نعم لإصلاح العملية السياسية.. لا لإسقاطها!

عقد مؤخرا في الأردن "مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق"، وعرف إعلاميا بكونه للمعارضين للعملية السياسية في العراق التي بدأت في 9 نيسان 2003، يوم احتلال العراق وسقوط نظام الطاغية صدام حسين.
ومن الواضح ان المشاركين فيه هم خليط غير متجانس جمعهم العداء للعملية السياسية في بلدنا والسعي لإسقاطها بالعنف وإغراق البلاد بالدماء وإعادتها الى عصور الظلم والقهر والاستبداد. وتشير المعطيات الى ان المجتمعين قد نصبوا أنفسهم ممثلين لطيف من أبناء شعبنا، في حين ان العديد من عشائر وقوى وشخصيات المحافظات الغربية والشمالية لم تحضر هذا المؤتمر ولها توجهات أخرى لا صلة لها بما تداوله المجتمعون في ضيافة عمان.
وبغض النظر عن الكلمات الموارية الواردة في بيان مؤتمر عمان عن "وحدة العراق" ورفض تقسيمه، وعن الدعوة الى مؤتمر يجمع كافة العراقيين، فان مجريات المؤتمر وهوية المشاركين فيه وتوقيت انعقاده بعد سيطرة داعش وحلفائها على عدد من مدن وطننا، وانشغال الكتل السياسية العراقية بتشكيل الحكومة الجديدة والانتقال الدستوري للسلطة، وما أعلنه من أهداف ومرامي، يكشف حقيقة المؤتمر ومعاداة المشاركين فيه للديمقراطية والتجربة العراقية، وحجم الدعم الإقليمي والدولي المقدم للمؤتمرين.
ان العديد من المشاركين في مؤتمر عمان لهم موقفهم الواضح المعادي للعملية السياسية وهم يعلنون ذلك، ويعملون من اجله ولا يتورعون عن ارتكاب المجازر تحت مسميات "الانتفاضة" و"الثورة". وهذا حقيقة ما يحصل اليوم على يد داعش الإرهابي الذي يقول عنه احد المؤتمرين بأنه "فصيل من فصائل المقاومة". فعن أية ثورة ومقاومة تتحدثون؟ لقد شوهتم المعاني السامية لهذه الكلمات، فما يحصل في مدننا المستباحة دليل قاطع على همجية ووحشية وعداء هذا التنظيم المسخ وحلفائه لأبناء شعبنا على اختلاف أطيافهم وقومياتهم وطوائفهم.
وإذ ندرك تماما ان هناك مطالب مشروعة لأبناء المناطق التي شهدت حراكا جماهيريا، ودعونا الى استجابة الحكومة الفورية لها وتلبيتها طالما هي لا تتقاطع مع الدستور والقوانين النافذة، وانتقدنا التلكؤ والتباطؤ في تنفيذها وحذرنا من ردود الفعل وإمكانية توظيف الحراك الشعبي السلمي لأهداف شريرة بانت الآن على نحو جلي، فاننا نشدد على ان طريق تنفيذ المطالب لا علاقة له من بعيد أو قريب مع ما يخطط له في الداخل والخارج للإجهاز على العراق الجديد الخارج من سيطرة الدكتاتورية والاحتلال.
إننا نعي بشكل جيد حجم المشاكل المتراكمة وما جلبه نظام المحاصصة الطائفية الاثنية من أزمات، وسوء إدارة البلاد والملف الأمني، ونزعات التفرد والإقصاء والهيمنة والتهميش، والافتقار الى الخطط الاستراتيجية على الصعد المختلفة، والضيق بالرأي الآخر، والعلاقات المتأزمة بين الكتل والقوى السياسية، وحالة الجفاء بين الإقليم والمركز، وبين الأخير والعديد من المحافظات، وكذلك سوء الخدمات وبقاء معدلات البطالة والفقر عالية وتفشي الفساد والمحسوبية والمنسوبية، ولكننا ندرك في ذات الوقت ان طريق معالجة المشاكل لا يمر عبر إسقاط ا?دستور والتجربة البرلمانية والمؤسسات الديمقراطية الناشئة، وهي حصيلة لا يمكن التفريط بها.
ونحن نميز تماما بين خطط الإرهابيين والمعادين لمسيرة بلادنا وأعداء العملية السياسية، وهي ما يتوجب التصدي لها ومحاربتها وهزيمتها، وبين السعي الجاد والمخلص والبناء لإصلاح العملية السياسية وإحداث التغيير المطلوب وفقا لإرادة شعبنا.
ان أعداء وطننا يلتقون وينسقون، ألا يحفز ذلك كل الوطنيين على الالتقاء والحوار الجاد والارتقاء بالجهد الوطني العام الى مستوى التحديات؟ والى الإسراع في تلبية الاستحقاقات الدستورية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الواسعة التمثيل ببرنامج واضح وملموس، لتهيئة مستلزمات معالجة ما تراكم من أزمات، واستنفار الجهد الوطني لتحرير مدننا المستباحة من الإرهاب ودحر مشاريعه، والمضي قدما على طريق بناء العراق الديمقراطي الاتحادي، الآمن والمستقر؟.