريدة «العرب» يوم الأحد 4 – 8 – 2019.
[15] المكارثيّة والمثقَّفون – أريك بنتلي.
[16] إسلام محمد - موقع «ساسة» – 19أيّار2017 – مقال بعنوان (إن لم تكن معي فأنت ضدي.. هكذا كان عصر الرعب في أميركا «المؤمنة»).
[17] المرجع السابق.
************
ص8
انتهاكات متزايدة خلال فترة الحظر أثارت استهجان الرأي العام
المجتمع المدني يواصل ضغطه لتشريع قانون
مناهضة العنف الأسري
بغداد – عبدالله لطيف
شهدت فترة حظر التجوال الصحي تنامي أعمال العنف داخل العديد من المنازل، كان ولا زال للمرأة النصيب الأكبر منها. ومقابل هذه الانتهاكات، أطلق ناشطون ومعنيون بحقوق الانسان ، حملات واسعة للضغط باتجاه تشريع قانون مناهض للعنف الأسري، شارك فيها مواطنون ابدوا اهتماما ملحوظا أعاد هذا الملف إلى الواجهة من جديد. فيما لفت بعض الناشطين إلى أن تأخير تمرير القانون الذي يكفل الحماية للأسرة، حصل بسبب بعض الجهات السياسية التي رفضته قبل عرضه للتصويت عليه داخل مجلس النواب.
نقطة الانطلاق

الناشطة في حملة "لأسرة آمنة"، مروة عبد، قالت في حديث خاص لـ"طريق الشعب"، اننا "في البداية لم نكن نتوقع أن تكون فترة الحظر الصحي نقطة الانطلاقة لاهتمام الناس بقانون العنف الأسري، كما أن زيادة حالات العنف وانتشارها وتسليط الضوء عليها، احدثت تحولا مهما باتجاه تزايد المطالبات بهذا القانون، خلافا للفترة السابقة، وأصبح الحديث يكثر عن ضرورة إيجاد قانون خاص للعنف الأسري، خصوصا بعد حادثة الشابة (ملاك) التي أصبحت قضيتها قضية رأي عام".
وبخصوص حملة "لاسرة آمنة" ذكرت عبد "أن الحملة تواصلت مع مديرية حماية الاسرة للوقوف على أهم الإجراءات التي تتخذها في عملها على الخط الساخن الخاص بها، كذلك قمنا من خلال صفحتنا على الفيس بوك بزيادة التوعية حول اهمية قانون العنف الاسري وابرز ما سيوفره من ضمانات وحماية لجميع افراد الاسرة"، مبينة أن "دور المجتمع المدني بخصوص قضايا المرأة والأسرة يعتبر جيدا، قياسا بالمشاكل الموجودة في العراق، فالمجتمع المدني استلم تركة ثقيلة من مشاكل لا تعد ولا تحصى وبحاجة الى عشرات السنين لكي تحل".
واشارت الناشطة، أن " هناك الحملات عديدة أطلقتها منظمات وفرق كثيرة جدا، أهمها حملات ضد العنف، وأخرى تناولت المواد غير المنصفة للمرأة في قانون العقوبات، كمواد جرائم غسل العار وغيرها"، لافتة إلى ان "حملة (لأسرة آمنة) انطلقت في تموز من العام الماضي، في محافظات بغداد والبصرة وصلاح الدين وكركوك، وجاءت للدفاع عن حقوق الأسرة والمرأة".

تعطيل تشريع القانون

وفي مناسبات عديدة، جر التأكيد على ضرورة تمرير مشروع قانون العنف الأسري، للحد من هذه الظاهرة، فيما قوبل هذا التوجه بالإهمال والمماطلة من أجل تعطيل تشريعه.
وبهذا الشأن، أشار القانوني، محمد السلامي، إلى أن "مشروع قانون مناهضة العنف الاسري طرح على مجلس النواب منذ عام 2008، ولكن بعض الأحزاب والنواب المتشددين عملوا على تعطيل المشروع لأنهم يعتقدون أنه يخالف الفقه الشرعي الذي يستند على مفهوم (قوامة الرجل على المرأة)"، لافتا إلى أنه "خلال المناقشات التي جرت بين منظمات المجتمع المدني والقانونيين مع أعضاء مجلس النواب، لوحظ أن هؤلاء النواب يعتقدون أن سلطة الرجل داخل المنزل، سوف تكون ضعيفة إذا تم تشريع قانون العنف الأسري".
وتابع السلامي، خلال حديثه لـ"طريق الشعب"، إن "المادة 41 من قانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969، تسمح للمعلم والزوج ان يعنفا الآخرين دون محاسبة. لذلك نحن بحاجة إلى تعديل قانون العقوبات العراقية ثم تشريع قانون مناهض للعنف الأسري، فضلا عن أن القضاء العراقي لم يطبق القوانين بشكل فعلي وصارم، وبالتالي ارتفعت نسب الاعتداءات على الأسرة، كما أن القضاء لم يخرج عن إطار تأثيرات الأعراف العشائرية، ولذلك في بعض الأحيان نجده لا يوقع المواد القانونية على مرتكبي الجرم".
وفي هذا السياق أجرت "طريق الشعب"، اتصالا بالمتحدث الرسمي لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، للاستفسار عن مشاريع الوزارة بشأن ظاهرة العنف الأسري، إلا أن المتحدث أجاب بأن "هذه الأمور ليست ضمن سياسة الوزارة ولا علاقة لها بها، وهي من اختصاص وزارات أخرى". وأكد أن "هذه المهام أحيلت الى المحافظات قبل عامين" على حد قوله.
يذكر انه حدثت انتهاكات عديدة في الفترة الأخيرة، كان من أبرزها، اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، واعتداء زوجي شديد، وانتحار امرأة جراء العنف الأسري، وقيام امرأة أخرى بإضرام النار في جسدها للسبب ذاته، وكذلك حالات إيذاء النفس بسبب الإساءات الزوجية المتكررة، والتحرش الجنسي بشخص قاصر، وغيرها من الجرائم ذات الصلة.

التغيير يبدأ من المدارس

أما الناشطة المدنية، صبا عودة، فأوضحت لـ"طريق الشعب"، أنه "إذا تم تشريع قانون يحفظ للأسرة كرامتها، فلا بد من استحداث مناهج للمدارس تكون مخصصة ضد العنف الأسري، بالإضافة إلى تدريب الكوادر التعليمية على نبذ العنف إثناء ممارستهم المهنية".
ونوهت عودة، إلى أن "المجتمع المدني أقام الكثير من الورش والحملات التوعوية والدورات التأهيلية، وان العنف لم يكن محصورا تجاه النساء فقط. حيث سجلت بعض منظمات المجتمع المدني حالات عنف مورست من قبل النساء، ضد الآباء المسنين والأطفال"، فيما دعت الحكومة إلى أن "تتبنى قضية الإيواء للمعنفين، وعدم الاعتماد على منظمات المجتمع المدني في هذا الأمر، لأنها غير قادرة على حماية هذه الدور من أي هجمات عشائرية أو انتهاكات أخرى".

ضرورة ملحة لتشريع القانون

من جهتها، لفتت الصحفية والناشطة المدنية، سهى عودة، إلى أن ظاهرة العنف الأسري صارت بحاجة ماسة إلى تشريع قانون لإيقاف الانتهاكات التي تتصاعد لأسباب عديدة، على الرغم من الحملات والمشاريع والبرامج التي نفذتها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
وأضافت الناشطة ان : "الكثير من حالات العنف الأسري، أودت بحياة النساء والأطفال داخل الأسر العراقية. وقانون مناهضة العنف الأسري بات ضرورة للحد من ظاهرة العنف ولحماية كل أفراد الأسرة وليس فقط لحماية للمرأة وحدها، بل هو لحماية الأسرة ككل، وهذا ما يجب أن يفهمه المجتمع، ليساهم بالدفع والضغط في اتجاه تشريع القانون"، مشددة على أن "تشريع القانون مهم ولكن هذا لا يمنع من ايجاد اساليب اخرى للتعامل مع العنف، مثل تخصيص خطوط ساخنة لتسلم شكاوى حالات العنف الطارئة والتصدي لها".
************
العنف الأسري
أسبابه .. حلول تشريعية

