الخمسة دولارت حق مبرر وقانوني / الاربعاء 29 ك2 2014

في خطوة أثارت الغضب الشديد للمحافظات العراقية المنتجة للنفط، وشكّلت "صدمة" للجان المختصة في مجلس النواب، تضمن مشروع الموازنة الاتحادية الذي أحيل إلى مجلس النواب في 14 كانون الثاني الماضي تخصيص دولار واحد فقط للمحافظات المنتجة للنفط ضمن مشروع البترودولار، وذلك في مخالفة صريحة لنص المادة 44 من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل، والتي نصت على احتساب مبلغ خمسة دولارات بدلا من دولار واحد. وهو استحقاق طبيعي للمحافظات المنتجة للنفط والغاز .

وفيما أعلنت 8 محافظات نفطية، في اجتماع عقدته منذ أيام، رفضها الشديد للموازنة الحكومية، طالبت المحافظات الأربع الجنوبية (البصرة، ذي قار، ميسان، واسط) السلطة الاتحادية برفع التخصيصات إلى 5 دولارات وفقا للقانون، وخلاف ذلك أعلنت عزمها على اللجوء إلى مختلف الخيارات المتاحة للضغط من أجل الحصول على حقوقها، وهذه تشمل رفع دعوى قضائية ضد الحكومة، والخروج بتظاهرات شعبية حاشدة، والطلب بتحويل المحافظات إلى اقاليم، وصولا إلى التفكير بقطع امدادات النفط إلى بغداد. وفي مجلس النواب، عبرت لجنة النفط والطاقة عن صدمتها، فيما اتهم نواب مستقلون الحكومة بـ"تفخيخ" الموازنة لعدم قدرة المجلس على حل المسألة المحسومة قانونا.

وإذ تقر الحكومة بحق المحافظات في المطالبة برفع تخصيص البترودولار إلى 5 دولار للبرميل، تبرر موقفها بسعيها إلى خفض عجز موازنة 2014 الكبير البالغ حاليا 23 تريليون دينار، وبالتشكيك في قدرة المحافظات المنتجة للنفط على صرف المبالغ المخصصة لها .
إن بلادنا تجد نفسها مرة أخرى امام ازمة جديدة تزيد من أجواء التوتر وتحمل مخاطر تداعيات اقتصادية واجتماعية جدية بسبب ما ستسببه من تأخير في إقرار الموازنة العامة من قبل مجلس النواب، في ظرف دقيق يتسم بتدهور الأوضاع الأمنية واشتداد الاحتقانات السياسية والطائفية.
بدءاً، لا يحق للحكومة، في ظل دستور يدعو إلى دولة قانون، مخالفة نص قانوني صريح، وبغض النظر عن مدى صحة تبريراتها.
وهنا جملة افتراضات قابلة للطعن. فلماذا على المحافظات تحمل عبء العجز في الموازنة، فثمة أبواب ومجالات صرف غير ضرورية عديدة في ابواب الموازنة ينبغي النظر في تقليصها دون الالتفاف على القانون؛ على سبيل المثال لا الحصر، تخصيصات شراء العجلات والتأثيث والإيفاد غير الضروري ومظاهر البذخ والتدقيق في شروط التعاقدات والمراقبة والإشراف على تنفيذها لتجنب الهدر ومنع الفساد والتطاول على المال العام، وغير ذلك. ولكن ما يدعو إلى التنبه إلى محاذيره بصورة اكثر هو الميل الواضح نحو التشديد على المركزية والممانعة والتلكؤ في تمكين المحافظات من ممارسة الصلاحيات المنصوص عليها قانوناً. ويجوز التساؤل لماذا الافتراض ان السلطة الاتحادية اكثر قدرة وكفاءة من المحافظات في التصرف بالأموال؟ فمن المعروف ان من بين الأسباب المهمة لانخفاض نسب الإنفاق من قبل المحافظات هو التنازع في الصلاحيات والروتين، إلى جانب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، مع وجود عناصر ضعف الإدارة والفساد كما هو حال الإدارات الاتحادية.

إن مشروع الموازنة ينطوي على امور عديدة جديرة بالمناقشة والتوقف عندها مليا ولا يتسع المجال لمعالجتها هنا، ومنها العجز الكبير في الموازنة، الذي من المرشح ان يزداد اكثر بعد مراجعة مشروع الموازنة وتثبيت حق المحافظات في تخصيصات البترودولار وفق القانون. والبحث عن طرق لتخفيض العجز أمر مشروع ومطلوب، ولا سيما وان خبراء صندوق النقد الدولي حذروا من ارتفاع نسبة اعتماد الموازنة على إيرادات النفط وأسعاره العالمية التي بلغت مستويات تفرض التحسب إلى مخاطرها. وفي ضوء التذبذب في اسعار النفط على الصعيد العالمي وتوقعات انخفاض أسعار النفط خلال السنوات القادمة.

ولكن كما هو الأمر في الكثير من الأزمات الراهنة التي تهدد امن واستقرار واحوال البلاد، يأتي منهج وأسلوب المعالجة ليفاقم المشاكل بدلا من حلها. ففي ما يتعلق الأمر بموضوع الموازنة وتخصيصات البترودولار، الم يكن ممكنا التباحث والتداول والتنسيق مع الشركاء السياسيين ومع الحكومات المحلية وإشراكهم في عملية البحث عن حلول عملية وإيجاد توافقات مسبقة على الإجراءات والخطوات المطلوبة، وبصورة مبكرة؟
مع جدية التحديات التي تواجهها البلاد وتنامي مخاطر الإرهاب، فان من شأن نزعة التفرد وتكريس حالة الجفاء والتوتر وغياب الحوار، وإدراج الحسابات الانتخابية الضيقة في القرارات والإجراءات والمواقف ذات المساس بالأحوال العامة للمواطنين، أن تفاقم المشاكل وتضعف من إمكانيات البلاد في إحباط خطط المتربصين بأمنها وسيادتها ووحدتها الوطنية.