المطلوب تفكيك نظام المحاصصة / الأربعاء, 13 نيسان/أبريل 2016

شهدنا أمس الأول طورا جديدا في الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، مع إعلان مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس النواب الذين ينتمون إلى كتل سياسية مختلفة، احتجاجهم على الطريقة التي ادارت بها رئاسة المجلس، بالتفاهم مع رئاسة مجلس الوزراء، عملية التعديل الوزاري، وتأجيل مناقشة قائمة ترشيحات الوزراء الجديدة، التي جاء بها رئيس الوزراء وعدم عرض القائمة على المجلس او تقديم التوضيحات اللازمة من قبل رئيس الوزراء، بدوافع مختلفة. واعتصم النواب المحتجون لليوم الثاني في مبنى المجلس، معلنين سخطهم على تمسك الرئاسات الثلاث وقيادات العديد من الكتل المتنفذة بنهج المحاصصة وسعيهم لتكريسه، كما اظهرت "وثيقة الاصلاح الوطني" التي تم التوقيع عليها منذ يومين.
ولم توفق الجلسة الطارئة للمجلس ظهر أمس في تهدئة الأوضاع وقد جاءت كسابقاتها صاخبة وعاصفة، وتخللتها ممارسات مؤسفة وصلت حد التراشق بقناني الماء! فمسار الأزمة يبقى تصاعديا وبات منفتحا على احتمالات عديدة، منها المطالبة بحل مجلس النواب كما صرّح الناطق باسم رئاسة المجلس.
إن استمرار الاحتقان السياسي واشتداده وانتقال حالة الاحتجاج والغضب إلى داخل قاعة مجلس النواب وشمولها معظم الكتل السياسية، يقدم دليلا أضافيا، إن كانت هناك حاجة لدليل، على إن نهج المحاصصة الذي تواصل معظم الكتل المتنفذة تمسكها به ودفاعها عنه، والذي حرصت بجلاء على تكريسه من خلال توقيع "وثيقة الاصلاح الوطني"، وبصورة مموهة في قائمة الترشيحات الوزارية الثانية لتشكيل الحكومة الجديدة، ان هذا النهج يظل منتجا للأزمات ومفاقما لها، وأن لا أمل في إصلاح حقيقي وشامل في إطاره.
إن "هبّة" البرلمانيين ليست إلا صدى متأخراً لاحتجاجات الحراك الشعبي، المتواصل أسبوعيا بإصرار مثير للإعجاب منذ ثمانية شهور ويزيد، والذي يطالب بنبذ نهج المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت، والضرب بشدة على الفساد وكبار الفاسدين والمفسدين، وإتخاذ إجراءات جادة لإصلاح وتغيير حقيقيين يشملان المنظومات السياسية والتشريعية والقضائية والإدارية، وبضمنها الهيئات المستقلة ومواقع الدرجات الخاصة.
ولكن بدلا من التجاوب الجاد مع المطالب الشعبية الواضحة، استمر اسلوب المماطلة والتسويف والالتفاف على هذه المطالب، لا سيما على صعيد ضرب الفساد وشبكاته والاقتصاص من كبار الفاسدين، واتخاذ خطوات جدية وحازمة لتفكيك نظام المحاصصة والابتعاد عن نهجه. وقد استمر هذا الاسلوب رغم الاسناد والدعم الواسعين الذين حظي بهما رئيس الوزراء شعبيا ومن طرف المرجعيات الدينية العليا ومن أوساط دولية وإقليمية.
وإزاء هذا التمادي والإصرار على المضي في طريق المحاصصة من قبل القوى المتنفذة، خلافا للارادة الشعبية ولمطالب قوى وأوساط سياسية واجتماعية متزايدة، كان لا بد للغضب الجماهيري أن يتنامى وأن تمتد رقعته إلى مفاصل مؤسسات الدولة السياسية والتشريعية، وأن يتخذ تعبيرات احتجاجية سلمية متنوعة ومتصاعدة. فلم يعد بالامكان غض النظر عن حقيقة أن لا إصلاح يرتجى من قوى المحاصصة، من دون ضغط شعبي متصاعد !
لقد جاءت الأزمة البرلمانية المتواصلة لتؤكد إن لا مخرج من الأزمات إلا بالشروع الجاد في تنفيذ الاصلاحات الحقيقية ومحاربة الفساد. وان تشكيل حكومة كفاءات نزيهة ومقتدرة مهنيا وإداريا ومتبنية لنهج الاصلاح وبعيدة عن قيود واشتراطات المحاصصة الطائفية والاثنية والحزبية الضيقة، يعتبر خطوة أولى ومدخلا ضروريا للشروع بتنفيذ حلقات الاصلاح الأخرى. وان التسويف والالتفاف على ذلك لن يؤديا الا الى اشتداد حدة الأزمة والاحتقان السياسي، والى اصابة مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية بالشلل، في الوقت الذي نواجه فيه مهمات تشديد الضربات على داعش، وتحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة تفرض الشروع بالاصلاح والتغيير.