العنف الاسري هو العنف الذي يحدث بين الاشخاص الذين تجمعهم علاقة أسرية كزوج وزوجته او الاب مع اولاده او الاخ واخته وغيرها فالاسرة جزء صغير من المجتمع ..يحدث العنف الاسري نتيجة الاساءة العاطفية او البدنية او الجسدية او الجنسية او الحرمان من بعض الحقوق او قد تكون من جميعها الى جانب تهديدات بالاساءة ،وقلما نجد الاساءة للرجال من زوجاتهم ..لكن الكثير من حالات العنف الاسري نجدها ضد المرأة والاولاد ...وجميع ذلك يعتمد على طبيعة العلاقة الاسرية والوضع المعيشي وكذلك العادات والتقاليد التي تفرض دون وجه حق...
وتتعدد الاسباب وكلها تعتمد على موضوع اختلال التوازن بين القوة والسيطرة والأطباع التسلطية الخاطئة في حدود غير معقولة ومبالغ فيها بقصد التحكم غير الاخلاقي او فرض الذات او قد تدخل لاسباب مادية ودينية متطرفة ومبالغ بها.
يستخدم الطرف المسيء في العلاقة الزوجية بشكل او بآخر وحسب طبيعة كل شخص انواعا من فرض السيطرة كالتهديد بالكلمات البذيئة والسلوك الجارح او الحرمان من ابسط الحقوق وعلى الطرف الاخر القبول وعدم الأعتراض حتى لو وصل الأمر إلى الضرب والتجريح والاهانه مما يؤدي ذلك ألى تفكك الأسرة أحيانآ ويكون ضحيتها الزوجة والاولاد في ظل مجتمع شرقي مغلق لا يحترم حقوق المرأة ولا يعطي حق الطفل المعنف ولا يصغي لهم وتحت عنوان (العيب والممنوع).
وما يدخل تحت اطار العنف الاسري منع البنت من الالتحاق بالمدرسة او العمل بسبب حكم العادات والتقاليد او الاساءة بشكل مباشر او غير مباشر او التعامل القسري مع أمور شخصية كمنعها من أستخدام اجهزة الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي مثلا.
وهناك حالات أخرى كمنع الزوجة من زيارة اهلها او الاتصال بهم او حتى التواصل مع الاصدقاء وبدون سبب مقبول بحجة العادات والتقاليد وفرضها ولو بالقوة، وحالات الضرب والكسر والخنق والحرق وما الى ذلك من ممارسات منافية للاداب والأخلاق العامة . وهناك حالات أخرى كتسلط زوجة الأب وممارسة العنف المفرط مع أبناء زوجها إلى حد تعريضهم للخطر في بعض الأحيان كعرضهم للبيع والاتجار بهم أو رميهم في الشوارع بدون وجه حق.
كل ما نشاهده في مجتمعنا من حالات عنف واضطهاد وتحرش جنسي وانتهاكات بحق الطفولة والمرأة وعدم أنصافهما يستدعي الوقوف وبكل جرأة وتحدي وإصرار للمطالبة بألغاء ماورد في المادة (41) من قانون العقوبات العراقي لسنة1969المعدل التي سمحت لرب الأسرة بالتجاوز على الزوجة والأبناء وسلب ابسط حقوقهم وحرياتهم الشخصية بأدراج جريمة تعنيف المرأة أو الطفل كجريمة يحاسب عليها القانون حسب المواد410،411،412،413،414,415,416 لأيجاد حل متصف للمعنفة او المعنف وتجنب تكرار مثل هكذا حالات.
مصطلحات التربية والتأديب والعقاب غالبا مايفسرها القضاة تفسيرا ذكوري فيها من الظلم والإجحاف بحق الأنسان المعنف في بلد يعاني من عدم وضوح القانون. فكم من ضحية فقدت حياتها بسبب هذا التشريع الخاطئ وكم من طفل انتهك وعذب وشرد وحرم من حقوقه.؟ ناهيك عن عدم محاسبة الجاني في (جرائم الشرف) وأطلاق يده بفعل فعلته بحق أو بدون حق.
وفي إحصائيات للامم المتحدة حول هذا الموضوع نجد ان النسب ترتفع يوم بعد اخر خاصة في البلدان المتخلفة اجتماعيا وفكريا واظهرت نسبة عالية جدا تقدر من ٤٦ في المائة من النساء المتزوجات اللائي تعرضن لعنف جسدي او جنسي و ٨٥ في المائة من الرجال يمنعون اي امرأة من اقامة شكوى و ٧٥ في المائة من النساء تعرضن الى التهديد كي لا يلجأن الى تقديم شكوى في مراكز الشرطة.
وهناك موضوع اهم وهو يشكل نقصا في ادارة المشاكل العائلية في العراق وايواء المعنفات والمعنفين الذين لا مأوى لهم وليس لهم الدعم المادي المطلوب وتوفير سبل العيش الكريم بعيدا عن العنف وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بل ان هذه الاماكن غير موجودة مقارنة بدول أخرى تحترم حقوق المرأة والطفولة وتعتبرها (خط احمر).
اضف الى ذلك هناك نواب في البرلمان العراقي يحاولون بشتى الطرق وبحجج واهية من عدم المساس بالتشريع السابق الذي يخص موضوع العنف الأسري بتبريرات دينية والدين براء منهم، في حين اننا نحتاج الى معالجة لهذه المشاكل المزمنة.
وعودة الى قانون العقوبات العراقي وما نصت عليه المواد التي ذكرناها سابقا فقد فرضت عقوبات على مرتكبي الفعل وهي الضرب المفضي الى الموت كالكسر والعاهة والحرق وغيرها ، تصل الى السجن وبعضها عقوبة مخففة ...لكن في ظل الظروف الحالية وما نشاهده من مشاهد ينأى بها الجبين من انواع التعذيب والتهديد والقتل المتعمد لنساء حتى هناك عوائل لم تفصح عن جرائم ارتكبت بحقها خوفا من فضحها أمام المجتمع. وعلى هذا الأساس نطالب كافة المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الأنسان بالوقوف وقفة جادة أتجاه العنف الأسري المفرط بحق المرأة والطفولة في العراق والعمل على تفعيل القرار 1325وأتفاقية سيداو لدرء خطر التفكك الأسرى المتزايد ونحن نمر بأزمات صحية واقتصادية خانقة بسبب وباء كورونا من شأنها خلق أجواء ومخرجات لا يحمد عقباها.

