الحوار هو السبيل لتطويق التداعيات ومعالجة الأزمة / االخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2017

شهدت محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في اليومين الماضيين، إجراءات أمنية وأخرى سياسية اتخذتها الحكومة الاتحادية لإعادة بسط سلطتها في تلك المناطق، عقب الاستفتاء الذي أجرته سلطات إقليم كردستان في 25 أيلول الماضي.
وكانت تلك المناطق قد خضعت لاشراف قوات الإقليم، منذ انسحاب وحدات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية منها في حزيران 2014.
ورغم هدوء الأوضاع الآن، نسبياً في المناطق التي شهدت تحركات عسكرية من قبل القوات الاتحادية (الجيش، الشرطة الاتحادية، الحشد الشعبي)، إلا أن الحذر والترقب مازالا يخيمان على الأجواء، خشية اندلاع صدامات مسلحة نتيجة توتر الأوضاع، لاسيما وإن صدامات مسلحة قد وقعت بالفعل، بشكل محدود، أثناء تبادل المواقع مع قوات البيشمركة.
ولابد من الإشارة إلى أنه من بين الازمات التي شهدتها البلاد، بقيت أزمة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، طوال سنوات، دون معالجة جدية تفضي إلى حل سياسي نهائي. وتفاقمت المشكلات وتشعبت كثيرا في الآونة الأخيرة، وتأزمت العلاقة بين الحكومتين، واشتدت الخلافات حتى وصل الحال إلى ما شهدناه. وهو ما يتحمل مسؤوليته جميع الأطراف السياسية المتنفذة، عراقية وكردستانية.
واليوم، وبعدما أصرت سلطة إقليم كردستان على إجراء الاستفتاء، متجاهلة الدعوات الكثيرة للعدول عنه، والجهود الرامية إلى تفادي تداعياته، وبعدما اتخذت الحكومة الاتحادية إجراءاتها لبسط سلطة الدولة في المناطق المتنازع عليها؛ يفرض الواجب الوطني على الجميع الابتعاد عن التصعيد والشروع في معالجات سياسية تفضي إلى حلول جدية وجذرية.
إن الركون إلى الحوار على أساس الدستور وما ينص عليه من توجه نحو البناء الاتحادي للدولة، وهو ما دعونا إليه قبل اشتداد الازمة، ومعنا قوى سياسية محلية ودولية عديدة، بات خياراً ضروريا لا يمكن تجاهله، ويجب أن يجري بعيداً عن منطق الغالب والمغلوب، ولما يضمن السلم الأهلي لجميع اطياف شعبنا، ويؤمن الحماية للمواطنين وممتلكاتهم ولمقرات الأحزاب والمنشآت الأخرى.
ولكن، كما ان الخيار العسكري ليس مقبولاً على الإطلاق، فانه لا يمكن الاكتفاء بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الاتحادية، للسيطرة على مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، فما جرى أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حزيران 2014، ولم يقدم حلا بديلاً بشأن المناطق المتنازع عليها. لذا فلابد من طمأنة سكان تلك المناطق، وتأمين استقرار للحياة فيها، عبر إيجاد صيغة إدارة مشتركة لها، متفق عليها، وفق الدستور والقوانين.
إننا في هذه الأوقات العصيبة، نجد أن الأوضاع تحتم على من يتصدون للمسؤولية، الاستماع لصوت العقل والحكمة، ورفض كل ما من شأنه أن يعمق الانقسام بين العراقيين، والتصدي للتدخلات الخارجية التي تريد تكريس اجنداتها المعادية للمستقبل الواعد في البلاد.
وما زالت أمام العراقيين تحديات جمة، أولها انجاز المهمة الوطنية الكبيرة، المتمثلة في استكمال المعركة ضد داعش الإرهابي وتحرير آخر ما تبقى بيده من أراضي بلادنا وتخليص أبناء شعبنا من شروره، والمباشرة بالمهمة الأخرى التي لا تقل أهمية لإعادة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم ومدنهم، وإطلاق حملة إعمار وبناء ما تعرض فيها للتخريب والتدمير، وتأمين سلامة المناطق المحررة وأمنها والسير قدما، بحزمة إجراءات متكاملة، لتجفيف منابع الإٍرهاب.
وعلينا التذكير ايضاً، بأن لا خلاص من الازمات وتعقيداتها، إلا بإجراء إصلاحات في بنية النظام السياسي، وتخليصه من المحاصصة الطائفية والاثنية، وما انتجته من فساد وتراجع في أداء المؤسسات، الأمر الذي تطالب به غالبية أبناء الشعب من مختلف الانتماءات الطائفية والقومية والاثنية.
إن أمام القوى السياسية الوطنية، مسؤولية تاريخية؛ مسؤولية العمل على فتح الافاق لمعالجة الازمات القائمة، ومنها أزمة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، بما يعزز فرص الحوار والتفاهم بعيداً عن منطق القوة والفرض. وبما يبعث الاستقرار والطمأنينة في نفوس العراقيين جميعاً.