كفى تدافعا على المناصب والمكاسب!

تمت في 29 أيار الماضي المصادقة النهائية على نتائج انتخابات مجالس المحافظات، التي كانت حصيلتها قد ظهرت جلية قبل ذلك بكثير. وهذا يعني أن الكتل السياسية توفرت على وقت كاف للتمعن في النتائج، وتحديد خياراتها وتوجهاتها في ضوء ذلك على الرغم مما شاب الانتخابات من هفوات ونواقص، شخصها العديد من تقارير المنظمات التي راقبتها وقالت كلمتها فيها.
وقد عكست النتائج حالة حراك في موقف الرأي العام وفي اتجاهاته؛ وهو حراك غير بعيد عن حصيلة عمل المجالس السابقة، وعن دور المسؤولين في الحكومات المحلية ومدى استجابتهم لحاجات المحافظات وتنفيذهم الوعود التي كانوا قد أطلقوها خلال الحملات الانتخابية.
ويراقب المواطنون في المحافظات الآن بقلق ما تشهده المحافظات من تدافع في إطار تقاسم المناصب، رغم أن الكتل الكبيرة بوجه خاص أعلنت هذه المرة أيضا، أن همها هو خدمة المواطن وأنها عازمة على تكريس طاقاتها لتنفيذ البرامج الخدمية، لا سيما وان الاتجاه العام هو رفع صلاحيات المحافظات، بمجالسها وحكوماتها المحلية، ورصد التخصيصات الكبيرة لها، إضافة الى كون الموازنة الجديدة (لعام 2013) قد حملتها تنفيذ بعض مشاريع الوزارات الاتحادية.
ان المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتق مجالس المحافظات والحكومات المحلية لا تنسجم على الاطلاق مع ما نشهده من مزايدات سياسية وضغوط ومناورات ومناكدات، وتغليب ظاهر للمصالح الحزبية والفئوية الضيقة، وعقد تحالفات سرعان ما يبيّن طابعها وغاياتها انها مكرسة لخدمة تلك المصالح لا غير، فضلا عن السعي لجعل ما حصل في هذه الانتخابات مقدمات لانتخابات مجلس النواب القادم. أن في هذا كله استهانة كبيرة بالناس وبمصالحهم، وسعي لفرض اجندات سياسية على واقع تمس فيه الحاجة إلى خدمة المواطن وتعزيز الوحدة الوطنية والاتفاق على برامج تعالج المشاكل العويصة التي تعاني منها المحافظات. خصوصا وانه لم يبق لتنفيذ موازنة 2013 إلا ستة أشهر، فيما الحكومات المحلية لم تباشر عملها حتى الآن ولا تزال كتلها السياسية غارقة في ترتيب اصطفافاتها وتحالفاتها.
لا شك طبعا في حق الكتل السياسية في الدعوة إلى برامجها وشعاراتها ، وفي التهيئة لانتخابات مجلس النواب. أما أن يتحول ذلك إلى كابح لانطلاق العمل الذي تنتظره الناس وتمس حاجتها اليه ، فأمر لا حق لأحد فيه، وهو محبط للمواطنين الذين يعبرون اليوم عن سخطهم بالتظاهر عفويا في بعض المحافظات، مطالبين بتوفير الخدمات ولا سيما الكهرباء لمواجهة الصيف الذي يتوقع ان يكون لاهبا ومتربا.
إن الناس التي طالت معاناتها تستحق شيئا آخر غير العراك والتدافع على المناصب. وحري بالكتل السياسية المتنفذة ان تدرك واقع القلق والانتظار السائد، وان تبادر الى تحمل المسؤولية والى الوفاء بوعودها. كذلك ان لا تحمل مجالس المحافظات وحكوماتها اكثر مما تتحمل، وان تكون قريبة من اختصاصاتها وتضع لها البرامج وتحدد الاولويات حسب حاجة محافظاتها التي تعج بالمشاكل، وان تسعى حقا وبجد الى تشكيل الحكومات المحلية وتوزيع المسؤوليات فيها وفي مجالس المحافظات على اساس الكفاءة والنزاهة والشراكة الحقيقية، والجدية في خدمة الناس ومصالحهم والحيلولة دون اعادة انتخاب الوجوه القديمة ، التي ثبت فشلها وما زالت شبهات الفساد تحوم حولها. علما ان كل اختيار تقدم عليه المجالس الآن يجب ان يكون موضع مراقبة ومساءلة وان يكون قابلا للتغيير اذا لم يثبت من يقع عليه الاختيار اهليته وكفاءته.
ومن نافل القول ان من شأن اعتماد ذلك ان يعطي للمجالس زخما وحيوية وفاعلية، وان يمكنها من الاسهام في بناء محافظات متطورة ومزدهرة وآمنة، تتجاوب مؤسساتها مع حاجات الناس على نحو أفضل.