المحامية أسيل جبار
*************
حرمان الطفل من حضانة أمه مرفوض
ايمان الهاشمي
يعتبر الدستور القاعدة الاساسية لجميع القوانين النافذة والمشرعة والتي يجب ان لا تخالفه باي مادة او فقرة منه.
وبالتالي فان أي تعديل يطرأ على أي قانون لابد ان يكون اولا لمصلحة الشعب ولا يتعارض مع المواد الدستورية.
وبهذا الشأن وردت معلومات عن سعي البعض لتعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، بهدف تحويل حضانة الطفل من الام الى الاب، وهذا الاجراء مخالف لكل المبادئ الانسانية لأن الطفل لصيق بامه، واذا كان الطفل بحضانة الاب فبكل تأكيد سيتركه عند حاضنة اخرى لكن هذه الحاضنة مهما كانت درجة القرابة لن تكون افضل من ام على مولودها، وان من مباديء حقوق الانسان حضانة الطفل ورعايته من قبل أمه وبذلك أي قانون يجب الا يمس جوهر الحق هذا.
كما ورد في المادة 46 من دستورنا : "لا يكون تقيد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناء عليه ، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية".
فخلال فترات متتالية وردت شكاوي ودعاوي قضائية بحوادث سرقة الطفل من قبل الاب والسفر به الى الخارج ، وهذا ناتج عن التساهل بإجراءات مرافقة الطفل لصالح الأب والذهاب به الى اماكن بعيدة عن الام ، لذالك ان تعديل الفقرة 57 من قانون الاحوال الشخصية لا يخدم المصلحة العامة للمجتمع، وفي حالة اعتماد تعليمات مرفقة بالقانون تسهل اجراء مقابلة الاب للطفل . يجب حصول المحكمة على تعهد شخصي من قبل الاب على أن يلتزم بالتعليمات التي تعين مكان اصطحاب الطفل ، والرجوع به الى امه في الوقت المحدد، ولا تسمح بإلحاق الأضرار بالطفل والسفر معه بعيدا عن امه.
************
العنف ضد المرأة بين جهل الضحية وغياب القانون
سماء سلام
كيف للمرأة أن تتخلص من العنف اذا كانت تجهل تعرضها له ؟!
فالعنف ليس بمفهومه العام المتمثل بالتعرض للضرب فقط وانما هو كل اعتداء تتعرض له متسبباً بحدوث ضرر جسدي او جنسي او نفسي لها او حتى مجرد تهديدها بالاعتداء.
و هو اي محاولة تعدي على حقوقها وسلب حريتها وارادتها كالعادات البالية التي لا تزال تمارسها بعض المجتمعات ضدها مثل (الاكراه على الزواج او الفصلية او زواج القاصرات ) و حرمانها من التعلم والعمل ومنعها من الاستقلالية الاقتصادية مما يجعلها شخصاً تابعاً لأحد افراد الاسرة . وهذا التهميش المستمر قد يزيد من نسبة تعرضها للعنف..
فالعنف ضد المرأة ليس بالأمر الحديث فمنذ قديم الزمان كانت تمارس ضدها اساليب العنف التي تعتمد على الجنس مثل (وأد البنات) ، واذا كانت الطفلة محظوظة جداً لتعيش فإنها تكبر لتحصل على نصيبها المتبقي من العنف سواء من الأسرة او المجتمع!
قد تعود دوافع العنف لأسباب نفسية او مرضية يعاني منها المعتدي منذ الطفولة وقد يكون هو الآخر فيما سبق طفلاً معنفاً ، او ربما لأسباب اقتصادية كتردي الوضع المعيشي وتفشي الفقر والبطالة مما يسبب ضغوطات نفسية على معيلي الاسرة بالذات، ولكن السبب الرئيسي هو تدني المستوى التعليمي وتفشي الجهل بين افراد المجتمع وسيادة العادات والتقاليد وبعض الافكار الخاطئة المتعلقة بالشرف وفرض القوة الذكورية.
ولا يتم معالجة العنف ضد المرأة من خلال سن القوانين المناهضة له فقط ، وانما من خلال تثقيف المرأة حوله وتعزيز دورها في المجتمع وابرازها كعضو فاعل فيه وتعزيز المساواة بينها وبين الرجل بتقديم الفرص المتساوية لكلاً منهما.
**********
مفوضية حقوق الانسان تطالب بتشريع قانون العنف الاسري
بغداد - طريق الشعب
طالبت مفوضية حقوق الانسان بضرورة تشريع قانون العنف الاسري، لكونه عنف متجذر في المجتمع وليس وليد اليوم وان الاعراف الاجتماعية تمنع الضحية من تقديم الشكوى ازاء الرجال الذين يقدمون على تعنيف نساءهم او اطفالهم. عضو مفوضية حقوق الانسان فاتن الحلفي قالت في تصريح لوكالة "كلكامش برس" ان "المفوضية تعاني من مشكلة تسجيل شكاوى العنف الاسري بسبب الاعراف الاجتماعية، فالكثير من النساء المعنفات يتعرضن الى ضغوطات لمنعهن من تقديم الشكوى ضد الاخ او الزوج او الاب او أي شخص مقرب اقدم على تعنيفها". وذكرت ان "العنف الأسري متجذر في المجتمع العراقي وليس وليد اليوم ولكن الضوء الاعلامي سلط عليه اكثر خلال هذه الفترة بسبب فرض حظر التجوال الصحي".
ولفتت الحلفي الى ان "العراق اصبح ثالث دولة في الوطن العربي بارتفاع نسب الطلاق". من جانبه، ذكر عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي في تغريدة له على "تويتر"ان "العراق وقع على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة سنــة 1986 ولم يشرع مجلس النواب قانون العنف الاسري الى اليوم". واشر البياتي ان " الأسرة أساس المجتمع، ومن اهم مقومات حماية الأسرة وجود قانون واضح يعرف الأسرة والعنف الأسري ويحدد عقوبات واضحة لجريمة العنف الأسري ويحدد آليات دعم ضحايا العنف الأسري".
*************
ناشطون في مجال حقوق الانسان :
الفقر المدقع وفرض حظر التجوال وغياب القانون
عوامل رئيسة في ارتفاع مناسيب العنف الاسري
طريق الشعب - علي الورد، أحمد ستار العكيلي
تفاقمت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف الأسري بأشكالها ومستوياتها العدوانية اللفظية والجصسدية المختلفة. ويعد العنف الأسري، وخاصة العنف ضد المرأة، من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة في دول ومجتمعات كثيرة، بينها العراق. وتعود هذه الظاهرة – وفق اختصاصيين – إلى أسباب عدة منها اقتصادية واجتماعية وثقافية، فضلا عما يرتبط بنقص التوعية. فيما برز في الآونة الأخيرة سبب آخر للعنف الأسري تمثل في ضغوطات الحجر المنزلي الإجباري إثر انتشار فيروس كورونا. إذ يعامل البعض من الرجال، المرأة في البيت كالجارية .
مراسل "طريق الشعب" في محافظة ديالى، التقى د. إبراهيم محمود وسأله عن صور العنف الأسري. وقد أشار الأخير إلى أنها تشمل "الاعتداء الجسدي او الجنسي او الفكري الذي يرتكب بحق الاشخاص، وهو شكل من اشكال التصرفات السيئة".
وأضاف قائلا أن "خطورة العنف الاسري تكمن في ما ينتج عنه من ردود افعال مختلفة لدى الضحايا، أو إصابات يتعرضون لها كالكسور في العظام او إصابات في الرأس او التمزقات العضلية، ما يتطلب عناية طبية ونفسية"، موضحا أن اتساع هذه الظاهرة في العراق يرتبط بتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فضلا عن عدم وجود قانون يحمي المرأة والطفل من العنف الأسري.
ودعا د. محمود مجلس النواب والحكومة إلى تشريع قانون ينظم العلاقات الأسرية، ويحمي العائلة من العنف الأسري.
ويشير العديد من المتابعين، إلى أن من بين الأسباب التي فاقمت العنف ضد المرأة، هو سكوت المرأة نفسها عن العنف الذي تتعرض له. إذ لا ترجع إلى وضع الحلول من خلال إلزام المعتدي بإيقاف العنف ضدها، الأمر الذي يجعله يستمر في التعنيف أمام غياب الرفض أو المقاومة أو الاعتراض.
كذلك يذكر البعض من متابعي هذا الشأن، أن ضعف التعليم وغياب الثقافة، من أسباب العنف الأسري، موضحين أن التعليم يلعب دورا في توعية الفرد بحقوق المرأة والأسرة بشكل عام.
فيما يذكر آخرون أن من أبرز أسباب العنف الأسري وأكثرها خطورة، هو ارتفاع معدل البطالة والفقر والعيش في ظروف صعبة وعدم المقدرة على الحصول على أبسط الاحتياجات الأساسية للأسرة، ما يؤدي إلى العنف ضد المرأة، الذي يزداد اتساعا في ظل عدم شروع الجهات ذات العلاقة بتوعية الأفراد بمخاطر هذه الظاهرة، إلى جانب غياب الرادع القانوني.
إلى ذلك تقول الناشطة المدنية في مجال حقوق الانسان، جمانة عبد الخالق، لــ "طريق الشعب"، أن المرأة تتعرض للعنف بناء على معتقدات ما أو بسبب عوامل اجتماعية أو ظروف اقتصادية، مشيرة إلى أن النتيجة في النهاية واحدة، وهي العنف.
وتضيف قائلة أن الشخص الذي يعنف المرأة، والذي في الغالب يكون الزوج، يحمل صفات عدة، أبرزها انخفاض مستواه التعليمي، أو تعرضه هو نفسه للعنف الأسري ولسوء المعاملة في الطفولة، فضلا عن وجود اضطراب في شخصيته التي تكون معادية للمجتمع، أو قد يكون مدمنا على الكحول.
وتطالب الناشطة جمانة بإقرار قانون لحماية الأسرة من العنف، داعية المنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى الوقوف عند هذه الظاهرة الخطيرة، والضغط باتجاه تشريع قانون العنف الأسري وتطبيقه.
وفي السياق، تدعو الناشطة المدنية عبير الشمري، من خلال "طريق الشعب"، إلى إدانة جرائم العنف الأسري، والوقوف ضدها بحزم، داعية في الوقت نفسه الجهات المختصة الى إلقاء القبض على مرتكبي تلك الجرائم وتقديمهم للقضاء.
وتشدد الناشطة عبير على ضرورة الالتزام بما جاء في مقررات "مؤتمر سيداو" الذي كرس أعماله لحقوق المرأة واحترام حقها وتمتعها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
****************
ص9

