لنبحث جميعاً عن روافع الإنقاذ!

الإرهابيون مجرمون قتلة، لا وازعَ أخلاقيا، دينيا، إنسانيا عندهم . القتل العمد والتلذذ بالدماء ديدنهم! هم سواء مهما كان أصلهم وفصلهم، ألوانهم وأشكالهم، دينهم ومذهبهم. هويتهم معروفة ورسالتهم السياسية التدميرية واضحة.
فهل هذا يكفي حتى لا نتيح فرصة للبعض في أن يقول بأحادية الموقف والنظر بموقف مسبق من التدهور الأمني الحاصل أمامنا، وما عاد مقتصرا على مدينة ومحافظة بعينها؟ اذا كان لا يكفي فنستطيع الإضافة قائلين بان الإرهاب لا دين ولا قومية له، ولا يميز بين عربي وكردي وتركماني، ولا بين مسلم ومسيحي وايزيدي وصابئي، ولا بين سني وشيعي، هو يستهدفهم جميعا، يستهدف الإنسان والحياة. فالإرهابيون اعداء الحياة مهما ساقوا من ذراع مهلهلة، وتسموا بأسماء موضع احترام واعتزاز، هم أول من أساء ويسيء إليها.
ألا يكفي هذا التوصيف؟ لا بأس لنضيف بان الإرهابيين على اختلاف عناوينهم، هم المسؤولون عن إراقة دماء العراقيين، سواء بأجندات داخلية ام خارجية، وتهجيرهم من دورهم ومدنهم وقراهم، وسبي النساء وانتهاك الأعراض واخذ الخاوات وانتزاع الأموال وسرقتها، وإشاعة قيم القتل والخطف بدم بارد على حساب قيم المحبة والتسامح والإخوة والإنسانية. هم ليسوا منا، منطقهم لا صلة له بتراث شعبنا وقيمه ومبادئه. هم شواذ، وشذاذ آفاق في عالم ينشد الحرية والسعادة والأمان ويتعامل مع الإنسان كقيمة عليا.
ومرة أخرى ألا يكفي هذا التوصيف للمجرمين القتلة؟ وأيضاً لا بأس من القول بأنهم يريدون تعطيل الحياة العامة، وإضافة كوابح جديدة في طريق العملية السياسية، وإشاعة حالة اللاستقرار والفوضى والعودة ببلادنا الى المربع الأول، وتنفيذ أجندتهم الظلامية والعودة بنا الى القرون الوسطى ونموذجها قندهار بصيغها المتعددة.
وعلينا واجب الذكر أن هناك أناساً شرفاء كثر في القوات الأمنية، منهم من سقط شهيدا دفاعا عن المواطنين وحقهم في الحياة، وهم يستحقون التكريم ورعاية عوائلهم.
وبعد كل ما سطرناه أعلاه من موقف رافض للإرهابيين وأفعالهم المشينة والمدانة ألا يحق لنا أن نتساءل عن مسؤولية وقف هذا الإزهاق اليومي لأرواح العراقيين، بأشكال متعددة والموت واحد، وعن شلِّ يد المجرمين القتلة وتجفيف منابع الإرهاب؟ وعن المسؤول أمام هذا التدهور الذي غدا يوميا والناس تسمع ليل نهار عن خطط جديدة، ومشاريع فاعلة، وعمليات كبرى، تجعل المواطن قاب قوسين او أدنى من الاعتقاد بان نصرا مبينا على القتلة قادم؟!
انه الاستخفاف بعينه بدم العراقيين عندما يجري الحديث والنقاش بأمور لا صلة لها بحفظ أرواح الناس، من قبيل هل ما يحصل هو انهيار أو انفلات امني أم انكسارات أم خروقات أمنية؟ سموها ما شئتهم والحقيقة الناصعة تقول إن أبناء شعبنا يعانون القتل اليومي، ومضايقات المليشيات، والخطف، والاعتقالات العشوائية، سواء ضحية العملية الإجرامية شخصين أم عشرة أو مئات؟ فلا تنكئوا الجراح بهذه التصريحات في وقت صبغت شوارع بغداد والمحافظات بدم العراقيين الذي اختلط رغما عن نهج الطائفيين.
وليس بعيدا عن هذه اللوحة المعقدة إجراءات أجهزة السلطة وبعض مواقفها غير المدروسة، وغير الموفقة، وبعض عملياتها لمكافحة الإرهاب غير المستندة الى معطيات موثقة مما يجعلها خبطا عشوائياً يفاقم الأمور ويزيدها تعقيدا على ما هي عليه ويدفع الكثير من الناس الى حالة الإحباط واليأس.
ونذكر، من جديد، وعسى أن تنفع الذكرى، بان مسلسل الإجرام والقتل، لا يكفي لوقفه والإجهاز على الإرهابيين ومشاريعهم الشريرة، العمل العسكري لوحده رغم أهميته، فالأمر يحتاج الى مقاربات متعددة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية. وفي هذا الملف الشائك، كما في غيره لا يصح الإصرار على منهج وموقف اثبت فشله وقاد البلد الى ما نحن فيه من اوضاع مزرية لا يحسدنا عليها احد. انه الزمن المطلوب للمراجعة والتدقيق والبحث على مستوى الدولة والمجتمع عن روافع الإنقاذ قبل فوات الأوان.
الناس شبعت من عسل الكلام والوعود الوردية، فيما واقع الأزمة المتعدد الجوانب يؤشر كل يوم الحاجة الى الإصلاح والتغيير بالمنهج والآليات والأدوات، وعلى كل الصعد ومن يقف بوجه تنفيذ ذلك فهو شاء أم أبى يساهم في دفع البلاد نحو المجهول!