سوء التخطيط والادارة وراء "نقمة" الامطار 27 تشرين الثاني 2013

ما زالت تداعيات كارثة الامطار، وما نجم عنها من سيول وفيضانات وغرق، تتفاعل ومعها تتواصل معاناة المواطن في بغداد والعديد من المحافظات، فيما الكتل السياسية المتنفذة والقابضون على القرار يتراشقون بالاتهامات، ويلقون على بعضهم المسؤولية في ما جرى ويجري .
والحقيقة هي انه لا يمكن فصل المعاناة بسبب الامطار عن الحالة العامة التي يعيشها البلد، والفوضى الطانبة فيه، وسوء ادارة شؤونه، والازمات المتكررة التي يعاني منها. وهذا كله يجري على ارضية صراع مرير بين المتنفذين على المصالح والنفوذ والقرار، دون اهتمام جدي بمصالح الناس وهمومهم .
ان ما يحصل اليوم هو مشكلة قديمة متجددة، حولت نعمة المطر والفوائد الجمة المنتظرة منه الى نقمة. والسبب هو اهمال الخدمات وعدم انجاز المشاريع ذات الصلة بالمجاري وشبكات تصريف المياه في اوقاتها المحددة، رغم التخصيصات الكبيرة التي تقول لجنة الخدمات البرلمانية انها فاقت 37 مليار دولار ! فهذه المبالغ الضخمة لم تتحول حتى الآن الى مشاريع عاملة. وهذا كله ليس بعيدا عن سوء التخطيط وعدم الكفاءة، ولا عن الفساد المستشري والروتين، حتى ان نسب التنفيذ لم تتجاوز 40 بالمئة حسب اللجنة ذاتها .
صحيح ان الامطار لها قوانينها ونواميسها، ولكن الاستعداد المسبق والمخطط يمكن ان يجنب البلد مضارها او يقلل منها، وبما يعظم الاستفادة منها، خاصة اعادة بناء المجاري وانشاء الجديد العصري منها، وتوفير السدود والخزانات الكافية، لتصبح كذلك مصدرا لا غنى عنه لتزويد البلد بحاجاته من المياه، خصوصا في مواسم الشحة التي كثيرا ما نعاني منها، اضافة الى كونها مصدرا هاما لتوليد الطاقة الكهربائية، وغير ذلك .
يشير البعض الى ان كثيرا من الدول، وبضمنها المتطورة، تعاني من سيول الامطار والفيضانات الناجمة عنها. لكن هذا يحدث في حالات استثنائية متباعدة. اما في الاحوال الاعتيادية فالامطار الغزيرة لا تؤدي فيها الا الى غسل الشوارع وسقي الاشجار، قبل ان تسيح الى الخزانات المائية الكبرى، وفي النهاية وحتى لو امطرت السماء اسبوعا، لا تجد مياها متجمعة في الشوارع.
وعليه فالتصدي الناجع لما قد ينجم عن الامطار من اذى، يرتبط بالتخطيط السليم والتنفيذ الجيد للمشاريع ذات العلاقة، سواء في بغداد او المحافظات، وليس بانتظار لحظة غرق البيوت والمدن وشوارعها لاستنفار القوى، رغم اهمية ذلك في التخفيف من معاناة الناس وانقاذهم مما هم فيه، ومما يمكن ان تتسبب فيه الامطار من شل الحياة العامة وايقاف الدراسة وتعطيل مؤسسات الدولة وازهاق الارواح.
وما دمنا بعد في بداية فصل الشتاء، الذي قد يتكرر فيه ما حصل في الايام الماضية، فالمطلوب هو التهيئة الجيدة والاستعداد الفعلي لهذا الاحتمال، وتجنيب المواطنين عواقب الاضرار الناجمة عن المزيد من السيول والفيضانات، وبما يضمن انسيابية الحياة العامة بكل مفاصلها ومرافقها.
من جانب آخر ليس مقبولا على الاطلاق ان تتحول هموم الناس ومعاناتهم الى مادة انتخابية وموضوع لتطاحن المتنفذين على حساب المواطن الذي يئن. علما انهم جميعا، بهذه الدرجة او تلك، مسؤولون عما آلت اليه اوضاع البلد، ومسؤولون عن اسناد الوظائف العامة الى من هم غير مؤهلين، وغير قادرين على النهوض بها، فيما البلد يعج بالخبرات والكفاءات الوطنية، التخطيطية والتنفيذية، التي يُحال بينها وبين خدمة بلدها، استمراء للتشبث بالحكم على وفق نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية .
والآن وقد حصل ما حصل، لا بد من استنفار كل الجهود، بعيدا عن المزايدات والفعاليات الاستعراضية، لانقاذ الناس والاسراع في تعويضها وتقديم الخدمات اللازمة لها، ومساعدتها على اعادة بناء بيوتها ومزارعها ، وليس انتظار عام آخر يضاعف الهموم والمشاكل.