كوفيد 19

للشاعر: فنجنسو رومانيوولو
ترجمها عن الإيطالية: عبد الوهاب الدايني

يكون نهاية لحلم
الاحساس بالفراغ
عمق مظلم
مختلط بالحزن
الذي يطوي القلب
في بكائية عنيفة
سعادة ضائعة تلك التي تجرح الروح
لذكرى مستمرة
حافرة في اللانهاية
داخل ارجوحة
بين الحياة بين الموت
حنين من العالم
مَعلق فوق رغبات
اكثر ودادا
في معركة
مختبئة وراء
ابتسامة
داخل غضب
متنكر
خلف الصمت
**************
رأي
التوظيف السياسي للسلطة (الأبوية)
مالك مسلماوي
الابوية في اللغة التداولية تكتسب شيوعا واسعا في الوسط الاجتماعي ، وتحظى باستجابات ايجابية لدى الشرائح كافة ، وهي من اسس البناء الاسري في المجتمعات الانسانية. وفي مجتمعاتنا العربية و الاسلامية لها مكانتها العليا في تنظيم العلاقات الاسرية و ضبط المنظومة الاخلاقية و طرائق السلوك .
والابوية نسبة الى الاب، كما ان الامية نسبة الى الام . ومنهما تتشكل وحدة بناء المجتمع . ولأسباب بيولوجية وتاريخية واجتماعية - لا يسعنا الوقت للحديث عنها هنا – اصبح الاب هو الرأس و الراعي و الموجًه ، وعليه تلقى المسؤولية الاولى في رعاية الاسرة وادارة شؤونها. الامر الذي اوجب على افراد الاسرة الخضوع والاحترام والاحتكام اليه في الامور الحياتية، وهذه المكانة تتأتى من جانبين: الاول هو الرابطة الجسدية (رابطة الدم) بين الاب واولاده و رابطة الزواج بين الاب (الزوج ) والام (الزوجة ). وتتحول هذه الروابط الى رابطة روحية ووجدانية تؤدي الى خلق الالفة والتعاون بين افراد الاسرة. الجانب الثاني هو تكفل الاب بتوفير متطلبات المعيشة الاساسية والثانوية من طعام و لباس و وسائل وحاجات ..الخ . من هنا كان الامتثال والخضوع والاحترام من الواجبات الاساسية الواجبة على افراد الاسرة جميعا. فالصلة هنا مادية روحية في العموم.
ولإحكام السلطة على المجتمع استعير هذا المصطلح (الأبوية) ليكون داعما ومكملا لسلطة الحاكم في دولته، (واطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم.) فكان ميزة خاصة للسلطة الدينية في محاولتها للجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية. في حين تنحسر او تنعدم هذه السلطة في النظم السياسية العالمية الشرقية والغربية حيث شهد العالم انحسار السلطة الروحية لصالح النظم الديمقراطية واللبرالية واليسارية وحتى اليمينية ذات الولاءات القومية والعنصرية.
ان الدعوة الى نظام (ابوي) في العصر الحديث قد يكتب لها القبول المحدود على المستوى الاجتماعي لاهتزاز منظومة الوعي وتعدد ضغوطات الحياة التي تدفع الفرد للاحتماء ب(أبيه) الحاكم او القائد او الزعيم القادر على ما لا يقدر عليه الاب الحقيقي، اذ الاب هنا أب شامل للجميع، للكبير والصغير للرجال والنساء او لمن يجد فيه منقذا له من الضياع والتعثر في سبل الحياة الدنيا. ليس هذا فحسب بل من يشفع له وينقذه في اليوم الآخر. هذه السلطة نشأت ونمت تحت تأثير الولاءات الدينية والمذهبية ذات الأثر الكبير على شرائح واسعة من ابناء المجتمع وبخاصة في الظروف العصيبة والكوارث. وقد برزت من جراء ذلك ظاهرة (التقليد) في بعض المذاهب، فكانت هذه السلطة تفوق اية سلطة اخرى لما لها من اثر روحي ويقين راسخ بقدراتها اللا محدودة في حل المعضلات.
ان هذا القبول المحدود بطروحات النظام الابوي لا ينسجم مع طبيعة المجتمعات المعاصرة التي لا ترضخ الا لسلطة القانون، ومع تطور الحياة و سيادة التكنولوجيا يصبح كل خطاب رهين بما يقدمه على ارض الواقع من انجازات ملموسة تساعد الانسان على الوصول لغاياته في حياة آمنة مستقرة بعيدا عن الاصطفافات والولاءات الضيقة بعد ان بات الكوكب قرية صغيرة تربطها الرابطة الانسانية والمصالح المشتركة.. ولنا شواهد من العالم المتطور المتمدن، الذي حرر الفرد من الافكار والمقولات التي لم تجدِ له شيئا، فالأبوية فات أوانها وان كانت تصدر عن نوايا حسنة، لماذا؟ لان الابوية في الفضاء الاسري لم تبق كما في السابق بعد التحولات المتصاعدة في البنية الاجتماعية وتفجر لحظة الوعي لدى الابناء واختلاف المقاييس الاخلاقية. بمعنى ان احترام الآباء لا يعني الخضوع المطلق لهم وهذا لا يضعف من المنظومة الاخلاقية انما اخلاق اليوم هي ليست بالضرورة اخلاق الامس. وقد شخص ذلك بقول حكيم يدل على رجاحة العقل ينسب الى الامام علي عليه السلام: "علموا ابناءكم لزمان غير زمانكم ".
وبما ان (الأبوية الاسرية) اليوم هي غيرها بالأمس، وأصبح الآب صديق ابنه وبنته، والام صديقة اولادها. فان ما لاحظناه من فعل الابناء والبنات في سوح التظاهر ومستويات وعيهم وقدرتهم على قيادة انفسهم والمجتمع. و تحدي الظروف الصعبة و مواجهة الموت بصدور عارية والاصرار على نيل مطالبهم، نعترف بان العلاقات الاجتماعية والاسرية تغيرت، وان جيلا جديدا لا ينصاع الا لما يقتنع به . واعتقد ان هذا التمرد هو تمرد ايجابي اساسه الثقة بالنفس وتطور منسوب الوعي وعقلنة الحياة. وبناء عليه فان توظيف مفهوم الأبوية سياسيا لا يلائم روح وشكل العصر وغايته فرض الهيمنة المطلقة على الجيل الجديد و خنق رغبته في التغيير.
************
مسرح
(يأتي ويذهب) مسرحية بيكت القصيرة جدا

صباح الانباري
صموئيل بيكت (1906-1989) واحد من أشهر كتاب الدراما العالمية. اشتهر ككاتب تجريبي عبثي مميز. كتب مسرحية (في انتظار غودو) التي ترجمت إلى عدد من اللغات الحية ومنها اللغة العربية، وحققت شهرة غير مسبوقة عالمياً. اشتغل بيكت على مبدأ العبث واللامعقول أسلوباً في كتاباته المسرحية. وله السبق في كتابة أول نص من الـ(pantomime) كمسرحية قابلة للقراءة من على الورق، وقابلة للعرض على خشبة المسرح فكانت له الريادة في هذا الفن الفريد لكنه لم يقدم لنا عملاً غير هذا من شأنه ان يدعم التجربة ويطورها، وكتب أيضاً عملاً إذاعياً واحداً، وكل هذه الأعمال تميّزت بفرادتها وابتكاراتها وتجريبيتها. أما مسرحية (تأتي وتذهب) فقد تميزت في كونها أول مسرحية قصيرة جداً يمكن تناولها من حيث:

1. العنونة: (تأتي وتذهب come and go)
تشير العنونة إلى حركة دائرية تبدأ ولا تنتهي أو لنقل حركة ليس لها بداية أو نهاية منذ خلقت الأبدية، وهي لهذا تشبه عقدة السلتك (Celtic Knot) الزخرفية التي ورثها العالم من الحضارة الكلتية 500 سنة قبل الميلاد ويعتقد انها بدأت في ايرلندا (موطن الكاتب ومحل ولادته) واستخدمها بيكت في نهاية هذه المسرحية من خلال تشابك أيدي الشخصيات الثلاث. ومن الجدير بالذكر أن حجم هذه المسرحية لا سابق له من حيث المساحة التي تأسست عليها، والزمن القصير (8 دقيقة) الذي استغرقه عرضها على خشبات المسارح العريقة. ولم يسبق بيكت أي كاتب مسرحي آخر في كتابة مسرحية صائتة بهذا الحجم المبالغ في صغره وليس هذا بغريب عن بيكت المبدع التجريبي الذي كان له السبق في كتابة أول مسرحية من البانتومايم (فصل بدون كلمات) Act without words كما مرّ بنا، واشتهر بريادة مسرح العبث واللامعقول الذي عكس ما في الحياة الاوربية من جدب وخواء ما بعد الحرب العالمية وخاصة في مسرحيته الأكثر شهرة (في انتظار غودو Waiting for Godot) وعود على بدء فان العنونة بنيت على مفردتين متعاكستين في الاتجاه والمعنى أو يمكن القول أيضاً انهما تسيران على خط متناوب يؤدي أحدهما إلى الآخر في حركة دائرية دائبة.

2. شخوص المسرحية:
ثلاث فتيات بأعمار متقاربة متساويات في الطول، يرتدين ثلاث فساتين متشابهة الفصال (الموديل) ولكن بثلاثة ألوان مختلفة، يعتمرن قبعات متشابهة ترسم على وجوههن ظلالاً موحدة. كل واحدة منهن تشبه الأخرى وكأنهن شخصية واحدة انقسمت على ثلاث شخصيات مستقلة. تبدأ المسرحية بهن وتنتهي بهم أيضاً.

