صرخات الاحتجاج والمعالجات الجادة المطلوبة / 02 آب/أغسطس 2015

لم يُفاجأ احد في الايام الماضية باتساع نطاق التحرك الشعبي واشتداده، غضبا واحتجاجا على ما آلت اليه امور الخدمات عامة ً، وما انتهى اليه واقع الكهرباء بوجه خاص، الذي كشف لهب هذا الصيف الاستثنائي عوراته بنحو غير مسبوق.
فالجميع من ناس هذا البلد المنكوبين بالارهاب والفساد يعانون الامرّين منذ بداية الصيف، وهم يواجهون الاوساط النافذة ووزاراتها والمؤسسات الرسمية المعنية، التي تصم الآذان تجاه اصواتهم ومطالباتهم المشروعة، بل وتجاه اجراس التنبيه والتحذير والانذار التي ظلوا يقرعونها من دون انقطاع .
انها صرخة احتجاج قوية هذه التي اطلقتها الجموع الساخطة المتظاهرة يومي الجمعة والسبت في بغداد والبصرة وكربلاء والنجف والمثنى، ويوم امس في الحلة والناصرية، ضد استمرار واستفحال المشكلة التي طال امدها اثني عشر عاما واستفحلت حتى تعفنت. وكانت هذه السنوات كافية لبناء منظومة كهرباء حديثة متكاملة، لا سيما وان التمويل اللازم بعشرات مليارات الدولارات كان مؤمّنا.
فاكثر ممثلي الحكومة اطلاعا يؤكدون ان ما خصص لقطاع الكهرباء في السنين المنصرمة بلغ حوالي 39 مليار دولار.
وبما ان انتاج الميغاواط الواحد من الكهرباء وفقا للمعايير العالمية والمعدلات الوسطية يكلف مليون دولار، فقد كان مفترضا ان يتوفر العراق اليوم على طاقة كهربائية تزيد في مجموعها على 39 ألف ميغاواط. الا ان المتوفر فعلا كما يشير الواقع يصل بالكاد الى 11 ألف ميغاواط. علما ان الحاجة الفعلية للناس وللبلد ككل لا تزيد حسب التقديرات الرسمية على 21 ألف ميغاواط.
ترى اين ذهبت الاموال الطائلة المتبقية؟ من المسؤول عن إهدارها؟ ومن المسؤول عن التلاعب بثروات الشعب، ومن ثم بأحوال الناس ومصائرهم في الاجواء الرهيبة في سخونتها التي تتقاذفهم اليوم؟
لقد وصل التذمر اليوم ذروة جديدة، ولم يعد يمكن احتمال التسويف والمماطلة. فلا بد للحكومة من ان تكون جادة في البحث عن الاسباب الحقيقية والمسببين الحقيقيين، ومحاسبة المسيئين، وفضح ما يقف وراءهم من مصالح غير مشروعة ومن اطماع لا تراعي حقوق الشعب ومصالحه، وتقديمهم الى القضاء العادل ليعاقبوا بشدة وبصورة علنية.
وينبغي القول هنا ان مسؤولية مأساة الكهرباء الراهنة لا يتحملها الوزير الحالي وحده، وهو مسؤول عن كشف الحقيقة وعن اتخاذ التدابير لتطويق بؤر الفساد والمفسدين في وزارته. وانما يتحمل المسؤولية جميع من شاركوا في رسم السياسة الاقتصادية في السنوات الماضية.
كما اننا لا نلقي مسؤولية الكارثة على عاتق الحكومة الحالية وحدها، والتي عليها ان تميط اللثام عن الحقائق في هذا الخصوص تماما. بل تتوجب مساءلة الحكومات السابقة منذ بداية التغيير في 2003 حتى اليوم، وبمستويات مختلفة، وكشف مسؤولية كل حكومة سابقة كانت تتحكم بما هو متاح لها من موارد، وكان بوسعها ان تصلح الحال ولم تفعل.
ان المطلوب الآن هو الاقدام على معالجات سريعة، تتلخص في اتخاذ اجراءات حازمة لتوفير المتطلبات الضرورية لانعاش ما هو متوفر من قدرات انتاج الكهرباء، وذلك بتوفير المحروقات (التي يثير عدم توفيرها حتى الآن العجب!) والقضاء على البيروقرطية، وملاحقة الفساد بحزم، وتنظيف مواقع القرار من المسؤولين الفاسدين الذين يسمون انفسهم "تكنوقراط" وهم ممن جاءت بهم المحاصصة، واعتماد الكفاءات النزيهة المخلصة بدلا عنهم، كذلك اعتماد معايير عادلة في توزيع الطاقة المتاحة على المواطنين كافة ومن دون تفضيل لمناطق سكن المسؤولين "المدللة".
وترتبط بذلك ايضا ضرورة المتابعة الجادة والحثيثة لتنفيذ مشاريع الكهرباء التي واجهت حتى الآن التعطيل والعرقلة، والتي يمكن ان ترفد احتياطي الطاقة.
ان من الضروري المباشرة العاجلة بتنفيذ هذا كله ليس فقط بسبب الحاجة الملحة اليه، بل كذلك لتأمين وقت محدد لانجاز دراسة تعالج المشكلة جذريا، بعيدا عن الطروحات المشبوهة والعقيمة التي ثبت فشلها في بلدان اخرى، والتي تهدف الى تكديس ارباح احتكارية ضخمة لاصحاب النفوذ والمال، عن طريق خصخصة مؤسسات الكهرباء، او بيعها كخردة، او تأجيرها بابخس الاثمان، وكل ذلك باسم "الاستثمار" وما شابه من التسميات المضللة.