تعزيز الجبهة الداخلية هو خيار العراقيين .. قمة الرياض والتوجهات الجديدة / الأثنين, 29 أيار 2017

شهدت العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، قمة (عربية إسلامية – أمريكية)، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استبقها ومعه فريقه الحكومي بجملة تصريحات حول "عودة الدور القيادي الأميركي في المنطقة".
وهذا بالفعل ما أوحت به الأجواء المحيطة بزيارة ترامب إلى المنطقة، وما كشفته نتائج القمة المذكورة ومقرراتها، التي قد نشهد ترجمتها الملموسة خلال عام من الآن.
وبالإضافة إلى مسعى تثبيت الهيمنة الامريكية على المنطقة، بينت التصريحات التي أطلقها عديد من رؤساء وملوك الدول المعنية بالقمة، تبدل الاولويات تجاه قضايا المنطقة الساخنة.
فقد تجاهلت القمة القضية الفلسطينية وتمادي الاحتلال الاسرائيلي في ضرب مشروع السلام وحل الدولتين؛ وجاء هذا التجاهل لقضية القضايا في منطقتنا متزامنا مع اضراب الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وارغم في النهاية السلطات الإسرائيلية على الاستجابة إلى مطالبهم.
و في مقابل هذا الموقف الخليجي العربي المنسجم مع الرغبات الامريكية والاسرائيلية، تجاهلت الادارة الامريكية الإشارة إلى ملف حقوق الإنسان والحريات في دول الخليج والمنطقة، في صفقة سياسية واضحة إلى جانب أخرى مالية ضخمة قدرت ب 460 مليار دولار على مدى عشر سنوات تمثلت بعقود تسليح للسعودية، واستثمارات لاعادة تأهيل البنى التحتية في امريكا. وليس خافيا هدف هذه الصفقات غير المسبوقة في استرضاء الرئيس الأمريكي وتعزيز مواقعه غير الثابتة في بلاده.
وإذا كانت العقود الخليجية الطائلة التي ربحتها إدارة ترامب، تشكل معينا كبيراً له في تنفيذ سياسته الهوجاء داخل وخارج أمريكا، فان ذلك جاء مقابل دور رئيسي للسعودية في المنطقة، وتزكية للتحالف العسكري الذي تقوده في اليمن، رغم كل المؤاخذات عليه.
ليس هذا فحسب، إنما تضمن "إعلان الرياض" تأسيس تحالف دولي شرق أوسطي، لا يستثني احتمال مشاركة صريحة او خفية لاسرائيل، يعيد الى الأذهان "مشروع الشرق الاوسط الكبير"، وأهدافه ومراميه المريبة.
ورغم أن الهدف المعلن للتحالف المزمع تشكيله في العام 2018، هو مواجهة "الإرهاب والتطرف"، إلا أن قمة الرياض أشهرت العداء الواضح تجاه إيران. وأوحت التصريحات الرسمية من جانبها بأن هذا التحالف يجيء أولاً وأخيراً لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
إن ما يثير المخاوف بعد قمة الرياض، هو بالتأكيد الوجهة الجديدة التي رسمتها هذه القمة للصراع في المنطقة، وإعلانها بعده الطائفي وتجاهله قضايا الشعوب العادلة، وانشغاله بالمصالح الضيقة، على حساب المآسي التي تعيشها منطقتنا.
وبدلا من الشروع في إطفاء الحرائق في المنطقة بحكمة وتعقل عبر الحوار والتقارب، فان ما اسفرت عنه القمة، هو تعميق الاستقطاب والتوتر الإقليميين والدوليين، والدفع بسباق التسلح إلى الأمام، ما لن يجلب للمنطقة سوى المزيد من الخراب.
وما يحظى باهمية خاصة بالنسبة للعراق، في كل هذا وذاك، هو انعكاسات هذا التوجه على العراقيين، الذين لا مصلحة لهم في تعمق الاستقطابات الاقليمية والدولية وعسكرة المنطقة.
فمسؤولية الدولة العراقية ومؤسساتها، هي تجنب التخندقات والانخراط في سياسية المحاور، والحفاظ على علاقات حسن الجوار، والعمل على الاستفادة من كل الامكانيات المتاحة لاستكمال تحرير الأراضي العراقية وإعادة إعمار ما دمره الإرهاب والحرب ضده.
ان المشاريع الإقليمية والدولية التي تكشف عن نفسها كل يوم، تؤكد ما نطالب به على الدوام، من تعزيز لجبهتنا الداخلية وإعادة بناء اللحمة الوطنية، بما يمكن العراقيين من التصدي بحزم للتدخلات الخارجية، ويفتح آفاقا رحبة امام تطور البلاد وتبوئها مكانتها الريادية في المنطقة.