3. الحوار والحركة:
وهو حوار قصير بجمل قصيرة مكررة، الغاية من تكرارها هو جعل الشبه بين المتحاورات كبير جدا حد إزالة الفواصل التي من شأنها شخصنة كل واحدة من الشخصيات الثلاث )فلو وفاي ورو) على حدة. تقول فلو لرو متسائلة بعد ذهاب فاي:
فلو: ما رأيكِ بِفاي؟
رو: لم تتغير إلا قليلاً.
وتقول رو بعد مغادرة فلو متسائلة أيضاً:
رو: كيف وجَدتِ فلو؟
فاي: لم تتغير كثيراً
ويكرر السؤال من قبل فاي بعد مغادرة رو بالطريقة نفسها...
ومثلما تشابهت الأسئلة تشابهت الإجابات، ومن حيث الايماءة تشابهت الوشوشة والغيبة صمتاً، وعلى صعيد الحركة تشابهت الحركات وسوف تظل على هذا المنوال حتى النهاية. لقد اقتصرت الحركات على عمليتي الذهاب والمجيء(come and Go) وهي حركات دورانية رتيبة أراد منها الكاتب الإشارة الى رتابة الحياة ودورانها المتكرر بشكل يدعو الى السخرية منها والتمرد عليها ورفضها وهذه هي بالضبط رسالة المسرحية التي أرادت ان تقول إن الكلَّ يعرف الآخر وأن الآخر يعرف الكل بالقدر نفسه الذي يعرف الآخرون عنه وكأن لا شاغل لهم في الحياة الا الغيبة والنميمة فكل الشخوص مجدبين وخاوين وما من أحد يغير هذا الأسلوب الفج العقيم، او يلغي سوداوية عالمهم المتشائم. الغارق في حلكة مظلمة ولهذا جعل الكاتب خلفية المسرح سوداء معتمة. وان الشخوص تختفي في الظلام وتأتي من الظلام أيضا. من هنا تبدو فكرة المسرحية بسيطة جداً ومتواضعة أيضاً وهي الفكرة أو الثيمة الرئيسة التي اشتغل عليها بيكت في أغلب إنْ لم اقلْ في معظم أعماله المسرحية. أما الارشادات التي دونها خارج المسرحية ومنها اطلاقه اسم (مُسَيْرَحيّة) تصغيراً لتلائم الحجم الصغير الذي اختاره لها، حسب ما ذكرته مترجمة النص الفنانة المسرحية اقبال محمد علي، نقلا عن التسمية الإنكليزية Dramaticule وتعني حرفيا المسرحية الصغيرة ثم صارت هذه المفردة تطلق على أي عمل درامي صغير. وهذا يعني ان بيكت كان الأول في ابتكار مصطلح جديد في اللغة الإنكليزية مشتق من كلمة dramatically وهكذا نجد أنه لم يضفْ الجديد الى الدراما بل أضاف الجديد أيضا الى اللغة الإنكليزية التي يجيدها باحتراف.
*************
تشكيل
المصمم الكرافيكي
وفضاءات التفكير
د.معتز عناد غزوان
يعد المصمم الكرافيكي الإنسان الواعي الأكثر اتساقاً بمجتمعة وما يحيط به من ظواهر مختلفة التأثير، يتأثر بها ويؤثر فيها من خلال بناء أو تشكيل التصميم بما يتلاءم مع معطيات الحالة الضاغطة عليه من حيث الفكر وصناعة الفكرة ومراحل التفكير وبالتالي تكون المحصلة المنطقية لذلك هي بناء التصميم والإشهار به.
تختلف الموارد البصرية في مديات التأثير على ذهنية المصمم بوصفه صانعاً ماهراً في ترجمة الظواهر البصرية ولاسيما تلك الظواهر أو الموارد التي تؤثر فيه ويعيش حالاتها وإرهاصاتها بكل صدق وإيمان ووعي. فالعواطف والمشاعر هي من أهم التأثيرات الناجمة عن التفاعل ما بين الموارد البصرية من جهة والتفكير من جهة أخرى لتكون المحصلة النهائية هي ترجمة تلك المدخلات البصرية إلى التصميم. وتلك هي الاستجابة للظاهرة التي تكون حسية تارة أو غير حسية أو ملموسة أو غير ملموسة تارة أخرى، وبالتالي الإحساس بالظاهرة البصرية وبدء عملية التفكير البصري أو المرئي، ويكون التفكير هنا قابلاً للتحول ما بين اليسر والصعوبة، حسب التأثير الضاغط للمصدر البصري، فهنالك صلات معقدة ومركبة تربط ما بين العاطفة والتفكير ولكل منهما التأثيرات العكسية المتبادلة التي تحقق وتتيح للمصمم القابلية الواسعة في تحليل تلك المصادر أو الموارد البصرية بالشكل العلمي والمنطقي، لذلك فان عمليات الذهن والتفكير تنشأ وتتفرع من العاطفة، والتي تمنح بدورها المقدرة الكبيرة والواسعة في منح الحوافز والدوافع لبدء عملية التفكير، فالتفكير البصري هو من يحدد الجميل والقبيح والسهل والصعب والغامض والواضح وغيرها من الصفات المختلفة التي تتمتع بها كافة الموارد البصرية المحيطة بالمصمم الكرافيكي. فهو من يخوض تلك التجربة ويعيش لحظات التأمل ودراسة الحالة التي تبثها الموارد أو المصادر البصرية بدلالاتها المختلفة وأهدافها المتنوعة في بث الرسالة البصرية وتأثيراتها التي تسير على وفق هدف نشأت عليه تلك الظاهرة وتحاول إرسال معانيها إلى ذهنية المصمم. إن الظواهر البصرية ومواردها ولاسيما تلك الموارد التي تنشأ في المجتمع المعين أو التي تشترك في مجتمعات عدة، تكون تأثيراتها واضحة في محاكاة مخيلة المصمم وتفكيره المتجسد في طرحه تساؤلات متنوعة منها، ما هي الصلة التي تكمن في علاقة الظاهرة البصرية بالمجتمع من جهة وبالمصمم بوصفه احد أفراد ذلك المجتمع؟، وهل أن المصمم الكرافيكي في تفكيره مؤمناً بتلك المصادر البصرية في تقديم أفكار تحل وتوجه المجتمع إلى اتجاه فكري معين؟ وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تدور داخل المخيلة المبدعة للمصمم في دراسته للحالة الصادرة من محاكاة المورد البصري. ان تمسك المصمم وخضوعه بطريقة لا إرادية للاعراف والتقاليد تنعكس هي بشكل ملموس في بناء التصميم ونجاحه. كما إن المصمم في تأويله وتفسيره للظاهرة البصرية وإنتاج الفكرة الناجحة لابد أن يمر بسلسلة من التأثيرات البصرية التي تكون قابلة للتطور والتفعيل في التصميم كما تقوم بدورها بتعميق الجانب الحسي والإدراكي للمجتمع أو المتلقي كفرد، وتفاعلهم مع الظواهر البصرية الناتجة من تلك الموارد أو المصادر، لتسهم في بناء الفكر وثقافته التي يحتاجها المصمم لبناء تصميمه ونجاحه ولاسيما المصمم الكرافيكي لما يتحمل من مسؤولية واضحة في مخاطبة الرأي العام والخاص وكافة المستويات الثقافية بمختلف شرائح المجتمع والولوج إلى مخاطبتهم والتأثير فيهم، وهي من أهم أهداف التصميم ومادته البصرية. لذلك يتأثر المصمم بأي مصدر بصري لتكوين أفكاره واختيار أدواته ودراسة ألوانه، كذلك .استطاع المصمم الكرافيكي أن يستفيد من المورد أو المصدر البصري في استعماله المنطقي والجمالي في تنسيق الألوان والاتساق فيما بينهما على وفق تجارب يقوم بها للوصول إلى اتخاذ قرار لوني مناسب يلاءم التصميم الذي يعده ويفكر في بنائه، لأنه قام بتجارب بصرية مهمة في دراسة المصدر البصري الجميل وتأثيراته في التصميم ورواجه وإشهاره. لذلك تعد الطبيعة المصدر البصري الرئيس الذي يلهم المصمم المقدرة الكبيرة في التفكير والابتكار في المنجز الكرافيكي. إن قوة التأثير أو السلطة البصرية تشكل عاملاً ضاغطاً على أداء ونتاج المصمم إذ تدعوه إلى التأمل والتحليل والتركيب والإخراج. فالقدرة على الترميز والتشفير هي من أهم الانعكاسات التي تفرضها الموارد البصرية على المصمم ، لأنه الشخص المعني بدراسة الحالة البصرية وتفكيك مكوناتها وتشكيلها بكل بساطة ويسر وتأثير كبير في المتلقي. يستطيع المصمم بمقدرته العالية على التخيل بعد التفكير المنطقي ودمج الوقائع وتحديد الأهداف وإيصالها بطريقة ابتكاريه ومؤثرة بعد أن تتم عملية التخيل الإبداعي لديه، فالتخيل هو رد فعل الطبيعة بمختلف مواردها البصرية لمحاكاة العقل والذهنية المبدعة للمصمم، ويسهم التخيل بشكل كبير في بناء التصميم وتقديمه بشكل جديد ومشوق وجذاب ترتبط فيه ملامح وسمات المصمم الأسلوبية والأدائية في الفعل والإنتاج. ويدخل المصمم في معظم اشتغالاته في ميدان التفكير الخيالي الرمزي لأنه الأكثر بحثاً واهتماما من قبله، فالتصميم الكرافيكي بطبيعته هو تعبير عن فكرة ما بصرياً، وهذه الفكرة لابد أن تكون من خلال المحاكاة التي تحدث ما بين المصمم والمورد أو المصدر البصري الذي يعد الحالة التي ترتكز عليها ذهنية المصمم الكرافيكي المبدع.
وتعد الصورة بمختلف أنواعها ومكوناتها من المصادر البصرية المهمة في التأثير المباشر في المتلقي ولاسيما في استعمال المصمم بطريقة علمية ومهارة ومنطقية لموقعها في التصميم بوصفها احد أهم العناصر الكرافيكية البنائية للتصميم ، وهنا يتطلب على المصمم مراعاة مكونات الصورة وأهدافها الاتصالية من جهة وجمالية تأثيرها وجاذبيتها وقوة تلك الجاذبية في فرض التجاذب ما بين التصميم الكرافيكي ككل واحد وبين التأثير الواضح في المتلقي. وتكون الصورة بمثابة الرمز أحياناً، كما تؤمن الصورة بشكل كبير معلومات بصرية مهمة في التأثير، على الرغم من صعوبة تحديد قيمة ذلك التأثير في المتلقي أو يكاد يكون الأمر نسبياً في الإدراك والتحليل. ويكون تحليل الصورة مسألة سيمائية أحياناً أو فلسفية في تفكيك مكوناتها وإبراز أهدافها في التصميم الكرافيكي، فالمعنى مرتبط بالإشهار، ذلك ان الملصق على سبيل المثال يعد من أولويات عمل المصمم ، ويعتمد فيه على دراسة المؤثر البصري والكشف عن مكنوناته بطريقة علمية توجيهية، تنقل الأفكار ومحتواها بشكل مباشر بعد التفكير المعمق باليات توجيه الفكرة، لان الملصق وسيلة تهدف إلى غاية، والإعلان وسيلة تواصلية ما بين التاجر والمستهلك.
***********
قراءة
الحزن والخوف في رواية "السقشخي" (سوق الشيوخ)
أياد خضير
"السقشخي" رواية مكان تطلق على الشخص الساكن في منطقة سوق الشيوخ، وهي مدينة الشعر والكرم والشجاعة مدينة فراتية تصدت للعنف والدكتاتورية فكانت منبع الثورات، وعلى الرغم من الحصار والظلم ظلت مدينة الشجعان..
تحكي الرواية قصة شاب عراقي اسمه ماجد معلم تربية فنية، جامعي في مدرسة ابتدائية، راتبه بسيط لا يسد نفقات الاسرة العراقية. الراوي يسرد محنة العراقي ابان الحصار الاقتصادي على العراق.. فكرة الرواية تجسد الظلم والجور الذي يصيب الانسان في الوجود كونه محاصر بالكثير من مطبات الحياة ، يقوم البطل ماجد ببيع الشاي بعد الدوام الرسمي ، فيطارد ويعتقل من قبل السلطة بحجة المخالفة لتعليمات الوظيفة الحكومية ، احدهم كتب تقرير بذلك .
( الا تخجل من نفسك .. معلم تربية فنية يعني فنان .. وتبيع الشاي!!)
الرواية تحدثنا عن تاريخ العراق وما مر به من ويلات وعن الحالات الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية التي تجعل القارئ يبحر في مغازيها محاولا الوصول الى حقيقة المجتمع وما يعاني منه من ظلم وحكم تعسفي يدفع ( ماجد ) بعد خروجه من المعتقل للسفر الى الخارج خصوصا وانه مطارد من اشخاص كتبوا عنه تقرير أعتقل على اثره، واستطاع الهروب الى الاردن عن طريق راعي غنم اوصله الى الساحة الهاشمية وعرفه على شخص صاحب فندق هيأ له السفر الى لبنان عن طريق شخص معاق اسمه حامد السماوي المتواجد في الساحة الهاشمية بعد تعرضه للاعتقال في الاردن مطالبين بأوراقه الثبوتية استطاع صاحب الفندق تخليصه من المأزق .
في لبنان يتعرف على فتاة مسلمة امريكية اسمها ( زينب ) هربت عائلتها جراء الحرب اللبنانية، استطاع ان يقيم معها علاقة ويتزوجها، اكملت زينب اوراق الزواج من السفارة الأمريكية.. بعدها استطاع الوصول الى امريكا .
( هاربا من جور الحياة.. كنت ساهما في احد المقاهي شارع الحمراء .. أخاف من رؤية أية شخصية عراقية قد تعرفني .. وكانت هي كذلك ، تجلس وحيدة .. ومثل قدر لا يراه الا في المخيلة، ابتسم احدنا للأخر ربما الوقت الطويل الذي امضيناه جلوسا منفردين اوحى لبعضنا اننا في مازق حياتي).
الرحلة كانت تحمل صراعاً يجمع من الحزن والخوف فقد اعتقل من قبل جماعة أتهم بانه ارهابي لأنه صور برجي التجارة العالمي أثناء الانفجار في 11 سبتمبر ايلول الذي كان محض صدفة اثناء تواجده قرب المركز التجاري جاءت طائرة وقصفت البرج ولحقتها طائرة ثانية وقصفت اخذ يصور بكامرته وهو مرعوب هرب كما هرب الكثير وعمت الفوضى المكان ولأنه كان متابع من قبل اشخاص اتهم بانه من تنظيم القاعدة وهو المشارك في التخطيط .
يسرد لنا الروائي كيفية اعتقاله والاسئلة المملة التي تلقاها ماجد.. أنه سرد محبوك من سارد يحكي وجعه أثناء الاعتقال والاستجواب .

