المطلوب إرادة وطنية لوقف التدهور

تتوالى الأيام وتتكرر الاحداث المأساوية وكأنها مشهد محكم الضبط يعاد إنتاجه حسب الرغبة السوداء المحملة بالحقد على الانسان والحياة. ها قد عاشت بغداد، والعديد من مدن المحافظات العراقية يوماً دموياً مفجعاً جديداً راح ضحيته العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والمصابين، فلا نكاد نذكر رقماً لعدد العمليات الارهابية والعجلات المفخخة التي يتم تفجيرها ولأعداد الضحايا القتلى والجرحى حتى تطالعنا الوكالات الاخبارية بالجديد منها.
امام هذه الفوضى المدمرة التي نجد فيها الارهابيين يعبثون بحياة المواطنين وبأمن وسلامة مدننا ويفرغون حقدهم الاسود في ارواح شبابنا ونسائنا وأطفالنا وشيوخنا حيث تشير آخر الإحصائيات الى سقوط 66 قتيلا و232 جريحاً ( حتى كتابة هذه السطور مساء يوم أمس الأثنين) والأعداد مرشحة للازدياد، يقف ابناء شعبنا تتنازعهم مشاعر الحزن والغضب والحيرة والإحباط في آن. يعتصرهم الأسى والألم وقد فقدت العشرات من البيوت معيلها وترملت نساؤها وتيتم ابناؤها، ويعتمل في صدورهم الغضب ضد مرتكبي هذه الجرائم والمتعطشين للدماء وحاصدي ارواح الابرياء، وتتقاذفهم الحيرة امام استباحة بغداد والبصرة والكوت والسماوة وكركوك والموصل وديالى وغيرها من قبل الارهابيين وقواتنا الأمنية تشهد حالة استنفار منذ هروب المئات من عتاة مجرمي القاعدة من سجن "ابو غريب"، ونقاط السيطرات متشددة في إجراءاتها والحواجز تقطع الاحياء وتعطل حركة العجلات والسابلة، والاحباط هو المهيمن بسبب الفشل المريع والمتكرر للخطط والإجراءات التي تكررها على الجهات المعنية وللنقض المتواصل للوعود والعهود.
لم يعد كافياً توجيه اللوم والنقد الى الاجهزة الأمنية بفشل الخطط والاجراءات التي لم تثبت جدواها والتي تحولت الى عقوبة اضافية الى المواطنين تتمثل بمزيد من الازدحامات المرورية من التشديد، وعمليات التفتيش، والفساد وتواطؤ بعض عناصرها. فالايام والاحداث تؤكد بما لا يقبل التشكيك ان الحلول لا يمكن ان تقتصر على الجانب الأمني، وانما لابد ان تنطلق من فكرة استراتيجية ورؤية متكاملتين تستوعبان الابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للحالة. ومثل هذه المعالجة لا يمكن ان تتحقق دون اشراك جميع القوى الحريصة على مصير العملية السياسية ومشروع العراق الديمقراطي الاتحادي الموحد. ان هذه الموجة الدموية الجديدة من اعمال الارهابيين في غضون ايام قليلة تعاقبت فيها العمليات النوعية والاختراقات للارهاب التي هزت اركان الدولة واشاعت القلق داخل العراق وخارجه، تدفعنا الى التساؤل عمّا ينتظر الماسكين للسلطات للالتئام في اجتماع او مؤتمر وطني عاجل لبحث الاوضاع وبلورة الحلول المشتركة للخروج من مأزق البلاد وايقاف تدهور الاوضاع؟ الا يكفي سقوط المئات من الشهداء والاف الجرحى والعشرات من المفخخات وهروب المئات من المجرمين والقتلة. وشلل الحكومة والبرلمان لان يتداعوا للالتقاء ودعوة سائر القوى والشخصيات المشاركة في العملية السياسية للتحاور والعمل سويا لايجاد المخارج والحلول؟
ان الاستمرار على نهج تغليب المصالح والاعتبارات الفئوية والحزبية والسياسية الضيقة على مصلحة الوطن والمواطن انما يعكس نوعاً من اللامبالاة والاستهانة بدماء العراقيين بما فيهم الأجهزة الأمنية، وارواحهم وبمصير البلاد.
فالمطلوب اتخاذ اجراءات حازمة بحق المقصرين والمتهاونين وغير الكفوئين ممن لهم صلة بالملف الأمني، والاعتماد على ذوي الخبرة من العسكريين المهنيين المخلصين للوطن وللعراق الجديد. وعلى قادة القوى السياسية المتنفذة ورؤساء الكتل الكبيرة واصحاب القرار في السلطات التنفيذية والتشريعية العمل باسرع وقت لعقد مؤتمر او اجتماع وطني لمعالجة ازمة البلاد والخروج بالحلول التوافقية لمواجهتها واعادة النظر في تشكيلات الحكومة والسلطة التي تعاني من عدم الانسجام والضعف والعجز باعتراف قادة البلاد. وكما تتطلب اهداف الحفاظ على الوحدة الوطنية احباط محاولات تفجير الصراعات الطائفية والعمل على ان يكون هناك اصطفاف وطني عام عابر للطوائف والفرعيات لاحداث انعطافة في البلد تؤمن له الامن والاستقرار ومواصلة السير على طريق بناء تجربته الديمقراطية الحقة.
نتوجه بأحر التعازي وبمشاعر التضامن لذوي الشهداء والتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين، من العسكريين والمدنيين، وبتوفر الأمن والأمان في سائر ربوع عراقنا الحبيب.