في الرواية العديد من النقاط المهمة:
1ــ تعدد الأمكنة والازمنة، الهروب من العراق الى الاردن الساحة الهاشمية والى لبنان الساحة الحمراء والى امريكا والمركز التجاري في نيويورك ومن ثم الرجوع الى بغداد والتجوال في امكنة عديدة ومن ثم الى الناصرية وسوق الشيوخ الى اهله في منطقة الاسماعيلية الغنية بالأمكنة الى جانب "السقشخي" سوق الشيوخ .
2ــ الرواية كثيرة الاسترجاع ( فلاش باك ) في الخارج يتذكر زوجته وعندما يكون في العراق يكتب عن الشوق والفراق .
3ــ الرواية فيها كلمات عامية وهي ليست عيباً بالعكس زادت السرد اشتياقاً.
4ـ رواية "السقشخي" من ثلاثة عشر باباً او مقطعاً أغلب هذه المقاطع تحمل مواصفات القصة القصيرة ذات ثيمة واحدة. .
5ــ هذه الرواية تعد ادانة لسلبيات الماضي التي مر بها العراق من حصار وحروب وانتهاك للحريات والدكتاتورية القاتلة وتهشيم القناعات الزائفة كل هذه الاشياء دفعت باتجاه المرارة، فكانت رحلة مكوكية ذهاباً واياباً، صراع مع الخوف والحزن والالم .
***********
لماذا؟

لماذا تعتمد السلطة على تجهيل المواطن وتخادعه بأوهام السلة الغذائية في البطاقة التموينية، والبطاقة الدوائية؟
والحقيقة تؤكد استلام مادة او مادتين كل شهرين، وبطاقة دوائية يدفع المواطن مقابلها أربعة آلاف دينار كل شهر ويقبض كف هواء!!
************
ص10
شيوعيو بابل يزورون مؤسستين صحيتين
الحلة - طريق الشعب
في مناسبة اليوم العالمي للتمريض 12 أيار، زار وفد من اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في محافظة بابل، "مستشفى الحلة التعليمي" و"المستشفى التركي" في مركز المحافظة. وقدم الوفد إلى مستقبليه من مديرين وأطباء وممرضين، التهاني في المناسبة، ووزع عليهم باقات ورد وحلوى. سكرتير اللجنة المحلية الرفيق بهجت الجنابي، الذي تقدم الوفد، أوضح من جانبه إلى مستقبليه اهتمام الحزب بشريحة الأطباء والممرضين وكل العاملين في القطاع الصحي، نظرا لدورهم المهم في تقديم الخدمات الصحية لأبناء المجتمع والحفاظ على حياتهم، خاصة في هذه الأيام الصعبة مع تفشي وباء كورونا المميت. من جانبهما، ثمن مديرا المؤسستين والكوادر التمريضية والطبية، زيارة الوفد، مشيدين بمواقف الحزب المنحازة لقضايا الشعب.
وفي السياق، قامت اللجنة المحلية بطباعة عدد من الملصقات التي تهنئ في المناسبة، وعلقتها على واجهات مباني المؤسسات الصحية وعدد من الأماكن العامة في مركز مدينة الحلة.
إلى ذلك، زار وفد من المنظمة الطلابية في الحزب الشيوعي العراقي، "مستشفى الصدر" في بغداد. وقدم الوفد التهاني في المناسبة إلى الكادر التمريضي في المستشفى، متمنيا له التوفيق والنجاح في عمله الطبي الإنساني، ومثمنا جهوده الاستثنائية وهو يتصدى هذه الأيام لوباء كورونا الخطير.
**********
بابل تحتفي بشاعرها البار المبدع موفق محمد
الحلة – طريق الشعب
احتفلت مدينة الحلة صباح امس الاول الاربعاء بإزاحة الستار عن نصب لشاعرها الكبير، شاعر الشعب موفق محمد.
وشارك في الاحتفال الامين العام لاتحاد ادباء وكتاب العراق القاص حنون مجيد، وممثلون آخرون للاتحاد ولاتحادات الادباء في المحافظات، وحشد من الوجوه الثقافية والاجتماعية والمواطنين الحليين، الى جانب الشاعر المحتفى به نفسه.
وافتتح الاحتفال الفنان غالب العميدي، متحدثا عن الشاعر موفق واهميته بوصفه تجربة شعرية متميزة، وقيمة عليا لبابل والوطن كله. وتحدث في الاحتفال القاص والروائي حنون مجيد، والمتبرع باقامة النصب الدكتور عادل الكرعاوي، وقائد شرطة بابل اللواء علي كوة، والباحث والمترجم صلاح السعيد رئيس اتحاد ادباء بابل.
وبعد الاستماع الى الكلمات تابع الجمهور مشهدا مسرحيا قدمه الفنان ثائر هادي جبارة بالمناسبة.
وجرى الاحتفال في "حديقة الحرية" المطلة على شط الحلة، حيث ينهض النصب الذي انجزه النحات المعروف الفنان طه وهيب، تقديرا لمنجز الشاعر الراقي والغزير المعبر عن اوجاع الناس ومعاناة الوطن.
وجاء الاحتفال بمجمله تعبيرا عن اعتزاز ابناء الحلة وعامة العراقيين بالشاعر موفق محمد، وافتخارهم به وبانجازه الادبي، ومواقفه الوطنية والانسانية.
هذا وأشار مراسل "طريق الشعب" في الحلة محمد علي محيي الدين في تقريره عن الحدث، الى ان هذه هي المرة الاولى في تاريخ الحلة، التي يكرم فيها شاعر باقامة نصب له في حياته، وبحضوره شخصيا.
***********
وبالمتقاعدين احسانا!

تعتبر الدول المتقاعد مواطنا مميزا، وتوليه اهتمامها الكبير كونه أفنى زهرة شبابه في خدمة وطنه. فتسن قوانين وتشريعات من أجل إسعاده في الفترة الأخيرة من حياته، بعد أن قدم كل ما بوسعه لإنجاز المهام الوظيفية التي أوكلت إليه.
نخص هنا الشريحة التي يصعب تعويضها نظرا لما قدمته من إخلاص وإنجاز والتزام، وما حملته من خبرة متراكمة.. كل ذلك يؤكده الوضع السابق لمدارسنا ومؤسساتنا التربوية والتعليمية بكل مراحلها، وكذلك دوائرنا في كافة القطاعات.
نشير هنا إلى إنجازات متقاعدينا، في الوقت الذي نعوّل فيه على شبابنا اليوم، لأن يأخذوا أماكن آبائهم وأمهاتهم المتقاعدين، ويواصلوا ما أنجزه الأسلاف.
الموظف المسؤول اليوم، حين يضع قانونا أو يصدر قرارا ينصف فيه المتقاعدين، بالتأكيد سوف يشمله هذا الإنصاف مستقبلا، فموظف اليوم إنما هو متقاعد الغد. أما إذا وضع العراقيل أمام إنجاز ما يحتاجه المتقاعد، فلا بد أن يجني في المستقبل ثمار ما زرع من عراقيل!
نتساءل هنا عن أكثر ما يحتاجه المتقاعد اليوم، بغض النظر عن سن أو عدم سن القوانين الجديدة لتحقيق سعادته ورفاهيته. فأكثر ما يحتاجه المتقاعد هو تسهيل إنجاز معاملة تقاعده وعدم تأخير راتبه التقاعدي. وما جرى هذا الشهر من تأخير في تسليم المستحقات التقاعدية، يعد سابقة يجب الوقوف عندها ومعالجتها لعدم تكرارها، ثم محاسبة "المسبب" الذي هو بالتأكيد استلم راتبه في وقته المحدد!
قال أحد المتقاعدين، أنه وبسبب تأخر تسليمه مستحقاته، بدأ يستدين المال منذ منتصف الشهر الماضي ليعيل عائلته المؤلفة من 11 فردا، ويغطي تكاليف علاجات أمراضه التي ألمت به، مشيرا إلى ان هذا الحال يعيشه أغلب المتقاعدين.
واستهجن متقاعد آخر، قيام "مسؤول" بإصدار قرار يقضي بعدم صرف المستحقات التقاعدية، وكيف أن هذا القرار أصبح ساري المفعول وملزم التطبيق، بينما الأجدى بالمسؤول أن يصدر ما يسهل صرف المستحقات.
وتساءلت معلمة متقاعدة عن سبب افتعال هذه المشكلات حول مستحقات المتقاعدين، والتي لا تخلف سوى التذمر والغضب وزيادة وتيرة الاحتجاجات التي قد تربك عمل الدولة ومؤسساتها.
إننا في الوقت الذي نسجل فيه عدم رضا الجميع - متقاعدين وعائلاتهم ومتعاطفين معهم من مختلف شرائح المجتمع - بقضية تأخر تسليم مستحقات هذه النخب التي نعتبرها شموعا لا نزال نستنير بها، فإننا نطالب بالتعهد بعدم تكرار هذا الخطأ مستقبلا. فالتلاعب الكيفي بمستحقات الناس يعد تلاعبا بمعيشتهم وإفسادا لما يخططون له في تسيير حياتهم وحياة عائلاتهم.

شوقي الجاسم
*********
عاملات المنازل في العالم مستثنيات من الحماية في ظل كورونا*
متابعة "طريق الشعب"
أكدت نيشا فاريا، مديرة قسم مناصرة حقوق المرأة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن فيروس كورونا اقترن بوباء آخر، تمثل بفقدان الوظائف وانعدام الأمن الاقتصادي، مشيرة إلى أنّ عاملات المنازل هنّ الفئة الأكثر تضرراً، خاصة أن لديهن وظائف غير مستقرة وأنهن، غالبا، غير مؤهلات للاستفادة من الدعم الحكومي.
بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية هناك 67 مليون عاملة وعاملا منزليا في العالم 80% منهم نساء. ومع ذلك، 90% منهم/ن مُستثنون/ات من أي إجراءات حماية كالإجازات المرضية المدفوعة وإعانات البطالة. هذا هو الحال بشكل خاص في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، حيث يتركز أكبر عدد من عاملات المنازل.
ويظهر تقرير لـ “البنك الدولي” أن الكثير من البرامج تستبعد عاملات المنازل بالكامل.
منظمات العمال تناضل من أجل إلغاء الفجوات والضغط على الحكومات لشمل عاملات المنازل بتدابير الإغاثة الخاصة بها. وتستخدم المنظمات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل أخرى لحث أصحاب العمل على الاستمرار في دفع أجور العاملات حتى عندما لا يتمكنّ من العمل بسبب قيود التباعد الاجتماعي.
في البرازيل، يقوم الاتحاد الوطني لعاملات المنازل و”ثيميس”، وهو مجموعة معنية بالمساواة الجندرية، بحملة لحث أرباب العمل على تعليق عمل عاملات المنازل ودفع أجورهم أو تزويدهم بمعدات الحماية الكافية.
التحالف الوطني لعاملات المنازل في الولايات المتحدة في طريقه لجمع 4 ملايين دولار لتوزيعها على العاملات المنزليات. وبينما قد تكون بعض عاملات المنازل مؤهلات للحصول على إعانة اقتصادية تختلف بحسب الولاية، النسبة كبيرة منهن مهاجرات لا يحملن وثائق ولا يمكنهن بالتالي الحصول على الإعانات الحكومية.
يستحق مقدمو/ات الرعاية هؤلاء شبكات أمان تساويهم/ن بالعمال الآخرين كما معاملتهم/ن بكرامة.
وتختم فاريا بدعوة الجميع إلى الضغط من أجل إحداث تغيير بعيد المدى، خاصة أنّ منظمة العمل الدولية اعتمدت في العام 2011 “اتفاقية العمل اللائق للعمال/ات المنزليين/ات” وصادقت عليها 29 دولة حتى الآن. هذه البلدان مُلزَمة بضمان تمتع عاملات المنازل بالحماية القانونية أسوة بالعمال الآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وكالات – 8 أيار 2020
************
نقطة ضوء...
الطابق ١٥ .. فنتازيا وطن!

ابتداء لا بد من تسجيل الاعجاب بالفنان اياد راضي كممثل كوميدي من طراز متفرد، حيث اظهر طاقة خلاقة بتجسيد شخصيات متنوعة، وهو نادرا ما يكرر نفسه. لكن هناك اسفافا في الكوميديا في بعض اعماله المسرحية، مما جعل المتفرج ینأی بنفسه عن متابعة جهوده المثابرة لتحقيق نجومية من طراز مختلف.
الا ان ما قدمه راضي في حلقة "الطابق ١٥" قبل ايام، يختلف تماما عن بقية اعماله. اذ نراه ممثلا جادا بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى!
ومعني هذا انه اذا توفر "نص" خلاق، مكتوب بوعي لما يدور حولنا، مثل ما كتب المخرج المسرحي والكاتب السيناريست الشاب مصطفى الركابي، والمخرج التلفزيوني الشاب المبدع الذي يربط الاحداث بعين حاذقة سامر حكمت البيضاني، فان فنانا مثل اياد راضي يستطيع بكل امكاناته الحرفية والاكاديمية ان يحقق خطوة متقدمة في اتجاه الفنان "العضوي"، الذي يساهم في اعادة انتاج وعي المشاهد من خلال معاينة جوهرية لما يمر به الوطن من محن واشكالات. وهذا هو سر التعاطف الكبير من قبل المشاهدين مع هذه الحلقة من برنامج "كما..مات.. وطن"، التي صارت حديث مواقع التواصل والشارع على حد سواء!
اتفق الشابان مصطفى الركابي وسامر البيضاني على تقديم عمل فيه " فانتازيا"، يختلط فيه الوهم مع الواقع. الاموات حسب المفهوم الديني يبعثون يوم القيامة، الا انهم في عمل فنانينا ليسوا امواتا عاديين، بل مواطنين ذوو ضمائر حية، يحملون معهم هموم وطنهم وشعبهم، ويسترخصون دماءهم من اجل ان تشرق شمس تغير ما هو سائد من مشاكل وازمات! وقد جاء هؤلاء الافذاذ من شرائح مختلفة، فيهم الطبيب والمعلم والمضمد والكاسب والعامل والعاطل من الجنسين، حيث كان للمرأة في التظاهرات، التي ما زالت متواصلة، حضور غير مسبوق في كل تاريخ العراق السياسي!
وضمن هذه الفنتازيا الايجابية نرى الشهيد يأكل ويشرب ويدخن مع المتظاهرين، الذين لم يتاخروا في الاحتفاء بشهدائهم وبتواريخ استشهادهم. فالشهداء بالنسبة للمتظاهرين احياء في ضمائر الجميع.
" الطابق ١٥ " يتضمن رسالة تذكير الى رئيس الوزراء والحكومة الجديدة، بأن يبدأ الاقتصاص من القتلة باحالتهم الى محاكم فورية عادلة، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية او الطائفية!
الشهداء كانوا يحلمون بوطن جديد لا قتل فيه ولا اعتقالات او اختطافات ..وطن لا يكمم الافواه ..وطن يفتح ابواب الحرية واسعة.
الاوطان لا تموت مهما اشتدت آلة القمع، وسواء جاءت من داخل ام من خارج الحدود.
والمستقبل يرسمه هؤلاء الشبان، ادباء وفنانين ومتظاهرين، بدمائهم وبعطائهم!

طه رشيد
************
ام فرات..
بعد صمودها في التحرير.. مجدداً تعود الى الكادحين
بغداد – طريق الشعب
رغم مشاهد "العنف والموت" التي عاشها المحتجون السلميون في بغداد، إلا أنها واصلت الحضور في ساحة التحرير منذ بداية تشرين الاول الفائت، وساهمت في نصب اوائل الخيم تحت نصب الحرية متحدية الرصاص والدخانيات.
لم تتخلف ام فرات عن تظاهرات شباط 2011 وتموز 2015 غير أن الاحتجاجات الأخيرة في تشرين تبدو مختلفة عن سابقتها بالنسبة لها ولدعم الانتفاضة تجتاز هذه المرأة الشجاعة، كل يوم، أزقة وشوارع عديدة لجمع الأغطية والطعام والأدوية للمتظاهرين. وتفسر ذلك بالقول: "هذه إنتفاضة عفوية، لكنها نتاج تراكم وعي وان الجور والظلم لا يجب استمرارها، وأن القوى السياسية الفاسدة يجب أن تسقط ومعها الطغمة الحاكمة الفاسدة. انها تظاهرات لا يعلو فيها صوت مشبوه كما روج البعض، لذلك حاول الكثير من الجماعات التابعة لبعض القوى السياسية والقوات الحكومية المدنية، اختراق الساحات والخيمات وجر الشباب للعنف بهدف الإساءة للإنتفاضة وإنهائها.
ولم يقتصر دور أم فرات – كما هو حال بقية العراقيات المنتفضات - على رفع حماس المحتجين بالهتاف والأغنيات الثورية، بل انها تصدرت الصفوف الأولى في الاحتجاجات المتواصلة منذ ٦ أشهر. ولم تمنعها إصابتها بالإختناق لاكثر من مرة من مواصلة التظاهر، وتشبهها في هذا الإصرار العديد من الشابات.
وتقول لـ "طريق الشعب"، ان "النساء كن الأكثر حرصا على إسعاف وتضميد الجرحى، فتجدهن في احتكاك مباشر مع قوات مكافحة الشغب على جسري الجمهورية والسنك غير عابئات بالقنابل المسيلة للدموع ووابل الرصاص" وتضيف "رغم القمع والتهديدات، فإنه من المبهج رؤية نساء من مختلف الأعمار والمشارب الثقافية والاجتماعية في ساحة التحرير، حتى أن بعضهن نصبن خيمات وقررن الإقامة في الساحة".
وتتابع قائلة: "أجمل ما رأيته خلال إنتفاضة تشرين هو الوجود النسوي القوي، فالمرأة العراقية لم تعد تهاب الشارع، هؤلاء النسوة وجدن في التظاهرات فرصة لتحدي المجتمع الذكوري، والنظام الحكومي الذي عمد إلى تغييبهن وتسبب في تدهور وضعهن الاقتصادي، والذي تدفع ثمنه اليوم نساء كثيرات".
وخلال فترة الحظر الصحي، لم تكف عن التواجد في ساحة التحرير. اذ ساهمت في الحملة الوطنية لمكافحة وباء كورونا ووزعت الكثير من السلال الغذائية باسم الحزب الشيوعي العراقي، لإعانة الفقراء والكادحين في ساحة التحرير ومناطق السعدون والفضل والكرادة والزعفرانية. وكان مجموع ما وزعته حوالي 750 سلة غذائية.
وعن هذا النشاط تقول "إنخراطنا في الحملات الوطنية لإعانة الفقراء والكادحين خلال الحظر الصحي، وكان تكريسا لمفهموم الانسانية والتكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع".
وتضيف قائلة: "بكل تأكيد لم تكن حملتنا الوحيدة، بل أن هناك الكثيرين من ذوي الدخل الميسور سطروا وقفات إنسانية حقيقية ومشرفة تجاه ابناء شعبهم من المحتاجين، وهو ما نسعى إليه كي نزرع روح المسؤولية، ونقلل من الفوارق الطبقية في المجتمع".
الجدير بالذكر ان أم فرات عضو في الحزب الشيوعي العراقي منذ 45 عاما. وهي ناشطة في العمل النقابي كما انها ناشطة في مجال العمل الانساني والحراك الاحتجاجي بشكل عام ومدافعة عن حقوق النساء والاطفال بشكل خاص
ولم يمنعها سنها المتقدم ولا مرضها من مشاركة المتظاهرين يومياتهم. فهي تواصل النضال مقدمة الدعم اللوجستي للمعتصمين والفقراء، في سبيل إدامة زخم انتفاضة تشرين حتى تحقيق المطالب.